الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

زيادة (٦) على داره وثيابه اللائقين بحاله ، وخادمه اللائق به ، أو المحتاج إليه ، وقوت يوم وليلة له ولعياله الواجبي النفقة ، ووفاء دينه (١) وإن لم يطالب به. نعم لو تكلف العادم العتق أجزأه (٢) ، إلا مع مطالبة الديان (٣) ، للنهي عن العتق حينئذ (٧) وهو عبادة ، والعبرة بالقدرة عند العتق (٤) لا الوجوه.

(ويشترط فيها الإسلام) (٥) وهو الإقرار بالشهادتين مطلقا (٦) على الأقوى ، وهو المراد من الإيمان المطلوب في الآية ، ولا يشترط الإيمان الخاص وهو الولاء على الأظهر.

______________________________________________________

(١) لأنه يشترط في الثمن أن يكون زائدا عن هذه المستثنيات وإلا فلا يصدق عليه وجدان الرقبة.

(٢) لأن المأتى به قد طابق المأمور به ، وهو مأمور به لأنه تكلف ذلك.

(٣) وهو الدائن فلا يجوز له بذل المال الموجود عنده في شراء الرقبة لأنه منهي عنه بعد مطالبة الدائن بحقه.

(٤) لأن العبرة بالقدرة حال الأداء.

(٥) وهو المعبّر عنه بالإيمان ، وهو معتبر في كفارة القتل عمدا أو خطأ بلا خلاف فيه للتصريح به في الكتاب العزيز ((وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ)) (١) وهذا من حيثية كونه كفارة القتل لا من حيث كونه خطأ ، فلذا اشترط الإيمان في كفارة القتل العمدي أيضا ، وأما في غيرها فقيل بالاشتراط كما نسب إلى الأكثر لخبر سيف بن عميرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته أيجوز للمسلم أن يعتق مملوكا مشركا؟ قال : لا) (٢) ولقاعدة الاشتغال التي تقتضي عتق المؤمنة ، وبه يحصل الفراغ اليقيني وذهب الشيخ في المبسوط وابن الجنيد إلى عدم الاشتراط في غير كفارة القتل للأصل وعملا بإطلاق أدلة العتق.

ثم إن المراد بالإيمان هو الإسلام ، وهو الاقرار بالشهادتين ، ولا يعتبر التصديق القلبي لتعذر الاطلاع عليه غالبا ، وكذلك لا يعتبر الإيمان الخاص وهو الاعتقاد بالأئمة عليهم‌السلام لتأخره عن زمن الخطابات بالعتق فلا يحمل عليه ، نعم ذهب ابن إدريس إلى اشتراط الإيمان الخاص لقاعدة الاشتغال.

(٦) وإن لم يكن مؤمنا بالأئمة عليهم‌السلام.

__________________

(١) سورة النساء ، الآية : ٩٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من كتاب العتق حديث ٥.

٢١

وطفل أحد المسلمين بحكمه (١) ، وإسلام الأخرس بالإشارة (٢) ، وإسلام المسبي بالغا بالشهادتين (٣) ، وقبله (٤) بانفراد المسلم به (٥) عند المصنف وجماعة ،

______________________________________________________

(١) للسيرة القطعية على معاملة الطفل معاملة أبويه ولخبر زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دعي إلى الإسلام فإن أبى قتل ، فإذا أسلم الولد لم يجرّ أبويه ، ولم يكن بينهما ميراث) (١) نعم ذهب ابن الجنيد إلى اشتراط كونه بالغا في كفارة القتل وتبعه على ذلك المحقق الثاني لخبر معمر بن يحيى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يظاهر من امرأته ، يجوز عتق المولود في الكفارة ، فقال : كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل ، فإن الله تعالى يقول : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، يعني بذلك مقرّة قد بلغت الحنث) (٢) ومثله غيره ، إلا أن هذه الأخبار مهجورة عند الأصحاب كما في الجواهر لخبر السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (الرقبة المؤمنة التي ذكر الله إذا عقلت ، والنسمة التي لا تعلم إلا ما قلته وهي صغيرة) (٣) وخبر كردويه الهمداني عن أبي الحسن عليه‌السلام (في قوله تعالى : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) ، كيف تعرف المؤمنة؟ قال : على الفطرة) (٤).

(٢) بحيث إذا بلغ المملوك الأخرس وأبواه كافران ، فأسلم بالإشارة حكم بإسلامه وأجزأ في العتق ، بلا خلاف فيه ، لما روته العامة (أن رجلا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه جارية أعجمية أو خرساء ، فقال : يا رسول الله عليّ عتق رقبة ، فهل تجزي عني هذه؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين الله تعالى؟ فأشارت إلى السماء ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من أنا؟ فأشارت إلى أنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له : اعتقها فإنها مؤمنة) (٥).

(٣) لأن الإسلام يتحقق بهما.

(٤) أي قبل البلوغ.

(٥) بحيث لو انفرد المسلم السابي به ، ولم يكن الطفل تحت سلطة أبويه فقد ذهب الشيخ في المبسوط إلى الحكم بإسلامه ، تبعا للسابي محتجا بأن هذا الطفل لا حكم له بنفسه ، وليس هاهنا غير السابي فيحكم بإسلامه تبعا له وتبعه على ذلك جماعة ، وعن المشهور العدم لعدم الدليل.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من كتاب العتق حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الكفارات حديث ٦ و ٨ و ٧.

(٥) سنن البيهقي ج ٧ ص ٣٨٨.

٢٢

وولد الزنا بهما (١) بعد البلوغ ، وبتبعية السابي على القول (٢) ، وفي تحققه (٣) بالولادة من المسلم وجهان ، من انتفائه (٤) شرعا. وتولده منه (٥) حقيقة فلا يقصر عن السابي ، والأول أقوى.

(والسلامة من) العيوب الموجبة للعتق (٦) وهي : (العمى والإقعاد. والجذام والتنكيل) الصادر عن مولاه ، وهو أن يفعل به فعلا فظيعا بأن يجدع أنفه ، أو يقلع أذنيه ونحوه لانعتاقه بمجرد حصول هذه الأسباب على المشهور ، فلا يتصور إيقاع العتق عليه ثانيا.

