الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

المشتري إذا علم بين رده ، وأخذه بالثمن ، كما لو ظهر كذبه في الإخبار.(نعم لو اشتراه) من ولده ، أو غلامه (ابتداء من غير سابقة بيع عليهما) ، ولا مواطأة على الزيادة ، وإن لم يكن سبق منه بيع (جاز) ، لانتفاء المانع حينئذ إذ لا مانع من معاملة من ذكر ، (و) كذا (لا) يجوز (الإخبار بما قوّم عليه التاجر) (١) على أن يكون له الزائد من غير أن يعقد معه البيع ، لأنه كاذب في إخباره ، إذ مجرد التقويم لا يوجبه ، (والثمن) على تقدير بيعه كذلك (٢) (له) أي للتاجر ، (وللدلال الأجرة) (٣) ،

______________________________________________________

ـ ولا فرق بين أن يشترط الرجل على ابنه أو خادمه الحر أو الأجنبي ، نعم لو اشترى الرجل منهم سلعة بزيادة عما باعها لهم من غير تواطؤ بينهم ، أو اشترى سلعة منهم ابتداء ثم أخبر بالثمن الذي دفعه إليهم جاز البيع مرابحة لعدم الخيانة قطعا.

(١) لو قال التاجر للدلال : هذا المتاع بألف ، ولو بعته بأزيد منه فالزائد لك ، فلا يجوز للدلال بيع المتاع مرابحة وأن يقول : هذا تقوّم عليّ أو اشتريته بألف وأريد ربع كذا ، بلا خلاف فيه ، لأن التاجر لم يواجب الدلال البيع ، فلا شراء بالنسبة للدلال ، والمتاع الذي تحت يده إنما هو لغيره ، فلا معنى لقول الدلال : اشتريته أو تقوم عليّ بألف ، بل يكون كاذبا ، وللأخبار.

منها : خبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يحمل المتاع لأهل السوق ـ أي الدلال ـ وقد قوّموا عليه قيمة ، فيقولون : بع فما ازددت فلك ، قال عليه‌السلام : لا بأس بذلك ولكن لا يبيعهم مرابحة) (١).

(٢) أي بزيادة.

(٣) أي أجرة المثل عما فعله من البيع ليس إلا لأنه عمل محترم أقدم عليه لا بداعي التبرع ، ولا يملك الدلال الزائد ، لأن الثمن بتمامه في قبال المثمن الذي هو ملك التاجر فإذا تم البيع انتقل الثمن بتمامه إلى التاجر ، ولا يجب على التاجر إعطائه الزائد لأن الزائد مجهول فلا تصح جعالة ولا إجارة فيتعين أن له أجرة المثل سواء كان باستدعاء التاجر للدلال أو أن الدلال ابتدأه ، وعن الشيخ المفيد والطوسي في المقنعة والنهاية أنه إذا كان باستدعاء التاجر فالدلال يملك الزائد دون صورة ابتداء الدلال لأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل قال لرجل : بع لي ثوبا بعشرة ، فما فضل فهو لك ، قال : ليس به بأس) (٢) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

٥٦١

لأنه عمل عملا له أجرة عادة فإذا فات المشترط رجع إلى الأجرة ، ولا فرق في ذلك بين ابتداء التاجر له به ، واستدعاء الدلال ذلك منه ، خلافا للشيخين رحمهما‌الله حيث حكما بملك الدلال الزائد في الأول (١) استنادا إلى أخبار صحيحة يمكن حملها على الجعالة ، بناء على أنه لا يقدح فيها (٢) هذا النوع من الجهالة.

(وثالثها ـ المواضعة) (٣)

([وهي] كالمرابحة في الأحكام) ، من الإخبار على الوجوه المذكورة (إلا أنها بنقيصة معلومة) فتقول : بعتك بما اشتريته ، أو تقوّم عليّ ووضيعة كذا ، أو حطّ كذا. فلو كان قد اشتراه بمائة فقال : بعتك بمائة ووضيعة درهم من كل عشرة فالثمن تسعون (٤) ، أو لكل عشرة (٥) ، زاد عشرة أجزاء من أحد عشر جزء من

______________________________________________________

ـ (سألته عن الرجل يعطى المتاع فيقال له : ما ازددت على كذا وكذا فهو لك ، قال عليه‌السلام : لا بأس) (١) ومثلها غيرها ، وحملت الأخبار كما في المسالك : (ويمكن تنزيلها على كون الواقع من التاجر على تقدير ابتدائه جعالة ، فيلزم ما عيّنه ، ولا يقدح فيها الجهالة ، كما اعترضه ابن إدريس ، لأن الجهالة في مال الجعالة إذا لم تؤد إلى النزاع غير قادح).

(١) في صورة استدعاء التاجر للدلال.

(٢) أي في الجعالة ، والمعنى أن الزائد المجهول لا يضر بالجعالة.

(٣) وهي مفاعلة من الوضع بمعنى الحط ، وهي النقصان قدرا من رأس المال ، ولا ريب في جوازها بعد عموم تسلط الناس على أموالهم.

(٤) إذ لا ريب في ظهور العبارة المذكورة من أن الموضوع هو بعض العشرة ، فالمائة عشرة أعشار والموضوع من كل عشرة درهم ، فيكون الموضوع عشرة والباقي تسعون ، هذا وتكون من تبعيضية من قوله : (درهم من كل عشرة) ، وذكر بعضهم احتمال أن تكون (من) لابتداء الغاية ، والمعنى وضيعه درهم عند كل عشرة فيكون في كل أحد عشر درهما وضيعة درهم ، وفيه : إنه على خلاف ظاهر العبارة.

(٥) فالعشرة لا ينقص منها شي‌ء بل ينقص عندها درهم والمعنى في كل أحد عشر درهما درهم وضيعة ، فالثمن يكون تسعين وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ، والوضيعة تسعة دراهم وجزء من أحد عشر جزءا من درهم ، وفي هذه الصورة قد زاد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٢.

٥٦٢

الدرهم ، لأن الموضوع في الأول من نفس العشرة ، عملا بظاهر التبعيض. وفي الثاني من خارجها (١) ، فكأنه قال : من كل أحد عشر ، ولو أضاف الوضيعة إلى العشرة (٢) احتمل الأمرين ، نظرا إلى احتمال الإضافة للّام ومن.

والتحقيق هو الأول ، لأن شرط الإضافة بمعنى من كونها تبيينية ، لا تبعيضية بمعنى (٣) كون المضاف جزئيا من جزئيات المضاف إليه بحيث يصح إطلاقه على المضاف وغيره ، والإخبار به عنه (٤) كخاتم فضة ، لا جزء من كل (٥) كبعض القوم ، ويد زيد ، فإن كل القوم لا يطلق على بعضه ، ولا زيد على يده ، والموضوع هنا بعض العشرة (٦) ، فلا يخبر بها عنه (٧) فتكون بمعنى اللام (٨).

______________________________________________________

ـ الثمن عشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم على الثمن في الصورة السابقة ، لأن الثمن تسعون والوضيعة تسعة لو كان رأس المال تسع وتسعين بناء على وضيعة الدرهم في كل أحد عشر درهما ، والدرهم الباقي من المائة يقسّم أحد عشر جزءا ، وعشرة أجزاء منه ثمن والباقي وضيعة.

