الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٤

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-175-0
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٦٢

صلوات الله وسلامه عليها كان عمرها حين توفيت خمسا وعشرين سنة (١).

وهذا يعني أنها قد ولدت قبل البعثة بسنتين ، والفرض : أن فاطمة كانت صغيرة حينما كانت عائشة بالغة مبلغ النساء.

ثالثا : يذكر ابن قتيبة أن عائشة قد توفيت سنة ٥٨ ـ وعند غيره سنة ٥٧ ه‍ ـ وقد قاربت السبعين (٢) ولضم ذلك إلى ما يقوله البعض من أن خديجة قد توفيت قبل الهجرة بثلاث ، أو بأربع ، أو بخمس سنين ثم ما روي عن عائشة من قولها : تزوجني رسول الله «صلى الله عليه وآله» وأنا بنت تسع سنين (٣).

ولعل هذه الرواية هي الأقرب بقرينة ما قدمناه ، ولكثرة الخلط بين كلمتي «سبع» و «تسع» بسبب عدم نقط الكلمات في السابق. بل إن هذا الرقم أيضا مشكوك فيه لما تقدم ، ولأن المرأة تميل إلى تقليل مقدار عمرها عادة.

فكلام ابن قتيبة والذي بعده يدل على أنها قد ولدت إما سنة البعثة أو

__________________

(١) مشكل الآثار ج ١ ص ٤٧. وقد حمل بعض العلماء حديث فضل عائشة كفضل الثريد إلخ .. على المزاح منه «صلى الله عليه وآله» معها ؛ لأن جوها لا ينسجم مع جو التفضيل كما في قوله «صلى الله عليه وآله» : فاطمة سيدة نساء العالمين ، ولم يكمل من النساء إلا مريم وآسية إلخ .. ولا سيما بملاحظة : أن النبي «صلى الله عليه وآله» لم يكن من المهتمين بأمور الأطعمة واللذيذ منها ليأتي بها كمثال على تفضيل في أمر حساس كهذا.

(٢) المعارف لابن قتيبة (ط سنة ١٣٩٠ ه‍) ص ٥٩.

(٣) راجع : حديث الإفك ص ٩٣ والجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.

١٠١

قبلها ، وهذا الثاني هو الأرجح لما قدمناه. في المستند الأول والثاني.

إذن ، فيكون عمر عائشة حين عقد النبي «صلى الله عليه وآله» عليها في سنة عشر من البعثة أكثر من ست سنين بكثير ، أي ما بين ثلاث عشرة إلى سبع عشرة سنة.

من طرائف الروايات الموضوعة :

ومن الموضوعات الغريبة في هذا المجال ، ما جاء عن أبي هريرة : من أن النبي «صلى الله عليه وآله» لما دخل المدينة ، واستوطنها طلب التزويج ؛ فقال لهم : أنكحوني؟! فأتاه جبرائيل بخرقة من الجنة فيها صورة لم ير الراؤون أحسن منها ، وأبلغه أمر الله له : أن يتزوج على تلك الصورة.

فقال له النبي «صلى الله عليه وآله» : أنا من أين لي مثل هذه الصورة يا جبرائيل؟

فقال له : إن الله يقول لك : تزوج بنت أبي بكر الصديق ، فمضى رسول الله إلى منزل أبي بكر ، فقرع الباب ، ثم قال : يا أبا بكر ، إن الله أمرني أن أصاهرك ، فعرض عليه بناته الثلاث فقال : إن الله أمرني أن أتزوج هذه الجارية وهي عائشة ، فتزوجها رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١). انتهى باختصار.

وعدا عما في سند هذه الرواية ، فإننا نقول :

__________________

(١) تاريخ بغداد للخطيب ج ٢ ص ١٩٤ ، وميزان الاعتدال للذهبي ج ٣ ص ٤٤ ، وقد كذبا (الخطيب والذهبي) هذا الحديث الذي جميع رجال أسناده ثقات باستثناء محمد بن الحسن الدّعّاء الأصم ، وراجع : الغدير ج ٥ ص ٣٢١.

١٠٢

أولا : لم نفهم كيف يتصرف النبي «صلى الله عليه وآله» تصرفا لا يصدر عن العقلاء الذين يحترمون أنفسهم ، فيطلب التزويج من الناس ، ويقول لهم : أنكحوني!!. إلا أن يكون صبيا صغيرا ، لا حياء عنده ، ولا عقل لديه!!

والغريب في الأمر : أنه لم يبادر أحد لإجابة طلبه هذا ، بل عاملوه بالجفاء ، وأهملوا تنفيذ طلبه ، حتى جاء جبرائيل «عليه السلام» فتولى حل مشكلته.