ولا يشترط سلامته من غيرها من العيوب (٧) فيجزي الأعور ، والأعرج ،

______________________________________________________

(١) أي بالشهادتين.

(٢) أي قول المصنف وجماعة قبل البلوغ.

(٣) أي تحقق الإسلام لولد الزنا.

(٤) دليل العدم.

(٥) دليل التحقق.

(٦) بلا خلاف ولا اشكال فيه ، فلا يجزي الأعمى ولا الأجذم ولا المقعد ولا المنكّل به لتحقق العتق بحصول هذه الأسباب ، فلا يحصل التحرير المأمور به في الكفارة ففي خبر غياث بن إبراهيم عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما‌السلام (لا يجزي الأعمى في الرقبة ، ويجزي ما كان منه مثل الأقطع والأشلّ والأعرج والأعور ، ولا يجوز المقعد) (١) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبي عن علي عليهم‌السلام (العبد الأعمى والأجذم والمعتوه لا يجوز في الكفارات ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعتقهم) (٢) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام فيمن نكّل بمملوكه أنه حر لا سبيل له ، سائبة يذهب) (٣) وذهب ابن إدريس إلى أن التنكيل ليس سببا للعتق وسيأتي بحثه في كتاب العتق. وقال في المسالك : (فالتنكيل لغة فعل الأمر الفظيع بالغير ، يقال : نكّل به تنكيلا ، إذ جعله نكالا لغيره ، مثل أن يقطع لسانه أو أنفه أو أذنيه أو شفتيه ونحو ذلك ، وليس في كلام الأصحاب ما يدل على المراد ، بل اقتصروا على تعليق الحكم على مجرد الاسم تبعا لإطلاق النص).

(٧) بحيث إذا كان العيب لا يوجب نقصان ماليته كقطع بعض أنامله فلا خلاف في كونه ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب كتاب العتق حديث ٢.

٢٣

والأقرع ، والخصي ، والأصم ، ومقطوع أحد الأذنين واليدين ولو مع إحدى الرجلين ، والمريض وإن مات في مرضه ، والهرم ، والعاجز عن تحصيل كفايته ، وكذا من تشبث بالحرية (١) مع بقائه على الملك كالمدبّر ، وأم الولد (٢) وإن لم يجز بيعها ، لجواز تعجيل عتقها.

______________________________________________________

ـ مجزيا لصدق الرقبة عليه ، وأما إذا كان العيب يوجب النقصان كالأصم والأخرس ومن قطعت إحدى يديه أو رجليه ، فكذا لصدق الرقبة ، وخالف ابن الجنيد في الناقص خلقة ببطلان الجارحة إذا لم يكن في البدن سواها كالأخرس دون الأشلّ من يد واحدة ، وهو شاذ ضعيف ـ كما في الجواهر ـ لصدق الرقبة على الجميع إلا ما خرج بالنص السابق.

(١) ذهب الشيخ في النهاية والقاضي ابن البراج وابن الجنيد إلى عدم أجزاء المدبّر إذ يشترط أن يكون العبد تام الملك لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل جعل لعبده العتق إن حدث به حدث ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، أيجزي عنه أن يعتق عبده ذلك في تلك الرقبة الواجبة؟ قال : لا) (١) ، ومضمر عبد الرحمن (سألته عن رجل قال لعبده : إن حدث بي حدث فهر حر ، وعلى الرجل تحرير رقبة في كفارة يمين أو ظهار ، أله أن يعتق عبده الذي جعل له العتق إن حدث به حدث في كفارة تلك اليمين؟ قال : لا يجوز) (٢).

وعن الشيخ في المبسوط والخلاف وابن إدريس وأكثر المتأخرين أنه يجزي ويكون عتقه فسخا للتدبير ، لأنه بمنزلة الوصية يبطلها الناقل عن الملك ، مع حمل الخبرين السابقين على من جعل ذلك بوجه لازم ، ويؤيده صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن رجل دبّر مملوكا له ثم احتاج إلى ثمنه ، فقال : هو مملوكه إن شاء باعه ، وإن شاء أعتقه ، وإن شاء أمسكه حتى يموت ، فإذا مات السيد فهو حر من ثلثه) (٣).

(٢) المشهور على جواز عتقها في الكفارة كما يجوز عتقها تبرعا لخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (أم الولد تجزي في الظهار) (٤) ، وعن ابن الجنيد عدم الجواز وهو مذهب بعض العامة لنقصان ملكها باستحقاقها العتق من جهة الاستيلاد ، وهو ممنوع ، لأنها تستحق العتق بعد موت سيدها لا مطلقا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من كتاب التدبير حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من كتاب التدبير حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

٢٤

وفي إجزاء المكاتب الذي لم يتحرر منه شي‌ء قولان (١) ، وإجزاؤه لا يخلو من قوة ، دون المرهون (٢) إلا مع إجازة المرتهن ، والمنذور عتقه (٣) ، والصدقة به (٤) ، وإن كان (٥) معلقا بشرط لم يحصل بعد على قول (٦) رجحه المصنف في الدروس.

(والخلو عن العوض) (٧) فلو أعتقه وشرط عليه عوضا لم يقع عن الكفارة ، لعدم تمحض القربة. وفي انعتاقه بذلك نظر (٨) وقطع المصنف في الدروس بوقوعه ، وكذا لو قال له غيره : أعتقه عن كفارتك ولك عليّ كذا (٩) ، واعترف

______________________________________________________

(١) قال الشيخ في الخلاف لا يجزي نظرا إلى نقصان الرق بتحقق الكتابة ، لأنها لازمة من قبل السيد ، وقد خرج العبد بها عن الملك خروجا متزلزلا.