(١) أي خارج العشرة.

(٢) بأن قال : بعتك بمائة ووضيعة العشرة درهم ، فيحتمل أن يكون المعنى من كل عشرة درهم ، ويحتمل أن يكون لكل عشرة درهم ، لأن الإضافة تحتمل أن تكون بمعنى اللام ، وتحتمل أن تكون بمعنى من.

هذا وذهب الشيخ وجماعة إلى أنها هنا بمعنى من التبعيضية لأنه المنساق إلى الذهن ، ولكن في المسالك تبعا للميسية أن الإضافة بمعنى من لا تكون إلا في من البيانية لا التبعيضية ، نحو خاتم فضة وباب ساج وهو منتف هنا فيتعين كونها بمعنى اللام.

(٣) بيان لمن البيانية.

(٤) أي والأخبار عن المضاف إليه بالمضاف.

(٥) التي هي من التبعيضية.

(٦) حيث قال : بعتك بمائة ووضيعة العشرة درهم ، فالموضوع هنا بعض العشرة.

(٧) أي فلا يخبر بالعشرة عن بعضها.

(٨) وفيه : إن الزمخشري قد صرح في كشافه في تفسير قوله تعالى : (وَمِنَ النّٰاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) (١) : أنه يجوز أن تكون الإضافة بمعنى من التبعيضية ، وكأنه قال : ومن ـ

__________________

(١) سورة لقمان ، الآية : ٦.

٥٦٣

(ورابعها ـ التولية) (١)

(وهي الإعطاء برأس المال) فيقول بعد علمهما بالثمن وما تبعه : وليتك هذا العقد (٢) ، فإذا قبل لزمه مثله (٣) جنسا ، وقدرا ، وصفة ، ولو قال : بعتك ، أكمله (٤) بالثمن ، أو بما قام عليه (٥) ونحوه (٦) ، ولا يفتقر في الأول (٧) إلى ذكره ، ولو قال : وليتك السلعة (٨) ...

______________________________________________________

ـ الناس من يشتري بعض الحديث ، الذي هو اللهو منه ، وكذا نقل ذلك عن غيره.

ثم إن هناك جماعة توقفوا في الترجيح بين كون الإضافة بمعنى اللام أو بمعنى من ، بل صرح بعضهم بالبطلان مع عدم القرينة لتكافؤ الاحتمالين ، وقد عرفت أن المنساق هو حملها على من التبعيضية.

(١) قد ورد جوازها في عدة أخبار.

منها : خبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى طعاما ثم باعه قبل أن يكيله ، قال : لا يعجبني أن يبيع كيلا أو وزنا قبل أن يكيله أو يزنه ، إلا أن يولّيه كما اشتراه ، إذا لم يربح فيه أو يضع) (١).

(٢) قال في الجواهر : (وعلى كل حال فيقول إذا أراد عقدها ـ أي التولية ـ وليتك أو بعتك أو ما شاكله من الألفاظ الدالة على النقل ـ الذي هو البيع ـ) انتهى.

(٣) أي مثل رأس مال المتاع ، لأنه يشترط في التولية مثلية رأس المال جنسا وصفة وقدرا.

(٤) قال في الجواهر : (نعم في جامع المقاصد والمسالك أنه إذا كان العقد بغير لفظ وليتك وجب ذكر الثمن ، وإن كان بها لم يحتج ـ إلى أن قال ـ ولعل الاستغناء عن الثمن فيما سمعته لصراحة لفظ التولية في البيع برأس المال ، بل أصل المعنى في وليتك العقد إعطاء السابق بمعنى تمليك المولى البيع بما ملكه المولى في العقد السابق) انتهى بتلخيص.

(٥) بأن يقول : تقوّم عليّ إذا كان هناك غرامة ومؤن.

(٦) أي وغير هذا من الألفاظ الدالة على ذلك.

(٧) أي في التولية.

(٨) بدل القول : وليتك العقد ، هذا فلو كان مفعولها السلعة فقد يقال بعدم الصحة لأن المولى يوليه العقد السابق لا ما وقع عليه العقد المذكور.

وفيه : ليس هذا بمانع لأن المولى يوليه البيع السابق أي ما ملكه بالبيع السابق ، ولذا قال في الجواهر : (لا يبعد الاجتزاء بجعل المفعول السلعة ، بل في كثير من نصوصها وقعت ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١٦.

٥٦٤

احتمل في الدروس الجواز ، (والتشريك (١) جائز) وهو أن يجعل له فيه (٢) نصيبا بما يخصه من الثمن بأن (يقول : شرّكتك) بالتضعيف (بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما) بقدره ، ويجوز تعديته بالهمزة (٣) ، ولو قال : أشركتك بالنصف كفى (٤) ولزمه نصف مثل الثمن ، ولو قال : أشركتك في النصف (٥) كان له الربع ، إلا أن يقول : بنصف الثمن (٦) فيتعين النصف ، ولو لم يبين الحصة كما لو قال : في شي‌ء منه أو أطلق (٧) بطل ، للجهل بالمبيع ويحتمل حمل الثاني على التنصيف (وهو) أي التشريك (في الحقيقة بيع الجزء المشاع برأس المال (٨) لكنه يختص (٩) عن مطلق البيع (١٠) بصحته بلفظه (١١).

______________________________________________________

ـ مفعولا للتولية ، وإن لم تكن في صورة العقد ، بل ولا إشعار في شي‌ء من النصوص بجعل المفعول العقد ، فجعل المفعول السلعة إن لم يكن أولى من كون المفعول العقد في الاستغناء عن الثمن فلا ريب في مساواته له) انتهى.

(١) هذا هو القسم الخامس الذي أضافه الشهيد الأول وتبعه الثاني فيه.

(٢) أن يجعل البائع للمشتري في المبيع نصيبا كالنصف مثلا بما يخصه من الثمن وهو نصف الثمن ، هذا وقد عرفت أنه من أقسام ومصاديق التولية وليس قسيما لها.

(٣) لأن التضعيف والهمزة يجعلان الفعل المتعدي إلى مفعول متعديا إلى مفعولين.

(٤) أي ولم يذكر نسبة الثمن مع نسبة المثمن التي باعها ، لأنه قال : أشركتك بالنصف أي نصف المتاع ولم يذكر نصف ثمنه ، والكفاية ناشئة من علمهما بتمام الثمن وهو القرينة على كون نصف المتاع بنصف الثمن المعلوم وهذا ليس بحاجة إلى قرينة لفظية مع وجود القرينة العقلية الدالة على المراد.

(٥) أي نصف المتاع على أن يكون شركة بينه وبين المشتري ، وعليه فيكون البائع قد جعل النصف الآخر مختصا به ، والنصف الأول مشتركا بينهما من دون ذكر النسبة إلا أنها محمولة على التنصيف بينهما ، فيكون للمشتري نصف النصف الذي هو الربع.

(٦) فإنها قرينة لفظية على كون المبيع هو نصف المتاع لا ربعه.

(٧) بأن قال : شركتك في المتاع ولم يذكر شيئا بطل لمجهولية المبيع مع احتمال حمل لفظ (شركتك في المتاع) على التنصيف بينهما ، لأن مقتضى الشركة كونه نصفين بينهما.

