الزبدة الفقهيّة - ج ٥

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٥

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-36-0
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٠٠

(محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام) وقريب منها رواية أبي حمزة عن الباقر عليه‌السلام ، وإنما اقتصر على الأولى ، لأنها أصرح (١) ، وعمل بمضمونها الشيخ وجماعة. ويظهر من المصنف (٢) الميل إليه ، وفي الدروس لا معارض لها ، لكن المستند ضعيف ، وعموم الأدلة تدفعه ، وحمل (٣) على الضمان مجازا ، لشبهه بالبيع

______________________________________________________

عليه) (١) ، وقريب منه خبر محمد بن الفضيل عن أبي حمزة (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشترى منه بعرض ، ثم انطلق إلى الذي عليه الدين فقال : أعطني ما لفلان عليك فإني قد اشتريته منه ، كيف يكون القضاء في ذلك؟ فقال أبو جعفر عليه‌السلام : يردّ الرجل الذي عليه الدين ماله الذي اشترى به من الرجل الذي له الدين) (٢).

وعمل بهما الشيخ وتبعه ابن البراج والشهيد في ظاهر الدروس ، والخبران ضعيفان بمحمد بن الفضيل فإنه يرمى بالغلو كما في الخلاصة ، وفي الفهرست أنه ضعيف ، بالإضافة إلى مخالفتهما لقواعد المذهب وأصوله لأن عقد القرض الذي يجب الوفاء به قد وقع على الجميع فلا وجه للاقتصار على البعض.

(١) لأنها صرحت ببراءة المديون مما بقي عليه ، ولصراحتها ينسب الحكم إليها دون الثانية.

(٢) في اللمعة.

(٣) بمعنى أن الشراء في الرواية محمول على الضمان بمعنى أن المطالب ضمن عن المديون ما عليه ، ودفع عرضا قيمته أقل من الدين ، وليس للضامن أن يأخذ من المضمون عنه زيادة عما دفع ، فيكون له حينئذ قيمة ما دفع وبرئ المديون من جميع ما عليه ، وهذا الحمل للعلامة في المختلف حيث قال : (لا بد من محمل للروايتين وليس بعيدا من الصواب أن يحملا على أمرين : الأول الضمان ، ويكون إطلاق البيع والشراء مجازا عليه بنوع من المجاز ، إذ الضامن إذا أدى عن المضمون عنه بإذنه عوضا عن الدين كان له المطالبة بالقيمة ، وهو نوع من المعاوضة تشبه البيع ، بل هو في الحقيقة ، وإنما يفصل عنه بمجرد اللفظ لا غير.

والمحمل الثاني أن يكون البيع قد وقع فاسدا ، فإنه يجب على المديون دفع ما يساوي مال المشتري إليه بالاذن الصادر من صاحب الدين ، ويبرأ من جميع ما بقي عليه من المشتري ، لا من البائع ، ويجب عليه دفع الباقي إلى البائع لبراءته من المشتري ، وهذان الحملان قريبان من صرف الروايتين إليهما) انتهى.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدين حديث ٣ و ٢.

٢١

في المعاوضة ، أو على فساد البيع (١) ، للربا (٢) وغيره فيكون الدفع (٣) مأذونا فيه من البائع في مقابلة ما دفع ، ويبقى الباقي لمالكه (٤). والأقوى مع صحة البيع لزوم دفع الجميع ، ويجب مراعاة شروط الربا والصرف (٥) ولو وقع صلحا اغتفر الثاني (٦)! خاصة (٧).

(ومنع ابن إدريس من بيع الدين على غير المديون) استنادا إلى دليل قاصر (٨) ، وتقسيم غير حاصر (٩) ، ...

______________________________________________________

وكلا الحملين ضعيفان حيث صرحت الرواية الأولى ببراءة ذمة المديون ولا يجب عليه دفع الباقي وبه يبطل الحمل الثاني ، وصرحت الرواية أيضا بالشراء والأصل حمله على المعنى الحقيقي له وبه يبطل الحمل الأول.

(١) وهو الحمل الثاني وقد تقدم.

(٢) تعليل لفساد البيع.

(٣) أي دفع المديون إلى المشتري.

(٤) أي ما دفعه المشتري إلى الدائن.

(٥) أي للبائع في ذمة المديون ، هذا ويكون المراد ببراءة المديون في الرواية الأولى البراءة من حق المشتري لا مطلقا كما في الرياض ، وقد عرفت ضعف هذا الحمل.

(٦) فتجب مراعاة شروط الربا إذا كانا من جنس الربوي ، وهو مما يكال أو يوزن ، وتجب مراعاة شروط الصرف إذا كانا من الذهب والفضة.

(٧) أي شروط الصرف دون الربا لجريان الربا في كل معاوضة صلحا أو بيعا أو غيرهما عملا بإطلاق أدلته ، قال في المسالك : (ولا بدّ من رعاية السلامة من الربا ورعاية شروط الصرف لو كان أثمانا ، ولو وقع ذلك بصيغة الصلح صح أيضا وسلم من اعتبار الصرف لا من الربا على الأقوى فيهما ، لدخول الربا في كل معاوضة عملا بإطلاق الآية ـ أي وحرّم الربا ـ ، واختصاص الصرف بالبيع) انتهى.

(٨) وهو الإجماع وقد خطّأه صاحب الجواهر كيف والمشهور قد ذهب إلى الصحة.

(٩) التقسيم هو : إن المبيع إما عين معينة أو في الذمة ، والأول إما بيع عين مرئية مشاهدة فلا تحتاج إلى وصف وإما عين غير مشاهدة فتحتاج إلى وصف وذكر الجنس وهو بيع خيار الرؤية.

والثاني وهو بيع ما في الذمة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعين والوصف الخاص ، فهذه ثلاثة أقسام للمبيع ، والدين ليس واحدا منها ، لأنه ليس عينا مشاهدة ولا معينة موصوفة إذ للمديون التخيير في جهات القضاء من ردّ نفس العين أو مثلها ، وليس الدين

٢٢

(والمشهور الصحة) مطلقا (١) ، لعموم الأدلة (ولو باع الذمي ما لا يملكه المسلم) كالخمر والخنزير (ثم قضى منه دين المسلم (٢) صح قبضه ولو شاهده) المسلم ،

______________________________________________________

بسلف إجماعا ، ولا قسم رابع في البين فيتعين القول ببطلان بيعه.

وردّ بأن الدين عين موصوفة ، والتخيير للمديون لا يخرج الدين عن كونه كذلك فيصح بيعه لعموم أدلة البيع هذا وقد علق الشارح في الروضة هنا كما في الطبعة الحجرية بقوله (حاصل ...) يرجع إلى حصر حاصل استدلال ابن إدريس على المنع من بيعه على غير المديون يرجع إلى حصر ادعى صحته وهو : أن المبيع إما عين معينة أو في الذمة ، والأول إما بيع عين مرئية مشاهدة فلا يحتاج إلى وصف ، وإما بيع عين غير مشاهدة فيحتاج إلى وصفها وذكر جنسها وهو بيع خيار الرؤية وأما الذي في الذمة فهو السلف المفتقر إلى الأجل المعين والوصف الخاص ، قال : والدين ليس عينا مشاهدة ولا معينة موصوفة إذ للمديون التخيير في جهات القضاء ، وليس بسلم إجماعا ولا قسم رابع هنا لنا.

