الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

وأجيب بتسليمه (١) حيث يقصد السلم الخاص ، والبحث فيما لو قصدا به (٢) البيع الحال.

واعلم أن ظاهر عبارة المصنف هنا وفي الدروس وكثير أن الخلاف مع قصد السلم (٣) ، وأن المختار جوازه مؤجلا وحالا مع التصريح بالحلول ولو قصدا ، بل مع الإطلاق أيضا ، ويحمل على الحلول ، والذي يرشد إليه التعليل (٤) والجواب (٥) أن الخلاف فيما لو قصد به (٦) البيع المطلق واستعمل السلم فيه (٧) بالقرائن ، أما إذا أريد به (٨) السلف المطلق (٩) اشترط ذكر الأجل (١٠).

(ولا بد من كونه (١١) عام الوجود عند رأس الأجل إذا شرط الأجل) في

______________________________________________________

(١) أي نسلم أن معنى السلم هو كون المبيع مؤجلا ، ولكن هذا ينفع فيما لو أطلق لفظ السلم وقصد به السلم ، أما لو أطلق لفظ السلم وأريد به بيع الحال فالاستعمال مجازي ولا يشترط في المعنى المجازي شروط المعنى الحقيقي.

(٢) بالسلم.

(٣) ولذا لا داعي لحمل عبارة الماتن على ما لو قصد مطلق البيع كما فعله الشارح هنا.

(٤) وهو كون السلم بعض أفراد البيع ،

(٥) وهو قول الشارح : (وأجيب بتسليمه).

(٦) بالسلم.

(٧) في البيع المطلق.

(٨) بالسلم.

(٩) أي المعنى الموضوع له أصلا.

(١٠) فيكون الشارح قد حكم ببطلان ما لو أراد السلم بلفظ السلم مع كون المثمن حالا وهو على خلاف ظاهر صحيح ابن الحجاج المتقدم ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فالتعليل والجواب الواردان سابقا لم يذكران إلا في كلام المحقق الثاني في جامعه فقط ، فلا يكونان دليلا على ما ذكره الشارح ، على أن المحقق الثاني قد سبق الشارح في هذا الاشتباه ، وقد ذكرنا سابقا أن أصل المسألة عندهم فيما لو قصد السلم بلفظ السلم وقد حملت عندهما على ما لو قصد مطلق البيع.

(١١) أي يشترط كون المثمن موجودا بحسب العادة وقت الحلول ولو كان معدوما وقت العقد لصدق القدرة على التسليم بذلك ، إذ العاديات بمنزلة الموجودات.

٥٤١

البلد الذي شرط تسليمه فيه ، أو بلد العقد حيث يطلق (١) على رأي المصنف هنا ، أو فيما قاربه (٢) بحيث ينقل إليه عادة ، ولا يكفي وجوده فيما لا يعتاد نقله منه إليه إلا نادر (٣) ، كما لا يشترط وجوده حال العقد حيث يكون مؤجلا ، ولا فيما بينهما (٤) ، ولو عين غلة بلد لم يكف وجوده في غيره وإن اعتيد نقله إليه (٥) ، ولو انعكس بأن عيّن غلة غيره (٦) مع لزوم التسليم به (٧) شارطا نقله إليه (٨) فالوجه الصحة (٩) ، وإن كان يبطل مع الإطلاق (١٠) ، والفرق (١١) أن بلد التسليم حينئذ بمنزلة شرط آخر (١٢) ، والمعتبر هو بلد (١٣) المسلم فيه.

______________________________________________________

(١) سيأتي أنه لو أطلق مكان التسليم فيحمل على بلد العقد على مذهب المصنف ، وعليه فيشترط أن يكون المثمن عام الوجود فيه عند حلول الأجل حتى تصدق القدرة على التسليم.

(٢) أي قارب بلد التسليم أو بلد العقد بأن كان المثمن عام الوجود في أمكنة قريبة من هذين البلدين مع إمكان نقل المثمن إلى مكانه إلى هذين البلدين تحقيقا لصدق القدرة على التسليم تنزيلا للعاديات منزلة الموجودات.

(٣) فلا تصدق القدرة على التسليم لعدم العادة المنزل على عدم الوجود.

(٤) أي بين وقت العقد ووقت الحلول إذ المدار على صدق القدرة على التسليم وقت الحلول.

(٥) إذ المثمن المسلم فيه هو غلة البلد لا غلة غيره المنقولة إليه فلا تغفل.

(٦) أي غلة غير بلد العقد.

(٧) أي ببلد العقد.

(٨) أي نقل المثمن من مكان وجوده إلى بلد العقد.

(٩) لأنه مع تعارف نقله بعد تنزيل العاديات منزلة الموجودات يطمئن بصدق القدرة على التسليم التي هي المناط في صحة العقد هنا.

(١٠) أي أطلق الغلة فتنصرف إلى غلة بلد العقد والمفروض أنه لا غلة فيه ، وإنما الموجود غلة غير البلد ولو في مكان آخر يتعارف نقله إليه ، فيبطل البيع لتعذر وجود المثمن حينئذ.

(١١) أي الفرق بين ما لو عيّن غلة بلد ولم تكن الغلة موجودة فيه بل في غيره ، وبين ما لو عيّن غلة غير البلد وشرط التسليم في البلد الذي لم تكن الغلة فيه ، فلا يكفي وجود الغلة في الغير على الأول فلا يصح البيع لتعذر وجود المثمن إذ المثمن هو غلة البلد ، لا غلة غيره المنقولة إليه ، وهو كاف على الثاني فيصح البيع.

(١٢) فلذا يصح في الثاني المتقدم في شرحنا.

(١٣) والأولى القول (والمعتبر هو غلة بلد المسلم فيه) ولذا لا يصح في الأول المتقدم في شرحنا.

٥٤٢

(والشهور يحمل) إطلاقها (على الهلالية) (١) مع إمكانه كما إذا وقع العقد في أول الشهر ، ولو وقع في أثنائه ففي عدّه هلاليا بجبره مقدار ما مضى منه ، أو إكماله ثلاثين يوما (٢) ، أو انكسار الجميع لو كان معه غيره (٣). وعدّها (٤) ثلاثين يوما أوجه ، أوسطها الوسط ، وقوّاه في الدروس ويظهر من العبارة الأول (٥).

(ولو شرط تأجيل بعض الثمن بطل في الجميع) (٦) أما في المؤجل فظاهر ،

______________________________________________________

(١) يحمل الشهر عند الإطلاق على العدة بين الهلالين ، مع الإمكان وذلك فيما لو وقع العقد في أول ليلة الهلال وكان الأجل إلى شهر ، بلا خلاف فيه ، لأنه هو المعنى الحقيقي للشهر ، نعم لو تعذر الهلالي لقرينة أو كان العقد في الأثناء وقد فرض الأجل المتصل بالعقد إلى شهر فلا بد من حمله على ثلاثين يوما ، لأنه هو المنساق بعد تعذر الحقيقي ، هذا وقال الشارح في المسالك : (الأصل في الشهر عند الاطلاق الهلالي ، وإنما يعدل عنه إلى العددي عند تعذر حمله على الهلالي ، فمتى كان الأجل شهرا واحدا وكان العقد في أوله اعتبر الهلالي ، وإن كان في أثنائه فالعددي ، ولو كان الأجل شهرين فصاعدا ووقع في أثنائه ، ففي اعتبار الشهر بأيهما ثلاثة أقوال ـ إلى أن قال ـ : أحدها : اعتبار الشهرين بالهلالية أما الثاني فظاهر لوقوعه بأجمعه هلاليا ، وأما الأول فلصدق مضي القدر الحاصل منه عرفا كنصفه وثلثه مثلا فيتم من الثالث قدر ما فات منه ، حتى لو كان ناقصا كفى إكمال ما يتم تسعة وعشرين ، لأن النقص جاء في آخره وهو من جملة الأجل ، والفائت من الأول لا يختلف بالزيادة والنقصان ، وهذا هو الذي حكاه المصنف ـ أي المحقق في الشرائع ـ أولا.

