الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-176-9
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٧

الفصل الثاني :

نتائج الحرب

٣٢١
٣٢٢

نتائج الحرب :

وقتل في بدر سبعون ، وأسر مثلهم.

وقيل : قتل خمسة وأربعون ، وأسر مثلهم.

ولعل منشأ هذا القول الأخير هو تسمية البعض لهذا المقدار من القتلى ، أو أكثر ؛ فتخيلوا : أن ذلك هو العدد النهائي ، ولكن ذلك لا يدل إلا على أن من عرفه ذلك الناقل هو هؤلاء ، لا على أن هؤلاء هم كل من قتل من المشركين.

واستشهد من المسلمين ، قيل تسعة ، وقيل أحد عشر ، وقيل : أربعة عشر ، ستة من المهاجرين ، وثمانية من الأنصار.

ولم يؤسر من المسلمين أحد ، وغنموا من المشركين مئة وخمسين بعيرا ، وعشرة أفراس ، وعند ابن الأثير ثلاثين فرسا ، ومتاعا ، وسلاحا ، وأنطاعا ، وثيابا ، وأدما كثيرا (١).

بطولات علي عليه السّلام :

وأكثر قتلى المشركين قتلوا على أيدي المهاجرين ، وبالتحديد على يد

__________________

(١) مغازي الواقدي ج ١ ص ١٠٢ و ١٠٣ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١١٨ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٨٣.

٣٢٣

أهل بيت النبي «صلى الله عليه وآله» ، وبالذات على يد علي «عليه السلام».

وقد سماه الكفار يوم بدر ب «الموت الأحمر» لعظم بلائه ونكايته (١) وكيف لا ونحن نرى الشعبي يقول : «كان علي أشجع الناس ، تقر له بذلك العرب» (٢).

وقد تقدم في الفصل السابق تحت عنوان : المبارزة ، قول بعض بني عامر في جواب حسان ، وقول هند في رثاء قتلاها.

وقال أسيد بن أبي إياس يحرض مشركي قريش على علي «عليه السلام» :

في كل مجمع غاية أخزاكم

جذع أبر على المذاكي القرح

الله دركم ألمّا تنكروا

قد ينكر الحر الكريم ويستحي

هذا ابن فاطمة الذي أفناكم

ذبحا وقتلا قعصة لم يذبح

أعطوه خرجا واتقوا تضريبه

فعل الذليل وبيعة لم تربح

أين الكهول وأين كل دعامة

في المعضلات وأين زين الأبطح

أفناهم قعصا وضربا يفتري

بالسيف يعمل حده لم يصفح (٣)

__________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ج ٢ ص ٦٨.

(٢) نور القبس ص ٢٤٩.

(٣) أسد الغابة ج ٤ ص ٢٠ و ٢١ ، وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ دمشق ، بتحقيق المحمودي ج ١ ص ١٥ ، وإرشاد المفيد ص ٤٧ ، والمناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١٢١ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٨٢ ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٨٨ ، وتيسير المطالب ص ٥٠. والجذع : الأسد. والمذاكي : الخيل بعد مضي خمس سنين من عمرها ، وضربه فأقعصه : أي قتله مكانه. ولم يصفح : أي لم يضرب بصفح السيف.

٣٢٤

وقال عبد الله بن رواحة :

ليهن عليا يوم بدر حضوره

ومشهده بالخير ضربا مرعبلا

وكائن له من مشهد غير خامل

يظل له رأس الكمي مجدلا (١)

إلى آخر الأبيات.

ولماذا لا يسمى «عليه السلام» بالموت الأحمر؟ وهو الذي تقول في حقه بعض الروايات : إن جبرائيل قد نادى بين السماء والأرض في بدر :

لا فتى إلا علي

لا سيف إلا ذو الفقار

ويقال : إن هذه المناداة كانت في أحد. وستأتي مع بعض الكلام حولها إن شاء الله.

وقد قتل «عليه السلام» من المشركين في بدر نصف السبعين ، وشارك في قتل النصف الآخر (٢).

