الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

سقط خياره خاصة) إذ لا ارتباط لحق أحدهما بالآخر (١).

(ولو فسخ أحدهما وأجاز الآخر قدّم الفاسخ) (٢) وإن تأخر عن الإجازة ، لأن إثبات الخيار إنما قصد به التمكن من الفسخ ، دون الإجازة ، لأصالتها (٣) ، (وكذا) يقدم الفاسخ على المجيز (في كل خيار مشترك) ، لاشتراك الجميع في العلة التي أشرنا إليها.

(ولو خيّره فسكت (٤) فخيارهما باق) أما الساكت فظاهر إذا لم يحصل منه ما يدل على سقوط الخيار ، وأما المخيّر فلأن تخييره صاحبه أعمّ من اختياره العقد فلا يدل عليه ، وقيل : يسقط خياره استنادا إلى رواية لم تثبت عندنا.

(الثاني ـ خيار الحيوان (٥) وهو ثابت للمشتري خاصة) على المشهور (٦) وقيل :

______________________________________________________

ـ حق الخيار لأنهما لو أرادا استعمال حقهما بالخيار لاستطاعا بالكلام لأنهما غير مكرهين على عدم الكلام.

(١) كما هو واضح إذ لا ارتباط بين خيار أحدهما وخيار الآخر.

(٢) لأن الفسخ رفع للعقد الثابت ، ولذا يقدّم ولو تأخر عن الإجازة ، بل الإجازة إبقاء عقد البيع إلى حين تحقق الرافع ، والمفروض أن الفسخ رفع له ، فلا يضره تقدم الاجازة عليه.

(٣) بمعنى أن ما يتحقق بالاجازة هو متحقق بالأصالة من حين وقوع العقد.

(٤) لو خيّر أحدهما الآخر بأن قال له : اختر امضاء العقد أو فسخه ، فسكت الآخر ، فخيار الساكت باق بلا خلاف فيه للأصل ، وإطلاق الأدلة ، ولأن السكوت أعم من الرضا فلم يصدر منه قول أو فعل يدل على سقوط خياره وخيار القائل فباق أيضا ، لأن ما صدر منه أمر بالاختيار وهو لا يدل على إسقاط خيار نفسه.

وعن الشيخ كما في المسالك وإن قال في الجواهر : (ولكن لم نعرف القائل وإن نسب إلى الشيخ إلا أن المحكي عن مبسوطه وخلافه خلاف الحكاية) أنه يسقط للنبوي (البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، أو يقول أحدهما لصاحبه : اختر) (١) ، وهذه الزيادة لم تثبت من طرقنا فليست بحجة.

(٥) من ضروريات المذهب كما في الجواهر.

(٦) للأخبار الكثيرة منها : صحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل اشتري ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

٥٨١

لهما ، وبه رواية صحيحة ولو كان حيوانا بحيوان (١) قوي ثبوته لهما كما يقوى ثبوته للبائع وحده لو كان الثمن خاصة. وهو ما قرن بالباء. حيوانا (٢).

ومدة هذا الخيار (ثلاثة أيام (٣) مبدأها من حين العقد) على الأقوى (٤) ، ولا

______________________________________________________

ـ جارية لمن الخيار ، للمشتري أو للبائع ، أو لهما كلاهما؟ فقال : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيام نظرة ، فإذا مضت ثلاثة أيام فقد وجب الشراء) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الحيوان كله شرط ثلاثة أيام للمشتري ، وهو بالخيار فيها إن شرط أو لم يشترط) (٢) ، وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : ما الشرط في الحيوان؟ قال : ثلاثة أيام للمشتري) (٣) وعن السيد المرتضى في الانتصار أن الخيار ثابت للمشتري والبائع معا لصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المتبايعان بالخيار ثلاثة أيام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتى يفترقا) (٤) ، وحمل على بيع الحيوان بالحيوان كما سيأتي.

(١) قيل بثبوت الخيار لهما ، لأن الحكمة من ثبوت هذا الخيار هي أن الحيوان يشتمل على أمور باطنة لا يطلع عليها غالبا إلا بالتروي والاختبار مدة ، وهذه الحكمة موجودة هنا في الثمن لأنه حيوان ، وبهذا يجمع بين صحيح محمد بن مسلم المتقدم وبقية الأخبار على ما تقدم ، وهذا ما احتمله العلامة والمحقق الثاني وجماعة منهم الصيمري.

وقيل : بعدم ثبوت الخيار للبائع هنا ، لأن الخيار ثابت للمشتري فقط سواء كان الثمن حيوانا أو لا تمسكا بإطلاق الأخبار المتقدمة ، والحكمة المستدل بها غير منصوصة فلا يجوز اطرادها ، والجمع المتقدم بين الأخبار جمع تبرعي لا شاهد له من الأخبار.

(٢) كما لو باع الدار بحيوان ، فالثمن هو الحيوان ، وقد احتمل العلامة ثبوت الخيار للبائع فقط واختاره الشارح هنا وفي المسالك وتبعه عليه غيره تمسكا بالحكمة السابقة ، وقد عرفت ما فيها.

(٣) على المشهور للأخبار المتقدمة سواء كان الحيوان أنسيا كالأمة أو لا ، وعن أبي الصلاح الحلبي أن مدة الخيار في الأمة هي مدة الاستبراء ، وليس له مستند صالح بشهادة صاحب الجواهر وغيره.

(٤) أي من حين تمام العقد لتبادر اتصال الخيار بالعقد من النصوص السابقة ، وذهب الطوسي كما في الرياض إلى أن خيار الحيوان من حين التفرق وبعد ارتفاع خيار المجلس لئلا يلزم اجتماع خيارين في زمن واحد لكون الثاني في ظرف الأول لغوا ، ولأنهما متماثلان ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الخيار حديث ٩ و ١ و ٥ و ٣.

٥٨٢

يقدح اجتماع خيارين فصاعدا وقيل : من حين التفرق ، بناء على حصول الملك به (١) (ويسقط باشتراط سقوطه) في العقد ، (أو إسقاطه بعد العقد) كما تقدم (٢) ، (أو تصرفه (٣) أي تصرف ذي الخيار سواء كان لازما كالبيع أم لم يكن كالهبة قبل القبض (٤) ، بل مطلق الانتفاع كركوب الدابة ولو في طريق الرد ، ونعلها وحلب ما يحلب ، [ولبس الثوب ، وقصارته ، وسكنى الدار] (٥).

______________________________________________________

ـ فاجتماعهما محال.

وفيه : إن الخيار واحد بالذات مختلف بالاعتبار والحيثية كخيار المجلس وخيار الرؤية فليس هما متماثلان من كل حيثية حتى يمتنع اجتماعهما ، وثبوت الخيار الثاني في ظرف الأول يفيد أنه لو سقط أحدهما بمسقط يبقى الآخر فلا يكون ثبوته لغوا على أن الأسباب الشرعية معرّفات لا مؤثرات حتى يشكل علينا بامتناع اجتماع سببين على مسبّب واحد.

(١) بالتفرق.

(٢) في خيار المجلس.

(٣) لا خلاف في أن التصرف مسقط للخيار ، لأن التصرف دليل الرضا بالعقد ، وللأخبار.

