الزبدة الفقهيّة - ج ٤

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٤

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-35-2
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ولو شهدا ثم فسقا أو فسق أحدهما فإن كان قبل الحكم فالمشهور على عدم جواز الحكم بشهادتهما لأنه حكم بشهادة غير عادلين ، وعن البعض كالشيخ في أحد قوليه والعلامة والحلي والمحقق الجواز لأن المعتبر هو العدالة في الشاهدين عند الأداء لا عند الحكم هذا كله فيما لو كانت شهادتهما في حقوق الناس ، وأمّا لو كانت في حقوق الله كحد الزنا فلا يحكم بشهادتهما ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر والمسالك لأن الحدود مبنية على التخفيف لأنها تدرأ بالشبهة وفسقهما بعد الشهادة شبهة في ثبوت الحد ، وهذه الفروع لم يتعرض لها الشهيدان هنا.

ثم لو تبين أنها شهادة زور نقض حكم الحاكم حينئذ قبل الاستيفاء أو بعده ولو كان قبل الحكم فلا يجوز للحاكم أن يحكم حينئذ ، وينظر بعد الاستيفاء فإن كان المال باقيا ردّ على صاحبه وإن تلف غرّم الشهود مثله إن كان مثليا ، وقيمته إن كان قيميا هذا في حقوق الآدمي ، وأما في الحدود فيثبت عليهم القصاص ولولي اندم قتلهما مع رد الفاضل من ديتهما على وليهما بلا خلاف في ذلك كله لتبين عدم صحة الشهادة من رأس فينتفي مستند الحكم ، ولصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في شاهد الزور قال : إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل) (١) ، ومثله صحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (٢) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في شاهد الزور ما توبته؟ قال : يؤدي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله ، إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا وآخر معه) (٣).

وهذا الفرع سيتكلم عنه الشهيدان فيما بعد وقد قدمنا فيه الكلام ليدرك الفرق بينه وبين الفرع الآتي ، وهو : ما لو رجع الشاهدان عن شهادتهما ، والفرق بين الرجوع وثبوت الزور في شهادتهما هو ما لو علم الحاكم بكذبهما أو قام الخبر المفيد للعلم على ذلك فهي شهادة زور هذا هو الفرع المتقدم ، أما لو صرح نفس الشاهدين بالكذب أو رجعا عن شهادتهما بأن ادعيا الاشتباه أو الغلط أو النسيان في الشهادة الأولى فهذا هو الفرع الحالي وهذا الرجوع كالانكار بعد الاقرار فلا يدرى أنهم صادقون به أو لا إذ يحتمل كذبهم في الشهادة الثانية فتكون الشهادة الأولى صادقة بخلاف الفرع المتقدم فهناك قطع بكذب الشهادة الأولى. وإذا تبين الفرق بين الفرعين فلو رجع الشاهدان عن شهادتهما ، فإن كان الرجوع قبل الحكم فلا يحكم الحاكم بشهادتهما بلا خلاف فيه لمرسل جميل عن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢ و ٣ و ١.

٢٠١

الشاهدان ، أو الأكثر حيث يعتبر (١) (قبل الحكم امتنع الحكم) ، لأنه تابع للشهادة وقد ارتفعت ، ولأنه لا يدري أصدقوا في الأول ، أو في الثاني فلا يبقى ظن الصدق فيها ، (وإن كان الرجوع بعده (٢) لم ينقض الحكم) إن كان

______________________________________________________

ـ أحدهما عليهما‌السلام (قال في الشهود إذا رجعوا عن شهادتهم وقد قضي على الرجل : ضمنوا ما شهدوا به وغرموا ، وإن لم يكن قضي طرحت شهادتهم ولم يغرّموا الشهود شيئا) (١) ، وهو وإن كان واردا في حقوق الآدمي لكن لا خصوصية لمالية المشهود به فتطرح شهادتهما قبل الحكم في الحدود والحقوق.

(١) أي يعتبر الأكثر من شاهدين.

(٢) أي بعد الحكم فتارة يكون الرجوع قبل الاستيفاء وأخرى بعده ، فإن كان قبل الاستيفاء وكان في حق الله كالحدود نقض الحكم على المشهور ، لأن رجوع الشاهد يحقق الشبهة والحدود تدرأ بالشبهات ، ولم يخالف أحد صريحا ولذا قال في الجواهر : (بل لا أجد في شي‌ء من ذلك خلافا محققا ، نعم في القواعد عبّر بلفظ الأقرب مشعرا باحتمال العدم) ، ووجه العدم من كونه حكما قد صدر من أصله ولم يعلم له ناقض ، وفيه : إن هذا لا ينافي قيام الشبهة المانعة من استيفاء الحد.

وإن كان في حق الآدمي فلا ينقض الحكم فيعطى المال للمشهود له ، على الأكثر لما دل على نفوذ حكم الحاكم وقد تقدم في القضاء ، مع احتمال أن لا يكون الرجوع كذبا للشهادة الأولى لأنه كالانكار بعد الاقرار فيؤخذ بأول كلامه دون ثانيه ويدل عليه خبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : من شهد عندنا ثم غيّر أخذناه بالأول وطرحنا الأخير) (٢).

وتردد المحقق في الشرائع لحصول الشك في ميزان الحكم ، إذ هو مستند إلى البينة التي لا تردد فيها ولا رجوع وهنا قد رجع.

وإن كان الرجوع بعد الاستيفاء فإن كان في حق الله وقد اعترف الشهود بالكذب وكان المشهود به قتلا أو جرحا ثبت عليهم القصاص ، وإن اعترفوا بالخطإ فعليهم الدية لأنه شبيه العمد ، ولو قال بعضهم : تعمدت الكذب ، والآخرون اعترفوا بالخطإ ، فعلى المقرّ بالعمد القصاص وعلى المقرّ بالخطإ نصيبه من الدية ، ولولي الدم قتل المقرّ بالعمد مع ردّ الفاضل من ديته على وليه بلا خلاف في ذلك لقوة السبب هنا على المباشر وللأخبار ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الشهادات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الشهادات حديث ٤.

