الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-175-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٢

وحين التشييع اعترض النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» نعشه ، وقال برقة وحزن وكآبة : وصلت رحما ، وجزيت خيرا يا عم ، فلقد ربيت وكفلت صغيرا ، ونصرت وآزرت كبيرا (١).

لماذا لم يأمر بالصلاة عليه؟ :

وإنما لم يأمر عليا «عليه السلام» بالصلاة عليه ، لأن صلاة الجنازة لم تكن فرضت بعد.

ولأجل ذلك قالوا : إن خديجة لم يصل عليها النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» حينما توفيت ، مع أنها سيدة نساء العالمين.

وقد فصلت ذلك : الرواية التي رواها علي بن ميثم ، عن أبيه عن جده : أنه سمع عليا «عليه السلام» يقول : تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته ، وأوصاني أن أدفنه في قبره ، فأخبرت رسول الله «صلى الله عليه وآله» بذلك ، فقال : اذهب فواره ، وانفذ لما أمرك به.

فغسلته ، وكفنته ، وحملته إلى الجحون ، ونبشت قبر عبد المطلب ، فرفعت الصفيح عن لحده ، فإذا هو موجه إلى القبلة ، فحمدت الله تعالى على ذلك ،

__________________

ج ١ ص ٢٨٣ ، وعمدة القاري ج ٣ ص ٤٣٥ ، وأسنى المطالب ص ١٥ و ٢١ و ٣٥ وطلبة الطالب ص ٤٣ ، ودلائل النبوة للبيهقي والبرزنجي ، وابن خزيمة ، وأبي داود ، وابن عساكر.

(١) راجع : البحار ج ٣٥ ص ١٢٥ و ١٦٣ ، وراجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧٦ والإصابة (ط مصر سنة ١٣٢٥ ه‍) ج ٧ ص ١١٣ وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج ٢ ص ٥٥٧ والغدير ج ٧ ص ٣٨٦ والدرجات الرفيعة لابن معصوم ص ٦٢.

٢١

ووجهت الشيخ ، وأطبقت الصفيح عليهما ، فأنا وصي الأوصياء وورثت خير الأنبياء.

قال ميثم : والله ما عبد علي ، ولا عبد أحد من آبائه غير الله تعالى ، إلى أن توفاهم الله تعالى (١).

رثاء علي عليه السّلام لأبيه :

وقد رثاه ولده الإمام علي «عليه السلام» حينما توفي بقوله :

أبا طالب عصمة المستجير

وغيث المحول ونور الظلم

لقد هدّ فقدك أهل الحفاظ

فصلى عليك ولي النعم

ولقاك ربك رضوانه

فقد كنت للطهر من خير عم (٢)

ولا أبو سفيان كأبي طالب عليه السّلام :

وكتب أمير المؤمنين «عليه السلام» رسالة مطولة لمعاوية جاء فيها :

«ليس أمية كهاشم ، ولا حرب كعبد المطلب ، ولا أبو سفيان كأبي طالب ، ولا المهاجر كالطليق ، ولا الصريح كاللصيق» (٣).

__________________

(١) سفينة البحار ج ٥ ص ٣٢١.

(٢) تذكرة الخواص ص ٩.

(٣) صفين لنصر بن مزاحم ص ٤٧١ والفتوح لابن أعثم ج ٣ ص ٢٦٠ ، ونهج البلاغة الذي بهامشه شرح الشيخ محمد عبده ج ٣ ص ١٨ الكتاب رقم ١٧ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٥ ص ١١٧ والإمامة والسياسة ج ١ ص ١١٨ ، والغدير ج ٣ ص ٢٥٤ عنهم ، وعن : ربيع الأبرار للزمخشري باب ٦٦ ، وعن مروج الذهب ج ٢ ص ٦٢. وراجع أيضا : مناقب الخوارزمي الحنفي ص ١٨٠.

٢٢

فإذا كان أبو طالب «عليه السلام» كافرا وأبو سفيان مسلما ، فكيف يفضل الكافر على المسلم ، ثم لا يرد عليه ذلك معاوية بن أبي سفيان؟.

ولكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما ؛ فإن أبا سفيان هو الذي قال : «إنه لا يدري ما جنة ولا نار» كما ذكرناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم في أواخر غزوة أحد (١).

ويلاحظ هنا أيضا : أن أمير المؤمنين «عليه السلام» يشير في كلامه الآنف الذكر إلى عدم صفاء نسب معاوية ، ولهذا البحث مجال آخر.

أبو طالب عليه السّلام الداعية إلى الإسلام :

كما أن أبا طالب «عليه السلام» الذي يدعو ملك الحبشة إلى الإسلام ، هو الذي دعا ولده جعفر إلى ذلك ، وأمره بأن يصل جناح ابن عمه في الصلاة (٢).

وهو أيضا الذي دعا زوجته فاطمة بنت أسد إلى الإسلام (٣).

وأمر حمزة بالثبات على هذا الدين ، وأظهر سروره بإسلامه ومدحه على ذلك.

وكذلك الحال بالنسبة لولده أمير المؤمنين «عليه السلام».

__________________

(١) الصحيح من سيرة النبي الأعظم «صلى الله عليه وآله» ج ٧ ص ٢٨٤.

(٢) راجع : الأوائل لأبي هلال العسكري ج ١ ص ١٥٤ ، وروضة الواعظين ص ١٤٠ وشرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٦٩ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٢٦٩ وأسنى المطالب ص ١٧ والإصابة ج ٤ ص ١١٦ وأسد الغابة ج ١ ص ٢٨٧ والغدير ج ٧ ص ٣٥٧.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١٣ ص ٢٧٢.

٢٣

الاعتراف بممارسة التقية :

وقد صرح أبو طالب «عليه السلام» في وصيته بأنه كان قد اتخذ سبيل التقية في شأن رسول الله «صلى الله عليه وآله» من قريش ، وأن ما جاء به الرسول «صلى الله عليه وآله» قد قبله الجنان وأنكره اللسان ؛ مخافة الشنآن ، وأوصى قريشا بقبول دعوة الرسول ، ومتابعته على أمره ، ففي ذلك الرشاد والسعادة (١).

موقف النبي صلّى الله عليه وآله من أبي طالب عليه السّلام :

ثم هناك ترحم النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» عليه ، واستغفاره له باستمرار ، وجزعه عليه عند موته (٢).

ولا يصح الترحم إلا على المسلم ، ولأجل ذلك قال «صلى الله عليه وآله» لسفانة بنت حاتم الطائي : لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه (٣).

__________________

(١) الروض الأنف ج ٢ ص ١٧١ وثمرات الأوراق ص ٩٤ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٣٠١ و ٣٠٢ والسيرة الحلبية ج ١ ص ٣٥٢ والبحار ج ٣٥ ص ١٠٧ والغدير ج ٧ ص ٣٦٦ عن مصادر أخرى.

(٢) تذكرة الخواص ص ٨.

(٣) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٢٠٥ وكنز العمال ج ٣ ص ٦٦٤ وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج ١١ ص ٣٥٩ وج ٦٩ ص ٢٠٣ والبداية والنهاية ج ٥ ص ٨٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٤ ص ١٣٢ وسبل الهدى والرشاد للشامي ج ٦ ص ٣٧٧ وشجرة طوبى ج ٢ ص ٤٠٠.

٢٤

أنا على دين أبي طالب عليه السّلام :

وحمل محمد بن الحنفية يوم الجمل على رجل من أهل البصرة ، قال : فلما غشيته قال : أنا على دين أبي طالب ، فلما عرفت الذي أراد كففت عنه (١).

شفاعة النبي صلّى الله عليه وآله له :

وورد عنه «صلى الله عليه وآله» أيضا قوله : إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي ، وأمي ، وعمي أبي طالب ، وأخ لي كان في الجاهلية (٢).

فإن الشفاعة لا تحل لمشرك ، كما سيأتي.

إقراره على زواجه بمسلمة :

وسئل الإمام السجاد «عليه السلام» عن إيمان أبي طالب «عليه السلام» ، فقال : واعجبا ، إن الله نهى رسوله أن يقر مسلمة على نكاح كافر ؛ وقد كانت فاطمة بنت أسد من السابقات إلى الإسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات (٣).

