رحلة ديللافاليه إلى العراق

المؤلف:


المترجم: الأب د. بطرس حداد
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ١٩٢

الشأن عندما يريد دعوتهم إلى خدمة مصلحته وإعلانهم الوقوف إلى جانبه. فتسلم حسن آغا التاج ، فصار الأتراك من جراء بعض تصرفاته يشكون ـ ولو شكّا ضعيفا ـ في إخلاصه لهم. فنوى أحد البواشية قتله لكنه لم يفعل ، ولعله لم يجد في نفسه المقدرة على ذلك. قرر أن يرسل الهدية التي ذكرتها ليجعله يقوم دائما بما هو مفروض عليه من الخضوع للسلطان.

آثار المقير (أور)

لم نرتحل في ١٩ حزيران إذ بقينا في موضعنا منتظرين رجوع الجواب من حسن آغا. وفي صباح ذلك اليوم ذهبت إلى خرائب الأبنية القديمة التي نزلنا عندها لا تفحصها بعناية أكبر ، فلم أعرف بالضبط أصلها ، لكني وجدتها في حالة جيدة ، وهي مبنية بالآجر المشوي كبير الحجم ، ومعظمها تحمل كتابة وختما في وسطها بحروف غريبة مجهولة تظهر لي قديمة جدا. فأخذت أجرة منها ، ولاحظت أن الآجر ملتصق إلى بعضه في البناء لا بالملاط ولكن بالقار أو الزفت الذي ينبع في تلك السهول كما ذكرت قبل قليل. ويطلق العرب على ذلك التل الخراب اسم «المقير».

وصل إلينا عند المساء رجلان أوفدهما حسن آغا إلى القبوجي مع مكاتيب منه ، وقد أكد له فيها أنه سيرسل إليه بمؤنة ، ورجع مع مكاتيب منه ، وقد أكد له فيها أنه سيرسل إليه بمؤنة ، ورجع الرجلان إلى سيدهما وهما غير راضين لان القبوجي لم ينفحهما بشيء!.

صباح العشرين من حزيران عدت إلى الخرائب وطفت حولها فوجدت على الأرض قطعا من الرخام الأسود الصلب ، ناعم الملمس ، حفرت فيه أحرف من نفس الشكل الذي وجدته على الآجر. وهي حسب اعتقادي تستعمل كالختم الذي لا يزال الشرقيون يستعملونه إلى اليوم ، لأن اختامهم هي عبارة عن أحرف أو كلمات محفورة لاسم صاحبها ومعها شعارات تعبر عن التواضع والتقوى ، أو بعض عناوين الشرف ، أو كلمات أخرى حسب رغبة صاحب الختم لأنه يستعملها لشخصه فقط ولا تعمم على أفراد الأسرة كافة كما هي

١٤١

العادة عندنا في صنعنا الأختام. ومن بين الأحرف التي رأيتها تكرر في مواضع عديدة ، ثمة أحرف لها صورة الهرم المنبطح والشكل الآخر يشبه نجمة ذات ثمانية رؤوس.

وصل إلينا في النهار شيء قليل من المؤن التي وعد بها حسن آغا للقبوجي ، ولم يرسل غير ذلك. وقد قيل ان حسن آغا استشاط غضبا لأن القبوجي لم يرسل له هدية السردار التي كان يحملها. أما القبوجي فلم يبال بما قيل ولم يرسل الخلعة لأنه علم ان حسن آغا كان قد قبل تاج الشاه وعقد ميثاقا مع الفرس معلنا عن تحالفه معهم منذ ذلك الحين.

وقد انطلقنا من هناك مساء خلافا لعادتنا خشية ان يصدر حسن آغا المذكور أمرا ينبىء بخسة أخلاقه ، وسرنا مسرعين إلى منتصف الليل ، ثم استرحنا ساعتين ورحلنا من جديد ...

في ٢١ حزيران مررنا بأراض بعضها مغمورة بالمياه كالمستنقعات مليئة بالقصب ؛ وبعضها الآخر بيضاء بسبب السبخة ، وهناك أحطاب متشابكة.

في ٢٢ حزيران سرنا حتى منتصف النهار ، وبينما نزلنا للاستراحة في موضع تكثر فيه الأعشاب اليابسة ، شبت النار هناك بسبب بعض المدخنين.

فقد سقطت النار من يد أحد الجمالين الذين يستنشقون السعوط (التتن) حسب عادتهم ، فانتشرت النار في الهشيم وكادت تلتهم أمتعتنا ، فهرعنا إلى إخمادها برمي الأغطية عليها إذ لا وجود للماء هناك ، وما كان معنا في زقاقنا لم يكن كافيا لشربنا.

انطلقنا من هناك ، وقبل حلول الليل بثلاث ساعات نزلنا في موضع يقال له «إهاثوير» (؟) EHATHUER هناك التقينا بثلاثة رجال راكبين حميرا أخبرونا ان القافلة الكبيرة التي سبقتنا بخروجها من البصرة كانت توقفت فترة طويلة عند الأمير ناصر ، وقد أصابتها المضايقات من قبل رجاله ، فهو لم يكتف بانتزاع كمية كبيرة من المال من المسافرين ، بل أراد تسخير رجالها بالسير في ركابه في حملة أراد أن يشنها على «مشهد الحسين» ضد القزلباشية ، إذ كان الأمير يقف منهم موقف العدو ، وفي ذلك الموقف الذي لا يحسد عليه أحد ،

١٤٢

لقي رئيس القافلة حتفه ، فخلفه ابنه ..

