الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-175-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٢

٥ ـ وأما دعوى ابن تيمية : أن حديث حراسة جبرائيل وميكائيل له «عليه السلام» ، ونزول الآية فيه ، كذب باتفاق أهل العلم بالحديث والسير.

فلا تصح أصلا ، فإننا لم نجد أحدا منهم صرح بكذب هذه الرواية سواه ، فهو يدعي عليهم ما لا يعرفون ، وينسب إليهم ما هم منه بريئون.

بل عرفت تصحيح الحاكم والذهبي لهذا الحديث ، وتقدم أيضا طائفة كبيرة من الذين رووه من كبار العلماء والحفاظ ، من دون غمز فيه أو لمز.

إلا أن يكون شيطان ابن تيمية قد أوحى إليه بأن ينسب إليهم ما هم منه براء.

٦ ـ وأجاب الحلبي عن كلام ابن تيمية بقوله : «.. لكنه في الإمتاع لم يذكر أنه «صلى الله عليه وآله» قال لعلي ما ذكر ؛ أي لن يصل إليك شيء تكرهه وعليه فيكون فداؤه للنبي بنفسه واضحا.

ولا مانع من تكرار نزول الآية في حق علي ، وفي حق صهيب. وحينئذ يكون «شرى» في حق علي «رضي الله عنه» بمعنى باع ، أي باع نفسه بحياة المصطفى ، وفي حق صهيب بمعنى اشترى ، أي اشترى نفسه بماله.

ونزول هذه الآية بمكة لا يخرج سورة البقرة عن كونها مدنية ؛ لأن الحكم يكون للغالب» (١). انتهى.

ولكن بعض ما أجاب به الحلبي محل نظر ؛ فإن استعمال شرى بمعنى باع تارة وبمعنى اشترى أخرى محل نظر ؛ لأنه يلزم منه استعمال المشترك في أكثر من معنى ، وقد منعه طائفة من العلماء.

وإن كنا نحن نرى : أنه لا مانع من ذلك ؛ إلا ما كان من قبيل

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٧.

٢٢١

الاستعمال في المعنى الحقيقي والمجازي معا ، وشاهدنا على ذلك صحة التورية وشيوعها في كلام العرب ، فإذا لم نجز استعمال المشترك في معنيين لم يصح كلام الحلبي حتى وإن كانت الآية قد نزلت مرتين لأن محل الكلام إنما هو في قراءتنا نحن للآية ، وكيفية فهمنا لها.

هذا عدا عن أن صهيبا لا خصوصية له في بذله ماله ، فإن كثيرا من المهاجرين قد تخلوا عن أموالهم للمشركين وهاجروا فرارا بدينهم.

وعن قضية صهيب نقول :

لقد رووا : أنه لما أراد رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخروج إلى الغار أرسل أبا بكر مرتين أو ثلاثا إلى صهيب فوجده يصلي ، فكره أن يقطع صلاته ، وبعد أن جرى ما جرى عاد صهيب إلى بيت أبي بكر ، فسأل عن أخويه : النبي «صلى الله عليه وآله» وأبي بكر ، فأخبروه بما جرى ، فأراد الهجرة وحده ، ولكن المشركين لم يمكنوه من ذلك حتى بذل لهم ماله ؛ فلما اجتمع مع النبي في قباء قال «صلى الله عليه وآله» : ربح صهيب ربح صهيب ، أو ربح البيع ، فأنزل الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ ..)(١).

وألفاظ الرواية مختلفة كما يعلم بمراجعة الدر المنثور للسيوطي وغيره .. ويكفي أن نذكر أن بعضها يذكر : أن الآية نزلت لما أخذ المشركون

__________________

(١) الآية ٢٠٢ من سورة البقرة ، الإصابة : ج ٢ في ترجمة صهيب ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٣ و ٢٤ والدر المنثور ج ١ ص ٢٠٤ عن ابن سعد ، وابن أبي أسامة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم وأبي نعيم في الحلية ، وابن عساكر وابن جرير والطبراني والحاكم والبيهقي في الدلائل وابن أبي خيثمة وفي النصوص اختلاف.

٢٢٢

صهيبا ليعذبوه ، فقال لهم : إني شيخ كبير لا يضر ، أمنكم كنت أم من غيركم ، فهل لكم أن تأخذوا مالي وتدعوني وديني؟ ففعلوا (١).

ورواية أخرى تذكر القضية بنحو يشبه ما جرى لأمير المؤمنين حين هجرته ، وتهديده إياهم ورجوعهم عنه ؛ فراجع (٢).

ولكنها قصة لا تصح :

أولا : لأن إرسال النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر إلى صهيب ثلاث مرات في ظرف كهذا غير معقول ، لا سيما وهم يدّعون : أن قريشا كانت تطلب أبا بكر كما تطلب النبي «صلى الله عليه وآله» ، وجعلت مئة ناقة لمن يأتي به (٣) ، وإن كنا نعتقد بعدم صحة ذلك كما سنرى ، ولكن قريشا ولا شك إنما كانت تهتم في أن تستدل على النبي من خلال أبي بكر.