وقد عد الشيخ المفيد ستة وثلاثين بأسمائهم ممن قتلهم علي «عليه السلام» (٣).

وقال ابن إسحاق : أكثر قتلى المشركين يوم بدر كان لعلي (٤).

وقال الطبرسي ، والقمي : إنه قتل منهم سبعة وعشرين (٥).

__________________

(١) المناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ٢٠ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٩٢ ، والمرعبل : المقطع.

(٢) راجع : نهج الحق الموجود في ضمن دلائل الصدق ج ٢ ص ٣٥٣. ولم يعترض عليه ابن روزبهان بشيء.

(٣) الإرشاد ص ٤٣ و ٤٤ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٧٧ و ٣١٦ عنه ، وإعلام الورى ص ٧٧.

(٤) المناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١٢٠ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٩١.

(٥) راجع : تفسير القمي ج ١ ص ٢٧١ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٤٠ عن مجمع البيان.

٣٢٥

وقال أسامة بن منقذ : قتل أربعة وعشرين سوى من شارك فيهم (١).

وقال الشبلنجي : قال بعضهم : «إن أهل الغزوات أجمعت على أن جملة من قتل يوم بدر سبعون رجلا ، قتل علي منهم أحدا وعشرين نسمة باتفاق الناقلين ، وأربعة شاركه فيهم غيره ، وثمانية مختلف فيهم» (٢).

وعد الواقدي اثنين وعشرين ؛ ثمانية عشر منهم قتلهم علي ، وأربعة مختلف فيهم (٣).

وعد المعتزلي ، وابن هشام (مع التلفيق بينهما) تسعة وعشرين قتلهم علي ، أو شرك في قتلهم من أصل اثنين وخمسين (٤).

وهذا الاختلاف ليس ذا أهمية ، فإن من يذكر هؤلاء أسماءهم إنما هم في حدود الخمسين ، أو أقل ، أو أكثر بقليل (٥).

فنجد عليا قد قتل من هؤلاء نصفهم أو أزيد. ولو أنهم اهتدوا إلى أسماء الباقين ، لارتقى عدد من قتلهم علي «عليه السلام» إلى نصف السبعين ، أو زاد ، عدا من شرك في قتلهم.

نعم هذه هي الحقيقة ، ولكن المؤرخين ، الذين جاؤوا بعد هؤلاء قد ذكروا من عدهم هؤلاء في ضمن الخمسين ، واعتبروهم جميع من قتل ، مع

__________________

(١) لباب الآداب ص ١٧٣.

(٢) نور الأبصار ص ٨٦.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ١٤٧ ـ ١٥٢.

(٤) راجع : سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٦٥ ـ ٣٧٢ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢٠٨ ـ ٢١٢.

(٥) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٢١٢ ، وابن هشام والواقدي وغيرهم.

٣٢٦

أنهم بعض من قتل.

ويلاحظ : أن البعض يعرف ممن قتلهم علي «عليه السلام» أشخاصا ، لا يعرفهم البعض الآخر ، وبالعكس. وذلك أيضا يؤيد صحة ما ذكرناه وذكره الشيخ المفيد وغيره ويؤكده.

وعلى كل حال ، فقد كان ممن قتلهم أمير المؤمنين «عليه السلام» في بدر : طعيمة بن عدي ، وأبو حذيفة بن أبي سفيان ، والعاص بن سعيد بن العاص ، الذي أحجم الناس عنه ، ونوفل بن خويلد ، وكان من شياطين قريش ، والعاص بن هشام بن المغيرة (١).

رواية مكذوبة :

وزعم البعض أن عمر بن الخطاب هو الذي قتل العاص بن هشام بن المغيرة (٢).

ويروون : أن عمر قد قال لسعيد بن العاص : إنه ما قتل أباه ، وإنما قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة (٣).

وهو كلام مشكوك فيه : فإن العاص هذا ليس خالا لعمر ؛ لأن حنتمة

__________________

(١) المنمق ص ٤٥٦ ، والأغاني ط ساسي ج ٣ ص ١٠٠.

(٢) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٦٨ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٤٥ ، وراجع نسب قريش لمصعب ص ٣٠١.