في هذه الأيام الأخيرة أي في ٢٣ ـ ٢٥ حزيران كنا نسير وعن يميننا الجوازر (البطائح) وهي أهوار كلدية ، ورأيت في الطريق أشجارا قصيرة نادرة تشبه العرعر.

في ٢٦ حزيران سرنا مع الفجر حتى بعد منتصف النهار ، فتوقفنا للاستراحة في موضع توجد فيه آبار ، وظهر عن يميننا من بعيد «مشهد علي». في ذلك الموضع قامت في القديم مدينة الكوفة حيث لقي [الامام] علي مصرعه ، ومشهد علي يعني موضع استشهاده. وبالرغم من ان مدينة الكوفة قد زالت لكن الموضع هو محط إكرام المسلمين. بناؤه جيد وجميل ، يؤمه الناس من كل حدب وصوب للزيارة ، وهو آهل بالسكان ، وكان في فترة مرورنا بإدارة القزلباشية ، بينما كان تحت سيطرة الأتراك عندما كانوا يحكمون بغداد.

في ٢٧ حزيران توقفنا عند منبع ماء يجري في قناة ، لذا لم نرحل في ذلك اليوم. وفي اليوم التالي قطعنا مرحلتين ومررنا بجداول ناضبة عديدة يظهر انها تمتلىء بالماء في فترة من الزمن ثم تجف.

الأخيضر

في ٢٩ حزيران ، نهضنا منذ الفجر الباكر وسرنا ولم نتوقف إلى ما قبل منتصف النهار عند ماء يقع بالقرب من بناء عظيم ، قديم العهد ، مشيد بالآجر ، شكله مربع كامل ، له ثلاثة عشر برجا مدورا من كل جانب من الخارج. بعض أقسامه مشيدة على أقواس معقودة ، وغير ذلك.

في داخل البناء قاعات عديدة وغرف بمنافذ كثيرة ، وفناء غير كبير ، ولا أعلم أهو فناء أم أنه كان معقودا فسقطت عقادته ، لكني لا أرجح ذلك.

يطلق العرب على هذا البناء اسم «قصر الاخيضر» ولم استطع معرفة أصل البناء : أكان قصرا أم هيكلا أم قعلة؟ لكني أميل إلى الاعتقاد بأنه كان قصرا.

* * *

١٤٣

لقد كنا في ذلك الموضع على مسافة نصف نهار سيرا إلى اليمين لنصل إلى «مشهد الحسين» أي موضع استشهاده في أرض كربلاء ، وهو مدفون هناك ، والموضع مأهول بالسكان ، وضريحه مزين وعليه بناء فخم على الطراز الإسلامي ، وهو مكان مقدس يزوره المسلمون.

عندما مررنا من هناك كانت كربلاء لا تزال تحت حكم القزلباش الفرس ، فقد أخذوها من الأتراك مع أراضي منطقة بغداد بأجمعها ، وهي ليست بعيدة عنها.

توقفنا هناك ، إذ علينا أن ندفع ضريبة للأمير ناصر بن مهنا شيخ تلك البادية ، وللدقة يجب عليّ أن أقول ان الضريبة تدفع للشيخ أبي طالب نجل الشيخ ناصر ، لأن هذا كان قد طعن في السن واعتكف على الحياة الدينية بعد ان حج إلى مكة فتنازل لابنه المذكور ، وكان كلاهما آنذاك في موضع يقع إلى الشمال الشرقي من محل نزولنا.

في ٣٠ حزيران ذهب القبوجيان اللذان كانا برفقتنا ، كل على حدة ، ليحملا رسائل وهدايا من السردار السابق الذي مات وقيل مات مسموما ، ولا أعلم أتناول السم بيده ليتخلص من عواقب وخيمة ، أم أن أحدهم دس السم له ، أم أنه اغتيل لتقاعسه في حرب بغداد. فهذا القبوجي الذي يمثله ذهب إلى أماكن عديدة ولم يتمكن من المجيء عند الشيخ قبل اليوم.

أتى رجال الشيخ لجمع الاتاوة في غياب القبوجيين ، وبعد أن دفعت ما يقع عليّ حسب طلبهم ، وكان المبلغ ١٢ قرشا على الحملين ، وقرشين أو ثلاثة على سبيل الهدية الشخصية لهم ؛ بالرغم من هذا كله فإنهم فتحوا جميع الصناديق ، ولسرعتهم في التفتيش كسروا بعضها وقلبوا محتوياتها وأخذوا بعض ما فيها لأنفسهم وللشيخ ؛ وأرادوا أخذ بعض الأشياء القيمة ، منها : عمامة فارسية ثمينة من الحرير مطرزة بالذهب ، قطعة من الحرير الناعم منقوشة على شكل مربعات تستعمل لصنع القمصان الفارسية ، بعض الأواني الخزفية الفاخرة الملونة والمطعمة بالذهب ، بندقية خادمي ، كمية من الكاغد الياباني وأخرى من الكاغد الهندي الصقيل وأشياء أخرى عديدة لا تحضرني

١٤٤

الآن. قالوا انهم سيدفعون لي ثمنها ، أما أنا فكنت أصر على أنها ليست للبيع بل لاستعمالي الخاص.

