الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

في الصغيرة التي ليست محل الوطء ، فإن أصل الخلقة والغالب متطابقان في مثلها على البكارة فيكون فواتها عيبا وهو في الصغيرة قويّ وفي غيرها متّجه إلا أن الغالب لمّا كان على خلافه في الإماء كانت الثيوبة فيهن بمنزلة الخلقة الأصلية وإن كانت عارضة.

وإنما يثبت الحكم مع العلم (١) بسبق الثيبوبة على البيع بالبينة ، أو إقرار البائع ، أو قرب زمان الاختيار إلى زمان البيع بحيث لا يمكن تجدّد الثيبوبة فيه عادة ، وإلا فلا خيار ، لأنها قد تذهب بالعلة والنزوة وغيرهما (٢) ، نعم لو تجددت في زمن خيار الحيوان ، أو خيار الشرط ترتب الحكم (٣).

ولو انعكس الفرض بأن يشترط الثيبوبة فظهرت بكرا فالأقوى تخيره (٤) أيضا بين الرد والإمساك بغير أرش ، لجواز تعلّق غرضه بذلك فلا يقدح فيه كون البكر أتم غالبا.

______________________________________________________

ـ عن الخلقة الأصلية أو نقص فهو عيب ، والخلقة الأصلية تقتضي البكارة ، فعدمها يكون عيبا وهو الأقوى.

(١) لو شرط المشتري صفة البكارة ففاتت ، فلا بدّ أن تفوت عند البائع ليكون للمشتري خيار التدليس أو العيب ، وإنما يثبت فواتها عند البائع بالبينة أو بالاقرار من البائع أو قرب زمان اختبارها لزمن البيع بحيث لا يمكن تجدد الثيبوبة ، أما لو تأخر زمان الاختبار فبانت ثيبا فلا يعلم أن الثيبوبة مضمونة على البائع لاحتمال ذهاب البكارة في ملك المشتري وإن لم يكن بفعله ، كذهابها بقفزة أو بغير ذلك ، ومع الاحتمال لا يكون العيب مضمونا على البائع.

(٢) فالنزوة هي الوثبة من نزا أي وثب ، وغيرهما كالحرقوص ، وهو على ما في الصحاح بضم الحاء دويبة تأكل البيض وتدخل في فروج النساء فتأكل بكارتها.

(٣) فذهاب البكارة وإن وقع في ملك المشتري ، لكن وقع في زمن خياره فيكون العيب مضمونا على البائع حينئذ.

(٤) ذهب جماعة من الفقهاء أن المشترط بالخيار بين الرد والإمساك مجانا عملا بقاعدة الشرط ضرورة أن هذا منه ، إذ قد يتعلق للمشترط غرض بالثيبوبة لعجزه عن افتضاض البكر.

وذهب الشيخ في المبسوط والفاضل في التحرير أنه لا خيار له ، لكون المعطى له أزيد قيمة مما اشترط.

٦٢١

(وكذا التصرية) (١) وهو جمع لبن الشاة وما في حكمها في ضرعها بتركها بغير حلب ، ولا رضاع فيظن الجاهل بحالها كثرة ما تحلبه فيرغب في شرائها بزيادة وهو تدليس محرم ، وحكمه ثابت (للشاة) إجماعا ، (والبقرة والناقة) على المشهور (٢) ، بل قيل : إنه إجماع ، فإن ثبت فهو الحجة ، وإلا فالمنصوص الشاة ،

______________________________________________________

(١) ففي مصباح المنير : (صريت الناقة صرى فهي صرية ، من باب تعب ، إذا اجتمع لبنها في ضرعها ، ويتعدى بالحركة فيقال : صريتها صريا ـ إلى أن قال ـ فيقال : صرّيتها تصرية ، إذا تركت حلبها فاجتمع لبنها في ضرعها) وكذا عن القاموس ، وفي الصحاح : (صريت الشاة تصرية إذا لم تحلبها أياما) ولم يذكر غير الشاة.

وهو تدليس محرم ، وفي المسالك أنه موضع وفاق ، وعليه أخبار.

منها : خبر الصدوق في معاني الأخبار بإسناده عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (لا تصروا الإبل والبقر والغنم ، من اشترى مصري فهو بآخر النظرين ، إن شاء ردها وردّ معها صاعا من تمر) (١) وقال الصدوق عقيبه : (المصراة يعني الناقة أو البقرة أو الشاة قد صرى اللبن في ضرعها ، يعني : حبس وجمع ولم يحلب أياما) وروى الصدوق في خبر آخر (من اشترى محفلة فليرد معها صاعا ، وسميت محفلة لأن اللبن جعل في ضرعها واجتمع ، وكل شي‌ء كثرته فقد حفلته) (٢) ، ومن القريب أن يكون التفسير من الصدوق عليه الرحمة.

والنبوي المروي في الدعائم (أنه نهى عن التصرية وقال : من اشترى مصراة فهي خلابة ـ أي مخادعة ـ فليردها إن شاء إذا علم ويرد معها صاعا من تمر) (٣) ، والنبوي المروي في الغوالي (من اشترى شاة مصراة فهو بالخيار ثلاثة أيام ، إن شاء أمسكها وإن شاء ردها وصاعا من التمر) (٤).

(٢) أما في الشاة فقطعا بلا خلاف وللنصوص المصرّحة بالشاة ، وأما في الناقة والبقرة فعلى المشهور ، بل عن الشيخ دعوى الاجماع عليه ، وللنبوي المروي في معاني الأخبار المتقدم ، والنبوي المروي في الدعائم والمتقدم أيضا (من اشترى مصراة) ، وللعلة الموجبة للخيار في الشاة فهي مشتركة بينها وبين غيرها من الناقة والبقرة.

وتردد المحقق وجماعة لعدم النص عندنا وإنما النصوص المتقدمة عامية ولذا قيل إن خبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

(٣ و ٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٣.

٦٢٢

وإلحاق غيرها بها قياس ، إلا أن يعلّل بالتدليس العام فيلحقان بها. وهو متجه ، وطرّد بعض الأصحاب (١) الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي ، وفي الدروس أنه ليس بذلك البعيد للتدليس.

وتثبت التصرية (٢) إن لم يعترف بها البائع ولم تقم بها بينة (بعد اختبارها ثلاثة أيام) فإن اتفقت فيها الحلبات عادة ، أو زادت اللاحقة فليست مصرّاة وإن اختلفت في الثلاثة فكان بعضها ناقصا عن الأولى نقصانا خارجا عن العادة ، وإن

______________________________________________________

ـ الصدوق إنما هو من طرق الجمهور ، والقدر المتيقن منها الشاة ، لأن المنصوص عندنا هو الشاة فقط كما في خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، فقال : إن كان في تلك الثلاثة الأيام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء) (١).

وفيه : إن خبر الحلبي لا يدل على التصرية ، بل على خيار الحيوان وحكم الانتفاع بلبنها في زمن الخيار وهو أجنبي عن المدعى ، وإنما عمدة الحكم في التصرية النصوص العامية التي تقدم بعضها وهي منجبرة بعمل الأصحاب ، وكون بعضها قد اقتصر على ذكر الشاة فقط ، فالبعض الآخر قد صرّح بالناقة والبقر وبعض ثالث قد أطلق ، والاطلاق يشمل الشاة وغيرها.