ثم اعترض على نفسه بأنه خلاف الإجماع لانعقاده على صحة بيع الدين ، ثم أجاب بأن العمومات قد تخصّ ، والأدلة هنا عامة تخصّها ببيعه على غير من هو عليه ، ثم عقّب ذلك بأنه تحقيق لا يبلغه إلا محقق أصول الفقه وضابط فروع المذهب ، عالم بأحكامه محكّم لمداره وتقريراته وتقسيماته ، ثم استدل أيضا بالإجماع على عدم صحة جعل الدين مضاربة إلا بعد قبضه ، ثم أطنب في ذلك بما لا محصّل له.

وأنت خبير بأن التقسيم الذي ادعى فيه الحصر لا دليل عليه ، وأما ما ادعاه من الإجماع وارد عليه ، وما أعتذر عنه من التخصيص متوقف على قيام المخصص وهو مفقود ، والمنع من المضاربة على الدين لا مدخل له في المنع من بيعه أصلا ، وإلا لمنع من بيعه على من هو عليه كما يمنع من مضاربته.

وإنما المانع عندهم من المضاربة أمر آخر أشرنا إليه في بابه ، ولا فرق بين البيع للدين والسلم فيه إلا بالأجل ، وهو لا يصيّر المجهول معلوما.

(١) سواء كان البيع على المديون أم على غيره.

(٢) لو باع الذمي لمثله ما لا يحله المسلم كالخمر والخنزير ثم قضى منه دين المسلم جاز للمسلم أخذه عوضا عن الحق الذي له في ذمة الذمي بلا خلاف فيه ، مع مراعاة شرائط الذمة كالتستر ونحوه لإقرار شريعتنا على ما عنده للأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يكون لي عليه الدراهم فيبيع بها خمرا أو خنزيرا ثم يقضيني منها ، قال : لا بأس ، أو قال : خذها) (١) ، ومن المعلوم إرادة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٠ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٣.

٢٣

لإقرار الشارع له على ذلك ، لكن بشرط استتاره به كما هو مقتضى الشرع ، فلو تظاهر به (١) لم يجز ومن ثم يقيد بالذمي ، لأن الحربي لا يقرّ على شي‌ء من ذلك فلا يجوز تناوله منه.

(ولا تحلّ الديون المؤجلة بحجر المفلس (٢) ، عملا بالأصل ، (خلافا لابن الجنيد رحمه‌الله) حيث زعم أنها تحل ، قياسا على الميت ، وهو باطل ، مع وجود الفارق بتضرر الورثة إن منعوا من التصرف إلى أن يحل (٣) ، وصاحب الدين (٤) إن لم يمنعوا ، بخلاف المفلس لبقاء ذمته.

(وتحل) الديون المؤجلة (إذا مات المديون) (٥) ، سواء في ذلك مال السلم ،

______________________________________________________

الذمي من الخبر لإقرار شريعتنا له خاصة على ما عنده ، ولمعلومية البطلان بالنسبة إلى غيره ، وللتصريح به في خبر منصور بن حازم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : لي على رجل ذمي دراهم فيبيع الخمر والخنزير وأنا حاضر فيحلّ لي أخذها؟ فقال : إنما لك عليه دراهم فقضاك دراهمك) (١).

(١) فمع التظاهر يكون قد أخلّ بشرائط الذمة ويكون بحكم الحربي عند الأصحاب.

(٢) على المشهور لأصالة إبقاء ما كان كما كان ، وخالف ابن الجنيد عملا بالقياس على الميت ، وهو قياس باطل مع وجود الفارق بتحقق الضرر على الورثة إن منعوا من التصرف إلى حلول الدين ، وبتضرر صاحب الدين إن لم يمنعوا ، كل ذلك لعدم الذمة للميت بخلاف المفلس فإن له ذمة.

(٣) أي يحلّ الدين.

(٤) أي وبتضرر صاحب الدين.

(٥) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا مات الرجل حلّ ماله وما عليه من الدين) (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (إذا كان على الرجل دين إلى أجل ومات الرجل حلّ الدين) (٣).

وظاهر الخبرين عدم الفرق بين مال السلم وغيره ، ومنه تعرف ضعف ما عن الفخر في إيضاحه والشهيد في حواشيه من عدم حلول السلم بالموت ، لأن الأجل يقتضي قسطا من الثمن.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٦.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الدين حديث ١ و ٣.

٢٤

والجناية المؤجلة ، وغيرهما ، للعموم ، وكون ، أجل السلم يقتضي قسطا من الثمن ، وأجل الجناية بتعيين الشارع وليتحقق الفرق بين الجنايات (١) لا يدفع عموم النص (ولا تحل بموت المالك (٢) ، دون المديون للأصل ، خرج منه موت المديون فيبقى الباقي.

وقيل : تحل ، استنادا إلى رواية مرسلة ، وبالقياس على موت المديون. وهو باطل.

(وللمالك انتزاع السلعة) التي نقلها إلى المفلس قبل الحجر ولم يستوف عوضها مع وجودها مقدّما فيها على سائر الديّان (٣) (في الفلس إذا لم تزد زيادة)

______________________________________________________

ولا فرق أيضا بين الجناية المؤجلة كدية الخطأ وغيره ، وقيل : بأن مال الجناية لا يحلّ ، لأن التأجيل شرعي بلا مدخلية لرضا الميت فيه وبدون الأجل لا تكون الدية شرعية ، وعموم النص المتقدم يدفعه.

(١) فدية القتل عمدا في سنة ، وشبه العمد في سنتين ، ودية الخطأ في ثلاث سنين ، فلو كانت الجناية خطأ ثم مات بعد سنة ، وحلت الدية بتمامها بعد الموت لما بقي فرق بين دية الخطأ ودية العمد.

(٢) أي الدائن على المشهور لأصالة إبقاء ما كان كما كان ، وإنما خرج المديون بالنص.

وعن الشيخ في النهاية وأبي الصلاح والقاضي والطبرسي إلى أنها تحلّ لخبر أبي بصير المتقدم (إذا مات الرجل حلّ ماله) ، وهي مهجورة عند الأصحاب بشهادة صاحب الجواهر بالنسبة لصدرها ، بالإضافة إلى إرسالها حيث رواها الكليني عن أبي علي الأشعري عن محمد بن عبد الجبار عن بعض أصحابه عن خلف بن حماد عن إسماعيل بن أبي قرة عن أبي بصير.

(٣) المشهور على أنه من وجد عين ماله فله أخذه ، ولو لم يكن سواه لخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (إذا أفلس الرجل وعنده متاع رجل بعينه فهو أحق به) (١) ، وصحيح عمر بن يزيد عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن الرجل يركبه الدين فيوجد متاع رجل عنده بعينه ، قال : لا يحاصّه الغرماء) (٢).

والشيخ في التهذيب والاستبصار والنهاية والمبسوط أن الغريم له أخذ عين ماله إذا كان

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الحجر حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٢.