ولم يكتفوا بكل ما فعلوا بي ، بل أرغموني على دفع عشرين قرشا إضافيا لصديقهم رئيس الجمالين مدعين بأن هذه هي أوامر الشيخ ، وهو براء من ذلك ، قالوا انها اجرة الدليل الذي أراد اصطحابه من كويبدة والذي لم استأجره أنا ، ولم أتفق معه ، ولم يقدم لي أية خدمة ، لكنهم لم يصغوا إلى احتجاجي ، لا بل لم يدعوا لي مجالا للكلام ، ولو فرضنا اني كنت بحاجة إليه ، لدفعت في أكثر الاحتمالات نصف ما أرغموني على تأديته ، فقد كان معه من الأحمال أكثر مني بكثير وكلها بضائع للتجارة ... يا لها من معاملة خسيسة! خلاصة القول إنهم أرادوا تقديم خدمة لرئيس الجمالين ، فالقروش التي يبتزها مني سيضعها في جيبه ويدفع منها الاتاوات عن نفسه ... ولقد طفح الكأس عندما امتدت أيديهم إلى سيف الست معاني وخنجرها العربي المصنوع من الفضة والذهب ، فزعموا أنه يليق بالشيخ ، فانفجرت غضبا وقررت الذهاب بنفسي إلى الشيخ لأقدم له رسالة توصية كتبها باشا البصرة وأعرض عليه حالتي. فامتطيت بغلا لإبراهيم آغا الذي عاد قبيل قليل وكان غاضبا حقا من معاملة الأعراب لي ولبقية الأشخاص لا بل معه شخصيا. وقبل حلول المساء ذهبت مسرعا وقد رافقني كاتب الشيخ ورئيس الجمالين الماكر ، سبب المشاكل كلها ، لكني لم أظهر له نفوري وامتعاضي ، خوفا من سوء العاقبة ، فوصلنا إلى مواضع الخيام عند المساء.

* * *

كانت الخيام سوداء كثيرة متناثرة على الطريق ، ثم رأينا خيمة «أبي طالب» بعيدة قليلا عن خيمة أبيه الشيخ ناصر. ولا فرق بين خيام الأمراء وعامة الشعب إلا بالحجم. فكل الخيام سوداء منسوجة من شعر الماعز.

لم ندخل الخيمة إذ كانت بعض الأفرشة الصوفية مطروحة أمامها ، وهي بسيطة وملونة ، وكانت نظيفة ، وكان القوم قد جلسوا عليها ، ولم يكن الشيخ هناك عندما وصلنا ، لكنه حضر بعد قليل فنهض الجميع إكراما له ، فجلس في

١٤٥

وسط الحلقة وعدنا إلى الجلوس في مواضعنا. فوضعوا أمامه منارة عليها سراج ، فقام للصلاة أولا ، وبعد انتهائه من تأديتها شرع بقراءة بعض الرسائل ثم وقّع عليها ، وأصدر أوامره وتعليماته في مختلف الأمور ، ومن بين الرسائل كانت تلك التي حملها محمود آغا وكان لا يزال هناك وقد طلب الإذن للانصراف.

بعد أن انتهى من كل ذلك نهضت فقدمت له رسالة الباشا ، فسألني الشيخ ان كنت إفرنجيا فأجبت نعم ، ثم شرح رئيس الجمالين سبب قدومي وأبديت رأيي متكلما العربية ، فطلب ان يرى قبعتي من قريب فوضعها أمامه.

ولما علم بأني أفهم العربية ، أخذ يعتذر عما بدر من رجاله ، لكنه أضاف أنه بحاجة ماسة إلى البندقيات للحرب ، وقد أعجب جدا بالعمامة وطاقة القماش ولذا فإنه سيدفع ثمنها ، فقلت : إني لا أهتم بذلك ، وأقدمهما لك هدية. ثم أمر بإحضار العمامة فنظر إليها مليا وأخذ يقبلها مظهرا أعجابه بها ، بينما كنت أقول له بأنها مستعملة وقد تعممت بها مرات عديدة عندما كنت في بلاد فارس ، لكنه لم يصغ إليّ بل ولج إلى داخل الخيمة حيث كانت النساء يطحنّ القمح بمجارش يدوية لصنع الخبز ... وظهر بعد قليل وقد وضع العمامة على رأسه ، وإذ كان منظره جديدا على الحاضرين فقد أخذوا يصرخون مستحسنين ومرددين بصوت واحد : مبارك مبارك!.

وبعد أن جلس وضعوا أمامه إناء عميقا من النحاس فيه عنب وماء ، فدعانا للاقتراب منه ، وأخذ يقدم العنب للجميع. كان العنب أخضر اللون ، حلو المذاق وهو من بواكير الموسم الجديد. وبعد أن تناولنا العنب رجعنا إلى أماكننا وجلسنا بعض الوقت ثم استأذنت الشيخ ورجعت مع محمود آغا إلى القافلة ، بينما بقي المكاري وكاتب محمود آغا هناك نزولا عند رغبة الشيخ إذ قال انه سيرسل يوم الغد أوامره معهما بما يخص القبوجي ، وكذلك مشكلتي.

