الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

الإباق (١) والأقوى عدم اللحاق هذا كله على تقدير العمل بالرواية ، نظرا إلى انجبار ضعفها بما زعموه من الشهرة.

والذي أراه منع الشهرة في ذلك (٢) ، وإنما حكم الشيخ بهذه ونظائرها على قاعدته (٣) ، والشهرة بين أتباعه خاصة كما أشرنا إليه في غيرها. والذي يناسب الأصل (٤) أن العبدين إن كانا مطابقين للمبيع تخير بين اختيار الآبق والباقي ، فإن اختار الآبق ردّ الموجود ولا شي‌ء له ، وإن اختار الباقي انحصر حقه فيه ، وبني ضمان الآبق على ما سبق (٥) ، ولا فرق حينئذ بين العبدين ، وغيرهما من الزائد والمخالف (٦). وهذا هو الأقوى.

(الفصل الرابع : في بيع الثمان ولا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها (٧)

______________________________________________________

(١) فيحتمل العود ويرجع التخيير.

(٢) أي في الرواية.

(٣) من العمل بالخبر إذا حصل الوثوق به في الجملة.

(٤) أي أصل المذهب وقواعده المقررة الثابتة من صحاح الأخبار.

(٥) من إلحاقه بضمان السوم أو لا.

(٦) أي المخالف للعبد كالأمة والثوب والكتاب.

(٧) لا يجوز بيع الثمرة قبل ظهورها عاما واحدا بلا ضميمة ، بلا خلاف فيه كما في المسالك ، ولذا نسبه بعضهم إلى الضرورة كما في الجواهر للأخبار.

منها : خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان أبو جعفر عليه‌السلام يقول : إذا بيع الحائط فيه النخل والشجر سنة واحدة فلا يباعنّ حتى تبلغ ثمرته ، وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة ـ الخضر ـ خ) (١) ، وخبر عمار بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ قال : إذا عقد وصار عروقا) (٢) ، وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تشتر النخل حولا واحدا حتى يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل) (٣) ، ومثله خبر أبي بصير (٤) ، وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن النخل والثمرة يبتاعها الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ، وإن شئت مع ذلك العام أو أكثر من ذلك أو أقل) (٥).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٧ و ٦ و ٩ و ١٠ و ١٢.

٤٨١

وهو بروزها إلى الوجود وإن كانت (١) في طلع ، أو كمام (٢) (عاما) واحدا.

______________________________________________________

ـ وعن الحدائق الجزم بالصحة قبل ظهورها ، وقال (وإلى هذا يميل كلام جملة من محققي المتأخرين كالمحقق الأردبيلي والفاضل الخراساني) ، اعتمادا على أخبار ظاهرة في الكراهة كصحيح بريد بن معاوية (سألت أبا جعفر عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ.

فأمرت محمد بن مسلم أن يسأل أبا جعفر عليه‌السلام عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في النخل ، فقال أبو جعفر عليه‌السلام : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمع ضوضاء ، فقال : ما هذا؟ فيقل له : تبايع الناس النخل ، فقصد النخل العام ، فقال عليه‌السلام : أما إذا فعلوا فلا تشتروا النخل العام حتى يطلع فيه الشي‌ء ولم يحرمه) (١) ، وصحيح الحلبي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام ـ إلى أن قال ـ وسئل عن الرجل يشتري الثمرة المسماة من أرض فتهلك ثمرة تلك الأرض كلها ، فقال : قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا يذكرون ذلك ، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم) (٢) ، وصحيح ربعي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمّي الثمن وأستثني الكر من الثمر أو أكثر ، أو العدد من النخل ، فقال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك ، بيع السنتين ، قال : لا بأس ، قلت : جعلت فداك إن ذا عندنا عظيم ، قال : أما إنك إن قلت ذلك لقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحلّ ذلك فتظالموا ـ فتظلموا يب ـ فقال عليه‌السلام : لا تباع الثمرة حتى يبدو صلاحها) (٣) ، ولكن لا بد من تأويلها أو طرحها لمعارضتها للنصوص السابقة وللقواعد المقررة من كون الثمرة المعدومة غير قابلة للنقل والانتقال قبل وجودها ، لأن المبيع لا بد أن يكون موجودا.

(١) قيد للبروز إلى الوجود ، قال في المسالك : (والمراد بظهور الثمرة خروجها إلى الوجود وإن كانت في طلعها ، وفي حديث سماعة قال : سألته عن بيع الثمرة هل يصلح شراؤها قبل أن يخرج طلعها ، فقال : لا ، إلا أن يشتري معها غيرها ، رطبة أو بقلا ، وإن لم تخرج الثمرة كان رأس مال المشتري في الرطبة والبقل) (٤) ، تنبيه على أن المراد بالظهور ما يشمل خروجه في الطلع ، وفيه دليل على جواز بيعه عاما مع الضميمة ، إلا أنه مقطوع ، وحال سماعة مشهور ، والمراد بالعام هنا ثمرة العام ، وإن وجدت في شهر واحد أو أقل) انتهى.

(٢) هو غلاف الطلع والنور.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١.

٤٨٢

بمعنى ثمرة ذلك العام وإن وجدت في شهر ، أو أقل ، سواء في ذلك ثمرة النخل ، وغيرها ، وهو موضع وفاق ، وسواء ضم إليها شيئا (١) ، أم لا (ولا) بيعها قبل ظهورها أيضا (أزيد) من عام (على الأصح) (٢) ، للغر ، ولم يخالف فيه إلا

______________________________________________________

(١) أما مع عدم الضميمة فلا خلاف فيه كما عرفت ، وأما مع الضميمة فالمشهور على المنع ـ كما في المسالك ـ حيث لا تكون الضميمة هي المقصودة بالبيع لأنه بيع غرري ، وأما لو كانت الضميمة مقصودة بالبيع كالثمرة فالظاهر الصحة وعليه تحمل موثقة سماعة المتقدمة.

(٢) ففي جواز بيعها قبل ظهور التمرة عامين فصاعدا خلاف ، فالمشهور على عدم الجواز ، للانعدام الموجب لعدم تحقق البيع مع أنه يشترط في البيع أن يكون موجودا ، وللغرر والجهالة المانعين عن صحة البيع ، ولجملة من الأخبار.

منها : خبر أبي بصير المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن النخل والتمر يبتاعهما الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من الآفة ، فإذا أثمرت فابتعها أربعة أعوام ، وإن شئت مع ذلك العام أو أكثر ، من ذلك وأقل) (١) ومفهوم ذيله ظاهر في المنع ، وخبر أبي الربيع السامي المتقدم (وإذا بيع سنتين أو ثلاثا فلا بأس ببيعه بعد أن يكون فيه شي‌ء من الخضرة ـ الخضر خ ل) (٢) ، وكذا الاستدلال بالمفهوم ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تقبل الثمار إذا تبين لك بعض حملها سنة ، وإن شئت أكثر وإن لم يتبين لك ثمرها فلا تستأجر) (٣).

ولكن قيل لم يصرح بالمنع أحد من القدماء قبل الفاضل ، بل ذهب إلى الجواز جماعة وقواه المحقق الثاني والشارح في المسالك بل نسب إلى الصدوق القول به لجملة من الأخبار الصحيحة.

