الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

والأنوثة ، لما فيه من كسر قلب المفضّل عليه ، وتعريضهم للعداوة ، وروي أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لمن أعطى بعض أولاده شيئا : «أكلّ ولدك أعطيت مثله» قال لا قال : «فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» فرجع في تلك العطية ، وفي رواية أخرى : «لا تشهدني على جور» ، وحيث يفعل يستحب الفسخ مع إمكانه للخبر (١) ، وذهب بعض الأصحاب إلى التحريم ، وفي المختلف خصّ الكراهة بالمرض والإعسار ، لدلالة بعض الأخبار عليه والأقوى الكراهة مطلقا ، واستثنى من ذلك ما لو اشتمل المفضّل على معنى يقتضيه ، كحاجة زائدة ، وزمانة ، واشتغال بعلم ، أو نقص المفضّل عليه بسفه ، أو فسق ، أو بدعة ، ونحو ذلك.

______________________________________________________

ـ جواز الإعطاء في حال الصحة لأنه نافذ من الأصل بخلاف ما لو أعطاه في حال مرض الموت وكذا خبر سماعة ، فلم يبق إلا خبر أبي بصير معتضدا بالنبوي العامي أنه قال لبشير بن النعمان لما نحل ابنه النعمان غلاما : (أكل ولدك نحلتهم مثل هذا؟ فقال : لا ، فقال : اردده) (١) وفي آخر (فارجعه) وفي ثالث (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة) وفي رابع (لا تشهدني على جور) مضافا إلى ما فيه من إشارة الشحناء والبغضاء والحسد ، فالأقوى الكراهة مطلقا حينئذ ، نعم استقرب العلامة عدم الكراهة إذا كان التفصيل لمعنى يقتضيه كشدة حاجة وزمانة أو اشتغال بعلم ، أو التنويه بمزيته وفضله وعليه يحمل فعل للائمة عليهم‌السلام للتفضيل ، وهذا هو الذي ذكرناه من الكراهة مطلقا إلا ما استثني مما يقتضيه الجمع بين ما تقدم وبين خبر محمد بن قيس (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الرجل يفضل بعض ولده على بعض ، فقال : نعم ونساءه) (٢) وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يكون له الولد من غير أم يفضّل بعضهم على بعض؟ قال : لا بأس) (٣) وخبر إسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يخصّ بعض ولده ببعض ماله فقال : لا بأس بذلك) (٤) وخبر ابن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام (سألته عن الرجل يحلّ له أن يفضّل بعض ولده على بعض؟ قال : قد فضّلت فلانا على أهلي وولدي فلا بأس) (٥) وخبر معاوية وأبي كهمس عن أبي عبد الله عليه‌السلام يقول (صنع ذلك ـ أي التفضيل ـ عليّ عليه‌السلام بابنه الحسن ، وفعل ذلك الحسين بابنه عليّ ، وفعله أبي بي ، وفعلته أنا) (٦).

(١) أي لنفس هذا الخبر المتقدم في كلام الشارح وقد تقدم ذكره منا.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٠٦ وسنن البيهقي ج ٦ ص ١٧٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الهبات حديث ١ و ٢ و ٤ و ٦ و ٣.

٢٦١

(ويصح الرجوع في الهبة بعد الإقباض ما لم يتصرف الموهوب (١) تصرفا

______________________________________________________

(١) اعلم أن الهبة إذا تمت بالعقد والقبض فهي من العقود الجائزة ، لأن الأصل في العقود اللزوم لقوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (١) ، ولكن قد دلت الأخبار الكثيرة على جوازها.

منها : صحيح جميل والحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع فيها وإلا فليس) (٢) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (الهبة والنحلة يرجع فيهما إن شاء حيزت أو لم تحز إلا لذي رحم) (٣) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ قال عليه‌السلام : تجوز الهبة لذوي القرابة ، والذي يثاب من هبته ، ويرجع في غير ذلك إن شاء) (٤).

والرجوع مكروه جمعا بين ما تقدم وبين خبر جراح المدائنيّ عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه) (٥) وخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها) (٦) ومثلها غيرها.

وهذا وتلزم الهبة بعد القبض ولا يجوز فيها الرجوع في موارد :

الأول : فيما إذا كانت الهبة لأحد الأبوين أو الأولاد بلا خلاف فيه إلا من المرتضى في الانتصار حيث جعلها جائزة ، وهو شاذ والغريب أنه ادعى الاجماع مع أن الأمر بالعكس كما عرفت لصحيح ويدل على الحكم أخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم وصحيح عبد الرحمن وعبد الله بن سليمان المتقدمان ، وموثق داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الهبة والنحلة ما لم تقبض حتى يموت صاحبها قال : هو ميراث ، فإن كانت لصبي في حجره فأشهد عليه فإنه جائز) (٧) والجائز بمعنى اللازم كما عرفت.

الثاني : فيما لو كانت الهبة لذوي الرحم كما عليه المشهور للصحيحين المتقدمين.

وعن الشيخ في الخلاف وابن الجنيد والحلي في موضع من سرائره من جواز الرجوع لموثق داود بن الحصين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته هل لأحد أن يرجع في صدقة أو هبة؟ ـ

__________________

(١) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٢ و ١.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٣ و ٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٢.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ قال : أما ما تصدق به لله فلا ، وأما الهبة والنحلة فله أن يرجع فيها حازها أو لم يحزها وإن كانت لذي قرابة) (١) ومثله مرسل أبان (٢) وصحيح المعلّى بن خنيس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (٣) ، وهي لا تصلح لمعارضة ما تقدم لأنها أكثر عددا ، نعم عن الكفاية الجمع بينهما بالحكم بالكراهة. وما عليه المشهور هو الأولى ثم المراد بالرحم هو مطلق القريب وإن بعدت لحمته وجاز نكاحه للصدق العرقي ، فما عن بعضهم من اختصاصه بمن يحرم نكاحه شاذ محجوج بما عرفت.

