الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

حيث حبسه كما سلف ، (نعم له تعجيل التحلل) مع الاشتراط من غير انتظار بلوغ الهدي محله. وهذه فائدة الاشتراط فيه (١).

وأما فائدته في المصدود فمنتفية لجواز تعجيله التحلل بدون الشرط (٢).

وقيل (٣) : أنها سقوط الهدي ، وقيل : سقوط القضاء على تقدير وجوبه بدونه (٤)،

______________________________________________________

ـ قد اشترط فليس عليه أن يعتمر إلا أن يشاء فيعتمر) (١) ، وقد نقله صاحب الجامع عن كتاب المشيخة لابن محبوب.

وصحيح معاوية بن عمار المتقدم (إن الحسين عليه‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا ذلك وهو بالمدينة ، فخرج في طلبه فأدركه في السقيا وهو مريض بها ، فقال : يا بني ما تشتكي؟ فقال : اشتكي رأسي ، فدعا عليّ ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برأ من وجعه اعتمر) (٢) ، بناء على أنه عليه‌السلام قد اشترط باعتباره كونه مستحبا فلا يتركه المعصوم ، وفيهما قصور من حيث الدلالة فالعمدة هي الآية الشريفة.

(١) في المحصور.

(٢) إذ يجوز للمصدود والذبح في مكان الصد ويتحلل من دون حاجة إلى انتظار وصول الهدي محله كما تدل عليه رواية زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه) (٣) ، وخبر حمران عن أبي جعفر عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين صدّ بالحديبية قصّر وأحل ونحر ثم انصرف منها) (٤) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنه ورجع إلى المدينة) (٥) ، وهي عامة تشمل عدم الاشتراط.

(٣) كما عن السيد وابن إدريس كما تقدم.

(٤) أي بدون الاشتراط وهو متعلق بالوجوب لا بسقوط القضاء ، والمعنى أن فائدة الشرط سقوط الحج في القابل عن المشترط إذا حصر أو صد ، وأما إذا لم يشترط فيجب عليه الحج من قابل ، وهذا الذي ذهب إليه الشيخ في التهذيب لصحيح ضريس بن أعين ـ

__________________

(١) الجامع لابن سعيد ص ٢٢٢ ـ ٢٢٣ ، وهو مما لم يذكر ما في الوسائل ولا في مستدركه.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

٦٠١

والأقوى (١) أنه تعبد شرعي ، ودعا مندوب ، إذ لا دليل على ما ذكروه من

______________________________________________________

ـ (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر ، فقال : يقيم على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل مكة فيطوف ويسعى بين الصفا والمروة ويحلق رأسه وينصرف إلى أهله إن شاء ، وقال : هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه ، فإن لم يكن اشتراط فإن عليه الحج من قابل) (١) ، ومما يدل عليه أيضا صحيح ذريح المحاربي المتقدم (قال عليه‌السلام : فليرجع إليه أهله حلا لا إحرام عليه ، إن الله أحق من وفّى بما اشترط عليه ، فقلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا) (٢) ، ولكنه معارض بخبر أبي بصير (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترط في الحج أن حلّني حيث حبسني ، عليه الحج من قابل؟ قال : نعم) (٣)، وصحيح أبي الصباح الكناني (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يشترط في الحج ، كيف يشترط؟ قال : يقول حين يريد أن يحرم أن حلّني حيث حبستني ، فإن حبستني فهي عمرة ، فقلت له : فعليه الحج من قابل؟ قال : نعم ، وقال صفوان : وقد روى هذه الرواية عدة من أصحابنا كلهم يقول : إن عليه الحج من قابل) (٤)، وخبر رفاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن الرجل يشترط وهو ينوي المتعة ، فيحصر هل يجزيه أن لا يحج من قابل؟ قال : يحج من قابل ، والحاج مثل ذلك إذا احصر) (٥) ، وخبر حمزة بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ولا يسقط الاشتراط عن الحج من قابل) (٦)، ولذا استشكل العلامة في المنتهى على الشيخ بأن الحج الفائت إن كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط ، وإن لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط ثم قال : والوجه حمل إلزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب ، واستحسنه سيد المدارك.