(٣) مغازي الواقدي ج ١ ص ٩٢ ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٨٩ ، ونسب قريش لمصعب ص ١٧٦ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٩٠ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٨١ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٣٣ ، والإصابة ، والإستيعاب.

٣٢٧

لم تكن بنت هشام بن المغيرة ، وإنما هي بنت هاشم بن المغيرة ، وقد غلط العلماء من قال : إنها بنت هشام (١).

وقال ابن حزم : إن هاشما لم يعقب سوى حنتمة (٢).

وقال ابن قتيبة : «وأم عمر بن الخطاب حنتمة بنت هاشم بن المغيرة ، ابنة عم أبيه» (٣).

بل لقد قيل : إن حنتمة هي بنت سعيد بن المغيرة (٤).

واحتمال البعض أن يكون أراد : أنه قتل هذا الذي من قبيلة أمه ، ويعد الناس كل أفراد قبيلة الأم أخوالا ، كما قال الشاعر :

ولو أني بليت بهاشمي

خؤولته بني عبد المدان

هذا الاحتمال خلاف الظاهر المتبادر من كلمة «خالي» فإن إطلاق كلمة أخوال على القبيلة لا يلزم منه صحة أن يقول الشخص : فلان خالي ، وهو ليس بخاله حقيقة ، فيصح قولهم : بنو مخزوم أخوالنا ، ولا يصح أن يقال : فلان المخزومي خالي ، لأن هذا الثاني ينصرف إلى الخؤولة الحقيقية.

بل لقد أنكر البعض أن تكون حنتمة مخزومية أصلا ، وقالوا : إن هاشما وجدها مرمية في الطريق ، فأخذها ، ورباها ، ثم زوجها الخطاب ، وإنما نسبت إلى هاشم بالتبني والتربية ، كما هي عادة العرب (٥).

__________________

(١) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ١٩.

(٢) جمهرة أنساب العرب ص ١٤٤.

(٣) الشعر والشعراء ص ٣٤٨.

(٤) تاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص ٢٠.

(٥) دلائل الصدق ج ٣ قسم ١ ص ٥٦.

٣٢٨

ما هو الصحيح إذا؟!

ولعل الأقرب إلى الاعتبار ، والمنسجم مع الوقائع ، والأجواء السياسية ، والأحداث ، هو الرواية التي ذكرها المعتزلي ، والشيخ المفيد ، وملخصها :

أن عثمان بن عفان ، وسعيد بن العاص ، حضرا عند عمر أيام خلافته ؛ فصار عثمان إلى مجلسه الذي يشتهيه ، ومال سعيد إلى ناحية ، فنظر إليه عمر وقال : ما لي أراك معرضا؟

كأني قتلت أباك؟

إني لم أقتله ، ولكن قتله أبو حسن.

وفي رواية المفيد ، أنه قال : فلما رأيت ذلك (يعني هياجه للحرب) هبته ، وزغت عنه ، فقال : إلى أين يا ابن الخطاب؟ وصمد له علي فتناوله ، فو الله ما فارقت مكاني حتى قتله.

وكان علي «عليه السلام» حاضرا ، فقال : اللهم غفرا ، ذهب الشرك بما فيه ، ومحا الإسلام ما تقدم ؛ فما لك تهيج الناس علي؟!

فكف عمر.

فقال سعيد : أما إنه ما كان يسرني أن يكون قاتل أبي غير ابن عمه علي بن أبي طالب (١).

فهذه الرواية التي تتضمن نجاة عمر على يد علي «عليه السلام» ، ليس فيها : أنه قتل خاله العاص بن هشام ، والذي لم يكن خالا له ـ كما قلنا ـ أو على الأقل يشك كثيرا في هذه الخؤولة.

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ١٤٤ و ١٤٥ ، والإرشاد ص ٤٦.

٣٢٩

وفي هذه الرواية دلالات أخرى لا تخفى ، ولا سيما في كلام علي «عليه السلام» وسعيد ، فليتأمل المتأمل في ذلك.