نعم وقع الخلاف بينهم في جواز الرجوع في هبة كل من الزوجين للآخر فذهب الفاضل وولده والمقداد وثاني المحققين والشهيدين وجماعة إلى عدم جواز الرجوع لصحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ولا يرجع الرجل فيما يهب لامرأته ولا المرأة فيما تهب لزوجها ، حيز أو لم يحز ، لأنه الله تعالى يقول : ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ، وقال : فإن طبن لكم عن شي‌ء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ، وهذا يدخل فيه الصداق والهبة) (٤) ، وصحيح ابن بزيع عن الرضا عليه‌السلام (عن الرجل يأخذ من أم ولده شيئا هبة له بغير طيب نفسها من خدم أو متاع ، أيجوز ذلك له؟ فقال : نعم إذا كانت أم ولده) (٥) ومفهومه إن لم تكن كذلك فلا يجوز مع العلم أن الحكم فيها من ناحية كونها زوجة ، وقد جاز الأخذ عند كونها أم ولد لأنها أمة مملوكة لسيدها ، فهي وما تملك له.

وعن الأكثر الكراهة جمعا بين ما تقدم وبين صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (سئل عن رجل كانت له جارية فآذته امرأته فيها فقال : هي عليك صدقة فقال : إن كان قال ذلك لله فليمضها ، وإن لم يقل فله أن يرجع إن شاء فيها) (٦) والأقوى الأول لصراحته بعد حمل صحيح ابن مسلم على ما قبل القبض.

فيما لو كان الموهوب أجنبيا وقد تلفت العين فلا يجوز الرجوع على المشهور لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع وإلا فليس له) (٧).

وعن المرتضى جواز الرجوع مطلقا وهو ضعيف لعدم الدليل له ، ومما تقدم لا فرق بين ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٣ وملحقه و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٢.

(٧) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ كون التلف من قبل الله تعالى وغيره بل ومن نفس الموهوب له.

الرابع : فيما لو كان الموهوب أجنبيا وقد عوّض عنها ولو كان العوض يسيرا بلا خلاف فيه حتى من السيد المرتضى للأخبار.

منها : صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا عوّض صاحب الهبة فليس له أن يرجع) (١) وصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد الله وعبد الله بن سليمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الرجل يهب الهبة أيرجع فيها إن شاء أم لا؟ فقال : تجوز الهبة لذوي القرابة والذي يثاب عن هبته ، ويرجع في غير ذلك إن شاء) (٢).

الخامس : فيما لو كان الموهوب له أجنبيا وقد تصرف بالهبة تصرفا أوجب نقلها عن ملكه ، أو أوجب تغيير صورتها ، أما التصرف بمعنى استيفاء منافعها فقط فهو لا كلام فيه في أنه لا يوجب لزوم عقد الهبة.

وعلى كل فقد اختلفوا على أقوال :

الأول : أن التصرف المذكور موجب للزوم عقد الهبة فلا يجوز الرجوع وهو المنسوب إلى المشهور واستدل له بخبر إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أنت بالخيار في الهبة ما دامت في يدك ، فإذا خرجت إلى صاحبها فليس لك أن ترجع فيها ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من رجع في هبته فهو كالراجع في قيئه) (٣) ، وقد أطال الشارح في المسالك في إقامة الأدلة على هذا القول إلى أن انهاها إلى تسعة أدلة ولا محصل في أكثرها وعمدتها هذا الخبر ، على أن الخبر مشتمل على ابن عبد الحميد وهو واقفي وعلى ابن حماد وهو غال ، وعلى إبراهيم بقول مطلق وهو مشترك بين الثقة والضعيف ، هذا فضلا عن أنه قد تقدم أنه محمول على الكراهة جمعا بينه وبين ما دل على جواز الرجوع في الهبة بعد القبض.

أن التصرف المذكور لا يوجب اللزوم وهو مختار المحقق في الشرائع ومختصر النافع وسلّار وأبو الصلاح وقد نسب إلى ابن الجنيد وقد استدل لهذا القول بعمومات الأخبار المتقدمة أو إطلاقها الدالة على جواز الرجوع بعد القبض ما لم تكن الهبة لذي القربى ، وفيه : إنها ليست في مقام البيان من هذه الجهة ، واستدل بصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ٤.

٢٦٤

متلفا للعين ، أو ناقلا للملك ، أو مانعا من الرد كالاستيلاد ، أو مغيرا للعين كقصارة (١) الثوب ، ونجارة الخشب ، وطحن الحنطة على الأقوى (٢) في الأخير. وقيل : مطلق التصرف وهو ظاهر العبارة (٣) ، وفي تنزيل موت المتهب منزلة التصرف قولان ، من عدم وقوعه منه (٤) فتتناوله الأدلة المجوزة للرجوع. ومن

______________________________________________________

ـ (إذا كانت الهبة قائمة بعينها فله أن يرجع وإلا فليس له) (١) وبقاء العين شامل لحالتي التصرف وعدمه ، فيجوز الرجوع ما قبل التلف فقط.

التفصيل بين التصرف الموجب للنقل والخروج عن الملك أو المغيّر للصورة كنجارة الخشب وقصارة الثوب فإنه يوجب اللزوم وإلا كالركوب والسكنى واللبن وغيرها مما هو استيفاء المنفعة فقط فلا وإليه ذهب ابن حمزة والشهيد في الدروس وجماعة من المتأخرين لنفس صحيح الحلبي المتقدم ، لأنه مع تغيير الصورة النوعية للهبة لا يصدق قيام الهبة بعينها ، لأن المتبادر من الرواية الهداية بقاؤها بأوصافها التي كانت عليها ، وكذا مع نقلها لا يصدق بقاؤها عرفا لأن ذلك منزل منزلة التلف فضلا عن أن الخبر منصرف إلى بقاء بعينها عند الموهوب له ، ومع النقل فلا يتحقق ذلك. وهذا هو الأقوى.