٢٥

متصلة (١) كالسمن ، والطول ، فإن زادت كذلك لم يكن له أخذها ، لحصولها على ملك المفلس فيمتنع أخذ العين بدونها (٢) ومعها (٣).(وقيل : يجوز) انتزاعها (وإن زادت) لأن هذه الزيادة صفة محضة وليست من فعل المفلس فلا تعدّ مالا له ،

______________________________________________________

في البقية وفاء للديون الثابتة على المفلس لصحيح أبي ولّاد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحل ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، له أن يأخذه إذا حقق له ، فقال عليه‌السلام : (إذا كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذه إن حقق له ، فإن ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي‌ء ، يأخذ بحصته ولا سبيل له على المتاع) (١).

وفيه : إن الخبر صريح في غريم الميت ، لا في غريم المفلّس كما هو مفروض المسألة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يبقى السؤال كيف يمكن لمال المحجور عليه أن يفي بالديون مع أنه يجب أن يكون ماله أقل حتى يحجر عليه ، والجواب بأنه قد يكون ماله قاصرا في ابتداء الحجر ولكنه تجدد الوفاء فيما بعد بإرث أو اكتساب أو ارتفاع قيمة أمواله أو نمائها.

(١) أما مع عدم الزيادة فهو مورد النص المتقدم ، وأما مع الزيادة المتصلة كالسمن والطول فتزيد لذلك قيمة العين ، فعن الشيخ وجماعة منهم العلامة في القواعد أنه يرجع الغريم على العين وله أخذها ، لأن هذا النماء يتبع الأصل ، لأنه صفة محضة ، وليس من فعل المفلّس فلا يعدّ مالا له ، ولأنه يصدق على الغريم أنه وجد عين ماله فيرجع به.

وتردد المحقق في الشرائع ، لأن النماء المتصل قد وقع في ملك المفلّس وإن لم يكن بفعله فهو له لأنه نماء ملكه ، ولأن الرجوع على العين على خلاف الأصل فيقتصر فيه على ما لا يستلزم فوات شي‌ء على المفلّس.

ولذا ذهب العلامة في المختلف وابن الجنيد والمحقق الثاني إلى أن الزيادة للمفلّس لكنها لا تمنع من رجوع الغريم لعدم سلبها صدق اسم وجدان العين ، فإذا رجع كان المفلّس شريكا معه بالنسبة.

وعن العلامة في التذكرة المنع من الرجوع لعدم صدق وجدان العين ، لأنها زادت ، بل الرجوع على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو ما لم تزد العين.

(٢) أي بدون الزيادة المتصلة لاستحالة التفكيك.

(٣) لأنها مال المفلّس.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٣.

٢٦

ولعموم من وجد عين ماله فهو أحق بها ، وفي قول ثالث : يجوز أخذها ، لكن يكون المفلس شريكا بمقدار الزيادة ، (ولو كانت الزيادة منفصلة) كالولد وإن لم ينفصل ، والثمرة وإن لم تقطف (لم يمنع) من الانتزاع (١) وكانت الزيادة للمفلس ، ولو كانت بفعله (٢) كما لو غرس (٣) ، أو صبغ الثوب (٤) ، أو خاطه ، أو طحن (٥) الحنطة كان شريكا بنسبة الزيادة.

(وغرماء الميت سواء في تركته مع القصور (٦) فيقسّم على نسبة الديون ،

______________________________________________________

(١) بلا خلاف لصدق وجدان العين من دون زيادة فيها ، نعم النماء المنفصل للمفلّس لأنه انفصل في ملكه وهو نماء ملكه ، بلا فرق في الولد بين الحمل والمنفصل ، ولا في اللبن بين المحلوب وغيره لكون الجميع نماء ملك المشتري.

(٢) أي بفعل المفلّس.

(٣) قال في المسالك : (اعلم أن الزيادة اللاحقة للمبيع لا تخلو إما أن تكون من نفسه ـ أي نفس المبيع ـ أو من خارج ، والأول إما متصلة محضا كالسمن ، أو منفصلة محضا كالولد ، أو منفصلة من وجه دون آخر كالحمل ، وقد تقدم حكم الثلاثة.

والزيادة الخارجية إما أن تكون عينا محضا كالغرس ـ غرس بذر أو نبت ـ ، أو صفة محضة كنسج الغزل وقصر الثوب ، أو صفة من وجه وعينا من آخر كصبغ الثوب) انتهى.

فللغريم الرجوع على العين لأنها قائمة وهي متميزة عن بقية مال المفلّس ، وللمفلس الزيادة الخارجية لأنها بفعله ، وهو فعل محترم غير متبرع به ، وكلما كان كذلك فيجب أن لا يضيع على فاعله.

(٤) مثال للزيادة الخارجية وكانت صفة من وجه وعينا من وجه آخر.

(٥) الخياطة والطحن مثال للزيادة الخارجية إذا كانت صفة محضة ، والفرس المتقدم مثال للزيادة الخارجية إذا كانت عينا محضا.

(٦) أي مع قصور تركته لما عليه من الدين ، فلا يجوز للمالك الرجوع على عين ماله لو باعه لإنسان ثم مات هذا الإنسان المشتري ، بل يكون المالك مع بقية غرماء الميت سواء في التركة ، إذا لم يترك نحوا مما عليه ، وأما إذا ترك نحوا مما عليه فيجوز حينئذ لصاحب العين أخذها ، على المشهور ومستندهم صحيح أبي ولّاد المتقدم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل باع من رجل متاعا إلى سنة فمات المشتري قبل أن يحلّ ماله ، وأصاب البائع متاعه بعينه ، له أن يأخذه إذا حقق له ، فقال عليه‌السلام : إذا كان عليه دين وترك نحوا مما عليه فليأخذه إن حقق له ، فإن ذلك حلال له ، ولو لم يترك نحوا من دينه فإن صاحب المتاع كواحد ممن له عليه شي‌ء ، يأخذ بحصته ولا سبيل له على

٢٧

سواء في ذلك صاحب العين ، وغيره ، (ومع الوفاء لصاحب العين أخذها في المشهور) ، سواء كانت التركة بقدر الدين أم أزيد وسواء مات محجورا عليه أم لا (١) ، ومستند المشهور صحيحة أبي ولاد عن (الصادق) عليه‌السلام.

(وقال ابن الجنيد : يختص بها وإن لم يكن وفاء) كالمفلس ، قياسا ، واستنادا إلى رواية مطلقة (٢) في جواز الاختصاص ، والأول (٣) باطل والثاني يجب تقييده بالوفاء جمعا. وربما قيل : باختصاص الحكم (٤) بمن مات محجورا عليه ، وإلا فلا اختصاص مطلقا (٥) ، وصحيح النص يدفعه (ولو وجدت العين ناقصة بفعل)

______________________________________________________

المتاع) (١).

وخالف الإسكافي ابن الجنيد فقال : بجواز الرجوع إلى العين وإن لم تف التركة بما على الميت قياسا على المفلّس ، ولمرسل جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل باع متاعا من رجل فقبض المشتري المتاع ولم يقبض الثمن ، ثم مات المشتري والمتاع قائم بعينه ، فقال : إذا كان المتاع قائما بعينه ردّ إلى صاحب المتاع ، وقال : ليس للغرماء أن يحاصّوه) (٢) ، وقال الشارح في المسالك عنه (وهو ضعيف) ، وقال صاحب الجواهر : (كأنه اجتهاد في مقابلة النص) ، لأن دليله الأول قياس وهو باطل ، ومرسل جميل مقيّد بما إذا كانت التركة وافية بالدين جمعا بينه وبين صحيح أبي ولّاد المتقدم.

