الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٥

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-176-9
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٧

الفصل الرابع :

سرايا وغزوات قبل بدر

٢٢١
٢٢٢

غزواته صلى الله عليه وآله وسراياه :

هنا يبدأ المؤرخون بذكر غزواته وسراياه «صلى الله عليه وآله» ، ويقصدون ب «الغزوة» : الجيش الذي يخرج فيه «صلى الله عليه وآله» بنفسه ، وب «السرية» : البعث الذي لا يكون رسول الله «صلى الله عليه وآله» فيه.

وقد اختلفت كلماتهم في عدد غزواته وسراياه اختلافا كثيرا ، ولا نرى حاجة لإطالة الكلام في تحقيق ذلك.

ونكتفي هنا بالحديث عما هو أهم ، ونفعه أعم ، وقبل ذلك نشير إلى أمرين ؛ هما :

الأول : الفرار من الزحف :

حيث يذكر العلماء هنا : أنه لم يكن يجوز في أول الأمر فرار واحد من المسلمين من عشرة من المشركين (١).

ثم جاء التخفيف من قبل الله عن المسلمين ؛ ليختص بفرار واحد في مقابل اثنين ؛ وذلك في قوله تعالى :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ

__________________

(١) الجامع لأحكام القرآن ج ٨ ص ٤٤ ، وجامع البيان ج ١٠ ص ٢٧ ، وتفسير المنار ج ١٠ ص ٧٧.

٢٢٣

صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ، الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)(١).

ولسوف يأتي المزيد من الكلام حول هذا الموضوع في غزوة بدر ، في آخر فصل نتائج الحرب إن شاء الله.

الثاني : وصية النبي «صلى الله عليه وآله» للسرايا :

ويلاحظ هنا :

أنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا أراد أن يبعث سرية دعاهم ، فأجلسهم بين يديه ، ثم يقول :

«سيروا باسم الله ، وبالله ، وفي سبيل الله ، وعلى ملة رسول الله ، ولا تغلوا ولا تمثلوا ، ولا تغدروا ، ولا تقتلوا شيخا فانيا ، ولا صبيا ، ولا امرأة ، ولا تقطعوا شجرا إلا أن تضطروا إليها ، وأيما رجل من أدنى المسلمين أو أفضلهم نظر إلى رجل من المشركين ، فهو جار ، حتى يسمع كلام الله ؛ فإن تبعكم ، فأخوكم في الدين ، وإن أبى فأبلغوه مأمنه ، واستعينوا بالله عليه الخ ..» (٢) ، وهي وصية طويلة ، وله وصايا أخرى لبعوثه فلتراجع في مصادرها (٣).

__________________

(١) الآيتان ٦٥ و ٦٦ من سورة الأنفال.

(٢) الكافي ج ١ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ ، والبحار ج ١٩ ص ١٧٧ ـ ١٧٩ ، وراجع : مسند أحمد ج ١ ص ٣٠٠ وغيره ، والتهذيب للطوسي ج ٦ ص ١٣٨ و ١٣٩ ، والأموال ص ٣٥.

(٣) النظم الإسلامية لصبحي الصالح ص ٥١٤.

٢٢٤

وقد روي : أنه «صلى الله عليه وآله» ما بيّت عدوا قط (١) وكان «صلى الله عليه وآله» إذا بعث سرية أو جيشا بعثهم أول النهار (٢).

ما نتعرض له في هذا الكتاب :

إننا لا نستطيع في كتابنا هذا أن نستوعب الحديث حول الغزوات والسرايا بجميع تفاصيلها ، ولأجل ذلك سوف نكتفي بذكر الغزوات التي كان فيها قتال مع الإشارة الخفيفة إلى غيرها من غزوات وسرايا ، إلا إذا وجدنا ما يقتضي التريث وتسليط الأضواء بصورة لا يمكن تجاوزها.