__________________

(١) طبقات ابن سعد (ط ليدن) ج ٥ ص ٦٧.

(٢) ذخائر العقبى ص ٧ عن تمام الرازي في فوائده ، والدرج المنيفة للسيوطي ص ٨ ومسالك الحنفا ص ١٤ عن أبي نعيم وغيره وذكر أن الحاكم صححه ، وتفسير القمي ج ١ ص ٣٨٠ وتفسير البرهان ج ٢ ص ٣٥٨ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٣٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٣٢.

(٣) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ ، والغدير ج ٧ ص ٣٨١ و ٣٨٩ عنه وعن : كتاب الحجة ص ٢٤ ، والدرجات الرفيعة ، وضياء العالمين ، وادّعي تواتر هذا الحديث عندنا.

٢٥

ونزول آية النهي عن الإمساك بعصم الكوافر في المدينة لا يوجب بطلان هذه الرواية ، لإمكان أن يكون النهي عن ذلك نهيا قوليا على لسانه «صلى الله عليه وآله» ، قبل نزول القرآن.

وعدم خضوع بعض المسلمين لذلك حينئذ ربما كان لظروف معينة فرضت عليهم ذلك.

من لم يقر بإيمان أبي طالب عليه السّلام :

وأخيرا ، فقد كتب بعضهم يسأل الإمام علي بن موسى الرضا «عليه السلام» عن إسلام أبي طالب «عليه السلام» ، فإنه قد شك في ذلك ، فكتب «عليه السلام» إليه : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)(١).

وبعدها : إنك إن لم تقر بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار (٢).

دفاع النبي صلّى الله عليه وآله عن أبي طالب عليه السّلام :

وسيأتي في غزوة بدر : أن الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» لم يقبل من شهيد بدر عبيدة بن الحارث أن يعرض بعمه أبي طالب «عليه السلام» ، ولو بمثل أن يقول : إني أولى بما قال منه.

__________________

(١) الآية ١١٥ من سورة النساء.

(٢) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ والغدير ج ٧ ص ٣٨١ و ٣٩٤ عن الكراجكي ص ٨٠ ، وكتاب الحجة لابن معد ص ١٦ ، والدرجات الرفيعة والبحار وضياء العالمين.

٢٦

بعد قتل الفرسان الثلاثة :

وفي بدر العظمى ، وبعد قتل عتبة وشيبة والوليد ، وقطع رجل عبيدة بن الحارث ، حمل حمزة والإمام علي «عليهما السلام» عبيدة بن الحارث من المعركة ، وأتيا به إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وألقياه بين يديه ، وإن مخ ساقه ليسيل ، فاستعبر ، وقال : يا رسول الله ، ألست شهيدا؟!

قال : بلى ، أنت أول شهيد من أهل بيتي (مما يشير إلى أنه لسوف تأتي قافلة من الشهداء من أهل بيته «صلى الله عليه وآله» ، وهكذا كان).

فقال عبيدة : أما لو كان عمك حيا لعلم أني أولى بما قال منه ، قال : وأي أعمامي تعني؟

قال : أبو طالب ، حيث يقول :

كذبتم وبيت الله يبزى محمد

ولما نطا عن دونه ونناضل

ونسلمه حتى نصرع دونه

ونذهل عن أبنائنا والحلائل

فقال «صلى الله عليه وآله» : أما ترى ابنه كالليث العادي بين يدي الله ورسوله ، وابنه الآخر في جهاد الله بأرض الحبشة؟!.

قال : يا رسول الله ، أسخطت علي في هذه الحالة؟

قال : ما سخطت عليك ، ولكن ذكرت عمي ، فانقبضت لذلك (١).

__________________

(١) راجع : تفسير القمي ج ١ ص ٢٦٥ ، والبحار ج ١٩ ص ٢٥٥ ، وفي شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٨٠ : أن رسول الله استغفر له ولأبي طالب يومئذ. والغدير ج ٧ ص ٣١٦.