منها : صحيح الحلبي (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن شراء النخل والكرم والثمار ثلاث سنين أو أربع سنين فقال : لا بأس ، تقول : إن لم يخرج في هذه السنة أخرج في قابل ، وإن اشتريته في سنة واحدة فلا تشتره حتى يبلغ ، وإن اشتريته ثلاث سنين قبل أن يبلغ فلا بأس) (٤) ، وصحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن شراء النخل ، فقال : كان أبي يكره شراء النخل قبل أن يطلع ثمرة السنة ، ولكن السنتين والثلاث كان ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١٢ و ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٢.

٤٨٣

الصدوق لصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام الدالة على الجواز ، ولا يخلو من قوة إن لم يثبت الإجماع على خلافه (١).

(ويجوز) بيعها (بعد بدو صلاحها) (٢) إجماعا ، (وفي جوازه قبله (٣) بعد

______________________________________________________

ـ يقول : إن لم يحمل في هذه السنة حمل في السنة الأخرى ، قال يعقوب : وسألته عن الرجل يبتاع النخل والفاكهة قبل أن يطلع سنتين أو ثلاث سنين أو أربعا ، قال : لا بأس إنما يكره شراء سنة واحدة قبل أن يطلع مخافة الآفة حتى يستبين) (١) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام (سألته عن شراء النخل سنتين أيحلّ؟ قال : لا بأس يقول : إن لم يخرج العام شيئا أخرج القابل إن شاء الله) (٢) ومثلها غيرها.

واشتمالها على التعليل والصراحة في الدلالة وصحة أسانيدها وكثرة عددها يوجب ترجيحها على الطائفة الأولى.

(١) حيث ادعى ابن إدريس الإجماع على المنع وقال (وقد اشتبه على بعض من أصحابنا ذلك ، ويظنون أنه يجوز بيعها سنتين وإن كانت فارغة لم تطلع بعد وقت العقد ، وهذا خلاف ما يجدونه في تصانيف أصحابنا وخلاف إجماعهم وأخبار أئمتهم وفتاواهم) انتهى ، ولكن في الجواهر : (وإجماع ابن إدريس مردود عليه بما عن غاية المراد للشهيد من أن الأصحاب لم يذكروه صريحا ، ولا تعرض للمنع إلا جماعة منهم ، ونحو ذلك في المختلف).

(٢) يجوز بيع الثمرة بعد ظهورها وبدو صلاحها ، بلا خلاف فيه لوجود المبيع حال البيع فتشمله أدلة حلية البيع ، ثم لا فرق فيه بين بيعه عاما واحدا أو عامين ، وبشرط القطع وغيره ، منفردة بيعت أو منضمة إلى شي‌ء متمول مقصود بالبيع أو غيره للإطلاق.

(٣) أي هل يجوز بيع الثمرة عاما قبل بدو الصلاح وبعد ظهورها من غير ضم ما يجوز بيعه إليها وبدون شرط القطع أو لا ، فعن الإسكافي والصدوق في المقنع والتقي والمفيد والطوسي والقاضي وابن حمزة والفاضل أنه لا يصح ، وعن الشيخ في التهذيب والاستبصار والحلي والآبي والفاضل في جملة من كتبه وولده فخر المحققين والشهيدين والكركي والميسي والقطيفي أنه يكره ، وعن سلار أنه يراعى في الصحة وعدمها السلامة ، وحجة الأول الأخبار.

ومنها : صحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تشتر النخل حولا واحدا

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٨ و ٢١.

٤٨٤

الظهور) من غير ضميمة ، ولا زيادة عن عام ، ولا مع الأصل ولا بشرط القطع (خلاف ، أقربه الكراهة) ، جمعا بين الأخبار بحمل ما دل منها على النهي على الكراهة ، والقول الآخر للأكثر المنع ، (وتزول) الكراهة (بالضميمة) (١) إلى ما يصح إفراده بالبيع ، (أو شرط القطع) (٢) وإن لم يقطع بعد ذلك مع تراضيهما عليه (٣) ، (أو بيعها مع الأصول) (٤) وهو في معنى الضميمة ، (وبدو الصلاح) (٥) المسوغ

______________________________________________________

ـ حتى يطعم ، وإن شئت أن تبتاعه سنتين فافعل) (١) ومثله خبر أبي بصير (٢) ، وخبر أبي الربيع الشامي المتقدم (٣).

وحجة الثاني هو الجمع بين هذه الأخبار وبين ما دل على الجواز كصحيح الحلبي المتقدم (إلى أن قال ـ قد اختصموا في ذلك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا يذكرون ذلك ، فلما رآهم لا يدعون الخصومة نهاهم عن ذلك البيع حتى تبلغ الثمرة ولم يحرمه ، ولكن فعل ذلك من أجل خصومتهم) (٤) ، وصحيح ربعي المتقدم (٥) ، وغيرهما ، وهذه الطائفة ظاهرة في الكراهة ، ومما تقدم تعرف ضعف القول الثالث لسلّار ولذا لم يلتفت إليه في بعض الكتب لأنه بلا دليل.

(١) قد تقدم الكلام فيه فيما لو كانت قبل الظهور ، فبعده من باب أولى.

(٢) قال في الجواهر : (لا خلاف عندهم في الجواز مع اشتراط القطع ، حيث لا تكون المعاملة معه سفها ، بل حكي عليه الإجماع مستفيضا أو متواترا ، مع أنه لا أثر له في النصوص ، فليس ذلك إلا لأن اشتراط القطع يعيّن كون مراد المتبايعين هذا الموجود في هذا الحال ، ولا ريب في أنه مال مملوك يجوز بيعه ، ولا يعتبر في الصحة تحقق القطع ، بل لو رضي المالك بعد ذلك بالبقاء مجانا أو بأجرة جاز إجماعا في التذكرة.

(٣) على عدم القطع.

(٤) لأن هذا البيع هو بيع الثمرة مع الضميمة فيصح بالاتفاق ، ثم لو باعها عامين فصاعدا بعد ظهورها وقبل بدو صلاحها فقد عرفت جوازه عند البحث في جواز بيعها عامين فصاعدا قبل ظهورها ، بل هو أدلى.

(٥) بدو الصلاح الذي هو شرط الصحة أو لرفع الكراهة على الخلاف المتقدم هو احمرار البسر أو اصفراره على المشهور بين الأصحاب لخبر الوشاء (سألت الرضا عليه‌السلام : هل يجوز بيع النخل إذا حمل؟ قال : لا يجوز بيعه حتى يزهو ، قلت : وما الزهو جعلت فداك؟ ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٩ و ١٠ و ٧ و ٢ و ٤.

٤٨٥

للبيع مطلقا (١) ، أو من غير كراهة وهو (احمرار التمر) بالمثناة من فوق مجازا (٢) في ثمرة النخل ، باعتبار ما يؤول إليه ، (أو اصفراره) فيما يصفر ، (أو انعقاد ثمرة غيره (٣) من شجر الفواكه (وإن كانت في كمام) بكسر الكاف جمع أكمّة ، بفتح

______________________________________________________

ـ قال : يحمرّ ويصفرّ وشبه ذلك) (١) ، وخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى بستانا فيه نخل ، ليس فيه غيره بسرا ـ غير بسر ـ أخضر ، قال : لا حتى يزهو ، قلت : وما الزهو؟ قال : حتى يتلوّن) (٢) ، وخبر المناهي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونهى أن يبتاع الثمار حتى تزهو ، يعني تصفرّ أو تحمرّ) (٣) والنبوي الآخر (ونهى عن بيع الثمر قبل أن يزهو ، وزهوه أن يحمرّ أو يصفرّ) (٤).