أما في هذا الفصل فنحن نكتفي بالتنويه بالسرايا التالية :

السرايا الأولى :

يذكر المؤرخون ، أنه :

١ ـ بعد سبعة أشهر من مقدمه «صلى الله عليه وآله» المدينة ـ وقيل غير ذلك ـ عقد الرسول «صلى الله عليه وآله» لحمزة بن عبد المطلب على ثلاثين من المهاجرين ، (قيل : ومن الأنصار ، لكنه غير معتمد ، لأنه لم يبعث أحدا من الأنصار قبل بدر ، كما ذكروا) (٣) ليلقوا أبا جهل ؛ فلقوه ، وهو في ثلاثمائة

__________________

(١) التهذيب للطوسي ج ٦ ص ١٧٤ ، والكافي ج ١ ص ٣٣٤ و ٣٣٥ ، والبحار ج ١٩ ص ١٧٧ ـ ١٧٩.

(٢) التراتيب الإدارية ج ٢ ص ٢٢ ، والجامع الصحيح ج ٣ ص ٥١٧.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٦ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٥٢ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٤٥.

٢٢٥

من المشركين ، لكن مجدي بن عمرو الجهني الذي كان موادعا للفريقين ، حجز بينهما ، وانصرفوا من غير قتال.

٢ ـ وعلى رأس ثمانية أشهر من مهاجره الشريف ، عقد لعبيدة بن الحارث بن المطلب على ستين رجلا ؛ ليلقوا أبا سفيان في بطن رابغ ، وكان في ماءتين.

وفي هذه السرية فر المقداد وعتبة بن غزوان إلى المسلمين (١).

٣ ـ وبعد ذلك كانت سرية سعد بن أبي وقاص على فريق من المهاجرين أيضا ؛ ليعترضوا عيرا لقريش ، فسبقتهم.

وقيل : كان ذلك بعد بدر (٢).

٤ ـ ثم كانت غزوة الأبواء بعد مقدمه «صلى الله عليه وآله» بسنة أو أكثر ، أو أقل ، خرج فيها النبي «صلى الله عليه وآله» بنفسه يريد قريشا ، وبني مرة بن بكر ، فتلقاه سيد بني مرة بالأبواء ، فصالحه ، ثم رجع «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة (٣).

٥ ـ وبعدها كانت غزوة بواط ، جبل لجهينة ، قرب المدينة خرج «صلى الله عليه وآله» في ماءتين من المهاجرين أيضا يعترض عير بني ضمرة ؛ فبلغ

__________________

(١) السيرة النبوية لدحلان مطبوع بهامش السيرة الحلبية ج ١ ص ٣٦٠ و ٣٥٩ ، وراجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٩.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٩.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٣ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٤١ ، والسيرة النبوية لدحلان بهامش الحلبية ج ١ ص ٣٦١.

٢٢٦

بواطا ورجع ، ولم يلق كيدا (١).

مع تحفظنا على ما يقال من عدد المهاجرين في هذه السرية.

٦ ـ وبعدها بأيام قلائل كانت غزوة العشيرة ، ووادع فيها بني مدلج ، وحلفاءهم من بني ضمرة ، ثم رجع إلى المدينة ، ولم يلق كيدا ، وفيها كني علي «عليه السلام» بأبي تراب ، كما سنرى (٢).

٧ ـ سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة : ثم كانت سرية ابن جحش في رجب أو في جمادى الثانية من السنة الثانية ، في ثمانية ، أو اثني عشر رجلا من المهاجرين.

فقد كتب له النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» كتابا ، وأمره أن لا ينظر فيه حتى يسير يومين (ولعله لأجل أن لا يطلع على مضمونه أعداء المسلمين من اليهود والمشركين فتتسرب الأخبار إلى أعدائه) فلما سار يومين فتح الكتاب ، فإذا فيه بعد البسملة :

«أما بعد ، فسر على بركة الله بمن تبعك من أصحابك ، حتى تنزل بطن نخلة ، فترصد بها عير قريش ـ وفي رواية : قريشا ـ حتى تأتينا منها بخبر».

وأخبر أصحابه : أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد أمره أن لا يستكره أحدا ممن كان معه ، وخيرهم بين الكون معه ، وبين الرجوع ؛

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٣ ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ٣٦١ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٢٦ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٤٩.