وفي نسب قريش لمصعب ص ٩٤ : أن عبيدة قال : «يا رسول الله ليت أبا طالب حيا

٢٧

وبلغ عبيدة مع النبي «صلى الله عليه وآله» الصفراء ، فمات ، فدفن بها ..

وقد روى كثير من المؤرخين هذه القضية من دون ذكر القسم الأخير منها.

قالوا : ونزل في هؤلاء الستة قوله تعالى : (هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ)(١).

وفي البخاري : أن أبا ذر كان يقسم : أنها نزلت فيهم (٢).

ونزل في علي ، وحمزة ، وعبيدة أيضا قوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ)(٣).

__________________

حتى يرى مصداق قوله إلخ».

وربما يقال : إن هذا هو الأنسب بأدب عبيدة وإخلاصه ، ولكن لا ، فإن قوله الآنف لا يضر في أدبه ولا في إخلاصه ، حيث يرى نفسه قد ضحى بنفسه في سبيل الدين ، فلا مانع من أن يقول ذلك.

(١) الآية ١٩ من سورة الحج.

(٢) البخاري (ط الميمنية) ج ٣ ص ٤ ، ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١١٨ عن مسلم ، من دون قسم أبي ذر ، والمستدرك على الصحيحين للحاكم ج ٢ ص ٣٨٦ ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه ، والغدير ج ٧ ص ٢٠٢ عن : تفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٣ ص ٢١٢ ، وتفسير ابن جزي ج ٣ ص ٣٨ ، وتفسير الخازن ج ٣ ص ٦٩٨ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ٢ ص ٢٥ و ٢٦ ، وصحيح مسلم ج ٢ ص ٥٥٠ ، وبهذا قال ابن عباس ، وابن خثيم ، وقيس بن عباد ، والثوري ، والأعمش ، وسعيد بن جبير ، وعطاء.

(٣) الآية ٢٣ من سورة الأحزاب ، الصواعق المحرقة ص ٨٠.

٢٨

وقيل : نزلت في علي وحده (١).

وثمة عدة آيات أخرى نزلت في بدر في الثناء على أمير المؤمنين «عليه السلام» (٢) فراجع.

غضب النبي «صلّى الله عليه وآله» لأبي طالب عليه السّلام :

ونقول :

إنه إذا كان الرسول «صلى الله عليه وآله» يغضب لذكر عمه ، ولو بهذا النحو من التعريض المهذب ، والمحدود ، فماذا سيكون موقفه ممن يرمي أبا طالب «عليه السلام» بالشرك والكفر ، ويعتبره مستحقا للعذاب الأليم في نار الله المؤصدة؟! وفي ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟!

فهل تراه سوف يكون مسرورا ومرتاحا لهذا الكلام ، الذي لا سبب له إلا السياسة ، وما أدراك ما السياسة؟!

وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى :

ثم إننا نجد النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه يقول : «اللهم لا تجعل لفاجر ولا لفاسق عندي نعمة» (٣).

كما أنه «صلى الله عليه وآله» قد رد هدية حكيم بن حزام ؛ لأنه كان مشركا ، قال عبيد الله :

__________________

(١) مناقب الخوارزمي ص ١٨٨ ، والكفاية للخطيب ص ١٢٢.

(٢) المناقب لابن شهر آشوب ج ٣ ص ١١٨ وغيره.

(٣) راجع أبو طالب مؤمن قريش للخنيزي.

٢٩

حسبت أنه قال : إنا لا نقبل من المشركين شيئا ، ولكن إن شئت أخذناها بالثمن (١).

ورد أيضا هدية عامر بن الطفيل ، لأنه لم يكن قد أسلم بعد.

ورد أيضا هدية ملاعب الأسنة ، وقال : لا أقبل هدية مشرك (٢).

عن عياض المجاشعي : أنه أهدى إلى النبي هدية فأبى قبولها ، وقال : إني نهيت عن زبد المشركين (٣).

ولم يكن ذلك منه «صلى الله عليه وآله» إلا لأن قبولها يوجب احتراما ومودة من المهدى إليه بالنسبة لمن أهدى.