إشارة :

ويلاحظ : أن حرب بدر وأحد وغيرهما قد أثرت في قلوب القرشيين أثرا بعيدا حتى «قيل : كانت قريش وإذا رأت أمير المؤمنين في كتيبة تواصت خوفا منه.

ونظر إليه رجل ، وقد شق العسكر ، فقال : قد علمت أن ملك الموت في الجانب الذي فيه علي» (١).

قتلى المشركين في القليب :

وأمر رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالقليب أن تعور ، ثم أمر بالقتلى ، فطرحوا فيها. ثم نادى أهل القليب رجلا رجلا : هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا ؛ فإني قد وجدت ما وعد ربي حقا ، بئس القوم كنتم لنبيكم ، كذبتموني ، وصدقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس.

فقال عمر : يا رسول الله ، أتنادي قوما قد ماتوا؟

فقال «صلى الله عليه وآله» : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنهم لا يستطيعون أن يجيبوني (٢).

__________________

(١) محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني ج ٢ ص ١٣٨.

(٢) راجع : فتح الباري ج ٧ ص ٢٣٤ و ٢٣٥ ، وصحيح البخاري هامش الفتح نفس الموضع ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٢٩ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٨٦ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٢ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٣٣٣ و ٣٣٤.

٣٣٠

وقد أنكرت عائشة قول النبي «صلى الله عليه وآله» : لقد سمعوا ما قلت.

وقالت : إنما قال : لقد علموا ، واحتجت لذلك بقوله تعالى : (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى) الآية.

وبقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)(١).

في البخاري عن قتادة : إن الله رد إليهم أرواحهم فسمعوا ؛ وبهذا أجاب البيهقي (٢).

ونقول : إنه لو ثبت ما ذكره قتادة وصح ؛ فلا مانع من أن يكون معجزة لسيد المرسلين محمد «صلى الله عليه وآله الطاهرين».

وأجاب الحلبي : بأنه لا مانع من إبقاء السمع على حقيقته ، لأنه إذا قوي تعلق أرواحهم بأجسادهم أمكنهم أن يسمعوا بحاسة سمعهم ، لبقاء محل تلك الحاسة.

والسماع المنفي في الآيتين هو السماع النافع ، وقد أشار السيوطي إلى ذلك فقال :

سماع موتى كلام الله قاطبة

جاءت به عندنا الآثار في الكتب

وآية النفي معناها سماع هدى

لا يقبلون ولا يصغون للأدب

لأنه تعالى شبه الكفار الأحياء بالأموات في القبور في عدم انتفاعهم بالإسلام النافع (٣).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٢ ، وليراجع : مسند أحمد ج ٢ ص ٣١ و ٣٨ ، وغير ذلك.

(٢) راجع : البخاري باب غزوة بدر ، وليراجع : كلام المعتزلي في شرح النهج ج ١٤ ص ٢٧٩.

(٣) راجع السيرة الحلبية ج ٢ ص ٨٢.

٣٣١

مهجع سيد الشهداء :

ويقولون : إن مهجعا (مولى لعمر) هو أول من خرج بعد أن اصطفت الصفوف ، فقتل ، فنقل بعض المشايخ : أنه أول من يدعى من شهداء هذه الأمة ، وأن النبي «صلى الله عليه وآله» قال يومئذ : مهجع سيد الشهداء (١).

ولكن ذلك مشكوك فيه ، إذ :

١ ـ لماذا كان مهجع أول من يدعى من شهداء هذه الأمة ، ولماذا لا يكون ياسر والد عمار أو أمه سمية أول من يدعى من شهداء هذه الأمة؟! وهما أول من استشهد ، وكان ذلك قبل بدر بسنوات عديدة.

ولما ذا لا يكون عبيدة بن الحارث ، الذي قتل في نفس واقعة بدر قبل مهجع ، هو أول من يدعى منهم؟!.

٢ ـ قولهم : إنه أول من خرج بعد أن اصطفت الصفوف ، لا يمكن قبوله. فإن أول من خرج من المسلمين هم : علي ، وحمزة ، وعبيدة بن الحارث بن المطلب.