ثم لما كان هذا القول الثالث راجعا إلى القول الثاني وليس هو شي‌ء مستقل حرّر جماعة المسألة على قولين ، فما فعله الشارح في المسالك وجماعة من تحرير المسألة على أقوال ثلاثة ليس في محله ، ثم مما تقدم تعرف أن العمدة في مستند الحكم في المسألة هو صحيح الحلبي فقط وهذا ما اعترف به صاحب الجواهر وصاحب العروة وغيرهما فتكثير الأدلة والاستحسانات كما فعل الشارح في المسالك أيضا ليس في محله.

(١) قصّرت الثوب أي بيضته والفاعل قصّار.

(٢) لأن الطحن مغير لصورة الحنطة وإن بقيت حقيقتها ، ولم أجد من خالف في ذلك ، نعم بعض المحشين جعل الاقوائية في قبال الاحتمال أن يقال الطحن لم يغيّر الحقيقة فالعين باقية وإن تغير الاسم وهو مردود لتغير الصورة عرفا.

(٣) وقد عرفت أن مرادهم هو التفصيل.

(٤) أي عدم وقوع انتقال الملك منه ، وهو دليل على كون الموت ليس بمنزلة التصرف الموجب للزوم ، وفيه : إن ظاهر صحيح الحلبي هو جواز الرجوع ما دامت الهبة قائمة بعينها عند الموهوب له ، ومع موته فتنتقل إلى الوارث فلا يصدق قيامها بعينها عند الموهوب له فالأقوى أنه بمنزلة التصرف الموجب للزوم الهبة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب أحكام الهبات حديث ١.

٢٦٥

انتقال (١) الملك عنه بالموت بفعله تعالى وهو أقوى من نقله بفعله ، وهو أقوى. وخيرة المصنف في الدروس والشرح (٢) ، (أو يعوّض) عنها بما يتفقان عليه ، أو بمثلها ، أو قيمتها مع الإطلاق (٣) ، (أو يكن رحما) قريبا وإن لم يحرم نكاحه ، أو يكن زوجا أو زوجة على الأقوى ، لصحيحة زرارة.

(ولو عابت لم يرجع بالأرش على الموهوب (٤) وإن كان بفعله (٥) لأنها غير مضمونة عليه وقد سلطه على إتلافها مجانا فأبعاضها أولى ، (ولو زادت زيادة متصلة) كالسمن ، وإن كان بعلف المتهب (فللواهب) إن جوزنا الرجوع حينئذ ، (والمنفصلة) كالولد واللبن (للموهوب له) ، لأنه نماء حدث في ملكه فيختص به ، سواء كان الرجوع قبل انفصالها (٦) بالولادة والحلب (٧) ، أم بعده ، لأنه منفصل حكما. هذا

______________________________________________________

(١) دليل على كون الموت بمنزلة التصرف الموجب للزوم.

(٢) أي شرح الارشاد المسمى بغاية المراد.

(٣) كل ذلك للأخبار التي تقدمت في المورد الرابع.

(٤) إذا رجع الواهب في الهبة حيث يجوز له الرجوع ، فإما أن تكون العين بحالها لم تنقص ولم تزد ولم تتغير وإما أن تكون ناقصة بما يوجب الأرش أو لا وإما أن تكون زائدة زيادة في القيمة أو النماء المتصل أو المنفصل ، وأما أن تكون متغيرة بما يطرأ عليها من الأعمال كالنجارة والقصارة والطحن أو الامتزاج.

وعلى كل فإذا جاز للواهب الرجوع في هبته وقد عابت بزيادة أو نقصان لم يرجع بالأرش بلا خلاف فيه ، لأنه حدث في عين مملوكة للموهوب له وقد سلّطه مالكها على إتلافها مجانا فلم تكن مضمونة عليه سواء كان التعيب بفعله أو لا.

ولو زادت زيادة متصلة كالسمن على وجه تكون الزيادة جزءا من العين فهي للواهب بلا خلاف فيه ، لأن هذه الزيادة بحسب الفرض جزء من العين التي يجوز للواهب الرجوع فيها.

ولو زادت زيادة منفصلة كالثمرة والولد ، فإن كانت متجددة كانت للموهوب له لأنها نماء ملكه وإن كانت حاصلة وقت العقد فهي للواهب لأنها حينئذ من الهبة التي يجوز الرجوع بها بلا خلاف في ذلك كله ، وعن ابن حمزة أن الحمل المتجدد في ملك الموهوب له هو جزء من العين التي هي الأم فلو رجع الواهب في الأم كان له الحمل وهو ضعيف جدا.

(٥) أي وإن كان التعيب بفعل الموهوب له.

(٦) أي انفصال الزيادة.

(٧) كالحمل واللبن ، وكذا الثمرة قبل قطافها فهي منفصلة شرعا وإن اتصلت حسا.

٢٦٦

إذا تجددت الزيادة بعد ملك المتهب بالقبض ، فلو كان قبله فهي للواهب.

(ولو وهب أو وقف أو تصدق في مرض موته فهي من الثلث) على أجود القولين (١) (إلا أن يجيز الوارث (٢) ومثله ما لو فعل ذلك في حال الصحة ، وتأخر القبض (٣) إلى المرض ، ولو شرط في الهبة عوضا يساوي الموهوب نفذت من الأصل (٤) ، لأنها معاوضة بالمثل ، كالبيع بثمن المثل.

(الثالث ـ السكنى (٥) وتوابعها. وكان الأولى عقد الباب للعمرى (٦) لأنها أعم موضوعا (٧) كما فعل في الدروس ،

(ولا بد فيها من إيجاب وقبول (٨) كغيرها

______________________________________________________

(١) كما سيأتي تفصيله في كتاب الحجر.

(٢) فلو أجاز نفذت من الأصل.

(٣) الذي هو شرط الصحة في الهبة والوقف والتصدق.

(٤) سيأتي دليله في كتاب الحجر.

(٥) كما لو قال : اسكنتك هذه الدار مدة معينة أو مدة عمري أو مدة عمرك ، وفائدتها التسليط على استيفاء المنفعة مع بقاء الملك على ملك صاحبه.