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ٤٨٤ وتلخيصه للذهبي بهامش نفس الصفحة ، وصححاه. وحياة الصحابة ج ٢ ص ٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٦٠ عن كنز العمال وعن مجمع الزوائد ج ٨ ص ٢٧٨ وكنز العمال ج ٦ ص ٥٧ و ٥٩ عن أحمد والطبراني ، والحاكم وسعيد بن منصور ، والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٨٦ ويلاحظ هنا : أنه (صلى الله عليه وآله) حين الهجرة لا يقبل ناقة أبي بكر إلا بالثمن.

(٢) كنز العمال (طبعة أولى) ج ٣ ص ١٧٧ عن ابن عساكر و (ط ثانية) ج ٦ ص ٥٧ عن الطبراني والمصنف لعبد الرزاق ج ١ ص ٤٤٦ و ٤٤٧ وفي الهامش عن مغازي ابن عقمة ومجمع البيان المجلد الأول ص ٥٣٥.

(٣) كنز العمال ج ٦ ص ٥٧ و ٥٩ عن أبي داود والترمذي وصححه وأحمد والطيالسي والبيهقي ، وراجع ما عن عمران بن حصين في الكنز نفس المجلد والصفحة والمصنف لعبد الرزاق ج ١٠ ص ٤٤٧ وفي الهامش عن أبي داود وأحمد وعن الترمذي ج ٢ ص ٣٨٩ ، وراجع الوسائل ج ١٢ ص ٢١٦ عن الكافي والمعجم الصغير ج ١ ص ٩.

٣٠

ملاحظة : معالجة رواية الكشي :

إلا أن الكشي ذكر رواية تقول : «إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لم يرد هدية على يهودي ولا نصراني» (١).

وهذا إن صح فهو يشير إلى الفرق بين هدية الكتابي وهدية المشرك ، فكان «صلى الله عليه وآله» يرد هدية الثاني ، دون الأول ، وذلك يدل على عدم صحة قوله لهم : إنه «صلى الله عليه وآله» في هدنة الحديبية قد استهدى أبا سفيان أدما (٢).

__________________

(١) اختيار معرفة الرجال للكشي (ط جامعة طهران) ص ٦١٠ والبحار ج ٥٠ ص ١٠٧ والوسائل ج ١٢ ص ٢١٧.

(٢) راجع التراتيب الإدارية ج ١ ص ١٩٨ عن الإستيعاب.

٣١
٣٢

البحث الثاني

أبو طالب عليه السّلام المظلوم المفترى عليه

الأدلة الواهية :

لقد حاول الذين يشتهون إثبات كفر أبي طالب «عليه السلام» أن يتشبثوا بطحالب واهية زعموا : أنها أدلة ، نشير ههنا إليها ، فنقول :

١ ـ حديث الضحضاح :

عن أبي سعيد الخدري ، أنه سمع النبي «صلى الله عليه وآله» ، وقد ذكر عنده عمه ، فقال : لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة ، فيجعل في ضحضاح (١) من نار ، يبلغ كعبيه ، يغلي منه دماغه.

وحسب نص آخر : أن العباس قال للنبي «صلى الله عليه وآله» : ما أغنيت عن عمك؟! فو الله كان يحوطك ويغضب لك!!.

قال : هو في ضحضاح من نار ، ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار (٢).

__________________

(١) الضحضاح : القلقل ، وهنا المكان القليل العمق من النار.

(٢) صحيح البخاري ط سنة ١٣٠٩ ج ٢ ص ٢٠٩ ، وج ٤ ص ٥٤ ، والمصنف ج ٦ ص ٤١ ، وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢٩ و ٣٠. وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٧٩ ، ومسند أحمد ج ١

٣٣

ونقول :

أولا : لقد ناقش كل من الأميني والخنيزي جميع أسانيد هذه الرواية ، وبيّنا وهنها وضعفها ، وتناقض نصوصها العجيب ، إلى حد أن بعض الروايات تجزم بأنه قد جعل في ضحضاح من نار ، وأن الشفاعة قد نفعته فعلا.

لكن بعضها الآخر يقول : لعله تنفعه شفاعتي ، فيجعل في ضحضاح يوم القيامة.