أضف إلى ما تقدم : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يخبر أحدا بهجرته تلك الليلة ، بل يروون : أنه «صلى الله عليه وآله» إنما صادف أبا بكر وهو في طريقه إلى الغار.

ثانيا : إن كلامه معه وهو في الصلاة ، وإخباره بالأمر ، لا يوجب قطع صلاة صهيب ، إذ باستطاعته أن يلقي إليه الكلام ويرجع دون أن يقطع عليه صلاته كما أنه يمكن أن ينتظره دقيقة أو دقيقتين حتى يفرغ من صلاته ،

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.

(٢) السيرة الحلبية ج ٣ ص ١٦٨.

(٣) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٠ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٩ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨٢ وإرشاد الساري ج ٦ ص ٢١٨.

٢٢٣

فيخبره بما يريد ، ويمكن أيضا أن يوصي أهل بيته أن يبلغوه الرسالة التي يريد إبلاغها إلا إذا كان لم يثق بهم.

إلا أن يدّعى : أن أبا بكر كان بحيث لا يدري كيف يتصرف ، أو أنه كان يرى حرمة إلقاء الكلام ليسمعه المصلي ، وكلاهما غير محتمل في حقه ، أو لا يرضى محبوه بنسبته إليه على الأقل ، وباقي الفروض الآنفة تبقى على حالها. هذا بالإضافة إلى هذه الصدفة النادرة فإنه يأتيه مرتين أو ثلاثا ، وهو لا يزال يصلي!!.

ثالثا : لماذا يهتم النبي «صلى الله عليه وآله» بصهيب خاصة ، ويترك من سواه من ضعفاء المؤمنين ، الذين كانت قريش تمارس ضدهم أقسى أنواع التعذيب والأذى ؛ فلا يرسل إليهم ، ولو مرة واحدة ، ولا نقول ثلاث مرات ؛ وهل هذا ينسجم مع ما نعرفه من عدل النبي «صلى الله عليه وآله» ، وعطفه الشديد على أمته؟.

إلا أن يقال : لعل غير صهيب كان مراقبا من قبل المشركين ، أو أن صهيبا كان أشد بلاء من غيره ، إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا دليل عليها ، ولا شاهد لها.

رابعا : إننا نجد بعض الروايات تقول : إن أبا بكر ـ وليس النبي «صلى الله عليه وآله» ـ هو الذي قال لصهيب : ربح البيع يا صهيب وذلك في قضية أخرى لا ربط لها بحديث الغار (١) والبعض يذكر القضية ، ولكنه لا

__________________

(١) راجع : صفين للمنقري ص ٣٢٥. ومجمع البيان ج ٦ ص ٣٦١ ، والبحار ج ١٩ ص ٣٥ عنه ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٤.

٢٢٤

يذكر نزول الآية فيه (١).

خامسا : إن الآية إنما تتمدح من يبذل نفسه في مرضاة الله ، لا أنه يبذل المال في مرضاته ، ورواية صهيب ناظرة إلى الثاني لا الأول.

سادسا : قد قلنا آنفا : إن صهيبا لم يكن الوحيد الذي بذل ماله في سبيل دينه ، فلماذا اختص هذا الوسام به دونهم؟

سابعا : إنهم يذكرون : أنه لم يتخلف مع النبي «صلى الله عليه وآله» أحد من المهاجرين إلا من حبس أو فتن ، إلا عليا وأبا بكر (٢).

ثامنا : إن الرواية القائلة بأن صهيبا كان شيخا كبيرا لا يضر المشركين ، أكان معهم أم مع غيرهم لا تصح ؛ لأن صهيبا قد توفي سنة ثمان أو تسع وثلاثين وعمره سبعون سنة (٣) ؛ فعمره يكون حين الهجرة واحدا أو اثنين وثلاثين سنة ، فهو قد كان في عنفوان شبابه ، لا كما تريد أن تدعيه هذه الرواية المفتعلة.

هذا كله ، عدا عن تناقضات روايات صهيب.

وعدا عن أن عددا منها لا يذكر نزول الآية في حقه.

كما أنها عموما إما مروية عن صهيب نفسه ، أو عن تابعي لم يدرك عهد النبي ، كعكرمة ، وابن المسيب ، وابن جريج ، وليس هناك سوى رواية واحدة وردت عن ابن عباس الذي ولد قبل الهجرة بثلاث سنين فقط.

__________________

(١) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢١.

(٢) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٢٣ ، وسيرة مغلطاي ص ٣١.

(٣) الإصابة ج ٢ ص ١٩٦.