ثانيا : هل صحيح : أن عائشة كانت من الحسن بهذه المثابة : حتى إن صورتها لم ير الراؤون أحسن منها؟!!

لعل في ما سيأتي مقنعا وكفاية لمن أراد الرشد ، والحق ، والهداية.

ثالثا : لقد تزوج النبي «صلى الله عليه وآله» عائشة بمكة قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولم يتزوجها في المدينة ، وإجماع المؤرخين على ذلك ظاهر للعيان.

رابعا : لم نعرف البنات الثلاث اللواتي عرضهن أبو بكر على النبي «صلى الله عليه وآله» فأسماء كانت تحت الزبير ، وقدمت المدينة وهي حامل بولدها عبد الله وعائشة قد تزوجت النبي «صلى الله عليه وآله» في مكة وأم كلثوم قد ولدت بعد وفاة أبي بكر (١) ، ولم يولد له غيرهن.

وأخيرا ، فإن لقب (الصديق) قد جاء إلى أبي بكر بعد وفاة النبي «صلى الله عليه وآله» من محبي الخليفة الأول ، كما ربما نشير إليه حين الكلام على قضية الغار إن شاء الله تعالى.

__________________

(١) راجع : نسب قريش لمصعب الزبيري ص ٢٧٥ ـ ٢٧٨ لتعرف من ولدهم أبو بكر.

١٠٣

٢ ـ جمال عائشة وحظوتها :

ونسجل هنا : أن أكثر ، إن لم يكن كل ما يقال عن جمال عائشة ، وعن حظوتها ، وحب النبي «صلى الله عليه وآله» لها ، إنما هو مروي عنها نفسها ، أو عن ابن أختها عروة ، ونحن نقطع بعدم صحة ذلك كله من الأساس.

أولا : لماذا لم يرو ذلك كله إلا من طريق عائشة ، أو عروة ابن أختها كما يظهر من تتبع الروايات؟!.

ثانيا : إن ابن عباس يواجهها بعد حرب الجمل بحقيقة : أنها لم تكن أحسن نساء النبي «صلى الله عليه وآله» وجها ، ولا بأكرمهن حسبا (١).

كما أن عمر إنما يصف زينب بالحسن ، دون عائشة ؛ فإنه لم يشر إليها في قليل ولا كثير ؛ كما سيأتي.

ثالثا : قال علي فكري : «وما رواه ابن بكار : من أن الضحاك بن أبي سفيان الكلابي كان رجلا دميما قبيحا ؛ فلما بايعه النبي «صلى الله عليه وآله» «قال : إن عندي امرأتين أحسن من هذه الحميراء (يريد عائشة ، وذلك قبل أن تنزل آية الحجاب) ؛ أفلا أنزل لك عن إحداهما فتتزوجها؟ وعائشة جالسة تسمع ؛ فقالت : أهي أحسن أم أنت؟

فقال : بل أنا أحسن وأكرم.

فضحك رسول الله «صلى الله عليه وآله» من سؤالها إياه «لأنه كان دميما قبيح الوجه» (٢).

__________________

(١) الفتوح لابن أعثم ج ٢ ص ٣٣٧ ط الهند.

(٢) السمير المهذب ج ٢ ص ٨ ـ ٩.

١٠٤

رابعا : قال عباد بن العوام لسهيل بن ذكوان : صف لي عائشة. قال : كانت أدماء.

وقال يحيى : قلنا لسهيل بن ذكوان : رأيت عائشة؟ قال : نعم.

قيل : صفها.

قال : كانت سوداء (١).

إذا ، فما يقال عنها أنها كانت شقراء ، ثم الاستشهاد على ذلك بقول رسول الله «صلى الله عليه وآله» لها : «يا حميراء» .. يصبح موضع شك وريب كبير.

ولعل قول النبي «صلى الله عليه وآله» لها ذلك قد جاء على سبيل التلطف والرفق بها.

أو لعله إشارة إلى قول العرب : شر النساء الحميراء المحياض (٢) فقال لها «صلى الله عليه وآله» ذلك على سبيل المداعبة والتلطف والمزاح.

وخامسا : إن من يتتبع سيرة زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» يجد : أن عائشة هي التي كانت تحسد وتغار من كل زوجة وسرّيّة له «صلى الله عليه وآله».

ويدرك بما لا مجال معه للشك : أن أكثرهن ـ إن لم يكن كلهن ـ كن أكثر حظوة لدى النبي «صلى الله عليه وآله» منها.