(١) اعلم أن أصل الكلام هو في وقوع الخلاف بين الشيخ والسيد في سقوط الهدي عن المحصور إذا اشترط ، فقد ذهب الشيخ إلى عدم السقوط ، وذهب السيد إلى السقوط ، وتابعه ابن إدريس وأشكل على الشيخ بأن الاشتراط إذا لم يوجب سقوط الهدي على المحصور فما هو فائدته ، وردّ عليه المحقق في الشرائع وغيره بأن فائدته جواز تعجيل التحلل ولذا قال الشارح هنا بعد قول الماتن (نعم له تعجيل التحلل) قال : وهذه فائدة الاشتراط فيه ، وهو ردّ منه على ابن إدريس.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر حديث ٢.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣ و ١ و ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٢ و ٣.

٦٠٢

الفوائد (١).

(ولا يبطل تحلله) الذي أوقعه بالمواعدة (لو ظهر عدم ذبح الهدي) (٢) وقت المواعدة ولا بعده ، لامتثاله المأمور المقتضي لوقوعه مجزيا يترتب عليه أثره ، (ويبعثه)

______________________________________________________

ـ هذا من جهة ومن جهة أخرى قد سمعت فائدة الاشتراط من سقوط الحج على المشترط كما هو مختار الشيخ في التهذيب ، إذا عرفت ذلك قال الشارح في المسالك بعد ذكر ما تقدم : (وكل واحدة من هذه الفوائد لا يأتي على جميع الافراد التي يستحب فيها الاشتراط ، أما سقوط الهدي فمخصوص بغير السائق إذا لو كان قد ساق هديا لم يسقط ، وأما تعجيل التحلل فمخصوص بالمحصر دون المصدود ، وأما كلام التهذيب مخصوص بالمتمتع.

وظاهر أن ثبوت التحلل بالأصل والعارض لا مدخل له في شي‌ء من الأحكام ، واستحباب الاشتراط ثابت لجميع أفراد الحاج ، ومن الجائز كونه تعبدا أو دعاء مأمورا به يترتب على فعله الثواب) انتهى.

وهو صريح في بيان فائدة الاشتراط في جميع أفراد الحج لا في خصوص المحصور.

(١) أي فوائد الاشتراط بحيث يشمل جميع أفراد الحج ، وأما فوائده المختصة بالمحصور فقط فقد عرفت قيام الدليل عليه بل وتأييد الشارح لها.

(٢) بلا خلاف في عدم بطلان تحلله إذا تبين عدم ذبح هديه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام في حديث (فإن ردوا الدراهم عليه ولم يجدوا هديا ينحرونه وقد أحلّ لم يكن عليه شي‌ء ، ولكن يبعث من قابل ويمسك أيضا) (١) ، وموثق زرعة في حديث فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفّى ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى) (٢) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر في حديث (قلت : أرأيت إن ردوا عليه دراهمه ولم يذبحوا عنه وقد أحلّ فأتى النساء ، قال : فليعد وليس عليه شي‌ء ، وليمسك الآن عن النساء إذا بعث) (٣).

وإنما الخلاف فيما إذا بعث فهل يجب عليه الامساك كما عليه المشهور لظاهر هذه الأخبار المتقدمة ، أو لا يجب كما عن الحلي والمقداد والفاضلين في بعض كتبهما والشهيدين للأصل بعد عدم كونه محرما فيحمل الخبران المتقدمان على الندب.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

٦٠٣

في القابل) لفوات وقته في عام الحصر ، (ولا يجب الإمساك عند بعثه) عما يمسكه المحرم إلى أن يبلغ محله (على الأقوى) ، لزوال الإحرام بالتحلل السابق ، والإمساك تابع له. والمشهور وجوبه لصحيحة معاوية بن عمار ، «يبعث من قابل ويمسك أيضا» ، وفي الدروس اقتصر على المشهور. ويمكن حمل الرواية على الاستحباب كإمساك باعث هديه من الآفاق تبرعا (١).