ونحن نحيل القارئ الذي يرغب في التوسع إلى ما ذكره الأميني والخنيزي في كتابيهما حول هذا الموضوع (١).

ثانيا : إنه إذا كان «صلى الله عليه وآله» قد نفع أبا طالب «عليه السلام» ، وأخرجه من الدرك الأسفل إلى الضحضاح ؛ فلماذا لا يتمم معروفه هذا ، ويخرجه من هذا الضحضاح أيضا؟!.

ثالثا : لقد رووا : أن النبي «صلى الله عليه وآله» قد طلب من أبي طالب حين حضرته الوفاة : أن يقول كلمة لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ؛ ليستحل له بها الشفاعة يوم القيامة ، فلم يعطه إياها.

فهذا يدل على أنه قد أناط «صلى الله عليه وآله» مطلق الشفاعة بكلمة

__________________

ص ٢٥٦ و ٢٠٧ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٥ ، والغدير ج ٨ ص ٢٣ عن بعضهم ، وعن عيون الأثر ج ١ ص ١٣٢ ، وشرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٦.

(١) راجع : الغدير ج ٨ ص ٢٣ و ٢٤ وأبو طالب مؤمن قريش.

٣٤

لا إله إلا الله (١).

فلماذا استحل هذه الشفاعة ، مع أنه لم يعطه الكلمة التي توجب حليتها؟!.

رابعا : إنهم يروون : أن الشفاعة لا تحل لمشرك ، فلماذا حلت لهذا المشرك بالذات ، بحيث أخرجته من الدرك الأسفل إلى الضحضاح؟ (٢).

خامسا : قال المعتزلي : إن الإمامية والزيدية «قالوا : وأما حديث الضحضاح ، فإنما يرويه الناس كلهم عن رجل واحد ، وهو المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم ، وعلي «عليه السلام» بالخصوص مشهور ومعلوم ، وقصته وفسقه غير خاف» (٣).

غير أننا نقول : إنه يمكن المناقشة في ذلك بأنهم قد رووا ذلك عن غير المغيرة أيضا ، فراجع البخاري وغيره.

فلعل رواية غير المغيرة قد حدثت في وقت متأخر بهدف تكذيب الشيعة ، ونقض استدلالهم ، فتلقفها البخاري.

__________________

(١) الترغيب والترهيب ج ٤ ص ٤٣٣ عن أحمد بسندين صحيحين ، وعن البزار ، والطبري بأسانيد أحدها جيد وابن حبان في صحيحه وراجع : الغدير ج ٨ ص ٨ فما بعدها.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٣٦ ، وتلخيصه للذهبي وصححاه والمواهب اللدنية ج ١ ص ٧١ والغدير ج ٨ ص ٢٤ عنهما وعن كنز العمال ج ٧ ص ١٢٨ ، وشرح المواهب اللدنية للزرقاني ج ١ ص ٢٩١ وكشف الغمة للشعراني ج ٢ ص ١٢٤ ، وتاريخ أبي الفداء ج ١ ص ١٢٠.

(٣) راجع : شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٧٠ والبحار ج ٣٥ ص ١١٢.

٣٥

وذلك لأن من غير المعقول أن يورد الشيعة على غيرهم بذلك إن لم يكن له واقع ..

وقد سكت المعتزلي عن هذا الرد ، وعن جوابه ، وكأنه يحتمل ما احتملناه ، ولو وسعه التأكيد على الرد لفعل.

سادسا : سئل الإمام الباقر «عليه السلام» عما يقوله الناس : إن أبا طالب في ضحضاح من نار؟

فقال : لو وضع إيمان أبي طالب في كفة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في كفة أخرى لرجح إيمانه.

ثم قال : ألم تعلموا : أن أمير المؤمنين عليا «عليه السلام» كان يأمر أن يحج عن عبد الله ، وابنه ، وأبي طالب في حياته ، ثم أوصى في وصيته بالحج عنهم (١)؟!

سابعا : سئل الإمام علي «عليه السلام» في رحبة الكوفة عن كون أبيه معذبا في النار أو لا ، فقال للسائل : مه ، فض الله فاك!! والذي بعث محمدا بالحق نبيا ، لو شفع أبي في كل مذنب على وجه الأرض لشفعه الله فيهم. أبي معذب في النار ، وابنه قسيم الجنة والنار؟! (٢).