وقال الأكثر أنه يجزي لصدق عنوان الرقبة ، ولذا جاز عتقه تبرعا وليس ذلك إلا لبقاء الرق ، وثبوت معاملة الكتابة عليه مع وجوب الوفاء بها على سيده لا يقتضي خروجه عن الرق.

(٢) لأن الراهن ممنوع من التصرف في المرهون بلا خلاف فيه ـ كما سيأتي في باب الرهن ـ وهذا الفرد منه ، نعم مع إجازة المرتهن ينفذ العتق ، لأن المنع كان لحقه فإذا أجاز زال المانع.

(٣) فلا يجوز عتقه في الكفارة لتعين عتقه في النذر.

(٤) أي المنذور بأن يتصدق به.

(٥) أي النذر.

(٦) قال في الدروس : (ولا يجزي المنذور عتقه أو الصدقة به ، وإن كان النذر معلقا بشرط لم يحصل بعد على الأقوى) ، وإلا فمقتضى القواعد جواز عتقه في الكفارة ، ما لم يثبت النذر بتحقق شرطه.

(٧) بحيث لو قال لعبده : أنت حر وعليك كذا ، فلا يجزي عن الكفارة ، بلا خلاف فيه ، لأن قصد العوض ينافي الاخلاص المعلوم اعتباره في العبادة ، والكفارة منها.

(٨) ناشئ من أنه عتق صدر من أهله وقد وقع في محله لأن قصده للعتق عن الكفارة يستلزم قصد مطلق العتق ، وهو قول الشيخ في المبسوط والشهيد في الدروس ، ومن أنه لم ينو العتق المطلق ، وإنما نوى العتق عن الكفارة فلو وقع عن غيرها لزم وقوعه بغير نية مع أن العتق مشروط بالنية لأنه من العبارات.

(٩) فلا يقع عن الكفارة بالاتفاق ، وإنما الكلام في وقوع انعتاق العبد ، ويجري فيه الخلاف السابق.

٢٥

المصنف هنا بعدم وقوع العتق مطلقا (١) ، نعم لو أمره بعتقه عن الآمر بعوض ، أو غيره أجزأ (٢) ، والنية هنا من الوكيل ، ولا بد من الحكم بانتقاله إلى ملك الآمر ولو لحظة ، لقوله (ص) : «لا عتق إلا في ملك (٣)» وفي كونه هنا قبل العتق (٤) أو عند

______________________________________________________

(١) لا عن الكفارة ، ولا عن غيرها.

(٢) بحيث قال له : اعتق عبدك عني ففعل ، وقع العتق عن الآمر بغير خلاف ، وكأنه أعتقه بنفسه لأن فعل الوكيل فعل الموكل ، نعم لا بد من دخول العبد في ملك المعتق عنه لخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك) (١) وخبر محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (ولا يعتق إلا ما يملك) (٢) وخبر النضر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ولا عتق قبل ملك) (٣) ، وقد اختلفوا في وقت دخوله على أقوال : الأول : أن الملك يحصل عقيب الفراغ من لفظ الاعتاق على الاتصال ، وهو قول الشيخ ، وفيه : إنه يستلزم تأخر العتق عن الاعتاق بقدر ما يتوسطهما الملك ، الثاني : أنه يحصل الملك بشروعه في لفظ الاعتاق ، ويعتق إذا تم اللفظ بمجموع الصيغة ، فجزء الصيغة سبب للملك حينئذ وهو قول المفيد والعلامة وفخر المحققين ، وفيه لو فرض عدم تمامية الصيغة بعد الشروع فيها للزم خروج الرقبة عن الملك ، ودخولها في ملك الآمر ، وهذا مما لم يلتزم به أحد لعدم تحقق سبب الانتقال ، الثالث : أنه يحصل الملك للآمر بالاستدعاء ويعتق عليه إذا تلفظ المالك بالإعتاق ، ويرد عليه أنه لو لم يتلفظ المالك بالاعتاق لوجب انتقال الرقبة إلى الآمر وهذا مما لم يلتزم به أحد. الرابع : أن الملك والعتق معا يحصلان عند تمام الإعتاق وفيه : أنه لا بد من تقدم الملك على العتق فكيف يتم وقوعهما معا في وقت واحد ، الخامس : إن الملك يحصل بالاستدعاء المقترن بصيغة العتق بحيث يكون تمام الصيغة كاشفا عن سبق الملك عليها ، مع الالتزام بأن عدم وقوع صيغة الإعتاق بعد الاستدعاء دال على عدم حصول الملك بالاستدعاء.

ولقد أجاد المحقق في الشرائع حيث قال : (والوجه : الاقتصار على الثمرة وهي صحة العتق عن الآمر ، وبراءة ذمته عن الكفارة ، ولا يجب البحث عن وقت انتقال الملك إليه ، فإن ذلك تخمين لا يرجع إلى دليل صالح).

(٣) عين هذا الخبر غير مروي من طرقنا ، نعم ما هو مروي قد تقدم ، وهو قريب منه فراجع.

(٤) أي قبل التلفظ بصيغة العتق ، ويكون الملك عند الاستدعاء كما هو القول الثالث.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب مقدمات الطلاق حديث ١ و ٢ و ٤.

٢٦

الشروع فيه (١) ، أو بعد وقوع الصيغة ثم يعتق (٢) ، أو بكون العتق كاشفا عن ملكه بالأمر أوجه والوجه انتقاله بالأمر (٣) المقترن بالعتق.

(والنية) (٤) المشتملة على قصد الفعل على وجهه (٥) متقربا ، والمقارنة (٦) للصيغة ، (والتعيين للسبب) (٧) الذي يكفّر عنه ، سواء تعددت الكفارة في ذمته أم لا ، وسواء تغاير الجنس أم لا ، كما يقتضيه الاطلاق (٨) ، وصرّح به في الدروس. ووجهه أن الكفارة اسم مشترك بين أفراد مختلفة ، والمأمور به إنما يتخصص بمميزاته عن غيره مما يشاركه.

______________________________________________________

(١) كما هو القول الثاني.

(٢) كما هو القول الأول.

(٣) كما هو القول الخامس.