وزاد المحقق في الشرائع والعلامة في الإرشاد بأن بدو الصلاح بأن تبلغ الثمرة مبلغا يؤمن عليها العامة ، لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سئل عن النخل والثمرة يبتاعها الرجل عاما واحدا قبل أن يثمر ، قال : لا حتى تثمر وتأمن ثمرتها من العاهة) (٥) ، وللنبوي العامي (نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة) (٦) والنبوي العامي الآخر (لا تبتاعوا الثمرة حتى يبدو صلاحها ، قيل : وما بدو الصلاح؟ قال تذهب عاهتها ويخلص رطبها) (٧) ، والمرجع فيه إلى العرف ، ويحتمل أن الاحمرار والاصفرار هو الحد الذي يؤمن عليها من العاهة فلا خلاف بين الأخبار ، نعم نقل العلامة في التذكرة عن البعض أن بدو الصلاح حين طلوع الثري لما روته العامة (أن ابن عمر روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه نهى عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة ، فقال له عثمان بن عبد الله سراقة : ومتى ذلك؟ قال : إذا طلعت الثريا) (٨) وردّ بأن هذه التتمة من كلام ابن عمر لا قول للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(١) من دون أي قيد بناء على الحرمة قبل بدو الصلاح.

(٢) إذ لا يقال حين الاحمرار أنه تمر بل يقال : بسر ، ولكن صح إطلاق الثمر عليه باعتبار أنه يؤول إليه.

(٣) اعلم أن البحث المتقدم مختص في ثمرة النخل ، ولكن ظاهر النصوص والفتاوى ـ كما في الجواهر ـ اتحاد حكم ثمرة النخل مع ثمرة باقي الأشجار بالنسبة إلى ما قبل الظهور

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٣ و ٥ و ١٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١٥ و ١٢.

(٦ و ٧) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٠٠.

(٨) سنن البيهقي ج ٥ ص ٣٠٢.

٤٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وبعده ، ولكن نقل عن العلامة الفرق بين ثمرة النخل وثمرة غيره ، فجوّز بيع الأول بعد ظهورها قبل بدو الصلاح عامين ، ومنعه في الثانية وقال في الجواهر : (إن الذي وقعنا عليه من كلامه صريح في خلافه).

وعلى كل فلا يجوز بيع ثمرة الأشجار قبل ظهورها عاما ، وفي العامين ومع الضميمة ما تقدم من الجواز ، وبعد الظهور وقبل بدو الصلاح فيجوز بشرط القطع أو الضميمة أو عامين ، وبدون ذلك ففيه البحث السابق في ثمرة النخل ، ولكن حدّ الصلاح فيها أن ينعقد الحب من غير شرط الزيادة على الأشهر كما عن الكفاية ، وعن الشيخ في النهاية وجماعة أن حده انعقاد الحب وتناثر الورد ، وعن الشيخ في المبسوط قال (وبدو الصلاح يختلف ، فإن كانت الثمرة مما تحمرّ أو تسودّ أو تصفرّ فبدو الصلاح فيها حصول هذه الألوان ، وإن كانت مما تبيض فبأن تتموّه ، وهو أن يتموّه فيها الماء الحلو ويصفو لونها ، وإن كانت مما لا تتلون مثل التفاح فبأن يحلو ويطيب أكله ، وإن كان مثل البطيخ فبأن يقع فيه النضج ، قال : وقد روى أصحابنا أن التلون يعتبر في ثمرة النخل خاصة ، فأما ما يتورد فبدو صلاحه أن ينتثر الورد وينعقد ، وفي الكرم أن ينعقد الحصرم ، وإن كان مثل القثاء والخيار الذي لا يتغير طعمه ولا لونه ، فإن ذلك يؤكل صغارا فبدو صلاحه أن يتناهى عظم بعضه) انتهى.

هذا وقد تقدم عرض نصوص التلون من الاحمرار والاصفرار في ثمرة النخل ، وقد تقدم أن التلون المذكور شرط في بيع ثمرة غيره كما في حديث المناهي المتقدم (ونهى أن يبتاع الثمار حتى تزهو ، يعني تصفرّ أو تحمرّ) (١) والنبوي الآخر (ونهى عن بيع الثمر قبل أن يزهو ، وزهوه أن يحمرّ أو يصفرّ) (٢) فما عن الشيخ في المبسوط في كلامه المتقدم أن المروي هو اعتبار التلون في ثمرة النخل فقط ليس في محله.

هذا من جهة ومن جهة أخرى يشهد للقول الأول موثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الكرم متى يحلّ بيعه؟ قال : إذا عقد وصار عروقا) (٣) كما في الكافي ، (وصار عقودا) (٤) كما في التهذيب ، والعروق والعقود هو اسم للحصرم بالنبطية على ما قيل ، وبناء عليه لا واسطة بين بدو الصلاح والانعقاد بخلاف ثمرة النخل إذ قد تنعقد ـ ـ ولا تحمر ولا تصفر إلا بعد مدة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١٤ و ١٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٦ وملحقه.

٤٨٧

الهمزة وكسر الكاف وفتح الميم مشددة ، وهي غطاء الثمرة والنّور كالرمان ، وكذا لو كانت في كمامين كالجوز واللوز ، وهذا هو (١) الظهور المجوّز للبيع أيضا.

وإنما يختلف بدوّ الصلاح والظهور في النخل ، ويظهر (٢) في غيرها (٣) عند جعله (٤) تناثر الزهر بعد الانعقاد ، أو تلون الثمرة (٥) ، أو صفاء لونها ، أو الحلاوة ، وطيب الأكل في مثل التفاح ، أو النضج في مثل البطيخ أو تناهي عظم بعضه في مثل القثاء كما زعمه الشيخ رحمه‌الله في المبسوط.

(ويجوز بيع الخضر بعد انعقادها) (٦) وإن لم يتناه عظمها (لقطة ولقطات)

______________________________________________________

ويشهد للثاني خبر ابن شريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وبلغني أنه قال في ثمر الشجر : لا بأس بشرائه إذا صلحت ثمرته ، فقيل له : وما صلاح ثمرته؟ فقال : إذا عقد بعد سقوط ورده) (١) ، إلا أن يقال كما في الجواهر : (ولعل الانعقاد دائما يكون بعد تناثر الورد كما هو ظاهر الخبر) فيتحد القولان ، والجمع بين هذين الخبرين وبين أخبار التلون والزهو الواردة في بيع الثمار غير ثمرة النخل وقد تقدمت يفيد أن الصلاح في كل ثمرة بحسب شأنها ، فلا بد أن يختلف باختلاف الثمار ولذا يقرب قول الشيخ في المبسوط وتبعه عليه ابن البراج في المهذب وغيره ، وعلى هذا القول هناك واسطة بين بدو الصلاح وبين الانعقاد.