٢٠٢

مالا (١) ، و (ضمن الشاهدان) ما شهدا به من المال (سواء كانت العين باقية ، أو)

______________________________________________________

ـ منها : مرسل ابن محبوب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في أربعة شهدوا على رجل محص بالزنا ثم رجع أحدهم بعد ما قتل الرجل قال : إن قال الرابع ـ الراجع ـ : أو همت ضرب الحد وأغرم الدية ، وإن قال : تعمدت ، قتل) (١) ، وخبر إبراهيم بن نعيم الأزدي (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا فلما قتل رجع أحدهم عن شهادته فقال : يقتل الرابع ـ الراجع ـ ويؤدي الثلاثة إلى أهله ثلاثة أرباع الدية) (٢) ، وصحيح محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه‌السلام (قضى أمير المؤمنين عليه‌السلام في رجل شهد عليه رجلان بأنه سرق فقطع يده ، حتى إذا كان بعد ذلك جاء الشاهدان برجل آخر فقالا : هذا السارق وليس الذي قطعت يده ، إنما شبّهنا ذلك بهذا ، فقضى عليهما أن غرّمهما نصف الدية ، ولم يجز شهادتهما على الآخر) (٣) ، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام (في رجلين شهدا على رجل أنه سرق فقطعت يده ، ثم رجع أحدهما فقال : شبّه علينا ، غرّما دية اليد من أموالهما خاصة ، وقال في أربعة شهدوا على رجل أنهم رأوه مع امرأة يجامعها وهم ينظرون فرجم ثم رجع واحد منهم ، فقال : يغرّم ربع الدية إذا قال : شبّه عليّ ، وإذا رجع الاثنان فقالا : شبّه علينا غرّما نصف الدية ، وإن رجعوا كلهم فقالوا : شبّه علينا غرّموا الدية ، فإن قالوا : شهدنا بالزور قتلوا جميعا) (٤).

وإن كان الرجوع بعد الاستيفاء في حقوق الآدمي ، فإن تلف المحكوم به كان على الشهود الضمان وهذا مما لا خلاف فيه ، وإن كانت عين المحكوم به باقية فذهب الأكثر إلى عدم نقض الحكم لما دل على نفوذه بعد صدوره من أهله مستجمعا شرائطه ولكن يضمن الشهود العين لصاحبها ، وذهب الشيخ في النهاية وابن حمزة في الوسيلة وجماعة إلى أن العين تردّ على صاحبها مع عدم ضمان الشهود وهذا نقض للحكم ، لصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في شاهد الزور قال : إن كان الشي‌ء قائما بعينه ردّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائما ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل) (٥) ، وفيه : إنه وارد في شاهد الزور ومقامنا في الرجوع ، والرجوع أعم لاحتمال أن يكون مشتبها في الشهادة الأولى ، بل لو صرح في الرجوع بأنه كاذب في شهادته الأولى لا يكون شاهد زور لاحتمال أن يكون كاذبا في شهادته الثانية فتكون الأولى صادقة.

(١) قبل الاستيفاء وبعده فلا ينقض الحكم في حقوق الآدمي.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الشهادات حديث ١ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب الشهادات حديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الشهادات حديث ٢.

٢٠٣

(تالفة) على أصح القولين. وقيل : تستعاد العين القائمة.

(ولو كانت الشهادة على قتل ، أو رجم ، أو قطع ، أو جرح) أو حد ، وكان (١) قبل استيفائه لم يستوف ، لأنها (٢) تسقط بالشبهة ، والرجوع شبهة ، والمال لا يسقط بها (٣) ، وهو (٤) في الحد في معنى النقض ، وفي القصاص قيل : ينتقل إلى الدية لأنها بدل ممكن عند فوات محله. وعليه لا ينقض ، وقيل (٥) : تسقط لأنها (٦) فرعه ، فلا يثبت الفرع من دون الأصل ، فيكون ذلك في معنى النقض أيضا والعبارة (٧) تدل بإطلاقها (٨) على عدم النقض مطلقا (٩) واستيفاء (١٠) متعلق الشهادة وإن كان حدا ، والظاهر أنه (١١) ليس بمراد (١٢). وفي الدروس لا ريب أن الرجوع فيما يوجب الحد قبل استيفائه يبطل الحد ، سواء كان لله ، أو للإنسان (١٣)

______________________________________________________

(١) أي الرجوع.

(٢) أي الحدود.

(٣) بالشبهة.

(٤) أي عدم الاستيفاء.

(٥) لم أجده قولا لأحد نعم قال العلامة في القواعد : (ولو رجعا قبل استيفاء القصاص لم يستوف ، وهل ينتقل إلى الدية إشكال ، فإن أوجبناها رجع عليهما) ، فقد جعل القصاص من حقوق الله التي تدرأ بالشبهة مع أنه محل منع ، ثم استشكل في ثبوت الدية باعتبار أن موجب العمد هو القصاص دون الدية ، ولا تثبت الدية في العمد إلا صلحا بعد ثبوت القصاص ، والقصاص غير ثابت فكيف تثبت الدية هذا دليل عدم ثبوتها ، وأما دليل ثبوتها باعتبار أن القصاص من غير الحدود وقد تعذر القصاص بعد الرجوع لبناء الدماء على الاحتياط التام ، ولكن تثبت الدية لأنه لا يبطل دم امرئ مسلم فينتقل إلى الدية بعد تعذر القصاص.

(٦) أي لأن الدية فرع ثبوت القصاص.

(٧) أي عبارة المصنف.

(٨) بلحاظ أخرها.

(٩) قبل الاستيفاء أو بعده.

(١٠) عطف على عدم النقض.

(١١) أن هذا الاطلاق.

(١٢) لنقض الحكم قبل الاستيفاء في حدود الله كما عرفت.

(١٣) كحد القذف.