ثم على مبنى المشهور لا فرق في الميت بين أن يموت وهو محجور أو لا ، لأن غرماءه غرماء الميت لا غرماء المفلّس ، وخالف المحقق الثاني في جامع المقاصد فذهب إلى أن للغريم الرجوع على العين إذا كانت قائمة وكان الميت محجورا عليه ، وأما إذا لم يكن محجورا عليه فلا اختصاص لصاحب العين سواء وفت التركة أم لا ، وصحيح أبي ولّاد المتقدم يدفعه.

(١) في قبال المحقق الثاني.

(٢) وهي مرسل جميل المتقدم.

(٣) أي القياس.

(٤) وهو اختصاص الغريم بعين ماله إذا وجدها مع كون التركة وافية بالدين.

(٥) سواء كانت التركة وافية بالدين أم لا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ١.

٢٨

المفلّس (١) أخذها إن شاء (وضرب بالنقص (٢) مع الغرماء مع نسبته) أي نسبة النقص (إلى الثمن) بأن تنسب (٣) قيمة الناقص إلى الصحيحة ويضرب من الثمن الذي باعه به بتلك النسبة كما هو مقتضى قاعدة الأرش ، ولئلا يجمع بين العوض والمعوض في بعض الفروض (٤) ،

______________________________________________________

(١) النقصان في العين إما مما يتقسط عليه الثمن لجواز إفراده بالبيع كعبد من عبدين ، ونحوه كنصف الثوب ، أو لا يكون كذلك كيد العبد ورجله ، وعلى التقديرين فالتالف إما أن يكون تلفه من قبل الله تعالى ، أو بجنابة الأجنبي ، أو من المشتري ، أو من البائع ، فالصور ثمان.

فإن كان التلف مما له قسط من الثمن وكان التلف من فعل المشتري كان البائع مخيّرا بين أن يضرب بالثمن مع الغرماء ولا يرجع على العين الناقصة ، أو أن يرجع على الباقي من العين ويضرب مع الغرماء بحصته التالف ، وهذا مما لا خلاف فيه كما في المسالك لصدق عين المال على الموجود فللغريم أخذه ، وإنما خالف بعض العامة وزعم أنه ليس له الرجوع بالباقي لأنه لم يجد المبيع بعينه وهو ضعيف ولو كان التلف مما لا قسط له من الثمن وكان التلف من فعل المشتري فليس للبائع إلا الرضا به على تلك الحال أو الضرب بالثمن ، لأن البائع هنا لا حق له بالعين إلا بالفسخ المتجدد بعد العيب ، وحقه قبل الفسخ في الثمن ، وهذا يعني أن العين غير مضمونة على المشتري قبل الفسخ ، ولازمه أن البائع لو فسخ فله نفس العين على ما هي عليه وقت الفسخ ، وما مضى من النقصان لم يتعلق حقه به ، وذهب ابن الجنيد وقواه العلامة في المختلف والمحقق الثاني إلى أن البائع لو فسخ يستحق أرش النقصان ، لأن فسخ المعاوضة يوجب رجوع كل مال لصاحبه ، فإن كان باقيا رجع به ، وإن كان تالفا ، رجع ببدله كائنا ما كان بلا فرق بين تلف الجميع أو البعض ، وكون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع معارض بماله قسط من الثمن.

وأما بقية الصور فسيأتي الكلام فيها.

(٢) ظاهره سواء كان النقص مما له قسط من الثمن أم لا.

(٣) كما لو كان قيمة العبد مائتين وقد اشتراه بمائة فجنى عليه المشتري بأن قطع يده ، وأرش الجناية هنا مائة لقطع اليد التي فيها نصف القيمة ، فلا يرجع البائع بالمائة لئلا يجمع بين العبد وبينها عند الفسخ ، بل الأرش هنا الذي يرجع به هو جزء من الثمن نسبته إليه كنسبة نقصان القيمة إليها ، فيرجع بخمسين مع العبد الذي اشتراه بمائة ، وهذه هي قاعدة الأرش المقررة عندهم.

(٤) كمثال العبد المتقدم.

٢٩

وفي استفادة ذلك (١) من نسبة (١) النقص إلى الثمن خفاء ، ولو كان النقص بفعل غيره (٣) فإن وجب أرشه ضرب به قطعا ، ولو كان من قبل الله تعالى فالأقوى أنه كذلك ، سواء كان الفائت مما يتقسط عليه الثمن بالنسبة كعبد من عبدين أم لا كيد العبد ، لأن مقتضى عقد المعاوضة عند فسخه رجوع كل عوض إلى صاحبه ، أو بدله.

وعلم أن تخصيص النقص بفعل المفلس (٤) لا يظهر له نكتة (٥) ، لأنه إما مساو لما يحدث من الله تعالى ، أو الأجنبي على تقدير الفرق (٦) ، أو حكم الجميع

______________________________________________________

(١) أي نسبة النقص إلى القيمة الواقعية والرجوع من الثمن بمقدار تلك النسبة.

(٢) الذي هو مفاد كلام الماتن.

(٣) فإن كان التلف من قبل الله تعالى سواء كان النقص مما له قسط من الثمن أو لا فيجري فيه نفس الكلام الوارد في النقص الصادر من المشتري وكان مما لا قسط له ، من ذهاب المشهور إلى أن البائع ليس له إلا الرضا بالعين على حالتها حين الفسخ أو الضرب بالثمن ، لأن البائع ليس له حق بالعين إلا بعد الفسخ ، وأما قبله فحقه في الثمن ، ومن الواضح أن العين قبل الفسخ غير مضمونة على المشتري فما ورد من نقص عليها قبل الفسخ ليس على المشتري ولم يتعلق حق البائع به.

وقد ذهب غير المشهور إلى استحقاق أرش النقصان لو فسخ البائع ، لأن فسخ المعاوضة يوجب رجوع كل مال إلى صاحبه فإن كان باقيا رجع به ، وإن كان تالفا رجع ببدله كائنا ما كان بلا فرق بين تلف الجميع والبعض ، مع كون العين في يد المشتري غير مضمونة للبائع قبل الفسخ معارضا بما له قسط من الثمن وكان التلف من المشتري.

وإن كان التلف من الأجنبي سواء كان التالف مما له قسط من الثمن أم لا تخير البائع بين أخذ العين والضرب بجزء من الثمن على نسبة نقصان القيمة وبين الضرب بجميع الثمن وذلك لأن الأجنبي لما ثبت عليه أرش الجناية والأرش جزء من المبيع وقد أخذه المشتري فلا يضيّع على البائع ، وهذا بخلاف التعيب بالآفة السماوية على مبنى المشهور حيث لم يكن لها عوض ، وإلا فعلى مبنى غير المشهور في الآفة السماوية فالحكم متحد ، وإن كان التلف من البائع فهو كالأجنبي ، لأنه جنى على ما ليس بمملوك له ولا في ضمانه.

(٤) بلا فرق بين كون البدل بدلا عن الجميع التالف أو البعض التالف.

(٥) في عبارة الماتن.