(٨) أي برأس مال الجزء لا برأس مال الجميع.

(٩) أي التشريك.

(١٠) الذي هو التولية.

(١١) على أن التشريك تولية في الجزء والتولية بيع الكل.

٥٦٥

(الفصل الثامن ـ في الربا) (١)

بالقصر وألفه بدل من واو (٢) (ومورده) (٣) أي محل وروده (المتجانسان إذا

______________________________________________________

(١) قال في مصباح المنير : (الربا : الفضل والزيادة ، وهو مقصور على الأشهر ، ويثنى ربوان بالواو على الأصل ـ إلى أن قال ـ وربا الشي‌ء يربو إذا زاد) ، ومنه قوله تعالى : (فَلٰا يَرْبُوا عِنْدَ اللّٰهِ) (١).

(٢) فيقال : ربا يربو ، ولذا يكتب في المصاحف بالواو على أصله ، وإن كان الرسم يقتضي كتابته بالألف.

(٣) ففي خبر محمد بن سنان (أن علي بن موسى الرضا عليه‌السلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : وعلة تحريم الربا لما نهى الله عزوجل عنه ، ولما فيه من فساد الأموال ، لأن الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما وثمن الآخر باطلا ، فبيع الربا وشراؤه وكس على كل حال ، على المشتري وعلى البائع ، فحرّم الله عزوجل على العباد الربا لعلة فساد الأموال ، كما حظر على السفيه أن يدفع إليه ماله لما يتخوف عليه من فساده حتى يونس منه رشد ، فلهذه العلة حرّم الله عزوجل الربا ، وبيع الدرهم بالدرهمين ، وعلة تحريم الربا بعد البينة لما فيه من الاستخفاف بالحرام المحرّم ، وهي كبيرة بعد البيان ـ إلى أن قال ـ وعلة تحريم الربا بالنسيّة لعلّة ذهاب المعروف وتلف الأموال ورغبة الناس في الربح وتركهم القرض ، والقرض ضائع المعروف ، ولما في ذلك من الفساد والظلم وفناء الأموال) (٢).

وفيه تصريح بكون الربا على قسمين : ربا في البيع وربا في القرض ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالربا في البيع لا يكون إلا في المكيل والموزون للأخبار.

منها : خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) (٣) وخبر عبيد بن زرارة (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) (٤) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد) (٥) ، فلذا تحرم الزيادة في بيع المتجانسين إذا كانا من المكيل أو الموزون.

__________________

(١) سورة الروم ، الآية : ٣٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الربا حديث ١١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الربا حديث ١ و ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا حديث ٣.

٥٦٦

قدّر بالكيل ، أو الوزن وزاد أحدهما) عن الآخر قدرا ولو بكونه مؤجلا (١).

وتحريمه مؤكد (٢) ، وهو من أعظم الكبائر ، (والدرهم منه أعظم) وزرا (من سبعين زنية) بفتح أوله وكسره (٣) كلها بذات محرم ، رواه هشام بن سالم عن الصادق عليه‌السلام.

(وضابط الجنس) (٤) هنا : (ما دخل تحت اللفظ الخاص (٥) كالتمر (٦)

______________________________________________________

(١) بأن يكون أحدهما معجلا والآخر مؤجلا لصدق الزيادة على المتجانسين.

(٢) فقد ورد تحريمه في الكتاب بقوله تعالى : (وَأَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبٰا) (١) وقوله تعالى : (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّٰهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا تُظْلَمُونَ) (٢).

والأخبار كثيرة منها : خبر ابن بكير (بلغ أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أنه كان يأكل الربا ويسمّيه اللبأ فقال : لئن أمكنني الله منه لأضربنّ عنقه) (٣) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (درهم ربا أشدّ من سبعين زينة كلها بذات محرم) (٤) ، وخبر حماد بن عمرو وأنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وصيته لعليّ عليه‌السلام (يا علي ، الربا سبعون جزء فأيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه في بيت الله الحرام ، يا علي درهم ربا أعظم عند الله من سبعين زينة كلها بذات محرم في بيت الله الحرام) (٥).

(٣) قال في مصباح المنير : (المقصود لغة الحجاز ـ أي الزنا ـ. والممدود لغة نجد ـ أي الزناء ـ ، وهو ولد زنية بالكسر والفتح لغة ، وعن ابن السكيت زنية وغية بالكسر والفتح).

(٤) لما كان الربا لا يقع إلا في المتجانسين مما يكال أو يوزن ، فيناسب أن نبحث عن معنى الجنس وما يندرج تحت الجنس الواحد ، والمراد منه هو النوع المنطقي وهو الذي يندرج تحت لفظ خاص لأنه هو الذي تتحد الذات في جميع أفراده بخلاف الجنس المنطقي فإن الذات بين أفراده مختلفة ومتنوعة بتنوع الأنواع ثم إن أهل اللغة يسمون النوع المنطقي جنسا ولا مشاحة في الاصطلاح.

(٥) بحيث يكون مفهومه نوعا كما عرفت.

(٦) فإنه منطبق على أصنافه وأفراده وعليه فيحرم بيع أصنافه بالبعض الآخر مع زيادة ، وكذا الزبيب.

__________________

(١) سورة البقرة ، الآية : ٢٧٥.

(٢) سورة البقرة ، الآيتين : ٢٧٨ و ٢٧٩.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الربا حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الربا حديث ١ و ١٢.

٥٦٧

والزبيب واللحم ، (فالتمر) جنس ، لجميع أصنافه ، (والزبيب جنس) كذلك (١) (والحنطة والشعير) هنا (جنس) واحد (في المشهور) (٢) وإن اختلفا لفظا واشتملا على أصناف ، لدلالة الأخبار الصحيحة على اتحادهما الخالية عن المعارض ، وفي بعضها أن الشعير من الحنطة فدعوى اختلافهما نظرا إلى اختلافهما صورة وشكلا ولونا وطعما وإدراكا وحسا واسما غير مسموع. نعم هما في غير الربا كالزكاة جنسان إجماعا ، (واللحوم تابعة للحيوان) (٣) فلحم الضأن والمعز جنس (٤) ، لشمول الغنم لهما ، والبقر والجاموس جنس (٥) ، والعراب والبخاتي جنس (٦).

(ولا ربا في المعدود) (٧) مطلقا على أصح القولين ، نعم يكره ، (ولا بين)

______________________________________________________

(١) أي لجميع أصنافه.

(٢) للأخبار منها : صحيح أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحنطة والشعير رأسا برأس ، لا يزاد واحد منهما على الآخر) (١) ، وخبر عبد الرحمن بن أبي عبد الله (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أيجوز قفيز من حنطة بقفيزين من شعير؟ فقال : لا يجوز إلا مثلا بمثل ، ثم قال : إن الشعير من الحنطة) (٢) ، وخالف ابن إدريس مستدلا بأنه لا خلاف بين المسلمين العامة والخاصة ، ولا بين أهل اللغة واللسان في أنهما جنسان ، ويرده أن الشارح قد اعتبرهما هنا بحكم الجنس الواحد وإن كانا جنسين لغة وعرفا.