(١) أي الانعقاد ، وعليه فالانعقاد محقق لبدو الصلاح فلا واسطة بينهما.

(٢) أي الاختلاف.

(٣) غير ثمرة النخل.

(٤) أي جعل بدو الصلاح كما هو رأي الشيخ في النهاية.

(٥) كما هو رأي الشيخ في المبسوط.

(٦) يجوز بيع الخضر كالخيار والبطيخ والقثاء والباذنجان بعد انعقادها وإن لم يتناهى عظم بعضها ، بناء على أن الانعقاد هو بدو صلاحها ، وكذلك يجوز بيع البقول بعد ظهوره وبيع ما يخرط بعد تحققه ، ويجوز بيعها لقطة ولقطات بالنسبة للخضر ، وجزه وجزات بالنسبة للبقول ، وخرطة وخرطات بالنسبة لما يخرط ورقه كالحنا والتوت ، بلا خلاف فيه كما يشهد له موثق سماعة (سألته عن ورق الشجر هل يصلح شراؤه ثلاث خرطات؟ ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١٣.

٤٨٨

معينة) أي معلومة العدد ، (كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة ، وما يتجدد في تلك السنة ، وفي غيرها) مع ضبط السنين ، لأن الظاهر منها (١) بمنزلة الضميمة إلى المعدوم ، سواء كانت المتجددة من جنس الخارجة ، أم غيره.

(ويرجع في اللقطة إلى العرف) فما دل على صلاحيته للقطع يقطع وما دل على عدمه لصغره ، أو شكّ فيه لا يدخل ، أما الأول فواضح وأما المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه ، وعدم دخوله فيما أخرج باللقط ، (فلو امتزجت الثانية) بالأولى (٢) لتأخير المشتري (٣) قطعها في أوانه (تخير المشتري بين الفسخ والشركة) ، للتعيب بالشركة ، ولتعذر تسليم المبيع منفردا ، فإن اختار الشركة

______________________________________________________

ـ فقال : إذا رأيت الورق في شجرة فاشتر منه ما شئت منه من خرطة) (١) وخبر معاوية بن ميسرة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرطبة يبيعها هذه الجزة وكذا وكذا جزة بعدها ، قال : لا بأس به ، ثم قال : قد كان أبي يبيع الحناء كذا وكذا خرطة) (٢).

والمرجع في اللقطة والجزة والخرطة إلى العرف سواء كانت اللقطات وما بعدها موجودة حال البيع ، أو لم يكن موجودا غير الأول ، وانعدام ما عدا الأولى بعد ضمه إليها لا يضر بصحة البيع لأنه بمنزلة المتجدد من الثمرة في السنة أو في العام المقبل ، نعم لو باع الثانية خاصة أو ما بعدها مما لم يوجد لم يصح للجهالة.

(١) من الثمرة.

(٢) بحيث لو اشترى لقطة من الخضراوات فامتزجت بالمتجددة من غير تمييز ، فقد ذهب العلامة في القواعد إلى ثبوت الخيار للمشتري بين الفسخ والشراكة عند مماحكة البائع من دون فرق بين أن يكون تجدد ذلك قبل القبض أو بعده وسواء كان الاختلاط بتفريط المشتري أم لا ، وثبوت الخيار للمشتري للتعيب بالشركة وتعذر تسليم المبيع منفردا.

وأشكل عليه المحقق الثاني في جامعه بأن هذا الحكم يثبت لو كان التجدد قبل القبض مع عدم التفريط من المشتري ، وأما إذا كان بعد القبض فلا خيار له لاستقرار البيع وبراءة البائع من دركه ، بل قيل : بأن للبائع الفسخ حينئذ لعيب الشركة إذا لم يكن تأخير القطع بسببه ، ومنه تعرف ما لو كان التأخير بتفريط المشتري قبل القبض فلا يكون مضمونا على البائع لأن عيب الشركة إنما جاء من جهة المشتري.

(٣) هذا القيد لا داعي له بعد ملاحظة كلام الماتن.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٢ و ٣.

٤٨٩

فطريق التخلص بالصلح (ولو اختار الإمضاء فهل للبائع الفسخ ، لعيب الشركة نظر ، أقربه ذلك (١) إذا لم يكن تأخر القطع بسببه) بأن يكون قد منع المشتري منه.

(وحينئذ) أي حين إذ يكون الخيار للبائع (لو كان الاختلاط بتفريط المشتري مع تمكين البائع ، وقبض المشتري أمكن عدم الخيار للمشتري) ، لأن التعيب جاء من قبله فيكون دركه عليه ، لا على البائع كما لو حصل مجموع التلف من قبله ، (ولو قيل (٢) : بأن الاختلاط إن كان قبل القبض تخير المشتري) مطلقا (٣) ، لحصول النقص مضمونا على البائع كما يضمن الجملة كذلك (٤).

(وإن كان بعده (٥) ، فلا خيار لأحدهما) ، لاستقرار البيع بالقبض ، وبراءة البائع من دركه بعده (كان قويا) وهذا القول لم يذكر في الدروس غيره جازما به ، وهو حسن إن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشتري ، وإلا فعدم الخيار له أحسن ، لأن العيب من جهته فلا يكون مضمونا على البائع (٦). وحيث يثبت الخيار للمشتري بوجه لا يسقط ببذل البائع له ما شاء ، ولا الجميع على الأقوى (٧) ، لأصالة بقاء الخيار وإن انتفت العلة (٨) الموجبة له (٩) ، كما لو بذل للمغبون التفاوت ، ولما (١٠) في قبول المسموح به من المنّة.

______________________________________________________

(١) أي الفسخ.

(٢) هذا القول مبني على القبض ، والقول السابق مبني على التفريط.

(٣) سواء كان التفريط من المشتري أم لا.

(٤) أي قبل القبض.

(٥) بعد القبض.

(٦) وهذا جمع بين عدم القبض والتفريط ، فالمبيع مضمون على البائع قبل القبض لكن بشرط أن لا يكون هناك تفريط من المشتري وإلا فدركه عليه.

(٧) وفي قباله احتمال سقوط الخيار لانجبار النقص المتصور من القسمة والضرر الحاصل من الشركة ببذل البائع ، والمعلول ينتفي بانتفاء علته.

(٨) وهي الشركة.

(٩) للخيار ،.

(١٠) دليل ثان لعدم سقوط خيار المشتري ببذل البائع له ما يشاء أو بذله الجميع.

٤٩٠

(وكذا يجوز بيع ما يخرط) (١) أصل الخرط أن يقبض باليد على أعلى القضيب ثم يمرّها عليه إلى أسفله ليأخذ عنه الورق ، ومنه المثل السائر «دونه خرط القتاد» (٢) ، والمراد هنا ما يقصد من ثمرته ورقه (كالحناء والتوت) بالتاءين المثناتين من فوق (خرطة وخرطات ، وما يجزّ كالرطبة) (٣) بفتح الراء وسكون الطاء وهي الفصّة (٤) والقضب (٥) ، (والبقل) كالنعناع (جزّة وجزّات ، ولا تدخل الثمرة) بعد ظهورها (في بيع الأصول) مطلقا (٦) ، ولا غيره من العقود ، (إلا في) ثمرة (النخل) فإنها تدخل في بيعه (٧) خاصة (بشرط عدم التأبير) ، ولو نقل أصل النخل

______________________________________________________

(١) قد تقدم الكلام فيه.