(٦) لأن النقص الحاصل عن المفلّس إذا كان حكمه حكم ما يحدث من قبل الله تعالى بعدم الأرش فلم خصّ المصنف النقص بالمفلس.

٣٠

سواء على القول القوي.

(ولا يقبل إقراره في حال التفليس بعين (١) ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله قبله) فيكون إقراره بها في قوة الإقرار بمال الغير ، وللحجر عن التصرف المالي المانع من نفوذ الإقرار ، (ويصح) إقراره (بدين) (٢) لأنه عاقل مختار فيدخل في

______________________________________________________

وإذا كان حكمه حكم ما يحدث من الأجنبي بالأرش فلم خص المصنف النقص بالمفلّس ، هذا كله على تقدير الفرق بين النقص من قبل الله وبين النقص من قبل الأجنبي كما هو مبنى المشهور في الآفة السماوية ، فعلى هذا التقدير لا بد من ذكر أحدهما مع المفلّس فالتخصيص غير حسن.

وإن لم يكن مذهب المصنف التفريق بين الأجنبي وفعل الله كما هو مبنى غير المشهور في الآفة السماوية وكما هو مختار الشارح في المسالك والروضة هنا فوجه عدم حسن التخصيص بالمفلّس أظهر.

(١) فلا يقبل ، لتعلق حق الغرماء بأعيان ماله ، فيكون الإقرار بها إقرارا منافيا لحق الغير.

وعن المبسوط للشيخ والتحرير للعلامة قبول إقراره لعموم النبوي (إقرار العقلاء على أنفسهم جائز) (١) ، وهو ضعيف لتعلق حق الغير بالعين فلا يقبل إقراره بها ، لأنه إقرار بمال الغير.

(٢) لو أقرّ المفلس بدين سابق على الحجر فيصح بلا خلاف فيه كما في الجواهر وقد قال : (نعم عن شرح الإرشاد أنه حكى عن بعض الأصحاب عدم صحة إقراره مطلقا ، ولم نعرفه مع وضوح فساده ، لمنافاته لما دلّ على جواز إقرار العقلاء على أنفسهم) انتهى ، واستدل أيضا بأن الحجر الموجود على المفلّس ليس بمانع من صحة إقراره المذكور ، لأن الحجر مانع في خصوص إنشاء التصرفات بالأعيان ، لأن فيه أحداث تمليك جديد ، والإقرار هنا إخبار بالدين فهو ليس إحداثا لتمليك بل هو إخبار عن تمليك.

ثم هل المقرّ له يشارك الغرماء أو لا؟ ذهب الشيخ في المبسوط والخلاف والمحقق في الشرائع والعلامة في التذكرة والتحرير أنه يشارك لعموم (إقرار العقلاء) المتقدم فينفذ تصرفه ، والمقرّ له أحد الغرماء فلا بدّ من تقسيم مال المفلّس بين غرمائه بما فيهم المقرّ له لعموم خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهم‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يفلّس الرجل إذا التوى على غرمائه ، ثم يأمر به فيقسّم ماله بينهم بالحصص ، فإن أبى باعه

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب كتاب الإقرار حديث ٢.

٣١

عموم : إقرار العقلاء على أنفسهم جائز ، والمانع في العين منتف هنا ، لأنه في العين مناف لحق الديان المتعلق بها (و) هنا (يتعلق بذمته ، فلا يشارك الغرماء المقرّ له) جمعا بين الحقين.(وقوى الشيخ رحمه‌الله) وتبعه العلامة في بعض كتبه (المشاركة) للخبر (١) ، ولعموم الإذن (٢) في قسمة ماله بين غرمائه ، وللفرق بين الإقرار ، والإنشاء فإن الإقرار إخبار عن حق سابق ، والحجر إنما يبطل إحداث الملك ، ولأنه (٣) كالبينة ، ومع قيامها لا إشكال في المشاركة.

ويشكل بأن ردّ إقراره ليس لنفسه ، بل لحق غيره فلا ينافيه الخبر (٤) ، ونحن

______________________________________________________

فقسّم بينهم ، يعني ماله) (١).

ولأن الإقرار كالبينة ، ومع قيام البينة فلا إشكال في المشاركة فكذا في مساويها ، ولانتفاء التهمة على الغرماء لأن ضرر الإقرار في حقه أكثر منه في حق الغرماء ، ولأن الظاهر من حال الإنسان أنه لا يقرّ بدين عليه مع عدمه.

وفي الجميع نظر ، أما عموم الإقرار فنقول به ولكن لا يشارك الغرماء لتعلق حقهم بأعيان مال المفلّس فلا بدّ من إلزام المفلّس بالمال بعد زوال الحجر ، وإلا لو قبل إقراره في الأعيان التي تعلق بها حق الغير لكان إقرارا في حق غيره لا على نفسه.

وأما خبر غياث فإنما هو في الغرماء حين الحكم بالحجر لا فيما يستجدّ ، ونمنع مساواة الإقرار للبينة في جميع الأحكام ، ويظهر أثره فيمن لا يقبل إقراره إذا أقيم عليه البينة ، وإذا لم تكن القاعدة كلية فلا تصلح كبرى للشكل ولا تنتج المطلوب.

مع أن التهمة موجودة في حق الغرماء لأنه يريد إسقاط حقهم بإقراره ، وتحقق الضرر عليه لا يمنع من إيجابه الضرر عليهم ، ولإمكان المواطاة بينه وبين المقرّ له في ذلك فلا يتحقق الضرر إلا عليهم ، والأخير استحسان محض فلذا ذهب العلامة في بعض كتبه إلى عدم المشاركة وتبعه الشهيدان والكركي وغيرهم ، بل يثبت بذمته ويلزم بالمال بعد زوال الحجر.

(١) أي عموم النبوي المتقدم.

(٢) المستفاد من خبر غياث المتقدم.

(٣) أي الإقرار.

(٤) وهو النبوي المتقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ١.

٣٢

قد قبلناه ، على نفسه بإلزامه بالمال بعد الحجر ، ومشاركة المقرّ له للغرماء هو المانع من النفوذ الموجب لمساواة الإقرار للإنشاء (١) في المعنى ، وكونه كالبينة مطلقا ممنوع ، فما اختاره المصنف أقوى. وموضع الخلاف ما لو أسنده إلى ما قبل الحجر ، أما بعده (٢) فإنه لا ينفذ معجلا قطعا ، نعم لو أسنده إلى ما يلزم ذمته كإتلاف مال أو جناية ، شارك (٣) لوقوع السبب (٤) بغير اختيار المستحق (٥) فلا تقصير ، بخلاف المعامل (٦).

(ويمنع المفلّس من التصرف) المبتدا (في أعيان أمواله) (٧) المنافي لحق

______________________________________________________

(١) أي إنشاء الملك بالهبة أو غيرها.

(٢) أي بعد الحجر بحيث أقرّ بالدين الناتج عن معاملة ، وقد وقعت بعد الحجر برضا الطرفين من المفلّس والذي عامله ، فلا يشارك الدائن هنا الغرماء ، لأن الإقرار لم يتعلق بأعيان ماله التي تعلق بها حق الغرماء ، فيكون الإقرار مؤجلا إلى ما بعد الحجر نعم لو أقرّ بدين بعد الحجر وأسنده إلى ما يلزم ذمته كإتلاف مال أو جناية فيجري فيه الوجهان السابقان ، لاتحاد المدرك كما في الجواهر والمسالك وغيرهما ، نعم قوّى الشارح المشاركة هنا بقوله في المسالك (والفرق أن الجناية والإتلاف وقعا بغير اختيار المالك والمجني عليه فلا يستند إلى تقصيره بخلاف المعاملة لصدورها عن الرضا والاختيار من الطرفين) انتهى.