(ولو زال عذره التحق) وجوبا وإن بعث هديه (فإن أدرك ، وإلا تحلل بعمرة) (٢) وإن ذبح أو نحر هديه على الأقوى ، لأن التحلل بالهدي مشروط بعدم

______________________________________________________

(١) للأخبار ، منها : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن ابن عباس وعليا كانا يبعثان بهديهما من المدينة ثم يتجردان ، وإن بعثا به من أفق من الآفاق واعدا أصحابها بتقليدهما واشعارهما يوما معلوما ، ثم يمسكان يومئذ إلى يوم النحر عن كل ما يمسك عنه المحرم ، ويجتنبان كل ما يجتنبه المحرم ، إلا أنه لا يلبّي إلا من كان حاجا أو معتمرا) (١) ، وصحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعا ، قال : يواعد أصحابه يوما يقلدون فيه ، فإذا كان تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم إلى يوم النحر ، فإذا كان يوم النحر أجزأ عنه) (٢).

والمستفاد من مجموع الأخبار الواردة هنا أن من كان في الآفاق بعث هديا أو ثمنه مع بعض أصحابه ويواعده يوما لإشعاره أو تقليده ، فإذا حضر ذلك الوقت اجتنب ما يجتنبه المحرم فيكون ذلك بمنزلة إحرامه ، لكن لا يلبي ، فإذا كان يوم عرفة اشتغل بالدعاء من الزوال إلى الغروب استحبابا ويبقى على إحرامه إلى يوم النحر حين المواعدة لذبحه فإذا فعل ذلك فيكون بمنزلة الحج له.

(٢) لو بعث هديه ثم زال العارض من المرض لحق بأصحابه ، فإن أدرك أحد الموقفين على وجه يصح حجه فقد أدرك الحج ، وإلا تحلل بعمرة مفردة كما هو فرض كل من فاته الحج ، وإن كان قد ذبحوا له ، وعليه في القابل قضاء الواجب المستقر أو المستمر ويستحب قضاء المندوب ، بلا خلاف فيه ـ كما في الجواهر ـ ويدل عليه صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا أحصر بعث بهدية فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظن أنه يدرك الناس ، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

٦٠٤

التمكن من العمرة ، فإذا حصل انحصر فيه (١).

ووجه العدم الحكم بكونه محللا (٢) قبل التمكن وامتثال الأمر المقتضي له (٣).

(ومن صدّ بالعدو عما ذكرناه) عن الموقفين (٤) ومكة (٥) (ولا طريق غيره) (٦) أي غير المصدود عنه ، (أو) له طريق آخر ولكن (لا نفقة له) (٧) تبلغه ، ولم يرج زوال المانع قبل خروج الوقت (٨) (ذبح هديه) المسوق ، أو غيره (٩) كما تقرر ، (وقصّر ، أو حلق وتحلل حيث صدّ حتى من النساء من غير تربص) (١٠) ، ولا

______________________________________________________

ـ من جميع المناسك وينحر هديه ولا شي‌ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة ، قلت : فإن مات وهو محرم قبل أن ينتهي إلى مكة ، قال : يحج عنه إن كانت حجة الإسلام ويعتمر ، إنما هو شي‌ء عليه) (١) ، بناء على أنه من قدم مكة قبل أن ينحر هديه يستطيع أن يدرك أحد الموقفين ، وعلى أن من قدم مكة وقد نحر هديه فقد فاته الموقفان وبه يفوت الحج.

نعم احتمل الشارح في المسالك عدم الاحتياج إلى العمرة المفردة للتحلل لأن ذبح الهدي عنه يقتضي تحلله.

(١) أي انحصر التحلل بامتثال العمرة.