وثانيها : اعتبار ما عدا الأول هلاليا ، ويتم الأول ثلاثين ، أما الأول فلصدق الشهر الهلالي عليه ، وأما الثاني وهو الأول المنكسر فلأنه بإهلال الثاني لا يصدق عليه أنه شهر هلالي فيكون عدديا ـ إلى أن قال ـ وهذا هو قول الأكثر.

وثالثها : انكسار الجميع بكسر الأول ، فيعتبر الكل بالعدد ، وجهه أن الشهر الثاني لا يعقل دخوله إلا بعد انقضاء الأول ـ إلى أنه قال ـ وإلى هذا القول ذهب الشيخ في أحد قوليه) انتهى.

(٢) لا نزاع ظاهرا في أن الأجل إذا كان شهرا وتعذر حمله على الهلالي فلا بد من حمله على العددي الذي هو ثلاثون يوما.

(٣) كما لو كان الأجل شهرين فصاعدا.

(٤) أي عد جميع الشهور.

(٥) وفيه منع ، إذ عبارة الماتن محمولة على إمكان الحمل.

(٦) لو شرط التأجيل في بعض الثمن بطل البيع فيه قطعا كما في الجواهر ، لأنه بيع دين ـ

٥٤٣

لاشتراط قبض الثمن قبل التفرق المنافي له ، وعلى تقدير عدم منافاته لقصر الأجل (١) يمتنع من وجه آخر ، لأنه بيع الكالئ بالكالى‌ء (٢) فقد فسره أهل اللغة بأنه بيع مضمون مؤجل بمثله ، وأما البطلان في الحال على تقدير بطلان المؤجل فلجهالة قسطه من الثمن وإن جعل كلا منهما قدرا معلوما كتأجيل خمسين من مائة ، لأن المعجل يقابل من المبيع قسطا أكثر مما يقابله المؤجل ، لتقسيط الثمن على الأجل أيضا ، والنسبة عند العقد غير معلومة.

وربما قيل بالصحة للعلم بجملة الثمن ، والتقسيط غير مانع ، كما لا يمنع لو باع ماله ومال غيره فلم يجز المالك ، بل لو باع الحر والعبد بثمن واحد مع كون بيع الحر باطلا من حين العقد كالمؤجل هنا (٣).

(ولو شرط موضع التسليم لزم) (٤) ، لوجوب الوفاء بالشرط السائغ (وإلا)

______________________________________________________

ـ بدين وهو منهي عنه ، ولاشتراط قبض الثمن في السلم قبل التفرق ، وفي القواعد والتذكرة بطلان البيع في الجميع ، أما في المؤجل فلما تقدم ، وأما في المعجّل فلأن الثمن المؤجل يقابل من المبيع قسطا أكثر مما يأخذه المعجل لأن للأجل قسطا مع أن التفاوت بين المعجل والمؤجل غير معلوم ، وإذا بطل في المؤجل يجهل حينئذ ما قابل المعجل من المبيع فيبطل البيع ، وفي الدروس احتمل الصحة ، والتقسيط بعد العقد كما لو باع سلعتين فظهرت إحداهما أنها مستحقة ، فإن التقسيط اللاحق كاف وإن جهل ما يخص كل واحدة حين العقد.

(١) بحيث يحلّ الأجل قبل التفرق.

(٢) قال في الجواهر : (وبيع الكالي بالكالي وإن لم يكن موجودا في طرقنا وإنما هو من طرق العامة ، ولكن قد عمل به الأصحاب) وقال في مصباح المنير : (وكلأ الدين يكلأ ، مهموز بفتحتين كل‌ءا ، تأخره فهو كالئ بالهمز ، ويجوز تخفيفه فيصير مثل القاضي ، وقال الأصمعي : وهو مثل القاضي ولا يجوز همزه ، ونهى عن بيع الكالئ بالكالى‌ء أي بيع النسيئة بالنسيئة ، قال أبو عبيدة : وصورته أن يسلم الرجل الدراهم في طعام إلى أجل ، فإذا حلّ الأجل ، يقول الذي عليه الطعام : ليس عندي طعام ، ولكن يعني إياه إلى أجل) انتهى.

(٣) فالبيع باطل فيه من حين العقد كذلك.

(٤) لعموم (المؤمنون عند شروطهم) (١) ، وفي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب المهور حديث ٤.

٥٤٤

يشترط (اقتضى) الإطلاق التسليم (في موضع العقد) (١) كنظائره من المبيع المؤجل

______________________________________________________

ـ (المسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل) (٢) ، ومثله.

(١) قال الشارح في المسالك : (اختلف الأصحاب في اشتراط ذكر موضع التسليم في العقد ، مع اعترافهم بأنه لا نص فيه على الخصوص ، على أقوال : أحدها : عدمه مطلقا كما اختاره المصنف ـ أي المحقق ـ والشيخ في النهاية والعلامة في التحرير والارشاد وجماعة ، لأصالة البراءة من اشتراطه ، وإطلاق الأوامر بالوفاء بالعقود ، وحل البيع ، وللاجماع على عدم اشتراطه في باقي أنواع البيع ، وإن كان مؤجلا ، بل ادعى ابن إدريس الاجماع عليه هنا ، وهو دعوى في محل النزاع.

ثانيها : اشتراطه مطلقا ، اختاره الشيخ في الخلاف وتبعه عليه جماعة ، واستقربه الشهيد رحمه‌الله ، ووجّهه أن مكان التسليم مما يختلف فيه الأغراض ـ إلى أن قال ـ فإنه قد يكون بعيدا عن المشتري فلا يرغب في تكثير الثمن ولا في الشراء على بعض الوجوه ، وقد يكون قريبا فينعكس الحكم ، وكذا القول في البائع ، ولأن المطالبة بالمبيع فرع ثبوته في الذمة واستحقاق المطالبة به ، وذلك في السلم المؤجل غير معلوم ، لأنه إنما يكون عند الحلول ، ولا يعلم في أيّ مكان تحقق الحلول على البائع ، وبهذا يفرق بينه وبين القرض ، حيث انصرف إلى مكان العقد ، وكذا البيع ، ولا يلزم مثله في بيع النسيئة لخروجه بالاجماع على عدم اشتراط تعيين محله ، وإلا لكان الدليل قائما فيه ، فلا يلحق به المختلف فيه.

ثالثها : التفصيل ، فإن كان في حمله مئونة وجب تعيين محله ، وإلا فلا ، اختاره الشيخ في المبسوط ، ووجهه يعلم مما تقدم ، فإن الأغراض إنما تختلف في محل يفتقر إلى المئونة ، أما غيره فلا.