(٣) بمعنى أن لفظ اللحم ليس جنسا بما هو حتى ينطبق على جميع مصاديق اللحم ، بل يكون جنسا باعتبار إضافته للحيوان فيقال : لحم البقر ولحم الغنم وهكذا ، ولذا يجوز بيع لحم الغنم بلحم البقر متفاضلا لأنهما من جنسين.

(٤) بلا خلاف لدخولهما تحت لفظ الغنم الظاهر في أنه اسم للنوع الذي لا يقدح في اتحاد الحقيقة فيه مثل هذا الاختلاف بين الماعز والضأن كالاختلاف بين أفراد الإنسان.

(٥) بلا خلاف فيه لدخولهما تحت لفظ البقر لغة.

(٦) لصدق الإبل عليهما ، غايته البخاتي بفتح الباء مع تشديد الياء وهو الإبل الخراسانية وقال في المصباح : (والعراب من الإبل خلاف البخاتي).

(٧) لا ربا إلا في المكيل أو الموزون فقط على المشهور شهرة عظيمة للأخبار.

منها : خبر زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يكون الربا إلا فيما يكال أو يوزن) (٣) ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الربا حديث ٣ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الربا حديث ١.

٥٦٨

الوالد وولده) (١) فيجوز لكل منهما أخذ الفضل على الأصح (٢) ، والأجود

______________________________________________________

ـ وظاهره الحصر ، وخبر منصور (سألته عن الشاة بالشاتين والبيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس ما لم يكن كيلا أو وزنا) (١) وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن البيضة بالبيضتين ، قال : لا بأس به ، والثوب بالثوبين ، قال : لا بأس به ، والفرس بالفرسين فقال : لا بأس به ، ثم قال : كل شي‌ء يكال أو يوزن فلا يصلح مثلين بمثل إذا كان من جنس واحد ، فإذا كان لا يكال ولا يوزن فلا بأس به اثنين بواحد) (٢) ومثلها غيرها ، وعن ابن الجنيد وسلّار أن المعدود كالمكيل والموزون فلا يجوز التفاضل فيه ، لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الثوبين الرديين بالثوب المرتفع والبعير بالبعيرين والدابة بالدابتين فقال : كره ذلك علي عليه‌السلام فنحن نكرهه إلا أن يختلف الصنفان) (٣) ، وصحيح ابن مسكان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يقول : عاوضني بفرسي فرسك وأزيدك ، قال : لا يصلح ولكن يقول : اعطني فرسك بكذا وكذا وأعطيك فرسي بكذا وكذا) (٤) وهما محمولتان على الكراهة جمعا.

(١) على المشهور إلا من السيد المرتضى في المسائل الموصليات ، مع أنه في الانتصار وافق جمهور الأصحاب ، وحجة مذهب المشهور أخبار.

منها : صحيح زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (ليس بين الرجل وولده ، وبينه وبين عبده ، ولا بينه وبين أهله ربا) (٥) ، وخبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين : ليس بين الرجل وولده ربا ، وليس بين السيد وعبده ربا) (٦).

وأما السيد المرتضى فقد قال في الانتصار : (قد كتبت قديما في جواب مسائل وردت عليّ من الموصل وتأولت الأخبار التي يرويها الأصحاب المتضمنة لنفي الربا بين من ذكرناه ـ إلى أن قال ـ واعتمدنا على نصرة هذا المذهب على عموم ظاهر القرآن ، ثم لما تأملت ذلك رجعت عن هذا المذهب ، لأني وجدت أصحابنا مجمعين على نفي الربا بين من ذكرنا ، وغير مختلفين فيه في وقت من الأوقات ، وإجماع هذه الطائفة قد ثبت أنه حجة ويخص به ظاهر القرآن) انتهى.

(٢) بلا خلاف إلا من ابن الجنيد ، وقال في المسالك : (ونبّه بقوله : ويجوز لكل واحد منهما

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الربا حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الربا حديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا حديث ١٦.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الربا حديث ٣ و ١.

٥٦٩

اختصاص الحكم بالنسبي مع الأب (١) ، فلا يتعدى إليه مع الأم ، ولا مع الجد ولو للأب ، ولا إلى ولد الرضاع ، اقتصارا بالرخصة على مورد اليقين ، مع احتمال التعدي في الأخيرين ، لإطلاق اسم الولد عليهما شرعا ، (ولا) بين (الزوج وزوجته) (٢) دواما ومتعة على الأظهر ، (ولا بين المسلم والحربي (٣) ، إذا أخذ المسلم الفضل) ، وإلا ثبت (٤) ، ولا فرق في الحربي بين المعاهد وغيره ، ولا بين كونه في دار الحرب والإسلام.

______________________________________________________

ـ أخذ الفضل على خلاف ابن الجنيد حيث نفى الربا بين الوالد وولده بشرط أن يأخذ الوالد الفضل ، وأن لا يكون للولد وارث ولا عليه دين ، وإطلاق النص حجة عليه) انتهى ، وقال في الجواهر : (وهو اجتهاد في مقابل النص).

(١) أي نفي الربا بين الوالد والولد مختص بالولد النسبي ، ولا يتعدى الحكم إلى الأم ، ولا إلى الجد ، ولا إلى ولد الرضاع ، لحرمة القياس وللوقوف على ما خالف الأصل على المتيقن.

ولا يوجد مخالف لكن قد يحتمل صدق الولد على ولد الرضاع ولفظ الوالد على الجد ، وفيه : إن الأخبار المتضمنة للولد والوالد منصرفة إلى الولد النسبي والوالد دون الجد.

(٢) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (ليس بين المسلم وبين الذمي ربا ، ولا بين المرأة وبين زوجها ربا) (١).

وكما عن الأكثر عدم الفرق بين الزوجة الدائمة والمتمتع بها لإطلاق النص ، وذهب الفاضل المقداد والصيمري والعلامة في التذكرة إلى أنها مختصة بالدائمة ، لأن لفظ الأهل الوارد في صحيح زرارة ومحمد بن مسلم المتقدم ينساق منه خصوص الدائمة التي هي أهل لها دون المتمتع بها.

(٣) بلا خلاف فيه إذا أخذ المسلم الفضل لما تقدم من الأخبار هنا ، ولخبر عمرو بن جميع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ليس بيننا وبين أهل حربنا ربا ، نأخذ منهم ألف ألف درهم بدرهم ، ونأخذ منهم ولا نعطيهم) (٢) ، ولا فرق في الحربي بين المعاهد وغيره ، ولا بين كونه في دار الإسلام أو الحرب.

وعن القاضي أنه يجوز لكل من المسلم والحربي أخذ الربا من الآخر ، وقال في الجواهر : (ولا ريب في ضعفه لعدم ما يصلح للخروج به عن عموم التحريم).

(٤) أي لو عكس الأمر فأخذ الحربي الزيادة فيثبت حكم الربا وهو الحرمة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الربا حديث ٥ و ٢.