(٢) أي بكون الهدي محللا.

(٣) أي امتثال الأمر بالهدي المقتضي للهدي كما في الأخبار التي تقدم الكثير منها في الأبحاث السابقة.

(٤) بالنسبة للحج.

(٥) بالنسبة للمعتمر.

(٦) لأنه مع وجود طريق آخر لا يتحقق الصد.

(٧) فهو كالعدم.

(٨) فإن رجا الزوال فيجب عليه الانتظار ولا يتحقق الصد.

(٩) غير المسوق من بعث هدي أو ثمنه مع المواعدة مع بعض أصحابه على ما تقدم بيانه في المحصور.

(١٠) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة وربع إلى المدينة) (٢) ، وخبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

٦٠٥

انتظار طوافهن ، (ولو أحصر عن عمرة التمتع فتحلل فالظاهر حل النساء أيضا) (١) ، إذ لا طواف لهن بها حتى يتوقف حلهن عليه. ووجه التوقف عليه إطلاق الأخبار بتوقف حلهن عليه من غير تفصيل.

واعلم أن المصنف وغيره أطلقوا القول بتحقق الصد والحصر بفوات الموقفين ومكة في الحج والعمرة ، وأطبقوا على عدم تحققه (٢) بالمنع عن المبيت بمنى ورمي الجمار ، بل يستنيب في الرمي في وقته إن أمكن وإلا قضاه في القابل (٣). وبقي أمور.

منها : منع الحاج عن مناسك منى يوم النحر (٤) إذا لم يمكنه الاستنابة في الرمي والذبح ، وفي تحققهما به (٥) نظر. من إطلاق النص (٦) وأصالة البقاء. أما لو أمكنه الاستنابة فيهما فعل وحلق ، أو قصر مكانه وتحلل وأتم باقي الأفعال.

ومنها : المنع عن مكة وأفعال منى معا (٧) ، وأولى بالجواز هنا لو قيل به

______________________________________________________

ـ زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (المصدود يذبح حيث شاء ويرجع صاحبه فيأتي النساء) (١) وقد تقدم الكثير منها.

(١) قد تقدم الدليل عليه.

(٢) أي تحقق الصد والحصر.

(٣) بلا خلاف فيه كما في الجواهر وغيره.

(٤) من الرمي والذبح والحلق ، فيستنيب في الرمي والذبح كما في المريض ثم يحلق ويتحلل ، ثم يتمّ باقي الأفعال ، فإن لم يمكنه الاستنابة في الرمي والذبح احتمل بقاؤه على إحرامه كما في المدارك والمسالك تمسكا بمقتضى الأصل ، وقوى صاحب الجواهر التحلل لصدق الصد فيتناوله عمومه واستجوده سيد المدارك.

(٥) أي تحقق الصدد الحصر بالصد عن مناسك ومنى يوم النحر.

(٦) أي نصوص الصد والحصر حيث لم تقيدهما بفعل من أفعال الحج دون غيره.

(٧) جزم العلامة في التذكرة والمنتهى إلى أنه مصدود فيجري عليه حكمه من الذبح في مكان الصد ويحلق ويتحلل من كل شي‌ء أحرم عليه نظرا إلى أن الصد يفيد التحلل من الجميع فمن بعضه أولى ، واستحسنه سيد المدارك واستجوده الشارح في المسالك ، نعم قال في ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

٦٠٦

ثم (١). والأقوى تحققه هنا (٢) للعموم.

ومنها : المنع عن مكة خاصة (٣) بعد التحلل بمنى. والأقوى عدم تحققه فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الصيد والطيب والنساء إلى أن يأتي ببقية الأفعال ، أو يستنيب فيها حيث يجوز (٤) ، ويحتمل مع خروج ذي الحجة التحلل بالهدي ، لما في التأخير إلى القابل من الحرج.