(٤) النية معتبرة في الكفارة لتصريح أكثر من واحد بأنها من العبادات ، وقد تقدم أن النية متقومة بالقصد إلى الفعل مع القربة إلى الله ، وأما باقي الخصوصيات فلا يجب قصدها إلا إذا توقف تمييز المأمور به عليها.

(٥) من قصد الوجوب أو الاستحباب ، وقد عرفت عدم وجوبه.

(٦) بناء على أن النية اخطارية ، وقد عرفت أنها قصدية.

(٧) إذا تعددت الكفارات عليه ، وأما لو اتحدت الكفارة عليه فلا داعي لتعيين السبب لتمحض المأمور به في الانطباق عليه.

وعلى تقدير تعدد الكفارات فتارة يتحد جنس سببها وأخرى يتعدد ، فعلى تقدير اتحاد جنس السبب فالمشهور بين الأصحاب عدم وجوب التعيين ، بل نقل الشارح في المسالك عن الشهيد في الشرح أنه لا يعرف لأحد من العلماء قولا باشتراط التعيين ، كل ذلك لصدق الامتثال بدون الاشتراط.

وعلى تقدير تعدد السبب فإما أن تتماثل الكفارات ككفارة الظهار وكفارة قتل الخطأ ، وإما أن تختلف ككفارة اليمين مع كفارة شهر رمضان التي هي كبيرة مخيّرة ، فعلى الاختلاف في خصالها فلا داعي لتعيين السبب لصدق الامتثال بعد تمحض المأمور به في الانطباق على المأتى به ، وعلى الاتفاق في الخصال فلا بد من تعيين السبب لقاعدة الاشتغال لامتناع صرف المأتي به إليها ، ولا للبعض للترجيح من دون مرجح فلا بد من نية التعيين ، هذا هو مقتضى القواعد المقررة في النية التي تقدم البحث فيها في العبادات.

(٨) أي اطلاق عبارة الماتن.

٢٧

ويشكل بأنه مع اتحادها في ذمته لا اشتراك ، فتجزي نيته (١) عما في ذمته من الكفارة ، لأن غيره ليس مأمورا به ، بل ولا يتصور وقوعه منه في تلك الحالة شرعا ، فلا وجه للاحتراز عنه كالقصر والتمام في غير موضع التخيير.

والأقوى أن المتعدد في ذمته مع اتحاد نوع سببه (٢) كإفطار يومين من شهر رمضان ، وخلف نذرين كذلك (٣) ، نعم لو اختلفت أسبابه توجه ذلك (٤) ليحصل التمييز وإن اتفق مقدار الكفارة (٥) ، وقيل : لا يفتقر إليه مطلقا (٦).

وعلى ما اخترناه (٧) لو أطلق برأت ذمته من واحدة لا بعينها فيتعين في الباقي الإطلاق سواء كان بعتق أم غيره (٨) من الخصال المخيّرة ، أو المرتبة على تقدير العجز ، ولو شك في نوع ما في ذمته أجزأه الاطلاق عن الكفارة على القولين (٩) ، كما يجزيه العتق عما في ذمته لو شك بين كفارة ونذر (١٠) ، ولا يجزي

______________________________________________________

(١) أي نية العتق من دون ذكر السبب.

(٢) كان الكلام في تعدد جنس السبب سابقا ، أما إذا اتّحد الجنس وتعددت أفراده كمن عليه كفارتان لإفطار يومين من شهر رمضان فلا يجب التعيين لعدم اشتغال ذمته بغير كفارة افطار شهر رمضان.

(٣) أي فلا يجب التعيين كالفرع السابق.

(٤) أي التعيين للسبب.

(٥) بل التعيين في هذا الفرع لصلاحية المأتي به للانطباق على أكثر من واجب ، وأما لو اختلفت خصال الكفارة فلا داعي للتعيين لعدم صلاحية الانطباق.

(٦) كما عن الشيخ في المبسوط في كل الأحوال لأصالة البراءة من الاشتراط ، وهو ضعيف فيما لو توقف الامتثال على التمييز.

(٧) من تعدد الكفارة مع اتحاد النوع فلا يشترط نية التعيين.

(٨) بحيث لو أعتق ولم ينو التعيين سقط إحداهما وبقيت الأخرى ، وهذه الأخرى مخيّرة بين العتق وغيره بحيث يأتي بواحد من خصالها من دون نية التعيين ، وأما لو كانت الأخرى مرتبة فيجوز له أن يأتي بغير العتق على تقدير العجز عنه وكل ذلك من دون نية التعيين.

(٩) أما على القول بعدم وجوب التعيين ، لأنه لا يجب التعيين مع العلم فمع الجهل أولى ، وعلى القول الثاني إنما وجب التعيين مع العلم ، وبدونه لا يجب لأن تكليف التعيين مع الجهل تكليف بما لا يطاق فيسقط.

(١٠) بحيث لو نوى التكفير أو النذر فلا يجزي ، لأن النذر لا يجزي فيه نية التكفير ، وهو لا يجزي فيه نية النذر ، فيتعين أن ينوي إبراء ما في ذمته من أيهما.

٢٨

ذلك في الأول (١) ، كما لا يجزي العتق مطلقا (٢) ، ولا بنية الوجوب (٣).

(ومع العجز) عن العتق (٤) في المرتّبة (٥) (يصوم (٦) شهرين متتابعين) هلاليين (٧) ، وإن (٨) نقصا إن ابتدأ من أوله ، ولو ابتدأ من أثنائه أكمل ما بقي منه ثلاثين بعد الثاني (٩) ، وأجزأه الهلالي في الثاني ، ولو اقتصر هنا (١٠) على شهر ويوم تعين العددي فيهما (١١) ، والمراد بالتتابع أن لا يقطعهما ولو في شهر ويوم بالإفطار اختيارا (١٢) ولو

______________________________________________________

(١) أي لا يجزي نية ما في الذمة في الصورة السابقة فيما لو تعددت الكفارة واتحد النوع لتردد المأتي به بين واجبين.