(٦) كما لو قال (اسكنتك هذه الدار مدة عمري أو عمرك) وسميت العمرى لاقتران السكنى بالعمر ، والسكنى أعم لأن السكنى هو التسليط على سكنى الدار سواء أطلق فقال : (اسكنتك داري) أو (لك سكناها) أو قدره بعمر أحدهما كما إذا قال (لك سكنى داري مدة حياتك أو مدة حياتي) أو قدره بزمن معين كسنة وسنتين مثلا ، فالجميع سكنى وإن اختص الأخير وهو المقيد بزمن معين بلفظ الرقبى ، وهو مأخوذ من الارتقاب ، وهو انتظار الأمد الذي علقت عليه السكنى أو مأخوذ من رقبة الملك بمعنى إعطاء الرقبة للانتفاع بها المدة المذكور.

ويختص ما قبله وهو المقيد بمدة العمر بالعمرى وهو مأخوذ من العمر ، فلذا كانت السكنى أعم هذا مع اتحاد مورد الثلاثة في السكنى.

غير أن السكن تختص في السكن وأما العمرى فهي أعم من ناحية المورد إذ كما تتعلق بالسكن كذلك تتعلق بمنافع كل ما يصح وقفه من العقار والحيوان والأثاث وغيرها فيصح أن يقول : (لك منافعها مدة عمري أو عمرك) ، وكذا الرقبى فهما أعم من السكنى بحسب المورد.

(٧) لأنها تشمل السكن وغيره من منافع ما يصح وقفه بخلاف السكنى فإنها تختص بالسكن فقط.

(٨) بل كل هذه الثلاثة تحتاج إلى ايجاب وقبول لأنها عقد ، والايجاب كل ما أفاد التسليط ـ

٢٦٧

من العقود ، (وقبض) (١) على تقدير لزومها. أما لو كانت جائزة كالمطلقة (٢) كان الإقباض شرطا في جواز التسلط على الانتفاع. ولمّا كانت الفائدة بدونه (٣) منتفية أطلق (٤) اشتراطه فيها (٥) ، ويفهم من إطلاقه عدم اشتراط التقرب ، وبه صرح في

______________________________________________________

ـ المذكور بحسب المتفاهم العرفي ولا تشترط ألفاظ مخصوصة ، والقبول هو كل ما دل على الرضا والقبول من الساكن ، بل لا يبعد تحققهما بالفعل المفيد للتسليط والتسلط.

(١) بلا خلاف فيه كالوقف أو الهبة ، وهو شرط صحة كما هو كذلك في الوقف والهبة ، ولا يشترط فيها قصد التقرب للأصل وعن ابن حمزة اشتراط نية التقرب فيها ولا دليل عليه ، نعم الثواب مترتب عليها وهذا أمر آخر.

(٢) وهي ما لو قال : (اسكنتك داري) واطلق فيجوز فيها الرجوع متى شاء لم يكن القبض شرطا في الصحة ، بخلاف ما لو قيدها بمدة معينة فإنها تكون لازمة ولا يصح الرجوع فيكون القبض شرطا في الصحة حينئذ وفيه : إن جواز الرجوع في المطلقة من ناحية عدم تقييدها بزمن ، وهذا لا ينافي كون العقد مع القبض هو السبب المؤثر.

(٣) بدون القبض.

(٤) ولم يذكر اللزوم على تقديره.

(٥) أي اشتراط القبض في السكنى ، وقد عرفت أن إطلاقه في محله. هذا واعلم أن القبض في السكنى والعمرى والرقبى موجب للزومها كما عليه المشهور للأخبار.

منها : مضمرة حمران (سألته عن السكنى والعمرى فقال : الناس فيه عند شروطهم إن كان شرط حياته سكن حياته ، وإن كان لعقبه فهو لعقبه كما شرط حتى يفنوا ، ثم يرد إلى صاحب الدار) (١) وصحيح الحسين بن نعيم عن أبي الحسن الكاظم عليه‌السلام (سألته عن رجل جعل سكنى داره لرجل أيام حياته ، أو له ولعقبه من بعده ، قال : هي له ولعقبه كما شرط) (٢) ، نعم إذا كانت السكنى مطلقة فيجوز له الرجوع متى شاء لصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : رجل أسكن رجلا داره ولم يوقت قال : جائز ويخرجه إذا شاء) (٣) وعليه يحمل خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (إن السكنى بمنزلة العارية إن أحب صاحبها أن يأخذها أخذها ، وإن أحب أن يدعها فعل أي ذلك شاء) (٤) ، وعن أبي الصلاح والمقنعة والغنية وجامع الشرائع أن هذه الثلاثة من السكنى وأختيها تلزم إن قصد بها القربة وإلا فلا ، وقيل لا تلزم مطلقا وهو غير ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ١ و ٣.

٢٦٨

الدروس وقيل : يشترط ، والأول أقوى ، نعم حصول الثواب متوقف على نيته.

(فإن أقّتت بأمد) مضبوط ، (أو عمر أحدهما) المسكن أو الساكن (لزمت) تلك المدة وما دام العمر باقيا ، (وإلا) توقّت بأمد ، ولا عمر أحدهما (جاز الرجوع فيها) متى شاء ، (وإن مات أحدهما) مع الإطلاق (بطلت) وإن لم يرجع (١). كما هو شأن العقود الجائزة ، بخلاف الأولين ، (ويعبر عنها) أي عن السكنى (بالعمرى) إن قرنت بعمر أحدهما ، (والرقبى) إن قرنت بالمدة ، ويفترقان عنها بوقوعهما على ما لا يصلح للسكنى ، فيكونان أعم منها من هذا الوجه ، وإن كانت أعم منهما من حيث جواز إطلاقها في المسكون ، مع اقترانها بالعمر والمدة والإطلاق بخلافهما.