(١) وهو ابن الجنيد حيث طرّد الحكم في سائر الحيوانات حتى الآدمي ، وفي بعض الأخبار المتقدمة مثل النبوي المروي في الدعائم (من اشترى مصراة) ما يدل عليه ، والخيار مناسب للتدليس ، وفي الدروس أنه ليس ببعيد.

(٢) قال في الجواهر : (وكيف كان فتختبر المصراة للعلم تبصريتها التي لم يقرّ بها البائع ولا قامت بها البينة ثلاثة أيام ، كما في القواعد والتذكرة واللمعة والارشاد ، فإنها غالبا بها ينكشف حالها ، وأنها مصراة أو لا ، بل أغلب أحوال عيوب الحيوان تنكشف فيها فضلا عن التصرية ، ولذا وضع الشارع إرفاقا بالمشتري ثلاثة أيام خيار فيه) انتهى ، والنبوي المروي في الغوالي المتقدم يدل على ثلاثة أيام فلا داعي للتمسك بالاعتبار كما في الجواهر.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فكيفية الاختبار أن تختبر ثلاثة أيام فإن اتفقت الحلبات اتفاقا تقريبيا لا يخرج عن العادة بحسب حالها ونفسها ومكانها فليست مصراة ، وإن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٦٢٣

زاد بعدها في الثلاثة يثبت الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور ، ولو ثبتت بالإقرار ، أو البينة جاز الفسخ من حين الثبوت مدة الثلاثة ، ما لم يتصرف (١) بغير الاختبار بشرط النقصان (٢) فلو تساوت ، أو زادت هبة من الله تعالى فالأقوى زواله ، ومثله (٣) ما لو لم يعلم بالعيب حتى زال.

(ويردّ معها) إن اختار ردّها (اللبن) الذي حلبه منها (٤) (حتى المتجدد) منه

______________________________________________________

ـ اختلفت الحلبات في الثلاثة بحيث كانت ما عدا الأولى أقل فهي مصراة ، وهذا كله إذا لم يثبت كونها مصراة إلا بالاختبار ، وإلا فيثبت تصريتها أيضا بإقرار البائع وبالبينة ، وإذا ثبت تصريتها بالاقرار أو البينة فله الخيار قبل مضي الثلاثة ، وإذا ثبت بالاختبار فله الخيار بعد الثلاثة بلا فصل على الفور ، لأن الفسخ على خلاف الأصل فيقتصر فيه على القدر المتيقن وهو الفورية ، نعم لا داعي لتوقف ثبوت الخيار على مضي ثلاثة أيام بل يثبت الخيار عند تحقق التصرية بالاختبار ، فلو تحقق التصرية فيثبت له الخيار حينئذ ، إلا أن يكون الاختبار لا يفيد التصرية إلا في مدة ثلاثة أيام وهو بعيد.

(١) فلو تصرف بغير الاختبار يسقط خياره ، لأن التصرف مسقط للخيار على ما تقدم في خيار الحيوان وغيره ، والكلام المتقدم هناك جار هنا.

(٢) أي لو ثبتت التصرية باقرار البائع أو بالبينة فله الخيار بشرط نقصان الحلبات المتأخرة عن الحلبة الأولى ، وإلا فلو تساوت أو زادت هبة من الله تعالى فالمشهور على زوال خياره حينئذ لزوال الموجب له ، وذهب الشيخ في الخلاف إلى بقاء الخيار لإطلاق النصوص المتقدمة.

(٣) فيسقط الخيار حينئذ لزوال سببه كسقوط خيار التدليس بانتفاء التصرية عند ما حلبها من أول حلبة.

(٤) أما اللبن الموجود حال العقد فيجب رده بحسب القواعد ، لأنه بعض المبيع ، لأن المشتري إذا فسخ عليه رد جميع المبيع ، واللبن منه في المقام ، ولازمه لو تلف يردّ مثل اللبن أو قيمته على المشهور ، لأن اللبن مثلي فمع تلفه يضمن مثله ، ومع تعذره يضمن قيمته ، لأن القيمة هي الأقرب إلى العين حينئذ.

وعن الاسكافي والشيخ والقاضي وأبي المكارم وابن سعيد أنه يرد صاعا من تمر للأخبار المتقدمة.

وعن الشيخ أيضا وجماعة أنه يرد ثلاثة أمداد من الطعام لخبر الحلبي المتقدم ، وقد عرفت أن خبر الحلبي المتقدم ناظر إلى خيار الحيوان لا إلى خيار التدليس ، بل هو غير ناظر إلى اللبن الموجود في ضرعها حال العقد ، بل إلى المتجدد فراجع. ـ

٦٢٤

بعد العقد ، أو (مثله لو تلف). أما رد الموجود فظاهر لأنه جزء من المبيع ، وأما المتجدد فلإطلاق النص بالرد الشامل له.

ويشكل بأنه نماء المبيع الذي هو ملكه والعقد إنما ينفسخ من حينه والأقوى عدم رده ، واستشكل في الدروس ، ولو لم يتلف اللبن (١) لكن تغير في ذاته أو صفته بأن عمل جبنا ، أو مخيضا ونحوهما ففي رده بالأرش إن نقص (٢) ، أو مجانا (٣) ، أو الانتقال إلى بدله (٤) أوجه : أجودها الأول.

واعلم أن الظاهر من قوله : بعد اختبارها ثلاثة : ثبوت الخيار المستند إلى الاختبار بعد الثلاثة كما ذكرناه سابقا ، وبهذا يظهر الفرق بين مدة التصرية ، وخيار الحيوان ، فإن الخيار في ثلاثة الحيوان فيها ، وفي ثلاثة التصرية بعدها ، ولو

______________________________________________________

ـ والأول هو الأقوى إعمالا للقواعد بعد ضعف أخبار التصرية لأنها عامية ، وانجبارها بعمل الأصحاب لا يوجب العمل بكون الصاع مكان اللبن مطلق لاحتمال أن يكون الصاع هو القيمة الفعلية للبن الموجود في ضرعها عادة عند التصرية في زمن صدور هذه الأخبار.

وأما اللبن المتجدد بعد العقد فعن الفخر أنه كاللبن الموجود حال العقد فلا بد من رده وإلا ضمن مثله أو قيمته ، ونسب الحكم إلى الأصحاب ، وفيه : إن الفسخ فسخ للعقد من حينه فاللبن المتجدد هو نماء المبيع الذي هو ملك المشتري قبل الفسخ ، ولذا لو امتزج المتجدد وبالموجود حال العقد ثم فسخ المشتري ، صار البائع والمشتري شريكين فيه ورجعا إلى الصلح.

(١) أي لم يتلف اللبن الذي وجب رده إلى البائع ، بل تغير في ذاته أو صفته ، والتغير في الأول لو دخل اللبن في جنس آخر بحيث لا يسمى لبنا بل جنبا أو أقطا أو سمنا ، والتغير في الثاني كالحلاوة والطراوة.

(٢) أما رده لأنه عين ماله ولا ينتقل إلى البدل إلا مع تعذر العين ، والمفروض عدمه ، وأما الأرش مع النقصان فلأنه نقص حصل في مال الغير بسببه فلا بد من جبره كما في سائر المتلفات.