منها : صحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الشرط في الحيوان ثلاثة أيام للمشتري اشترط أم لم يشترط ، فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثا قبل الثلاثة الأيام فذلك رضا منه فلا شرط ، قيل له : وما الحدث؟ قال : إن لامس أو قبّل أو نظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل الشراء) (١) ، ومكاتبة الصفّار (كتبت إلى أبي محمد عليه‌السلام في الرجل اشترى من رجل دابة فأحدث فيها حدثا من أخذ الحافر أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها ، أو الركوب الذي يركبها فراسخ؟ فوقّع عليه‌السلام : إذا أحدث فيها حدثا فقد وجب الشراء إن شاء الله) (٢) ، والحدث مطلق فيشمل التصرف اللازم كالبيع أو غير لازم كالهبة بل يشمل مطلق الانتفاع كركوب الدابة وتحميلها وحلب ما يحلب ووطئ الجارية ونحو ذلك.

(٤) قيّد الهبة بذلك وإن كانت الهبة جائزة بعد القبض أيضا ، ولكن قيّد لأن بعض أنواع الهبة يلزم بعد القبض كالمعوّضة والواقعة بين الرحم.

(٥) قال سلطان العلماء في وجه إيراد هذه الأمثلة لخيار الحيوان مع أنها ليست تصرفا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٢.

٥٨٣

ولو قصد به الاستخبار ولم يتجاوز مقدار الحاجة (١) ففي منعه من الرد وجهان ، أما مجرد سوق الدابة إلى منزله فإن كان قريبا بحيث لا يعد تصرفا عرفا فلا أثر له ، وإن كان بعيدا مفرطا احتمل قويا منعه ، وبالجملة فكل ما يعد تصرفا عرفا يمنع (٢) ، وإلا فلا.

(الثالث ـ خيار الشرط (٣) وهو بحسب الشرط (٤) إذا كان الأجل مضبوطا) (٥)

______________________________________________________

ـ وانتفاعا بالحيوان : (هذا بناء على أن كون الخيار للطرفين ، يعني إذا كان ثمن الحيوان الثوب أو الدار فتصرف فيهما البائع بما ذكر سقط خياره ، وإلا فلا ربط لهما بخيار الحيوان الثابت للمشتري) انتهى.

وقال آخر : (إلا أن يكون الفرض التمثيل للتصرف المسقط للخيار مطلقا ولو لم يكن في خيار الحيوان) انتهى ، وقال ثالث : (إن هذه الأمثلة مضروب عليها في نسخة الأصل كما عن بعض الحواشي) وهو الأصح.

(١) أي مقدار حاجة الاستخبار ، وفيه وجهان ، وجه السقوط أنه قد تصرف وإن كان للاستخبار فتشمله أدلة كون التصرف مسقطا للخيار ، ووجه عدم السقوط أن أدلة التصرف المسقط للخيار منصرفة إلى التصرف المالكي الذي يصدر منه بما هو مالك لا بما هو مستخبر.

(٢) المستفاد من الأخبار أن التصرف الكاشف عن الرضا بالعقد هو المسقط للخيار ، لا مطلق التصرف كركوب الدابة وحلبها ونحو ذلك ، ويؤيده بعض الأخبار وهو خبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيام ثم ردها ، فقال : إن كان في تلك الثلاثة أيام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شي‌ء) (١).

(٣) قال في الجواهر : (بالضرورة بين علماء المذهب) ، للأخبار.

منها : صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) (٢).

(٤) فلا يتقدر بمدة ، بل هو تابع لما اشترط في العقد خلافا للشافعي وأبي حنيفة فلم يجوزا اشتراط أزيد من ثلاثة أيام.

(٥) لا يحتمل النقصان ولا الزيادة ، لأن الأجل بغير المضبوط كقدوم الحاج غرر ، وهو منهي عنه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٥٨٤

متصلا بالعقد أم منفصلا (١) ، فلو كان منفصلا صار العقد جائزا بعد لزومه مع تأخره عن المجلس.

(ويجوز اشتراطه لأحدهما ولكل منهما ، ولأجنبي عنهما (٢) ، أو عن أحدهما) (٣) ولأجنبي مع أحدهما عنه (٤) ، وعن الآخر (٥) ، ومعهما (٦) ، واشتراط الأجنبي تحكيم لا توكيل (٧) عمن جعل عنه (٨) فلا اختيار له معه (٩).

(واشتراط المؤامرة) (١٠) وهي مفاعلة من الأمر بمعنى اشتراطهما أو أحدهما

______________________________________________________

(١) قال في الجواهر : (ولا يعتبر فيها الاتصال بالعقد كما هو صريح بعض وظاهر إطلاق آخرين ، للعموم ، خلافا لما عن بعض العامة فمنعه ، واحتمله الفاضل تفاديا من انقلاب اللازم جائزا ، وفيه : إنه جائز وواقع في خيار التأخير وغيره) انتهى.

(٢) بلا خلاف فيه للعموم ، والأجنبي هنا له حق استعمال الخيار عن كليهما.

(٣) والأجنبي هنا له حق استعمال الخيار عن أحدهما فقط.

(٤) بمعنى أن يكون الخيار للبائع مثلا وللأجنبي عن البائع ، فالأجنبي له حق استعمال الخيار عن نفس الذي ثبت له الخيار.

(٥) بمعنى أن يكون الخيار للبائع مثلا وللأجنبي عن المشتري.

(٦) بمعنى أن يكون الخيار للمتعاقدين وللأجنبي ، بحيث يستعمل حق الخيار عن كليهما ، من دون فرق بين أن يكون لكل متعاقد أجنبي أو عن كليهما أجنبي واحد.

(٧) بمعنى أن جعل الخيار للأجنبي لا يجوّز للمتعاقد أن يعزله ، وهذا هو المراد بلفظ التحكيم الوارد هنا ، للزوم الوفاء بالشرط من كلا المتعاقدين ، وقد ذهب أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه إلى أنه توكيل.

(٨) عن أحد المتعاقدين.

(٩) أي لا اختيار لأحد المتعاقدين مع الأجنبي ذي الخيار.

(١٠) وهي مفاعلة من الأمر ، بمعنى اشتراط البائع أو المشتري أو هما استئمار من سميّاه في العقد ، والرجوع إلى أمره ، وهو لا خلاف فيه بيننا ، لعموم الوفاء بالشرط.

نعم لا بدّ من تعيين مدة معلومة لهذا الشرط وإلا لكان مجهولا فلا يصح ، وعليه فالعقد من جهة المتعاقدين لازم كما هو واضح إذ الشرط ليس لهما ، والعقد متوقف على أمر الأجنبي المستأمر ، ولكن الأجنبي يأمر بالفسخ فيفسخ أحد المتعاقدين الذي هو مشروط عليه الاستئمار ، وليس للأجنبي الفسخ من تلقاء نفسه وكذلك أحد المتعاقدين.

نعم إذا أمر الأجنبي بالفسخ بعد طلب أحد المتعاقدين أمره فهل يجب على المشروط عليه ـ

٥٨٥

استئمار من سمّياه والرجوع إلى أمره مدة مضبوطة ، فيلزم العقد من جهتهما ويتوقف على أمره ، فإن أمر بالفسخ جاز للمشروط له استئماره الفسخ والظاهر أنه لا يتعين عليه ، لأن الشرط مجرد استئماره ، لا التزام قوله.

وإن أمره بالالتزام (١) لم يكن له الفسخ قطعا ، وإن كان الفسخ أصلح عملا بالشرط ، ولأنه لم يجعل لنفسه خيارا.

فالحاصل أن الفسخ يتوقف على أمره (٢) لأنه (٣) خلاف مقتضى العقد (٤) ، فيرجع إلى الشرط ، وأما الالتزام بالعقد فلا يتوقف (٥).