(٣) أي شارك المقرّ له للغرماء.

(٤) وهو سبب الشراكة عن الإتلاف والجناية.

(٥) أي مستحق الشركة وهو المقرّ له.

(٦) وهو الذي أوجد المعاملة مع المفلّس من قرض أو بيع أو نحوهما.

(٧) لا خلاف في منع المفلّس بعد الحجر من التصرف في أعيان أمواله الموجودة حال الحجر احتياطا لحفظ المال للغرماء.

وهذا في خصوص التصرف الابتدائي ، لا في مطلق التصرف فلا يمنع من الفسخ بالخيار ، كما لو اشترى بخيار ثم فلّس فالخيار باق بلا خلاف فيه ، لأنه أثر أمر ثابت قبل الحجر فلا يمنع منه للاستصحاب ، ولكن هل يلاحظ في الفسخ الغبطة أو لا ، ذهب جماعة منهم الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة والكركي إلى أن له الفسخ من غير اعتبار الغبطة ، بل وإن كان فيه مفسدة على الغرماء وللأصل بعد عدم ما يدل على منع الحجر إياه.

خلافا للفاضل في التذكرة فاعتبر الغبطة في خيار العيب دون غيره ، وعلّله بأن العقد في

٣٣

الغرماء ، لا من مطلق التصرف ، واحترزنا بالمبتدإ عن التصرف في ماله بمثل الفسخ بخيار ، لأنه ليس بابتداء تصرف ، بل هو أثر أمر سابق على الحجر ، وكذا لو ظهر له عيب فيما اشتراه سابقا فله الفسخ به. وهل يعتبر في جواز الفسخ الغبطة ، أم يجوز اقتراحا؟ الأقوى الثاني ، نظرا إلى أصل الحكم ، وإن تخلفت الحكمة (١). وقيل : تعتبر الغبطة في الثاني دون الأول.

وفرق المصنف رحمه‌الله بينهما بأن الخيار ثابت بأصل العقد لا على طريق المصلحة ، فلا يتقيد بها ، بخلاف العيب ، وفيه نظر بيّن ، لأن كلّا منهما ثابت بأصل العقد على غير جهة المصلحة ، وإن كانت الحكمة المسوغة له هي المصلحة ، والإجماع على جواز الفسخ بالعيب وإن زاد القيمة (٢) ، فضلا عن الغبطة فيه (٣).

وشمل التصرف (٤) في أعيان الأموال ما كان بعوض (٥) ، أو غيره ، وما تعلّق بنقل العين ، والمنفعة ، وخرج به (٦) التصرف في غيره (٧) ، كالنكاح ،

______________________________________________________

زمن الخيار متزلزل لا ثبات له فلا يتعلق حق الغرماء بالمال دون العيب ، فإن العقد غير متزلزل فيتعلق حق الغرماء بالمعيب ، وعليه لا بد من مراعاة المصلحة في العيب دون غيره ، ويضعّف بأن التزلزل بينهما مشترك والفرق تحكم.

ووجّهه الشهيد بأن الخيار في غير العيب ثابت بأصل العقد لا على طريق المصلحة فلا يتقيد بها خلاف العيب فإنه ثابت على طريق المصلحة فيتقيد بها ، والتزم الشهيد بذلك.

وفيه : إن كلا الخيارين ثابت بأصل العقد ، وإنما افترقا بأن أحدهما قد ثبت بالاشتراط ، والآخر بمقتضى العقد ، ولم يقل أحد بتقيد فسخ العيب في غير المفلّس بالمصلحة فاعتبار الغبطة فيه هنا مع كونه ليس من التصرفات المبتدئة ليس بجيد.

(١) وهي الغبطة.

(٢) فيكون في الفسخ ضرر.

(٣) أي في الفسخ ، والمعنى إذا قام الإجماع على جواز الفسخ مع الضرر في غير المفلّس فيجوز في المفلّس لعدم الدليل على التفريق.

(٤) أي التصرف الممنوع منه.

(٥) سواء كان بعوض أو غيره ، بل ولو محاباة ، وسواء كان التصرف بنقل العين أو المنفعة ، كل ذلك احتياطا لحق الغرماء.

(٦) أي بلفظ (في أعيان أمواله).

(٧) أي التصرف في غير عين ماله كالنكاح والطلاق والقصاص والعفو عنه والإقرار بالنسب

٣٤

والطلاق ، واستيفاء القصاص ، والعفو عنه وما يفيد تحصيله (١) كالاحتطاب ، والاتّهاب ، وقبول الوصية وإن منع منه (٢) ، بعده (٣) وبالمنافي (٤) عن وصيته وتدبيره فإنهما يخرجان من الثلث بعد وفاء الدين فتصرفه في ذلك ونحوه جائز ، إذ لا ضرر على الغرماء فيه.

(وتباع) (٥) أعيان أمواله القابلة للبيع ، ولو لم تقبل كالمنفعة أو جرت ، أو

______________________________________________________

ونحو ذلك ، مما لا يصدق عليه أنه تصرف في المال ، وإن استلزم بعضها ذلك ، كالمئونة في الإقرار بالنسب.

كما لا يمنع من التصرف المحصّل للمال كالاحتطاب والاصطياد ، وأولى منهما قبول الوصية التمليكية والاتهاب والشراء بثمن في الذمة والقرض ونحوها ، مما هو مصلحة للغرماء بناء على دخول الجميع في الحجر فيتعلق فيه حق الغرماء ، كما صرح به الفاضل والكركي وثاني الشهيدين ، واستشكل العلامة في الإرشاد بتعلق الحجر في الأموال المستجدة بعد الحجر ، بل عن فخر المحققين أن عدم التعلق أولى.

هذا وصرح الفاضل والكركي بعدم المنع أيضا عن الوصية والتدبير ، لأنه لا ضرر فيها على الغرماء ، لكونهما بعد الموت الموجب لسبق استيفاء الدين أولا.

(١) أي وخرج التصرف المالي الممنوع منه ما يفيد تحصيل المال.

(٢) من المال الذي حصّله.

(٣) بعد التحصيل.

(٤) أي وخرج بالمنافي لحق الغرماء فتخرج وصيته وتدبيره على شرح قد تقدم.

(٥) شروع في قسمة أمواله بين غرمائه بعد بيعه ، وظاهر القواعد وغيره أنه ينبغي للحاكم المبادرة إلى بيعه لئلا تطول مدة الحجر ، وهو ظاهر في الاستحباب ، هذا ولكن الحجر على خلاف الأصل فيجب الاقتصار فيه على قدر الحاجة فتجب المبادرة حينئذ خصوصا بعد مطالبة الديّان ، ولذا ذهب العلامة في ظاهر التحرير إلى الوجوب ، بل في جامع المقاصد : (أن الوجوب أظهر) ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فبما أن حق الغرماء قد تعلق في أعيان أمواله فالوصول إلى حقهم منحصر ببيع هذه الأعيان إن أمكن ، وإلا صولح عليها ، وما لا يملك بيعه يؤجر ويضاف الجميع إلى المال الذي عنده.