(وكل ما صح وقفه) من أعيان الأموال (صح إعماره) (٢) وإرقابه وإن لم يكن مسكنا ، وبهذا ظهر عموم موضوعهما ، (وإطلاق السكنى) الشامل للثلاثة (٣) حيث يتعلق بالمسكن (يقتضي سكناه بنفسه ومن جرت عادته) أي عادة الساكن

______________________________________________________

ـ معروف القائل ، ولا دليل لهم سوى أصالة عدم اللزوم مع ما تقدم أن قصد القربة يجعلها كالهبة المعوضة ، وهذه الأخبار المتقدمة حجة عليها.

(١) لانتقالها إلى الوارث فتحتاج إلى عقد صريح من المالك الجديد.

(٢) بلا خلاف فيه لصحيح محمد بن مسلم (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل جعل لذات محرم جاريته حياتها قال : هي لها على النحو الذي قال) (١) وخبر يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يكون له الخادم تخدمه فيقول : هي لفلان تخدمه ما عاش ، فإذا مات فهي حرة ، فتأبق الأمة قبل أن يموت الرجل بخمس سنين أو ستة ثم يجدها ورثته ، ألهم أن يستخدموها قدر ما أبقت؟ قال : إذا مات الرجل فقد عتقت) (٢) وهما ظاهران في جواز العمرى لكل ما يصح وقفه ، وكذا الحكم في الرقبى بناء على اتحاد الحكم فيهما خصوصا لخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (العمرى والرقبى سواء) (٣).

(٣) فيما لو أطلق أو قيدها بالعمر أو مدة معينة.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ١ و ٢.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب السكنى والحبيس حديث ١.

٢٦٩

(به) أي بإسكانه معه كالزوجة والولد ، والخادم ، والضيف والدابة إن كان في المسكن موضع معد لمثلها ، وكذا وضع ما جرت العادة بوضعه فيها من الأمتعة والغلة بحسب حالها (١) ، (وليس له أن يؤجرها) ، ولا يعيرها ، (ولا أن يسكن غيره) وغير من جرت عادته به (إلا بإذن المسكن) ، وقيل : يجوزان مطلقا (٢). والأول أشهر ، وحيث تجوز الإجارة فالأجرة للساكن.

(الرابع ـ التحبيس (٣):) (وحكمه حكم السكنى في اعتبار العقد والقبض ،)

______________________________________________________

(١) على المشهور وخالف ابن إدريس فجوز له إسكان من شاء والإجارة لأن منفعة هذه الدار له فيجوز له التصرف فيها كيفما شاء ، وفيه : إنه ليس مالكا للمنفعة مطلقا بل هو مسلّط على استيفاء المنفعة على الوجه المخصوص من ناحية سكناه فيها فقط ، ومن هنا تعلم أنه لا يجوز له إسكان من شاء أو إجارته إلا برضى المالك.

(٢) أي الإجارة والإسكان بدون إذن المالك.

(٣) وهو حبس الملك على كل ما يصح الوقف عليه ، بل عن ظاهر جماعة وصريح جماعة آخرين أنه هو وقف منقطع الآخر ولذا لم يستقصوا الكلام في عقده وشرطه ومورده وفي الحابس والمحبوس عليه وأحكامه.

والأصل فيه صحيح ابن أذينة (كنت شاهدا عند ابن أبي ليلى وقضى في رجل جعل لبعض قرابته غلة داره ولم يوقت وقتا ، فمات الرجل فحضر ورثته عند ابن أبي ليلى ، وحضر قرابته الذي جعل له غلة الدار.

فقال ابن أبي ليلى : أرى أن أدعها على ما تركها صاحبها ، فقال محمد بن مسلم الثقفي : أما إن علي بن أبي طالب عليه‌السلام قد قضى في هذا المسجد بخلاف ما قضيت ، فقال : وما علمك؟ فقال : سمعت أبا جعفر محمد بن علي عليهما‌السلام يقول : قضى علي عليه‌السلام بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث ، فقال ابن أبي ليلى : هذا عندك في كتابك؟ قال : نعم ، قال : فأرسل وائتنا به ، فقال له محمد بن مسلم : على أن لا تنظر في الكتاب إلا في ذلك الحديث ، قال : لك ذلك ، قال : فأحضر الكتاب وأراه الحديث عن أبي جعفر عليه‌السلام في الكتاب فردّ قضيته) (١) وخبر عبد الرحمن الجعفي (كنت اختلف إلى ابن أبي ليلى في مواريث لنا ليقسّمها وكان فيه حبيس ، فكان يدافعني ، فلما طال شكوته إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فقال : أو ما علم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بردّ الحبيس وإنفاذ المواريث ، قال : ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ١.

٢٧٠

(والتقييد بمدة والاطلاق) ومحله كالوقف ، (وإذا حبّس عبده أو فرسه) أو غيرهما مما يصلح لذلك (في سبيل الله ، أو على زيد لزم ذلك ، ما دامت العين باقية ، وكذا لو حبّس عبده ، أو أمته في خدمة الكعبة ، أو مسجد أو مشهد).

______________________________________________________

ـ فأتيته ففعل كما كان يفعل ، فقلت له : إني شكوتك إلى جعفر بن محمد عليهما‌السلام فقال لي : كيت وكيت ، قال : فحلّفني ابن أبي ليلى أنه قال ذلك فحلفت له فقضى لي بذلك) (١) ، ومكاتبة علي بن معبد (كتب إليه محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد في سنة ثلاث وثلاثين ومأتين يسأله عن رجل مات وخلّف امرأة وبنين وبنات ، وخلّف لهم غلاما أوقفه عليهم عشر سنين ، ثم هو حر بعد العشر سنين ، فهل يجوز لهؤلاء الورثة بيع هذا الغلام وهم مضطرون إذا كان على ما وصفته لك؟ فكتب : لا يبيعه إلى ميقات شرطه إلا أن يكونوا مضطرين إلى ذلك فهو جائز لهم) (٢) بناء على إرادة الحبس من الوقف كما هو مقتضى سياقه.