وظاهر معنى المؤامرة وكلام الأصحاب : أن المستأمر. بفتح الميم. ليس له الفسخ ولا الالتزام ، وإنما إليه الأمر والرأي خاصة فقول المصنف رحمه‌الله : (فإن قال المستأمر : فسخت أو أجزت فذاك ، وإن سكت فالأقرب اللزوم ، ولا يلزم المستأمر الاختيار) إن قرئ المستأمر بالفتح. مبنيا للمجهول. أشكل بما ذكرناه (٦).

______________________________________________________

ـ الفسخ؟ قال في الجواهر : (لا يتعين عليه امتثال أمره قطعا) وعلّل بأنه لا معنى لوجوب الفسخ عليه غايته يصير المشروط عليه مع أمر الأجنبي مالكا للفسخ.

(١) فلو أمر الأجنبي أحد المتعاقدين المشروط عليه الاستئمار أمره بالالتزام لم يجز للمشروط عليه الفسخ ، لأن حق الفسخ موقوف على أمر الأجنبي به ولم يحصل ، ومنه تعرف أن المشروط عليه لا يجوز له أن يفسخ لو سكت الأجنبي.

(٢) أي أمر الأجنبي.

(٣) أي الفسخ.

(٤) فلا بد من الرجوع إلى الشرط لو أراد الفسخ ، والشرط هو أن يأمر الأجنبي بالفسخ ، ولم يأمر به بل أمر بالالتزام.

(٥) لا على أمر الأجنبي ولا على غيره ، بل لو سكت الأجنبي فلا يجوز للمشروط عليه الفسخ كما عرفت.

(٦) اشكال الشارح هنا على عبارة المصنف التي تكرر فيها لفظ المستأمر ، فإن قرئ بالفتح ، فالمراد منه الأجنبي ، ومعنى العبارة حينئذ أن الأجنبي إذا فسخ أو أجاز فهو ، وإن سكت فالعقد لازم وللسكوت مجال إذ لا يجب عليه اختيار الفسخ أو العقد.

وهذا المعنى للعبارة معارض بما ثبت من المؤامرة عند الأصحاب من أن الأجنبي ليس له حق الفسخ ولا حق الإجازة ولا حق الاختيار. ـ

٥٨٦

...

______________________________________________________

ـ وإن قرئ بالكسر فالمراد منه أحد المتعاقدين المشروط له الخيار بأمر غيره ، ومعنى العبارة حينئذ أن المشروط له لو قال : فسخت بعد أمر الأجنبي بالفسخ ، أو قال : أجزت بعد أمر الأجنبي بالإجازة فهو ، ولو سكت المشروط له بعد أمر الأجنبي له سواء أمره بالفسخ أو الإجازة فيلزم العقد ، لأن السكوت ليس فيه دلالة على الفسخ لينفسخ العقد ، ولا دلالة على الامضاء ليلزم العقد ، ولا يجب على المشروط له الاختيار بمعنى أنه لا يجب عليه قبول قول الأجنبي كما تقدم سابقا.

وهذا المعنى للعبارة موافق لما ثبت من المؤامرة عند الأصحاب ، ولكن المعنى الأول أرجح بالنسبة لظاهر عبارة المصنف كما احتمله الشارح بدليلين :

الأول : قول المصنف : (ولا يلزم المستأمر الاختيار) وهو ظاهر في الأجنبي لأن الأجنبي لا يلزم باختيار الفسخ أو العقد ، وهو غير ظاهر في المشروط له لأنه يلزمه الاختيار بعد ما يأمر الأجنبي بالإجازة فلا يجوز له الفسخ.

الثاني : قوله : (وكذا كل من جعل له الخيار) ، وهو ظاهر في الأجنبي لأن له الاختيار بمعنى أن يختار الفسخ أو العقد ، وهذه الجملة معطوفة على جملتنا هذه ، وحكم المعطوف والمعطوف عليه واحد ، فلا بد أن يكون الموضوع فيهما واحدا ، وبما أن الموضوع في الثانية هو الأجنبي فلا بدّ من كون الموضوع في الأولى هو الأجنبي ، فيتعين قراءة الفتح ولهذين الدليلين إن قرئ المستأمر بالفتح فيلزم منه ما تقدم أن الأجنبي ليس له حق الفسخ ولا الإجازة ، بل له حق الأمر فقط.

هذا ما اشكله الشارح هنا على عبارة الماتن ، وفيه : أن المراد من العبارة هو المشروط له الخيار فلا بد من قراءة الكسر ولا تعارض حينئذ بين العبارة وبين معنى المؤامرة عند الأصحاب ، غايته يكون معناه أن المشروط له إن قال : فسخت بعد أمر الأجنبي له بالفسخ ، أو قال : أجزت ، بعد أمر الأجنبي له بالإجازة ، فهو ، وإن سكت بعد ما أمره الأجنبي سواء أمره بالفسخ أو العقد فالعقد على لزومه ولسكوته مجال إذ لا يجب على المشروط له اختيار قول الأجنبي إذ لا يجب عليه القبول كما تقدم.

هذا من جهة ومن جهة أخرى فالقرينة الأولى التي أتى بها الشارح ، تكون دليلا له إن فسرناها بأنه لا يلزم على المشروط له الاختيار أي اختيار العقد أو الفسخ ، وأما لو فسرناها بأنه لا يلزم على المشروط له اختيار قول الأجنبي فلا تكون دليلا كما هو واضح ، ثم لو سلمنا أن المراد بالاختيار اختيار العقد أو الفسخ فهو غير متوهم ثبوته للأجنبي حتى ينفى ، لأن الأجنبي ليس له إلا الأمر فقط ، فيتعين أن يكون النفي للاختيار متوجها للمشروط له. ـ

٥٨٧

وإن قرئ بالكسر. مبنيا للفاعل. بمعنى المشروط له المؤامرة لغيره ، فمعناه : إن قال : فسخت بعد أمره له بالفسخ ، أو أجزت بعد أمره له بالإجازة لزم ، وإن سكت ولم يلتزم ولم يفسخ سواء فعل ذلك بغير استئمار أم بعده ولم يفعل مقتضاه لزم لما بيناه من أنه لا يجب عليه امتثال الأمر ، وإنما يتوقف فسخه على موافقة الآمر.

وهذا الاحتمال أنسب بالحكم ، لكن دلالة ظاهر العبارة على الأول أرجح ، خصوصا بقرينة قوله : ولا يلزم الاختيار ، فإن اللزوم المنفي ليس إلا عمن جعل له المؤامرة ، وقوله : (وكذا كل من جعل له الخيار) فإن المجعول له هنا الخيار هو الأجنبي المستشار ، لا المشروط له إلا أن للمشروط له حظا من الخيار عند أمر الأجنبي [له] بالفسخ.

وكيف كان فالأقوى أن المستأمر بالفتح ليس له الفسخ ولا الإجازة ، وإنما إليه الأمر ، وحكم امتثاله ما فصلناه ، وعلى هذا (١) فالفرق بين اشتراط المؤامرة لأجنبي ، وجعل الخيار له واضح ، لأن الغرض من المؤامرة الانتهاء إلى أمره ، لا جعل الخيار له ، بخلاف من جعل له الخيار.

وعلى الأول (٢) يشكل الفرق بين المؤامرة ، وشرط الخيار.