٣ ـ وكيف يمكن الجمع بين كون مهجع هو سيد الشهداء ، وبين روايتهم : أن حمزة هو سيد الشهداء (٢) كما سيأتي في غزوة أحد إن شاء الله؟.

ويقولون أيضا : إن عليا «عليه السلام» قد ذكر ذلك في شعره ، فقال :

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٦١ ، وراجع : المصنف ج ٥ ص ٣٥١.

(٢) سير أعلام النبلاء ج ١ ص ١٧٣ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٩٥ و ١٩٩ ، وتلخيص الذهبي (مطبوع بهامش المستدرك) ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٦٨ ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٧١ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ١٦٤ و ١٦٥.

٣٣٢

محمد النبي أخي وصهري

وحمزة سيد الشهداء عمي (١)

وقال «عليه السلام» : «ومنا سيد الشهداء حمزة» (٢).

٤ ـ وكيف يجتمع قولهم : بأن أول قتيل من المسلمين هو مهجع ، مع قولهم : إن أول قتيل من المسلمين هو عمير بن الحمام؟! (٣).

وحاول الحلبي الجمع : بأن عميرا أول قتيل من الأنصار ، وذاك أول قتيل من المهاجرين.

ثم أجاب عن هذا : بأن أول قتيل من الأنصار هو حارثة بن قيس.

ثم رده بأن حارثة كان أول قتيل بسهم لم يدر راميه (٤).

ولكن من الواضح : أن ذلك ليس إلا تلاعبا بالألفاظ ، فإنه إذا قيل : فلان أول قتيل من المسلمين ، أو في بدر مثلا ، لا ينظر في ذلك إلى آلة قتله ، أو إلى بلده ، أو نسبه. وإلا لقال : أول قتيل من المهاجرين مثلا ، أو من الأنصار ، أو بسهم ، أو نحو ذلك ، فإن هذا هو الأنسب والأوفق بمراده.

ولو صح كلام الحلبي ؛ فيرد سؤال ، وهو : لماذا يطلق على مهجع دون غيره ـ مثل عمير بن الحمام أو عبيدة ، أو حارثة بن قيس ـ لقب سيد الشهداء؟!

وما هو وجه اختصاصه بهذا اللقب دون هؤلاء؟!

__________________

(١) روضة الواعظين ص ٨٧ ، والصراط المستقيم للبياضي ج ١ ص ٢٧٧ ، وكنز الفوائد ج ١ ص ٢٦٦ ، والغدير ج ٦ ص ٢٥ ـ ٣٣ عن مصادر كثيرة جدا.

(٢) الإستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٢٧٣ ، والإصابة ج ١ ص ٣٥٤ ، وراجع : البحار ج ٤٤ ص ١٤٠ ، والمسترشد ص ٥٧.

(٣) الإصابة ج ٣ ص ٣١ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٦١.

(٤) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٦١.

٣٣٣

فهل لأنه كان قد عانى في سبيل الله ما لم يعان غيره؟!

أم لأنه كان يمتاز عنهم بفضائل أخلاقية ونفسانية؟!

أم لأنه كان مولى لعمر بن الخطاب؟!

وقد كان لا بد من أن تكون له فضيلة لم ينلها إلا سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب والحسين بن علي «عليه السلام»؟!

لا ندري ولعل الفطن الذكي يدري!!

ذو الشمالين :

واستشهد في بدر ذو الشمالين (سمي بذلك لأنه كان يعمل بيديه جميعا) واسمه عمير بن عبد عمرو بن نضلة بن عمرو بن غبشان (١). وتذكر هنا قضية سهو النبي «صلى الله عليه وآله» ، واعتراض ذي الشمالين عليه.

وحيث إن الكلام فيها يطول ، فنحن نرجئ الكلام عنها إلى فصل : «بحوث ليست غريبة عن السيرة» فإلى هناك.