(٢) والقتاد شجر له شوك لا يتيسر خرطه لذلك.

(٣) قد تقدم الكلام فيه.

(٤) نبات تعلفه الدواب ، ويسمّى بذلك ما دام رطبا كما في المنجد.

(٥) كل نبت اقتضب وأكل طريا.

(٦) من أي ثمرة كانت ، هذا ويجوز بيع التمرة بعد ظهورها وبدو صلاحها على ما تقدم ، ويجوز بيعها منضمة إلى الأصول وإن لم يبد صلاحها لأنها مباعة مع الضميمة وقد عرفت جوازه ، ولو باع الأصول قبل ظهور الثمرة فلا إشكال ، ولو باعها بعد ظهور الثمرة وانعقادها ، لم تدخل الثمرة في البيع إلا بالشرط بلا خلاف فيه للأصل بعدم عدم التبعية بين الثمرة وأصلها ، وكذا لو نقل الأصول بغير البيع.

وحيث لا تدخل الثمرة في بيع أصولها وجب على المشتري إبقاؤها مجانا إلى أوان بلوغها إذا كان المعتاد قطعها عنده وإلا قبله تبعا للعرف ، ولو اضطرب العرف فالأغلب ، ومع التساوي يجب التعيين ، فإن أطلق احتمل البطلان ، واحتمل التنزيل على أقل المراتب لأنه المتيقن ، واحتمل التنزيل على أعلاها صيانة لمال البائع ، هذا مع أنه ما يحدث من الثمرة بعد الابتياع فهو للمشتري بلا خلاف ولا إشكال لأنها نماء ملكه ، ولو امتزجا فيأتي فيه الكلام المتقدم عند امتزاج المتجدد في الخضراوات.

(٧) أي في بيع النخل ، على خلاف الأصل لأن النخلة لا تتناول ثمرتها ، ولكن الحكم المذكور مما قد دلت عليه الأخبار وهي : خبر عقبة بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إن ثمر النخل للذي أبرّها إلا أن يشترط المبتاع) (١) ، وخبر يحيى ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ١.

٤٩١

بغير البيع فكغيره من الشجر.

(ويجوز استثناء ثمرة شجرة معينة ، أو شجرات) (١) معينة ، (وجزء مشاع)

______________________________________________________

ـ بن العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من باع نخلا قد لقح فالثمرة للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك) (١) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : من باع نخلا قد أبره فثمره للبائع إلا أن يشترط المبتاع ، ثم قال : قضى به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (٢) ، ومنطوقها أن النخل المؤبر ثمرته للبائع ، ومفهومها إن لم يؤبر فثمرته للمشتري ، والسند غير نقي ودلالة المفهوم ضعيفة لكن يجبر ذلك بفهم الأصحاب حيث أفتوا بهذا الحكم ، أعني أن النخل غير المؤبر فثمرته للمشتري مع أن الأصل يقتضي بقاء الملك لمالكه وعدم انتقاله إلى المشتري بعد عدم تناول اسم النخلة لثمرتها ، ولم يخالف إلا ابن حمزة حيث جعل الثمرة للبائع بعد بدو الصلاح وللمشتري قبله وهو ضعيف لوجود هذه الأخبار ولمخالفته للأصل المقتضى لبقاء الثمرة على ملك البائع ولو بعد الصلاح.

ثم لا خلاف عندنا لو انتقل النخل بغير البيع فالثمرة للناقل سواء كانت مؤبّرة أو لا ، وسواء كان النقل بعقد معاوضة كالإجارة والنكاح أو بغير عوض كالهبة وشبهها وذلك لأن الحكم بكون الثمرة قبل التأبير للمشتري على خلاف الأصل فيقتصر فيه على مورد النص وهو البيع ، وخالف الشافعي حيث الحق بالبيع ما شابهه من عقود المعاوضات قياسا عليه ، ونقل التعميم عن الشيخ في المبسوط والقاضي ، وهو ضعيف لحرمة القياس.

ثم إن التأبير هو تشقيق طلع الإناث وذرّ طلع الذكور فيه ليجي‌ء رطبها أجود مما لم يؤبر ، والعادة الاكتفاء بتأبير البعض والباقي بتشقق بنفسه ويهب ريح الذكور إليه ، وقد لا يؤبر شي‌ء ويتشقق الكل ويتأبر بالرياح ، خصوصا إذا كانت الذكور في ناحية الصبا فهبّ الصبا وقت التأبير كما في المسالك.

(١) بعينها بلا خلاف فيه ولا إشكال ، وكذا يجوز استثناء جزء معين من الشجرة كعذق معين منها ، نعم لو أبهم في شي‌ء من ذلك بطل بلا خلاف فيه للجهالة في المبيع.

وكذا يجوز استثناء حصة مشاعة من الثمرة كالثلث والربع بلا خلاف فيه ، ويجوز استثناء أرطال معينة على المشهور شهرة عظيمة لصحيح ربعي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام (إن لي نخلا بالبصرة فأبيعه وأسمّي الثمن ، وأستثني الكر من الثمر أو أكثر أو العدد من النخل ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب أحكام العقود حديث ٢ و ٣.

٤٩٢

كالنصف ، والثلث ، (وأرطال معلومة ، وفي هذين) الفردين ، وهما استثناء الجزء المشاع ، والأرطال المعلومة (يسقط من الثنيا (١) وهو المستثنى (بحسابه) أي نسبته (٢) إلى الأصل (لو خاست الثمرة) بأمر من الله تعالى.

(بخلاف المعيّن) كالشجرة والشجرات (٣) ، فإن استثناءها كبيع الباقي منفردا ، فلا يسقط منها (٤) بتلف شي‌ء من المبيع شي‌ء (٥) ، لامتياز حق كل واحد منهما عن صاحبه ، بخلاف الأول (٦) لأنه حق شائع في الجميع فيوزّع الناقص عليهما (٧) إذا

______________________________________________________

ـ فقال : لا بأس) (١) ، وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (في الرجل يبيع الثمرة ثم يستثني كيلا وتمرا ، قال : لا بأس به ، وكان مولى له عنده جالسا فقال المولى : إنه ليبيع ويستثني أوساقا يعني أبا عبد الله عليه‌السلام ، قال : فنظر إليه ولم ينكر ذلك من قوله) (٢).

خلافا لأبي الصلاح منا والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل من غيرنا ، فلم يجوزوه لأدائه إلى جهالة مقدار المبيع من المشاهد الذي طريق معرفته المشاهدة ، وهو اجتهاد في قبال النص.

(١) بالضم اسم من الاستثناء.

(٢) أي نسبة المستثنى ، فلو خاست الثمرة فيسقط من المستثنى إذا كان حصة مشاعة أو أرطالا معلومة بحسابه ، وقد نفى فيه الخلاف في الجواهر ، وطريق التوزيع : فإذا كان المستثنى حصة مشاعا فيقدر المجموع بالتخمين على فرض السلامة ثم يقاس إلى المجموع الناتج على فرض النقصان ، ويؤخذ من المستثنى بهذه النسبة ، فمثلا لو قدّر المجموع سليما بمائة وهو خمسون على تقدير النقصان فالنسبة النصف ، وبهذه النسبة يسقط من المستثنى ـ أعني النصف ـ.