ورابعها : أنهما إن كانا في بريّة أو بلد غربة ، قصدهما مفارقته اشترط تعيينه ، وإلا فلا وهو اختيار العلامة في القواعد والمختلف ، ووجهه أنه متى كان البلد كذلك لم يمكن التسليم في مكان العقد ، وليس أحد الأمكنة في غيره أولى من الآخر فيفضي إلى التنازع لجهالته ، بخلاف ما إذا كانا في بلد يجتمعان فيه ، فإن إطلاق العقد يقتضي التسليم في بلده.

وخامسها : إن كان بحمله مئونة أو لم يكن المحل صالحا كالقرية اشترط تعيينه وإلا فلا ، وهو خيرة العلامة في التذكرة ، ووجهه مركب من القولين السابقين عليه. ـ

__________________

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الخيار حديث ١.

٥٤٥

هذا أحد الأقوال في المسألة ، والقول الآخر : اشتراط تعيين موضعه (١) مطلقا (٢) ، وهو اختياره في الدروس ، لاختلاف الأغراض باختلافه (٣) الموجب لاختلاف الثمن والرغبة ، ولجهالة موضع الاستحقاق ، لابتنائه (٤) على موضع الحلول المجهول (٥) وبهذا فارق القرض المحمول على موضعه ، لكونه معلوما.

وأما النسيئة فخرج بالإجماع على عدم اشتراط تعيين محله ، وفصّل ثالث باشتراطه (٦) إن كان في حمله مئونة ، وعدمه بعدمه ، ورابع بكونهما في مكان قصدهما مفارقته وعدمه وخامس باشتراطه فيهما (٧) ، ووجه الثلاثة (٨) مركب من

______________________________________________________

ـ ولكل من الأقوال وجه ، إلا أن الأخير يضعّف السابقين عليه ، ويبقى الإشكال في ترجيح أحد الثلاثة ، فأصالة البراءة وحمل الاطلاق في نظائره على موضع العقد يرجّح الأول ، واختلاف الأغراض وعدم الدليل الدال على تعيين موضع العقد في المتنازع يؤيد الثاني ، ووجه الأخير ظاهر ، ولا ريب أن التعيين مطلقا أولى ، وإنما الإشكال في ترجيح أحدها من المترددين ، بقي هنا أمور :

الأول : موضع الخلاف ما لو كان السلم مؤجلا ، فلو كان حالا لم يعتبر تعيين المحل قطعا ، بل كان كغيره من البيوع يستحق المطالبة به في محل العقد ، أو في محل المطالبة إن فارقاه.

الثاني : على القول بعدم اشتراط تعيينه مطلقا أو على بعض الوجوه فمكانه موضع العقد أيضا إلا أن يعيّن موضع آخر فيتعين) انتهى كلامه زيد في علو مقامه ، ولا نزيد عليه شيئا لأنه واف بعرض الأقوال في المسألة مع أدلتها.

(١) أي موضع التسليم.

(٢) في قبال التفصيلات في بقية الأقوال.

(٣) باختلاف موضع التسليم.

(٤) أي ابتناء موضع الاستحقاق.

(٥) وهذا يوجب التنازع.

(٦) أي باشتراط تعيين موضع التسليم.

(٧) في لزوم المئونة أو البلد الذي قصد مفارقته من المتبايعين.

(٨) أي الأقوال الثلاثة الأخيرة ، أما الخامس فمركب من الرابع والثالث كما هو واضح ، وأما الرابع والثالث فوجه إثبات الاشتراط فيهما آت من القول الثاني لأن مكان التسليم مما يوجب اختلافه اختلاف الثمن والأغراض فإن كان في حمله مئونة فهو يوجب اختلاف ـ

٥٤٦

الأولين ولا ريب أن التعيين مطلقا أولى.

(ويجوز اشتراط السائغ في العقد) (١) كاشتراط حمله إلى موضع معين ، وتسليمه كذلك (٢) ، ورهن (٣) وضمين (٤) ، وكونه من غلة أرض ، أو بلد لا تخيس (٥) فيها غالبا ، ونحو ذلك ، (و) كذا يجوز (بيعه بعد حلوله) ، وقبل قبضه (٦)

______________________________________________________

ـ الثمن فيه كما هو القول الثالث ، وكذا إذا كانا فى بلد من قصدهما مفارقته فهو موجب لاختلاف الثمن باختلافه كما هو القول الرابع.

ووجه النفي فيهما ناشئ من القول الأول لأنه إذا لم يكن في حمله مئونة أو كانا في بلدهما فلا دليل بخصوصه على التعيين فتجري أصالة البراءة.

(١) أي يجوز اشتراط الشرط غير المخالف لكتاب الله في عقد بيع السلم ، كاشتراطه في بقية أنواع البيع وبقية العقود ، لعموم المؤمنون عند شروطهم المتقدم.

(٢) أي في موضع معين.

(٣) بأن يطالب المشتري الرهن من البائع.

(٤) بمعنى الضامن فيجوز أن يطالب المشتري البائع بالضامن له.

(٥) أي لا تخيس الغلة بمعنى لا تفسد أو لا تنقص ، لأنه يشترط في السلم أن لا يتخلف المثمن بحسب العادة.

(٦) أما قبل حلوله فلا يجوز للاجماع المحكي في التنقيح وظاهر الغنية وجامع المقاصد وغيرها ، وليس المنع لعدم ملكيته قبل الأجل ضرورة عدم مدخليته في ذلك إذ العقد هو السبب في الملك والأجل إنما هو للمطالبة ، وليس المنع لعدم القدرة على التسليم إذ من المعلوم أنها في المؤجل عند الأجل.

أما بعد الحلول وقبل القبض فمقتضى الأصول والقواعد وعموم أو إطلاق الأخبار جواز بيعه قبل القبض على الغريم وعلى غيره بجنس الثمن وغيره ، بزيادة أو نقصان أو مساواة ، كان ذلك مكيلا أو موزونا ما لم يستلزم الربا أو غيرهما ، ولنصوص.

منها : مرسل أبان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يسلم الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول : ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ مني ثمنه ، فقال : لا بأس بذلك) (١) ، وموثق ابن فضال (كتبت إلى أبي الحسن عليه‌السلام : الرجل يسلفني في الطعام فيجي‌ء الوقت وليس عندي طعام ، أعطيه بقيمته دراهم؟ فقال : نعم) (٢) ومثلها ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ٨.

٥٤٧

...

______________________________________________________

ـ غيرها ، من غير فرق بين الغريم كما هو مورد الأخبار وغيره لعدم القائل بالفرق بين الطائفة كما في الرياض.

وعن الأكثر كما في الدروس المنع في صورة التفاوت بزيادة إذا كان البيع بجنس الثمن لأخبار.

منها : صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من اشترى طعاما أو علفا إلى أجل فلم يجد صاحبه وليس شرطه إلا الورق ، وإن قال : خذ مني بسعر اليوم ورقا فلا يأخذ إلا شرطه طعامه أو علفه فإن لم يجد شرطه وأخذ ورقا ، لا محالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلا رأس ماله ، (لٰا تَظْلِمُونَ وَلٰا تُظْلَمُونَ)) (١) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل أعطى رجلا ورقا في وصف إلى أجل مسمى ، فقال له صاحبه : لا نجد لك وصيفا ، خذ مني قيمة وصيفك اليوم ورقا ، فقال : لا يأخذ إلا وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة ، لا يزداد عليه شيئا) (٢) ، وصحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يسلف في الحنطة والثمرة مائة درهم فيأتي صاحبه حين يحلّ الذي له فيقول : والله ما عندي إلا نصف الذي لك فخذ مني إن شئت بنصف الذي لك حنطة وبنصفه ورقا ، فقال : لا بأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه) (٣).