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٨ ، والدرجات الرفيعة ص ٤٩ ، والبحار ج ٣٥ ص ١١٢ والغدير ج ٨ ص ٣٨٠ ـ ٣٩٠ عنهما وعن كتاب الحجة لابن معد ص ١٨ من طريق شيخ الطائفة عن الصدوق ، والفتوني في ضياء العالمين.

(٢) البحار ج ٢٥ ص ٦٩ وج ٣٥ ص ١١٠ والإحتجاج (ط مطبعة النعمان) ج ١ ص ٣٤١ وكنز الفوائد للكراجكي (ط حجرية) ص ٨٠ وكشف الغمة للإربلي (ط دار الأضواء) ج ٢ ص ٤٢ والغدير ج ٧ ص ٣٨٧.

٣٦

ثامنا : روى عبد العظيم بن عبد الله العلوي : أنه كان مريضا ، فكتب إلى أبي الحسن الرضا «عليه السلام» : عرفني يابن رسول الله عن الخبر المروي : أن أبا طالب في ضحضاح من نار ، يغلي منه دماغه.

فكتب إليه الرضا «عليه السلام» : بسم الله الرّحمن الرّحيم ، أما بعد ، إن شككت في إيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار (١).

تاسعا : بالإسناد إلى الكراجكي ، عن أبي عبد الله «عليه السلام» قال : يا يونس ما يقول الناس في أبي طالب؟!

قلت : جعلت فداك ، يقولون هو في ضحضاح من نار ، وفي رجليه نعلان من نار ، تغلي منها أم رأسه.

فقال «عليه السلام» : كذب أعداء الله ، إن أبا طالب من رفقاء النبيين ، والصديقين ، والشهداء والصالحين ، وحسن أولئك رفيقا (٢).

وفي رواية أخرى عنه «عليه السلام» : كذبوا ، والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفة ميزان ، وإيمان هذا الخلق في كفة ميزان ، لرجح إيمان أبي طالب على إيمانهم (٣).

__________________

(١) البحار ج ٣٥ ص ١١١ وإيمان أبي طالب للمفيد ص ٤ وسفينة البحار ج ٥ ص ٣١٥ ومستدرك سفينة البحار ج ٦ ص ٤٤٧ و ٥٥٨ وراجع الغدير ج ٧ ص ٣٩٥.

(٢) البحار ج ٣٥ ص ١١١ وكنز الفوائد للكراجكي ص ٨٠ والغدير ج ٧ ص ٣٩٣.

(٣) البحار ج ٣٥ ص ١١٢ وإيمان أبي طالب للمفيد ص ٤ ومستدرك الوسائل ج ٨ ص ٦٩ ومدينة المعاجز ج ٧ ص ٥٣٥ والغدير ج ٧ ص ٣٩٠ وسفينة البحار ج ٥ ص ٣١٦.

٣٧

٢ ـ إرث عقيل لأبي طالب عليه السّلام :

واستدلوا : بأن ولده عقيل هو الذي ورثه ، ولم يرثه الإمام علي وجعفر «عليهما السلام» ، لأنه كان مشركا ، وهما مسلمان.

فهما من ملتين مختلفتين ، وأهل ملتين لا يتوارثان (١).

ولكن ذلك لا يصح أيضا.

فأولا : من أين ثبت لهؤلاء أن الإمام عليا وجعفر «عليهما السلام» لم يرثاه.

ثانيا : إن قوله أهل ملتين لا يتوارثان.

نقول بموجبه ؛ لأن التوارث تفاعل ، ولا تفاعل عندنا في ميراثهما ، واللفظ يستدعي الطرفين ، كالتضارب ، فإنه لا يكون إلا من اثنين ، ولأجل ذلك نقول : إن الصحيح هو مذهب أهل البيت «عليهم السلام» ، من أن المسلم يرث الكافر ، ولا يرث الكافر المسلم (٢). فالإرث إذا من طرف واحد ، لا من طرفين!.

ثالثا : لقد روي عن عمر قوله : «أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا» (٣).