٢٢٥

ويجب أن يعلم : أن صهيبا كان من أعوان الهيئة الحاكمة بعد النبي «صلى الله عليه وآله» ، وممن تخلف عن بيعة أمير المؤمنين ، وكان يعادي أهل البيت «عليهم السلام» (١).

فلعل المقصود هو مكافأته على مواقفه تلك ، بمنحه هذه الفضيلة الثابتة لأمير المؤمنين «عليه السلام» ، فيكون هؤلاء قد أصابوا عصفورين بحجر واحد حينما يزين لهم شيطانهم أن عليا يخسر وخصومه يربحون.

٦ ـ بقي في كلام ابن تيمية المتقدم قوله : إن سورة البقرة مدنية ، ولو صح نزولها في علي «عليه السلام» لكانت مكية.

وجوابه واضح : فإن نزول الآية لو سلم أنه كان في نفس ليلة المبيت ، فمن الواضح أن النبي «صلى الله عليه وآله» كان حينئذ في الغار ، وليس معه سوى أبي بكر ؛ فلم يكن ثمة مجال للإعلان بنزول الآية إلا بعد وصوله «صلى الله عليه وآله» إلى المدينة ، واستقراره فيها ، ثم إتاحة الفرصة له في الظرف المناسب لإظهار هذه الفضيلة العظيمة لابن عمه ووصيه.

فلا بأس أن تعد بهذا الاعتبار مدنية ، وتجعل في سورة البقرة ، التي كان نزولها في مطلع الهجرة ، كما هو معلوم.

هذا بالإضافة إلى أن وجود آية مكية في سورة مدنية ليس بعزيز.

وأما ما ذكره الحلبي من تكرر نزول الآية فلا دليل عليه ، بل الأدلة الآنفة تدفعه وتنافيه.

__________________

(١) راجع ذلك وغيره في ترجمة صهيب في قاموس الرجال ج ٥ ص ١٣٥ ـ ١٣٧.

٢٢٦

تسمية أبي بكر بالصديق :

يرى البعض : أن الله تعالى قد سمى أبا بكر بالصديق في قضية الغار ، كما في شواهد النبوة ، حيث قد روي : أنه حين أذن الله تعالى لنبيه بالهجرة ، قال لجبرائيل : من يهاجر معي؟

قال جبرائيل : أبو بكر الصديق (١).

ولكننا نشك في صحة ذلك :

أولا : لتناقض الروايات في تسمية أبي بكر بالصديق ، وسبب ذلك وزمانه ؛ فمن قائل : إن ذلك كان في قضية الغار كما هنا.

ومن قائل : إنه كان حينما رجع النبي «صلى الله عليه وآله» من رحلة الإسراء ، وتصديق أبي بكر له في ذلك ، وحين وصف النبي «صلى الله عليه وآله» لقومه بيت المقدس (٢).

وقول ثالث : إن ذلك كان حين بعثة النبي «صلى الله عليه وآله» ، حيث صدقه أبو بكر ، فسمي الصديق (٣).

وقول رابع : إن ذلك كان حين رحلة النبي «صلى الله عليه وآله» إلى السماء ، حيث روي عنه «صلى الله عليه وآله» قوله : لما عرج بي إلى السماء ، ما مررت بسماء إلا وجدت اسمي فيها مكتوبا محمد رسول الله أبو بكر

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٣ عن شواهد النبوة ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩.

(٢) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٩ وج ١ ص ٢٧٣ ، وغير ذلك. وقد أشرنا إلى ذلك حين الكلام على الإسراء والمعراج ، وذكرنا بعض مصادره هناك ، فراجع.

(٣) نفس المصدر السابق.

٢٢٧

الصديق (١) فأي ذلك هو الصحيح؟!

ثانيا : لدينا العديد من الروايات الصحيحة والحسنة سندا ، والمروية في عشرات المصادر ، تنص على أن «الصديق» هو أمير المؤمنين «عليه السلام» ، دون أبي بكر ، ونذكر منها :

١ ـ عن علي «عليه السلام» ، بسند صحيح على شرط الشيخين ، أنه قال : أنا عبد الله ، وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب مفتري ، لقد صليت قبل الناس بسبع سنين (٢).

__________________

(١) كشف الأستار ج ٣ ص ١٦٣ ومسند أحمد ج ٤ ص ٣٤٣ ومجمع الزوائد ج ٩ ص ٤١ وتهذيب التهذيب ج ٥ ص ٣٨ والغدير ج ٥ ص ٣٢٦ و ٣٠٣ عن تاريخ الخطيب.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١١٢ وتلخيصه للذهبي هامش نفسه الصفحة ، والأوائل ج ١ ص ١٩٥ ، وفرائد السمطين ج ١ ص ٢٤٨ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٨ ، وراجع ج ١ ص ٣٠ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦ ، والخصائص للنسائي ص ٤٦ بسند رجاله ثقات ، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٤ ، بسند صحيح ، وتاريخ الطبري ج ٢ ص ٥٦ ، والكامل لابن الأثير ج ٢ ص ٥٧ ، وذخائر العقبي ص ٦٠ عن الخلفي والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم ٢٣٥) ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم (مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم ٤٩٧) ج ١ وتذكرة الخواص ص ١٠٨ عن أحمد في المسند وفي الفضائل وفي هوامش ترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ، ج ١ ص ٤٤ و ٤٥ عن : مصنف ابن أبي شيبة ، ج ٦ الورق ١٥٥ / أو كنز العمال (ط ٢) ج ١٥ ص ١٠٧ عن ابن أبي شيبة ، والنسائي ، وابن أبي عاصم في السنة ، والعقيلي والحاكم وأبي نعيم وعن العقيلي في ضعفائه ج ٦ الورق ١٣٩ ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم ج ١