٥٧٠

(ويثبت بينه) أي بين المسلم ، (وبين الذمي) على الأشهر (١) ، وقيل : لا يثبت كالحربي ، للرواية المخصّصة له كما خصّصت غيره. وموضع الخلاف ما إذا أخذ المسلم الفضل ، أما إعطاؤه إياه فحرام قطعا ، (ولا في القسمة (٢) لأنها ليست بيعا ، ولا معاوضة ، بل هي تمييز الحق عن غيره ، ومن جعلها بيعا مطلقا (٣) أو مع اشتمالها على الرد (٤) أثبت فيها الربا.

(ولا يضر عقد التبن والزوان) (٥) بضم الزاي وكسرها وبالهمز وعدمه (اليسير) في أحد العوضين ، دون الآخر ، أو زيادة عنه ، لأن ذلك لا يقدح في

______________________________________________________

(١) بل قال في الجواهر : (بل عليه عامة المتأخرين إلا النادر ، بل لم أجد فيه خلافا إلا ما سمعته من المرتضى ، وحكي عن ابني بابويه والمفيد والقطيفي) انتهى ، ودليل المخالف الاجماع المدعى من قبل السيد المرتضى ، والمرسل المتقدم عن الصادق عليه‌السلام (ليس بين المسلم وبين الذمي ربا) (١).

وفيه : إن الاجماع ممنوع مع مخالفة المشهور ، والمرسل لا جابر له مع ذهاب المشهور أيضا على خلافه ، على أنه محمول على الذمي الخارج من شرائط الذمة ، جمعا بينه وبين الأخبار المتقدمة التي حصرت نفي الربا بالحربي.

(٢) أي لا ربا في القسمة ، كما لو كانت العين مما تكال أو توزن ، وهي مشتركة بين شخصين وأراد أن يأخذ كل شريك حصته ، فيصح التقسيم حتى لو أخذ أحدهما أكثر من الآخر برضاه ولا يكون الزائد ربا ، لأن القسمة هي تمييز أحد الحقين وليست بيعا ولا معاوضة ، بل في المسالك دعوى الاتفاق عليه وقال : (هذا موضع وفاق ، ونبّه به ـ أي بذكره ـ على خلاف الشافعي في أحد قوليه حيث جعلها مبيعا ، يثبت فيه الربا كالبيع) انتهى.

(٣) أي مع عدم الرد ، وذلك فيما لو كانت العين قابلة للانقسام على حصص الشركاء.

(٤) وذلك فيما لو كانت العين المشتركة غير قابلة للانقسام على حصص الشركاء بالسوية ، فيأخذ أحد الشركاء أزيد من حصته ويرد قيمة الزائد على شريكه.

(٥) إذا كانا يسيرين ، وكذا لا يضر اليسير من التراب ، لصدق بيع الحنطة بالحنطة في بيع المتجانسين تنزيلا لهذا اليسير منزلة العدم عرفا ، هذا من جهة ومن جهة أخرى قال في المصباح (الزوان حبّ يخالط البر فيكسبه الرداءة ، وفيه لغات ، ضم الزاي مع الهمز وتركه فيكون على وزان غراب ، وكسر الزاي مع الواو).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الربا حديث ٥.

٥٧١

إطلاق المثلية والمساواة قدرا ، ولو خرجا عن المعتاد ضرّا ، ومثلهما يسير التراب وغيره مما لا ينفك الصنف عنه غالبا كالدردي (١) في الدبس والزيت.

(ويتخلص منه) أي من الربا إذا أريد بيع أحد المتجانسين بالآخر متفاضلا (٢) (بالضميمة) إلى الناقص منهما ، أو الضميمة إليهما ، مع اشتباه الحال (٣) ، فتكون الضميمة في مقابل الزيادة.

(ويجوز بيع مدّ عجوة (٤) ودرهم بمدّين ، أو درهمين (٥) ، وبمدّين ودرهمين (٦)

______________________________________________________

(١) وهو ما يترسب في أسفل الزيت والدبس.

(٢) كأن يبيع الدرهم بدرهمين فلا بد من إضافة ضميمة من غير جنسهما إلى الناقص ، كأن يبيع الدرهم ودينارا بدرهمين ، بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : خبر عبد الرحمن بن الحجاج (سألته عن الصرف ـ إلى أن قال ـ فبعثنا بالغلة فصرفوا ألفا وخمسين منها بألف من الدمشقية والبصرية ، فقال : لا خير في هذا ، فلا يجعلون فيها ذهبا لمكان زيادتها ، فقلت له : اشتري ألف درهم ودينارا بألفي درهم ، فقال : لا بأس بذلك ، إن أبي كان أجرأ على أهل المدينة مني ، فكان يقول هذا ، فيقولون إنما هذا الفرار ، لو جاء رجل بدينار لم يعط ألف درهم ، ولو جاء بألف درهم لم يعط ألف دينار ، وكان يقول لهم : نعم الشي‌ء الفرار من الحرام إلى الحلال) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بألف درهم ودرهم بألف درهم ودينارين ، إذا دخل فيها ديناران أو أقل أو أكثر فلا بأس به) (٢).

وعليه فإذا كانت الضميمة في أحدهما فلا بد من كونها مع الناقص كبيع درهم ودينار بدرهمين ، لتكون الضميمة في قبال الزائد ، وإذا كانت الضميمة في كليهما كما في صحيح الحلبي المتقدم كما لو باع درهما ودينارا بدرهمين ودينارين فلا بد من كون الدرهم في قبال الدينارين ، والدينار في قبال الدرهمين حتى لا يقع التفاضل في الجنس الواحد وإن لم يقصد المتبايعان ذلك لإطلاق الأخبار.

(٣) بأن لا يعلم زيادة أحد العوضين عن الآخر ولكن مع الضميمة في كليهما فيصح البيع على كل حال لذهاب الضميمة من كل جانب إلى نفس الجنس في الجانب الآخر.

(٤) العجوة على ما في مجمع البحرين : (هي ضرب من أجود التمر ، يضرب إلى السواد من غرس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالمدينة).

(٥) أي بيع مدّ عجوة ودرهم بدرهمين.

(٦) أي ويجوز بيع مدّ عجوة ودرهم بمدين ودرهمين ، ويذهب كل جنس إلى ما يخالفه.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الصرف حديث ط ١ و ٤.

٥٧٢

وأمداد ودراهم (١) ، ويصرف كل إلى مخالفه) وإن لم يقصده (٢) ، وكذا لو ضمّ غير ربوي (٣) ، ولا يشترط في الضميمة أن تكون ذات وقع (٤) في مقابل الزيادة ، فلو ضمّ دينارا إلى ألف درهم ثمنا لألفي درهم جاز ، للرواية ، وحصول التفاوت عند المقابلة (٥) ، وتوزيع الثمن عليهما باعتبار القيمة على بعض الوجوه لا يقدح ، لحصوله حينئذ بالتقسيط ، لا بالبيع ، فإنه إنما وقع على المجموع بالمجموع ، فالتقسيط غير معتبر ولا مفتقر إليه.

نعم لو عرض سبب يوجبه (٦) كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض أو

______________________________________________________

(١) أي يجوز بيع مدّ عجوة ودرهم بأمداد ودراهم ، ومناط هذه الأمثلة واحد ، وقد تقدم.

(٢) أي يصرف كل إلى ما يخالفه وإن لم يقصده كل من المتعاقدين.

(٣) بأن ضمّ إلى المدّ من العجوة ثوبا بمدين ، أو بمدّ وثوب.