٢٠٤

لقيام الشبهة الدارئة ، ولم يتعرض للقصاص. وعلى هذا فإطلاق العبارة إما ليس بجيد (١) أو خلاف المشهور ، ولو كان بعد استيفاء المذكورات واتفق موته بالحد ، (ثم رجعوا واعترفوا بالتعمد أقتصّ منهم أجمع) إن شاء وليه ، وردّ على كل واحد ما زاد عن جنايته كما لو باشروا ، (أو) اقتص (من بعضهم) وردّ عليه ما زاد عن جنايته (ويردّ الباقون (٢) نصيبهم) من الجناية ، (وإن قالوا أخطأنا فالدية عليهم) أجمع موزعة ، ولو تفرقوا في العمد والخطأ فعلى كل واحد لازم قوله ، فعلى المعترف بالعمد القصاص بعد ردّ (٣) ما يفضل من ديته عن جنايته ، وعلى المخطئ نصيبه من الدية.

(ولو شهدا بطلاق ثم رجعا (٤) ، قال الشيخ في النهاية : ترد إلى الأول ،)

______________________________________________________

(١) لنقض الحكم قبل الاستيفاء في الحد.

(٢) عند اعتراف الجميع بالكذب.

(٣) والرد من ولي الدم هنا.

(٤) فلو شهدا بالطلاق وقد حكم الحاكم ثم رجعا لم ينقض الحكم لما عرفت سابقا من نفوذه فلا إشكال من هذه الجهة.

ولكن إن كانت شهادتهما بعد الدخول من الزوج فلم يضمنا له شيئا بالفراق الحاصل من حكم الحاكم إذا كان الطلاق رجعيا وقد ترك الرجوع باختياره أو كان الطلاق بائنا ، لأنهما لم يفوتا عليه شيئا إلا منفعة البضع وهي لا تضمن بالتفويت بلا خلاف فيه من أحد ، وأما المهر الذي دفعه فهو مستقر بالدخول على كل حال ولو كانت شهادتهما قبل الدخول من الزوج ضمنا له نصف المهر المسمى لها ، لأنهما ألزماه به بسبب شهادتهما على المشهور ، وقد خالف الشيخ في النهاية وتبعه أبو الصلاح الحلبي إلى أنها لو تزوجت بعد الحكم بالطلاق ثم رجعا ردّت إلى الأول بعد العدة ، وغرم الشاهدان المهر للثاني ، لموثق إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في شاهدين شهدا على امرأة بأن زوجها طلقها ، فتزوجت ثم جاء زوجها فأنكر الطلاق؟ قال : يضربان الحد ويضمنان الصداق للزوج ثم تعتد ، ثم ترجع إلى زوجها الأول) (١) ، وحملت الرواية على ما لو تزوجت المرأة بمجرد شهادة الشاهدين من دون حكم الحاكم ، ثم لما جاء الزوج رجعا عن الشهادة واعترفا بأنهما شهدا زورا فلذا ضربا الحد كما في كل شاهد زور ، فلا تكون ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الشهادات حديث ١.

٢٠٥

(ويغرمان المهر للثاني ، وتبعه أبو الصلاح) استنادا إلى رواية (١) حسنة حملت على تزويجها بمجرد سماع البينة ، لا بحكم الحاكم (وقال في الخلاف : إن كان بعد الدخول فلا غرم) للأول ، لاستقرار المهر في ذمته به (٢) فلا تفويت ، والبضع لا يضمن بالتفويت ، وإلا (٣) لحجّر على المريض بالطلاق (٤) ، إلا أن يخرج البضع من ثلث ماله (٥) ، ولأنه (٦) لا يضمن له (٧) لو قتلها قاتل (٨) ، أو قتلت نفسها (٩) ، أو حرّمت نكاحها برضاع (١٠) ، (وهي زوجة الثاني) ، لأن الحكم لا ينقض بعد وقوعه.

______________________________________________________

ـ الرواية مستندا لقول الشيخ وفيه : إن الرجوع إلى كتاب النهاية للشيخ يفيد أنه لم يذكر حكم الحاكم بعد شهادتهما بل ذكر أن زواجها كان بعد الشهادة كما في الرواية ، قال الشيخ في النهاية : (إن شهد رجلان على رجل بطلاق امرأته فاعتدت وتزوجت ودخل بها ، ثم رجعا وجب عليهما الحد ، وضمنا المهر للزوج الثاني وترجع المرأة إلى الأول بعد الاستبراء بعدة من الثاني) ، وكلامه صحيح عند عدم حكم الحاكم اعتمادا على الموثق الموافق للقواعد من دون مخالفة قواعد أخرى أو نصوص فلا يكون كلامه مخالفا للمشهور الذي اشترط في تحرير المسألة حكم الحاكم بعد الشهادة ، وعلى تحرير المسألة على مبنى المشهور لو تزوجت بعد حكم الحاكم ثم رجعا فهي للزوج الثاني لأن الحكم نافذ بعد صدوره من أصله ولا ناقض له.

ثم كان على الشهيدين هنا ذكر حكم الحاكم بعد الشهادة كما عرفت.

(١) حيث إن الخبر المتقدم مشتمل سنده على إبراهيم بن عبد الحميد وهو واقفي ثقة ، وعلى إبراهيم بن هاشم وهو لم يمدح ولم يذم ، فلذا عبّر عنها بالموثق في المسالك باعتبار الأول ، وعبّر عنها بالحسنة هنا باعتبار الثاني ، وهي موثقة جزما لأن إبراهيم بن هاشم من مشايخ الإجازة والرواية وهذا ما يغنيه عن التوثيق بل هو دال على أعلى درجات التوثيق.

(٢) بالدخول.

(٣) فلو كان البضع يضمن بما هو منفعة غير مستوفاة.

(٤) لأن سيفوت منافع بضع زوجته المضمونة بحسب الفرض.

(٥) وهو يجوز له التصرف في الثلث.

(٦) أي الشأن والواقع.

(٧) للزوج.

(٨) بدعوى أنه فوّت على الزوج منافع البضع ، بل عليه إما القصاص وإما الدية.

(٩) فلا تضمن له منافع بضعها.

(١٠) فيما لو ارضعت زوجته الصغيرة فتحرم المرضعة والمرتضعة عليه.

٢٠٦

(وإن كان قبل الدخول غرّما للأول نصف المهر) الذي غرمه ، لأنه وإن كان (١) ثابتا بالعقد ، كثبوت الجميع بالدخول ، إلا أنه كان معرّضا للسقوط بردتها ، أو الفسخ لعيب ، بخلافه (٢) بعد الدخول لاستقراره مطلقا (٣) ، وهذا (٤) هو الأقوى وبه قطع في الدروس ، ونقله هنا قولا كالآخر يدل على تردده فيه ، ولعله (٥) لمعارضة الرواية المعتبرة.