٢٢٨

وقال غير مرة : «أنا الصديق الأكبر ، والفاروق الأول ، أسلمت قبل إسلام أبي بكر وصليت قبل صلاته» (١).

والظاهر أن المراد : أنه «عليه السلام» كان يتعبد مع النبي «صلى الله عليه وآله» على دين الحنيفية ـ حتى قبل بعثته ـ من حين تمييزه ، إلى أن علم الدين ، ونزل قوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ ،) بل وقبل ذلك أيضا. وبذلك يبطل قول ابن كثير : «كيف يتمكن أن يصلي قبل الناس بسبع سنين؟ هذا لا يتصور أصلا» (٢).

٢ ـ وأخرج القرشي في شمس الأخبار رواية طويلة عن النبي «صلى الله عليه وآله» أن الله قد سمى عليا ب «الصديق الأكبر» في ليلة الإسراء (٣).

٣ ـ عن ابن عباس ، عن النبي «صلى الله عليه وآله» : الصديقون ثلاثة : حزقيل مؤمن آل فرعون ، وحبيب النجار صاحب آل ياسين ، وعلي بن أبي طالب الثالث أفضلهم.

__________________

الورق ٢٢ / أ ، وتهذيب الكمال للمزي ج ١٤ الورق ١٩٣ / ب وعن تفسير الطبري ، وعن أحمد في الفضائل الحديث ١١٧ ورواه في ذيل إحقاق الحق ج ٤ ص ٣٦٩ عن ميزان الإعتدال ج ١ ص ٤١٧ وج ٢ ص ١١ و ٢١٢ ، والغدير ج ٢ ص ٣١٤ عن كثير ممن تقدم وعن الرياض النضرة ص ١٥٥ و ١٥٨ و ١٢٧ وراجع : اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٢١.

(١) شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج ٤ ص ٢٢ وعن المعارف لابن قتيبة ص ١٦٧ وكلام الإسكافي في العثمانية ص ٣٠٠.

(٢) البداية والنهاية ج ٣ ص ٢٦.

(٣) الغدير ج ٢ ص ٣١٣ و ٣١٤.

٢٢٩

وقريب منه ما روي عن أبي ليلى الغفاري ، بسند حسن ، كما نص عليه السيوطي (١).

وكذا عن الحسن بن عبد الرحمن بن أبي ليلى (٢).

فحصر النبي «صلى الله عليه وآله» للصديقين بالثلاثة ، ينافي تسمية أبي بكر ب «الصديق» على النحو المتقدم ، وإلا كانوا أربعة ، ولم يصح الحصر.

٤ ـ عن معاذة قالت : سمعت عليا ، وهو يخطب على منبر البصرة ،

__________________

(١) الجامع الصغير ج ٢ ص ٥٠ ، عن أبي نعيم في معرفة الصحابة ، وابن النجار ، وابن عساكر ، والصواعق المحرقة ط المحمدية ص ١٢٣ ، وتاريخ بغداد ج ١٤ ص ١٥٥ ، وشواهد التنزيل ج ٢ ص ٢٢٤ ، وذخائر العقبى ص ٥٦ ، وفيض القدير ج ٤ ص ١٣٧ ، وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الإمام علي «عليه السلام») بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢٨٢ وج ١ ص ٨٠ وكفاية الطالب ص ١٢٣ و ١٨٧ و ١٢٤ ، والدر المنثور ج ٥ ص ٢٦٢ عن تاريخ البخاري ، وعن أبي داود ، وأبي نعيم والديلمي وابن عساكر ، والرازي في تفسير سورة المؤمن ، ومناقب الخوارزمي ص ٢١٩ ، ومناقب الإمام علي لابن المغازلي ص ٢٤٦ و ٢٤٧ ، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم مخطوط في مكتبة طوپ قپوسراي رقم ٤٩٧ ونقله في هامش كفاية الطالب عن كنز العمال أيضا ج ٦ ص ١٥٢ عن الطبراني وابن مردويه والرياض النضرة ج ٢ ص ١٥٢ وبعض من تقدم ، ونقله المحمودي في هامش ترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر ج ١ ص ٧٩ و ٨٠ عن بعض من تقدم وعن : السيف اليماني المسلول ص ٤٩ والفتح الكبير ص ٢٠٢ وغاية المرام ص ٤١٧ و ٦٤٧ ومناقب علي من كتاب الفضائل لأحمد الحديث ١٩٤ و ٢٣٩ والسلفي في مشيخة البغدادية ، الورق ٩ / ب و ١٠ / ب والغدير ج ٢ ص ٣١٢ ، عن بعض من تقدم ، وهوامش شواهد التنزيل عن الروض النضير ج ٥ ص ٣٦٨.