في الأول من تموز عاد سائس الجمال ليقول لي بأن الشيخ تنازل عن أخذ السيف والخنجر ، وأرسل تسعة وعشرين قرشا كتعويض عن العمامة وطاقة القماش ، وادعى بأنه أنفق خمسة قروش منها : قدم قرشين لمساعد الشيخ ، وثلاثة لأمور أخرى لم يفصح عنها ، فسلمني أربعة وعشرين قرشا لا تساوي ـ

١٤٦

في الواقع ـ ثلث قيمة الأشياء التي أخذت مني ...

في الثاني من تموز مضينا في رحلتنا .. وإذا بأعراب تابعين لأخ الشيخ ناصر أوقفونا في الطريق طالبين إتاوة عن الجمال.

ثم نزلنا عند ماء ورأينا هناك بيوتا للأعراب فاشترينا منهم كمية من اللبن والحليب والعنب ..

في الثالث من تموز سرنا سيرا حثيثا ، ثم توقفنا عند الظهيرة قرب مستنقع مليء بالقصب تحيطه أرض خضراء ، ووجدنا هناك طيورا مائية فاصطدنا منها ، وهكذا فعلنا في اليومين التاليين.

في السادس من تموز .. توقفنا أيضا عند مستنقع ، وبالقرب منه بئر ماؤها بارد جدا ، فشربنا وارتوينا .. في هذا اليوم سرنا في أرض مليئة بمعدن أبيض ناصع ، لعله الطلق أو أملاح النطرون ، فأخذت كمية منه.

في السابع من تموز .. نزلنا في موضع رأيت فيه شجيرات شوكية صغيرة الأوراق بقدر خنصر اليد ، شكلها شبيه بالقلب ، لها ثمرة حمراء مدورة لونها كالعقيق ، حلوة المذاق مع شيء قليل من الحموضة ، في داخلها نوى صغيرة. كانت في الحقيقة لذيذة في تلك الصحراء القاحلة.

احتفل المسلمون في ذلك اليوم بعد الفطر.

في الثامن من تموز مررنا بمياه راكدة في أكثر من موضع ، وعندما توقفنا قرب إحدى البرك تذوقنا الماء فكان طعمه كبريتيا غير مستساغ ، وأكثر مياه البادية لها نفس المذاق لكثرة ما فيها من معادن.

لم نرحل في ذلك اليوم ، إذ كان علينا أن ندفع أتاوة للأمير «مدلج أبو ريش» لأننا دخلنا في الأراضي التي تخضع لسيطرته ، أن الأمير «أبو ريشة» هو أعظم أمراء البادية العربية ، واسمه الخاص كما قلت «مدلج» ، وقد خلف عمه المتوفى فياض الذي كان على قيد الحياة قبل تسعة أعوام عندما سافرت من حلب إلى بغداد. ولم يخلفه أحد أبنائه رغم وجودهم ، بل خلفه ابن أخيه ، ذلك لأن الإمارة كانت لأبي مدلج قبل فياض ، وعند موته كان مدلج صغير

١٤٧

السن ، فاغتصب فياض الإمارة.

في تلك الليلة زارنا لصوص ، وإذ لاحظوا استعدادنا للقتال تركونا في الحال وولوا الأدبار ، فتبعناهم قليلا حتى غابوا عن الأنظار.

انقضى صباح اليوم التالي بعملية حساب الضرائب ودفعها. وقد أديت خمسة عشر قرشا عن حمل ونصف الحمل ، وقرشين عن الجمال كتلك التي أديتها لأخ الأمير فياض ، وبعض الهدايا.

هنا أيضا فتحوا الصناديق فأخذوا قبعتين من المخمل ، وكمية من الكاغد الجيد ، وبعض الأشياء الأخرى. وأرادوا أن يفتحوا الصندوق الذي كان يضم جثمان الست معاني ، فتدخل القبوجي إبراهيم آغا ملتمسا لا آمرا ، فاستطاع إبعادهم عنه ، وخلصني من شرهم.

في العاشر من تموز توقفنا في سهل فسيح تحيطه التلال وتنتصب في وسطه صخرة عالية ، وعلى قمتها صخرة أخرى مدورة كأنها حوض نافورة ...

في الحادية عشر منه قررنا التوقف من أجل إراحة الأباعر التي انهكها التعب ، ولكي نستريح نحن أيضا ونتزود بالماء إذ لن نجد ماء في اليومين التاليين. في ذلك اليوم تركنا القبوجيان عن طريق «عنة» إذ توجها للقاء الصدر الأعظم في ماردين أو حيثما يجدانه. أما نحن الذين كانت وجهتنا حلب فلن نمر ب «عنة» بل نختصر الطريق ونتخلص من الضرائب التي تجبى هناك. وعندما شرعنا بالمسير التحق بنا عدد من الرجال والنساء ، كان الرجال يسيرون على الأقدام بينما النساء راكبات الحمير.