واعلم أنهم أطلقوا الحكم في الطلاق من غير فرق بين البائن ، والرجعي ووجهه (٦) حصول السبب المزيل للنكاح في الجملة ، خصوصا بعد انقضاء عدة (٧) الرجعي (٨) ، فالتفويت حاصل على التقديرين (٩) ، ولو قيل : بالفرق ، واختصاص الحكم بالبائن كان حسنا ، فلو شهدا بالرجعي لم يضمنا إذ لم يفوّتا شيئا ، لقدرته (١٠) على إزالة السبب بالرجعة ولو لم يراجع حتى انقضت العدة احتمل الحاقة (١١) بالبائن والغرم (١٢) وعدمه (١٣) ، لتقصيره بترك الرجعة ، ويجب تقييد الحكم في الطلاق مطلقا بعدم عروض وجه مزيل للنكاح ، فلو شهدا به (١٤) ففرّق (١٥) ورجعا (١٦) فقامت بينة أنه كان بينهما رضاع محرّم فلا غرم إذ لا تفويت.

______________________________________________________

(١) أي نصف المهر.

(٢) أي بخلاف المهر.

(٣) ارتدت أو لا ، وفسخت لعيب أو لا

(٤) أي قول الشيخ في الخلاف.

(٥) أي ولعل التردد فيه.

(٦) أي وجه الاطلاق.

(٧) فتزول العلقة الزوجية بينهما.

(٨) سواء كان بائنا أو رجعيا بعد انقضاء العدة.

(٩) أي قدرة الزوج.

(١٠) الحاق الرجعي.

(١١) فيما يغرّم به الشاهدان.

(١٢) عدم الإلحاق.

(١٣) بائنا أو رجعيا.

(١٤) بالطلاق.

(١٥) أي فرّق بين الزوجين.

(١٦) أي الشاهدان.

٢٠٧

(ولو ثبت تزوير الشهود) بقاطع (١) كعلم الحاكم به (٢) ، لا بإقرارهما ، لأنه رجوع ، ولا بشهادة غيرهما ، لأنه تعارض (نقض الحكم) (٣) لتبين فساده ، (واستعيد المال) إن كان المحكوم به مالا ، (فإن تعذر أغرموا) ، وكذا يلزمهم كل ما فات بشهادتهم ، (وعزّروا (٤) على كل حال) سواء كان ثبوته قبل الحكم ، أم بعده ، فات شي‌ء أم لا ، (وشهروا) في بلدهم وما حولها ، لتجتنب شهادتهم ، ويرتدع غيرهم ، ولا كذلك من تبين غلطه ، أو ردّت شهادته لمعارضة بينة أخرى ، أو ظهور فسق (٥) ، أو تهمة ، لإمكان كونه صادقا (٦) في نفس الأمر فلم يحصل منه (٧) بالشهادة أمر زائد (٨).

______________________________________________________

(١) أي بدليل قطعي.

(٢) بالتزوير.

(٣) قد تقدم من الكلام في أول بحث الرجوع.

(٤) بلا خلاف فيه كما في الجواهر ، لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (شهود الزور يجلدون وليس له وقت ـ أي عدد معين ـ ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى يعرفوا ولا يعودوا ، قلت : فإن تابوا وأصلحوا تقبل شهادتهم بعد؟ قال : إذا تابوا تاب الله عليهم وقبلت شهادتهم بعد) (١) ، وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن شهود الزور يجلدون حدا ليس له وقت ، ذلك إلى الإمام ، ويطاف بهم حتى تعرفهم الناس ، وتلا قوله تعالى : (وَلٰا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهٰادَةً أَبَداً وَأُولٰئِكَ هُمُ الْفٰاسِقُونَ ، إِلَّا الَّذِينَ تٰابُوا).

قلت : بم تعرف توبته؟ قال : يكذّب نفسه على رءوس الأشهاد حيث يضرب ويستغفر ربه عزوجل ، فإذا هو فعل ذلك فثمّ ظهرت توبته) (٢) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام (أن عليا عليه‌السلام كان إذا أخذ شاهد زور ، فإن كان غريبا بعث به إلى حيه ، وإن كان سوقيّا بعث به إلى سوقه فطيف به ، ثم يحبسه أياما ثم يخلّى سبيله) (٣).

(٥) من غير الزور.

(٦) في غير الشق الأول وهو ما لو تبين غلطه.

(٧) من الشاهد.

(٨) يوجب التعزير.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الشهادات حديث ١ و ٢ و ٣.

٢٠٨

كتاب الوقف

٢٠٩
٢١٠

كتاب الوقف

(وهو تحبيس الأصل) (١) أي جعله على حالة لا يجوز التصرف فيه شرعا على وجه ناقل له عن الملك إلا ما استثني (٢) ، (وإطلاق المنفعة) وهذا ليس تعريفا ، بل

______________________________________________________

(١) عرّف الوقف بأنه عقد ثمرته تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة كما عن القواعد والتنقيح وإيضاح النافع والكفاية والنافع واللمعة هنا ، لكن في اللمعة ترك ذكر العقد كما هو المحكي عن المبسوط وفقه القرآن للراوندي والوسيلة والسرائر والجامع والمهذب البارع ومجمع البرهان.

وتحبيس الأصل هو المنع من التصرف فيه تصرفا ناقلا لملكه ، والمراد من إطلاق المنفعة هو إباحتها للجهة الموقوف عليها بحيث يتصرف فيها كيف شاء وهذا التعريف ببعض خواصه تبعا للنبوي (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) (١) ، والنبوي الآخر (إن شئت حبّست أصله وسبّلت ثمرتها) (٢) ، وعدّل عن لفظ الثمر ، الوارد في الخبرين إلى مطلق المنفعة لأنها أعم ، وعدّل عن التسبيل إلى الإطلاق لأنه أظهر في المراد ، ولكن في الصحاح : (سبّل فلان ضيعته أي جعلها في سبيل الله تعالى) ، ومن هنا كان التعبير بالتسبيل أولى لتضمنه معنى القربة بخلاف الاطلاق فإنه غير دال على ذلك وقد عرّفه الشهيد في الدروس بأنه الصدقة الجارية تبعا لما ورد في النبوي (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) (٣).