(٣) لأن النقص الحاصل في مال البائع وإن كان بسبب المشتري ، إلا أن البائع هو الذي أدخل النقص على نفسه حيث دلّس المبيع بالتصرية فكان سبب النقص.

(٤) لأن العين غير موجودة على ما كانت عليه فلا بد من مثلها وإلا فالقيمة.

٦٢٥

ثبت التصرية بعد البيع بالإقرار ، أو البينة فالخيار ثلاثة (١) ، ولا فورية فيها على الأقوى (٢) وهو اختياره في الدروس.

ويشكل حينئذ الفرق (٣) ، بل ربما قيل : بانتفاء فائدة خيار التصرية حينئذ (٤) لجواز الفسخ في الثلاثة بدونها (٥).

ويندفع بجواز تعدد الأسباب وتظهر الفائدة فيما لو أسقط أحدهما ، ويظهر من الدروس تقييد خيار التصرية بالثلاثة مطلقا (٦). ونقل عن الشيخ أنها (٧) لمكان خيار الحيوان.

ويشكل بإطلاق توقفه (٨) على الاختبار ثلاثة فلا يجامعها حيث لا تثبت بدونه (٩) ، والحكم بكونه يتخير في آخر جزء منها يوجب المجاز في الثلاثة (١٠).

______________________________________________________

(١) ويدل عليه النبوي المروي في العوالي (١) وقد تقدم.

(٢) للاقتصار على القدر المتيقن.

(٣) بين الخيار الثابت بالتصرية التي ثبتت بالاقرار أو البينة. وبين خيار الحيوان.

(٤) حين ثبوت خيار الخيار.

(٥) بدون التصرية.

(٦) سواء ثبتت التصرية بالاختبار أم بالاقرار أو البينة.

(٧) أي التصرية والمراد بها خيار التصرية ، والمعنى أن خيار التصرية مكان خيار الحيوان وعليه فهو مقيد بالأيام الثلاثة.

(٨) أي أن خيار التصرية ثلاثة أيام مطلقا ينافي القول بكون مدة الاختبار ثلاثة ، لأن مفاد القول الأول سقوط الخيار بانقضاء الثلاثة ، ومفاد القول الثاني أنه يثبت بعد الثلاثة ، فإطلاق توقف خيار التصرية على الاختبار ثلاثة أيام لا يجامع مع هذه الأيام التي هي مدة الاختبار.

(٩) حيث لا تثبت التصرية بدون الاختبار.

(١٠) لأن التخيير في آخر جزء من الثلاثة فإطلاق الثلاثة عليه إطلاق مجازي ، ويوجب المجاز أيضا في ثلاثة أيام الاختبار ، إذ تطلق ويراد منها ما عدا الجزء الأخير الذي هو زمن الخيار.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

٦٢٦

[العاشر ـ خيار الاشتراط] (العاشر ـ خيار الاشتراط (١) حيث لا يسلم الشرط لمشترطه بائعا ومشتريا ، (ويصح اشتراط سائغ في العقد (٢) إذا لم يؤدّ إلى جهالة في أحد العوضين ، أو يمنع منه الكتاب والسنة) ، وجعل ذلك شرطا بعد قيد السائغ تكلف (٣) (كما لو شرط تأخير المبيع) في يد البائع ، (أو الثمن) في يد المشتري (ما شاء) كل واحد منهما ، هذا مثال ما يؤدي إلى جهالة في أحدهما ، فإن الأجل له قسط من الثمن ، فإذا كان مجهولا يجهل الثمن ، وكذا القول في جانب المعوّض ، (أو عدم وطء)

______________________________________________________

(١) بحيث شرط أحدهما على الآخر شرطا ولم يف المشترط عليه بالشرط ، والفرق بينه وبين خيار الشرط أن هنا يشترط شيئا ثم يفوت ، وبفواته يثبت له الخيار ، وهناك يشترط نفس الخيار على أن يكون له ، ويدل عليه عموم (المسلمون عند شروطهم) (١).

(٢) وضابط السائغ أن لا يكون مؤديا إلى جهالة المبيع أو الثمن ، ولا مخالفا للكتاب أو السنة ، وقد نسب هذا المعنى للضابطة إلى الأصحاب.

أما الأول كاشتراط تأجيل أحدهما مدة مجهولة ، ويدل على بطلانه أن العوضين مما يشترط معلوميتهما ، وللأجل قسط من الثمن وهو مجهول ، فيتجهل العوضان أو أحدهما.

وأما الثاني فيدل عليه أخبار.

منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المسلمون عند شروطهم إلا كل شرط خالف كتاب الله عزوجل فلا يجوز) (٢) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (من اشتراط شرطا مخالفا لكتاب الله فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ، والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) (٣) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث : (وإن كان شرطا يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجل) (٤) ، وخبر إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا بن أبي طالب كان يقول : من شرط لامرأته شرطا فليفه لها به ، فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطا حرّم حلالا أو أحلّ حراما) (٥).

(٣) أي جعل ـ عدم مخالفة الكتاب أو السنة ، وعدم التأدية إلى الجهالة ـ شرطا بعد قوله (سائغ) تكلف ، لأن لفظ السائغ هو غير الممنوع شرعا ، وهما ممنوعان شرعا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١!.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ٤ و ٥.

٦٢٧

(الأمة ، أو) شرط (وطء البائع إياها) بعد البيع مرة ، أو أزيد ، أو مطلقا ، هذه أمثلة ما يمنع منه الكتاب والسنة.

(و) كذا (يبطل) الشرط (باشتراط غير المقدور) (١) للمشروط عليه (كاشتراطه حمل الدابة فيما بعد ، أو أنّ الزرع يبلغ السنبل) (٢) ، سواء شرط عليه أن يبلغ ذلك بفعله أم بفعل الله (٣) ، لاشتراكهما في عدم المقدورية.

(ولو شرط تبقية الزرع) في الأرض إذا بيع أحدهما دون الآخر (إلى أوان السنبل جاز) ، لأن ذلك مقدور له ، ولا يعتبر تعيين مدة البقاء (٤) بل يحمل على المتعارف من البلوغ ، لأنه منضبط.

(ولو شرط غير السائغ بطل) الشرط (وأبطل العقد) (٥) في أصح القولين ،

______________________________________________________

(١) لأن شرط مخالف للكتاب لقوله تعالى : (لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا وُسْعَهٰا) (١).

(٢) أي يجعل الزرع سنبلا والرطب تمرا.

(٣) فجعل الزرع سنبلا بفعل البائع هو غير مقدور له كما هو واضح ، وأما جعل الله الزرع سنبلا فهو مقدور لله جل وعلا ، إلا أن فعل الله لا يقع تحت قدرة البائع.

(٤) قال في المسالك : (وهل يشترط تعيين المدة أم يحال على المتعارف من البلوغ لأنه مضبوط عرفا ، الظاهر الاكتفاء بالثاني ، وإطلاقهم يدل عليه) انتهى.