هذا وقد ذكر جماعة منهم العلامة في التحرير والتذكرة والشهيدان في اللمعة والروضة هنا والمسالك وفي التنقيح وغيرها أن الحبس عقد محتاج إلى ايجاب وقبول ، بل قيل : هو ظاهر الباقي.

وعن التذكرة والمسالك واللمعة والروضة هنا اعتبار القبض ، وعن جماعة قد تقدمت الإشارة إليهم أنه يشترط فيه القربة كالوقف بل هو وقف منقطع الآخر ، ثم الجميع قسموا الحبس تارة على الآدمي وأخرى على غيره ، فإن كان على غير الآدمي مثل الكعبة والمشهد والمسجد وغيرها من مواضع التقرب لله فلا يعود الحبيس إلى ملك المالك بلا خلاف فيه ، لما تقدم في كتاب الوقف والصدقة من أنه ما يعطى لله تعالى فلا يجوز الرجوع فيه.

وإن كان على الآدمي فإن لم يعيّن وقتا ثم مات الحابس كان ميراثا كما دل عليه الخبران الأولان بلا خلاف فيه ، وكذا لو عيّن مدة وقد انقضت كان الحبيس ميراثا لورثة الحابس على تقدير موته بلا خلاف فيه للزوم الوفاء بالشرط ، وإنما الكلام في لزوم الحبس المطلق الذي لم يقيّد بمدة قبل موت الحابس ، ففي القواعد أن له الرجوع متى شاء لكونه كالسكنى المطلقة وتبعه جماعة ، وربما قيل بلزومه لأنه من مقتضيات العقد.

والانصاف أن المسألة من أصلها إلى غالب فروعها غير واضحة الدليل وليست هي منقحة ومحرّرة في كلمات الفقهاء.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ١ و ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب أحكام السكنى والحبيس حديث ٣.

٢٧١

وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق بين إطلاق العقد وتقييده بالدوام ، ولكن مع الإطلاق في حبسه على زيد سيأتي ما يخالفه (١) ، وفي الدروس أن الحبس على هذه القرب غير زيد يخرج عن الملك بالعقد ، ولم يذكر هو ولا غيره حكم ذلك لو قرنه بمدة ، ولا حكم غير المذكورات (٢) ، وبالجملة فكلامهم في هذا الباب غير منقح ، (ولو حبس على رجل ولم يعين وقتا ومات الحابس كان ميراثا) بمعنى أنه غير لازم كالسكنى فتبطل بالموت ، ويجوز الرجوع فيه متى شاء (٣) ، ولو قرن فيه بمدة لزم فيها ، ورجع إلى ملكه بعدها.

واعلم أن جملة أقسام المسألة كالسكنى ، إما أن يكون على قربة كالمسجد ، أو على آدمي ، ثم إما أن يطلق ، أو يقرنه بمدة ، أو يصرح بالدوام. والمحبّس إما أن يكون عبدا ، أو فرسا ، أو غيرهما من الأموال التي يمكن الانتفاع بها في ذلك الوجه. ففي الآدمي يمكن فرض سائر الأموال ليستوفي منافعها ، وفي سبيل الله يمكن فرض العبد والفرس والبعير والبغل والحمار وغيرها ، وفي خدمة المسجد ونحوه يمكن فرض العبد والأمة والدابة إذا احتيج إليها في نقل الماء ونحوه ، وغيره من الأملاك ليستوفي منفعتها بالإجارة ، ويصرف على مصالحه ، وكلامهم في تحقيق أحكام هذه الصور قاصر جدا فينبغي تأمله.

______________________________________________________

(١) من رجوع العين عند موت الحابس فيما لو كان الحبس على الآدمي.

(٢) أي غير العبد والفرس.

(٣) قبل موت الحابس.

٢٧٢

كتاب المتاجر

٢٧٣
٢٧٤

كتاب المتاجر

(المتاجر) جمع متجر وهو مفعل من التجارة ، إما مصدر ميمي بمعناها كالمقتل ، وهو «هنا» نفس التكسب ، أو اسم مكان لمحل التجارة ، وهي الأعيان المكتسب بها ، والأول (١) أليق بمقصود العلم ، فإن الفقيه يبحث عن فعل المكلف والأعيان متعلقات فعله ، وقد أشار المصنف إلى الأمرين (٢) معا ، فإلى الثاني (٣) بتقسيمه الأول (٤) ، وإلى الأول (٥) بقوله أخيرا : ثم التجارة تنقسم بانقسام الأحكام الخمسة ، والمراد بها (٦) هنا (٧) التكسب بما هو أعمّ من البيع (٨) : فعقد الباب بعد ذكر الأقسام للبيع (٩) خاصة غير جيد ، وكان إفرادها (١٠) بكتاب ، ثم ذكر البيع في كتاب كغيره (١١) مما يحصل به الاكتساب كما صنع في الدروس أولى ، وفيه فصول.

______________________________________________________

(١) أي التكسب.

(٢) من التكسب ومتعلقه من الأعيان.

(٣) وهو الأعيان.

(٤) حيث سيقول الماتن : (وينقسم موضوع التجارة).

(٥) أي التكسب.

(٦) بالتجارة.

(٧) حيث وقعت في أول كتاب البيع.

(٨) حيث يقع التكسب بالإجارة والصلح وغيرهما من عقود المعاوضات.

(٩) أي أقسام ما يتكسب به.

(١٠) إفراد أقسام ما يتكسب به تحت عنوان المكاسب.

(١١) مثل الإجارة والصلح وبقية العقود.

٢٧٥

(الأول ـ ينقسم موضوع التجارة) وهو ما يكتسب به ويبحث فيها (١) عن عوارضه اللاحقة له من حيث الحكم الشرعي (إلى محرم (٢) ومكروه (٣) ومباح (٤) ، ووجه الحصر في الثلاثة أن المكتسب به إما أن يتعلق به نهي ، أو لا ، والثاني المباح ، والأول إما أن يكون النهي عنه مانعا من النقيض ، أو لا ، والأول الحرام ، والثاني المكروه ، ولم يذكر الحكمين الآخرين وهما : الوجوب (٥) والاستحباب (٦) ، لأنهما من عوارض التجارة (٧) كما سيأتي في أقسامها ، (فالمحرم الأعيان النجسة (٨)

______________________________________________________

(١) أي ويبحث في التجارة عن عوارض موضوعها اللاحقة له من حيث الحكم الشرعي.