(٢) أي من دون ذكر عنوان الكفارة ، لأن المأتي به لا يتمحض في التكفير إلا بذكره فلا بد منه.

(٣) أي لا يجزيه العتق لو أتى به بنية الوجوب فقط ، لأنه قد يكون واجبا عليه في غير الكفارة ، فلا بد من نية التكفير ليقع كفارة.

(٤) قد تقدم معنى وجدان الرقبة ، ومنه تعرف معنى العجز منها.

(٥) لأن في المخيّرة يجوز له الصوم المذكور ابتداء.

(٦) فهو لازم في المرتّبة بعد العجز عن العتق بلا خلاف فيه ، ولما مرّ من الأدلة كتابا وسنة.

(٧) لأنه المراد شرعا عند الاطلاق.

(٨) إن وصلية ، لتحقق الامتثال بعد صدق صوم الشهرين عليه.

(٩) لأن الأول لا يمكن له أن يحمله على الهلالي بعد الابتداء في أثنائه ، وقيل : يتم من الشهر الثالث ما فاته من الأول فإذا ابتدأ باليوم العاشر من الأول مثلا فيكون قد فاته تسعة أيام فيتمها في الشهر الثالث لأنه أقرب إلى الشهر الحقيقي ، وفيه أنه لا بد من احتساب الشهر ثلاثين عند انكساره وقيل : مع انكسار الأول ينكسر الجميع ويبطل اعتبار الأهلة ، لأن الثاني لا يدخل إلا بعد إكمال الأول ، فلا يسلم له الثاني من أول الشهر الهلالي وهو الموافق للاعتبار والاحتياط.

(١٠) أي في صورة الابتداء من الأثناء.

(١١) للانكسار في الشهرين.

(١٢) كما تقدم في باب الصوم لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (صيام كفارة اليمين في الظهار شهران متتابعان ، والتتابع أن يصوم شهرا ويصوم من الآخر أياما أو شيئا منه ، فإن عرض له شي‌ء يفطر منه أفطر ثم قضى ما بقي عليه ، وإن صام شهرا ثم عرض له شي‌ء فأفطر قبل أن يصوم من الآخر شيئا فلم يتابع ، فليعد الصوم كله) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث ٩.

٢٩

بمسوغه (١) كالسفر ، ولا يقطعه غيره (٢) كالحيض والمرض والسفر الضروري والواجب (٣) ، بل يبني على ما مضى عند زوال العذر على الفور هذا إذا فاجأه السفر.

أما لو علم به قبل الشروع لم يعذر (٤) للقدرة على التتابع في غيره ، كما لو علم بدخول العيد ، بخلاف الحيض ، للزومه في الطبيعة عادة ، والصبر إلى سن اليأس تغرير بالواجب ، وإضرار بالمكلف ، وتجب فيه النية (٥) ، والتعيين (٦) كالعتق ، وما يعتبر في نيته (٧) ، ولو نسيها ليلا جددها إلى الزوال فإن استمر إليه لم يجز ولم

______________________________________________________

(١) أي مسوغ الافطار.

(٢) أي غير الافطار الاختياري.

(٣) شرعا وكذا لو افطرت الحامل والمرضع مع الخوف على النفس ، للأخبار.

منها : صحيح رفاعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل عليه صيام شهرين متتابعين فصام شهرا ومرض ، قال : يبني عليه ، الله حسبه ، قلت : امرأة كان عليها صيام شهرين متتابعين فصامت وأفطرت أيام حيضها ، قال : تقضيها ، قلت : فإنها قضتها ثم يئست من المحيض ، قال : لا تعيدها ، اجزأها) (١) وخبر سليمان بن خالد (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل كان عليه صيام شهرين متتابعين فصام خمسة عشر يوما ثم مرض ، فإذا برأ أيبني على صومه أم يعيد صومه كله؟ قال : يبني على ما كان صام ، ثم قال : هذا مما غلب الله عليه ، وليس على ما غلب الله عزوجل عليه شي‌ء) (٢) ومن التعليل يستفاد جواز البناء على ما مضى إذا كان الإفطار لعذر مهما كان نوعه.

(٤) كما لو علم بدخول العيد في الشهر الأول فلا يجوز له أن يصوم شعبان إلّا مع صوم يوم قبله ، ولا يجوز أن يصوم الشهر الأول في ذي الحجة لأنه لا يسلم له ويدل عليه صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل صام في ظهار شعبان ثم أدركه رمضان ، قال : يصوم شهر رمضان ويستأنف الصوم ، فإن صام في الظهار فزاد في النصف يوما قضى بقيته) (٣).

(٥) أي في صوم الكفارة لأنه من العبادات.

(٦) قد تقدم الكلام فيه.

(٧) أي في نية الصوم.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث ١٠ و ١٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث ١.

٣٠

يقطع التتابع على الأقوى (١).

(ومع العجز) عن الصيام (يطعم ستين مسكينا) فما يجب فيه ذلك ككفارة شهر رمضان (٢) ، وقتل الخطأ ، والظهار ، والنذر (٣) لا مطلق المرتبة ، فإنه في كفارة إفطار قضاء رمضان ، وكفارة اليمين إطعام عشرة وأطلق الحكم اتكالا على ما علم (إما إشباعا) في أكلة واحدة (أو تسليم مدّ إلى كل واحد على أصح القولين) (٤)

______________________________________________________

(١) بل هو المشهور بينهم لأن النسيان عذر ، ويحتمل القطع لأن النسيان مستند إلى تقصيره وإهماله وعدم اهتماله بالصوم وهو احتمال ضعيف. ولم ينسب الخلاف إلى أحد.

(٢) قد عرفت أنها مخيّرة وليست مرتبة فالتمثيل بها ليس في محله ، إلا على قول ابن أبي عقيل من أنها مرتبة.

(٣) والتمثيل به على قول سلار والكراجكي حيث ذهبا إلى أن كفارة خلف النذر مرتبة ككفارة الظهار.

(٤) على المشهور للأخبار.