(٢) مناقب الخوارزمي الحنفي ص ٢١٩.

٢٣٠

يقول : أنا الصديق الأكبر ، آمنت قبل أن يؤمن أبو بكر ، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر (١).

وظاهره : أنه في صدد نفي صديقية أبي بكر ، التي شاعت بين الناس.

٥ ـ عن أبي ذر ، وابن عباس ، قالا : سمعنا النبي «صلى الله عليه وآله» يقول لعلي : أنت الصديق الأكبر ، وأنت الفاروق الذي يفرق بين الحق والباطل (٢) ، وقريب منه عن أبي ليلى الغفاري.

__________________

(١) ذخائر العقبى ص ٥٦ عن ابن قتيبة ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٨ ، وأنساب الأشراف ، بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ١٤٦ ، والآحاد والمثاني (مخطوط في كوپرلي رقم ٢٣٥) ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٣٣٤ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٧٣ و ٧٤ ، والغدير ج ٢ ص ٣١٤ عن بعض من تقدم وعن ابن أيوب والعقيلي ، عن كنز العمال ج ٦ ص ٤٠٥ طبعة أولى ، وليراجع الغدير ج ٣ ص ١٢٢ عن الإستيعاب ج ٢ ص ٤٦٠ وعن مطالب السؤل ص ١٩ وقال : كان يقولها في كثير الأوقات والطبري ج ٢ ص ٣١٢ وعن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٥٥ و ١٥٧ وعن العقد الفريد ج ٢ ص ٢٧٥ ، وراجع في حديث ابن عباس وأبي ليلى الغفاري الإصابة ج ٤ ص ١٧١ وهامشها في الإستيعاب ج ٤ ص ١٧٠ وميزان الإعتدال ج ٢ ص ٣ و ٤١٧.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٨ ، وفرائد السمطين ج ١ ص ١٤٠ وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر تحقيق المحمودي ج ١ ص ٧٦ و ٧٧ و ٧٨ بعدة أسانيد وفي هامشه عن الإسكافي في نقضه لعثمانية الجاحظ المطبوع معها في مصر ص ٢٩٠ واللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٢٤ و ٣٢٥ وملحقات إحقاق الحق ج ٤ ص ٢٩ ـ ٣١ و ٣٤ والغدير ج ٢ ص ٣١٣ عن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٥٥ عن الحاكمي ، وعن شمس الأخبار للقرشي ص ٣٠ ، وعن المواقف ج ٣ ص ٢٧٦ ، وعن نزهة المجالس ج ٢ ص ٢٠٥ وعن الحمويني.

٢٣١

٦ ـ عن أبي ذر ، وسلمان : إن الرسول «صلى الله عليه وآله» أخذ بيد علي ، فقال : إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل الخ (١).

٧ ـ وفي خطبة طويلة لأم الخير بنت الحريش ، أوردتها في صفين ، وصفت فيها أمير المؤمنين «عليه السلام» ب «الصديق الأكبر» (٢).

٨ ـ وقال محب الدين الطبري : «إن رسول الله سماه صديقا» (٣).

٩ ـ وقال الخجندي : «وكان يلقب بيعسوب الأمة ، وبالصديق الأكبر» (٤).

١٠ ـ وجاء في رواية أخرى : «فيجيبهم ملك من بطنان العرش : يا معشر الآدميين ، ليس هذا ملكا مقربا ، ولا نبيا مرسلا ، ولا حامل عرش ، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب الخ ..» (٥).

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ١٠٢ عن الطبراني والبزار ، والغدير ج ٢ ص ٣١٣ وج ١٠ ص ٤٩ عنه وعن : كفاية الطالب ص ١٨٧ من طريق ابن عساكر وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٢٨ وعن إكمال كنز العمال ج ٦ ص ١٥٦ عن البيهقي وابن عدي عن حذيفة ، وعن أبي ذر وسلمان وعن الإستيعاب ج ٢ ص ٦٥٧ وعن الإصابة ج ٤ ص ١٧١.

(٢) العقد الفريد ط دار الكتاب ج ٢ ص ١١٧ ، وبلاغات النساء ص ٣٨ ، والغدير ج ٢ ص ٣١٣ عنهما وعن صبح الأعشى ج ١ ص ٢٥٠ ونهاية الأرب ج ٧ ص ٢٤١.