وقبل المضي في الحديث عن سائر ما يرتبط بواقعة بدر ، نشير إلى الملاحظات التالية :

ألف : إهتمام علي عليه السّلام برسول الله صلّى الله عليه وآله في بدر :

عن علي «عليه السلام» قال : لما كان يوم بدر قاتلت شيئا من قتال ، ثم

__________________

(١) راجع : سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٣٣٧ ، والطبري في ذيل تاريخه ص ١٥٧ ، والإستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٤٩١ ، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص ٣٩٤ ، والإصابة ج ١ ص ٤٨٦ ، وطبقات ابن سعد ج ٣ ص ١١٩.

٣٣٤

جئت مسرعا لأنظر إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ما فعل.

قال : فجئت ، فإذا هو ساجد يقول : يا حي يا قيوم ، يا حي يا قيوم ، لا يزيد عليها. فرجعت إلى القتال. ثم جئت ، وهو ساجد يقول ذلك أيضا. فذهبت إلى القتال. ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك ، حتى فتح الله عليه (١).

ولا يعني ذلك : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يشارك في القتال في بدر أصلا ، فلعله شارك فيه في مراحله الأولى ، حيث لا بد من تشجيع المسلمين ، وتقوية قلوبهم ، حتى إذا تحقق له «صلى الله عليه وآله» هذا الهدف ، انصرف إلى الابتهال والدعاء. ويلاحظ هنا :

١ ـ إن عليا «عليه السلام» يتعاهد النبي «صلى الله عليه وآله» باستمرار ، ولا يغفل عنه لحظة واحدة ، حتى في هذا الموقف ، الذي تبلغ فيه القلوب الحناجر ، وتزيغ الأبصار.

كما ويلاحظ : أنه «عليه السلام» كان في سائر المواطن والأحوال يتعاهد النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويأخذ على عاتقه عهدة حفظه وحراسته ، فقد قال يحيى : حدثنا موسى بن سلمة ، قال : سألت جعفر بن عبد الله بن الحسين عن أسطوان علي بن أبي طالب فقال : إن هذه المحرس كان علي بن أبي طالب يجلس في صفحتها التي تلي القبر ، مما يلي باب رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحرس النبي «صلى الله عليه وآله» (٢).

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٧٥ و ٢٧٦ عن البيهقي وعن النسائي في اليوم والليلة ، وحياة الصحابة ج ١ ص ٥٠٢ عنه وعن كنز العمال ج ٥ ص ٢٦٧ عن الحاكم ، والبزار ، وأبي يعلى والفريابي.

(٢) وفاء الوفاء ج ٢ ص ٤٤٨.

٣٣٥

وذكر السمهودي هذه الأسطوان في كتابه باسم «أسطوان المحرس» (١).

٢ ـ يلاحظ : مدى اهتمام الرسول «صلى الله عليه وآله» في هذه اللحظات الحرجة بالدعاء ، والاتصال بالمبدأ الأعلى ، مصدر القوة والفتح والظفر ، يتصل به ليهب المسلمين اليقين ، والصبر ، وليشملهم بعناياته وألطافه ، فبدون ذلك لا يمكن النصر ، ولا قيمة للظفر.

٣ ـ كما أننا نجد أمير المؤمنين «عليه السلام» ، الذي كان أكثر الناس عناء في هذه الحرب ، قد قتل نصف السبعين ، وشارك في النصف الآخر ، نجده يقول : «حتى فتح الله عليه» فهو ينسب الفتح والظفر إلى النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ، ولا يرى لنفسه ، ولا لغيره أثرا يستحق الذكر في هذا المجال.

ب : الحرب مصيرية :

وواضح : أن كلا من الفريقين كان يعتبر أن هذه الحرب مصيرية بالنسبة إليه ، فالمسلمون وعلى رأسهم الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» يعتبرون : أنهم لو غلبوا فلن يعبد الله في الأرض بعد. والمشركون أيضا يريدون أن يأخذوا المهاجرين أخذا ، ليعرفوهم ضلالتهم ؛ وأن يجزروا أهل يثرب جزرا ، حتى لا يتجرؤوا على ممالأة عدو لهم أبدا ، وكي لا يستطيع أحد أن يعترض طريق تجارتهم ، وتهابهم العرب.