(٤) أي ذات قيمة سوقية تساوي الزيادة لصريح خبر عبد الرحمن المتقدم.

(٥) هذه الفروع محل وفاق بين أصحابنا كما في المسالك ، وخالف الشافعي في بيع مدّ عجوة ودرهم بمدين ، وجعله ربا لحصول التفاوت عند المقابلة على بعض الوجوه ، وذلك فيما لو كان الدرهم ثمنا لمد ونصف مد بالقيمة السوقية فيكون نصف المد الباقي في قبال المدّ لا محالة فيقع الربا.

والجواب أن الزيادة حصلت بمقتضى التقسيط بعد البيع ولم تحصل بالبيع ، لأن البيع قد أوقع المجموع في قبال المجموع ولا يصدق عليهما أنهما من جنس واحد مع زيادة في أحد الطرفين ليقع الربا.

(٦) أي لو عرض سبب كالتلف في أحد العوضين يوجب التقسيط شرعا ، فقال الشارح في المسالك : (ويشكل الحكم لو احتيج إلى التقسيط شرعا كما لو تلف الدرهم المعين قبل القبض أو ظهر مستحقا مطلقا ـ قبل القبض أو بعده ـ وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا ، فإنه يحتمل بطلان البيع من رأس ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، كما لو باع مدا ودرهما بمدين ودرهمين مثلا فإن الدرهم التالف من الثمن إذا كان نصف المبيع بأن كانت قيمة المدّ من المدين درهما يبطل البيع في نصف الثمن فيبقى النصف الآخر ، وحيث كان منزلا على الاشاعة كان النصف في كل من الجنسين ، فيكون نصف المدين ونصف الدرهمين في مقابلة المدّ فيلزم الزيادة الموجبة للبطلان.

ويحتمل البطلان في مخالف التالف خاصة والصحة في مخالف الباقي ، لأن كلا من الجنسين في البيع قوبل به مخالفه من الثمن فإذا بطل أحد الجزءين بطل فيما قوبل به ، ـ

٥٧٣

ظهر مستحقا وكان في مقابله ما يوجب الزيادة المفضية إلى الربا احتمل بطلان البيع حينئذ ، للزوم التفاوت في الجنس الواحد ، والبطلان (١) في مخالف التالف خاصة ، لأن كلا من الجنسين قد قوبل بمخالفه فإذا بطل ما قوبل به خاصة وهذا هو الأجود والموافق لأصول المذهب ، والمصحح لأصل البيع ، وإلا كان مقتضى المقابلة لزوم الربا من رأس.

ويتخلص من الربا أيضا (٢) (بأن يبيعه بالمماثل ، ويهبه الزائد) في عقد واحد ، أو بعد البيع (من غير شرط) للهبة في عقد البيع ، لأن الشرط حينئذ زيادة في العوض المصاحب له ، (أو) بأن (يقرض كل منهما صاحبه ويتبارءا) بعد التقابض الموجب لملك كل منهما ما اقترضه وصيرورة عوضه في الذمة.

ومثله ما لو وهب كل منهما الآخر عوضه ، ولا يقدح في ذلك كله كون هذه العقود غير مقصودة بالذات (٣) ، مع أن العقود تابعة للقصود ، لأن قصد التخلص من الربا الذي لا يتم إلا بالقصد إلى بيع صحيح ، أو قرض ، أو غيرهما

 

ـ لأن صحة البيع منزلة على ذلك ، فكذا بطلانه ، والمرجح لذلك نص الأصحاب على أن كل جنس في مقابل ما يخالفه) انتهى ، وما ذكره أخيرا هو المتعين.

(١) أي واحتمل البطلان.

(٢) بعد ما ثبت مشروعية الاحتيال في التخلص من الربا وأنه فرار من الباطل إلى الحق فيصح كل بيع أو معاوضة أو عقد لا يقع التقابل بين متجانسين مع زيادة في أحدهما ، ولذا قال في الجواهر : (وقد يتخلص من الربا أيضا بأن يبيع أحد المتبايعين سلعته من صاحبه بجنس غير جنسها ، ثم يشتري من الآخر سلعته بالثمن الذي باع به سلعته ، وحينئذ يسقط

اعتبار المساواة ضرورة عدم بيع كل منهما بالآخر حتى يشترط ذلك تخلصا من الربا ، فلو باع مثلا وزنة من الحنطة بعشرة دراهم ، ثم اشترى منه وزنتين بذلك ـ أي بعشرة دراهم ـ صح ، وكذا لو وهبه أحدهما سلعته ثم وهبه الآخر الأخرى من غير معاوضة ـ إلى أن قال ـ أو أقرض سلعته صاحبه ثم أقرضه هو وتبارءا ، وكذا لو تبايعا متساويا ووهبه الزيادة إلى غير ذلك مما يخرج عن بيع المجانس بمثله متفاضلا) انتهى.

(٣) وهي قصد الهبة وغيرها ، وهي غير مقصودة بالذات لأن المقصود بالذات هو التخلص من الربا ولا مانع منه لأن قصد التخلص من الربا يوجب القصد إلى الهبة فيكون من قبيل الداعي إلى الداعي ، وهذا لا يضر في صحة الداعي الثاني الناشئ من الداعي الأول.

٥٧٤

كاف في القصد إليها (١) ، لأن ذلك (٢) غاية مترتبة على صحة العقد مقصودة ، فيكفي جعلها غاية ، إذ لا يعتبر قصد جميع الغايات المترتبة على العقد (٣).

(ولا يجوز بيع الرطب بالتمر) (٤) للنص المعلل بكونه ينقص إذا جفّ ، (وكذا كل ما ينقص مع الجفاف) (٥) كالعنب بالزبيب تعدية للعلة المنصوصة إلى ما

______________________________________________________

(١) إلى العقود.

(٢) أي التخلص من الربا وحاصله : أن التخلص من الربا مترتب على العقد الصحيح أو الهبة ، فإذا أردت التخلص لا بد أن تريد العقد وإذا أردت العقد فلا بد أن تريد النقل والانتقال المحققين للبيع الصحيح أو الهبة ، ومن هنا تعرف من أن المقصود بالذات وهو التخلص من الربا لا يمنع من صحة العقد لأنه يولّد قصدا آخر وهو النقل والانتقال الذي صدر العقد بداعيه.

(٣) قال الشارح في المسالك : (فإن من أراد شراء دار مثلا ليؤجرها ويتكسب بها فإن ذلك كاف في الصحة ، وإن كان لشراء الدار غايات أقوى من هذه وأظهر في نظر العقلاء) انتهى.

(٤) على المشهور شهرة عظيمة للأخبار.

منها : النبوي (سئل عن بيع الرطب بالتمر ، قال : أينقص إذا جفّ؟ فقيل له : نعم ، فقال : لا إذا) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يصلح التمر اليابس بالرطب من أجل أن التمر يابس والرطب رطب ، إذا يبس نقص) (٢).

وعن الشيخ في المبسوط وابن إدريس الكراهة اعتمادا على خبر سماعة (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن العنب بالزبيب ، قال : لا يصلح إلا مثلا بمثل ، قال : والتمر والرطب مثلا بمثل) ٣ والخبر لا يصلح لمعاوضة ما تقدم من الأخبار.