وهذه التعاريف لفظية أو بالآثار والخواص فلا داعي للنقض عليها طردا وعكسا.

(٢) كما لو أدى بقاؤه إلى الخراب.

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١ و ٢.

(٣) صحيح مسلم ج ٥ ص ٧٣.

٢١١

ذكر شي‌ء من خصائصه ، أو تعريف لفظي ، موافقة للحديث الوارد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حبّس الأصل ، وسبّل الثمرة ، وإلا (١) لانتقض بالسكنى وأختيها (٢) والحبس (٣) ، وهي خارجة عن حقيقته (٤) كما سيشير إليه ، وفي الدروس عرّفه بأنه الصدقة. الجارية تبعا لما ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ، صدقة جارية الحديث.

(ولفظه الصريح) الذي لا يفتقر في دلالته عليه إلى شي‌ء آخر (٥) (وقفت) خاصة على أصح القولين (٦) (وأما حبّست وسبّلت (٧) وحرّمت وتصدقت (٨) فمفتقر إلى القرينة) كالتأبيد (٩) ، ونفي البيع والهبة والإرث ، فيصير بذلك (١٠) صريحا.

______________________________________________________

(١) بحيث كان تعريفا حقيقيا.

(٢) وهما العمرى والرقبى.

(٣) وفي الجميع تحبيس الأصل وإطلاق المنفعة.

(٤) أي حقيقة الوقف لأنه فك ملك مع التحبيس المذكور بخلافها فلا فك للملك فيها.

(٥) من قرينة.

(٦) بلا خلاف فيه كما في المسالك ، ولكن في الجواهر (نعم عن الشافعي في بعض أقواله أنها كناية عن الوقف ، وعن الفاضل في التذكرة أنه من أغرب الأشياء).

(٧) فذهب جماعة منهم العلامة في التذكرة والقواعد إلى أنهما صريحان في الوقف ، ومثلهما أحبست بزيادة الهمزة ، وهو المنقول عن الخلاف والغنية والجامع نظرا إلى الاستعمال العرفي لهما في الوقف مجردين كما ورد في النبوي المتقدم (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) (١).

وعن الأكثر العدم ، بل هما محتاجان إلى القرينة حتى يفهم الوقف منهما ، واستعمالهما في الوقف في النبوي أعم من الحقيقة.

(٨) لا خلاف في عدم صراحة هاتين الصيغتين في الوقف ، ومثلهما ابدت فلا تحمل على الوقف إلا مع القرينة.

(٩) تمثيل للقرينة وكذا ما بعده من نفي البيع والهبة والإرث.

(١٠) أي بسبب القرينة.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

٢١٢

وقيل : الأولان (١) صريحان أيضا بدون الضميمة ، ويضعف باشتراكهما بينه (٢) وبين غيره ، فلا يدل على الخاص بذاته (٣) فلا بد من انضمام قرينة تعينه. ولو قال جعلته وقفا (٤) ، أو صدقة مؤبدة محرمة كفى (٥) ، وفاقا للدروس ، لأنه كالصريح. ولو نوى الوقف فيما يفتقر إلى القرينة وقع باطنا (٦) وديّن بنيته لو ادعاه (٧) ، أو ادعى غيره (٨) ، ويظهر منه عدم اشتراط القبول مطلقا (٩) ، ولا القربة (١٠).

أما الثاني (١١) فهو أصح الوجهين ، لعدم دليل صالح على اشتراطها وإن توقف عليها الثواب.

______________________________________________________

(١) أي حبّست وسبّلت.

(٢) بين الوقف.

(٣) من دون قرينة.

(٤) ولم يقل : وقفته.

(٥) لصراحتهما في الوقف وإن كان فيهما خروج عن صيغ الوقف المنقولة.

(٦) أي في نفس الأمر.

(٧) أي ادعى الوقف من اللفظ المفتقر إلى القرينة.

(٨) لاحتمال إرادة غير الوقف منه بعد كونه ليس صريحا فيه ، بخلاف اللفظ الصريح في الوقف فإنه يحكم عليه بالوقفية من دون توقف لمعرفة نيته.

(٩) سواء كان الوقف على جهة عامة أو على من يمكن في حقه القبول.

(١٠) لأنه تكلم عن الايجاب فقط من دون اشتراطه بالقبول أو القربة.

(١١) أي القربة ، فعن المفيد وابن زهرة والحلي والعلامة في القواعد والتذكرة والارشاد اشتراط القربة ، بل عن الغنية والسرائر دعوى الاجماع عليه ، وهو ممنوع إذ أكثر عبارات الأصحاب خالية عنها ، وعل كل فقد استدل على الاشتراط بإطلاق لفظ الصدقة عليه في الكثير من النصوص (١) ، بل لم يذكر الوقف في النصوص الواردة في وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام وسيدة النساء صلوات الله عليها إلا بلفظ الصدقة بل وغيرهما من الأئمة عليهم‌السلام (٢) ، ومن المعلوم اعتبار القربة في الصدقة خصوصا بعد هذين الصحيحين ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١ و ٢ وغيرهما.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٣ و ٤ ، والباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١ و ٤ و ٥.

٢١٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وهما : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (١) ، وصحيح هشام وحماد وابن أذينة وابن بكير وغيرهم كلهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا صدقة ولا عتق إلا ما أريد به وجه الله عزوجل) (٢) ، ومن باب التبرك نذكر خبرا متضمنا لوقف لأمير المؤمنين عليه‌السلام وهو خبر ربعي بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تصدق أمير المؤمنين عليه‌السلام بدار له في المدينة في بني زريق فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا ما تصدق به علي بن أبي طالب وهو حيّ سوي ، تصدق بداره التي في بني زريق صدقة لا تباع ولا توهب حتى يرثها الله الذي يرث السماوات والأرض ، وأسكن هذه الصدقة خالاته ما عشن وعاش عقبهنّ ، فإذا انقرضوا فهي لذي الحاجة من المسلمين) (٣).