تركنا طريق «عنة» وهي على يدنا اليمنى وتوغلنا في البادية ، وسرنا دون توقف ذلك النهار وكل الليل ، وقسما من اليوم التالي لكي نصل بأسرع وقت إلى أقرب مكان فيه ماء لأننا كنا بأمس الحاجة إليه نظرا للحر الشديد.

في الثاني عشر منه ، لم نعثر على ماء في الطريق فاستعملنا ما عندنا منه في القرب ...

في الثالث عشر من تموز وصلنا عند منتصف النهار إلى نهر الفرات الشهير

١٤٨

فوق «عنة» وتوقفنا عند تلال مكسوة بالطلق أو بمعدن آخر ناصع البياض. لم نرحل كعادتنا في ذلك المساء ، فقبل الغروب داهمنا فرسان يحملون البنادق والأسلحة المختلفة ، قدموا من قبل سادة «عنة» الذين اطلعوا من القبوجيين على خبر مرورنا بأراضيهم فلحقوا بنا ليستوفوا الإتاوات بأية طريقة كانت رغم أننا لم ندخل المدينة. لقد حاولنا التهرب من دفعها ، وها هم يطالبون بها!.

لم نرحل في اليوم التالي بل مكثنا هناك لدفع الضرائب ، فأديت ستة قروش فرضت عليّ ، وقرشين كهدية خاصة بهم. وقد ادعى رئيس الجمالين أنه لا يحمل مالا فأديت عنه عشرين قرشا ، وهكذا جازيت شخصا لم أنل منه غير الأذى والضرر ، وبالرغم من ذلك كله فقد فتحوا الصندوقين وقلبوا الأمتعة بفظاظة ، ورغم ما فعلوا فأنا ممتنّ لهم جدا ، لأنهم عندما تقدموا لفتح صندوق جثمان الست معاني توسلت إليهم ألا يفعلوا ثم اضطررت لإخبارهم بمحتواه ورغبتي بدفن جثمان زوجتي في أرض آبائي ، فتراجعوا ورثوا لحالي ، ولم يخلقوا لي مشاكل جديدة مع ان عملي كان مخالفا لشريعتهم وعاداتهم ، فشكرت ربي ألف مرة!.

مضى قسم من الجنود الذين أتوا من «عنة» ، بينما سار قسم آخر معنا ، إذ كانوا يحملون أموالا إلى الشيخ «مدلج». وعند المساء عاد إليّ رئيس الجند وأمرني أن أفتح صندوقين صغيرين لم يفتحهما في النهار ، فامتثلت لأمره ، ولما استعرض المحتويات أخذ رداء الست معاني وهو زيها العراقي وكان من الحرير ، لونه أزرق غامق ، كما أخذ كرة من العنبر ، وإناء جميل الصنع من الهيصم (١) سلمه إليّ في الهند السيد «أنكونيو باراكو» لأقدمه باسمه هدية إلى السيد «ديل دراكو» في روما ، كما أخذوا بعض الأواني المصنوعة من الخزف

__________________

(١) الهيصم «حجر يشاكل الرخام ، إلا أنه أشد بياضا ، يخرط منه كثير من الآنية». صفة جزيرة العرب للهمداني ص ٢٠٢ نقلا عن : نخب الذخائر في أحوال الجواهر تحقيق الأب الكرملي ، ص ٦٩ ؛ وقد نشر هذا الكتاب الثمين مؤخرا تحقيق محمد بن علي الأكرع ، بغداد ١٩٨٩.

١٤٩

الرقيق المطعم بالذهب ، وكتابا عربيا لم يكن مهمّا ، وغطاء واسعا أزرق اللون يستعمل في فارس لاتقاء المطر ، وكمية كبيرة من الورق وما شاكل ذلك ...

أمضينا الليل هناك ، بينما استعد الجنود للرحيل ، واستطعت قبل انصرافهم أن أسترجع منهم رداء الست معاني وإناء الهيصم مقابل عباءتين اشتريتهما من أحد المسافرين بسبعة قروش ؛ أما الأشياء الأخرى لم أستطع استرجاعها فأخذوها معهم ... وأحمد الله لأنني استطعت ان أخلص سيف الست معاني وخنجرها من أياديهم الخاطفة ، فقد أخفيتهما في أسفل أحد الصندوقين مع أساورها وحليها ، فلا شك أنهم لو رأوها لاختطفوها في الحال.

في الخامس عشر من تموز سرنا مع الفجر ومضينا حتى الظهيرة ، وبعد استراحة قصيرة قطعنا مرحلة ثانية حتى المساء ، فاسترحنا في موقع غير بعيد عن النهر حيث وجدنا أدغالا كثيفة من شجيرات العرعر.

في السادس عشر منه قطعنا مرحلة جديدة وتوقفنا بعد الظهر في موضع رأينا فيه ماء فتزودنا منه ...

أما في السابع عشر منه فقد توقفنا بعد مسيرة منهكة. عند بئر كان ماؤها مرّا كريه الرائحة ، لأن الأرض هناك مليئة بالمعادن والطلق ...