منها : صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قال الله عزوجل لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مٰا أَحَلَّ اللّٰهُ لَكَ) قد فرض الله لك تحلة أيمانكم ، فجعلها يمينا وكفّرها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قلت : بما كفّر؟ قال أطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد ، قلنا : فمن وجد الكسوة؟ قال : ثوب يواري عورته) (١) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وإذا قتل خطأ أدى ديته إلى أوليائه ثم اعتق رقبة ، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا مدا مدا) (٢) ومثلها غيرها الوارد ، في كفارة شهر رمضان.

وعن الشيخ في الخلاف والمبسوط والنهاية وابن حمزة في الوسيلة والطبرسي في مجمع البيان مدان مع القدرة ، ومع العجز مد لخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام (في كفارة الظهار قال : تصدق على ستين مسكينا ثلاثين صاعا ، لكل مسكين مدين مدين) (٣) ، وحمل عند المشهور على الاستحباب.

هذا كله على تقدير التسليم إلى المستحق ، ولكنه غير لازم بل يتخير بينه وبين أن يطعمه مرة إلى أن يشبع لصدق الاطعام بذلك ، قال الله تعالى : (لٰا يُؤٰاخِذُكُمُ اللّٰهُ بِاللَّغْوِ فِي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ٦.

٣١

فتوى وسندا وقيل مدان مطلقا (١) ، وقيل : مع القدرة ، ويتساوى في التسليم الصغير والكبير من حيث القدر (٢) وإن كان الواجب في الصغير تسليم الولي ، وكذا في الإشباع (٣) إن اجتمعوا ولو انفرد الصغار احتسب الاثنان بواحد ولا

______________________________________________________

ـ أَيْمٰانِكُمْ ، وَلٰكِنْ يُؤٰاخِذُكُمْ بِمٰا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمٰانَ ، فَكَفّٰارَتُهُ إِطْعٰامُ عَشَرَةِ مَسٰاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (سأله عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك؟ فقال : الخل والزيت والتمر والخبز يشبعهم به مرة واحدة ، قلت : كسوتهم؟ قال : ثوب واحد) (٢) ، وعن المفيد وسلّار والقاضي وابن زهرة الاشباع في يومه لخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن قول الله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم ، في كفارة اليمين ، قال : ما يأكل أهل البيت يشبعهم يوما ، وكان يعجبه مد لكل مسكين) (٣) وهي محمولة على الاستحباب جمعا بينها وبين ما تقدم ، وعن ابن الجنيد أنه يطعمه في الغداة والعشاء ولم أجد دليلا على هذا التعيين.

(١) ليس قولا ثالثا بل هو راجع لقول الشيخ.

(٢) لصدق تسليم المد لكل مسكين ويدل عليه صحيح يونس بن عبد الرحمن عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن رجل ، عليه كفارة إطعام عشرة مساكين ، أيعطي الصغار والكبار سواء ، والرجال والنساء ، أو يفضّل الكبار على الصغار والرجال على النساء؟ قال : كلهم سواء) (٤).

(٣) فإن أشبع الكبار فلا خلاف ، وإن أشبع الصغار فتارة منضمين إلى الكبار فيحسب الواحد بواحد على المشهور ، وعن المفيد أنه يحسب الاثنان واحدا ، وأخرى منفردين فلا بد من احتساب الاثنين بواحد بلا خلاف فيه كما في الرياض ، والأصل فيه خبر غياث بن إبراهيم عن عبد الله عليه‌السلام (لا يجزي إطعام الصغير في كفارة اليمين ، ولكن صغيرين بكبير) (٥) وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام قال : من أطعم في كفارة اليمين صغارا وكبارا فليزوّد الصغير بقدر ما أكل الكبير) (٦) ، وصحيح الحلبي عن ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ٨٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات حديث ٩.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات حديث ٣ و ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢.

٣٢

يتوقف (١) على إذن الولي (٢).

ولا فرق بين أكل الصغير كالكبير ، ودونه (٣) ، لإطلاق النص وندوره (٤) ، والظاهر أن المراد بالصغير غير البالغ مع احتمال الرجوع إلى العرف (٥) ، ولو تعذر العدد في البلد وجب النقل إلى غيره مع الإمكان (٦) ، فإن تعذر كرر على الموجودين في الأيام بحسب المتخلف (٧).

______________________________________________________

ـ أبي عبد الله عليه‌السلام (في قول الله عزوجل : من أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : هو كما يكون ، أنه يكون في البيت من يأكل المد ، ومنهم من يأكل أكثر من المد ، ومنهم من يأكل أقل من المد ، فبين ذلك) (١).

فالصحيح الأخير دال على عدم وجوب اعطاء أكثر مما يأكله وإن كان أقل من المدّ فلا بد من حمل الخبر الثاني الظاهر في الاجتماع على الاستحباب ، وأما الخبر الأول فيحمل على صورة الانفراد جمعا بينه وبين الصحيح المذكور هذا ما عليه المشهور ، وفيه : ان الصحيح ناظر إلى التسليم وكلامنا في لإشباع ، وكذا الخبر الثاني ، وأما الأول فهو شامل للانفراد والاجتماع من دون مخصص له فالأقوى عدم احتساب الواحد بواحد بل احتساب الاثنين منهم بواحد.

(١) أي الاشباع.

(٢) لأنه ليس تصرفا في حاله أو أفعاله حتى يحتاج إلى الإذن.

(٣) أي دون الكبير لإطلاق النص ، وهو خبر أبي بصير المتقدم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن أوسط ما تطعمون أهليكم ، قال : ما تقوتون به عيالكم من أوسط ذلك ، قلت : وما أوسط ذلك؟ قال : الخل والزيت والتمر والخبز يشبعهم به مرة واحدة) (٢). فلا فرق بين الصغير والكبير في الأكل ولو اختلفا ، كما يختلف الكبار في مقدار الأكل.