وإذا كان المستثنى أرطالا معلومة فيقدر المجموع على فرض السلامة ثم يقدر على فرض النقصان فإذا كانت النسبة ثلثا أو نصفا مثلا فيسقط منه الأرطال المعلومة بمقدار هذه النسبة.

(٣) فلو خاست الثمرة فلا يسقط من المستثنى شي‌ء ، باعتبار امتياز المبيع عنها.

(٤) من ثمرة الشجرة والشجرات المعينة.

(٥) فاعل لقوله (فلا يسقط).

(٦) وهو ما لو كان المستثنى مشاعا أو أرطالا معلومة.

(٧) على المستثنى والمستثنى منه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١.

٤٩٣

كان التلف بغير تفريط.

قال المصنف رحمه‌الله في الدروس (١) : وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة ، وقد تقدّم ما يرجّح عدمه ، ففيه سؤال الفرق.

وطريق توزيع النقص على الحصة المشاعة (٢) : جعل الذاهب عليهما ، والباقي

______________________________________________________

(١) قال المصنف في الدروس في بحث بيع الثمار : (وللبائع استثناء حصة مشاعة من الثمرة وأرطال معلومة فيحمل على الإشاعة ، حتى لو تلف شي‌ء سقط من الثنيا مقابلها إذا كان بغير تفريط في الموضعين ، أما لو استثنى ثمر شجرات بعينها فلا ، وقد يفهم من هذا التوزيع تنزيل شراء صاع من الصبرة على الإشاعة) (١) انتهى.

ومراده أن توزيع الخسارة عليهما بالنسبة دليل على أن استثناء حصة مشاعة أو أرطال معلومة من المبيع توجب الشراكة في كل جزء من أجزاء المبيع بنسبة المستثنى ، فكذلك يجب الحكم بالشراكة في بيع الصاع من الصبرة ، بحيث يكون كل جزء من أجزاء الصبرة مشتركا بنسبة الصاع إلى الصبرة ولازمه كون النقص عليهما.

وقال الشارح ما مضمونه : إنه قد تقدم في مسألة بيع الصاع من الصبرة ـ وقد تعرض لها الماتن والشارح هنا في المسألة السابعة من مسائل شرائط المبيع ـ أنه بيع كلي في معين كما هو المشهور وليس بيعا على أنه جزء من الصبرة على نحو الإشاعة. ، وقد تقدم الدليل عليه من أنه المنسبق إلى الفهم ولصحيح بريد بن معاوية المتقدم (٢) ، ولازمه أن التلف إنما يكون من البائع ولا خسارة على المشتري.

ثم تسأل الشارح بالفرق بين بيع الصاع من الصبرة وأن الخسارة على البائع وبين استثناء حصة مشاعة من التمرة وأن الخسارة عليهما بالنسبة ، والفرق واضح حيث إن بيع الصاع من الصبرة هو من باب الكلي في المعيّن كما تقدم ، فهو في الذمة لا في الصبرة فالخسارة اللاحقة على الصبرة واقعة في مال البائع فقط ، وأما الحصة المشاعة أو الرطل من الثمرة كما في مقامنا فهو ليس في الذمة بل في ضمن ثمرة هذه الشجرات الموجودة خارجا فلا محالة إذا وقع عليها خسارة أن تكون عليهما معا ، فالفرق واضح بين الصورتين فلا وجه للسؤال.

(٢) قد تقدم بيانه.

__________________

(١) الدروس ص : ٣٥١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب عقد البيع حديث ١.

٤٩٤

لهما على نسبة الجزء.

وأما في الأرطال المعلومة فيعتبر الجملة (١) بالتخمين ، وينسب إليها المستثنى ، ثم ينظر الذاهب فيسقط (٢) منه بتلك النسبة.

(مسائل)

(الأولى ـ لا يجوز بيع الثمرة بجنسها) (٣) أي نوعها الخاص كالعنب بالعنب

______________________________________________________

(١) أي مجموع الثمرة على تقدير الصحة.

(٢) من المستثنى.

(٣) يجوز بيع ثمرة النخل أو غيره إذا كانت على أصولها بالأثمان أو بالعروض أو بهما معا ، أو بغيرهما من المنافع والأعمال ونحوهما ، كغيرها من أفراد المبيع بلا خلاف فيه ولا إشكال للأصل.

نعم لا يجوز بيع الثمر في رءوس النخل بالثمر بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : صحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابنة قلت : وما هو؟ قال : أن يشتري حمل النخل بالثمر والزرع بالحنطة) (١) وموثقه الآخر عن عليه‌السلام (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن المحاقلة والمزابنة ، فقال : المحاقلة بيع النخل بالتمر ، والمزابنة بيع السنبل بالحنطة) (٢) وخبر القاسم بن سلام مسندا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (نهى عن بيع المحاقلة والمزابنة ، فالمحاقلة بيع ٤ الزرع وهو في سنبله بالبر ، والمزابنة بيع الثمر في رءوس النخل بالتمر) (٣).

هذا وبيع ثمرة النخل بالثمر تسمى المزابنة ، وهي مفاعلة من الزبن ، بمعنى الدفع ، ومنه الزبابنة لأنهم يدفعون الناس إلى النار ، وهذه المعاملة سميت بذلك لأنها مبنية على التخمين ، ويكثر فيها الغبن ، وكل منها يريد دفعه عن نفسه إلى الآخر فيتدافعان ، وهل بيع التمر في رءوس النخل بالتمر تسمى المزابنة أو لا ، فالمشهور بين الأصحاب مع نص أهل اللغة على ذلك ويشهد له خبر ابن سلام المتقدم ، وعن سلار أن بيع التمر في رءوس النخل بالتمر تسمى محاقلة ، ومال إليه الكاشاني والبحراني ويشهد لهم موثق عبد الرحمن المتقدم (المحاقلة بيع النخل بالتمر والمزابنة بيع السنبل بالحنطة) ، ولا بد من حمله على المجاز لما سمعت ومنه تعرف أن صحيح عبد الرحمن المتقدم مبني على اللف والنشر غير المرتبين حيث ذكر المحاقلة أولا وفسرها أخيرا وذكر المزابنة ثانيا وفسرها أولا. ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١ و ٢ و ٥.

٤٩٥

والزبيب ، والرطب بالرطب والتمر (على أصولها) ، أما بعد جمعها فيصح مع التساوي (١) (نخلا كان) المبيع ثمره ، (أو غيره) من الثمار إجماعا في الأول (٢) ، وعلى المشهور في الثاني (٣) ، تعدية (٤) للعلة المنصوصة (٥) في المنع من بيع الرطب

______________________________________________________

ـ ثم هل المزابنة تختص ببيع تمر النخل بتمر منه فقط وهو القدر المتيقن من المزابنة أو يشمل بيعه بتمر ولو كان موضوعا على الأرض على المشهور لإطلاق الأخبار المتقدمة.