إن لم نقل أنهن أجمل وأضوء منها أيضا ؛ فإن من الطبيعي أن نجد

__________________

(١) الضعفاء الكبير للعقيلي ج ٢ ص ١٥٥.

(٢) ربيع الأبرار ج ٤ ص ٢٨٠ وروض الأخيار ص ١٣٠.

١٠٥

الدميم هو الذي يحسد على الجمال ويغار ، أما الجميل فليس من الطبيعي أن يحسد الدميم ، وأن يغار منه.

كما أنه ليس من الطبيعي أن يكون الميل لغير ذات الجمال أكثر منه للجميلة الوضيئة ، وقد ذكر في حديث الإفك على لسان أم المؤمنين عائشة قولها : «فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا كثرن عليها».

ولو صدقنا : أنها كانت هي ذات الحظوة لدى الرسول ، وأنه كان يحبها أكثر من غيرها ، فلماذا هذه الغيرة ، وهذا الحسد منها لهن؟

فإن الحسد لا بد أن يكون على شيء يفقده الحاسد ، ويتمنى زواله عن المحسود ، وانتقاله إليه ، وإليك بعض موارد غيرة وحسد عائشة لضرائرها.

٣ ـ حسد وغيرة عائشة :

أ ـ خديجة عليها السّلام :

عن عائشة قالت : ما غرت على امرأة كما غرت على خديجة ، وما بي أن أكون أدركتها. ولكن لكثرة ذكر رسول الله «صلى الله عليه وآله» إياها ، وإن كان ليذبح الشاة ؛ فيتبع بذلك صدائق خديجة يهديها لهن (١).

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٩ ص ٢٩٢ ، وج ٥ ص ٤٨ ، وج ٧ ص ٤٧ ، وج ٨ ص ١٠ ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ١٣٤ و ١٣٣ ، وأسد الغابة ج ٥ ص ٤٣٨ ، والمصنف ج ٧ ص ٤٩٣ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٢٨٦ ، وصفة الصفوة ج ٢ ص ٨ ، عن البخاري ، ومسلم ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ١٥٣ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٨.

١٠٦

وللحديث عبارات وأسانيد مختلفة لا مجال لها الآن.

وقد ذكر النبي «صلى الله عليه وآله» خديجة يوما ، فغارت أم المؤمنين ، فقالت : هل كانت إلا عجوزا أبدلك الله خيرا منها؟

وفي لفظ مسلم : «وما تذكر من عجوز من عجائز قريش ، حمراء الشدقين ، هلكت في الدهر ، أبدلك الله خيرا منها»؟ فغضب «صلى الله عليه وآله» ، حتى اهتز مقدم شعره ، ثم قال : لا والله ، ما أبدلني الله خيرا منها الخ .. الرواية (١).

وقال العسقلاني والقسطلاني : «وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي «صلى الله عليه وآله» ، لكن كانت تغار من خديجة أكثر» (٢).

ولعمري ، لقد كان هذا بعد الوفاة ، فكيف لو كانت خديجة على قيد الحياة؟!

وإذا كانت غيرة أم المؤمنين قد بلغت الأموات ، فما حالها مع الأحياء ، وكيف كانت معاملتها لهن؟!.

ب ـ زينب بنت جحش.

لقد اعترفت عائشة في حديث الإفك بأن زينب هي التي كانت

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٧ ص ١٣٤ ، لكنه لم يذكر جوابه «صلى الله عليه وآله» وأسد الغابة ج ٥ ص ٥٥٧ و ٥٥٨ و ٤٣٨ والإصابة ج ٤ ص ٢٨٣ ، والاستيعاب هامشها ج ٤ ص ٢٨٦ و ٢٨٧ ، وصفة الصفوة ج ٢ ص ٨ ، ومسند أحمد ج ٦ ص ١١٧ ، وليراجع البخاري (ط سنة ١٣٠٩ ه‍) ج ٢ ص ٢٠٢ والبداية والنهاية ج ٣ ص ١٢٨ وإسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ٩٦.

(٢) فتح الباري ج ٧ ص ١٠٢ ، وإرشاد الساري ج ٦ ص ١٦٦ وج ٨ ص ١١٣.

١٠٧

تساميها من أزواج النبي «صلى الله عليه وآله».

واعترفت عائشة أيضا : أنها قد أخذها ما قرب وما بعد ، حينما أراد النبي «صلى الله عليه وآله» أن يتزوج زينب ، لما كان يبلغهم من جمالها (١).