ومنها : منع المعتمر عن أفعال مكة بعد دخولها. وقد أسلفنا (٥) أن حكمه حكم المنع عن مكة ، لانتفاء الغاية بمجرد الدخول (٦).

ومنها : الصد عن الطواف خاصة فيها (٧) وفي الحج ، والظاهر أنه يستنيب فيه كالمريض مع الإمكان ، وإلا بقي على إحرامه بالنسبة إلى ما يحلله إلى أن يقدر

______________________________________________________

ـ المسالك (ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن ، ويتحلل مما عدا الطيب والنساء والصيد حتى يأتي بالمناسك) وردّ عليه صاحب الجواهر بقوله : (ولا يخفى عليك ما في الاحتمال المزبور مع عدم إمكان الاستنابة بعد عدم الدليل ، بل ظاهر الأدلة خلافه).

(١) فيما لو منع عن منى يوم النحر فقط.

(٢) أي تحقق الصد في المنع عن مكة وأفعال منى معا.

(٣) اختار جماعة منهم الشهيد في الدروس عدم تحقق الصد فيبقى على إحرامه بالنسبة للطيب والنساء والصيد ، واستوجهه المحقق الثاني في جامع المقاصد فقال : (لأن المحلل من الاحرام إما الهدي للمصدود والمحصور أو الاتيان بأفعال يوم النحر والطوافين والسعي ، فإذا شرع في الثاني وأتى بمناسك منى يوم النحر تعيّن عليه الإكمال لعدم الدليل الدال على جواز التحلل بالهدي حينئذ فيبقى على إحرامه إلى أن يأتي بباقي المناسك).

وعلّق عليه الشارح في المسالك بقوله (وينبغي تقييد ذلك بعدم مضي ذي الحجة وإلا اتجه التحلل).

(٤) وموضع الجواز عند عدم إمكان العود إلى مكة إلا بمشقة عظيمة ، وقد تقدم الكلام في هذا الجواز سابقا.

(٥) فقد قال سابقا (أو أحصر المعتمر عن مكة أو عن الافعال بها وإن دخلها).

(٦) مع المنع عن الأعمال فهو مساو لعدم الدخول في انتفاء التمكن من أعمال مكة.

(٧) أي عن طواف الزيارة في العمرة.

٦٠٧

عليه ، أو على الاستنابة (١).

ومنها : الصد عن السعي خاصة ، فإنه محلّل في العمرة مطلقا (٢) ، وفي الحج على بعض الوجوه (٣) وقد تقدم ، وحكمه كالطواف ، واحتمل في الدروس التحلل منه (٤) في العمرة ، لعدم إفادة الطواف شيئا ، وكذا القول في عمرة الإفراد لو صدّ عن طواف النساء. والاستنابة فيه أقوى من التحلل (٥) ، وهذه الفروض يمكن في الحصر مطلقا (٦) ، وفي الصد إذا كان خاصا (٧) ، إذ لا فرق فيه (٨) بين العام والخاص بالنسبة إلى المصدود ، كما لو حبس بعض الحاج ولو بحق يعجز عنه ، أو اتفق له في تلك المشاعر من يخافه. ولو قيل بجواز الاستنابة في كل فعل يقبل النيابة حينئذ (٩) كالطواف والسعي والرمي والذبح والصلاة كان حسنا ، لكن يستثنى منه ما اتفقوا على تحقق الصد والحصر به كهذه الأفعال للمعتمر (١٠).

خاتمة : (تجب العمرة على المستطيع) إليها سبيلا (بشروط الحج) (١١) وإن

______________________________________________________

(١) وقال سيد المدارك (وكذا الكلام في السعي وطواف النساء في العمرة المفردة).

(٢) لجميع ما حرم على المعتمر.

(٣) وهو محلل للطيب إن وقع بعد الطوافين.

(٤) من السعي المصدود عنه فكان كالمنع من دخول مكة لأن وجود الطواف بدون السعي كعدمه.

(٥) لإفادة الطواف والسعي هنا تحليل ما عدا النساء ، فهو قابل للنيابة حينئذ.