ثم هل يجوز ذلك في غير ثمرة النخل من شجر الفواكه كما قد صرح به جماعة لاختصاص المزابنة بالنخل فيبقى غيره على القواعد ، وعن المشهور وهو غير متحقق كما في الجواهر أنه لا يجوز ، لأنه لا يؤمن الربا ، وفيه : إن الثمرة على الشجرة ليست ربوية ، لأنها تباع بالمشاهدة والربا مختص بالمكيل والموزون ، ومنه تعرف ضعف الاستدلال بالربا على حرمة المزابنة في ثمرة النخل أيضا.

(١) لأنه بعد الجمع تكون الثمرة من الموزون أو المكيل على حسب اختلاف الأزمان والبلدان فيشترط التساوي بين العوضين حذرا من البيع الربوي.

(٢) وهو بيع ثمرة النخل بالتمر.

(٣) وهو بيع ثمرة غير النخل من شجر الفواكه بجنسها.

(٤) تعليل للحكم المشهوري في الثاني.

(٥) قد ورد في الأخبار النهي عن بيع التمر اليابس بالرطب مثلا بمثل لأنه بعد يسبه ينقص فيدخل الربا كما ورد في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يصلح الثمر اليابس بالرطب من أجل أن الثمر يابس والرطب رطب ، فإذا يبس نقص) (١) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام في حديث : (أن أمير المؤمنين عليه‌السلام كره أن يباع الثمر بالرطب عاجلا بمثل كيله إلى أجل ، من أجل أن الثمر ييبس فينقص من كيله) (٢) ، وخبر داود بن سرحان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يصلح الثمر بالرطب ، إن الرطب رطب والثمر يابس ، فإذا يبس الرطب نقص) (٣) ، وإذا ثبتت العلة المنصوصة للمنع من بيع الرطب باليابس ، وهي نقصان الرطب عند الجفاف ، فهي تشمل المقام لو بيع الثمرة في رءوس شجر الفواكه بجنسها ، لأن الثمرة رطبة والثمن يابس كبيع العنب بالزبيب فلا يصلح بيعه مثلا بمثل لدخول الربا.

وفيه : عدم ثبوت العلة المنصوصة لو بيع عنب الكرم بعنب مطروح على الأرض لا بالزبيب ، على أن العلة المنصوصة مختصة في الرطب والتمر إذا بيعا بالكيل أو الوزن ، ومقامنا يباع بالمشاهدة فلا تجري فيه أدلة البيع الربوي.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الربا حديث ١ و ٢ و ٦.

٤٩٦

بالتمر وهي (١) نقصانه عند الجفاف إن بيعت (٢) بيابس ، وتطرق (٣) احتمال الزيادة في كل من العوضين الربويين. ولا فرق في المنع بين كون الثمن منها (٤) ، ومن غيرها (٥) وإن كان الأول أظهر منعا (٦).

(ويسمى في النخل مزابنة) وهي مفاعلة من الزبن ، وهو الدفع ومنه الزبانية ، سميت بذلك (٧) لبنائها على التخمين المقتضي للغبن ، فيريد المغبون دفعه ، والغابن خلافه فيتدافعان ، وخصّ التعريف بالنخل للنص عليه بخصوصه مفسرا به المزابنة في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن الصادق عليه‌السلام : وألحق به (٨) غيره لما ذكرناه (٩) وفي إلحاق اليابس وجه (١٠) ، والرطب نظر.

(ولا بيع السنبل بحب منه (١١) ، أو من غيره من جنسه ، ويسمّى محاقلة) (١٢)

______________________________________________________

(١) أي العلة المنصوصة.

(٢) أي الثمرة حال كونها رطبة.

(٣) دليل ثان للمنع ، لأن ما على الشجرة يباع بالتخمين فيأتي احتمال الزيادة في كل من العوضين ، وهما ربويان فلا يجوز ، وفيه : قد عرفت أن الثمرة على الشجرة ليست ربوية.

(٤) من نفس الشجرة ، وهو القدر المتيقن من المزابنة بمعنى بيع الثمرة في رءوس النخل بمقدار منها.

(٥) أي من شجرة أخرى.

(٦) لاتحاد الثمن والمثمن.

(٧) أي سميت هذه المعاملة بالمزابنة.

(٨) بالنخل.

(٩) من تعدية العلة المنصوصة وتطرق احتمال الزيادة.

(١٠) أي إلحاق غير النخل بالنخل له وجه في اليابس ، كما لو بيعت ثمرة الشجر باليابس كبيع عنب الكرم بالزبيب تعدية للعلة المنصوصة ، ولكنه في الرطب كبيع عنب الكرم بالعنب نظر بل يجوز لعدم تطرق احتمال الزيادة ، وفيه : قد عرفت أنه جائز مطلقا إلا في النخل للنص.

(١١) أي من نفس السنبل.

(١٢) قد تقدم دليل المنع عند الكلام في المزابنة ، والمحاقلة هي بيع حب السنبل بالحب سواء كان الثمن من نفس حب السنبل الذي وقع مثمنا أم من غيره من جنس الحنطة لإطلاق ـ

٤٩٧

مأخوذ من الحقل جمع حقلة وهي الساحة التي تزرع ، سميّت بذلك لتعلقها بزرع في حقلة ، وخرج بالسنبل بيعه قبل ظهور الحب فإنه جائز ، لأنه حينئذ غير مطعوم (١) ، (إلا العريّة (٢):) هذا استثناء من تحريم بيع المزابنة ، والمراد بها النخلة

______________________________________________________

ـ الأخبار المتقدمة أيضا ، هذا والمحاقلة مفاعلة من الحقل والحقل جمع حقلة وهي الساحة التي تزرع ، سميت بذلك لتعلقها بزرع في حقلة ، وأطلق اسم الحقل على الزرع مجازا من باب إطلاق المحل على الحال أو من باب المجاورة ، فكأنه عند بيع الزرع بالزرع قد باع حقلا بحقل لإطلاق الحقل على الزرع فلذا سميت محاقلة.

هذا ويطلق على المبيع هنا الزرع كما في صحيح عبد الرحمن وخبر ابن سلام المتقدمين ويطلق عليه السنبل كما في موثق عبد الرحمن المتقدم ، ولذا عبّر بعض الفقهاء بالزرع وبعضهم كالماتن هنا بالسنبل.

(١) قال في المسالك : (قال في التذكرة : لو باع الزرع قبل ظهور الحب بالحب فلا بأس ، لأنه حشيش وهو غير مطعوم ولا مكيل ، سواء تساويا جنسا أو اختلفا ، ولا يشترط التقابض في الحال) وهو لا مخالف فيه كما في الجواهر للأصل بعدم عدم جريان الربا فيه لأنه ليس من المكيل أو الموزون لأنه يباع بالمشاهدة.

(٢) لو كانت نخلة شخص في دار آخر فيجوز لمالك الدار أن يشتري ثمر هذه النخلة بتمر من غيرها ، وهذه هي مسألة العرية المشهورة ، وهي مستثناة من تحريم بيع المزابنة بلا خلاف فيه بيننا للأخبار.