وهكذا في الأيام التالية انتقلنا من مكان إلى آخر ... ففي اليوم العشرين من تموز انطلقنا منذ الصباح الباكر وسرنا حثيثا حتى الظهر لنتوقف عند بئر عميقة جدا تقع بالقرب من كهوف صغيرة منقورة في الحجر الأبيض. أما في مرحلة المساء فقد سرنا بين سهول ووهاد ...

في الحادي والعشرين من تموز عبرنا أخدودا عريضا في الأرض كان مجرى ماء في وقت مضى ، ثم مررنا بحصن متهدم يسمى «الحير» كنت قد مررت به سابقا في رحلتي من حلب إلى بغداد لكني لم أره جيدا في ذلك الحين إذ كان نزولنا بالقرب منه ليلا.

إنه بناء عظيم مشيد بحجر أبيض ، أي بقطع كبيرة الحجم من الرخام الأبيض ، وهو مربع الشكل ، تحيطه أسوار تتخللها أبراج مدورة صغيرة. في

١٥٠

داخله بقايا بناء ضخم مشيد بأجمعه بنفس الرخام الأبيض. ونظرا للخراب الذي أصابه فليس بمقدوري معرفة ما كان عليه في السابق.

بعد أن تركنا هذا الموقع سرنا ساعات أخرى ، وعند المساء وصلنا إلى «طيبة» وهي بلدة مأهولة بالسكان ، سبق لي أن زرتها ، فنزلت قريبا من باب المدينة ... وغادرناها في الثالث والعشرين من تموز ... ورافقنا أعرابي ليوصلنا إلى الأمير «مدلج» الذي كان في «حماه» آنذاك.

١٥١

الرسالة الثانية عشرة

من قبرص في ٦ أيلول ١٦٢٥

... من الأخبار المعاصرة الجديدة بالذكر : ان السلطان مصطفى أخ السلطان أحمد المتوفى الذي كان حيّا في فترة مروري باسطنبول ، أنزل عن العرش بسبب جنونه ... أما عثمان ذلك الأمير ، الغريب الأطوار ، فقد فكر يوما باعداد حملة على روما ... وقد قتله وزراؤه ... أما السلطان الحالي فهو مراد بن أحمد.

إن الصدر الأعظم حاليّا هو حافظ أحمد باشا ، وقد كان واليا على ديار بكر عندما دعي للصدارة وكلف لاعداد حملة على الفرس ، فشرع يعد العدة للحرب ، ولا أعتقد انها تبدأ في هذه السنة.

في الثاني والعشرين من آب زارني في بيت القنصل المطران ايشوعياب السرياني النسطوري أسقف ميافارقين (١) بعد أن بلغه خبر وصولي من الآباء الفرنسيسكان ، وكان صديقا حميما للأب تومازو دي نوفارا (٢) ، الذي لعب دورا مهما في تطوير العلاقات بين طائفته والكنيسة الكاثوليكية ، وأخبرني المطران أنه يشتاق كثيرا لزيارة روما ، وكاد ان يقدم نفسه لمرافقتي ، لكني كنت قد قررت الرحيل في اليوم التالي ، ولم تكن معه رسائل من البطريرك رئيس كنيسته تفوضه لمهمة ما ، وزعم انه بانتظار وصولها ... لكني فهمت من الآخرين أن لا أمل له بالحصول على رسائل كهذه ، وأن شوقه لزيارة روما لا لشيء إلا على أمل الحصول على بعض المساعدات ، ولذا قلت له أن يتريث

__________________

(١) تقع في الشمال الشرقي من مدينة ديار بكر (آمد) وكانت مدينة عامرة ولا تزال قائمة ، ذكرها الحموي : معجم البلدان ٥ : ٢٣٥ سكنها المسيحيون من مختلف طوائفهم ولا أثر لهم اليوم بعد أحداث الحرب العالمية الأولى. لم يكن فيها أسقف بهذا الاسم في ذلك العهد ، لكننا نجد اسم ايشو عياب كأسقف على سعرد ورد ذكره في المخطوط رقم ٣٤ من مخطوطات مطرانية سعرد (فهرس شير : ص ٢٤).

(٢) انظر الملحق (١٠).

١٥٢

ولا يرحل بدون رسائل فاقتنع بعد لأي بكلامي. ثم طلب مني أن اصطحب رجلين من طائفته اسمهما عبد يشوع وهندي كانا يتمنيان كثيرا زيارة روما فقبلتهما .. وأضفت : ان بيتي في روما مفتوح لاستقباله ، وأنا شخصيا مستعد لتقديم أية خدمة يحتاجها إذ تربطني بطائفته روابط عزيزة جدا من جهة زوجتي المحبوبة الست معاني.