ونسب إلى الشيخ في التهذيب المنع فيما لو باعه غير جنسه لخبر علي بن جعفر (سألته عن رجل له على آخر تمرا أو شعيرا أو حنطة أيأخذ بقيمته دراهم؟ قال : إذا قدّمه دراهم فسد ، لأن الأصل الذي اشترى به دراهم ، فلا يصلح دراهم بدراهم) (٤) وهو ضعيف السند ولم تثبت دعوى العمل به للشيخ فهو معرّض عنه بين الأصحاب.

هذا كله في السلم وأما في غيره فالأخبار فيه متعارضة ، فبعضها دال على الجواز كخبر جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يشتري الطعام ثم يبيعه قبل أن يقبضه ، قال : لا بأس) (٥) وخبر الكرخي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : اشترى الطعام إلى أجل مسمى فيطلبه التجار بعد ما اشتريته قبل أن أقبضه ، قال : لا بأس أن تبيع إلى أجل اشتريت ، وليس لك أن تدفع قبل أن تقبض) (٦).

وبعضها دال على المنع مطلقا إلا تولية كصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ١٥ و ٩.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ١٦ و ١٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٦ و ١٩.

٥٤٨

(على الغريم ، وغيره على كراهة) ، للنهي عن ذلك في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تبيعنّ شيئا

______________________________________________________

ـ (عن الرجل يبيع البيع قبل أن يقبضه فقال : ما لم يكن كيل أو وزن فلا تبعه حتى تكيله أو تزنه إلا أن تولّيه الذي قام عليه) (١) ، وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا اشتريت متاعا فيه كيل أو وزن فلا تبعه حتى تقبضه إلا أن تولّيه ، فإذا لم يكن فيه كيل ولا وزن فبعه) (٢) وبعضها دال على المنع مطلقا كخبر حزام بن حكيم بن حزام قال : (ابتعت طعاما من طعام الصدقة فأربحت فيه قبل أن اقبضه فأردت بيعه ، فسألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : لا تبعه حتى تقبضه) (٣) ، وخبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلا من أصحابه واليا فقال له : إني بعثتك إلى أهل الله ـ يعني أهل مكة ـ فانههم عن بيع ما لم يقبض) (٤) ولذا ذهب بعضهم للكراهة فيما يكال أو يوزن إذا باعه قبل القبض كما عن المفيد والشيخ في النهاية بل هو المشهور بين المتأخرين للجمع بين أخبار الجواز وأخبار المنع في المكيل والموزون ، وبعضهم ذهب إلى الكراهة في الطعام كما عن المبسوط والخلاف والغنية والصدوق والقاضي جمعا بين أخبار الجواز وأخبار المنع في الطعام كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يبتاع الطعام ثم يبيعه قبل أن يكتاله ، قال : لا يصلح له ذلك) (٥).

هذا والشارح كما يظهر من المسالك قد جعل المسألتين من سنخ واحد وحكم لضعف أخبار الجواز الواردة هنا ـ أعني خبر جميل وخبر الكرخي ـ أما خبر جميل فلاشتمال سنده على عليّ بن حديد وهو ضعيف ، والآخر مجهول ، ولذا ذهب إلى الحرمة وهذا ما ذهب إليه العماني أيضا.

وفيه إن الفرق بين مسألة السلم وغيره واضح ولو بملاحظة النصوص الواردة في المسألتين ولذا قال صاحب الجواهر في مسألة بيع المشاع قبل قبضه ولم يكن سلما ، بعد ما استعرض أخبار الجواز : (مضافا إلى النصوص الدالة على جواز بيع السلم بعد حلوله وقبل قبضه ، بل لا خلاف أجده فيه هناك إلا من بعضهم إذا كان البيع بجنس الثمن مع الزيادة ، بناء على أن المسألتين من واد واحد كما صرح به في الروضة والمسالك ، واختار فيهما معا الحرمة ، إلا أن النصوص شاهدة بخلافه) انتهى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١٢ و ٢١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٥.

٥٤٩

حتى تقبضه» (١) ، ونحوه المحمول على الكراهة ، وخصها بعضهم بالمكيل والموزون ، وآخرون بالطعام ، وحرمه آخرون فيهما وهو الأقوى ، حملا لما ورد صحيحا من النهي على ظاهره ، لضعف المعارض الدال على الجواز (٢) الحامل للنهي على الكراهة ، وحديث النهي عن بيع مطلق ما لم يقبض لم يثبت (٣) ، وأما بيعه قبل حلوله فلا ، لعدم استحقاقه (٤) حينئذ. نعم لو صالح عليه (٥) فالأقوى الصحة (٦).

(وإذا دفع) المسلم إليه (فوق الصفة (٧) وجب القبول) ، لأنه خير وإحسان ،

______________________________________________________

(١) وهو خبر حزام بن حكيم بن حزام المتقدم.

(٢) وهو خبر جميل وخبر الكرخي.

(٣) لأن خبر حزام وخبر عمار الدالان على النهي عن بيع ما لم يقبض مطلقا ضعيفان.

(٤) قد عرفت أنه يملكه بمجرد العقد ، وإنما المانع هو الاجماع فقط.

(٥) أي المسلم فيه.

(٦) بناء على أن الصلح عقد مستقل كما يظهر من المسالك هنا ، فالصحة متجهة للأصل ، نعم لو قلنا بأنه نوع من البيع في مورد البيع فيشمله أدلته حينئذ.

(٧) البائع الذي سلم إليه الثمن لو دفع المثمن فإما أن يكون المثمن دون الصفة أو المقدار المشترطين في العقد أو مطابقا لهما أو زائدا عليهما.

فإن كان دون الصفة أو المقدار فلا خلاف ولا إشكال من أنه لا يجب على المسلّم ـ أي المشتري ـ القبول ، وإن كان أجود من وجه آخر ، لأنه ليس نفس حقه ، نعم لو رضي المشتري به صح وبرئت ذمة المسلّم إليه الذي هو البائع.

وإن كان مطابقا لهما وجب على المسلّم ـ أي المشتري ـ القبول لأنه الحق الذي يطالبه به ، ولا يجب على البائع أكثر منه ولا أحسن صفة منه.

وإن كان زائدا فتارة تكون الزيادة في الصفة وأخرى في المقدار ، فإن كانت بالصفة وجب قبوله بلا خلاف معتدّ به كما في الجواهر إلا من ابن الجنيد اعتمادا على صحيح سليمان بن خالد (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن رجل يسلم في وصف أسنان معلومة ولون معلوم ، ثم يعطي فوق شرطه ، فقال : إذا كان على طيبة نفس منك ومنه فلا بأس به) (١) ، ومثله غيره وهذا صريح بعدم وجوب القبول إلا مع التراضي.

وحجة المشهور أن المعطى فيه خير وإحسان فالامتناع منه عناد ، ولو وجب على البائع تقديم عين الوصف لاستحال هنا إزالة الوصف الزائد مع مساواة المثمن المدفوع لما في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب السلف حديث ٨.