(٣) الغدير ج ٢ ص ٣١٢ عن الرياض النضرة ج ٢ ص ١٥٥ وغيرها.

(٤) نفس المصدر السابق.

(٥) كنز العمال ط ٢ ج ١٥ ص ١٣٤.

٢٣٢

١١ ـ إن آية : (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ)(١) نزلت في علي «عليه السلام» وكذا آية : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ)(٢) ، وآية : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ)(٣).

١٢ ـ وفي رواية عن أنس : «وأما علي فهو الصديق الأكبر الخ ..» (٤). وثمة روايات أخرى ؛ فلتراجع في مصادرها (٥).

وبعد ما تقدم نعرف : أن لقب «الصديق» خاص بالإمام علي «عليه السلام» ، ولا يمكن إثباته لغيره.

هذا وقد ذكر العلامة الأميني روايات تدل على أن الصديق هو أبو بكر ، ثم فندها بما لا يدع مجالا للشك في كذبها وافتعالها ؛ حيث حكم كبار النقاد والحفاظ عليها بالوضع والكذب من أمثال : الذهبي ، والخطيب ، وابن حبان ، والسيوطي ، والفيروز آبادي ، والعجلوني ، ومن أراد أن يقف

__________________

(١) الآية ٣٣ من سورة الزمر.

(٢) الآية ١٥ من سورة الحجرات.

(٣) الآية ٦٩ من سورة النساء ، راجع على سبيل المثال : شواهد التنزيل ج ١ ص ١٥٣ و ١٥٤ و ١٥٥ وج ٢ ص ١٢٠ وفي هوامشه مصادر كثيرة ، وترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ دمشق بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٤١٨ ، وهوامشه ، ومناقب ابن المغازلي ص ٢٦٩ ، وغاية المرام ص ٤١٤ ، وكفاية الطالب ص ٣٣٣ ، ومنهاج الكرامة للحلي ، ودلائل الصدق للشيخ المظفر ج ٢ ص ١١٧ والدر المنثور ج ٥ ص ٣٢٨ ، وعشرات المصادر الأخرى.

(٤) مناقب الخوارزمي الحنفي ص ٣٢.

(٥) راجع على سبيل المثال : اللآلي المصنوعة ج ١ ص ٣٢٢.

٢٣٣

على ذلك ، فعليه بالرجوع إلى كتاب الغدير ؛ فإن فيه ما ينقع الغلة ، ويزيح الشبهة.

متى كان وضع هذه الألقاب :

والظاهر أن سرقة هذا اللقب ، وغيره من الألقاب ، قد حصلت في وقت متقدم ، حتى اضطر الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» إلى الإعلان على منبر البصرة (١) : أنه «عليه السلام» هو الصديق الأكبر ، وليس أبا بكر ، وأن كل من يدعي هذا اللقب لنفسه فهو كذاب مفتر ، وقد كرر «عليه السلام» ذلك كثيرا.

ولكن السياسة التي حكمت الأمة ، وهيمنت على فكرها واتجاهاتها استطاعت أن تحتفظ بهذه الألقاب لمن تريد الاحتفاظ لهم بها ، ولم يكن ثمة أية قوة تستطيع أن ترد أو أن تمنع ، أو حتى أن تعترض ولو بشكل سلمي بحت ، لا سيما وأن وضع مثل هذه الأمور قد تم وحصل على أيدي علماء من وعاظ السلاطين.

الراحلتان :

ويقولون : إنه بعد أن بدأ المسلمون بالهجرة إلى المدينة ، وأخبر النبي «صلى الله عليه وآله» أبا بكر : أنه يرجو أن يؤذن له ، حبس نفسه على رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، واشترى راحلتين بثمانمائة درهم ـ وكان أبو بكر

__________________

(١) راجع : الغدير ج ٥ ص ٣٢٧ و ٣٢٨ و ٣٢١ و ٣٣٤ و ٣٥ وج ٧ ص ٢٤٤ و ٢٤٥.

٢٣٤

رجلا ذا مال ـ وعلفهما ورق السمر ، أو الخبط أربعة أشهر (١) ، أو ستة أشهر (٢) ، على اختلاف النقل.

ولما أراد «صلى الله عليه وآله» الهجرة عرض أبو بكر الراحلتين على الرسول «صلى الله عليه وآله» ؛ فأبى أن يقبلهما إلا بثمن.

وإذا أغمضنا النظر عما يظهر من النص السابق من أن الهدف هو إظهار أبي بكر على أنه متفضل على النبي «صلى الله عليه وآله» ، فإننا نقول : إن ذلك لا يصح ، وذلك لما يلي :

١ ـ إن علفه للراحلتين أربعة أشهر أو ستة غير معقول ؛ لأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أمر أصحابه بالهجرة قبل هجرته هو «صلى الله عليه وآله» بثلاثة أشهر فقط ، بل يقول البعض : إن ذلك كان قبل هجرته بشهرين ونصف على التحرير (٣).