* * *

أردت قبل الرحيل زيارة كنائس الشرقيين في محلة «الجديدة» (١) ، فرأيت كنيستين للأرمن ، أقيمت الكبيرة منهما على اسم الشهداء الأربعين ، والثانية على اسم العذراء ، مريم. وكنيسة الروم ، وكنيسة صغيرة للموارنة شيدت على اسم مار ايليا ... ورأيت في موقع أبعد كنيسة السريان اليعاقبة وهي على اسم السيدة مريم ... وزرت البطريرك «هدى» (٢) ... فأطلعني على نسختين جميلتين للإنجيل الشريف مكتوبين على الرقّ ، وكانتا بحجم كبير وبخط سرياني رائع جدا ؛ يرجع عهد النسخة الأولى إلى أربعمائة سنة ، وكانت الكتابة بماء الذهب والفضة ، وقد عثر على هذه النسخة جنود أتراك في قبرص عندما احتلوا الجزيرة فحملوها إلى اسطنبول فاشتراها بعضهم. في الحقيقة لا يمكن أن تكون هناك كتابة أجمل من هذه ، وهي غنية بماء الذهب والمنمنمات وكان غلافها من المخمل المزين بالفضة المذهبة ، لكن هذا الغلاف جديد ، لأن الغلاف الأصلي سرقه الجنود إذ كان ثمينا.

أما النسخة الثانية فكانت أقدم من الأولى إذ ترجع إلى أربعمائة وخمسين سنة ، لكن كتابتها عادية وصورها قليلة ، ومصدر هذه النسخة من قبرص أيضا. وقد افتديت بمائتي قرش.

__________________

(١) كانت هذه المحلة في ذلك العهد خارج حلب وغالبية سكانها نصارى أو إفرنج الذين لم يسمح لهم الإقامة داخل المدينة والبناء فيها.

(٢) هو البطريرك أغناطيوس بطرس هدايا (١٥٩٧ ـ ١٦٣٩) انظر : بطرس نصري : ذخيرة الأذهان في تاريخ المشارقة والمغاربة السريان ٢ : ٢١٣.

١٥٣

[وصل السائح أخيرا إلى إيطاليا فتوقف بعض الوقت في نابولي عند صديقه الأديب ماريو سكيبانو الذي وجه إليه الرسائل طيلة الرحلة ، ثم رحل إلى روما فدخلها يوم ٢٨ آذار ١٦٢٦ وصف ذلك في رسالته السابعة عشرة].

١٥٤

الرسالة الثامنة عشرة (١)

روما في ١ آب ١٦٢٦

... في الخامس والعشرين من تموز قررت أن أواري الثرى جثمان زوجتي الست معاني جويريدة الذي رافقني في سفراتي العديدة خلال السنوات الماضية ، وذلك في ضريح أسرة ديللافاليه في مصلى القديس بولس في كنيسة «أراجيلي» في منطقة الكمبيدوليو بروما.

أمرت بإعداد صندوق من الرصاص وضعت داخله صندوق الجثمان ... ثم سمّرته جيدا ... ووضعت عليه كتابة باللاتينية باسم المتوفاة.

وبعد ان حصلت على موافقات الجهات الرسمية ، أخبرت كاهن الكنيسة المسؤول ، وسار الموكب الحزين بعد منتصف الليل ، بينما ذهبت أنا إلى باب الكنيسة أنتظره ، فدخلنا إلى المصلى ونزلت إلى القبر لأقدم آخر خدمة لسيدتي العزيزة وأضع بيدي الصندوق قرب أبي وأمي وأعمامي. ثم أغلق الضريح جيدا وأعيد بناء الغطاء. وهكذا أديت آخر خدمة لزوجتي الحلوة الست معاني وأقمت الصلاة على روحها الطاهرة.

ـ (انتهى) ـ

__________________

(١) تحدث الرحالة في الرسائل السابقة عن وصوله إلى روما والتقائه بأهله وأصدقائه ، وهي أخبار لا تهم القارىء لذلك أهملناها.

١٥٥
١٥٦

ملاحق الكتاب

الملحق رقم (١) للحاشية رقم (٧)

أبو الريش

ذكر السائح أكثر من مرة اسم «فياض» فدعاه ملكا أو أميرا أو أعظم سادة العرب في البادية العربية ، وشبهه بالسيد الإقطاعي في أوروبا ، وقال إن منطقة نفوذه تمتد في مفاوز البادية بين حلب وبغداد ومعظم ما بين النهرين ، وقاعدة حكمه في مدينة «عنة» ، وطاعته للحكومة العثمانية ـ حسب تعبير السائح ـ ظاهرية واسمية. ولقبه «أبو الريش» وهو لقب أسرته.

قال عنه انه اغتصب الإمارة من أخيه ، فلما توفي عادت إلى ابن أخيه مدلج (ذكره لونكريك باسم مطلق : أربعة قرون ص ٧٩ و ٩١). وقال عنه السائح أنه كان أمل البصرة في شدتها يوم حاصرها الفرس. وقد خلع مدلج هذا من قبل خسرو باشا ، وأعطيت الإمارة إلى سعد بن فياض على قول لونكريك (ص ٩١) أو سعيد (مباحث عراقية ٢ : ٣٤١ في الهامش نقلا عن تاريخ نعيما) وذكر انه مات بسقوطه عن فرسه عام ١٠٤٠ ه‍.

قال الأمير حيدر الشهابي في حوادث ١٠٢٩ ه‍ / ١٦١٩ م في هذه السنة توفي الأمير فياض ، وأخذ منصبه ابنه حسين ، ولكن الأمير مدلج ابن أخ فياض نازعه عليه ، فأخذه منه. وقال في حوادث ١٠٣٣ ه‍ / ١٦٢٣ م في هذه السنة تقاتل أمراء طيّئ فيما بينهم ، وهم الأمير مدلج وابن عمه الأمير حسين ...