وما فعلته عائشة وحفصة مع زينب ، في قضية المغافير مشهور ومسطور ، حتى ليقولون : إن هذا هو سبب نزول آية التحريم (٢) ، وإن كنا نعتقد أنها نزلت في غير هذه القضية.

واعترف عمر بن الخطاب بجمال زينب عندما قال لابنته : ليس لك حظوة عائشة ، ولا حسن زينب (٣).

فلو كانت عائشة موصوفة بالحسن لقدمها على زينب في هذا الأمر.

أما الفقرة الأولى فنحن نشك في صحتها ، ونعتقد أنها سياسة من عمر تجاه أم المؤمنين ، أو من تزيّد (٤) الرواة لحاجة في النفس ، وذلك لما تقدم وسيأتي.

ومهما يكن من أمر ، فإن أم سلمة تذكر : أن زينب كانت معجبة لرسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وكان يستكثر منها (٥).

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٣١٤ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٧٢ ، والدر المنثور ج ٥ ص ٢٠٢ عن ابن سعد ، والحاكم.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٧٦ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٧٦١ عن البخاري ومسلم.

(٣) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٣٧ ، ١٣٨.

(٤) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٧٣ ، وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٤٧.

(٥) المواهب اللدنية ج ١ ص ٢٠٥ وتهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٦٢.

١٠٨

ج ـ أم سلمة :

كانت أم سلمة «رحمها الله تعالى» من أجمل الناس (١).

وعن الإمام الباقر : أنها أجمل نساء النبي «صلى الله عليه وآله». ويذكرون أن قصة المغافير من عائشة وحفصة كانت معها (٢).

كما أن عائشة قد اعترفت بأن أم سلمة وزينب كانتا أحب نسائه «صلى الله عليه وآله» إليه بعدها (٣).

تقول عائشة : «ولما تزوج رسول الله «صلى الله عليه وآله» أم سلمة حزنت حزنا شديدا ، لما ذكر لنا من جمالها ، فتلطفت حتى رأيتها ؛ فرأيت والله أضعاف ما وصفت إلخ» (٤).

وقال ابن حجر : «كانت أم سلمة موصوفة بالجمال البارع ، والعقل البالغ .. إلخ» (٥).

د ـ صفية بنت حيي بن أخطب :

قالت أم سنان الأسلمية : «كانت من أضوأ ما يكون من النساء» (٦).

ولما قدمت المدينة جئن نساء الأنصار ينظرن إلى جمالها ، وعائشة متنقبة معهن.

__________________

(١) راجع طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٢٢ ، والدر المنثور ج ٦ ص ٢٣٩.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٨١.

(٣) الإصابة ج ٤ ص ٤٥٩ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٦٦.

(٤) الإصابة ج ٤ ص ٤٥٩.

(٥) الإصابة ج ٤ ص ٣٤٧ ، وص ٤٦٣ وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٨٧.

(٦) الإصابة ج ٤ ص ٣٤٧ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ٩٠ ..

١٠٩

فلما سألها رسول الله : كيف رأيت يا عائشة؟

قالت : رأيت يهودية.

فنهاها «صلى الله عليه وآله» عن قولها ذاك (١).

وعندما وقعت في السبي جعلوا يمدحونها ، ويقولون : رأينا في السبي امرأة ما رأينا ضربها (٢).

ولما أرسلت صفية قصعة فيها طعام إلى النبي «صلى الله عليه وآله» وهو في بيت عائشة أخذتها رعدة حتى استقلها أفكل ، وضربت القصعة ، فرمت بها الخ .. (٣).

وقد أكد لها رسول الله «صلى الله عليه وآله» : أنها خير من حفصة وعائشة (٤).

ه ـ جويرية بنت الحارث :

تقول عائشة إنها كانت امرأة حلوة ملاحة ، لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه ؛ فأتت رسول الله «صلى الله عليه وآله» تستعينه في كتابتها.

قالت عائشة : فو الله ما هي إلا أن رأيتها ، فكرهتها ، وقلت : يرى منها

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٨٨.

(٢) مسند أحمد ص ٢٧٧ ج ٦ ، والبخاري باب الغيرة ، أواخر كتاب النكاح ، لكنه لم يصرح باسم عائشة!!!.

(٣) أسد الغابة ج ٥ ص ٤٩١.

(٤) الإصابة ج ٤ ص ٢٦٥ ، والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٢٥٩ ، وصفة الصفوة ج ٢ ص ٥٠.

١١٠

ما قد رأيت ، فلما دخلت على رسول الله «صلى الله عليه وآله» الخ .. (١).