(٦) عاما أو خاصا.

(٧) لأن من البعيد عادة صدّ الجميع عن طواف النساء أو طواف الزيارة أو السعي ، ولكن يشكل عليه أيضا بأنه من البعيد حصر الجميع عن ذلك.

(٨) أي في الصد من ناحية أحكامه ، وانطباقها على كل مصدود سواء كان مصدودا مع غيره أو لا ، خلافا للعامة حيث جعلوا أحكام الصد إذا كانت عامة.

(٩) حين الصد أو الحصر عاما أو خاصا.

(١٠) فهذه الأفعال من الطوافين والسعي بالنسبة للمفردة هي تمام أعمال مكة وقالوا بتحقق الصد عنها ، مع أنه يمكن الاستنابة فيها ، لكن لا بد من استثنائها بالنسبة للمعتمر لاتفاقهم على ذلك.

(١١) فتجب مرة في العمر بلا خلاف فيه ، لقوله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ

٦٠٨

استطاع إليها خاصة (١) ، إلا أن تكون عمرة تمتع فيشترط في وجوبها الاستطاعة لهما معا للارتباط كل منهما بالآخر ، وتجب أيضا بأسبابه الموجبة له (٢) لو اتفقت لها كالنذر وشبهه (٣) ، والاستئجار (٤) ، والافساد (٥) ، وتزيد عنه (٦) بفوات الحج بعد الإحرام (٧) ويشتركان أيضا في وجوب أحدهما تخييرا لدخول مكة (٨) لغير

______________________________________________________

ـ ، (١) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع ، لأن الله تعالى يقول : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّٰهِ) (٢) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج ، فإن الله تعالى يقول : وأتموا الحج والعمرة لله) (٣) ، ومثلها غيرها.

(١) بالنسبة للعمرة المفردة فتجب ، (لا يشترط في وجوب العمرة المفردة الاستطاعة للحج معها ، بل لو استطاع لها خاصة وجبت كما أنه لو استطاع للحج خاصة وجب ، وهو أشهر الأقوال في المسألة وأجودها ، إذ ليس فيما وصل إلينا من الروايات دلالة على ارتباطها بالحج ، بل ولا دلالة على اعتبار وقوعهما في السنة ، وإنما المستفاد منها وجوبهما خاصة ، وحكى الشارح قولا بأن كلا منهما لا يجب إلا مع الاستطاعة للآخر ، وفصّل ثالث فأوجب الحج مجردا عنها وشرط في وجوبها الاستطاعة للحج وهو مختار الدروس ، هذا في العمرة المفردة ، أما عمرة التمتع فلا ريب في توقف وجوبها على الاستطاعة لها وللحج ، لدخولها فيه ، وكونها بمنزلة الجزء منه ، وهو موضع وفاق).

(٢) أي بأسباب الحج الموجبة له.

(٣) لوجوب الوفاء بالنذر وأخويه.

(٤) لوجوب الوفاء بعقد الاجارة.

(٥) إذا أفسد عمرته بالنكاح قبل السعي ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٦) أي عن الحج.

(٧) أي وتزيد العمرة عن الحج من ناحية وجوبها فيما لو تلبس بإحرام الحج ثم فاته الحج فلا بد من محلّل شرعي ، والمحلّل منحصر بالعمرة وقد تقدم البحث فيه أكثر من مرة.

(٨) لا خلاف في أنه لا يجوز لأحد أن يدخل مكة بغير إحرام عدا ما استثنى ، للأخبار ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآة : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العمرة حديث ٢.