نعم هذا هو المهم لدى جماعة متهالكة على المال والجاه والدنيا. ولأجل

__________________

(١) المصدر السابق.

٣٣٦

ذلك بالذات آذوا النبي «صلى الله عليه وآله» ومن معه ، وأخرجوهم ، وحاربوهم ، وهم أبناؤهم ، وإخوانهم وآباؤهم ، وذوو قرابتهم.

فالدنيا بالنسبة إليهم هي كل شيء ، وليس قبلها ولا بعدها شيء. وهذا ما دفعهم لارتكاب تلك الجرائم والموبقات تجاه ذويهم : فمارسوا ضدهم مختلف أنواع التعذيب ، والسخرية ، ثم أخذ الأموال ، والإخراج من الديار. ثم الحرب العوان لجز أصلهم واستئصال شأفتهم.

ج : الهزيمة ، وعدم تكافؤ القوى ، والإمداد بالملائكة :

قد يحدث أن يغلب جيش قليل العدد نسبيا جيشا أكثر عددا ، وذلك حينما تكون ثمة امتيازات في هذه القلة تفقدها تلك الكثرة ، كالتسلح ، أو الانضباطية ، أو البراعة ، أو كونها تملك خطة حربية معينة.

ولكن الأمر كان بين المسلمين والمشركين بالعكس تماما ؛ فالتجربة الحربية ، والكثرة ، والسلاح ، والعدة وغير ذلك قد كان في جانب المشركين ، مع عدم وجود خطة حربية معينة ، بحدودها وتفاصيلها لدى المسلمين. وإنما هم يواجهون حربا فرضها عليهم عدوهم في الزمان والمكان الذي أراد. مع وجود امتيازات لصالح المشركين حتى في هذه الناحية أيضا.

أما أسلوب الحرب ، فلا جديد فيه ، وإنما على كل من الفريقين أن يعتمد الأساليب المعروفة. وفي قريش بعض مشاهير فرسان العرب ، الذين امتازوا في الحروب التقليدية بخبرتهم ، وبعد صيتهم.

ولكن النتائج التي تمخضت عنها هذه الحرب ، لا تتلاءم مع تلك العدة وذلك العدد ، ولا مع الامتيازات التي كان يتمتع بها أحد الفريقين دون الآخر.

٣٣٧

فقد كانت خسائر المشركين أضعاف خسائر المسلمين. إذ ما هو وجه النسبة بين ثمانية إلى أربعة عشر شهيدا من المسلمين ، وبين سبعين قتيلا وسبعين أسيرا من المشركين؟! مع أن كل الامتيازات كانت في جانب هؤلاء على أولئك.

نعم ، ما هو السر ، وما هو السبب يا ترى؟! ..

والجواب : أن الله سبحانه قد قال في كتابه المجيد : (إِذْ يُرِيكَهُمُ اللهُ فِي مَنامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَراكَهُمْ كَثِيراً لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلكِنَّ اللهَ سَلَّمَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً)(١).

وقال تعالى : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ)(٢).

وقال : (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ)(٣).

وقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : «نصرت بالرعب ، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» (٤).

__________________

(١) الآيتان ٤٣ و ٤٤ من سورة الأنفال.

(٢) الآية ٤٨ من سورة الأنفال.

(٣) الآية ٥ من سورة الأنفال.

(٤) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٣ ، والبخاري ج ١ ص ٤٦ و ٥٧ ، وج ٢ ص ١٠٧ ، وج ٤ ص ١٣٥ و ١٦٣ ، وسنن الدارمي ج ٢ ص ٢٢٤ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٦٣ ـ ٦٥ ، والجامع الصحيح ج ٤ ص ١٢٣ ، وكشف الأستار ج ١ ص ٤٤ ،

٣٣٨

ونستنتج من ذلك : أنه قد كان ثمة ألطاف وعنايات ، بل وخطة إلهية لإلقاء الحرب بين المسلمين ، والمشركين ، لتذهب هيبة قريش من نفوس الكثيرين ممن أسلموا ، وإذا حارب المسلمون قريشا ، فلسوف يكونون على حرب غيرها أجرأ وأقدر.