(٥) أما بطلان الشرط فمحل اتفاق وقد تقدم دليله لأنه غير سائغ ، وأما إبطال العقد المشتمل عليه فقولان ، ففي الإسكافي والشيخ والقاضي وابني سعيد وزهرة وجماعة صحة العقد ، لأن التراضي قد تعلق بكليهما فإذا امتنع أحدهما بقي الآخر ، ويؤيده صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن أمة كانت تحت عبد فاعتقت الأمة قال : أمرها بيدها إن شاءت تركت نفسها مع زوجها ، وإن شاءت نزعت نفسها منه ، وقال : وذكر أن بريرة كانت عند زوج لها وهي مملوكة فاشترتها عائشة وأعتقها فخيّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : إن شاءت أن تقر عند زوجها ، وإن شاءت فارقته ، وكان مواليها الذين باعوها اشترطوا على عائشة أن لهم ولائها ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولاء لمن اعتق) (٢) وظاهر الخبر صحة عقد البيع مع فساد الشرط.

وعن الفاضل وولده والشهيدين وجماعة فساد البيع بفساد الشرط لأن التراضي لم يقع إلا ـ

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٨٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب نكاح العبيد والإماء حديث ٢.

٦٢٨

لامتناع بقائه بدونه ، لأنه غير مقصود بانفراده ، وما هو مقصود لم يسلم ، ولأن للشرط قسطا من الثمن فإذا بطل يجهل الثمن. وقيل : يبطل الشرط خاصة لأنه الممتنع شرعا دون البيع ، ولتعلق التراضي بكل منهما. ويضعف بعدم قصده منفردا ، وهو شرط الصحة.

(ولو شرط عتق المملوك) الذي باعه منه (جاز) (١) ، لأنه شرط سائغ ، بل راجح ، سواء شرط عتقه عن المشتري أم أطلق (٢) ، ولو شرط عنه (٣) ففي صحته قولان : أجودهما المنع ، إذ لا عتق إلا في ملك ، (فإن أعتقه) فذاك ، (وإلا تخير البائع) (٤) بين فسخ البيع ، وإمضائه ، فإن فسخ استرده ، وإن انتقل قبله عن ملك المشتري (٥) ، وكذا يتخير لو مات قبل العتق فإن فسخ رجع بقيمته يوم التلف ،

______________________________________________________

ـ على المجموع من حيث هو مجموع ، فإذا بطل بعضه انتفى متعلق التراضي فيكون الباقي تجارة لا عن تراض ، وبعبارة أخرى فالتراضي وقع على المقيد ومع انتفاء القيد ينتفي المقيد ، والعقود تابعة للقصود فالعقد المقيد لم يقع وهو مقصود ، وما وقع هو غير المقيد وهو غير مقصود.

(١) لو شرط البائع على المشتري أن يبيعه العبد وإذا أصبح العبد ملكا للمشتري أن يعتق المشتري العبد حينئذ عن نفسه ، وهو جائز بلا خلاف لأنه شرط غير مخالف للكتاب والسنة فيجب الوفاء.

(٢) فلو أطلق البائع فينصرف عتق العبد على المشتري لأنه (لا عتق إلا في ملك) (١) والعبد ملك المشتري فعتقه المشروط منصرف إلى كونه عن المشتري.

(٣) عن البائع ، وفي التذكرة : (يجوز اشتراطه عتقه عن البائع عندنا خلافا للشافعي ، لأنه شرط لا ينافي الكتاب والسنة) وذهب الفاضل في القواعد والمقداد والشهيدان إلى عدم الجواز (لأنه لا عتق إلا في ملك) كما تقدم ، وهو يوجب كون العبد في ملك من يعتق عنه مع أن العبد قد خرج عن ملك البائع ، وفيه : إن الخبر دال على كون المعتق هو المالك ، ولا يدل على كون المعتق عنه هو المالك فلا تغفل.

(٤) إذا لم يلتزم المشتري بالشرط المشروط عليه من العتق فللبائع خيار الاشتراط بين الفسخ والإمضاء من دون أرش ، لأن الأرش مختص بالعيب وهو منفي هنا.

(٥) أي وإن انتقل العبد عن ملك المشتري ببيع مثلا قبل الفسخ ، فمع الفسخ تبطل تلك ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب كتاب العتق حديث ١ و ٥.

٦٢٩

لأنه وقت الانتقال إلى القيمة ، وكذا لو انعتق قهرا (١) ، (وكذا كل شرط لم يسلم) لمشترطه فإنه (يفيد تخيره) بين فسخ العقد المشروط فيه ، وإمضائه ، (ولا يجب على المشترط عليه فعله) (٢) ، لأصالة العدم ، (وإنما فائدته جعل البيع عرضة للزوال) بالفسخ (عند عدم سلامة الشرط ، ولزومه) أي البيع (عند الإتيان به) ، وقيل : يجب الوفاء بالشرط ولا يتسلط المشروط له على الفسخ إلا مع تعذر وصوله إلى شرطه (٣) ، لعموم الأمر بالوفاء بالعقد الدال على الوجوب ، وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : المؤمنون عند شروطهم إلا من عصى الله (٤) ، فعلى هذا لو امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط ولم يمكن إجباره رفع أمره إلى الحاكم ليجبره عليه إن كان مذهبه ذلك ، فإن تعذر (٥) فسخ حينئذ إن شاء.

وللمصنف رحمه‌الله في بعض تحقيقاته تفصيل (٦) : وهو أن الشرط الواقع

______________________________________________________

ـ العقود المترتبة على العبد فلكونه في ملك المشتري ، وفيه : إنه يمكن القول بصحة العقود الواقعة في ملك المشتري وإن فسخ البائع ، غايته مع الفسخ يرجع البائع إلى القيمة كما لو كان تالفا.

(١) فيرجع البائع إلى القيمة حينئذ.

(٢) أي فعل الشرط ، والمعنى أنه لو امتنع المشترط عليه من فعل الشرط وكان المشروط له القدرة على اجباره فهل يجبره على الشرط ، قيل : ولم ينسب إلا إلى الشهيد أنه لا يجبره ، لأن المشترط عليه لا يجب عليه الوفاء بالشرط لاصالة العدم ، مع كون المشروط له صاحب وسيلة إلى التخلص بالفسخ ، وتكون فائدة الشرط حينئذ جعل البيع اللازم عرضة للزوال. وعن المشهور بل عليه الاجماع كما عن الغنية أن المشروط له يجبر المشترط عليه بالوفاء بالعقد ، لوجوب الوفاء بالشرط لعموم (المسلمون عند شروطهم) (١) المتقدم.

(٣) فلو قدر على اجباره لزم ولا يثبت له الخيار.

(٤) هذه الزيادة لم أجدها في الوسائل ومستدركه.

(٥) أي الحاكم ، وكذا إذا لم يكن مذهبه ذلك فسخ المشروط له إن شاء.

(٦) هذا التفصيل قائم على التفريق بين شرط النتيجة وشرط الفعل ، فالأول ما كان العقد المتضمن للشرط كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة كما لو باعه العبد بشرط الوكالة عنه ، فإنه يصير وكيلا بمجرد البيع ، والثاني ما كان العقد المتضمن للشرط غير ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٦٣٠

في العقد اللازم إن كان العقد كافيا في تحققه ولا يحتاج بعده إلى صيغة فهو لازم لا يجوز الإخلال به كشرط الوكالة في العقد وإن احتاج بعده إلى أمر آخر وراء ذكره في العقد كشرط العتق فليس بلازم ، بل يقلب العقد اللازم جائزا ، وجعل السرّ فيه أن اشتراط «ما العقد كاف في تحققه (١)» كجزء من الإيجاب والقبول فهو تابع لهما في اللزوم والجواز ، واشتراط «ما سيوجد (٢)» أمر منفصل عن العقد ، وقد علّق عليه العقد والمعلّق على الممكن ممكن وهو معنى قلب اللازم جائزا.