٥٥٠

فالامتناع منه عناد ، ولأن الجودة صفة لا يمكن فصلها فهي تابعة ، بخلاف ما لو دفع أزيد قدرا يمكن فصله ولو في ثوب ، وقيل : لا يجب ، لما فيه من المنة (ودونها) أي دون الصفة المشترطة (لا يجب) قبوله وإن كان أجود من وجه آخر لأنه ليس حقّه مع تضرره به ، ويجب تسليم الحنطة ونحوها عند الاطلاق (١) نقية من الزوان والمدر (٢) ، والتراب ، والقشر غير المعتاد (٣) ، وتسليم التمر والزبيب جافين (٤) ، والعنب والرطب صحيحين (٥) ، ويعفى عن اليسير المحتمل عادة (٦).

(ولو رضي المسلم به) أي بالأدون صفة (لزم) ، لأنه أسقط حقه من الزائد برضاه ، كما يلزم لو رضي بغير جنسه ، (ولو انقطع) المسلم فيه (عند الحلول) (٧)

______________________________________________________

ـ العقد جنسا ونوعا وعددا ، ولا ينقضي تعجبي من ترك العمل بهذه الأخبار لدليل اعتباري ، مع أن الاحسان لا يجب قبوله فالامتناع حينئذ لا يكون عنادا محرما ، نعم يجب على البائع تقديم عين الموصوف فإن لم يكن في يده فلا يجب عليه إزالة الزائد بل يشتري غيره المطلوب.

وإن كانت الزيادة في المقدار كما لو قدم ثوبين والعقد على واحد فلا يجب قبول الزيادة للأصل والمنة التي لا يخفى ما في تحملها من المشقة.

(١) أي إطلاق الحنطة ونحوها في العقد.

(٢) وهو قطع التراب اليابس.

(٣) حملا للشي‌ء على المتعارف.

(٤) تحقيقا لمعناهما.

(٥) للانصراف.

(٦) كما هو المتعارف بين أهل العرف.

(٧) بحيث يكون المثمن غالب الوجود وقت العقد ، وبحسب الطبع سيستمر إلى حين الأجل ، ولكن لعارض انعدم المثمن عند الأجل ، قال الشافعي في أحد قوليه بفسخ البيع لكونه كالمبيع التالف قبل قبضه ، ويدفعه النص الآتي ، بل يجوز للمشتري الصبر بلا خلاف فيه ولا إشكال لموثق ابن بكير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل أسلف في شي‌ء يسلف الناس فيه من الثمار ، فذهب زمانها ولم يستوف سلفه ، قال عليه‌السلام : فليأخذ رأس ماله أو لينظره) (١).

والتعبير بأخذ رأس ماله هو تعبير آخر عن الفسخ ، وللمشتري الفسخ أيضا لأن العقد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب السلف حديث ١٤.

٥٥١

حيث يكون مؤجلا ممكن الحصول بعد الأجل عادة فاتفق عدمه (تخيّر) المسلم (بين الفسخ) فيرجع برأس ماله ، لتعذر الوصول إلى حقه ، وانتفاء الضرر ، (و) بين (الصبر) إلى أن يحصل ، وله أن لا يفسخ ولا يصبر (١) ، بل يأخذ قيمته حينئذ (٢) ، لأن ذلك هو حقه. والأقوى أن الخيار ليس فوريا (٣) فله الرجوع بعد الصبر إلى أحد الأمرين (٤) ما لم يصرّح بإسقاط حقه من الخيار ، ولو كان الانقطاع بعد بذله (٥) له ورضاه (٦) بالتأخير سقط خياره ، بخلاف ما لو كان بعدم المطالبة (٧) ، أو بمنع البائع مع إمكانه.

______________________________________________________

ـ مبني على تأجيل المثمن إلى أجل معلوم ، وقد حلّ الأجل والبائع غير مستطيع للتسليم فالانتظار حتى الاستطاعة ضرر على المشتري فلذا له حق الفسخ.

وعن ابن إدريس أنه ليس له الفسخ لأصالة اللزوم في العقود ، وهو كالاجتهاد في قبال النص بل عن العلامة في المختلف في مقام الرد عليه قال : (إنه لم يوافقه عليه أحد من علمائنا ، ولا أظن أحدا أفتى به) انتهى.

(١) عن حواشي الشهيد عن السيد العميد أن له مضافا إلى الفسخ والصبر المطالبة بقيمة المسلم فيه عند الأداء ، واستحسنه في المسالك ومحكي الميسية ، بل جزم به الشارح هنا في الروضة ، كما مال إليه سيد الرياض ، لأنها البدل عند تعذر الحق ، فهو كتلف المثلي الذي يتعذر مثله الموجب للانتقال للقيمة ، وفيه : إن ظاهر موثق ابن بكير المتقدم على خلافه.

(٢) حين التعذر وهو وقت حلول الأجل كما هو المفروض.

(٣) للأصل وإطلاق النص.

(٤) من الفسخ أو القيمة وقت الحلول.

(٥) أي بعد بذل البائع للمسلم فيه للمشتري.

(٦) أي رضى المشتري ، ثم انقطع المسلم فيه فعدمه مستند إلى تقصير المشتري بعدم قبضه فلا خيار له ، لأنه رضي بتأخير حقه ولو فات ، ولا ينافيه إطلاق النص المتقدم لعدم شموله لمحل الفرض.

(٧) حق العبارة المتقدمة مع هذه العبارة أن يقال : لو طالب المشتري فبذل البائع ثم رضي المشتري بالتأخير فانعدم المسلم فيه سقط خياره ، أما لو لم يطالب بالأداء فمنع البائع فيثبت للمشتري الخيار المذكور ، وكذلك يثبت الخيار لو منع البائع دفع المثمن مع إمكانه حتى عدم ، ولقد أجاد في المسالك في عرض هذه الصور الثلاث بقوله : (لو كان التأخير اقتراحا من البائع خاصة ، والحق حينئذ أن الخيار يثبت للمشتري ، كما لو كان التأخير لعارض لاشتراكهما في المعنى بالنسبة إليه ، ولا فرق حينئذ بين أن يطالب بالاداء وعدمه ، نعم لو رضي بالتأخير ثم عرض المانع فالمتجه سقوط خياره).

٥٥٢

وفي حكم انقطاعه عند الحلول موت المسلم إليه قبل الأجل (١) ، وقبل وجوده ، لا العلم قبله بعدمه بعده (٢) ، بل يتوقف الخيار على الحلول على الأقوى ، لعدم وجود المقتضي له الآن ، إذ لم يستحق شيئا حينئذ ، ولو قبض البعض تخير أيضا (٣) بين الفسخ في الجميع ، والصبر بين أخذ ما قبضه ، والمطالبة بحصة غيره من الثمن (٤) ، أو قيمة المثمن على القول الآخر (٥) ، وفي تخير المسلم إليه (٦) مع الفسخ (٧) في البعض وجه قوي (٨) ، لتبعض الصفقة عليه ، إلا أن يكون الانقطاع من تقصيره فلا خيار له.

______________________________________________________

(١) لو مات البائع قبل الأجل فحكمه حكم الصورة السابقة فيما لو انقطع المثمن عند الحلول الموجب لخيار المشتري بين الفسخ والصبر ، مع ضميمة المطالبة بالقيمة عند الحلول كما هو رأي الشارح ، وكان الحكم واحدا في الصورتين لأن المثمن دين في ذمة البائع فيشمله عموم ما دل على حلول ما على الميت من دين بالموت كما سيأتي بحثه في بابه ، ولا ينتظر فيه الأجل فلو كان المثمن معدوما حين الموت يجري فيه الخيار المذكور.