(٥) كبيع العنب بالزبيب ، وعلى المشهور المنع نظرا إلى تحقق النقصان عند الجفاف فلا تجدي المساواة وقت الابتياع ، والأخبار المتقدمة قد صرحت بالعلة ، وهي تعمم وتخصص ، فتكون شاملة لهذه الموارد.

وذهب جماعة منهم المحقق إلى الجواز في غير التمر والرطب لحرمة القياس واقتصارا على المنصوص بعد خلوه من العلة المنصوصة ، وفيه : أن العرف يسقط خصوصية التمر

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الربا حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الربا حديث ١ و ٣.

٥٧٥

يشاركه فيها ، وقيل : يثبت في الأول من غير تعدية ردا لقياس العلة ، وقيل بالجواز في الجميع ردا لخبر الواحد ، واستنادا إلى ما يدل بظاهره على اعتبار المماثلة بين الرطب واليابس. وما اختاره المصنف أقوى ، وفي الدروس جعل التعدية إلى غير المنصوص أولى.

(ومع اختلاف الجنس) في العوضين (يجوز التفاضل (١) نقدا) إجماعا (ونسية) على الأقوى ، للأصل ، والأخبار. واستند المانع إلى خبر دل بظاهره على الكراهة ونحن نقول بها.

(ولا عبرة بالأجزاء المائية في الخبز ، والخلّ ، والدقيق) (٢) بحيث يجهل

______________________________________________________

ـ والرطب في الأخبار المتقدمة فمدار المنع على نقصانه حال جفافه فلا بد من تعدية الحكم حينئذ ، هذا وعلى مبنى ابن إدريس لا بد من القول بالجواز هنا من باب أولى.

(١) بلا خلاف فيه للنبوي (إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم) (١) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا اختلف الشيئان فلا بأس به مثلين بمثل يدا بيد) (٢) ومثلها غيرها.

والأخير صريح في جواز التفاضل نقدا ، ولكن هل يجوز التفاضل بين الشيئين المختلفين نسيئة أو لا ، ولا بد من تحرير محل النزاع فنقول : لو كان العوضان من النقدين كبيع الذهب بالفضة أو بالعكس فلا يصح نسيئة لاشتراط التقابض في المجلس ، ولو كان أحد العوضين من النقدين والآخر من الأعراض كبيع المتاع بذهب أو فضة فهو جائز بلا خلاف ، ولو كان كلا العوضين من الأعراض كبيع مدّ من حنطة بمدين من عنب فهو محل النزاع ، والمشهور على الجواز للأصل ، ولعموم النبوي المتقدم وغيره.

وذهب ابن الجنيد والمفيد وسلار وابن البراج إلى عدم الجواز لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما كان من طعام مختلف أو متاع أو شي‌ء من الأشياء يتفاضل فلا بأس ببيعه مثلين بمثل يدا بيد ، فأما نظرة فلا يصلح) (٢) ، ومثله خبر زياد بن غياث (٣) ، وحملت على الكراهة جمعا بينها وبين ما تقدم فضلا عن أن التعبير بنفي الصلاح ظاهر بالكراهة.

(٢) فيراد به العجين أو الدقيق الموضوع في مكان نديّ اكسبه رطوبة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الربا حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الربا حديث ١٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الربا حديث ١٤.

٥٧٦

مقداره في كل من العوضين الموجب لجهالة مقدارهما ، وكذا لو كانت مفقودة من أحدهما كالخبز اليابس واللبن ، لإطلاق الحقيقة عليهما ، مع كون الرطوبة يسيرة غير مقصودة ، كقليل الزوان والتبن في الحنطة ، (إلا أن يظهر ذلك للحس ظهورا بينا) بحيث يظهر التفاوت بينهما فيمنع ، مع احتمال عدم منعه مطلقا (١) ، كما أطلقه في الدروس وغيره لبقاء الاسم الذي يترتب عليه تساوي الجنسين عرفا.

(ولا يباع اللحم بالحيوان مع التماثل (٢) كلحم الغنم بالشاة) إن كان مذبوحا ، لأنه (٣) في قوة اللحم فلا بد من تحقق المساواة ، ولو كان حيا فالجواز قوي (٤) ، لأنه حينئذ غير مقدّر بالوزن (ويجوز) بيعه به (٥) (مع الاختلاف) (٦) قطعا ، لانتفاء المانع (٧) مع وجود المصحح (٨).

______________________________________________________

(١) سواء ظهر للحس أم لا.

(٢) كبيع لحم الغنم بالشاة إذا كان الحيوان حيا بلا خلاف فيه إلا من ابن إدريس ، وحجة المشهور خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كره بيع اللحم بالحيوان) (١) ، وخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنه نهى عن بيع اللحم بالحيوان) (٢) وليس دليل المشهور تحقق الربا لأن الحيوان الحي غير موزون بل يباع بالمشاهدة كما هو الغالب فدليلهم ما سمعته من الأخبار إلا أن ابن إدريس لم يعمل بها لأنها خبر واحد وهي ضعيفة السند فلا بد من الذهاب إلى الجواز وقد قواه الشارح هنا وفي المسالك. وقد صرح في كون النزاع في الحيوان الحي العلامة في التذكرة والشارح في المسالك وغيرهما في غيرهما.

نعم لو أراد بيع لحم الغنم بالشاة المذبوحة فلا بد من المساواة وإلا لتحقق الربا لأن المذبوح في قوة اللحم.

(٣) أي المذبوح.

(٤) تبعا لابن إدريس.

(٥) أي بيع اللحم بالحي.

(٦) كبيع لحم الغنم بالبقر الحي.

(٧) المانع : لكونهما من جنسين فينتفي اتحاد الجنس المانع من التفاضل.

(٨) وهو اطلاقات حلية البيع.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الربا حديث ١.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الربا حديث ١.

٥٧٧

(الفصل التاسع ـ في الخيار (١) وهو أربعة عشر قسما)

وجمعه بهذا القدر من خواص الكتاب.

(الأول ـ خيار المجلس) (٢) أضافه إلى موضع الجلوس مع كونه (٣) غير معتبر في ثبوته (٤) ، وإنما المعتبر عدم التفرق (٥) إما تجوزا (٦) في إطلاق بعض أفراد الحقيقة ، أو حقيقة عرفية.

______________________________________________________

(١) قال في مصباح المنير : (الخيرة اسم من الاختيار ، مثل الفدية من الافتداء ، والخيرة بفتح الياء بمعنى الخيار ، والخيار هو الاختيار ، ومنه يقال له خيار الرؤية ، ويقال هي اسم من تخيرت الشي‌ء مثل الطيرة اسم من تطيّر) انتهى ، ولذا قال في الجواهر (في الخيار الذي هو بمعنى الخيرة ، أي المشيئة في ترجيح أحد الطرفين ، إلا أن المراد به هنا ملك إقرار العقد وإزالته بعد وقوعه مدة معلومة ، ولا ريب في ثبوته في الجملة بل هو كالضروري).