والأقوى اللزوم مطلقا (٣) ، وإن كان تفصيله أجود مما اختاره هنا (٤).

(الحادي عشر ـ خيار الشركة (٥) ، ..).

______________________________________________________

ـ كاف في تحققه بل يحتاج بعد العقد إلى عقد حتى يتحقق كما لو باعه العبد بشرط أن يعتق العبد عنه ، فهذا بحاجة إلى صيغة العتق بعد البيع ، أو أن يبيعه العبد بشرط أن يوكله ، لا أن يصير وكيلا.

وعلى كل فالشرط الأول لازم لأن اشتراطه في العقد كاف في تحققه ، لأنه حينئذ جزء من الايجاب والقبول فيكون تابعا لهما في اللزوم والجواز ، والشرط الثاني ليس بلازم بل يقلب العقد اللازم جائزا ، لأن العقد قد علّق عليه ، والمعلّق على الممكن ممكن وهو معنى قلب اللازم جائزا ، وفيه : إنه قد عرفت لزوم الوفاء بالشرط على المشترط عليه فلا معنى لهذا التفصيل ، هذا فضلا عن أن حصول شرط النتيجة من دون صيغته محل تأمل وإشكال ، بالإضافة إلى أن شرط الفعل ليس أمرا ممكنا بل أصبح لازما عند تمام العقد فالقول أن العقد قد علق على الممكن وما هذا شأنه يكون جائزا ليس في محله.

(١) شرط النتيجة.

(٢) شرط الفعل.

(٣) في قبال تفصيل الشهيد.

(٤) من عدم اللزوم مطلقا.

(٥) فلو اختلط المبيع بغيره في يد البائع وقبل قبض المشتري اختلاطا لا يتميز فالمجموع شركة بين البائع والمشتري ، فلو دفع البائع الجميع إلى المشتري جاز ، ولا كلام مع قبول المشتري ، وعن الشيخ أنه يجب عليه القبول لأنه زاده فضلا ، وفيه منع ، لأن في قبول المشتري منة وضررا إذ قد يريد المبيع منفصلا لا مختلطا.

ولو امتنع البائع من دفع الجميع ، فعن الشيخ أن البيع ينفسخ لتعذر التسليم ، ولأنه كالتلف قبل القبض ، وفيه : أن المبيع أصبح كجزء مشاع ، ويمكن تسليم الجزء المشاع ، ـ

٦٣١

سواء قارنت العقد (١) ، كما لو اشترى شيئا فظهر بعضه مستحقا ، أو تأخرت بعده (٢) إلى قبل القبض كما لو امتزج المبيع بغيره بحيث لا يتميز فإن المشتري يتخير بين الفسخ لعيب الشركة والبقاء فيصير شريكا بالنسبة (٣) ، وقد يطلق على الأول (٤) تبعض الصفقة أيضا (٥) (وقد يسمى هذا (٦) عيبا مجازا) لمناسبته للعيب في نقص المبيع بسبب الشركة ، لاشتراكهما في نقص وصف فيه (٧) ، وهو هنا منع المشتري من التصرف في المبيع كيف شاء ، بل يتوقف على إذن الشريك فالتسلط عليه ليس بتام ، فكان كالعيب بفوات وصف فيجبر بالخيار ، وإنما كان إطلاق العيب في مثل ذلك على وجه المجاز ، لعدم خروجه به (٨) عن خلقته

______________________________________________________

ـ وهو ليس كالتالف وجدانا فالبيع صحيح ، إلا أن المشتري له خيار الشركة لحصول ضرر عليه بخلط ما اشتراه بغيره إذ قد يريده منفصلا ، وقد يوجب الاختلاط نقصان القيمة السوقية للمبيع ، والضرر منفي فيثبت للمشتري خيار بين الفسخ والإمساك وبه يرتفع الضرر ، ولا حاجة إلى إثبات الأرش.

(١) أي قارنت الشركة العقد ، كما لو اشترى شيئا واحدا أو متعددا وظهر بعضه على نحو المشاع مستحقا لغير البائع ، فالشركة بين المشتري وذلك الغير حاصلة من حين العقد.

(٢) بعد العقد كما لو امتزج المبيع بغيره في يد البائع وقبل قبض المشتري.

(٣) أي بنسبة ما اشتراه إلى الجميع.

(٤) أي ما ظهر بعض المبيع مستحقا.

(٥) كما يطلق عليه الشركة فالاسم متعدد والخيار واحد لأنه في كليهما قد ثبت من نفي الضرر.

(٦) أي أن الأمر الذي أوجبته الشركة في الموردين يسمى عيبا مجازا ، ثم بيّن العلاقة المجازية المصححة للإطلاق بقوله : لمناسبته للعيب في نقص المبيع ، والمعنى أن الشركة توجب منع المشتري من التصرف كيفما شاء ، بل يتوقف على إذن الشريك فالتسلط من قبل المشتري غير تام ، وعدم التسلط نقص في وصف المبيع كما كان العيب نقص في وصف المبيع لفوات جزء من الخلقة الأصلية.

ولاشتراكهما في أنهما نقص في وصف المبيع صح إطلاق لفظ أحدهما على الآخر فلذا صح إطلاق لفظ العيب على الشي‌ء الذي أحدثته الشركة.

(٧) في المبيع.

(٨) أي لعدم خروج المبيع بما أحدثته الشركة من عدم التسلط التام.

٦٣٢

الأصلية (١) ، لأنه قابل بحسب ذاته للتملك منفردا ومشتركا فلا نقص في خلقته ، بل في صفته على ذلك الوجه.

(الثاني عشر ـ خيار تعذر التسليم (٢) ، فلو اشترى شيئا ظنّا إمكان تسليمه) بأن كان طائرا يعتاد عوده ، أو عبدا مطلقا (٣) ، أو دابة مرسلة (٤) (ثم عجز بعده (٥) بأن أبق وشردت ولم يعد الطائر ونحو ذلك (تخير المشتري) ، لأن المبيع قبل القبض مضمون على البائع ، ولمّا لم ينزل ذلك منزلة التلف (٦) ، لإمكان الانتفاع به على بعض الوجوه جبر بالتخيير فإن اختار التزام البيع صح.

وهل له الرجوع بشي‌ء (٧) يحتمله (٨) ، لأن فوات القبض نقص حدث على

______________________________________________________

(١) بخلاف العيب الذي هو نقصان أو زيادة في الخلقة الأصلية.

(٢) لو تبايعا على شي‌ء ظنا منهما أنه مقدور على تسليمه ، ثم عجز البائع عن التسليم كما لو غصبت العين المبتاعة وعرف الغاصب ولا يستطيع البائع انتزاعها منه ، أو أنه باع عبدا مطلقا بحيث يذهب بغير رقيب ، أو دابة مرسلة ترعى كيفما شاءت ثم عجز البائع عن تسليمهما ، فإيجاب العقد حينئذ على المشتري وأن ينتظر حتى يستطيع البائع التسليم ضرر عليه ، وهو منفي ، فيثبت له الخيار بين الإمساك والرد.