والمراد بقوله : وكذا كل من جعل له الخيار ، أنه إن فسخ أو أجاز نفذ ، وإن سكت إلى أن انقضت مدة الخيار لزم البيع ، كما أن المستأمر هنا (٣) لو سكت عن الأمر ، أو المستأمر بالكسر لو سكت عن الاستئمار لزم العقد ، لأن الأصل فيه اللزوم إلا بأمر خارج وهو منتف.

______________________________________________________

ـ والقرينة الثانية وإن كانت معطوفة على الجملة الأولى ويلزم الاتحاد بينهما ، لكن يلزم الاتحاد بينهما في الحكم لا في الموضوع ، وعليه فلا بد من إبقاء موضوع الجملة الأولى هو المشروط له ، وموضوع الجملة الثانية هو كل من له الخيار.

(١) من كون الأجنبي ليس له حق الفسخ وله الإجازة وإنما إليه الأمر فقط فالفرق واضح بين المؤامرة وبين جعل الخيار للأجنبي.

(٢) أي على قراءة الفتح فلا يكون هناك فرق.

(٣) أي في قول المصنف : (وإن سكت فالأقرب اللزوم).

٥٨٨

(ويجب اشتراط مدة المؤامرة) بوجه منضبط (١) ، حذرا من الغرر خلافا للشيخ حيث جوّز الإطلاق.

(الرابع ـ خيار التأخير) (٢) أي تأخير إقباض الثمن والمثمن (عن ثلاثة) أيام

______________________________________________________

(١) قد تقدم أنه مع عدم التعيين يلزم الغرر هذا على المشهور ، وخالف الشيخ في المبسوط والخلاف والشافعي في أحد قوليه أنه مع إطلاق المدة يثبت على التأبيد مع انتفاء التحديد.

(٢) قال العلامة في التذكرة : (من باع شيئا ولم يسلمه إلى المشتري ولا قبض الثمن ولا شرط تأخيره ولو ساعة ، لزم البيع ثلاثة أيام ، فإن جاء المشتري بالثمن في هذه الثلاثة فهو أحق بالعين ، وإن مضت الثلاثة ولم يأت بالثمن تخيّر البائع بين فسخ العقد والصبر والمطالبة بالثمن عند علمائنا أجمع ، والجمهور أطبقوا على عدم ثبوته ، ودليلنا الاجماع) انتهى ، ولأن الصبر من قبل البائع مطلقا حتى يأتي المشتري بالثمن مظنة الضرر وهو منفي في الإسلام ، وللأخبار.

منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت له : الرجل يشتري من الرجل المتاع ثم يدعه عنده فيقول : حتى آتيك بثمنه ، قال : إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له) (١) ، وصحيح علي بن يقطين (سأل أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ، قال : فإن الأجل بينهما ثلاثة أيام ، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما) (٢).

وظاهر الأخبار أن العقد ينفسخ من تلقائه وهذا ما ذهب إليه الشيخ في المبسوط وصاحب الحدائق ، والمشهور على أن نفي البيع بينهما هو إثبات خيار الفسخ للبائع جمعا بين هذه الأخبار وبين عموم تسلط الناس على أموالهم ، إذ قد يرضى البائع بالصبر.

وشروط هذا الخيار ثلاثة :

الأول : عدم قبض الثمن وهو مما لا خلاف فيه وهو ظاهر النصوص.

الثاني : عدم قبض المبيع وعليه الإجماع إلا أن النصوص غير ظاهرة في ذلك لأن صحيح زرارة المتقدم ظاهر في كون المشتري قبضه وأودعه عند البائع فالعمدة الاجماع.

الثالث : الحلول وعدم شرط التأخير ليخرج بيع النقد والنسيئة وبيع السلف ، وشرطية الحلول مما لا خلاف فيها بل هي الظاهرة من النصوص أيضا.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٣.

٥٨٩

(فيمن باع ولا قبض) الثمن ، (ولا أقبض) المبيع ، (ولا شرط التأخير) أي تأخير الإقباض والقبض فللبائع الخيار بعد الثلاثة في الفسخ (وقبض البعض كلا قبض) (١) لصدق عدم قبض الثمن وإقباض المثمن (٢) مجتمعا ومنفردا (٣) ، ولو قبض الجميع (٤) أو أقبضه (٥) فلا خيار وإن عاد إليه بعده (٦).

وشرط القبض المانع كونه (٧) بإذن المالك فلا أثر لما يقع بدونه ، وكذا لو

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه لصدق عدم اقباض الثمن بتمامه ، ولخبر عبد الرحمن بن الحجاج (اشتريت محملا فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ، ثم احتبست أياما ، ثم جئت إلى بائع المحمل لآخذه ، فقال : قد بعته فضحكت ، ثم قلت : لا والله لا أدعك أو أقاضيك ، فقال لي : ترضى بأبي بكر بن عيّاش؟ قلت : نعم فأتيته فقصصنا عليه قصتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تريد أن اقضى بينكما ، بقول صاحبك أو غيره؟ قلت : بقول صاحبي ، قال : سمعته يقول : من اشترى شيئا فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيام وإلا فلا بيع له) (١).

(٢) أي وكذا قبض بعض المثمن كلا قبض ، وهو معطوف على (قبض الثمن).

(٣) أي أن قبض البعض في الثمن والمثمن كلا قبض سواء تحقق بعض القبض في كليهما أو أحدهما ، وعبارته هنا غير واضحة على مراده ، وأحسن منها عبارته في المسالك حيث قال : (وقبض بعض كل واحد منهما كلا قبض مجتمعا ومنفردا لصدق عدم قبض الثمن واقباض المثمن فيتناوله النص) انتهى.

(٤) في الثمن.

(٥) أي المثمن ، فلا خيار حينئذ لانتفاء شرط خيار التأخير.

(٦) أي وإن عاد المثمن إلى البائع بعد الإقباض بنحو الوديعة فلا خيار له لعدم تحقق شرط خيار التأخير.

(٧) أي أن القبض إن تحقق يمنع ثبوت الخيار ولكن هل قبض الثمن مشروط بإذن المشتري بحيث لو استلمه البائع بدونه فيكون كلا قبض لأنه تصرف غير مأذون ، وهذا ما ذهب إليه جماعة لظهور الأخبار في كون القبض مشروطا بإذن صاحبه ، أو أنه غير مشروط وإن كان قبض المثمن مشروطا بإذن البائع لأن الوارد في الأخبار إقباض المثمن وقبض الثمن ، وهما ظاهران فيما قلنا ، وهذا هو المستفاد من صحيح علي بن يقطين المتقدم (سأل ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار حديث ٢.

٥٩٠

ظهر الثمن مستحقا أو بعضه (١) ، ولا يسقط بمطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة (٢) وإن كان قرينة الرضا بالعقد.

ولو بذل المشتري الثمن بعدها (٣) قبل الفسخ ففي سقوط الخيار وجهان (٤): ومنشأهما الاستصحاب ، وزوال الضرر.

(وتلفه) أي المبيع (من البائع مطلقا) في الثلاثة وبعدها (٥) ، لأنه غير

______________________________________________________

ـ أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يبيع البيع ولا يقبضه صاحبه ولا يقبض الثمن ...) (١).

وفيه : أن الاقباض والقبض واردان في كلام السائل لا في كلام الإمام عليه‌السلام.

(١) فبعد ظهور أن جميع الثمن أو بعضه ليس من مال المشتري يصدق أنه لم يقبضه تمام الثمن فيتحقق شرط الخيار.