(٢) لكل من المتبايعين خيار الفسخ ما داما في المجلس أي لم يفترقا ، بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : البيّعان بالخيار حتى يفترقا) (١) ومثله صحيح زرارة (٢)عنه عليه‌السلام ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيّما رجل اشترى بيعا فهما بالخيار حتى يفترقا ، فإذا افترقا وجب البيع) (٣)إلى غير ذلك من النصوص المصرحة بعدم الافتراق ولذا لو تم البيع بدون اجتماع لم يكن هناك خيار للمجلس ، فإذا لم يجتمعا حال البيع فلا يتحقق معنى الافتراق ، ثم إن الاجتماع منصرف إلى اجتماع الأبدان ، والاجتماع بالأبدان مستلزم لمكان ما ، وهذا المكان هو مجلس العقد لذا أطلق على هذا الخيار خيار المجلس ، غير أنه إطلاق في عبارة الفقهاء فقط ، وأما الأخبار فقد سمعت صريحها بأنه خيار عدم الافتراق.

(٣) أي المجلس.

(٤) أي ثبوت الخيار.

(٥) كما هو صريح الأخبار المتقدمة.

(٦) أي إطلاق خيار المجلس على خيار عدم التفرق إما إطلاق مجازي من باب إطلاق أظهر أفراده على العام ، لأن أظهر أفراد عدم التفرق هو حال كونهما في مجلس واحد ، وإما أنه منقول عرفي.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الخيار حديث ١ و ٢ و ٤.

٥٧٨

(وهو مختص بالبيع) (١) بأنواعه (٢) ، ولا يثبت في غيره (٣) من عقود المعاوضات وإن قام مقامه. كالصلح (٤).

ويثبت للمتبايعين (٥) ما لم يفترقا ، (ولا يزول بالحائل) بينهما (٦) ، غليظا كان أم رقيقا ، مانعا من الاجتماع (٧) أم غير مانع ، لصدق عدم التفرق معه ، (ولا بمفارقة) كل واحد منهما (المجلس مصطحبين) (٨) وإن طال الزمان ما لم يتباعد ما بينهما (٩) عنه (١٠) ...

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه لأن النصوص السابقة قد خصته بالبيع ، كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتقدم : البيعان بالخيار.

(٢) كبيع السلم والنسيئة والمرابحة والمساومة لاندراج الجميع تحت لفظ البيع.

(٣) أي غير البيع من عقود المعاوضات اللازمة والجائزة ، كالإجارة والوكالة.

(٤) بحيث كان أثره نفس أثر البيع من تحقق النقل والانتقال إلا أنه لا يندرج تحت مفهوم البيع.

(٥) قال في المسالك : (إطلاق المتبايعين يشمل المالكين والوكيلين والمتفرقين ، لأن المتبايعين من فعلا البيع) انتهى.

(٦) فلو ضرب بينهما حائل أو حفر نهر لا يتخطى أو نحو ذلك ، مع بقائهما على حال العقد لم يبطل الخيار لعدم صدق التفرق الموجب لرفع الخيار ، بلا فرق في الحائل بين الغليظ والرقيق أو كان جدارا من طين أو جص ، بلا خلاف في ذلك كله ما عدا ما حكي عن الشافعية في الغليظ وأن فيه قولين أصحهما عدم السقوط.

(٧) قال في المسالك : (لا فرق في الحائل بين الرقيق كالستر والغليظ كالحائط والمانع من الاجتماع كالنهر العظيم وغيرها ، لعدم صدق الافتراق بذلك ، فإن المفهوم منه تباعدهما عن الحد الذي كانا عليه) انتهى.

(٨) لعدم صدق الافتراق ، هذا وقد عرفت سابقا أن نفس المجلس ليس له مدخلية في ثبوت الخيار ، فلا ينتفي الخيار بانتفائه.

(٩) والمراد به هو المسافة حال الاصطحاب.

(١٠) أي عن ما بينهما حال العقد ، فلا تباعد أحال الاصطحاب أكثر من التباعد بينهما حال العقد ولو بخطوة لارتفع خيار المجلس ، وهذا معناه أن التباعد متحقق بخطوة بلا خلاف في ذلك ، لعدم تحديد الافتراق بالشرع فيكتفي بمسماه الحقيقي والعرفي ، وهو متحقق بالخطوة قطعا ، ويؤيده صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (بايعت رجلا فلما بايعته ـ

٥٧٩

حالة العقد ، وأولى بعدم زواله (١) لو تقاربا عنه (٢).

(ويسقط باشتراط سقوطه في العقد) (٣) عنهما ، أو عن أحدهما بحسب الشرط ، (وبإسقاطه بعده) (٤) بأن يقولا : أسقطنا الخيار ، أو أوجبنا البيع ، أو التزمناه ، أو اخترناه ، أو ما أدّى ذلك.

(وبمفارقة أحدهما صاحبه) ولو بخطوة اختيارا ، فلو أكرها أو أحدهما عليه (٥) لم يسقط ، مع منعهما من التخاير (٦) ، فإذا زال الإكراه فلهما الخيار في مجلس الزوال (٧) ، ولو لم يمنعا من التخاير لزم العقد (٨).(ولو التزم به أحدهما

______________________________________________________

ـ قمت فمشيت خطا ثم رجعت إلى مجلسي ليجب البيع حين افترقنا) (١).

(١) زوال الخيار.

(٢) أي عما كان بينهما حال العقد.

(٣) بلا خلاف فيه لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (٢) ، فلو كان الاشتراط بالسقوط من كليهما سقط خيارهما ، ومن أحدهما سقط خيار صاحبه فقط.

(٤) بعد العقد ، وذلك بأن يوجبا العقد أو بأن يوجب أحدهما العقد ويرضى الآخر ، وهو المسمى بالتخاير ، وصورته : بأن يقولا : اخترنا العقد أو ألزمناه أو أسقطنا الخيار أو نحو ذلك من الألفاظ الدالة على سقوطه بإحدى الدلالات ، أو أن تصدر هذه الألفاظ من أحدهما ويرضى الآخر بذلك ، بلا خلاف في ذلك كله ، لأن كل ذي حق له حق اسقاطه ، وكما أن له حق التسلط على ما له فله حق التسلط على حقوقه.

(٥) على التفرق فلا يسقط الخيار بلا خلاف فيه ، للأصل بعد تبادر الاختيار من النصوص الدالة على سقوط الخيار بالافتراق ، ولذا يصح أن يقال : لم يفترقا بل فرّقا.

(٦) من اختيار العقد ، ثم لا فرق في المنع من التخاير بين سدّ أفواههما أو التهديد إن تكلما.

(٧) قال في الجواهر : (ولو زال الإكراه ففي فورية الخيار وتراخيه إلى حصول الافتراق قولان ، أقواهما الثاني للأصل ، ولأن خيار المجلس موضوع على التراخي ، وهذا منه أو بدل عنه) انتهى وهذا ما ذهب إليه الشيخ وجماعة ، وذهب العلامة في التذكرة إلى أن الخيار على الفور عند زوال المانع ، بامتداد مجلس الزوال لأن الفورية هي القدر المتيقن من ثبوته بعد ارتفاع مجلس العقد بالاكراه.

(٨) فلو أكرها على التفرق من دون الاكراه على عدم الكلام في اختيار العقد ، وتفرقا سقط ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الخيار حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٥٨٠