بل يقول البعض إن بيعة العقبة قد كانت قبل الهجرة بشهرين وليال (٤).

وقد أمر «صلى الله عليه وآله» أصحابه بالهجرة بعد بيعة العقبة ، كما هو

__________________

(١) راجع : وفاء الوفاء ج ١ ص ٢٣٧ ، والثقات لابن حبان ج ١ ص ١١٧ والمصنف لعبد الرزاق ج ٥ ص ٣٨٧ وغير ذلك كثير ، وعن كون أبي بكر رجلا ذا مال راجع : سيرة ابن هشام ج ١ ص ١٢٨.

(٢) نور الأبصار ص ١٦ عن : الجمل على الهمزية ، وعن كنز العمال ج ٨ ص ٣٣٤ عن البغوي بسند حسن عن عائشة.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ١٨٣ و ١٧٧ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٥ و ٥٥ عنه.

(٤) سيرة مغلطاي ص ٣٢ وفتح الباري ج ٧ ص ١٧٧ وراجع الثقات لابن حبان ج ١ ص ١١٣ وغير ذلك.

٢٣٥

معلوم ؛ فكيف يكون أبو بكر قد علف الراحلتين أربعة ، أو ستة أشهر ، بعد أمره «صلى الله عليه وآله» لأصحابه بالهجرة؟!.

وأما تخيل أن يكون أبو بكر قد عرف بنية النبي «صلى الله عليه وآله» في هذا المجال ، قبل أن يصدر منه «صلى الله عليه وآله» الأمر بالهجرة فليس له ما يؤيده لا من عقل ولا من نقل ، سوى هذا النص الذي هو موضع البحث.

بالإضافة إلى أن الاذن بالهجرة إنما كان بعد بيعة العقبة كما تقدم.

٢ ـ إن ثمة نصا يقول : إن أمير المؤمنين «عليه السلام» قد اشترى للنبي «صلى الله عليه وآله» ثلاثا من الإبل ، واستأجر الأريقط بن عبد الله ، وأرسل الإبل معه إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ليلة الخروج من الغار (١).

فلعله اشترى الإبل من أبي بكر ، واستلمها وأرسلها إلى النبي «صلى الله عليه وآله» مع الأريقط.

ما هي الحقيقة؟!

والحقيقة هي : أنهم لما رأوا : أنه «صلى الله عليه وآله» لم يقبل الراحلتين من أبي بكر إلا بالثمن ، ورأوا في ذلك تضعيفا للخليفة الأول ، وفي مقابل ذلك هم يرون : أن عليا يبذل نفسه في سبيل الله ، وتنزل في حقه الآيات ، عوضوا أبا بكر عن ذلك بأنه قد علف الراحلتين هذه المدة الطويلة.

وبعد ما تقدم نقول : إن شراء الرسول للراحلتين ، أو شراء أمير المؤمنين

__________________

(١) ترجمة الإمام علي «عليه السلام» من تاريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ج ١ ص ١٣٨ والدر المنثور ، وتيسير المطالب ص ٧٥ لكن فيه : أنه قد استأجر الرواحل الثلاث.

٢٣٦

للرواحل يبين : أن أبا بكر قد هاجر على نفقة الرسول «صلى الله عليه وآله» ، وليس على نفقة نفسه.

الخروج من خوخة أبي بكر للهجرة :

ويقولون : إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» قد خرج إلى الغار من خوخة لبيت أبي بكر (١).

وعند البخاري : أنه «صلى الله عليه وآله» ذهب إلى أبي بكر ظهرا ، ومن ثم ذهبا إلى الغار (٢).

ونقول :

١ ـ لقد كذب الحلبي ذلك ، وقال : «والأصح : إنما كان خروجه من بيت نفسه» (٣).

٢ ـ تقدم في أوائل هذا الفصل : أن أبا بكر جاء إلى بيت النبي فوجد عليا نائما مكانه ؛ فأخبره علي «عليه السلام» بذهاب النبي «صلى الله عليه وآله» نحو بئر ميمون ؛ فلحقه في الطريق : فكيف يكون قد خرج إلى الغار من خوخة أبي بكر؟! وكيف يكون قد خرج إلى الغار ظهرا؟.

٣ ـ إن سائر الروايات نص على أن المشركين قد جلسوا على باب النبي

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٤ وتاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٠٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٧٨.

(٢) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ١٥٣ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٧٨ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٣ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٠ والبخاري كما في إرشاد الساري ج ٦ ص ١٧.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤ عن سبط ابن الجوزي.

٢٣٧

«صلى الله عليه وآله» إلى الصباح ، فخرج من بينهم في فحمة العشاء ، وبقي علي «عليه السلام» نائما مكانه ، وهذا يكذب أنه قد خرج ظهرا.

٤ ـ كيف يكون قد خرج من بيت أبي بكر ، مع أنهم يقولون : إن القائف كان يقص أثر رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، حتى بلغ مكانا ؛ فقال : هنا صار مع محمد آخر.