وعن الأكثر كما قيل عدم الاشتراط للأصل ، ولكون فاقدها عقدا فيندرج تحت قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (٤) بناء على اعتبار القبول فيه ولو في بعض أفراده ، وللإطلاق في النبوي (حبّس الأصل وسبّل الثمرة) (٥) وللإطلاق في مكاتبة الصفّار لأبي محمد الحسن بن علي عليه‌السلام (الوقوف تكون على حسب ما يوقفها أهلها إن شاء الله) (٦) والأحوط وهو الأقوى اعتبار القربة للصحيحين السابقين من نفي الصدقة بدون القربة ، وللتصريح بها في وقف أمير المؤمنين عليه‌السلام كما في صحيح عبد الرحمن بن الحجاج (بعث إليّ بهذه الوصية أبو إبراهيم عليه‌السلام : هذا ما أوصى به وقضى في ماله عبد الله عليّ ابتغاء لوجه الله ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ، ويصرف عني النار يوم تبيّض وجوه وتسود وجوه ، إن ما كان لي من مال بينبع ، يعرف لي فيها وما حولها صدقة ـ إلى أن قال ـ وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة ، حيا أنا أو ميتا ، ينفق في كل نفقة بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبين المطلب والقريب ـ إلى أن قال ـ هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه ـ إلى أن قال ـ ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، والله المستعان على كل حال ، ولا يحل لا مرى‌ء مسلم يؤمن بالله اليوم الآخر أن يغيّر شيئا مما أوصيت به في مالي ولا يخالف فيه أمري ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٤.

(٤) سورة المائدة ، الآية : ١.

(٥) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ١.

٢١٤

وأما الأول (١) فهو أحد القولين ، وظاهر الأكثر ، لأصالة عدم الاشتراط ،

______________________________________________________

ـ من قريب ولا بعيد) (١) وصحيحه الآخر قال (أوصى أبو الحسن عليه‌السلام بهذه الصدقة : هذا ما تصدق به موسى بن جعفر عليهما‌السلام ، تصدق بأرضه في مكان كذا وكذا كلها ، وحد الأرض كذا وكذا ، تصدق بها كلها ونخلها وأرضها وقناتها وماءها وأرحابها ـ أرجاءها ـ وحقوقها وشربها من الماء ، وكل حق حولها ـ إلى أن قال ـ تصدق موسى بن جعفر بصدقته هذه وهو صحيح صدقة حبسا بتا بتلا مبتوتة لا رجعة فيها ولا ردّ ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، لا يحلّ لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيعها ولا يبتاعها ولا يهبها ولا ينحلها ولا يغيّر شيئا مما وصفته عليها حتى يرث الأرض ومن عليها) (٢) ولصحيح جميل (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهم صغار ، أله أن يرجع فيها؟ قال : لا ، الصدقة لله تعالى) (٣) ، وخبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره وقال : لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) (٤) ، وقد أريد من الصدقة الوقف في هذين الخبرين بالاتفاق ، وهما صريحان في اشتراط القربة في الوقف ، وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه القيم (تحرير المجلة) : (الكتاب الخامس في الوقف ، وقد جرت عادة الفقهاء على التعبير عن هذا العمل الخيري بهذا العنوان الذي لم يرد التعبير به في الكتاب الكريم أصلا ، ولا في السنة والحديث إلا نادرا ، وإنما التعبير الشائع عنه في السنة وأحاديث الأئمة سلام الله عليهم هو الصدقة والصدقة الجارية ، وفي أوقاف أمير المؤمنين والزهراء سلام الله عليهم هذا ما تصدق به علي وفاطمة) انتهى.

ثم قد ورد لفظ (بتا بتلا) ، والبت هو القطع قال في مجمع البحرين : (وصدقة بتة بتلة ، أي مقطوعة عن صاحبها لا رجعة له فيها) وقال في لسان العرب : (صدقة بتة بتلة ، إذ قطعها المتصدق بها من ماله ، فهي بائنة من صاحبها ، قد انقطعت منه).

نعم قد ورد في بعض الأخبار كخبر ربعي من عبد الله المتضمن لوقف أمير المؤمنين عليه‌السلام داره في بني زريق لخالاته وقد تقدم ، وهو مجرد عن ذكر القربة لكنه لا يصلح دليلا لأنه ليس في مقام البيان من هذه الجهة.

(١) أي القبول فعن الأكثر عدم اشتراطه ، إذ ليس في النصوص ما يدل عليه خصوصا ما ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب أحكام الوقوف والصدقات حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٢ و ٥.

٢١٥

ولأنه إزالة ملك فيكفي فيه الإيجاب كالعتق ، وقيل : يشترط إن كان الوقف على من يمكن في حقه القبول ، وهو أجود ، وبذلك (١) دخل في باب العقود ، لأن إدخال شي‌ء في ملك الغير يتوقف على رضاه ، وللشك في تمام السبب بدونه (٢) فيستصحب (٣) ، فعلى هذا يعتبر فيه ما يعتبر في العقود اللازمة ، من اتصاله (٤) بالإيجاب عادة ووقوعه بالعربية وغيرها (٥).

نعم لو كان على جهة عامة ، أو قبيلة كالفقراء لم يشترط ، وإن أمكن قبول الحاكم له (٦) ، وهذا هو الذي قطع به في الدروس وربما قيل : باشتراط قبول الحاكم فيما له ولايته. وعلى القولين لا يعتبر قبول البطن الثاني ، ولا رضاه (٧) ،

______________________________________________________

ـ تضمن وقفا قد صدر من أمير المؤمنين أو سيدة النساء أو بقية الأئمة عليهم‌السلام على ما تقدمت الإشارة إلى هذه الأخبار ، ولأنه فك ملك فيكفي فيه الايجاب كالعتق.

وعن جماعة منهم صاحب الجواهر اشتراط القبول مطلقا ، لإطباقهم على أنه عقد فيعتبر فيه الايجاب والقبول كسائر العقود ، ولأن إدخال شي‌ء في ملك الغير موقوف على رضاه ، لأن الأصل عدم الانتقال بدونه ، وللشك في تمامية السبب بدونه فيستصحب ملك المالك.