(٢) هل مطالبة البائع بالثمن بعد الثلاثة مسقطة للخيار لأن المطالبة دالة على الالتزام بالعقد وهذا ما عليه الشيخ والديلمي والحلي ، أو أن المطالبة لا تدل على الالتزام لأعمية المطالبة منه ، إذ قد يطالب وهو ناو على الفسخ مع رضاه بأصل العقد بحيث هو راض بأصل العقد وليس براض باستمراريته ، ولا أقل من الشك في سقوط الخيار بالمطالبة فيستصحب ، ولإطلاق الأدلة ، وهذا ما ذهب إليه جماعة منهم الشارح.

(٣) بعد الثلاثة.

(٤) وجه السقوط لانتفاء الضرر عن البائع حينئذ ببذل المشتري للثمن ، ذهب إليه العلامة في التذكرة ، ووجه عدم السقوط أن هذا دليل اعتباري لا يصلح لتأسيس حكم بعد كون خيار التأخير ثابتا بالأخبار فإذا شككنا بسقوطه بعد البذل فيجري الاستصحاب لإبقائه.

(٥) بلا خلاف فيه بعد الثلاثة لقاعدة (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بايعه) ، وهذه القاعدة مضمون النبوي (كل مبيع تلف قبل قبضه فهو مال بائعه) (٢) ، وهي متصيدة من الأخبار أيضا.

منها : خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل اشترى متاعا من رجل وأوجبه غير أنه ترك المتاع عنده ولم يقبضه ، قال : آتيك غدا إن شاء الله ، فسرق المتاع من مال من يكون؟ قال : من مال صاحب المتاع الذي هو في بيته حتى يقبض المتاع ويخرجه من بيته ، فإذا أخرجه من بيته فالمبتاع ضامن لحقه حتى يردّ ماله إليه) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٥٩١

مقبوض ، وكل مبيع تلف قبل قبضه فهو من مال بائعه ، ونبّه بالإطلاق على خلاف بعض الأصحاب حيث زعم أن تلفه في الثلاثة من المشتري ، لانتقال المبيع إليه ، وكون التأخير لمصلحته وهو غير مسموع في مقابلة القاعدة الكلية الثابتة بالنص والإجماع.

(الخامس ـ خيار ما يفسد ليومه (١) ، وهو ثابت بعد دخول الليل) (٢) هذا هو

______________________________________________________

ـ وأما في الثلاثة فكذلك على المشهور للقاعدة المتقدمة ، وعن المفيد والمرتضى وابن زهرة وسلّار أنه من مال المشتري ، لأن المبيع ملك للمشتري ولا تقصير من قبل البائع فيكون التلف على المشتري بل كما أن له النماء فعليه الضمان ، والأقوى ما عليه المشهور.

(١) لو اشترى شيئا ما يفسد من يومه ، وتركه عند البائع حتى يأتيه بالثمن ، فإن جاء بالثمن فهو وإلا يثبت خيار للبائع الفسخ ، ومستند هذا الخيار مرسل محمد بن أبي حمزة عن أبي عبد الله عليه‌السلام أو عن أبي الحسن عليه‌السلام (في الرجل يشتري الشي‌ء الذي يفسد من يومه ويتركه حتى يأتيه بالثمن ، قال : إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلا فلا بيع له) (١) ، وارساله منجبر بعمل الأصحاب ، وبخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا ضرر ولا ضرار) (٢) ، نعم ظاهر الخبر انفساخ العقد من تلقائه لنفيه بلام الجنس ، والكلام فيه كالكلام في أخبار خيار التأخير.

(٢) أي أن الخيار ثابت بعد دخول الليل وهو الظاهر من الخبر ، وعبارات القدماء بالتعبير عن هذا رديئة ، قال الشيخ في النهاية (وإذا باع الإنسان ما لا يصح عليه البقاء من الخضر وغيرها ، ولم يقبض المبتاع ولا قبض الثمن ، كان الخيار فيه يوما فإن جاء المبتاع بالثمن في ذلك اليوم وإلا فلا بيع له) انتهى.

وهو ظاهر في ثبوت الخيار في بياض النهار مع أنه على خلاف ظاهر الخبر ، إلا أن الأمر سهل بعد وضوح المراد أن الخيار يثبت عند أول الليل ، ولذا عدل المحقق في الشرائع فقال (وإن اشترى ما يفسد من يومه فإن جاء بالثمن قبل الليل وإلا فلا بيع له) ، وأحسن منها عبارة الشهيد في الدروس حيث قال : (خيار ما يفسده المبيت وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار) انتهى. هذا وهناك إشكال على عبارة القدماء وعبارة الشرائع وحاصله أن الخيار لا يثبت إلا بعد تحقق الفساد في المبيع نهارا كما هو الظاهر من عباراتهم مع أن ثبوت الخيار إنما يكون لدفع الضرر والفساد ، ولا معنى لثبوت الخيار في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

٥٩٢

الموافق لمدلول الرواية. ولكن يشكل بأن الخيار لدفع الضرر وإذا توقف ثبوته (١) على دخول الليل مع كون الفساد يحصل في يومه (٢) لا يندفع الضرر ، وإنما يندفع بالفسخ قبل الفساد. وفرضه المصنف في الدروس خيار ما يفسده المبيت وهو حسن ، وإن كان فيه خروج عن النص (٣) ، لتلافيه (٤) بخبر الضرار ، واستقرب تعديته (٥) إلى كل ما يتسارع إليه الفساد عند خوفه ولا يتقيد بالليل.

واكتفى في الفساد بنقص الوصف وفوات الرغبة كما في الخضراوات واللحم والعنب وكثير من الفواكه ، واستشكل فيما لو استلزم التأخير فوات

______________________________________________________

ـ مبيع قد فسد ، ومن هنا تعرف أن أجود عبارة هي عبارة الشهيد في الدروس حيث جعل الفساد ناشئا من بيته عنده ليلا ولذا حكم بثبوت الخيار قبل تحقق الفساد وعند أول الليل.

(١) أي ثبوت الخيار.

(٢) أي في بياض النهار.

(٣) يكون خروجا عن النص إن حملنا لفظ (اليوم) الوارد في الخبر على بياض النهار فقط ، وأما لو حملناه على اليوم والليلة فلا ، ولا بدّ من حمله على ذلك لئلا يثبت الخيار بعد تحقق الفساد في المبيع ، وهذا ما احتمله سيد الرياض وغيره.

(٤) أي تلافي فساد المبيت ، وهو تعليل لحسن ما قاله في الدروس ، وقد عرفت أن الخبر يصلح مستندا لما قاله في الدروس فلا داعي لتركه والتمسك بخبر الضرار.

(٥) أي الشهيد في الدروس حيث قال : (خامسها : خيار ما يفسده المبيت وهو ثابت للبائع عند انقضاء النهار ، ويتفرع عليه كثير مما سلف ، والأقرب اطراد الحكم في كل ما يسارع إليه الفساد عند خوف ذلك ولا يتقيد بالليل ، ويكفي في الفساد نقص الوصف وقلة الرغبة كما في الخضراوات والرطب واللحم والعنب وكثير من الفواكه ، وهل ينزّل خوف فوات السوق منزلة الفساد ، فيه نظر ، من لزوم الضرر بنقص السعر ، ومن اقتضاء العقد اللزوم والتفريط من البائع حيث لم يشترط النقد) وما قاله الشهيد عند خوف التلف والفساد في محله ولا لخبر الضرار ، وعند خوف نقص الوصف أو فوات الرغبة فقد ذهب إلى ذلك الشارح في المسالك والمحقق الثاني وغيرهما لخبر الضرار أيضا ، ويحتمل العدم اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ، هذا واعلم أن فوات السوق هو الخوف من نقص الثمن وإن بقيت الرغبة فيه ، وأن فوات الرغبة يتحقق عند انعدام أو قلة راغبيه وإن بقي ثمنه على حاله وبهذا بان الفارق بين فوات السوق وفوات الرغبة.