(٢) كبيع الخمر.

(٣) كبيع الأكفان.

(٤) كبيع الأشياء المباحة.

(٥) كالصناعات الواجبة كالطبابة.

(٦) كالزراعة والرعي.

(٧) لا من عوارض موضوعها ، وغرض الشارح القول إن الأعيان بما هي هي لا يتعلق بها الأحكام الثلاثة إلا باعتبار تعلق فعل المكلف بها ، وأما الأحكام الخمسة فلا تتعلق بها ، وإنما تتعلق بالتكسب بما هو فعل مكلف وإن كان في غير هذه الأعيان ، كالصناعات الواجبة والزراعة والرعي فإنها واجبة أو مستحبة ولم تتعلق بالأعيان الخارجية ، فالتقسيم الثلاثي صحيح باعتبار العين الخارجية بلحاظ فعل المكلف ، والتقسيم الخماسي صحيح باعتبار فعل المكلف للتكسب وإن لم يتعلق بالعين.

(٨) لا يجوز التكسب بها عدا ما استثني بلا خلاف يعتد به ، كما في الجواهر ، لخبر تحف العقول عن الصادق عليه‌السلام في حديث (وأما وجوه الحرام من البيع والشراء فكل أمر يكون فيه الفساد مما هو منهي عنه من جهة أكله أو شربه أو كسبه أو نكاحه أو ملكه أو إمساكه أو هبته أو عاريته أو شي‌ء يكون فيه وجه من وجوه الفساد ، نظير البيع بالربا ، أو البيع للميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو لحوم السباع من صنوف سباع الوحش والطير أو جلودها ، أو الخمر ، أو شي‌ء من وجوه النجس فهذا كله حرام محرم ، لأن ذلك كله منهي عن أكله وشربه ولبسه وملكه وإمساكه والتقلب فيه ، فجميع تقلبه في ذلك حرام) (١) ، وخبر الدعائم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحلال من البيوع كل ما هو حلال ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

٢٧٦

(كالخمر (١) المتخذ من العنب ، (والنبيذ) المتخذ من التمر ، وغيرهما من الأنبذة كالبتع (٢) والمزر (٣) ...

______________________________________________________

ـ من المأكول والمشروب وغير ذلك ، مما هو قوام للناس وصلاح ومباح لهم الانتفاع به ، وما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه) (١) ، والنبوي المروي في الغوالي (لعن الله اليهود حرّمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا ثمنها ، وإن الله تعالى إذا حرّم على قوم أكل شي‌ء حرّم عليهم ثمنه) (٢) ، ومثله خبر الدعائم (٣) ، وأما الأخبار الخاصة فسيأتي التعرض لها كل في مورده.

(١) للأخبار.

منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل ترك غلاما له في كرم له ، يبيعه عنبا أو عصيرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه ، قال : لا يصلح ثمنه ، ثم قال : إن رجلا من بني ثقيف أهدى إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم روايتين من خمر ، فأمر بهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأهريقتا ، وقال : إن الذي حرّم شربها حرّم ثمنها) (٤) ، وخبر زيد بن علي عن آبائه عليهم‌السلام قال : (لعن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخمر وعاصرها ومعتصرها وبايعها ومشتريها وساقيها وآكل ثمنها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه) (٥).

ومنهما : يعرف حكم التكسب بكل مسكر مائع لأنه خمر كما نص عليه جماعة ، بالإضافة إلى خبر مروان بن عمار عن أبي جعفر عليه‌السلام (والسحت أنواع كثيرة منها : أجور الفواجر وثمن الخمر والنبيذ المسكر) (٦) ، ويعرف حكم الفقاع لخبر سليمان بن جعفر (قلت لأبي الحسن الرضا عليه‌السلام : ما تقول في شرب الفقاع ؛ فقال : خمر مجهول يا سليمان فلا تشربه ، أما يا سليمان لو كان الحكم لي والدار لي لجلدت شاربه ولقتلت بائعه) (٧).

(٢) وهو المتخذ من العسل.

(٣) وهو المتخذ من الحنطة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٢.

(٢ و ٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٨ وملحقه.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب التكسب به حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب ما يكتسب حديث ١.

٢٧٧

والجعة (١) والفضيخ (٢) والنقيع (٣) وضابطها (٤) المسكر (٥) وإن لم يكن مائعا كالحشيشة إن لم يفرض لها (٦) نفع آخر ، وقصد ببيعها المنفعة المحللة.

(والفقّاع) وإن لم يكن مسكرا ، لأنه خمر استصغره الناس ، (والمائع النجس غير القابل للطهارة) (٧) إما لكون نجاسته ذاتية كأليات الميتة (٨) ، والمبانة من الحي ، أو عرضية كما لو وقع فيه نجاسة وقلنا بعدم قبوله للطهارة كما هو أصح القولين (٩) في غير الماء النجس ، (إلا الدهن) (١٠) بجميع أصنافه ، (للضوء تحت)

______________________________________________________

(١) وهو المتخذ من الحنطة.

(٢) وهو المتخذ من الشعير.

(٣) وهو المتخذ من البسر أي التمر.

(٤) وهو المتخذ من الزبيب.

(٥) أي ضابط الأنبذة.

(٦) وفيه : أن ضابطها النجاسة إذ حرّمت من ناحية نجاستها لا من ناحية إسكارها ، ومنه تعرف أن تعميمه المسكر لغير المائع كالحشيشة ليس في محله ، لأن الحشيشة طاهرة بالاتفاق بالإضافة إلى أن النجس من المسكر ما كان مائعا بالأصالة.