(٣) أي يذهب بغير رقيب.

(٤) ترعى كيفما شاءت.

(٥) بعد الشراء.

(٦) قد تقدم أن التلف في المبيع من مال البائع قبل القبض ، ولا بدّ حينئذ من انفساخ العقد من حين التلف ويرجع المشتري على ثمنه ، غير أن المتعذر تسليمه لم ينزل عندهم منزلة التالف لينفسخ العقد ، لأن المشتري يمكن له أن يتصرف بالمبيع بما لا يتوقف على قبضه ، كعتق العبد مثلا في كفارة ، أو بيع المتعذر تسليمه مع الضميمة أو المصالحة ، فلا ينفسخ العقد ، نعم باعتبار الضرر على المشتري كما تقدم يجبر بالخيار.

(٧) أي لو التزم المشتري بالعقد فهل يرجع بالأرش ، لأن المبيع المتعذر تسليمه انقص قيمة من غيره.

(٨) أي يحتمل الرجوع ، لأن النقصان في القيمة الناشئ من تعذر التسليم قد وقع في يد البائع وقبل قبض المشتري كما هو المفروض ، وهو مضمون على البائع ما دام في يده.

وفيه : إن الأرش قد ثبت في خيار العيب عملا بالنصوص الخاصة المتقدمة هناك ، وأما هنا فقد ثبت الخيار بحديث نفي الضرر ، وإثبات الخيار للمشتري بين الفسخ والامساك ـ

٦٣٣

المبيع قبل القبض فيكون مضمونا على البائع. ويضعف بأن الأرش ليس في مقابلة مطلق النقص ، لأصالة البراءة ، وعملا بمقتضى العقد (١) ، بل في مقابلة العيب المتحقق بنقص الخلقة ، أو زيادتها كما ذكر ، وهو هنا منفي.

(الثالث عشر ـ خيار تبعّض الصفقة (٢) ، كما لو اشترى سلعتين فتستحقّ إحداهما) فإنه يتخير بين التزام الأخرى بقسطها من الثمن والفسخ فيها ، ولا فرق في الصفقة المتبعضة بين كونها متاعا واحدا فظهر استحقاق بعضه ، أو أمتعة كما مثل هنا (٣) ، لأن أصل الصفقة : البيع الواحد سمّي البيع بذلك ، لأنهم كانوا يتصافقون بأيديهم إذا تبايعوا ، يجعلونه دلالة على الرضاء به (٤) ، ومنه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعروة البارقي لما اشترى الشاة : «بارك الله لك في صفقة يمينك» (٥)

______________________________________________________

ـ جابر لهذا الضرر ، لأنه بالفسخ وإرجاع الثمن عليه يرتفع الضرر عنه فلا داعي إلى إثبات الأرش له بعد ما ارتفع الضرر بالخيار.

وكون تعذر التسليم موجبا لنقصان قيمة المبيع فصحيح ولكن ليس كل نقصان يوجب الأرش بل النقص في الخلقة الأصلية أو زيادتها كما هو ضابط العيب.

(١) ومقتضاه الوفاء به لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١).

(٢) لو اشترى شيئا واحدا أو متعددا ثم ظهر أن بعض المبيع مستحق للغير ، أو تلف بعض المبيع في يد البائع بحيث كان للتالف قسط من الثمن ، فالمشتري له خيار تبعض الصفقة لأن إيجاب العقد عليه ضرر إذ أقدم على أن يسلم له المجموع ولم يسلم وحديث (لا ضرر ولا ضرار) (٢) ينفيه فيثبت له الخيار.

(٣) وكذلك لو اشترى سلعة أو سلعتين وتلف بعض المبيع.

(٤) أي بالبيع ، قال في المصباح المنير : (وصفقت له بالبيعة صفقا ، ضربت بيدي على يده ، وكانت العرب إذا وجب البيع ضرب أحدهما يده على يد صاحبه ، ثم استعملت الصفقة في العقد ، فقيل : بارك الله لك في صفقة يمينك ، قال الأزهري : وتكون الصفقة للبائع والمشتري) وظاهره أن التصافق بعد البيع ، نعم في الرياض قال في مقام تسمية البيع بالصفقة : (اعتبارا بما كانوا يصفونه من وضع أحدهما يده في يد صاحبه حال البيع ، أو أنه يصفق أحدهما يده يد الآخر عند انتهاء العقد).

(٥) وهو خبر عروة البارقي قال (قدم جلب فاعطاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دينارا فقال : اشتر بها شاة، ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ٢.

٦٣٤

وإنما خص تبعض الصفقة هنا بالسلعتين لإدخاله الواحدة في خيار الشركة ، ولو جعل موضوع تبعض الصفقة أعم (١) كما هو كان أجود ، وإن اجتمع حينئذ في السلعة الواحدة خياران بالشركة ، وتبعض الصفقة (٢) ، فقد تجتمع أنواع الخيار أجمع في مبيع واحد ، لعدم التنافي.

(الرابع عشر ـ خيار التفليس) إذا وجد غريم المفلس متاعه فإنه يتخير بين أخذه مقدما على الغرماء ، وبين الضرب بالثمن معهم.(وسيأتي تفصيله) في كتاب الدين ، (ومثله غريم الميت مع وفاء التركة) بالدين.

وقيل : مطلقا (٣). وكان المناسب جعله قسما آخر حيث تحرّى الاستقصاء (٤) هنا لأقسام الخيار بما لم يذكره غيره.

(الفصل العاشر في الأحكام : وهي خمسة)

(الأول ـ النقد والنسيئة) أي البيع الحالّ والمؤجل ، سمّي الأول نقدا باعتبار كون ثمنه منقودا (٥) ...

______________________________________________________

ـ فاشتريت شاتين بدينار ، فلحقني رجل فبعت أحدهما منه بدينار ، ثم أتيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشاة ودينار ، فرده عليّ وقال : بارك الله لك في صفقة يمينك) (١).

(١) من السلعتين والواحدة.

(٢) وقد تقدم أن مدرك الخيار هو نفي الضرر ، ولا يوجد إلا ضرر واحد وهو خلط ماله بمال مخيره فهو يوجب خيارا واحدا وإن أوجب عنوانين : الشركة وبنقص الصفقة عليه ، إلا أن يقال : أن عليه ضررين ، ضرر من ناحية عدم تسلطه التام وضرر من ناحية لم يسلم له جميع المبيع.

(٣) أي وإن لم تف التركة بالدين.

(٤) فلا بد من جعل غريم الميت قسما للسجدة على حدة لأنه في صدد الاستقصاء ، وفيه : إن إدراج غريم الميت مع غريم المفلس في قسم واحد لا ينافي الاستقصاء ، وإنما الذي ينافيه عدم الذكر لا عدم جعله عنوانا.

(٥) أي مقبوضا قال في مصباح المنير : (ونقدت الرجل الدراهم بمعنى أعطيته ، فيتعدى إلى ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١.

٦٣٥

ولو بالقوة (١) ، والثاني مأخوذ من النسي‌ء (٢) وهو تأخير الشي‌ء تقوطل : أنسأت الشي‌ء إنساء : إذا أخّرته ، والنسيئة : اسم وضع موضع المصدر (٣).