(٤) أي ندور أكل الصغير كالكبير ، وهي علة ثانية لعدم الفرق ، لأنه لو قلنا باشتراط التساوي بين الأكلين للزم عدم جواز اجتماع الصغار مع الكبار إلا على نحو النادر ، مع أن بعض الروايات ظاهرة بالاجتماع ولا يمكن حملها على الفرد النادر.

(٥) قال في المسالك (لا تقدير في الكبر والصغر شرعا فيرجع فيهما إلى العرف).

(٦) لتوقف الواجب عليه.

(٧) فإنه يجوز التكرار على الواحد مع تعذر غيره بلا خلاف لخبر السكوني عن أبي عبد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ٥.

٣٣

والمراد بالمسكين هنا (١) من لا يقدر على تحصيل قوت سنته فعلا وقوة فيشمل الفقير ، ولا يدخل الغارم وإن استوعب دينه ماله ، ويعتبر فيه الإيمان (٢) ، وعدم وجوب نفقته على المعطي (٣) ، أما على غيره فهو غنيّ مع بذل المنفق ، وإلا فلا.

وبالطعام مسماه (٤) كالحنطة والشعير ودقيقهما وخبزهما وما يغلب على قوت

______________________________________________________

ـ الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فيكرر عليهم حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا) (١).

(١) أي في باب الكفارات ، لأن المسكين هنا لا يشمل الغارم ، وقد أدرج الغارم في مستحق الزكاة للدليل وكذا ابن السبيل.

(٢) وهو الإيمان بالمعنى الخاص ، فلم يشترطه المحقق بل اكتفى بالإسلام لعموم أدلة الاطعام في الكفارات ، ولموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام (وقد سأله عن الكفارة إلى أن قال ـ قلت : فيعطيه الضعفاء من غير أهل الولاية؟ قال : نعم ، وأهل الولاية أحبّ إليّ) (٢).

وذهب الشيخ وقواه العلامة إلى اشتراط الإيمان مع الامكان ، وقال في المسالك : (ليس عليه نص بخصوصه) ، وذهب ابن الجنيد وابن البراج إلى اشتراط الإيمان مطلقا ، وذهب ابن إدريس إلى اشتراط الإيمان والعدالة ، ودليل القولين الأخيرين ما تقدم في الزكاة ، والملازمة ممنوعة كما في المسالك.

(٣) بلا خلاف لاشتراط المسكنة في مصرف الكفارة ، ومن وجبت نفقته على المعطي كالعمودين والزوجة والمملوك فإنهم يصيرون أغنياء بالدافع فلا يجوز له إعطاءهم من الكفارة.

هذا كله مع بذل المنفق ، وأما مع عدمه فكذلك قال في المسالك (فلا يجوز له صرفها إليهم حتى لو منعهم من النفقة وصاروا محتاجين فحكمهم كذلك بالنسبة إليه ، لأن الشرط مقدور عليه من جهته والتقصير واقع منه ، فلم يفترق الحال بين بذل النفقة وعدمه ، بخلاف الأجنبي فإن تحريم دفعه الكفارة إليهم مشروط ببذل المنفق ما يجب عليه لهم من النفقة ليصيروا أغنياء ، فلو لم يكن باذلا لهم وصاروا محتاجين ، جاز لغيره أن يعطيهم منها لتحقق الوصف فيهم).

(٤) أي كل ما يؤكل ويسمى طعاما لإطلاق النصوص.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الكفارات حديث ٢.

٣٤

البلد ، ويجزي التمر والزبيب مطلقا (١) ، ويعتبر كونه سليما (٢) من العيب والمزج بغيره ، فلا يجزي المسوس ، والممتزج بزوان وتراب غير معتادين ، والنية (٣) مقارنة (٤) للتسليم إلى المستحق ، أو وكيله ، أو وليه ، أو بعد وصوله إليه قبل إتلافه ، أو نقله (٥) عن ملكه ، أو للشروع في الأكل ، ولو اجتمعوا فيه (٦) ففي الاكتفاء بشروع واحد ، أو وجوب تعددها مع اختلافهم (٧) فيه وجهان (٨).

(وإذا كسى الفقير فثوب) في الأصح (٩) ، والمعتبر مسماه (١٠) من إزار

______________________________________________________

(١) سواء غلب على قوت البلد أو لا.

(٢) للانصراف.

(٣) لأن الكفارة من العبادات.

(٤) إذا كانت اخطارية وقد عرفت أنها قصدية فلا داعي لهذا التشقيق.

(٥) عطف على إتلافه.

(٦) في الأكل.

(٧) في الشروع.

(٨) من أن كل أكلة واجبة فتجب نيتها معها ، ومن أن مجموع الأكلات كفارة واحدة فيكفيها نية واحدة للجميع.

(٩) كما عن الشيخ والحلي وابن بابويه وابن سعيد والعلامة والشهيدين للأخبار.

منها : صحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (ثوب يواري به عورته) (١) ، وصحيح أبي بصير عن أبي جعفر عليه‌السلام (قلت : كسوتهم؟ قال : ثوب واحد) (٢) وعن القاضي والشيخ وابن زهرة والفاضل في القواعد وفخر المحققين بحمل هذه الأخبار على العجز وإلا فمع الاختيار ثوبان جمعا بينها وبين أخبار.

منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لكل إنسان ثوبان) (٣) وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : أو كسوتهم؟ قال : ثوبين لكل رجل) (٤) وخبر أبي خالد القماط عنه عليه‌السلام (والكسوة ثوبان) (٥) ، وهي محمولة على الاستحباب عند أصحاب القول الأول.

(١٠) قال في المسالك : (واعلم أن المعتبر في الثوب أو الثوبين ما يتحقق به الكسوة عرفا كالجبة والقميص والإزار والسراويل والمقنعة للأنثى ، دون المنطقة والخف والقلنسوة ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الكفارات حديث ١ و ٥.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات حديث ١ و ٩ و ١٣.