نعم قد يستدل على حرمة التكسب بالحشيشة بخبر عمار بن مروان المتقدم بناء على ما في بعض نسخ التهذيب (والنبيذ والمسكر) وهذا ما رواه الحرّ في وسائله ، والمسكر يشمل الجامد ، وفيه : إن عطف المسكر بالواو على النبيذ غير موجود في بعض نسخ التهذيب وغير موجود في الكافي ، ويؤيده ورود نفس الرواية في الخصال ومعاني الأخبار (١) ، ويستدل على حرمة التكسب بها بخبر الدعائم المتقدم (وما كان محرما أصله منهيا عنه لم يجز بيعه ولا شراؤه) (٢).

(٧) للحشيشة.

(٨) لا خلاف ولا إشكال في عدم جواز التكسب بكل مائع متنجس غير قابل للطهارة للأخبار العامة المتقدمة في بحث الأعيان النجسة.

(٩) سيأتي الدليل عليها عند الكلام في حرمة التكسب بالميتة.

(١٠) قيد لعدم قبول المتنجس غير الماء للطهارة ، وقد تقدم في باب الطهارة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١٢.

(٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب التكسب حديث ٢.

٢٧٨

السماء) لا تحت الظلال في المشهور ، والنصوص مطلقة فجوازه مطلقا متجه ، والاختصاص بالمشهور تعبد ، لا لنجاسة دخانه ، فإن دخان النجس عندنا طاهر ، لاستحالته.

وقد يعلّل بتصاعد شي‌ء من أجزائه مع الدخان قبل إحالة النار له بسبب السخونة إلى أن يلقى الظلال فتتأثر بنجاسته.

______________________________________________________

ـ منها : صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل ، قال : أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله ، والزيت يستصبح به) (١) ، والتفصيل باعتبار كون الزيت مائعا بحسب الغالب بخلافهما ، ويستفاد ذلك من صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا وقعت الفأرة في السمن فماتت فيه ، فإن كان جامدا فألقها وما يليها ، وإن كان ذائبا فلا تأكله واستصبح به ، والزيت مثل ذلك) (٢) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الفأرة تقع في السمن ، أو في الزيت فتموت فيه ، فقال : إن كان جامدا فتطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي ، وإن كان ذائبا فأسرج به وأعلمهم إذا بعته) (٣) وخبر معاوية بن وهب وغيره عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك؟ فقال : بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به) (٤).

ومقتضى الأخبار عدم اشتراط الاستصباح بتحتية السماء ، وهذا ما نسب إلى جماعة ، وعن المشهور الاشتراط لما أرسله الشيخ في المبسوط قال (وروى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف) (٥) ، وعلى فرض العمل به فالتقييد إنما هو للتعبد المحض ، لا لنجاسة دخانه كما عن بعضهم في مقام التعليل للمنع منه تحت السقف ، لأنه يستلزم تنجيس السقف ، وفيه : إن دخان الأعيان النجسة أو المتنجسة طاهر بالاستحالة كالرماد ، وعلى فرض نجاسته فتنجيس السقف ليس بمحرّم ، وعن المختلف استبعد استحالة جميع الأجزاء فيبقى منها شي‌ء يتصاعد بسبب السخونة فيؤثر في تنجيس السقف ، وهو على تقديره لا يحكم بالنجاسة إلا مع العلم بذلك.

على أن هذا المرسل لا يمكن العمل به لكثرة الأخبار المطلقة وهي صادرة في مقام البيان فلا يمكن تقييدها بهذا المرسل.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب ما يكتسب به حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

(٥) المبسوط ج ٦ ص ٢٨٣.

٢٧٩

وفيه : عدم صلاحيته (١) مع تسليمه للمنع (٢) ، لأن تنجيس مالك العين لها غير محرم. والمراد الدهن النجس بالعرض كالزيت تموت فيه الفأرة ونحوه ، لا بالذات كألية الميتة (٣) ، فإن استعماله محرم مطلقا (٤) ، للنهي عن استعماله كذلك (٥).

(والميتة) (٦) ...

______________________________________________________

ـ فلا يمكن تقييدها بهذا المرسل.

(١) أي عدم صلاحية التعليل لأن تنجيس السقف من قبل صاحبه ليس بمحرّم.

(٢) إذ لا نسلم خصوصا في السقف العالي ، ولذا لا يحكم بالتنجيس إلا مع العلم بوصول هذه الأجزاء ، وأنى لنا حصوله.

(٣) بل وكذا المأخوذة من الحي ، فهي ميتة ولكن خصت بالذكر لورود الأخبار بها.

منها : خبر الوشاء سألت أبا الحسن عليه‌السلام فقلت : إن أهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال : هي حرام ، قلت : فتستصبح بها؟ فقال : أما تعلم أنه يصيب اليد والثوب وهي حرام) (١) ، وخبر الكاهلي (سأل رجل أبا عبد ا وأنا عنده عن قطع أليات الغنم فقال : لا بأس بقطعها إذا كنت تصلح بها مالك ، ثم قال : إن في كتاب علي عليه‌السلام أن ما قطع منها ميت لا ينتفع به) (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في أليات الضأن تقطع وهي أحياء ، قال : إنها ميتة) (٣).

وهي مطلقة فتشمل حرمة الاستصباح بها ولو تحت السماء ، بل يحرم كل انتفاع بها ولكن يعارضها خبر البزنطي صاحب الرضا عليه‌السلام (سألت عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها وهي أحياء ، أيصلح أن ينتفع بما قطع ، قال : نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها) (٤) ومثله خبر الحميري في قرب الإسناد (٥) ، وهو الأقوى لجواز الانتفاع بالميتة ومنها ألياتها بكل ما لا يتوقف على طهارتها كما سيأتي فانتظر.

(٤) ولو تحت السماء.

(٥) أي مطلقا.

(٦) فيحرم التكسب بها بلا خلاف فيه للأخبار. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح حديث ١ و ٣.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الذبائح حديث ٤ وملحقه.

٢٨٠