و ـ مارية القبطية :

قالت عائشة : ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية ، وذلك أنها كانت جميلة جعدة ، فاعجب بها رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وكان أنزلها أول ما قدمت في بيت لحارثة بن النعمان ؛ فكانت جارتنا ؛ فكان عامة الليل والنهار عندها ، حتى فرغنا لها ، فجزعت ، فحوّلها إلى العالية ، وكان يختلف إليها هناك ، فكان ذلك أشد علينا (٢).

وعن جعفر «عليه السلام» : أنه «صلى الله عليه وآله» قد حجب مارية «وكانت ثقلت على نساء النبي «صلى الله عليه وآله» ، وغرن عليها ، ولا مثل عائشة» (٣).

وكان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يعجب بمارية ، «وكانت مارية بيضاء جعدة ، جميلة» (٤). وكانت حسنة الدين (٥).

__________________

(١) الإصابة ج ٤ ص ٤٠٥ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٥٣ ، ولتراجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٣٠٣ و ٣٠٤ ووفاء الوفاء للسمهودي ج ٣ ص ٨٢٦.

(٢) طبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٨٦ والسيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٩.

(٣) طبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٨٦ ، والإصابة ج ٤ ص ٤٠٥.

(٤) تهذيب الأسماء واللغات ج ٢ ص ٣٥٥ ، وطبقات ابن سعد ج ١ قسم ١ ص ٨٦ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٠٣.

(٥) ذخائر العقبى ص ٥٤ والاستيعاب هامش الإصابة ج ١ ص ٤٢ ، وطبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٥٣.

١١١

وتنافست الأنصار فيمن يرضع إبراهيم ، وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي «صلى الله عليه وآله» ، لما يعلمون من هواه فيها (١).

ولعل مما زاد في غيرة عائشة قضية ولادة إبراهيم منها ، حتى تجرأت على نفي شبهه برسول الله ، رغم تأكيد النبي «صلى الله عليه وآله» لها على ذلك (٢) وحتى كان ما كان من نزول آية التحريم ، كما عن السيوطي وغيره.

ز ـ سودة بنت زمعة :

كانت عائشة تقول : ما من الناس امرأة أحب إلي أن أكون في مسلاخها من سودة بنت زمعة ، إلا أنها امرأة فيها حسد (٣).

وليراجع ما فعلته حفصة بسودة ، وضحكها هي وعائشة عليها (٤).

ح ـ أسماء بنت النعمان :

كانت أجمل أهل زمانها وأشبّه ، وقد حسدنها نساء النبي «صلى الله عليه وآله» وخدعنها ، وكانت الخديعة لها من عائشة وحفصة معا ، حتى قالت

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ١ ص ٨٨ والدر المنثور ج ٦ ص ٢٤٠ عن ابن مردويه والبداية والنهاية ج ٣ ص ٣٠٥ وقاموس الرجال ج ١١ ص ٣٠٥ عن البلاذري. وراجع : السيرة الحلبية ج ٣ ص ٣٠٩ ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ٣٩ وتلخيصه للذهبي بهامشه وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج ٢ ص ٨٧.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٣٧ ، والبداية والنهاية ج ٨ ص ٧٠.

(٣) حياة الصحابة ج ٢ ص ٥٦٠ ومجمع الزوائد ج ٤ ص ٣١٦.

(٤) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٠٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤١٥ ، ٤١٦ دون تصريح باسم من خدعها.

١١٢

للنبي «صلى الله عليه وآله» : أعوذ بالله منك ، فطلقها (١).

ط ـ مليكة بنت كعب :

كانت تذكر بجمال بارع ، فدخلت عليها عائشة ، فقالت لها : أما تستحيين أن تنكحي قاتل أبيك ، فاستعاذت من رسول الله «صلى الله عليه وآله» : فطلقها (٢).

ي ـ أم شريك :

وهبت نفسها للنبي «صلى الله عليه وآله» ، فقبلها «صلى الله عليه وآله» ، فقالت عائشة : ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير ، قالت أم شريك : فأنا تلك ، فسماها الله مؤمنة ؛ فقال : (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَها لِلنَّبِيِ)(٣) ، فلما نزلت هذه الآية ، قالت عائشة للنبي «صلى الله عليه وآله» : إن الله ليسرع لك في هواك (٤).

ك ـ شراف بنت خليفة :

خطب رسول الله «صلى الله عليه وآله» امرأة من كلب ؛ فبعث عائشة تنظر إليها ، فذهبت ، ثم رجعت ، فقال لها رسول الله : ما رأيت؟

فقالت : ما رأيت طائلا.