(٢) أي لو علم المشتري قبل حلول الأجل بعدم المثمن بعد الأجل ، فهل يثبت له الخيار بين الفسخ والانتظار ، قال في الجواهر : (لم يرجح أحدهما في القواعد والتذكرة والدروس وغيرها ، ولكن الأولى العدم ـ عدم الخيار ـ وفاقا للروضة والمسالك وغيرهما اقتصارا فيما خالف الأصل الدال على اللزوم على المتيقن ، والتفاتا إلى عدم وجود المقتضي الآن إذ لم يستحق عليه شيئا).

(٣) لو قبض المشتري بعض المثمن وقد انعدم البعض الآخر كان له حق الصبر إلى وجوده كما له حق الصبر عند تعذر الكل ، وكان له أيضا الفسخ ، إما فسخ العقد بالنسبة للمتعذر لتفويت حقه ، وإما فسخ جميع العقد لتبعض الصفقة عليه عند انعدام بعض المثمن بلا خلاف في شي‌ء من هذا ، ثم من قال في تعذر الكل : إن للمشتري حق المطالبة بقيمة المعدوم وقت الحلول كالشارح ، كذلك يقول هنا بأن له المطالبة بقيمة البعض المعدوم.

(٤) أي الفسخ في الباقي.

(٥) وهو قول الشارح كما عرفت عند ما قال : (وله أن لا يفسخ ولا يصبر بل يأخذ قيمته حينئذ لأن ذلك هو حقه).

(٦) وهو البائع.

(٧) من قبل المشتري في بعض المثمن المعدوم.

(٨) لأنه مع فسخ المشتري لبعض المثمن تتبعض الصفقة على البائع ، لأنه أقدم على بيع تمام المثمن ولم يسلم له بل سلم به بيع البعض فله الخيار.

٥٥٣

(الفصل السابع : في أقسام البيع بالنسبة إلى الإخبار بالثمن (١)

وعدمه ، وهو أربعة أقسام)

لأنه إما أن يخبر به ، أو لا ، والثاني المساومة ، والأول إما أن يبيع معه (٢) برأس المال ، أو بزيادة عليه ، أو نقصان عنه ، والأول التولية ، والثاني المرابحة ، والثالث المواضعة ، وبقي قسم خامس (٣) وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله (٤) ، ولم يذكره كثير وذكره المصنف هنا وفي الدروس ، وفي بعض الأخبار (٥) دلالة عليه وقد تجتمع الأقسام في عقد واحد ، بأن اشترى خمسة ثوبا بالسوية (٦) ، لكن ثمن نصيب أحدهم عشرون ، والآخر خمسة عشر ، والثالث عشرة ، والرابع خمسة ، والخامس لم يبيّن (٧) ، ثم باع من عدا الرابع نصيبهم بستين (٨) بعد إخبارهم بالحال ،

______________________________________________________

(١) هذا هو جهة التقسيم ، وإلا يمكن تقسيمه باعتبارات أخرى كبيع السلف والنسيئة وهكذا.

(٢) مع الإخبار بالثمن.

(٣) قال في الجواهر : (وزاد أول الشهيدين التشريك ، وهو إعطاء بعض المبيع برأس ماله ، بأن يقول : شركتك في هذا المتاع نصفه مثلا بنصف ثمنه بعد العلم بقدره ، وتبعه عليه ثاني الشهيدين بعد اعترافه بأنه لم يذكره كثير ، وقال : وفي بعض الأخبار دلالة عليه ـ إلى أن قال ـ يمكن اندراجه في التولية بدعوى تعميمها حينئذ للجميع والبعض ، فتكون قسمة الأصحاب حينئذ بحالها) انتهى.

(٤) أي برأس مال هذا البعض.

(٥) وهو خبر وهيب بن حفص عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الرجل يشارك الرجل على السلعة ويولّيه عليها ، قال : إن ربح فله وإن وضع فعليه) (١).

(٦) فيكون لكل واحد خمس الثوب ، وقد اشترى كل واحد هذا الخمس بالمساومة ، وهذا ليس هو المثال ، بل المثال في بيعهم فلا تغفل.

(٧) بكم اشترى خمسه.

(٨) فيكون كل واحد قد باع خمسه من الثوب بخمسة عشر.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الشركة حديث ٦.

٥٥٤

والرابع شرّك في حصته ، فهو بالنسبة إلى الأول مواضعة (١) ، والثاني تولية (٢) ، والثالث مرابحة (٣) ، والرابع تشريك (٤) ، والخامس مساومة (٥) ، واجتماع قسمين ، وثلاثة ، وأربعة منها على قياس ذلك ، والأقسام الأربعة :.

(أحدها. المساومة)

(٦) وهي البيع بما يتفقان عليه من غير تعرض للإخبار بالثمن ، سواء علمه المشتري ، أم لا وهي أفضل الأقسام.

(وثانيها. المرابحة : ويشترط فيها العلم)

أي علم كل من البائع والمشتري (بقدر الثمن ، و) قدر (الربح) (٧) والغرامة ، والمؤن (٨) ...

______________________________________________________

(١) لأنه باع خمس الثوب بخمسة عشر وهذا أقل مما اشتراه سابقا مع أخباره برأس المال فيكون مواصفة.

(٢) لأنه باعه بمقدار ما اشتراه مع أخباره برأس ماله فيكون تولية.

(٣) لأنه باعه بخمسة عشر وقد اشتراه بعشرة مع أخباره برأس ماله فيكون مرابحة.

(٤) بحيث شرّك في حصة من خمسة كما لو باع نصفها بنصف ثمنها.

(٥) لأنه لم يخبر بأي ثمن قد اشترى خمسه من الثوب إلا أنه باعه بخمسة عشر فيكون مساومة.

(٦) وهي أفضل الأقسام للأخبار.

منها : خبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إني لأكره بيع عشرة بإحدى عشرة ، وعشرة باثني عشر ونحو ذلك من البيع ، ولكن أبيعك بكذا وكذا مساومة ، وقال عليه‌السلام : وأتاني متاع من مصر فكرهت أن أبيعه كذلك ، وعظم عليّ فبعته مساومة) (١) ، والمساومة أبعد عن الكذب والتدليس والتغرير.

(٧) قال في الجواهر : (ولا بد أن يكون رأس ماله معلوما وقدر الربح معلوما عندهما حال البيع بلا خلاف أجده فيه).

(٨) قيل : إن المئونة للاستيفاء والغرامة للاسترباح ، أو أن المئونة بعد التحصيل لما يمونه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٤.

٥٥٥

إن ضمها (١) ، (ويجب على البائع الصدق) (٢) في الثمن ، والمؤن ، وما طرأ من موجب النقص (٣) والأجل وغيره (فإن لم يحدث فيه زيادة (٤) قال : اشتريته ، أو هو عليّ ، أو تقوّم) بكذا ، (وإن زاد بفعله) من غير غرامة مالية (أخبر) بالواقع ، بأن يقول : اشتريته بكذا ، وعملت فيه عملا يساوي كذا ، ومثله ما لو عمل فيه متطوع (٥).