(٢) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٤٦٣ والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) ج ١ ص ٣٦١ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٢٦ وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٤٩.

٢٢٧

فمضوا معه جميعا ، فأقام هناك فمرت بهم عير لقريش ، فتجرأ المسلمون عليهم ، فقتلوا منهم رجلا ، وأسروا اثنين ، وأخذوا ما معهم ، وكان ذلك في أول يوم من رجب أو آخر يوم منه على اختلاف النقل.

فلما قدموا على النبي «صلى الله عليه وآله» ، أوقف العير والأسيرين ، وأبى أن يأخذ منها شيئا ، ولكن أباهلال العسكري يقول : «ورد عبد الله بن الجحش بالخمس على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وقسم الباقي بين أصحابه ، فكان أول خمس خمسه» (١) ، وعنفهم إخوانهم من المسلمين.

وقالت قريش : قد استحل محمد الشهر الحرام ، وسفكوا فيه الدماء ، وأخذوا فيه الأموال ، وأسروا فيه الرجال ، وعيروا المسلمين بذلك ، وكتبوا فيه ، وتحرك اليهود أيضا ، ليزيدوا الطين بلة ؛ فلما أكثروا نزل قوله تعالى ،

__________________

(١) الأوائل ج ١ ص ١٧٦ ، والسيرة الحلبية ج ٣ ص ١٥٧ ، والإستيعاب ترجمة عبد الله بن جحش ، وراجع أيضا : السيرة النبوية لابن هشام ج ٣ ص ٢٥٢ و ٢٥٣ ، والمغازي للواقدي ج ١ ص ١٣ ، والطبقات الكبرى ج ٢ ص ١٠ ط سنة ١٤٠٥ ه‍. وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤١٠ ـ ٤١٣ ، والسنن الكبرى ج ٩ ص ١٢ ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٣٠٧ و ٣٠٨ ، وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص ٢٩ ، وأسباب النزول ص ٣٦ ، والبحار ج ٢٠ ص ١٨٩ و ١٩٠ وراجع : رجال المامقاني ج ٢ ص ١٧٣ ، وقصص الأنبياء للراوندي ص ٣٣٩ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٦٦ ، والكامل في التاريخ ج ٢ ص ١١٣ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٥ ، وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٦٩ ، والدر المنثور للسيوطي ج ١ ص ٢٥١ ، ومجمع الزوائد ج ٦ ص ١٩٨ ، والسيرة النبوية لدحلان هامش الحلبية ج ١ ص ٣٦٢ ، وغير ذلك.

٢٢٨

مبينا عذر المهاجرين فيما أقدموا عليه :

(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ..)(١).

وقيل : نزلت الآية حينما جاء مشركو مكة ، وسألوا النبي «صلى الله عليه وآله» عن ذلك على جهة العيب والانتقاص ، ففرج الله بذلك عن المسلمين ، وبعثت قريش بفداء الأسيرين ، فأفداهما «صلى الله عليه وآله» (٢).

٨ ـ ثم كانت غزوة بدر الأولى بعد غزوة العشيرة بأيام ، حيث أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة فخرج النبي «صلى الله عليه وآله» في طلبه ، حتى بلغ وادي سفوان من جهة بدر ، وفاته كرز ، فرجع «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة (٣).

هذا ولا بد أن نبحث هنا عدة أمور هامة ، نرى أنها ترتبط بما تقدم. وهي على النحو التالي :

١ ـ تكنية علي بأبي تراب :

في غزوة العشيرة كنى النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» أمير المؤمنين عليا «عليه السلام» ب : «أبي تراب» وكانت أحب كناه إليه ، ولكن الأمويين

__________________

(١) الآية ٢١٧ من سورة البقرة.

(٢) راجع ذلك في : تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٦ ، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج ١ ص ٣٦٣ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٥٤ و ٢٥٥.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٢٨ ، والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ٢٥١.

٢٢٩

كانوا يعيرونه بها.