٥٩٣

السوق ، فعلى هذا (١) لو كان مما يفسد في يومين تأخّر الخيار عن الليل إلى حين خوفه. وهذا كله متجه ، وإن خرج عن مدلول النص الدال على هذا الحكم ، لقصوره عن إفادة الحكم متنا (٢) وسندا (٣) ، وخبر الضرار المتفق عليه يفيده في الجميع.

(السادس ـ خيار الرؤية (٤) وهو ثابت لمن لم ير) إذا باع أو اشترى بالوصف.

ولو اشترى برؤية قديمة (٥) فكذلك يتخير لو ظهر بخلاف ما رآه ، وكذا من

______________________________________________________

(١) أي بناء على التعدية التي استقر بها المصنف فلو كان مما يفسد في يومين فيتأخر الخيار عن الليل إلى خوف تحقق الفساد ، ولا يضر خروجه عن مورد النص لأن الدليل هو خبر الضرار لا نفس المرسل السابق ، واحتمل العلامة في التذكرة أن الخيار هنا يثبت من الليل وإن كان خوف تحقق الفساد بعد يومين ، وهو ضعيف كما في المسالك وغيره.

(٢) لأنه دال على ثبوت الخيار بعد تحقق الفساد وهذا لا معنى له ، واعلم أن هذا يتم لو حملنا لفظ اليوم الوارد في الخبر على بياض النهار ، وقد عرفت ما فيه.

(٣) لأنه مرسل ، وفيه : أنه منجبر بعمل الأصحاب ولذا قال في المسالك : (مع أن السند مرسل لكنه لا رادّ له).

(٤) وهو خيار ثابت في بيع الأعيان الشخصية من غير مشاهدة ، إلا أنها موصوفة بوصف رافع للضرر ، ويدل على ثبوته بالإضافة إلى خبر (لا ضرر ولا ضرار) (١) المتقدم خصوص صحيح جميل بن دراج (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى ضيعة وقد كان يدخلها ويخرج منها ، فلما أن نقد المال صار إلى الضيعة فقلّبها ثم رجع فاستقال صاحبه فلم يقله ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : إنه لو قلّب منها ونظر إلى تسعة وتسعين قطعة ثم بقي منها قطعة ولم يرها لكان له في ذلك خيار الرؤية) (٢).

ووجه الاستدلال أن المشتري اعتقد أن ما لم يره مثل ما رآه فوقعت المعاملة صحيحة ، وبعد المعاملة تبين أن ما لم يره لم يكن موافقا لبقية أجزاء الضيعة فندم من المعاملة ، أو أنه رأى أكثرها وقد وصف له الباقي ثم تبين أن الموصوف لم يكن حائزا على الوصف.

(٥) أي سابقة على العقد ثم ظهر المبيع على خلاف الرؤية القديمة ، وكذا الثمن بالنسبة للبائع ، وهذا الفرد من الخيار لا يدخل في كلام المصنف ، لأن كلامه مخصوص في العين التي لم تر ، والمرئي قديما خارج عن ذلك كما هو واضح.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٥٩٤

طرف البائع إلا أنه ليس من أفراد هذا القسم بقرينة قوله : ولا بد فيه من ذكر الجنس : إلى آخره (١) ، فإنه مقصور على ما لم ير [أصلا] ، إذ لا يشترط وصف ما سبقت رؤيته.

وإنما يثبت الخيار فيما لم ير (إذا زاد في طرف البائع ، أو نقص في طرف المشتري (٢) ولو وصف لهما فزاد ونقص باعتبارين تخيرا (٣) ، وقدّم الفاسخ منهما (٤).

وهل هو على الفور (٥) أو التراخي وجهان : أجودهما الأول وهو خيرته في الدروس.

(ولا بد فيه) (٦) أي في بيع ما يترتب عليه خيار الرؤية وهو العين الشخصية

______________________________________________________

(١) وبقرينة قوله السابق (لمن لم ير).

(٢) إذا اشترى رجل عينا خارجية موصوفة لرفع الغرر ، فإن خرجت العين مطابقة للأوصاف لزم البيع لعموم الوفاء بالعقود ، وإن خرجت ناقصة عن بعض الأوصاف فيثبت خيار الرؤية للمشتري كما هو واضح ، وهذا معنى قوله : (أو نقص في طرف المشتري).

وإذا كان البائع قد رأى العين قديما فوصفها للمشتري على أساس الرؤية القديمة ، ثم بعد المعاملة خرجت زائدة بعض الأوصاف فيثبت خيار للبائع لحديث (لا ضرر) المتقدم.

(٣) بحيث كانت العين تحت يد وكيل البائع ، والبائع والمشتري كل منهما لم ير العين فوصفها الوكيل لكليهما ، فباعها البائع على أساس ذلك الوصف للمشتري كذلك ، ثم خرجت زائدة وناقصة من جهتين ، كما لو وصف الوكيل الثوب بأن طوله عشرون ذراعا وعرضه ذراع فظهر أنه خمسة عشر ذراعا بالطول ، وأنه نصف ذراع بالعرض ، فيثبت لهما الخيار ، وعن الحدائق أنه موضع وفاق ، لحديث (لا ضرر) المتقدم.

(٤) فإذا كان الخيار لهما وقد أجاز أحدهما وفسخ الآخر ، قدّم الفاسخ وإن تأخر عن الاجازة كما تقدم في خيار المجلس.

(٥) على المشهور ، لأن الفسخ على خلاف مقتضى العقد فيقتصر فيه على مورد اليقين وهو الفورية ، بل ظاهر التذكرة عدم الخلاف بين المسلمين إلا من أحمد ، وذهب بعضهم منهم صاحب الجواهر إلى أنه على التراخي ، لإطلاق صحيح جميل المتقدم (١).

(٦) قد عرفت أن الخيار هنا مخصوص بالعين الشخصية التي لم يرها المشتري ، مع أنه لا يجوز ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٥٩٥

الغائبة (من ذكر الجنس ، والوصف) الرافعين للجهالة ، (والإشارة إلى معيّن (١) فلو انتفى الوصف بطل (٢) ، ولو انتفت الإشارة كان المبيع كليا لا يوجب الخيار لو لم يطابق المدفوع ، بل عليه إبداله ، (ولو رأى البعض ووصف الباقي تخير في الجميع (٣) مع عدم المطابقة) وليس له الاقتصار على فسخ ما لم ير ، لأنه مبيع واحد.

(السابع ـ خيار الغبن) (٤) بسكون الباء وأصله الخديعة ، والمراد هنا البيع ، أو

______________________________________________________

ـ للمشتري الإقدام على شراء شي‌ء مجهول لأنه بيع الغرر ، فلا بد من سبب يرفع جهالته ، وإذا عدمت الرؤية فلم يبق إلا وصف البائع لها ، ولا بد من ذكر نوع العين ومن أي صنف ، ويعبر عن النوع بالجنس وعن الصنف بالصفة عند الفقهاء ، ولذا قال الشارح في المسالك : (إن الجنس المصطلح عليه عند الفقهاء ليس هو الجنس المنطقي بل اللفظ الدال على الحقيقة النوعية ، وبالوصف اللفظ الدال على أصناف ذلك النوع ، ولا مشاحة في الاصطلاح) انتهى ، ومن الواضح أن ذكر نوعها وصنفها كاف في رفع الجهالة كما هو واضح.