(وإن زاد باستئجاره) عليه (ضمّه فيقول : تقوّم عليّ) بكذا (لا اشتريت به) ، لأن الشراء لا يدخل فيه إلا الثمن ، بخلاف تقوّم عليّ فإنه يدخل فيه الثمن ، وما

______________________________________________________

ـ والغرامة قبله لأجل تحصيله ، وقد يطلق أحدهما على الآخر كالفقير والمسكين إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا ، وقيل : إن المؤن ما يلزم الاسترباح كأجرة البيت الذي يحفظ المتاع فيه والغرامة أعم بحسب المفهوم لأن المراد منها ما غرمه من أجرها وغيرها.

(١) أي ضم المؤن والغرامة إلى رأس المال.

(٢) لحرمة أكل أموال الناس بالباطل.

(٣) كالعيب.

(٤) قال في الجواهر : (إذا كان البائع لم يحدث في المبيع حدثا ولا غيره عما كان عليه عند البائع ـ أي البائع الأول ـ ولا حصل ذلك من غير المشتري ، بل كان المبيع على الحال الذي انتقل إليه فيها فالعبارة عن الثمن أن يقول : اشتريته بكذا ، أو رأس ماله كذا ، أو تقوّم عليّ ، أو هو عليّ ، أو نحو ذلك من العبارات المفيدة للمطلوب.

وإن كان قد عمل فيه ما يقتضي الزيادة في قيمته ، قال : رأس ماله كذا وعملت فيه بكذا ، ونحوه اشتريته أو تقوم عليّ أو هو عليّ ، ضرورة عدم الفرق هنا بين الجميع بعد أن ذكر العمل بعبارة مستقلة) انتهى.

(٥) فلا يصح القول اشتريته بمائة مع أنه قد اشترى المتاع بتسعين وعمل المتطوع عشرة ، بل عليه أن يقول : اشتريته بتسعين وعمل المتطوع عشرة كما هو الواقع لوجوب الصدق كما تقدم ، نعم ذهب جماعة إلى جواز إضافة عمل المتطوع إلى رأس المال كما يجوز إضافة عمل نفسه إلى رأس المال أو عمل الأجنبي إذا كان باستئجار وأشكل عليه بأن ما يصح إضافته إلى رأس المال هو الغرامات وعمل المتطوع لا غرامة فيه ، وهو إشكال ضعيف إذ لا دليل على حصر المضاف بالغرامة فقط ، بل المدار على الأخبار عن رأس المال الحالي مع بيان الربح سواء كان رأس المال الحالي مشتملا على عمل نفسه أو غيره ، بتطوع أو باستئجار.

٥٥٦

يلحقه من أجرة الكيّال ، والدلّال والحارس ، والمحرس (١) ، والقصّار (٢) ، والرفاء (٣) ، والصباغ ، وسائر المؤن المرادة للاسترباح (٤) ، لا ما يقصد به استيفاء الملك (٥) ، دون الاسترباح ، كنفقة العبد ، وكسوته ، وعلف الدابة نعم العلف الزائد على المعتاد للتسمين يدخل ، والأجرة وما في معناها (٦) لا تضمّ إلى اشتريت بكذا ، (إلا أن يقول : واستأجرت بكذا) فإن الأجرة تنضم حينئذ إلى الثمن للتصريح بها.

واعلم أن دخول المذكورات ليس من جهة الإخبار ، بل فائدته إعلام المشتري بذلك ليدخل في قوله : بعتك بما اشتريت ، أو بما قام عليّ ، أو بما اشتريت واستأجرت وربح كذا.

(وإن طرأ عيب وجب ذكره) (٧) ، لنقص المبيع به عمّا كان حين شراه ، (وإن أخذ أرشا) بسببه (أسقطه) (٨) لأن الأرش جزء من الثمن ، فكأنه اشتراه بما عداه ،

______________________________________________________

(١) وهو المكان المحروس الذي يوضع فيه المتاع.

(٢) قال في مصباح المنير : (قصرت الثوب قصرا بيضته ، والقصارة بالكسر الصناعة والفاعل قصّار).

(٣) قال في المصباح ما حاصله : (رفوت الثوب رفوا ورفيا ، وهي لغة بني كعب ، وفي لغة : رفأته ، مهموز ، إذا أصلحته ، ومنه يقال : بالرفاء والبنين ، أي بالاصلاح ، وبين القوم رفاء ، أي التحام واتفاق).

(٤) فكل شي‌ء ينفق على المتاع من أجل الربح فإذا حسب مع الثمن وأخبر عن الجميع بلفظ : تقوم عليّ ، فيكون التعبير صادقا.

(٥) فلفظ (تقوم عليّ) لا يشمله حتى يدخل تحته من دون تصريح.

(٦) لو اشترى متاعا واستأجر عليه غيره ، أو وقام هو بنفسه بالعمل ، فلا تنضم هذه الأجرة وما في معناها إلى الثمن بلفظ اشتريت ، نعم يصح أن يقول : تقوم عليّ أو هذا عليّ.

(٧) بلا فرق في العيب بآفة سماوية أو بجنايته أو بجناية أجنبي ، لأن المشتري يبني العقد على العقد الأول ويتوهم بقاء المبيع على الحالة التي اشتراها البائع ، والحال أنه ليس كذلك لنقصه بحدوث العيب عما كان عليه حين شراء البائع.

(٨) وأخبر بالباقي لأن الأرش جزء من الثمن فيكون الثمن الذي اشترى به المتاع هو الباقي فقط ، ثم لو قال : اشتريته بكذا الذي هو مجموع الثمن الذي رجع بعضه بالأرش فهو وإن كان صادقا من ناحية الصيغة إلا أن ظاهر العبارة أنه دفع المجموع ولم يرجع إليه شي‌ء والمفروض ليس كذلك فيكون كذبا.

٥٥٧

وإن كان قوله : اشتريته بكذا حقا (١) لطروء النقصان الذي هو بمنزلة الجزء ، ولو كان الأرش بسبب جناية (٢) لم يسقط من الثمن ، لأنها حق متجدد لا يقتضيها العقد كنتاج الدابة ، بخلاف العيب وإن كان حادثا بعد العقد (٣) حيث يضمن ، لأنه بمقتضى العقد أيضا فكان كالموجود حالته (٤). ويفهم من العبارة (٥) إسقاط مطلق الأرش (٦) وليس كذلك ، وبما قيدناه صرح في الدروس كغيره.

(ولا يقوّم أبعاض الجملة) (٧) ويخبر بما يقتضيه التقسيط من الثمن وإن كانت

______________________________________________________

(١) من ناحية الصيغة كما عرفت.

(٢) لو فرضنا أن السيد اشترى عبدا بثمن ثم جني على العبد بجناية فأخذ السيد قيمة الجناية فإنه لا يسقط من الثمن ، بلا خلاف فيه ولا إشكال كما في الجواهر ، لأن قيمة الجناية نماء متجدد وقد حدث في ملك السيد كالنتاج ، والفرق بين الجناية والعيب أن العيب قد ثبت أرشه بالعقد فلو كان معيبا فينقص من الثمن بقدره بخلاف الجناية فإنها حق أمر متجدد بعد العقد كنتاج الدابة فلا تكون جزءا من الثمن ، فلو أراد السيد أن يبيعه ويخبر برأس ماله فلا يسقط منه قيمة الجناية كما لا يسقط نمائه الحاصل بعد العقد.

(٣) وقبل القبض ، أو بعد القبض في زمن الخيار ، لأن التالف فيهما جزئيا أو كليا على البائع فيكون العيب فيهما مضمونا.

(٤) حالة العقد.

(٥) عبارة المصنف.