منها : خبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (رخّص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرايا بأن تشتري بخرصها تمرا ، قال : والعرايا جمع عرية وهي النخلة تكون للرجل في دار رجل آخر فيجوز له أن يبيعها بخرصها تمرا ولا يجوز ذلك في غيره) (١) ، وخبر القاسم بن سلام مسندا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه رخّص في العرايا ، واحدها عرية وهي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا ، والإعراء أن يبتاع تلك النخلة من المعرى بتمر لموضع حاجته ، قال : وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بعث الخرّاص قال : خففوا الخرص فإن في المال العرية والوصية) (٢) ، وكون العرية في دار الرجل موضع اتفاق بين الأصحاب كما في المسالك ، وقد نص أهل اللغة على أنها (أو في بستانه) ، وهو حسن لأن أهل اللغة يرجع إليهم في مثل ذلك ولمسيس الحاجة إليها كالتي في الدار كما في المسالك هذا من جهة ومن جهة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٢.

٤٩٨

تكون في دار الإنسان ، أو بستانه ، فيشتري مالكهما ، أو مستأجرهما ، أو مستعيرهما رطبها (بخرصها (١) تمرا من غيرها) مقدرا (٢) موصوفا حالا ، وإن لم

______________________________________________________

ـ أخرى سواء كان الدار لمالك أو مستأجر أو مستعير مغاير لمالك العرية ، بلا فرق في ذلك لأن الحاجة عامة في الجميع ، وذلك لأن مالك الدار من يشق عليه الدخول إلى نخلة في داره لو كانت النخلة لغيره فكذلك مستأجر الدار أو مستعيرها.

هذا وبيع العرية يراد منه بيع ثمرها ، وهذا البيع مشروط بأمور.

أولا : كون النخلة واحدة ، فلو تعددت في دار أو بستان واحد فلا يجوز بيع ثمرها بالتمر لصدق المزابنة بعد قصر أخبار الرخصة على النخلة الواحدة على ما فهمه الأصحاب ، ولكن الأخبار المتقدمة صريحة في كون الرخصة للأعم من نخلة أو نخلات بدليل قوله عليه‌السلام في خبر السكوني المتقدم (رخص رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العرايا).

ثانيا : كون الثمن من غيرها لئلا يتحد الثمن والمثمن على المشهور ، واحتمل العلامة في المختلف الجواز لإطلاق أخبار الرخصة ، ولكنها منصرفة إلى غير هذا الفرض وجعل العرية هي بيع ثمرها بتمر غيرها ، وأنها مستثناة من المزابنة لدليل على أن المزابنة تشمل بيع تمر رءوس النخل بتمر من غيره ، كما تقدم والخلاف في ذلك يجعل المزابنة هي بيع تمر رءوس النخل بتمر منه فقط ضعيف.

ثالثا : كون البيع حالا لئلا يدخل الربا ، بل عن الشيخ اشتراط التقابض قبل التفرق تخلصا من الربا ، وفيه : إن الربا يدخل في المكيل والموزون وهذا يباع مشاهدة منها فلا ربا فيه.

رابعا : عدم المفاضلة حين العقد لئلا يلزم الربا ، وقد تقدم ما فيه ، قال الشارح في بيعها بما يقتضيه ظن الخارص لها تمرا بقدره ، بمعنى أنها تقدر رطبا أو بسرا أو نحوهما لم يبلغ تمرا إذا جفت ، فيباع ثمرها بهذا المقدار ثمرا ، ثم لا يجب مطابقة هذا التقدير للثمن عند الجفاف ، فلو زادت عند الجفاف عما خرصتها به أو نقصت لم يكن ذلك قادحا في الصحة عملا بإطلاق النص ، وقيل : تعتبر المطابقة فلو اختلفا تبين بطلان البيع وهو ضعيف ، بل لا يجب جعل ثمرتها ثمرا ولا اعتباره بعد ذلك بوجه لأصالة عدم الاشتراط ، هذا هو المشهور من معنى عدم وجوب المماثلة بين ثمرتها وثمنها ، وفي التذكرة أن المعتبر المماثلة بين ما عليها رطبا وبين الثمن تمرا ، فيكون بيع رطب بتمر متساويا ، وجعل هذا مستثنى من بيع الرطب بالتمر متساويا) انتهى. ثم إن الرخصة مقصورة على النخلة ، فلا يتعدى إلى غيرها من الشجر اقتصارا فيما خالف الأصل في تحريم المزابنة على مورد النص.

(١) الخرص هو التخمين ما على النخل من تمر.

(٢) أي يجب كون الثمن مقدرا موصوفا حالا ، وقد تقدم.

٤٩٩

يقبض في المجلس ، أو بلغت (١) خمسة أوسق ، ولا يجوز بتمر منها (٢) لئلا يتحد العوضان ، ولا يعتبر مطابقة ثمرتها جافة لثمنها في الواقع ، بل تكفي المطابقة ظنا ، فلو زادت عند الجفاف عنه ، أو نقصت لم يقدح في الصحة ، ولا عريّة في غير النخل ، فإن ألحقناه (٣) بالمزابنة ، وإلا لم يتقيد (٤) بقيودها (٥).

(الثانية ـ يجوز بيع الزرع قائما)

على أصوله (٦) ، ...

______________________________________________________

(١) أي بلغت العرية خمسة أوسق وهذا ردّ على الشافعي حيث لم يجوز بيعها إذا كانت ثمرتها خمسة أوسق ، وإطلاق الأخبار المتقدمة تدفعه ، وقال الآقا جمال في حاشيته تعقيبا على قول الشارح : إشارة إلى ما ذكره ابن الأثير في نهايته حيث خصّ الرخصة بما إذا كانت دون خمسة أوسق ، ووجه الرد إطلاق ما دل على الجواز من غير تقدير تعبدا) انتهى.

(٢) منها : من العرية ، أي لا يجوز بيع ثمرها بتمر منها.

(٣) أي فإن ألحقنا غير النخل بالنخل في الحرمة ، فعدم تعدي العرية الواردة في النخل إلى غيره من سائر الأشجار في محله ، وإن لم نلحقه فنفي العرية حينئذ أنه لا خصوصية لها حتى يتقيد بقيودها ، فيجوز بيع تمر غير النخل سواء اتحد الشجر أم تعدد في دار أو بستان أو غيرهما بجنس ثمرها حينئذ.

(٤) أي لم يتقيد غير النخل.

(٥) أي بقيود العرية.

(٦) يجوز شراء الزرع قائما على أصوله بشرط التبقية إلى أوان بلوغه أو مطلقا على المشهور لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا بأس بأن تشتري زرعا أخضر ، ثم تتركه حتى تحصده إن شئت ، أو تعلفه من قبل أن يسنبل وهو حشيش) (١) ومثله غيره.

وعن الصدوق في المقنع المنع من بيع الزرع إلا بشرط الفصل لعدم الأمن من الآفة ، ولخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحنطة والشعير اشتري زرعه قبل أن يسنبل وهو حشيش؟ قال : لا إلا أن يشتري القصيل يعلفه الدواب ثم تتركه حتى يسنبل) (٢) ، وموثق معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تشتر الزرع ما لم يسنبل ، فإذا كنت تشتري أصله فلا بأس بذلك) (٣).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ١ و ١٠.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بيع الثمار حديث ٥.

٥٠٠