وملخص القضية : كما يرويها لنا عمار بن ياسر : أنه بعد أن نزل الرسول «صلى الله عليه وآله» ومن معه في موضع هناك ، ذهب عمار وعلي «عليه السلام» لينظرا إلى عمل بعض بني مدلج ، كانوا يعملون في عين لهم ونخل ؛ فغشيهما النوم ، فانطلقا حتى اضطجعا على صور من النخل ، وفي دقعاء من التراب.

قال عمار : فوالله ما أهبنا إلا رسول الله «صلى الله عليه وآله» يحركنا برجله ، وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ؛ فيومئذ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام لعلي بن أبي طالب : ما لك يا أبا تراب ، لما يرى عليه من التراب ، الحديث (١).

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٤٧ ، والآحاد والمثاني مخطوط في كوبرلي رقم ٢٣٥ ، وصحيح ابن حبان مخطوط ، والبحار ج ١٩ ص ١٨٨ ، ومسند أحمد ج ٤ ص ٢٦٣ و ٢٦٤ ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ١٢٣ و ١٢٤ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ١٢ ط صادر ، وسيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٤٩ و ٢٥٠ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٤٠ ، وكنز العمال ج ١٥ ص ١٢٣ و ١٢٤ عن المصنف ، والبغوي ، والطبراني في الكبير ، وابن مردويه ، وأبي نعيم في معرفة الصحابة ، وابن النجار ، وغيرهم ، وعن ابن عساكر ، وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٣٤٢ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٣٦ و ١٠٠ عن الطبراني في الأوسط والكبير ، والبزار وأحمد ، ووثق رجال عدد منهم ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٦٤ ، وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر ج ٣ ص ٨٦ بتحقيق المحمودي ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ٩٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ١٢٦ ، وطبقات ابن سعد ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٦٣ ، ودلائل النبوة للبيهقي ج ٢ ص ٣٠٣ ، ونقل أيضا عن كتاب الفضائل

٢٣٠

لكن ما تضمنته هذه الرواية من تحريك النبي «صلى الله عليه وآله» لعمار وعلي «عليه السلام» برجله لا يمكن أن يصح ؛ لأنه ينافي أخلاق رسول الله «صلى الله عليه وآله» ..

فلا بد من طرح هذه الفقرة من الرواية ، وأما ما عداها فلا ضير بالأخذ به.

وقد تقدمت الإشارة إلى رواية تكنيته «عليه السلام» بأبي تراب حين الحديث عن المؤاخاة أيضا ، فراجع.

وقد أحسن عبد الباقي العمري حيث يقول مشيرا إلى هذه القضية :

يا أبا الأوصياء أنت لطه

صهره ، وابن عمه ، وأخوه

إن لله في معانيك سرا

أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى

الدور وآباؤه تعد بنوه

التزوير والافتراء :

ولكنهم يقولون هنا : إنه «عليه السلام» كان إذا عتب على فاطمة ، وضع على رأسه التراب ؛ فإذا رآه النبي «صلى الله عليه وآله» عرف ذلك ، وخاطبه بهذا الخطاب (١).

__________________

لأحمد بن حنبل رقم ٢٩٥ ، والغدير ج ٦ ص ٣٣٤ ، وعيون الأثر لابن سيد الناس ج ١ ص ٢٢٦ ، والإمتاع للمقريزي ص ٥٥ ، وعلى كل حال ، فإن من يراجع غزوة العشيرة في كتب التاريخ والحديث ، يجد هذا الحديث مثبتا في أكثر تلك المصادر.

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ١٢٧ ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ٩٠.

٢٣١

ويقولون أيضا : إنه «عليه السلام» غاضب فاطمة «عليها السلام» ، وخرج إلى المسجد ونام على التراب ، فعرف النبي «صلى الله عليه وآله» بالأمر ، فبحث عنه فوجده ، فخاطبه بهذا الخطاب (١).

ويزيدون على ذلك قولهم : كان في علي على فاطمة شدة فقالت : والله لأشكونك إلى رسول الله ، فانطلقت ، وانطلق علي بأثرها ، فشكت إلى رسول الله غلظ علي وشدته عليها.

فقال : يا بنية اسمعي واستمعي ، واعقلي : إنه لا إمرة لامرأة لا تأتي هوى زوجها ، وهو ساكت.