واعلم أن البيع بالنسبة إلى تعجيل الثمن والمثمن وتأخيرهما والتفريق أربعة أقسام :

فالأول «النقد (٤)» ، والثاني «بيع الكالئ بالكالى‌ء» (٥) ، بالهمز اسم فاعل أو مفعول من المراقبة ، لمراقبة كل واحد من الغريمين صاحبه لأجل دينه (٦).

______________________________________________________

ـ مفعولين ، ونقدتها له على الزيادة أيضا فانتقدها ، أي قبضها) ، وقال في المسالك : (النقد مأخوذ من قولك : نقدته الدراهم ، ونقدت له ، أي أعطيته ، فانتقدها أي قبضها ، والمراد به البيع بثمن حالّ ، فكأنه مقبوض بالفعل أو القوة) انتهى.

(١) فيما لو كان البيع حالا ، ولم يقبض الثمن بعد ، فيطلق عليه النقد ، لأن قبض الثمن لا مانع من قبضه من شرط وغيره.

(٢) قال في المسالك : (والنسيئة مأخوذة من النسي‌ء ، وهو تأخير الشي‌ء ، قال الهروي : سمعت الأزهري يقول : انسأت الشي‌ء إنساء ونسيا ، اسم وضع موضع المصدر الحقيقي ، والمراد بها البيع مع تأجيل الثمن وتأخيره) انتهى.

(٣) فالنسيئة مأخوذة من النسي‌ء ، والنسي‌ء اسم وضع موضع المصدر الذي هو الإنساء.

(٤) وهو فيما لو كان الثمن والمثمن حالين في البيع.

(٥) قال في مصباح المنير : (وكلأ الدين يكلأ مهموز بفتحتين كلوءا ، أي تأخر فهو كالئ ، بالهمز ويجوز تخفيفه مثل القاضي ، وقال الأصمعي : هو مثل القاضي ولا يجوز همزه ، ونهي عن بيع الكالئ بالكالى‌ء ، أي بيع النسيئة بالنسيئة) انتهى وظاهر عبارته أن بيع الكالئ هو بيع المتأخر ، وكذا في القاموس والنهاية الأثيرية.

نعم في الصحاح أن كلأ الدين أي حرسه وراقبه ، فالكالئ هو الحارس والمراقب ، ولذا قال الشارح في المسالك : (على ما فسره جماعة من أهل اللغة اسم فاعل من المراقبة ، كأن كل واحد من المتبايعين يكلأ صاحبه ، أي يراقبه لأجل ماله الذي في ذمته ، وفيه إضمار ، ـ أي في بيع الكالئ ـ أي بيع مال الكالئ بمال الكالئ ، أو اسم مفعول كالدافق فلا إضمار) انتهى ، والدافق اسم فاعل ويراد به اسم مفعول أي مدفوق ، كمثل : عيشة راضية ، أي مرضية.

(٦) وفيه : أنه بهذا المعنى يحتاج إلى الاضمار ، وأما إذا قلنا أنه من كلأ بمعنى تأخر كما صرّح به جماعة من أهل اللغة فلا حاجة إلى الاضمار ، فيستقيم ظاهر اللفظ بلا تكلف وتقدير.

٦٣٦

و «مع حلول المثمن وتأجيل الثمن» هو «النسيئة».

وبالعكس «السلف». وكلها صحيحة عدا البيع الثاني (١) ، فقد ورد النهي عنه وانعقد الإجماع على فساده.

(وإطلاق البيع يقتضي كون الثمن حالا (٢) وإن شرط تعجيله) في متن العقد (أكّده) (٣) ، لحصوله بدون الشرط ، (فإن وقّت التعجيل) بأن شرط تعجيله في هذا اليوم مثلا (تخير) البائع (لو لم يحصل) الثمن (في الوقت) المعين (٤) ، ولو لم يعين له زمانا لم يفد سوى التأكيد في المشهور (٥) ، ولو قيل : بثبوته مع الإطلاق أيضا لو أخل به عن أول وقته كان حسنا ، للإخلال بالشرط (٦).

______________________________________________________

(١) أي بيع الكالئ بالكالى‌ء وقال في الجواهر (وكلها صحيحة عدا الثاني فقد ورد النهي عنه بلفظ «بيع الدين بالدين» ، وانعقد الاجماع بقسميه على فساده والرواية التي أشار إليها هي رواية طلحة بن زيد عن أب عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يباع الدين بالدين) (١) ، وسيأتي له تتمة في بابه.

(٢) وكذا المثمن بحيث لم يشترط التأجيل في أحد العوضين ، للانصراف عرفا إلى الحالّ ، ولموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى جارية بثمن مسمى ثم افترقا ، فقال عليه‌السلام : وجب البيع والثمن إذا لم يكونا اشترطا فهو نقد) (٢).

(٣) لأن التعجيل حاصل بدون الشرط بمقتضى العقد ، فإن اشترط التعجيل فيكون قد أكد مقتضى العقد.

(٤) مثال لاشتراط تأجيل الثمن ، فلو عيّن البائع مدة الشرط بأن يأتيه بالثمن في يوم ما ، فإن لم يف المشتري ولم يمكن إجباره على الوفاء كما تقدم فيثبت تسلط البائع على الفسخ بخيار الشرط.

(٥) بحيث لم يشترط البائع تعجيل الثمن ولم يوقته بوقت ، فعلى المشهور أنه للتأكيد لما مرّ.

(٦) أي لو قيل : بتسلط البائع على الفسخ عند اشتراط التعجيل من دون توقيت له إذا أخلّ المشتري بالشرط عن أول وقته كان حسنا لتخلف الشرط ، هذا وأول وقته هو أول أوقات إمكانه بعد العقد متصلا به.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الدين حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٢.

٦٣٧

(وإن شرط التأجيل اعتبر ضبط الأجل (١) ، فلا يناط) أي لا يعلق (بما يحتمل الزيادة والنقصان كمقدم الحاج) أو إدراك الغلّة ، (ولا بالمشترك) بين أمرين (٢) ، أو أمور حيث لا مخصّص لأحدهما (كنفرهم) من منى ، فإنه مشترك بين أمرين (وشهر ربيع) المشترك بين شهرين فيبطل العقد بذلك ، ومثله التأجيل

______________________________________________________

(١) اعلم أن اشتراط التعجيل والتأجيل اشتراط لأمر مسائغ فيجب الوفاء به ، ولا خلاف فيهما ، بل سواء طالت المدة أم قصرت في الثاني لإطلاق الأدلة على المشهور ، وعن الاسكافي منعه إذا طالت المدة أكثر من ثلاث سنين لخبر أحمد بن محمد (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إني أريد الخروج إلى بعض الجبال ـ إلى أن قال ـ إنا إذا بعناهم بنسية كان أكثر للربح ، قال : فبعهم بتأخير سنة ، قلت : بتأخير سنتين ، قال : نعم ، قلت : بتأخير ثلاث؟ قال : لا) (١) ، وخبره الآخر أنه قال لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام (إن هذا الجبل قد فتح على الناس منه باب رزق ، فقال : إن أردت الخروج فاخرج فإنها سنة مضطربة ، وليس للناس بدّ من معاشهم فلا تدع الطلب ، فقلت : إنهم قوم ملاء ، ونحن نحتمل التأخير فنبايعهم بتأخير سنة ، قال : بعهم ، قلت : سنتين؟ قال : بعهم ، قلت : ثلاث سنين؟ قال : لا يكون لك شي‌ء أكثر من ثلاث سنين) (٢).