وعليه فإن وفى بالدين فهو وإلا يقسم على نسبة أموالهم قضاء لحق العدل بينهم ، فلو كان لغريم مائة وللآخر مائتان ، وبيعت أمواله بمائة فلا بد من تقسيم هذه المائة أثلاثا وهكذا.

ويشهد له خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن رجل كانت عنده مضاربة

٣٥

صولح عليها وأضيف العوض إلى أثمان ما يباع (وتقسم على الغرماء) إن وفى ، وإلا فعلى نسبة أموالهم ، (ولا يدّخر للمؤجلة (١) التي لم تحل حالة القسمة شي‌ء) ولو حل بعد قسمة البعض شارك في الباقي ، وضرب بجميع المال ، وضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم (ويحضر كل متاع في سوقه (٢) وجوبا مع رجاء زيادة القيمة وإلا استحبابا ، لأن بيعه فيه أكثر لطلابه ، وأضبط لقيمته.

(ويحبس لو ادعى الاعسار حتى يثبته (٣) باعتراف الغريم ، أو بالبينة المطّلعة

______________________________________________________

ووديعة وأموال أيتام وبضائع وعليه سلف لقوم ، فهلك وترك ألف درهم أو أكثر من ذلك ، والذي عليه للناس أكثر مما ترك ، فقال : يقسّم لهؤلاء الذين ذكرت كلهم على قدر حصصهم أموالهم) (١) ، وخبر عبد الله بن الحكم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أفلس وعليه دين لقوم ، وعند بعضهم رهون وليس عند بعضهم ، فمات ولا يحيط ماله بما عليه من الدين ، قال : يقسّم ما خلّف من الرهون وغيرها على أرباب الدين بالحصص) (٢).

(١) تقسّم أمواله على ديونه الحالّة دون المؤجلة بلا خلاف فيه ولا إشكال ، لعدم استحقاق المؤجلة قبل الأجل ، نعم لو حلت قبل قسمة الكل ففي التذكرة والمسالك أن هذا الدين الجديد يشارك ، وكذا لو حلّ بعد قسمة البعض شارك في الباقي وضرب بجميع المال وضرب بقية الغرماء ببقية أموالهم ، لأن تعلق حقوقهم بالمال لا يمنع من تعلق حق غيرهم بعد وجود مقتضى التعلق فيه.

(٢) ففي الشرائع والقواعد والتحرير والإرشاد ومحكي المبسوط أنه يستحب إحضار كل متاع إلى سوقه لتتوفر الرغبة ، ومقتضاه جواز بيعه في غير سوقه ولو رجى الزيادة فيه.

وفي جامع المقاصد إنه لا يبعد الوجوب إلا أن يقطع بانتفاء الزيادة في سوقه ، وفي المسالك : (فالأولى الوجوب لأن بيعه فيه أكثر لطلابه وأضبط لقيمته).

(٣) لو ادعى الإعسار فإن وافقه الغريم فيثبت إعساره ، لاعتراف من له الحق عليه ، وكذا لو قامت البينة على إعساره على تفصيل سيأتي ، ومع ثبوت إعساره لا يجوز حبسه سواء كان المعسر مفلّسا وقد منعه الحاكم من التصرف في أمواله أم كان غير مفلّس ، بلا خلاف فيه بيننا ولا إشكال للإنظار المأمور به في الكتاب بقوله تعالى (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب أحكام الرهن حديث ١.

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

مَيْسَرَةٍ) (١) ولخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليه‌السلام (إن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا فأبى أن يحبسه وقال : إن مع العسر يسرا) (٢) ، وخالف بعض العامة حيث جعل قيام البينة على إعساره غير مانع من حبسه مدة يغلب على ظن الحاكم أنه لو كان له مال لظهر وهو ضعيف.

ثم لو ادعى الإعسار فإنه يحبس حتى يثبت إعساره ، لأصالة بقاء المال عنده فلا يؤخذ بدعواه ، والإنظار المأمور به في الآية المتقدمة مشروط بثبوت الإعسار ولم يثبت هنا ، ولفعل أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه كان يحبس بمجرد الالتواء كما في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أن عليا كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلّى سبيله حتى يستفيد مالا) (٣). ثم لو تناكر المديون وغريمه في الإعسار وعدمه ، فإن كان للمديون مال ظاهر من غير المستثنى له كالدار والجارية والثياب أمره الحاكم بالوفاء ، فإن امتنع تخيّر الحاكم بين حبسه حتى يوفّى بنفسه لوجوبه عليه ، وبين بيع أمواله وقسمتها بين غرمائه لأنه ولي الممتنع.

وإن لم يكن للمديون مال ظاهر وقد ادعى الإعسار ولم يوافقه الغريم فإن وجد المديون البينة على شرط سيأتي بيانه قضى الحاكم بها ، وإن عدمت البينة فإن كان للمديون أصل مال معهود وقد ادعى تلفه أو كانت أصل الدعوى مالا كالقرض ونحوه وقد أثبتها الغريم حبس المديون حتى يثبت إعساره ، لأصالة بقاء المال ، وفي التذكرة أنه لو لم تكن له بينة بذلك يحلف الغرماء على عدم التلف فإذا حلفوا حبس.

وعلى كل فلو قامت البينة لإثبات إعساره كما في بعض الفروض المتقدمة فلا يخلو الأمر إما أن يكون مستند الشهادة علم البينة بتلف أمواله ، أو باطلاعها على حاله ، فإن كان الأول بأن شهد الشاهدان على تلف أمواله قبلت وإن لم تكن مطلعة على باطن أمره ، لأن الشهادة بذلك بينة إثبات فيشملها جميع ما دلّ على قبول البينة ، وبثبوت تلف ماله يحصل الفرض من فقره.

وإن كان الثاني بأن شهدت بإعساره مطلقا من غير تعرض لتلف أمواله فلا بدّ في ذلك من كون الشاهدين لهما صحبة مؤكدة مع المشهود له ومعاشرة كثيرة بحيث يطّلعان بها

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ١.

٣٧

على باطن أمره إن شهدت بالإعسار مطلقا (١) ، أو بتلف المال حيث لا يكون منحصرا في أعيان مخصوصة ، وإلا (٢) كفى اطلاعها على تلفها ، ويعتبر في الأولى (٣) مع الاطلاع على باطن أمره بكثرة مخالطته ، وصبره على ما لا يصبر عليه ذوو اليسار عادة ، أن تشهد بإثبات يتضمن النفي ، لا بالنفي الصرف ، بأن يقول : إنه معسر لا يملك إلا قوت يومه ، وثياب بدنه ، ونحو ذلك. وهل يتوقف ثبوته (٤) مع البينة مطلقا (٥) على اليمين قولان (٦)؟.

______________________________________________________

على باطن أمره غالبا ، فإن الأموال قد تخفى ولا يعرف تفصيلها إلا بأمثال ذلك.