قال علي «عليه السلام» : فكففت عما كنت أصنع وقلت : والله ، لا آتي شيئا تكرهينه أبدا (٢).

وقصة أخرى ، تقول : كان بين علي وفاطمة كلام ، فدخل رسول الله ، فألقى له مثالا فاضطجع عليه ، فجاءت فاطمة ؛ فاضطجعت من جانب ، وجاء علي واضطجع من جانب ، فأخذ رسول الله بيد علي فوضعها على سرته ، وأخذ بيد فاطمة فوضعها على سرته ، ولم يزل حتى أصلح بينهما (٣).

ويقولون أيضا : إنه حين المؤاخاة لم يؤاخ النبي «صلى الله عليه وآله»

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٣ ص ٣٤٧ ، والغدير ج ٦ ص ٣٣٦ عن سيرة ابن هشام ج ٢ ص ٢٣٧ ، وعمدة القاري ج ٧ ص ٦٣٠ ، والسيرة النبوية لابن كثير ج ٢ ص ٣٦٣ عن صحيح البخاري ، والمناقب للخوارزمي ص ٧ ، وأنساب الأشراف ج ٢ ص ٩٠ ، ومعرفة علوم الحديث للحاكم ص ٢١١.

(٢) طبقات ابن سعد ط ليدن ج ٨ ص ١٦.

(٣) المصدر السابق.

٢٣٢

بينه وبين أحد ، فاشتد عليه ذلك ، وخرج إلى المسجد ، ونام على التراب ، فلحقه «صلى الله عليه وآله» ، ولقبه بهذا اللقب.

ولكن كل ذلك لا يصح : فعدا عن أننا لم نفهم سر هذا التصرف الذي انتهجه «صلى الله عليه وآله» فيما يزعمون للصلح بين الزوجين ، حيث اضطجع ، ووضع يديهما على سرته!! كما لم نفهم السبب في أنه «صلى الله عليه وآله» قد أنحى باللائمة على بنته بدلا من أن يدافع عنها أمام من يظلمها.

عدا عن ذلك ، فإننا نسجل ما يلي :

١ ـ إن فاطمة أجل من أن تغضب عليا «عليه السلام» ، وأتقى وأرفع من ذلك ، وهي الصديقة الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا ، بنص الكتاب العزيز.

كما أن عليا أجل وأتقى وأرفع من أن يغضب فاطمة «عليها السلام» وسيرته وتطهير الله له من الرجس ، ومن كل مشين ، بنص كتابه العزيز أدل دليل على ذلك.

٢ ـ لقد قال علي «عليه السلام» وكأنه يتنبأ بما سوف يفتريه عليه الحاقدون : «فو الله ما أغضبتها ، ولا أكرهتها على أمر ، حتى قبضها الله عز وجل ، ولا أغضبتني ، ولا عصت لي أمرا ، ولقد كنت أنظر إليها ؛ فتنكشف عني الهموم والأحزان» (١).

__________________

(١) مناقب الخوارزمي ص ٢٥٦ ، وكشف الغمة ج ١ ص ٣٦٣ ، البحار ج ٤٣ ص ١٣٤.

٢٣٣

٣ ـ إن وضعه التراب على رأسه كلما غاضبها لا يصدر من رجل عاقل ، حكيم لبيب ، له علم ودراية أمير المؤمنين «عليه السلام» ، لأنه أشبه بلعب الأطفال.

٤ ـ إن أمير المؤمنين «عليه السلام» الذي هو قسيم الجنة والنار ، لم يكن ليؤذي الله تعالى والنبي «صلى الله عليه وآله» ؛ لأن جزاء من يؤذي الله ورسوله ليس هو الجنة قطعا.

وقد قال النبي : إن من آذى فاطمة «عليها السلام» فقد آذاه ، أو من أغضبها فقد أغضبه (١).

وقال : إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها (٢).