وفصل ثالث وهو المحقق في الشرائع والعلامة والشهيدان وغيرهم أنه إذا كان على جهة خاصة فيشترط لما ذكر ، ولإمكان القبول حينئذ ، وإن كان على جهة عامة كالفقراء والمساجد فلا يعتبر ، لأن الملك ينتقل فيه إلى الله تعالى بخلاف الأول فإنه ينتقل إلى الموقوف عليه.

وعن العلامة في التذكرة الميل إلى اشتراط قبول الحاكم في الجهات العامة كما هو نائب في استيفاء القصاص والحدود ، واستقر به الكركي في جامعه.

(١) وبالقبول دخل الوقف في باب العقود.

(٢) بدون رضا الغير.

(٣) أي يستصحب ملك المالك لو وقع الوقف بدون قبول.

(٤) أي اتصال القبول.

(٥) كما سيأتي ذكره في عقد البيع.

(٦) للوقف العام.

(٧) للزوم الوقف بقبول البطن الأول هذا إذا اشترطنا القبول ، وإلا فهو لازم عند إنشاء الايجاب.

٢١٦

لتمامية الوقف قبله (١) فلا ينقطع ، ولأن قبوله (٢) لا يتصل بالإيجاب ، فلو اعتبر لم يقع له (٣).

(ولا يلزم) الوقف بعد تمام صيغته (بدون القبض) (٤) وإن كان في جهة عامة

______________________________________________________

(١) قبل البطن الثاني.

(٢) قبول البطن الثاني.

(٣) أي لم يقع قبول الثاني للوقف السابق لاشتراط الاتصال.

(٤) فالقبض شرط في صحة الوقف من جهة ، والإقباض وهو القبض بإذن الواقف شرط في لزوم العقد من جهة أخرى.

فالقبض شرط في الصحة بلا خلاف فيه بين أصحابنا كما في المسالك ، فكما لا ينعقد الوقف إلا بالقبول المنضم إلى الايجاب فكذلك لا ينعقد إلا بالصحة المنضمة إلى العقد ، لصحيح صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن الرجل يقف الضيعة ثم يبدو له أن يحدث في ذلك شيئا ، فقال : إن كان وقفها لولده ولغيرهم ثم جعل لها قيّما لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا صغارا وقد شرط ولايتها لهم حتى يبلغوا فيحوزها لهم لم يكن له أن يرجع فيها ، وإن كانوا كبارا ولم يسلمها إليهم ولم يخاصموا حتى يحوزوها عنه فله أن يرجع فيها ، لأنهم لا يحوزونها عنه وقد بلغوا) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (في الرجل يتصدق على ولده وقد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز لأن والده هو الذي يلي أمره) (٢) وصحيح جميل (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يتصدق على بعض ولده بصدقة وهم صغار أله أن يرجع فيها؟ قال : لا ، الصدقة لله تعالى) (٣) ، وصحيح جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل تصدق على ابنه بالمال أو الدار ، أله أن يرجع فيه؟ قال : نعم إلا أن يكون صغيرا) (٤) ، وخبر أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي ـ فيما ورد عليه من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ـ عن صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه (وأما ما سألت عليه من الوقف على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه ، فكل ما لم يسلّم فصاحبه فيه بالخيار ، وكل ما سلّم فلا خيار فيه لصاحبه ، احتاج أو لم يحتج ، افتقر إليه أو استغنى عنه) (٥) ، وخالف بعض العامة فجعله لازما بمجرد الصيغة وإن لم يقبض فلذا رد عليه فقهاؤنا بأن الاقباض شرط في لزوم العقد ومراده منه أن القبض شرط في صحة العقد بمعنى أن القبض جزء ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٤ و ١ و ٢ و ٧ و ٨.

٢١٧

قبضها الناظر فيها ، أو الحاكم ، أو القيم المنصوب من قبل الواقف لقبضه ، ويعتبر وقوعه (١) (بإذن الواقف) كغيره (٢) لامتناع التصرف في مال الغير بغير إذنه ، والحال أنه لم ينتقل إلى الموقوف عليه بدونه (٣) ، (فلو مات) الواقف (قبله) أي قبل قبضه المستند إلى إذنه (بطل) (٤) ...

______________________________________________________

ـ السبب الناقل فما قبل القبض لا نقل ولا انتقال ، وبعد القبض فيكون العقد والقبض هما السبب الناقل ، هذا هو مرادهم من شرط اللزوم ، وليس مرادهم أن العقد بنفسه يوجب النقل المتزلزل كالملك في زمن الخيار في البيع بحيث إذا تحقق القبض انتفى التزلزل واستقر الملك ولزم ، ولذا قال الشارح في المسالك : (لا خلاف عندنا في اشتراط القبض في تمامية الوقف بحيث يترتب عليه أثره ، بمعنى كون انتقال الملك مشروطا بالايجاب والقبول والقبض ، فيكون العقد جزء السبب الناقل ، وتمامه القبض ، فقبله يكون العقد صحيحا في نفسه لكنه ليس بناقل للملك ، فيجوز فسخه قبله ، ويبطل بالموت قبله ، والنماء المتخلل بين العقد والقبض للواقف ، وبهذا يظهر أن القبض من شرائط صحة الوقف كما عبّر به المصنف وجماعة ، ولكن بعضهم عبّر بأنه شرط اللزوم ، ولا يريدون به معنى غير ما ذكرناه ، وإن كان من حيث اللفظ محتملا لكونه عقدا تاما ناقلا للملك نقلا غير لازم ، كالملك في زمن الخيار للبائع ، فإن النماء المتخلل على هذا التقدير للمنتقل إليه ، وليس كذلك هنا اتفاقا ، وإنما أراد بكونه شرطا في اللزوم أن العقد لا يتم ولا يلزم بحيث يترتب أثره ، أو أن العقد لا يلزم ولا يتحقق بدونه ونحو ذلك) انتهى.

(١) وقوع القبض.

(٢) من التصرفات لأن العين ما زالت على ملك الواقف ، ولا يوجب العقد القبض بل يجوز للواقف الرجوع فلذا اشترط في القبض إذن.