وإنما اعتبرنا البينة مع شرط الصحبة في القسم الثاني لأنها بينة نفي ، لأن معنى إعساره أنه لا مال له ، ومن حق الشهادة على النفي أنها لا تقبل ، وإنما قبلت عندنا وعند أكثر العامة لأن الشرط المذكور يلحقها بالإثبات ، لأن البينة على الإعسار مع الصحبة المؤكدة هي بينة على أنه لا يملك إلا ما يستثنى له من مال كقوت يومه وثيابه وداره وخادمه ، فهي بينة إثبات تشتمل على النفي ، وليست هي بينة نفي صرف حتى لا تقبل.

(١) أي من دون بيان السبب.

(٢) فلو كان التلف منحصرا في أعيان مخصوصة.

(٣) أي في البينة التي شهدت بإعساره مطلقا.

(٤) أي ثبوت الإعسار.

(٥) سواء كان بينة إثبات بأن شهدت على تلف أمواله ، أو بينة تتضمن النفي بأن شهدت على إعساره مع صحبتها المؤكّدة.

(٦) ذهب المحقق وتبعه العلامة في جملة من كتبه بل نسب إلى الأكثر إلى أن بينة الإثبات التي تشهد على تلف أمواله لا تحتاج إلى يمين ، وإلى أن بينة الإعسار التي تتضمن النفي وهي التي تشهد بإعساره مطلقا مع صحبتها المؤكدة تحتاج إلى يمين الاستظهار ، لاحتمال أن يكون مستند الشهادة بالإعسار هو ظاهر حاله ، فلا صراحة فيها بتلف الأموال فتجبر باليمين.

وعن العلامة في التذكرة عكس الحكم وأثبت عليه اليمين في بينة الإثبات التي هي بينة التلف دون بينة الإعسار بدعوى أن البينة إذا شهدت بالتلف كان كمن له أصل مال واعترف الغريم بتلفه وادعى مالا غيره فإنه يلزمه اليمين.

وقال العلامة في موضع آخر من التذكرة على ما هو المحكي منها : إنه لا يمين في الموضعين ، لأن فيه تكذيبا للمشهور ، ولأن عموم أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر تفصيل ، والتفصيل قاطع للشركة.

٣٨

وإنما يحبس مع دعوى الإعسار قبل إثباته (١) لو كان أصل الدين مالا كالقرض ، أو عوضا عن مال كثمن المبيع ، فلو انتفى الأمران كالجناية والإتلاف قبل قوله في الاعسار بيمينه ، لأصالة عدم المال وإنما أطلقه (٢) المصنف اتكالا على مقام الدين في الكتاب (٣) ، (فإذا ثبت) إعساره (خلّي سبيله) ، ولا يجب عليه التكسب (٤) لقوله تعالى : (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ).

(وعن علي عليه الصلاة والسلام) بطريق السكوني أنه كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول : اصنعوا به ما شئتم (إن شئتم فآجروه ، وإن شئتم استعملوه ، وهو يدل)

______________________________________________________

(١) أي قبل إثبات الإعسار وقد تقدم شرحه.

(٢) أي الحبس.

(٣) إذ الكتاب كتاب الدين والجنابة والإتلاف لا تسمى دينا.

(٤) إذا ثبت إعساره فلا بدّ أن ينظر إلى ميسرة لقوله تعالى : (وَإِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ) (١) ، ولخبر غياث عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يحبس في الدين فإذا تبين له حاجة وإفلاس خلّى سبيله حتى يستفيد مالا) (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (أن امرأة استعدت على زوجها أنه لا ينفق عليها وكان زوجها معسرا ، فأبى أن يحبسه وقال : إن مع العسر يسرا) (٣). وقد أطلق جماعة من الأصحاب منهم الشيخ وابن إدريس أنه لا يجب عليه التكسب أيضا ولا قبول الهبة ولا الصدقة ونحوهما.

وعن أبي حمزة والشهيدين والمحقق الكركي أنه يجب التكسب واستجوده العلامة في المختلف ، ولكن التكسب الواجب هو ما يليق بحاله ، ولو بمؤاجرة نفسه ، لأن وجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة ثابت والمكتسب قادر ولذا تحرم عليه الزكاة ، ويشهد له خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان يحبس في الدين ثم ينظر فإن كان له مال أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال دفعه إلى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم ، إن شئتم واجروه ، وإن شئتم استعملوه) (٤).

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٠.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٣.

٣٩

(على وجوب التكسب) في وفاء الدين ، (واختاره ابن حمزة والعلامة) في المختلف ، (ومنعه الشيخ وابن إدريس) للآية ، وأصالة البراءة.

(والأول أقرب) لوجوب قضاء الدين على القادر مع المطالبة والمتكسب قادر ، ولهذا تحرم عليه الزكاة ، وحينئذ فهو خارج من الآية ، وإنما يجب عليه التكسب فيما يليق بحاله عادة ولو بمؤاجرة نفسه ، وعليه (١) تحمل الرواية.

(وإنما يحجر على المديون (٢) إذا قصرت أمواله عن ديونه) فلو ساوته أو زادت لم يحجر عليه إجماعا ، وإن ظهرت عليه أمارات الفلس ، لكن لو طولب بالدين فامتنع تخير الحاكم بين حبسه إلى أن يقضي بنفسه ، وبين أن يقضى عنه من ماله ، ولو ببيع ما خالف الحق (٣) ، (وطلب الغرماء الحجر (٤) ، لأن الحق لهم فلا

______________________________________________________

(١) على التكسب اللائق بحاله تحمل رواية السكوني التي أوردها الماتن.

(٢) شروع في شروط الحجر ، وهي أربعة :

الأول : أن تكون الديون ثابتة عند الحاكم ضرورة أصالة بقاء سلطنته مع عدم الثبوت كما في الجواهر.

الثاني : أن تكون أمواله من عروض ومنافع وديون وأموال منقولة وغير منقولة غير المستثنيات قاصرة عن ديونه ، وإلا فلو ساوت أمواله ديونه أو زادت لم يحجر عليه بلا خلاف فيه ، بل إذا طالبه أرباب الدين فإن قضى فهو وإلا رفعوا أمرهم إلى الحاكم فيحبسه إلى أن يقضي ويدل عليه النبوي المشهور (لي الواجد تحل عقوبته وعرضه) (١).

وعقوبته بالحبس ، أو يبيع عليه ويقضي عنه لأن الحاكم ولي الممتنع ومما يدل على الحكم بكلا فرعيه خبر الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (إلى أن قال ـ وقضى عليه‌السلام في الرجل يلتوي على غرمائه أنه يحبس ثم يأمر به فيقسم ماله بين غرمائه بالحصص ، فإن أبى باعه فيقسم بينهم) (٢) ولا يمنع في هذا الحال عن التصرف في أمواله.

ولو تصرف بها بحيث أخرجها عن ملكه قبل بيعها عليه وتسديد الديون منها نفذ تصرفه وانتقل حكمه إلى ما لو كانت أمواله قاصرة عن ديونه.

(٣) أي حق الغرماء ، بحيث لو كانت ديونه من جنس أمواله فلا داعي للبيع ، ومع التغاير فإن رضي الغريم بها فهو وإلا باع الحاكم أمواله وسدّد بها ديونه.

(٤) هذا هو الشرط الثالث للحجر ، فلا بد من التماس الغرماء الحجر عليه ، لأن الحق لهم

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الحجر حديث ١.

٤٠