__________________

(١) البخاري ط مشكول ج ٥ ص ٣٦ ، والبحار ج ٢٨ ص ٧٦ ، وراجع : إحقاق الحق ج ١٠ ص ١٩٠ ، وحلية الأولياء ج ٢ ص ٤٠ ، وينابيع المودة ص ٣٦٠ ، ١٧١ ، ١٧٣ ، والسنن الكبرى ج ١٠ ص ٢٠١ و ٦٤ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٥٩ ، وتلخيصه بهامشه ، وأعلام النساء ج ٤ ص ١٢٥ ، وكنز العمال ج ١٣ ص ٩٣ ، والإصابة ج ٤ ص ٣٧٨ ، وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٤١ ، وثمة مصادر أخرى ذكرت ذلك تعقيبا على قصة مكذوبة هي قصة خطبة علي «عليه السلام» لبنت أبي جهل فراجع : ذخائر العقبى ص ٣٧ و ٣٨ ، وكفاية الطالب ص ٣٦٥ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٥٣ ، ونظم درر السمطين ص ١٧٦ ، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش السيرة الحلبية) ج ٢ ص ١٠ ، والخصائص للنسائي ص ١٢٠ ، وصفة الصفوة ج ٢ ص ١٣ ، والجامع الصحيح ج ٥ ص ٦٩٨ ، ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٢٨ والبداية والنهاية ج ٦ ص ٣٣٣ والصواعق المحرقة ص ١٨٨.

(٢) راجع : فرائد السمطين ج ٢ ص ٤٦ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٢٠٣ ، ومقتل الحسين للخوارزمي ج ١ ص ٥٢ ، وكفاية الطالب ص ٣٦٤ ، وذخائر العقبى ص ٣٩ ،

٢٣٤

٥ ـ لقد قالت فاطمة لعلي «عليه السلام» : أما عهدتني كاذبة ، ولا خائنة ، ولا خالفتك منذ عاشرتني ، «فصدقها» «عليه السلام» ، في ذلك (١).

٦ ـ إن عليا لم يكن ليغضب من النبي «صلى الله عليه وآله» ، ويعتب عليه ، وهو يعلم أنه لا يأتي بعمل من عند نفسه ، كما أن سيرته «عليه السلام» مع النبي لتؤكد على أنه كان يلتزم حرفيا بكل ما يصدر عنه ، حتى إنه حينما أمره النبي «صلى الله عليه وآله» أن يسير لفتح خيبر ولا يلتفت ، مشى «عليه السلام» ما شاء الله ، ثم وقف ، فلم يلتفت وقال : يا رسول الله الخ .. (٢).

٧ ـ أضف إلى ذلك : أن النبي «صلى الله عليه وآله» حينما كان يستشير أصحابه في الموارد المختلفة ، في بدر وأحد وغيرهما ، كان أصحابه يتكلمون

__________________

وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٢٢ ، وتهذيب التهذيب ج ١٢ ص ٤٤٢ ، وينابيع المودة ص ١٧٣ و ١٧٤ و ١٧٩ و ١٩٨ ، ونظم درر السمطين ص ١٧٧ ، ومستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٥٤ و ١٥٨ ، وتلخيصه للذهبي مطبوع بهامشه ، وكنز العمال ج ١٣ ص ٩٦ ، وج ٦ ص ٢١٩ ، وج ٧ ص ١١١ والغدير ج ٧ ص ٢٣١ ـ ٢٣٦ ، وإحقاق الحق ج ١٠ ص ١١٦ ، وراجع : السنن الكبرى ج ٧ ص ٦٤ ، والصواعق المحرقة ص ١٨٦ ، وسير أعلام النبلاء ج ٢ ص ١٣٢.

(١) روضة الواعظين ص ١٥١.

(٢) أنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٩٣ ، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب «عليه السلام» لابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ١ ص ١٥٩ ، وصحيح ابن حبان ترجمة علي (مخطوط في مكتبة قبوسراي في استانبول) ، وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج ١ ص ٢٠٠ ، والغدير ج ١٠ ص ٢٠٢.