وقد حكم كثير من العلماء بأن ميراث المرتد للمسلمين لا يصح ؛ وقالوا : نرثهم ولا يرثونا (٤).

__________________

(١) المصنف ج ٦ ص ١٥ ، وج ١٠ ص ٣٤٤ ، وفي هامشه أي هامش السادس عن البخاري ج ٣ ص ٢٩٣ ، وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٧٩.

(٢) راجع شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ٦٩.

(٣) مصنف الحافظ عبد الرزاق ج ١٠ ص ٣٣٩ وج ٦ ص ١٠٦.

(٤) المصنف لعبد الرزاق ج ٦ ص ١٠٥ و ١٠٦ و ١٠٧ وج ١٠ ص ٣٣٨ حتى ص ٣٤١.

٣٨

رابعا : إنهم يقولون : إن الميراث في وقت موت أبي طالب لم يكن قد فرض بعد ، وإنما كان الأمر بالوصية ؛ فلعل أبا طالب قد أوصى بماله لعقيل محبة له ، أو لما يراه من فقره وخصاصته ، فأنفذ أولاده وصيته.

أو أن عليا وجعفر قد تركا لأخيهما نصيبهما من الإرث على سبيل الإيثار له ، لما يرونه من حاجته ، وضيق ذات يده.

بل قد يكون أبو طالب قد تنازل عن ماله لعقيل في حال حياته ، فلم يبق شيء لكي يرثه علي وجعفر بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين (١).

٣ ـ آية : (وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ) :

لقد ذكروا : أن آية : (وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ..)(٢) .. قد نزلت في أبي طالب «عليه السلام» ، الذي كان ينهى الناس عن أذى الرسول ، وينأى عن أن يدخل في الإسلام (٣).

ونقول :

__________________

(١) راجع : أسنى المطالب ص ٦٢.

(٢) الآية ٢٦ من سورة الأنعام.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ١١٥ ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج ٢ ص ١٢٧ ، وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٧٨ ، وبهجة المحافل ج ١ ص ١١٦ وأنساب الأشراف بتحقيق المحمودي ج ٢ ص ٢٦ والغدير ج ٨ ص ٣ عنهم وعن : تفسير الخازن ج ٢ ص ١١ ، وتفسير ابن جزي ج ٢ ص ٦ ، وعن الطبري والكشاف ، ودلائل النبوة للبيهقي ط دار الكتب العلمية ج ٢ ص ٣٤٠ و ٣٤١.

٣٩

أولا : لقد تحدث الأستاذ الخنيزي حول أسانيد هذه الرواية بما فيه الكفاية (١) فليراجعه من أراد.

ثانيا : إن هذه الآية لا تنطبق على أبي طالب «عليه السلام» بأي وجه ؛ لأن الله تعالى يقول قبلها :

(وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتَّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِنْ يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ)(٢).

فضمائر الجمع ، وهي كلمة : «هم» ، وفاعل «ينهون» و «ينأون» ترجع كلها إلى من ذكرهم الله في تلك الآية ، وهم المشركون ، الذين إن يروا كل آية لا يؤمنوا بها ، ويجادلون الرسول في هذه الآيات ، ويصفونها من عنادهم بأنها أساطير الأولين.

ولا يقف عنادهم عند هذا الحد ، بل يتجاوزه إلى أنهم : ينهون الناس عن الاستماع إلى النبي محمد «صلى الله عليه وآله» ، كما أنهم هم أنفسهم يبتعدون عنه.

وهذه الصفات كلها لا تنطبق على أبي طالب «عليه السلام» ، الذي لم نجد منه إلا التشجيع على اتباع النبي «صلى الله عليه وآله» ، والنصرة له باليد واللسان. وقد حض أشخاصا بأعيانهم على أن يدخلوا في هذا الدين ، وأن يصبروا عليه ، كما كان الحال بالنسبة لزوجته ، وحمزة ، وجعفر ، وعلي ،

__________________

(١) أبو طالب مؤمن قريش ص ٣٠٥ و ٣٠٦.

(٢) الآيتان ٢٥ و ٢٦ من سورة الأنعام.

٤٠