فقال رسول الله «صلى الله عليه وآله» : لقد رأيت طائلا ، لقد رأيت

__________________

(١) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١٠٦ ، وتاريخ الإسلام للذهبي ج ٢ ص ٤١٦.

(٢) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١١٢.

(٣) الآية ٥٠ من سورة الأحزاب.

(٤) طبقات ابن سعد ج ٨ ص ١١٥.

١١٣

خالا بخدها ، اقشعرت كل شعرة منك.

فقالت : يا رسول الله ، ما دونك سر (٢).

ل ـ حفصة بنت عمر :

بل إن عائشة كانت تغار حتى من رفيقتها حفصة ، ويقال : إن قضية المغافير كانت لها معها (١).

نهاية المطاف :

هذه كانت حالة عائشة مع زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» ، وأكثر هذه المشاكل كانت فيما يبدو بسبب غيرتها منهن ، لجمالهن البارع ، وحسنهن الرائع كما قدمنا ، ولم نجد لأي من زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» معشار ما وجدناه لعائشة من المشاكل والتجاوزات ـ اللهم إلا رواية أو روايتان مرويتان عن عائشة نفسها!! فهذا السيل العارم منها ـ خاصة ـ دون غيرها منهن ، يكشف عن أن ثمة ما يبرز منها وهو أنها تحس بالنقص في نفسها تجاههن من حيث الجمال على الأقل.

وهكذا ، تسقط جميع الادعاءات والروايات التي عن عروة وغيره وعنها ، والتي تدعي حظوتها ومكانتها لدى النبي «صلى الله عليه وآله» ، أو على الأقل تصير محل شك وريب.

وأما ما يقال في حديث الإفك فإنه أيضا باطل وقد فصلنا القول في ذلك في الجزء الثالث عشر من هذا الكتاب.

__________________

(١) راجع : حياة الصحابة ج ٢ ص ٧٦٢ عن البخاري ومسلم وعن تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٣٨٧ وعن جمع الفوائد ج ١ ص ٢٢٩ وعن طبقات ابن سعد ج ٨ ص ٨٥.

١١٤

وملاحظة أخيرة نسجلها هنا ، وهي : أننا نجد عائشة تكثر من أحاديث تقبيل النبي «صلى الله عليه وآله» ومباشرته لها وهي حائض واغتسالها وإياه من إناء واحد ، وغير ذلك من الأحاديث التي تتخذ طابع الجنس ، والإغراء ، واللذة.

ولا نجد من ذلك الشيء الكثير عند غيرها من نسائه «صلى الله عليه وآله» ، ولعل ذلك يرجع إلى أنه لم يكن ثمة ما يربطها برسول الله بصورة قوية ، حيث لم يكن لها ولد منه «صلى الله عليه وآله» وليس لديها من المستوى الفكري والثقافي والعملي ما يصلح أن يكون نقطة اشتراك ويجعل لها به ارتباطا خاصا ووثيقا خصوصا وأن اهتماماتها ليس من جنس اهتماماته وتطلعاتها لا تلتقي مع تطلعاته «صلى الله عليه وآله».

وإن حاولت أن تتعاطى مع الأمور على أساس أن تعطي نفسها الدور الريادي في مختلف المجالات من موقع الطموح العارم ، للحصول على الامتيازات والمغانم ، دون أن يكون لديها أي حرج يرفد هذا التوجه بالادعاءات العريضة ، والاندفعات الحماسية في أكثر من اتجاه.

وماذا بعد؟!

هذا وإننا لا نجد مبررا لتحمل النبي «صلى الله عليه وآله» من عائشة جرأتها ، وتجاوزاتها المتكررة وإيذاءها له في أخيه علي ، وفي زوجاته ، إلا أنه لم يكن يستطيع أن يتخذ القرار النهائي بالنسبة إليها ، لأن السياسة كانت تقضي عليه بتحمل كل هذه المشاق.

ويدلنا على أن النبي «صلى الله عليه وآله» : كان يتعامل مع زوجاته من موقعه السياسي الحرج ، لا من جو بيت الزوجية :

١١٥

قول عمر لحفصة ـ عندما تظاهرت على النبي «صلى الله عليه وآله» مع عائشة واعتزلهن ـ : والله ، لقد علمت أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» لا يحبك ، ولو لا أنا لطلقك رسول الله «صلى الله عليه وآله» (١).

هذا ، ولم يكن ثمة من يستطيع الجهر بالحقيقة ، وإظهار الواقع ، لأن الجهاز الحاكم كله كان يمسك بركاب عائشة ، ويعلي قدرها ، ويرفع من شأنها ؛ لأنه كان يستفيد منها أعظم الفوائد ، وأسناها.