وللسيد فرحان أحمد سعيد مقالة شائقة في مجلة التراث الشعبي (بغداد) ١٠ (١٩٧٩) العدد ٩ ص ٧٢ ـ ١٠٤ بعنوان : مشهد أبي ريشة ، قال فيها : «إن

١٥٧

١٥٨

آل أبو ريشة هؤلاء هم أحفاد أمراء آل ربيعة الطائيين ...» (ص ٨١) أما عن كنيتهم فقال : «لأن أمراء ربيعة كانوا يضعون ريشة من الذهب في مقدمة عمائمهم تقليدا لأحد أجدادهم ملك العرب عيسى بن مهنا الذي اشترك مع قبيلته في وقعة الملك المنصور قلاوون ضد التتار بحمص سنة ٦٨٠ ه‍ / ١٢٨١ م. فأهدى له عبيدا ومماليك وألبسه الريشة رمزا للاعتزاز والفخار» (ص ٨١) العزاوي : تاريخ العراق بين احتلالين ٤ : ٢٤٣ ـ ٢٤٥.

* * *

الملحق رقم (٢) للحاشية رقم (٣٨)

موالي الحويزة العرب

أظهر السائح اهتماما خاصا بمنطقة الحويزة العربية فكان يتتبع أخبارها. وقد ذكر أكثر من مرة في القسم الأول من رحلته اسم «مبارك» وقال عنه إنه كان مواليا للفرس اتقاء لشرهم. ومبارك هذا هو بن عبد المطلب بن حيدر بن محسن.

بعد موته تولى شؤون الإمارة ابنه الكبير «ناصر» لمدة سنة تقريبا ومات مسموما بيد راشد ، وكان رجلا شجاعا ، لكنه أثار الفتن في منطقته ، ثم فر إلى الشاه ، وعاد لمحاربة البصرة ومات في الحرب. فتولى الإمارة من بعده «سلامة» لمدة قصيرة (ولم يذكر المؤرخون الذين رجعت إليهم اسم سلامة إلا يعقوب سركيس في مباحثه نقلا عن ديللافاليه). ثم تنازل لأخ مبارك الأصغر واسمه «منصور» وقد رفض منصور الخضوع للشاه الفارسي فأوعز هذا إلى خان شيراز ان يحاربه ويقضي عليه ، فاضطر إلى الفرار والتجأ إلى البصرة ، فوضع الفرس محمد بن راشد مبارك أميرا على الحويزة (١٦٢٥).

هذا ما جاء في الرحلة عن أمراء الحويزة .. بينما نقرأ في كتاب السيد جاسم حسن شبر : تاريخ المشعشعين وتراجم أعلامهم ، النجف ١٣٨٥ ه‍ / ١٩٦٥ م بعض الاختلافات :

١٥٩

فبعد موت مبارك (١٠٢٥ ه‍) تولى الإمارة ولده ناصر (ص ١١٣) لأشهر قليلة ومات مسموما وقيل إن الذي سمه هو ابن عمه السيد راشد (ص ١٦٦) وأضاف المؤلف : أن السيد ناصر بن مبارك تزوج بعقيلة الملك شاه عباس الصفوي وصار من المقربين عنده ، بينما قال السائح : «إنه كان صهر الملك ... إذ تزوج بأخته».

وجاء في كتاب «تحفة الأزهار» أن مباركا كان أرسل ابنه ناصرا رهينة عند الشاه وعاد في مرض أبيه «وتوفى بعد مدة سبعة أيام فقد مات مسموما سمه راشد بن سالم بن مطلب» (نقلا عن مباحث عراقية ٢ : ٣٨٥ في الهامش).

انظر أيضا :

د. عبد المجيد إسماعيل : عربستان عبر التاريخ. آفاق عربية ٦ (١٩٨٠) العدد ٣ ـ ٤ ص ١٨٩.

د. محمد حسين الزبيدي : إمارة المشعشعين أقدم إمارة عربية في عربستان ، آفاق عربية ٧ (١٩٨١) العدد ١ ص ٦٢ ـ ٧٠.

علي نعمة الحلو : الأحواز ، بغداد ١٩٦٩ ج ـ ٢ : ص ١٨٢ ـ ١٩٧.

* * *

الملحق رقم (٣) للحاشية رقم (٤٠)

جغالة زادة

إن محمود باشا مؤسس «المحمودية» هو ابن سنان باشا جغالة زادة باني الخان المعروف باسمه في بغداد «خان جغان» تحريفا لاسمه جغالة ، أو بالأحرى لقب أسرته (جيكالا) الإيطالية الاسم ، ويلفظها البعض زيكالا (كما في معلمة الإسلام ١ : ٨٧ نقلا عن مباحث عراقية ٢ : ١٨٦ في الهامش) ذكره الرحالة بلفظه الإيطالي وفسر معناه وهو الصرصر (انظر أيضا فون هامر ٨ : ٨٨) وسرد الرحالة شيئا عن حياة الأب ونشاطاته منذ أن أسره العثمانيون (انظر أيضا فون هامر ٨ : ٤٠٠) إذ أضاف معلومات أخرى عن أسرة جيكالا مكذبا الخبر

١٦٠