(٣) بدون الوقف.

(٤) لعدم تحقق القبض الذي هو شرط كما عرفت ولخصوص خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل تصدق على ولد له قد أدركوا ، قال : إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث ، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز ، لأن الوالد هو الذي يلي أمره ، وقال : لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) (١).

ثم لا تشترط الفورية في القبض لظاهر هذه الخبر حيث علق البطلان بعدم القبض إلى أن يموت ، ولازمه الاكتفاء بالقبض قبل الموت متى حصل ، وكذا الأخبار المتقدمة في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٥.

٢١٨

ورواية عبيد بن زرارة صريحة فيه ، ومنه (١) يظهر أنه لا تعتبر فوريته.

والظاهر أن موت الموقوف عليه كذلك (٢) ، مع احتمال قيام وارثه مقامه (٣) ، ويفهم من نفيه اللزوم بدونه (٤) أن العقد صحيح قبله (٥) فينتقل الملك انتقالا متزلزلا يتم بالقبض (٦) ، وصرح غيره وهو (٧) ظاهره في الدروس أنه (٨) شرط الصحة ، وتظهر الفائدة في النماء المتخلل بينه (٩) وبين العقد (١٠) ، ويمكن أن يريد هنا باللزوم الصحة بقرينة حكمه بالبطلان لو مات قبله (١١) ، فإن ذلك (١٢) من

______________________________________________________

ـ اشتراط القبض ظاهرة في عدم فوريته بلا خلاف فيه إلا من العلامة في القواعد باعتبار أنه شرط في الصحة فيكون كالقبول من العقد ، وفيه : إن فورية القبول العرفية تحقيقا لمعناه وهذا غير جار في القبض ، فضلا عن ظهور الأخبار المتقدمة في عدم فورية القبض.

(١) أي ومن الخبر.

(٢) يوجب بطلان الوقف لو مات قبل قبضه ، وهو واضح ، وفي التحرير للعلامة التوقف في صحته إذا قبض البطن الثاني ، وفيه : إن المراد من القبض هو القبض الصادر ممن له القبول في العقد وما هو إلا البطن الأول كما هو الظاهر من صحيح صفوان المتقدم (١).

(٣) في القبض ، وهو بعيد جدا إلا أن يكون مراده بالوارث هنا هو البطن الثاني وهذا ما أوجب توقف العلامة في التحرير على ما تقدم ، مع أنه لا يشترط في وارث الموقوف عليه أن يكون هو البطن الثاني في الوقف ، لأن الذي يحدّد البطن الثاني هو الواقف.

(٤) بدون القبض.

(٥) قبل القبض.

(٦) قد عرفت أن مراد من صرح باللزوم ليس ذلك ، بل مراده أنه شرط الصحة.

(٧) أي ما صرح به الغير.

(٨) أن القبض.

(٩) بين القبض.

(١٠) فالنماء للواقف بناء على أن القبض شرط الصحة ، وهو للموقوف عليه بناء على أن القبض شرط في اللزوم بالمعنى الذي ذكره الشارح هنا.

(١١) بل هو المتعين ، وهذا ما جزم به الشارح في كلامه المنقول سابقا عن المسالك.

(١٢) أي البطلان بموت الواقف قبل القبض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٤.

٢١٩

مقتضى عدم الصحة ، لا اللزوم كما صرح به في هبة الدروس ، واحتمل إرادته (١) من كلام بعض الأصحاب فيها (٢) (ويدخل في وقف الحيوان لبنه وصوفه) وما شاكله (٣) (الموجودان حال العقد (٤) ما لم يستثنهما (٥) ، كما يدخل ذلك في البيع ، لأنهما كالجزء من الموقوف بدلالة العرف ، وهو الفارق بينهما وبين الثمرة (٦) فإنها لا تدخل وإن كانت طلعا لم يؤبر.

(وإذا تم) الوقف (لم يجز الرجوع فيه) ، لأنه من العقود اللازمة (٧) ، (وشرطه) مضافا إلى ما سلف (٨) (التنجيز) (٩) فلو علّقه على شرط ، أو صفة بطل

______________________________________________________

(١) أي إرادة الصحة من اللزوم.

(٢) أي في هبة الدروس.

(٣) كالوبر.

(٤) بخلاف المتجددان بعد تمامية الوقف فإنهما للموقوف عليه بلا خلاف.

(٥) فالصوف على ظهر الشاة واللبن في داخل الضرع حال وقفها داخلان فيما اقتضاه الوقف نظرا إلى العرف كما لو باعها بلا خلاف فيه بين من تعرض لهذا الفرع كما في الجواهر.

(٦) فالثمرة على الشجرة كالحمل في داخل الشاة كلاهما لا يدخلان لعدم دلالة العرف من لفظ الشجرة والنخل عليهما ، هذا بالنسبة لما هو موجود حال العقد ، وأما المتجدد بعد الوقف فلا إشكال في كونه للموقوف عليه.

(٧) بلا خلاف ولا إشكال فيه بيننا ، وهو الظاهر من الأخبار ففي خبر عبيد بن زرارة المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا يرجع في الصدقة إذا تصدق بها ابتغاء وجه الله) (١).

خلافا لأبي حنيفة حيث زعم أنه لا يلزم ، وللواقف الرجوع فيه ثم لورثته بعده ، إلا أن يرضوا به بعد موته أو يحكم به حاكم.

هذا كله إذا صدر الوقف من الواقف في زمان الصحة ، وأما لو صدر في مرض الموت فإن أجازه الورثة نفذ الوقف من الأصل ، وإلا اعتبر من الثلث لأنه كباقي منجزاته من الهبة والمحاباة في البيع بلا خلاف في ذلك وسيأتي الدليل على ذلك في كتاب الوصايا.

(٨) وهو القبض.

(٩) بلا خلاف ولا إشكال لمنافاة التعليق للعقد ، لأن العقد يقتضي ترتيب أثره عليه حال وقوعه ، والتعليق يقتضي المنع ، ومن هنا كان التعليق على الذي لا يقتضي التفكيك بين ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الوقوف والصدقات حديث ٥.

٢٢٠