وكان ثمة خطة مرسومة لإظهار عظيم منزلتها ، وإغداق الأوسمة عليها بثمن ، أو بغير ثمن!!

وكانت هي تستغل موقعها كزوجة للنبي «صلى الله عليه وآله» ، وكأم للمؤمنين إلى أقصى الدرجات ، كما أنها كانت تستفيد من حاجة الهيئة الحاكمة إليها ، وكل ذلك يفسر لنا السر في أنها كانت توحي للناس بانها أقرب زوجات النبي «صلى الله عليه وآله» إليه ، وآثرهن لديه ؛ لجمالها ، ولكونه «صلى الله عليه وآله» قد تزوجها بكرا حسب دعواها.

وكأن النبي «صلى الله عليه وآله» كان يهتم للبكارة وللجمال (مع نقاش لنا في ذلك).

ولا ندري ما هو السر في تواضع أم المؤمنين إلى هذا الحد؟ حتى إنها لم تر في نفسها المؤهلات لأن تعتز بالدين ، وبالمعاني الإنسانية النبيلة أو لعلها كانت ترى أن النبي «صلى الله عليه وآله» لا ينطلق في حبه وبغضه من

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٨٩. ولسوف يأتي مزيد توضيح لذلك في البحث عن سبب كثرة زوجاته قبل واقعة أحد في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

١١٦

الدين والأخلاق ، وإنما من الشهوة ، فصورته للمسلمين على أنه رجل شهواني لا أكثر.

دخول الإسلام إلى المدينة :

وثمة خلاف بين المؤرخين في من؟ ومتى؟ وكيفية إسلام أول دفعة من أهل المدينة.

ولكننا نستطيع أن نؤكد على أن الإسلام قد دخل المدينة على مراحل. فأسلم أولا : أسعد بن زرارة وذكوان بن عبد القيس ، حينما كان المسلمون محصورين في الشعب ، ثم أسلم خمسة ، أو ثمانية ، أو ستة نفر بعد ذلك ، ثم كانت بيعة العقبة الأولى ، ثم كانت بيعة العقبة الثانية ، وهذا هو ما يظهر من مغلطاي (١) وغيره.

ولذلك فهم يقولون : إن أسعد بن زرارة ، وذكوان بن عبد القيس الخزرجيين قدما مكة في أحد المواسم ، حينما كانت قريش تحاصر الهاشميين في الشعب (شعب أبي طالب) ، بهدف طلب الحلف من عتبة بن ربيعة على الأوس.

فرفض عتبة ذلك ، وقال : بعدت دارنا عن داركم ، ولنا شغل لا نتفرغ لشيء.

فسأله عن هذا الشغل ؛ فأخبره بخروج النبي «صلى الله عليه وآله» فيهم ، وأنه أفسد شبابهم ، وفرق جماعتهم ثم حذره من الاتصال به ، فإنه ساحر يسحره بكلامه.

وأمره إذا أراد الطواف أن يضع القطن في أذنيه ، حتى لا يسمع ما

__________________

(١) راجع سيرة مغلطاي ص ٢٩.

١١٧

يقوله النبي «صلى الله عليه وآله» ، الذي كان آنئذ يجلس في الحجر مع طائفة من بني هاشم.

وكانوا قد خرجوا من شعبهم ليشهدوا الموسم ، وجاء أسعد للطواف ، ورأى النبي «صلى الله عليه وآله» جالسا في الحجر ، فقال في نفسه : ما أجد أجهل مني ، أن يكون هذا الحديث في مكة فلا أتعرفه ، حتى أرجع إلى قومي فأخبرهم ، ثم أخذ القطن من أذنيه فرمى به ، وجاء إلى النبي «صلى الله عليه وآله» ، فسلم عليه ، وكلمه ؛ فعرض عليه «صلى الله عليه وآله» ما جاء به فأسلم ، وأسلم بعده ذكوان.

وفي رواية : أنه لما التقى النبي «صلى الله عليه وآله» بأسعد بن زرارة وذكوان ، قال أسعد للنبي «صلى الله عليه وآله» : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أنا من أهل يثرب ، من الخزرج ، وبيننا وبين أخوتنا من الأوس حبال مقطوعة ، فإن وصلها الله بك ، ولا أجد أعز منك ، ومعي رجل من قومي ، فإن دخل في هذا الأمر رجوت أن يتمم الله لنا أمرنا فيك.