بل البعض يصرح : أنهم قد عرفوا أنها قدم ابن أبي قحافة (١). واستمروا على ذلك حتى بلغوا إلى فم الغار ، وبذلك كله يعلم أيضا عدم صحة ما روي من أنه «صلى الله عليه وآله» مشى ليلته على أطراف أصابعه ؛ لئلا يظهر أثر رجليه حتى حفيت رجلاه ، (كأن المسافة بعيدة إلى هذا الحد!!) ، فحمله أبو بكر على كاهله ، حتى أتى على فم الغار ، فأنزله.

وفي رواية : أنه ذهب إلى الغار راكبا ناقته الجدعاء ابتداء من منزل أبي بكر (٢).

ولا ندري من الذي أرجع الناقة إلى موضعها الأول ، فإن وجودها على مدخل الغار لن يكون في صالحهم ، إلا أن يكون قد خبأها في مكان ما ، ولكن أين يمكن أن تخبأ الناقة يا ترى؟!

__________________

(١) البحار ج ١٩ ص ٧٤ وعن الخرايج والجرائح وليراجع ص ٧٧ و ٥١ وليراجع أيضا إعلام الورى ص ٦٣ ، ومناقب آل أبي طالب ج ١ ص ١٢٨ ، وتفسير القمي ج ١ ص ٢٧٦.

(٢) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٤ ـ ٣٨ وراجع ، تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٢٨. والدر المنثور.

٢٣٨

قريش في طلب أبي بكر :

يقولون : إن قريشا قد بذلت في النبي «صلى الله عليه وآله» مئة بعير ، وفي أبي بكر مثلها (١) ذكر ذلك الجاحظ وغيره.

وأجاب الإسكافي المعتزلي فقال : «.. فما بالها بذلت في أبي بكر مئة بعير أخرى؟ وقد كان رد الجوار ، وبقي بينهم فردا لا ناصر له ، ولا دافع عنده ، يصنعون به ما يريدون ، إما أن يكونوا أجهل البرية كلها ، أو يكون العثمانية أكذب جيل في الأرض ، وأوقحه وجها.

وهذا مما لم يذكر في سيرة ، ولا روي في أثر ، ولا سمع به بشر ، ولا سبق الجاحظ به أحد» (٢).

ونزيد نحن هنا : إنه إذا كانت قبيلته قد منعته أولا كما يقولون ، فلماذا تخلت عنه الآن؟ وإذا كان أبو بكر من أذل بيت في قريش ، كما سبق بيانه حين الكلام على هجرته إلى الحبشة ؛ تحت عنوان : هل كان أبو بكر رئيسا ، فلماذا تبذل فيه قريش مئة بعير ، كما تبذل في النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه؟.

ولماذا لم تضع عليه الأرصاد والعيون ، ولم ترسل إليه فتبيته ، كما أرادت أن تبيت النبي «صلى الله عليه وآله»؟

ولماذا تبذل في أبي بكر هذا المقدار ، مع أن الذي فوت عليها ظفرها

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٣٠ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٨٢ والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٩.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦٩.

٢٣٩

بالنبي «صلى الله عليه وآله» ـ وهو عليّ ـ آمن فيما بينهم يغدو ويروح ، ولا من يعترض ولا من يتكلم؟

ولكن الحقيقة هي : أن الهدف من ذلك هو الارتفاع بأبي بكر ليساوي الرسول الأعظم منزلة وخطرا ، فضلا عن أن يذهب بكل آثار مبيت أمير المؤمنين على الفراش ، حتى لا يلتفت إليه ولا يهتم به أحد في قبال عظمة وخطر أبي بكر!!.

الانتظار إلى الصباح :

وأما لماذا انتظر المشركون إلى الصباح في ليلة الغار؟.

فقيل : إنهم أرادوا أن يقتحموا عليه الجدار ، فصاحت امرأة من الدار ؛ فقال بعضهم لبعض : إنها لسبة في العرب : أن يتحدث عنا : أنا تسورنا الحيطان على بنات العم (١).

وقيل : إن أبا لهب لم يرض بقتله «صلى الله عليه وآله» ليلا ؛ لما فيه من الخطر على النساء والأطفال (٢) .. ولعله للأمرين معا ، ولعله ليشاهد الناس قتله من قبل جميع القبائل ، ليكون ذلك حجة على بني هاشم ، فلا يتم لهم الطلب بثأره! (٣).

__________________

(١) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨ ، والروض الأنف ج ٢ ص ٢٢٩ والسيرة النبوية لابن هشام ج ٢ ص ١٢٧ ، أنظر الهامش ، وتاريخ الهجرة النبوية للببلاوي ص ١١٦.

(٢) البحار ج ١٩ ص ٥٠.

(٣) السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٨ و ٢٦.

٢٤٠