٢٣٥

بما شاءوا ، ولم يكن علي «عليه السلام» يبدي رأيا ، ولا يقدم بين يدي الله ورسوله بشيء أصلا ، إلا ما روي في شأن الإفك على مارية ، حيث أشار «عليه السلام» بطلاق عائشة ليكون ذلك بمثابة إنذار لها ؛ لترتدع عن مواقفها وأعمالها ، وتكف عن أذى رسول الله وأزواجه.

٨ ـ وأخيرا .. لماذا يغضب ويعتب؟ أليس قد آخاه بنفسه قبل الهجرة؟!. ثم هو لم يزل يؤكد على أخوته له ، كلما اقتضت المناسبة ذلك.

وعلى كل حال ، فنحن لن نكذب النبي «صلى الله عليه وآله» ، والقرآن ، ونصدق هؤلاء ، فنحن نذر هذه الترهات لهم ، تدغدغ أحلامهم ، وترضي حقدهم على علي وأهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

لماذا الوضع والاختلاق؟! :

ولعل سر وضع هذه الترهات هو :

١ ـ إنهم يريدون أن يظهروا أنه قد كان في بيت علي «عليه السلام» من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ، مما كانت تصنعه بعض زوجاته «صلى الله عليه وآله» وليمكن ـ من ثم ـ أن يقال : إن ذلك أمر طبيعي ، ومألوف ، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية ؛ فلا غضاضة فيه على أحد ، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان ، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي «صلى الله عليه وآله».

وكما كانت عائشة تغضب النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإن فاطمة كانت تغضب عليا ، وكانت خشنة معه.

٢٣٦

٢ ـ ومن الجهة الثانية فكما أن قوله «صلى الله عليه وآله» من أغضبها (أي فاطمة) فقد أغضبني ، ينطبق على فلان وفلان ، فإنه ينطبق على علي نفسه ، إذا فكما أغضب أبوبكر فاطمة فقد أغضبها علي أيضا ، وتكون واحدة بواحدة ، فلا يكون ذلك موجبا للإشكال على أولئك دونه «عليه السلام».

٣ ـ بل إنهم يريدون بذلك أن يظهروا عليا «عليه السلام» بصورة الرجل الذي لم يكن مرضيا من فاطمة ، وقد تزوجته بدون رضى منها.

ولعل قبول النبي «صلى الله عليه وآله» بتزويجه قد كان لأجل دفع غائلته وشره ، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي «صلى الله عليه وآله».

قيمة هذه الكنية :

لقد علل ابن عباس تسمية علي «عليه السلام» بأبي تراب ، بأنه «عليه السلام» صاحب الأرض ، وحجة الله على أهلها بعده ، وبه بقاؤها ، وإليه سكونها ، ولقد سمعت رسول الله «صلى الله عليه وآله» يقول : إنه إذا كان يوم القيامة ، ورأى الكافر ما أعد الله لشيعة علي من الثواب والزلفى والكرامة ، قال : يا ليتني كنت ترابا ، أي يا ليتني كنت من شيعة علي (١).

يضاف إلى ذلك : أن الإمام عليا «عليه السلام» الذي كان يعتز بهذه الكنية ، كان لا يعتبر الدنيا هدفا له ، يعيش من أجله وفي سبيله ، وإنما

__________________

(١) سفينة البحار ج ١ ص ١٢١.

٢٣٧

يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى ، وغايته الفضلى ، وإذا رأى نفسه يتصرف منسجما مع هدفه ، ومع نظرته ؛ فإنه سوف يرتاح ، وينشرح لذلك ، فكانت هذه الكنية من النبي «صلى الله عليه وآله» له بمثابة إعلام له : بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظا بالخط المنسجم مع أهدافه ، وأنه لسوف يبقى مستمرا في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها ، ولن تغره بزبارجها وبهارجها ، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته ، وبين ما يدعي أنه هدف له ، فمن أجل ذلك كانت هذه الكنية أحب كناه إليه «عليه السلام».

وأما الأمويون ، الذين كانوا يعيرونه «عليه السلام» بها ، فقد كان موقفهم أيضا منسجما مع نظرتهم ومع ما يعتبرونه من القيم لهم ، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا ، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيّمون الأشخاص والمواقف ، فيحترمون أو يحتقرون.