٣٥

ورداء ، وسراويل ، وقميص (ولو غسيلا (١) إذا لم يتخرق) أو ينسحق جدا بحيث لا ينتفع به إلا قليلا وفاقا للدروس (٢) ، وجلسه القطن والكتان والصوف والحرير الممتزج ، والخالص للنساء وغير البالغين ، دون الرجال والخناثي ، والفرو والجلد المعتاد لبسه والقنب والشعر كذلك (٣) ، ويكفي ما يسمى ثوبا للصغير وإن كانوا منفردين ، ولا يتكرر على الموجودين لو تعذر العدد مطلقا (٤) ، لعدم النص (٥) مع احتماله (٦).

(وكل من وجب عليه صوم شهرين متتابعين فعجز عن صومهما) أجمع (صام ثمانية عشر يوما) (٧) وإن قدر على صوم أزيد منها ، (فإن عجز) عن صوم

______________________________________________________

ـ وأقله ما يستر العورتين كالمئزر إن اعتيد لبسه وإلا فلا ، ولو صلح كسوة للصغير دون الكبير كفى إن دفعه بنية الصغير دون الكبير ، والمعتبر في جنسه ما يعدّ معه كسوة عرفا كالقطن والكتان والصرف والحرير للنساء والفرو والجلد المعتادين ، وكذا القنب والشعر ان اعتاداه ، وإلا فلا ، ويجزي كسوة الصغار وإن انفردوا للعموم ، ويستحب الجديد ، ويجزي غيره إلا أن ينسحق أو يتخرق). انتهى.

(١) أي مغسولا.

(٢) لإطلاق الأدلة وخالف في ذلك الوسيلة والإصباح.

(٣) أي المعتاد لبسهما.

(٤) مع وجود المستحق في البلد الآخر مع تعذر النقل أو مع عدم وجود المستحق.

(٥) أي لعدم النص في تكرار الكسوة على الموجودين ، بخلاف الاطعام فإنه يكرر الاطعام لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : إن لم يجد في الكفارة إلا الرجل والرجلين فيكرر عليهم حتى يستكمل العشرة ، يعطيهم اليوم ثم يعطيهم غدا) (١).

(٦) أي احتمال التكرار في الكسوة كما في الاطعام ، وفيه : إنه قياس مع أنه لو كرر لكسي المسكين عشرة أثواب في عشرة أيام وهو بعيد عن مذاق الشارع بخلاف الاطعام فلو أطعم على عشرة أيام وهو محتاج لكان أمرا راجحا.

(٧) والأصل فيه خبر أبي بصير وسماعة (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون عليه صيام شهرين متتابعين فلم يقدر على الصيام ولم يقدر على العتق ولم يقدر على الصدقة ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

٣٦

الثمانية عشر أجمع (تصدق عن كل يوم) من الثمانية عشر (بمد) من طعام (١) ، وقيل : عن الستين (٢) ، ويضعف بسقوط حكمها (٣) قبل ذلك (٤) وكونه (٥) خلاف المتبادر ، وعدم صحته في الكفارة المخيرة ، لأن القادر على إطعام الستين يجعله أصلا لا بدلا ، بل لا يجزيه الثمانية عشر مع قدرته على إطعام الستين ، لأنها (٦) بدل اضطراري ، وهو (٧) بدل اختياري ، (فإن عجز) عن إطعام القدر المذكور ،

______________________________________________________

ـ قال : فليصم ثمانية عشر يوما عن كل عشرة مساكين ثلاثة أيام) (١) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل ظاهر امرأته فلم يجد ما يعتق ولا ما يتصدق ولا يقوى على الصيام ، قال : يصوم ثمانية عشر يوما لكل عشرة مساكين ثلاثة أيام) (٢).

(١) لما تقدم في كتاب الصوم من أن الشيخ الكبير وذا العطاش يتصدقان عن كل يوم بمدّ كما في صحيح محمد بن مسلم (سمعت أبا جعفر عليه‌السلام يقول : الشيخ الكبير والذي به العطاش لا حرج عليهما أن يفطرا في شهر رمضان ، ويتصدق كل واحد منهما في كل يوم بمد من طعام ، ولا قضاء عليهما) (٣) ومثله غيره ، بل اطعام الستين مع تعذر الشهرين في المرتبة يومئ إلى ذلك كما في الجواهر.

(٢) وقد جعله في نهاية المراد أحد الوجهين ، وفيه : أولا أن الصدقة بعد العجز عن صوم الثمانية عشر يوما المترتب على العجز عن صوم الستين فكيف يرجع إليها بعد الخروج عنها كما في المسالك ، وثانيا : إن هذا الحكم يشمل صوم الشهرين في الكفارة المخيّرة فلو فرضنا أن الصدقة عن ستين يوما هي البدل للعجز عن صوم الثمانية عشر يوما فيكون قادرا من رأس على أحد خصال الكفارة ومعه لا داعي لفرض صوم الثمانية عشر يوما عند العجز عن صوم الستين.

(٣) أي حكم الستين.

(٤) عند صوم الثمانية عشر.

(٥) عطف على (سقوط حكمها).

(٦) الثمانية عشر.

(٧) أي الاطعام عن الستين.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية الصوم الواجب حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب ـ من يصح منه الصوم حديث ١.

٣٧

وإن قدر على بعضه (استغفر الله تعالى) (١) ولو مرة بنية الكفارة.

______________________________________________________

(١) لخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كل من عجز عن الكفارة التي تجب عليه من صوم أو عتق أو صدقة في يمين أو نذر أو قتل أو غير ذلك مما يجب على صاحبه فيه الكفارة ، فالاستغفار كفارة ما خلا يمين الظهار) (١) وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن شي‌ء من كفارة اليمين ـ إلى أن قال ـ قلت : فإن عجز عن ذلك ، قال : فليستغفر الله تعالى ولا يعود) (٢) وخبر داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شي‌ء من الكفارة) (٣) ، وخبر إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (وإلا يجد ذلك فليستغفر ربه وينوي أن لا يعود ، فحسبه ذلك والله كفارة) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الكفارات حديث ٦.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الكفارات حديث ٣ و ٤.

٣٨

كتاب النذر وتوابعه

٣٩
٤٠