وقد حمل الخبران على الإرشاد وبذل النصح لا على النهي المولوي المترتب على مخالفته الاثم ، ولذا قال في الرياض : (ولا فرق في المدة بين القصيرة والطويلة ـ إلى أن قال ـ بلا خلاف يعلم منا في ذلك إلا ما حكي عن الاسكافي من منعه التأجيل زيادة ثلاث سنين ، والأصل والعمومات وخصوص إطلاقات الباب يدفعه مع عدم وضوح مستنده) انتهى.

هذا وإذا جاز اشتراط التأجيل مهما كانت مدته فلا بدّ من ضبط الأجل ، بلا خلاف فيه ، لأنه مع عدم الضبط يكون بيعا غرريا ، لأن للأجل قسطا من الثمن فمع عدم تعيينه يلزم الجهالة في نفس الثمن.

(٢) كأن يؤجل الثمن إلى شهر ربيع ، وهو مشترك بين ربيع الأول وربيع الثاني ، وكذا في جمادي ، وكذا تأجيل الثمن للنفر من منى ، وهو مشترك بين يوم الثاني عشر من ذي الحجة وبين الثالث عشر منه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٣.

٦٣٨

إلى يوم معين من الأسبوع كالخميس (١).

(وقيل (٢) : يصح و (يحمل على الأول) في الجميع (٣) ، لتعليقه الأجل على اسم معين وهو يتحقق بالأول ، لكن يعتبر علمهما بذلك قبل العقد (٤) ليتوجه قصدهما إلى أجل مضبوط فلا يكفي ثبوت ذلك شرعا مع جهلهما ، أو أحدهما به ، ومع القصد لا إشكال في الصحة وإن لم يكن الإطلاق محمولا عليه (٥) ، ويحتمل الاكتفاء في الصحة بما يقتضيه الشرع في ذلك ، قصداه أم لا ، نظرا إلى كون الأجل الذي عيناه مضبوطا في نفسه شرعا ، وإطلاق اللفظ منزّل على الحقيقة الشرعية (٦).

(ولو جعل لحالّ ثمنا ، ولمؤجل أزيد منه (٧) ، أو فاوت بين أجلين (٨) في

______________________________________________________

(١) هذا مثال للمشترك بين أمور ، فإنه قد عيّن الخميس ولم يعين أنه من أي أسبوع ، وبتعيين اليوم لا يتعين الأسبوع.

(٢) وقال في الجواهر : (لم نظفر بقائله).

(٣) أي جميع أمثلة المشترك التي ذكرها الشارح ووافقه صاحب الجواهر ، غير أن سيد الرياض قد جعل الخلاف في المثال الأخير فقط.

(٤) أي يعلما بأن هذا الاسم المشترك يتحقق بالأول ، وفيه : أن هذا العلم قصد منهما على التعيين ، وهو قرينة معينة على المعنى الخاص من المشترك فيكون النزاع لفظيا.

(٥) لا عرفا ، لأن العرف لا يحملون الخميس على أول خميس ، ولا شرعا.

(٦) والمعنى أن الأجل محدد إلى خميس ، وهو تحديد منضبط فينزل على الحقيقة الشرعية الثابتة في لسان الشارع ، وهو أول خميس سواء قصداه أم لا ، واشكل عليه في الجواهر : (أنه لا حقيقة شرعية في المقام ضرورة أن الشارع هنا لو حكم بالانصراف إلى أولهما ، فليس إلا لاقتضاء العرف فيه ذلك ، وحينئذ فمع الانصراف عرفا متجه) انتهى.

(٧) بأن قال : بعتك هذا بدرهم نقدا ، وبدرهمين إلى شهرين.

(٨) بأن قال : بعتك هذا بدرهم إلى شهر ، وبدرهمين إلى شهرين ، فقيل والقائل الشيخ في المبسوط والحلي في السرائر والفخر والفاضل المقداد والآبي والعلامة والشهيدان أنه يبطل العقد للغرر ، والإبهام الناشئ من الترديد القاضي بعدم وقوع الملك على أحدهما بالخصوص ، ولخبر سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن سلف وبيع ، وعن بيعين في بيع ، وعن بيع ما ليس عندك ، وعن ربح ما لم ـ

٦٣٩

الثمن بأن قال : بعتك حالا بمائة ، ومؤجلا إلى شهرين بمائتين ، أو مؤجلا إلى شهر بمائة ، وإلى شهرين بمائتين (بطل) ، لجهالة الثمن بتردده بين الأمرين ، وفي المسألة قول ضعيف بلزوم أقل الثمنين إلى أبعد الأجلين ، استنادا إلى رواية ضعيفة ، (ولو أجّل البعض المعين) من الثمن وأطلق الباقي (١) ، أو جعله حالا (صح) ، للانضباط ، ومثله (٢) ما لو باعه سلعتين في عقد بثمن إحداهما نقد ، والأخرى نسيئة ، وكذا لو جعله أو بعضه نجوما معلومة (٣).

______________________________________________________

ـ يضمن) (١) ، وقد فسر قوله «بيعين في بيع» بذلك.

وقد ذهب جماعة من الأصحاب منهم المفيد والشيخ في النهاية وابن البراج إلى صحة البيع وأن للبائع أقل الثمنين لخبر محمد بن قيس ـ وهو صحيح السند ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من باع سلعة فقال : إن ثمنها كذا وكذا يدا بيد ، وثمنها كذا وكذا نظرة فخذها بأي ثمن شئت ، وجعل صفقتها واحدة فليس له إلا أقلهما ، وإن كانت نظرة) (٢) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قضى في رجل باع بيعا واشترط شرطين ، بالنقد كذا وبالنسية كذا ، فأخذ المتاع على ذلك الشرط ، فقال : هو بأقل الثمنين وأبعد الأجلين) (٣) والخبران وإن كانا ناظرين إلى أن أحدهما نقدا والآخر نسية ، لكن من عمل بهما عداهما إلى ما لو باع إلى وقتين متأخرين عن العقد وفاوت بين الأجلين (٣) لعدم الفرق حينئذ.

(١) فالباقي المطلق منصرف إلى الحالّ.

(٢) أي مثله في الصحة ما لو باع سلعتين في عقد واحد إحداهما بنقد ، والأخرى بنسيئة فيصح البيع لوجود المقتضي مع عدم المانع من جهالة وغرر ، لأن الأجل منضبط بالنسبة للنسيئة.

(٣) النجوم جمع نجم ، قال في مصباح المنير : (وكانت العرب توقت بطلوع النجوم ، لأنهم ما كانوا يعرفون الحساب ، وإنما يحفظون أوقات السنة بالانواء ، وكانوا يسمون الوقت الذي يحلّ فيه الأداء نجما تجوزا ، لأن الأداء لا يعرف إلا بالنجم ، ثم توسعوا حتى سموا الوظيفة نجما لوقوعها في الأصل في الوقت الذي يطلع فيه النجم ، واشتقوا منه فقالوا : ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٢.

٦٤٠