وإذا كان علي أبا تراب ، ولا يهتم بالدنيا ، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته ، انطلاقا من الواجب الشرعي ، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له ، فإن بني أمية سوف يرونه فاقدا للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ ، والكرامة والسؤدد بنظرهم ، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل ، فإن ذلك هو الذي ينسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن ، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة.

٢٣٨

٢ ـ لماذا السرايا؟!

لقد عرفنا فيما سبق أن بعض تلك السرايا كان هدفه الاستطلاع ، ومراقبة تحركات قريش في المنطقة.

وبعض آخر كان هدفه تعقب المغيرين على سرح المدينة ، كتعقبهم لكرز بن جابر.

وعرفنا أيضا : أن تلك السرايا ، التي لم يلق المسلمون فيها كيدا ، قد جرأت المسلمين ، وأعادت لهم الثقة بأنفسهم ، وأعدتهم ليواجهوا ـ على قلة العدد والعدة ـ ألف فارس من قريش ، وهي في أوج خيلائها وعزتها ، ولم يعد ذلك مفاجأة للمسلمين ، ولا مرهبا لهم.

ولكننا مع ذلك نرى أن علينا أن لا نقنع بما ذكر ؛ وأن علينا أن نعيد النظر بدءا وعودا لنعرف الجديد مما كانت تهدف إليه تلك السرايا التي كان الهدف المعلن لها هو اعتراض عير قريش ، والذي يلفت نظرنا هنا هو الأمران التاليان :

الأول : الموادعات والتحالفات :

فقد نتج عن تلك السرايا مهادنات وموادعات ، وتحالفات على النصر ضد العدو ، بين المسلمين وبين كثير من القبائل المتواجدة في المنطقة ، حينما شعرت تلك القبائل بقوة المسلمين ، وقدرتهم على التحرك ، وبتصميمهم على مواجهة حتى قريش بالحرب.

ومن الطبيعي أن ينتج عن هذه المعاهدات والتحالفات تخوف ورعب في قلوب سائر القبائل القريبة من المدينة ، بحيث لا بد لتلك القبائل من

٢٣٩

التفكير مليا قبل أن تقدم على أي عمل ضد المدينة مباشرة ، أو بواسطة التحالف مع أعداء المسلمين.

وذلك لأنها ترى بالفعل : أن ثمة قوة ضاربة ، لا بد من صياغة التعامل معها بحيث لا يضر بمستقبل مصالحها في المنطقة.

وبهذا يتحقق للمدينة نوع من الشعور بالأمن والاستقرار ، ويمكن المسلمين ـ من ثم ـ من أن يتحركوا بحرية أكثر ، في مواجهاتهم لقريش ، ومناهضاتهم لها ، وهو ما ظهر في حرب بدر ، وبعدها.

كما أن هذه الموادعات والتحالفات كانت بمثابة صدمات نفسية ، بل هي صفعات مؤلمة لقريش ، التي ترى الآن كيف أن المسلمين قد أصبحوا قوة يرهب جانبها ، ويسعى الكثيرون إلى عقد التحالفات الدفاعية معها ، وعلى الأخص من القبائل التي تقع على طريق تجارة مكة ، وكانت تعتبرها قريش سندا وعونا لها ، كلما أهمها أمر ، أو تعرضت لخطر.

أضف إلى ذلك كله ، أنه لم يعد باستطاعة قريش أن تعقد تحالفات مع تلكم القبائل القريبة من المدينة ، وتتخذ منها قوة ضاغطة على المدينة ، ووسيلة لمضايقتها.

الثاني : مضايقة قريش :

إن هذه السرايا كانت تهدف إلى الضغط على قريش اقتصاديا ، وكذلك نفسيا أيضا ، وتعريفها : أن المسلمين سوف لن يتركوها حرة في المنطقة ، ما دامت قد شردتهم ، وآذتهم وسلبتهم أموالهم ، وقتلت منهم.

وقد شرط النبي «صلى الله عليه وآله» على المشركين في وثيقة العهد

٢٤٠