(١) قيد في ثبوت خيار الرؤية لأنه إذا لم يشر إلى معيّن كان الموصوف كليا في الذمة ، وعليه فإن خرجت العين وقت التسليم مطابقة للوصف فهو ، وإلا أرجعها المشتري وطالب بما ثبت له في ذمة البائع ، ولا يثبت له هنا خيار.

(٢) أي البيع ، والمراد بالوصف ما هو الأعم من الوصف والجنس لعدم الفرق بينهما هنا.

(٣) في جميع المبيع بالفسخ أو الامضاء ، وليس له فسخ البيع في البعض الناقص فقط دون غيره لتبعض الصفقة على البائع حينئذ وهو ضرر منفي بحديث (لا ضرر) المتقدم.

(٤) قال في الجواهر : (بلا خلاف بين من تعرض له عدا ما يحكي عن المصنف من انكاره في حلقة درسه ، والموجود في كتابه خلاف هذه الحكاية ، واستظهره في الدروس من كلام الاسكافي ، لأن البيع مبني على المغالبة ، ولا ريب في ضعفه) انتهى.

هذا واستدل على المشهور بقوله تعالى : (إلا أن نكون تجارة عن تراض) (١) ومن المعلوم أن المغبون لو عرف الحال لا يرضى ، ولحديث (لا ضرر ولا ضرار) (٢) ، ولخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (غبن المسترسل سحت) (٣) ، وخبر ميسّر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (غبن المؤمن حرام) (٤) ، وخبر أحمد بن محمد بن يحيى عن أبي عبد ـ

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٢.

٥٩٦

الشراء بغير القيمة (١) (وهو ثابت) في المشهور لكل من البائع والمشتري (مع الجهالة) (٢) بالقيمة (إذا كان الغبن) وهو الشراء بزيادة عن القيمة ، أو البيع بنقصان عنها (بما لا يتغابن) أي يتسامح (به غالبا) والمرجع فيه إلى العادة ، لعدم تقديره شرعا ، وتعتبر القيمة وقت العقد ويرجع فيها إلى البينة عند الاختلاف (٣) ، وفي الجهالة إليها (٤) للمطّلع على حاله. والأقوى قبول قوله فيها بيمينه مع إمكانها (٥)

______________________________________________________

ـ الله عليه‌السلام (ولا تغبن المسترسل فإن غيبته لا يحلّ) (١).

(١) أي بغير قيمته الواقعية ، لا أنه بلا قيمة أبدا لأنه حينئذ ليس بيعا.

(٢) لهذا الخيار شرطان :

الأول : جهل المغبون القيمة وقت العقد ، وهو بلا خلاف فيه ، لأنه الظاهر من الأخبار المتقدمة ، وأما لو كان عالما بالغبن وأقدم على المعاملة فلا يكون مخدوعا ولا مغبونا ، ويجوز له الاقدام لتسلط الناس على أموالهم.

أن يكون في البيع زيادة أو نقيصة مما لا يتسامح بها عادة عند العرف حتى يصدق معنى الغبن ، وإلا فلو كانت الزيادة أو النقيصة مما يتسامح بها عرفا وكان وجودها كالعدم بنظر العرف فلا يعدّ مخدوعا ولا مغبونا ، ولذا قال في المسالك : (فلو تبين التفاوت اليسير الذي يتسامح به في العادة كالدرهم في المائة بل الخمسة دراهم فيها فلا غبن ، وبالجملة فلا تقدير لذلك شرعا ، وما هذا شأنه يرجع فيه إلى العادة) انتهى.

(٣) أي يرجع في تحديد القيمة وقت العقد إلى البينة لو اختلفا ، إذا لم يعترف الغابن بما يقوله المغبون ، وإلا فيؤخذ بإقراره.

(٤) إلى القيمة وقت العقد ، بحيث يقول المغبون : كنت جاهلا بالقيمة وقت العقد ، والغابن يقول : كنت عالما ، فإذن الخلاف في الشرط الأول ولقد أجاد الشارح في المسالك حيث قال : (وأما الأول ـ أي الشرط الأول ـ فإن أمكن إقامة البينة عليه فواضح ، ولكن هل يقبل قول مدعيه في الجهالة حيث يمكن في حقه ، الظاهر ذلك لأصالة عدم العلم ، ولأن العلم والجهل من الأمور التي تخفى غالبا فلا يطلع عليها إلا من قبل من هي به ، ويحتمل عدم قبول قوله لأصالة لزوم العقد ، ووجوب الوفاء به فيستصحب إلى أن يثبت المزيل ، ويشكل بأنه ربما تعذر إقامة البينة ولم يمكن معرفة الخصم بالحال ، فلا يمكن الحلف على عدمه فتسقط الدعوى بغير بينة ولا يمين ، نعم لو علم ممارسته لذلك النوع في ذلك الزمان والمكان بحيث لا يخفى عليه قيمته لم يلتفت إلى قوله (انتهى.

(٥) أي إمكان الجهالة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب آداب التجارة حديث ٧.

٥٩٧

في حقه ، ولا يسقط الخيار ببذل الغابن التفاوت وإن انتفى موجبه (١) ، استصحابا لما ثبت قبله. نعم لو اتفقا على إسقاطه بالعوض صح كغيره من الخيار.

(و) كذا (لا يسقط بالتصرف) (٢) سواء كان المتصرف الغابن أم المغبون ، وسواء خرج به عن الملك كالبيع أم منع مانع من رده كالاستيلاد ، أم لا (إلا أن يكون المغبون المشتري ، وقد أخرجه عن ملكه) (٣) فيسقط خياره ، إذ لا يمكنه ردّ العين المنتقلة إليه ليأخذ الثمن ، ومثله ما لو عرض له ما يمنع من الرد شرعا كالاستيلاد وإن لم يخرج عن الملك هذا هو المشهور وعليه عمل المصنف رحمه‌الله في غير الكتاب.

(وفيه نظر للضرر) على المشتري مع تصرفه فيه على وجه يمنع من رده لو قلنا بسقوط خياره به (مع الجهل) بالغبن ، أو بالخيار والضرر منفي بالخبر ، بل هو مستند خيار الغبن ، إذ لا نص فيه بخصوصه (وحينئذ فيمكن الفسخ) مع تصرفه كذلك (وإلزامه بالقيمة) إن كان قيميا ، (أو المثل) إن كان مثليا جمعا بين الحقين

______________________________________________________

(١) لم يستشكل في هذا الحكم ـ على ما قيل ـ إلا الفاضل من أنه إذا بذل الغابن التفاوت فقد زال الضرر فيجب أن يزول الخيار ، ويرده أن الخيار قد ثبت فلا يزول إلا بدليل ، ومع الشك يجري استصحابه.

(٢) والمراد بالتصرف هو السابق على ظهور الغبن ، وهو الواقع من صاحب ذي الخيار وحينئذ فتصرفه لا يكون فيه دلالة على اسقاط الخيار ، نعم لو كان التصرف بعد ظهور الغبن فيكون مسقطا للخيار لأنه يدل على الرضا بالعقد.

ثم إن تصرف الغابن سواء كان قبل ظهور الغبن أو بعده لا يسقط الخيار ، لأن تصرفه لا يدل على رضا صاحبه ـ الذي هو المغبون ـ بالعقد.