والله يا رسول الله ، لقد كنا نسمع من اليهود خبرك ، ويبشروننا بمخرجك ، ويخبروننا بصفتك ، وأرجو أن يكون دارنا دار هجرتك عندنا ، فقد أعلمنا اليهود ذلك ؛ فالحمد لله الذي ساقني إليك ، والله ما جئت إلا لنطلب الحلف على قومنا ، وقد آتانا الله بأفضل مما أتيت له.

ثم أقبل ذكوان ، فقال له أسعد : هذا رسول الله الذي كانت اليهود تبشرنا به ، وتخبرنا بصفته ؛ فهلم فأسلم ؛ فأسلم ذكوان إلخ (١).

__________________

(١) البحار ج ١٩ ص ٩ وإعلام الورى ص ٥٧ عن علي بن إبراهيم.

١١٨

ثم في سنة إحدى عشرة من النبوة خرج النبي «صلى الله عليه وآله» في الموسم ، يعرض على القبائل دعوته ، ويطلب منهم نصرته ؛ فالتقى على العقبة برهط من الخزرج ؛ فدعاهم إلى الله والإسلام ، وقرأ عليهم القرآن فآمنوا به ، وكانوا ستة نفر ، وهم : أسعد بن زرارة ، وجابر بن عبد الله بن رئاب ، وعوف بن الحارث ورافع بن مالك ، وعقبة وقطبة ابنا عامر.

وقيل : ثمانية نفر وقيل غير ذلك (وثمة اختلاف في أسمائهم ، وذكر أشخاص آخرون مكان بعض من قدمنا أسماءهم ، ولا مجال لتحقيق ذلك).

ورجع أولئك النفر إلى قومهم في المدينة ، فذكروا لهم رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، ودعوهم إلى الإسلام.

ثم كانت بيعة العقبة الأولى في سنة اثنتي عشرة من البعثة أي قبل الهجرة بسنة (١).

ولعل أسعد بن زرارة كان قد كتم إسلامه هو وذكوان ، حتى كان لقاء هؤلاء الستة أو الثمانية معه «صلى الله عليه وآله» قبل الهجرة بسنة فاعلنوا ذلك ونحن قبل أن نمضي في الحديث نشير إلى ما يلي :

١ ـ إخبارات أهل الكتاب :

يفهم مما تقدم : أن أهل المدينة كانوا يسمعون من اليهود خبر ظهور النبي عن قريب ، وأن ذلك قد جعلهم مهيئين نفسيا لقبول الدين الذي جاء به هذا النبي «صلى الله عليه وآله».

__________________

(١) البحار ج ١٩ ص ٩ وإعلام الورى ص ٥٧ عن علي بن إبراهيم.

١١٩

٢ ـ المشاكل بين الأوس والخزرج :

لقد كانت ثمة حروب هائلة بين الأوس والخزرج ، كانت آخرها وقعة بعاث التي انتصرت فيها قبيلة الأوس ، حينما كان الهاشميون والنبي «صلى الله عليه وآله» محصورين في شعب أبي طالب.

وكانت الحالة بين القبيلتين صعبة للغاية ، حتى ليذكرون : أنهم ما كانوا يضعون السلاح لا في الليل ولا في النهار (١) مما يعني أنهم يعانون من أقسى الحالات التي يمكن أن يواجهها من يملك إمكانات معيشية محدودة مثلهم.

وحتى لقد كان واضحا : أنهم كانوا يتطلعون بشوق إلى الخروج من هذه الحالة المأساة.

ويأملون في وصل الحبال المقطوعة فيما بينهم ، كما عبر عنه أسعد بن زرارة ، الذي كان يعمل من أجل عقد حلف مع عتبة بن ربيعة ضد الأوس.

فأهل المدينة إذا قد ذاقوا مرارة الانحراف والظلم ، وهم يريدون المنقذ الحقيقي لهم ، وقد وجدوه في نبي الإسلام الأعظم «صلى الله عليه وآله» الذي جاءهم بتعاليم الشريعة السهلة السمحاء.

ولذلك فقد قالوا لرسول الله «صلى الله عليه وآله» : «نرجع إلى قومنا ، ونخبرهم بالذي كلمتنا به ، فما أرغبنا فيك.

إنا قد تركنا قومنا على خلاف فيما بينهم ، لا نعلم حيا من العرب بينهم من العداوة ما بينهم ، وسنرجع إليهم بالذي سمعنا منك ، لعل الله يقبل

__________________

(١) البحار ج ١٩ ص ٨ و ٩ و ١٠ وإعلام الورى ص ٥٥.

١٢٠