(٦) حتى ما لو كان بجناية الغير بعد الملك ، وهو ليس كذلك لأن أرش جناية الغير لا يسقط من الثمن كالنماء المتجدد.

(٧) لو اشترى الإنسان أمتعة متعددة صفقة واحدة بثمن ، ثم قوّم الثمن على هذه الأمتعة ، وهي لا تخلو إما أن تكون متساوية في الثمن وإما لا ، فالأول أن يشتري خمسة أثواب صفقة واحدة بمائة درهم ثم يقسّط الثمن فيكون قد اشترى الثوب الواحد بعشرين درهما ، والثاني أن يشتري عبدا وثوبا بمائة درهم ثم يقسط الثمن فعلى العبد تسعون وعلى الثوب عشرة ، وعلى كلا الحالتين لا يجوز أن يبيع الثوب بقوله : اشتريته بعشرين أو بعشرة وأريد ربح كذا ، على المشهور شهرة عظيمة للأخبار.

منها : خبر أبي حمزة عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الرجل يشتري المتاع جميعا بالثمن ، ثم يقوّم كل ثوب بما يسوى حتى يقع على رأس ماله جميعا ، أيبيعه مرابحة؟ قال : لا ـ

٥٥٨

متساوية ، أو أخبر بالحال (١) ، لأن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع ، لا الأفراد وإن (٢) يقسّط الثمن عليها في بعض الموارد ، كما لو تلف بعضها ، أو ظهر مستحقا.

(ولو ظهر كذبه) (٣) في الإخبار بقدر الثمن ، أو ما في حكمه (٤) أو جنسه (٥) ، أو وصفه (٦) ، (أو غلطه) ببينة ، أو إقرار (تخير المشتري) بين رده ،

______________________________________________________

ـ حتى يبين له إنما قوّمه) (١).

وقال في المسالك : (والمستند مع النص أن المبيع المقابل بالثمن هو المجموع لا الأفراد ، وإن تقوم بها ـ أي وإن تقوم الثمن بالأفراد ـ وقسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف بعضها أو ظهر مستحقا ، وهذا التعليل شامل للمماثلة والمختلفة ، وردّ بالتسوية على ابن الجنيد حيث جوّزه في المماثلة لقفيزي حنطة وهو ضعيف). لأنه اجتهاد في قبال النص.

(١) هذا استثناء ، بأن يقول : اشتريت المجموع بكذا وقوّمت الثمن عليه فأصاب هذه القطعة من المبيع كذا من الثمن ، وهو جائز لدلالة الرواية عليه ، وتكون (أو) هنا بمعنى إلا أن يخبر بالحال ، أو بمعنى : إلى أن يخبر بالحال.

(٢) إن وصلية والمعنى : وإن قسط الثمن عليها في بعض الموارد كما لو تلف قبل قبض المشتري أو ظهر مستحقا لغير البائع فيقسط ، والتقسيط هنا لا يقتضي التقسيط هناك للنص وللاعتبار المتقدم.

(٣) لو باع مرابحة فبان أن رأس ماله أقل مما أخبر ، إما بالاقرار وإما بالبينة ، فالبيع صحيح بلا خلاف للأصل بعد عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٢) ، نعم لمكان الكذب في الإخبار كان المشتري بالخيار بين رده وفسخ العقد ، أو امضائه بالثمن الذي وقع عليه العقد. وعن ابن الجنيد ، والشيخ أن المشتري يأخذ المبيع باسقاط الزيادة التي كذّب فيها البائع ، وفيه : إن العقد قد وقع على الثمن الذي كذّب فيه البائع.

ومثله ما لو أخبر البائع بالأزيد عن رأس ماله غفلة واشتباها لا كذبا ، ومثله ما لو أخبر بما هو بحكم رأس ماله كأجرة الدلال وغيره من المؤن والغرامة.

(٤) كأجرة الدلال والكيّال وغيرهما.

(٥) بأن يكون جنس الثمن من الدنانير فأخبر أنه اشتراه بدراهم تساوي الدنانير التي دفعها.

(٦) بأن يكون قد اشتراه بدراهم من الجنس الردي‌ء فأخبر أنه اشتراه بدراهم من الجنس الجيد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٥.

(٢) سورة المائدة ، الآية : ١.

٥٥٩

وأخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد ، لغروره (١). وقيل : له أخذه بحط الزيادة وربحها (٢) ، لكذبه مع كون ذلك (٣) هو مقتضى المرابحة شرعا ، ويضعف بعدم العقد على ذلك فكيف يثبت مقتضاه.

وهل يشترط في ثبوت خيار المشتري على الأول (٤) بقاؤه على ملكه وجهان ، أجودهما العدم ، لأصالة بقائه مع وجود المقتضي ، وعدم صلاحية ذلك للمانع ، فمع التلف ، أو انتقاله عن ملكه انتقالا لازما ، أو وجود مانع من رده كالاستيلاد يرد مثله ، أو قيمته إن اختار الفسخ ، ويأخذ الثمن ، أو عوضه (٥) مع فقده.

(ولا يجوز الإخبار بما اشتراه من غلامه) الحر ، (أو ولده) ، أو غيرهما (حيلة (٦) ، لأنه خديعة) وتدليس ، فلو فعل ذلك أثم وصح البيع ، لكن يتخير

______________________________________________________

(١) أي لغرور المشتري.

(٢) أي يحط الزيادة وما يلحقها من الربح.

(٣) أي الحط المذكور.

(٤) وهو القول المشهور ، لأن القول الثاني لا خيار فيه ، فهل يشترط ببقاء الخيار بقاء العين تحت يد المشتري وجهان ، وجه اشتراط بقاء العين أن الخيار قد ثبت لإزالة الضرر ، والفسخ مع عدمها عند المشتري ضرر على البائع لعدم عود ملكه إليه عند عدمه ، فلا يثبت الفسخ هنا كما لا يثبت الفسخ مع تلف المبيع المعيب في يد المشتري.

ووجه عدم الاشتراط أن الخيار قد ثبت قبل تلف العين ، وبعد التلف يستصحب مع وجود المقتضي لثبوت الخيار الذي هو الكذب أو الغلط ، والقول بأن الفسخ موجب للضرر على البائع لعدم عوده إلى ملكه مدفوع بأنه إن كان مثليا فيرد مثله ، وإن كان قيميا فترد القيمة ، هذا كله إذا لم يمكن للمشتري إرجاع المبيع كما لو تلف أو نقل عن ملكه بالعقد اللازم ، أو كان تحت يده ولكن هناك مانعا من رده كالاستيلاد ، أما إذا أمكن للمشتري إرجاعه لأن العقد غير لازم فيجب الرد بعينه.

(٥) أي عوض الثمن وهو قيمته عند فقد الثمن على تقدير الفسخ.

(٦) كما لو باع الرجل ولده سلعة بشرط أن يبيعه إياها بزيادة فقبل الولد ثم باعها لأبيه بالزيادة ، فلا يجوز للأب أن يبيع السلعة برأس مال وهو الثمن الذي دفعه لابنه المشتمل على الزيادة المشترطة ، بلا خلاف فيه ، لأنه خيانة عرفا وتدليس ، لأن المشتري للسلعة من الأب لم يترك المماكسة إلا اعتمادا على مماكسة الأب لنفسه وثوقا باستقصائه في النقيصة لنفسه فكان ذلك خيانة.

٥٦٠