(٣) استثناء مما تقدم فلو تصرف المشتري المغبون بالمبيع تصرفا يمنعه من رده كبيعه أو كالاستيلاد ، فإنه تصرف مسقط لخياره وإن كان قبل ظهور الغبن لتعذر إرجاع المبيع الموجب لإسقاط حقه في الخيار ، وعن جماعة ـ كما في الرياض ـ التنظر في هذا الاستثناء إذ لو سقط حقه في الخيار عند تعذر إرجاع المبيع للزم الضرر المنفي ، بل الضرر هو المثبت لخيار الغبن فكيف يسقط الخيار والضرر ما زال باقيا. نعم لو كان البائع الغابن هو الذي تصرف بالثمن تصرفا يمنعه من رده كبيعه أو الاستيلاد فلا يسقط خيار المغبون للاستصحاب ، فلو فسخ المغبون يرجع البائع إلى المثل أو القيمة في الثمن.

٥٩٨

(وكذا لو تلفت العين (١) ، أو استولد الأمة) ، كما يثبت ذلك (٢) لو كان المتصرف المشتريّ ، والمغبون البائع ، فإنه (٣) إذا فسخ ولم يجد العين (٤) يرجع إلى المثل أو القيمة ، وهذا الاحتمال (٥) متوجه لكن لم أقف على قائل به ، نعم لو عاد إلى ملكه بفسخ (٦) ، أو إقالة ، أو غيرهما ، أو موت الولد جاز له الفسخ إن لم يناف الفورية.

واعلم أن التصرف (٧) مع ثبوت الغبن إما أن يكون في المبيع المغبون فيه ،

______________________________________________________

(١) فالمشتري المغبون لا يسقط خياره لو تلفت عين المبيع ، بل يبقى له حق الخيار وإن فسخ رجع إلى المثلي أو القيمة كما لو خرج عن ملكه بالبيع ، وكذا لو استولد الأمة فقد عرفت أنه تصرف مانع من ردها شرعا.

(٢) أي يثبت الخيار للمغبون لو تصرف الغابن تصرفا ناقلا أو مانعا من الرد.

(٣) أي البائع.

(٤) العين هنا هي المبيع عند المشتري الغابن.

(٥) وهو الوارد في المتن تحت قوله (وفيه نظر للضرر) ، وقد عرفت أنه منسوب لجماعة كما في الرياض على ما تقدم.

(٦) أي إذا أخرج المشتري المغبون المبيع عن ملكه بالبيع ثم فسخ فيجوز استعمال حقه في الخيار لزوال المانع ، وكذا لو مات الولد فيجوز إخراج الأمة شرعا عن ملكه حينئذ ، ثم هذا كله إن لم يناف الفورية ، وقد وقع الخلاف في كونه على الفورية للأصل لأن الفسخ على خلاف مقتضى العقد فيقتصر فيه على مورد اليقين وهو الفور قضاء لحق لا ضرر ، وهذا ما ذهب إليه ثاني المحققين والشهيدين ، أو أنه على التراخي للاستصحاب وهذا ما استظهره صاحب الجواهر.

(٧) قال في المسالك : (وتحرير أقسام المسألة أن التصرف إما أن يكون في المبيع خاصة أو في الثمن خاصة أو فيهما ، وعلى التقادير الثلاثة فالمغبون إما البائع أو المشتري أو هما ، وعلى التقادير التسعة فالتصرف إما أن يخرج عن الملك أو ما بحكمه وهو المانع من الرد أو لا ، ثم المخرج وما في حكمه إما أن يزول بحيث يعود الملك إلى الناقل بغير مانع أو يستمر ، ثم التصرف المانع من الرد إما أن يرد على العين أو المنفعة كالإجارة ، وزوال المانع من الرد إما أن يكون قبل العلم بالغبن أو بعده ، فأقسام المسألة خمسة وأربعون قسما) انتهى ، ومن الواضح أن ضرب التقادير التسعة الأول بالتقادير الأربعة للتصرف فتكون ستة وثلاثين قسما ثم أضاف تسعة أقسام ناشئة من أحد التقادير وهو التصرف المانع من الرد ، وهذه الأقسام التسعة ما قبل العلم بالغبن وما بعده ، مع كون التصرف واردا على ـ

٥٩٩

أو في ثمنه ، أو فيهما ، ثم إما أن يخرج عن الملك ، أو يمنع من الرد كالاستيلاد ، أو يرد على المنفعة خاصة كالإجارة ، أو يوجب تغيّر العين بالزيادة العينية كغرس الأرض ، أو الحكمية كقصارة الثوب ، أو المشوبة كصبغه ، أو النقصان بعيب ونحوه ، أو بامتزاجها بمثلها بما يوجب الشركة بالمساوي ، أو الأجود ، أو الأردإ أو بغيرها (١) ، أو بهما على وجه الاضمحلال كالزيت يعمل صابونا ، أو لا يوجب شيئا من ذلك.

ثم إما أن يزول المانع من الرد قبل الحكم ببطلان الخيار (٢) ، أو بعده ، أو لا

______________________________________________________

ـ العين أو المنفعة ولم يستقص جميع التقادير.

غير أنه في الروضة فصّل بنحو أعمق فجعل التصرف إما أن يكون في المبيع أو في الثمن أو في كليهما ، وعلى التقادير الثلاثة فالتصرف إما ناقل عن الملك أو لا ، وعلى الثاني إما أن يرد على العين وإما على المنفعة ، وإذا ورد على العين فتارة يمنع من الرد شرعا كالاستيلاد وأخرى يوجب زيادة العين زيادة عينية كغرس الأرض أو حكيمة كغسل الثوب أو مشوبة بالعينية والحكمية كصبغه ، وثالثة يوجب نقصانا بعيب كقطع عضو الحيوان أو بنحو العيب كترك علف الحيوان السمين حتى صار مهزولا ، ورابعة يوجب امتزاجا ، وهذا الامتزاج إما امتزاج بجنس العين أو بغيره أو بكليهما ، والامتزاج بجنس العين تارة يكون بالمساوي وأخرى بالأردإ وثالثة بالأجود ، والامتزاج بغيره كخلط الحنطة بالشعير ، والامتزاج بهما فهو على نحو الاضمحلال كمزج الزيت بالزيت وبشي‌ء آخر ليعمل منه صابونا.

وإذا ورد التصرف على المنفعة فتارة على نحو اللزوم كالإجارة وأخرى لا يوجب شيئا كركوب الدابة ولبس الثوب مثلا ، والحاصل أن أقسام التصرف ثلاثة عشر ، لأن الأخير وهو ما لا يوجب شيئا وجوده كالعدم ، فإذا ضربت هذه الأقسام بالثلاثة أعني المبيع والثمن وكلاهما فالحاصل تسعة وثلاثين ، هذا وأعلم أن تقسيم التصرف غير حاصر لأنه يمكن تقسيم التصرف الوارد على المنفعة تارة بعقد لازم وأخرى بجائز ، وتقسيم الامتزاج تارة مع التمييز وأخرى مع عدمه وثالثه مع الاضمحلال وهكذا.

ثم إن مطلق التصرف الذي هو مانع إما أن يزول قبل الحكم ببطلان الخيار أو بعده أو لا يزول فترتقى الأقسام إلى مائة وسبعة عشر قسما ، وعلى الجميع فالمغبون إما البائع أو المشتري أو هما معا فالأقسام واحد وخمسون وثلاثمائة.

(١) أي غير العين.

(٢) المراد من بطلان الخيار هو بطلانه الموجب لأخذ العين ، وذلك عند الحكم بالعوض.

٦٠٠