وهذه الخطة تتلخص في :

١ ـ تقوية قلوب المسلمين بما في ذلك أسلوب التقليل والتكثير المشار إليه في الآيات الشريفة.

٢ ـ ما أمدهم الله به من الملائكة.

٣ ـ إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم.

بيان ذلك : أن هدف كل من المتحاربين هو الذي يعين نتيجة الحرب ، ومصيرها ، على صعيد الخسائر المادية والبشرية ، وحتى على صعيد التأثير في حركة التاريخ ، من جميع الجهات ، وعلى مختلف المستويات.

وقد بينا مرارا وتكرارا : أن هدف المشركين من الحرب هو الحصول على الحياة التي يريدون ، وعلى الامتيازات التي يتوقعون أن يجدوا فيها ما يحقق آمالهم العراض بالرفاهية والزعامة والسيادة.

وإذا كانوا يحاربون من أجل الحياة الدنيا ؛ فكيف يمكن أن يضحوا بحياتهم؟ إن ذلك ليس إلا نقضا للغرض ، وتضييعا للهدف.

__________________

وج ٣ ص ١٤٧ ، وسنن النسائي ج ١ ص ٢٠٩ و ٢١٠ ، وج ٦ ص ٣ ، ومسند أحمد ج ١ ص ٩٨ و ٣٠١ ، وج ٢ ص ٢٢٢ و ٢٦٤ و ٢٦٨ و ٣١٤ و ٣٦٦ و ٤١٢ و ٤٥٥ و ٥٠١ وج ٣ ص ٣٠٤ ، وج ٤ ص ٤١٦ ، وج ٥ ص ١٤٥ و ١٤٨ و ١٦٢ و ٢٤٨ و ٢٥٦ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ٦٥ ، وأمالي الطوسي ص ٥٦.

٣٣٩

ويدلنا على هذا المعنى ، أنهم يذكرون : أنه لما رأى طليحة بن خويلد كثرة انهزام أصحابه قال : «ويحكم ما يهزمكم؟! قال رجل منهم : وأنا أحدثك ما يهزمنا : إنه ليس منا رجل إلا وهو يحب أن يموت صاحبه قبله ، وإنا لنأتي قوما كلهم يحب أن يموت قبل صاحبه» (١).

ولما ولى الزبير يوم الجمل بلغ عليا فقال : «لو كان ابن صفية يعلم : أنه على حق ما ولى الخ ..» (٢).

ويقول حميد الطوسي أحد أكابر قواد المأمون : «إننا قد آيسنا من الآخرة وإنما هي الدنيا ؛ فلا نحتمل والله لأحد تنغيصها علينا» (٣).

أما هدف المسلمين أو بالأحرى بعضهم ، وهم الذين جزروا قريشا جزرا ، كعلي وحمزة وأمثالها ممن كان لهم نكاية في العدو ؛ فقد كان هو الفوز الأخروي ، ويعتبرون أنهم إنما يقدمون على إحدى الحسنيين : النصر وهو فوز أخروي ودنيوي ، أو الشهادة ، وهي فوز أيضا حتى دنيويا.

وإذا كانوا يعدون الموت فوزا كالنصر العسكري ، وإذا كانوا يعتبرون فرارهم خذلانا ، ووبالا ، ودمارا ، وموتا لهم ، بل وشرا من الموت ، حتى ولو أدى إلى حفظ حياتهم ، وكانت في المستوى الأعلى من الرفاهية والراحة الجسدية والنعيم الدنيوي ، لأنها سوف يعقبها الدمار في الآخرة والعذاب الأليم ، إذا كانوا كذلك فإن حياتهم هذه تكون مرفوضة عندهم ، ولا يريدونها ؛ بل هم

__________________

(١) سنن البيهقي ج ٨ ص ١٧٦ ، وحياة الصحابة ج ٣ ص ٧٧٠ عنه.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ١١ ص ٢٤١ وهذا يؤيد أنه قتل وهو منهزم كما يصرح به البعض.

(٣) نشوار المحاضرات ج ٣ ص ١٠٠.

٣٤٠