٦٠٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ منها : صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (هل يدخل الرجل مكة بغير إحرام؟ قال : لا ، إلا أن يكون مريضا أو به بطن) (١) ، وصحيح عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أيدخل أحد الحرم إلا محرما؟ قال : لا ، إلا مريض أو مبطون) (٢) ، وعليه فيجب على الداخل أن ينوي بإحرامه الحج أو العمرة ، لأن الإحرام عبادة غير مستقلة ، بل إما أن يكون بحج أو عمرة ويجب إكمال النسك الذي تلبس به ليتحلل من الإحرام واستثني من الحكم أمور : الأول : العبد إذا لم يأذن له سيده بالتشاغل بالنسك عن خدمته ، ودليله : إذا لم يجب عليه حجة الإسلام لهذا المعنى فعدم وجوب الإحرام من باب أولى ، الثاني : المتكرر دخوله كالحطّاب والحشاش ، لصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الحطابين والمجتلبة أتوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسألوه ، فأذن لهم أن يدخلوا حلالا) (٣) ، الثالث : أن يكون دخوله بعد إحرامه قبل مضى شهر ، لموثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن المتمتع يجي‌ء فيقضي متعته ثم تبدو له الحاجة فيخرج إلى المدينة أو إلى ذات عرق ، أو إلى بعض المعادن ، قال : يرجع إلى مكة بعمرة إن كان في غير الشهر الذي تمتع فيه ، لأن لكل شهر عمرة ، وهو مرتهن بالحج) (٤) ، وصحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام في المتمتع (قلت : فإن جهل فخرج إلى المدينة أو نحوها بغير إحرام ، ثم رجع في إبان الحج في أشهر الحج يريد الحج ، أيدخلها محرما أو بغير إحرام؟ فقال : إن رجع في شهره دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غير الشهر دخل محرما (٥) ، ومرسل أبان بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في الرجل يخرج في الحاجة من الحرم قال : إن رجع في الشهر الذي خرج فيه دخل بغير إحرام ، وإن دخل في غيره دخل بإحرام) (٦) ، والظاهر منها أن المدار في الشهر على الإهلال لا الإحلال. الثالث : من دخلها لقتال جاز أن يدخلها محلا ، كما دخلها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عام الفتح وعليه المغفر وهو المشهور بين الأصحاب ، ولكن المروي في صحيح معاوية بن عمار (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم فتح مكة : إن الله حرّم مكة يوم خلق السموات والأرض وهي حرام إلى أن تقوم ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الإحرام حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٦.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب الإحرام حديث ٤.

٦١٠

المتكرر (١) ، والداخل (٢) لقتال (٣) ، والداخل عقيب إحلال من إحرام ، ولمّا يمض شهر منذ الإحلال ، لا الإهلال.

(ويؤخرها القارن والمفرد) عن الحج مبادرا بها على الفور وجوبا كالحج (٤) وفي الدروس جوّز تأخيرها إلى استقبال المحرم ، وليس منافيا للفور ، (ولا تتعين) العمرة بالأصالة (بزمان مخصوص) واجبة ومندوبة ، وإن وجب الفور بالواجبة على بعض الوجوه (٥) ، إلا أن ذلك ليس تعيينا للزمان. وقد يتعين زمانها بنذر وشبهه ،

______________________________________________________

ـ الساعة ، لم تحلّ لأحد قبلي ولا تحلّ لأحد بعدي ، ولم تحلّ لي إلا ساعة من نهار) (١).

(١) كالحطاب والحشاش.

(٢) عطف على (المتكرر).

(٣) مباح.

(٤) أما فورية الوجوب في العمرة المتمتع بها فلا إشكال فيه ، لارتباطها بالحج الذي ثبت وجوب فوريته ، وأما العمرة المفردة فلظاهر صحيح معاوية المتقدم (العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع) (٢) ، وهو يقتضي مساواتها للحج في كيفية الوجوب وشرائطه.

وقد ذكر جمع من الأصحاب وجوب تأخيرها إلى انتفاء أيام التشريق ، لصحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : رجل جاء حاجا ففاته الحج ولم يكن طاف ، قال يقيم مع الناس حراما أيام التشريق ولا عمرة فيها ، فإذا انقضت طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة وأحل ، وعليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم) (٣) ، وظاهره النهي عن عمرة التحلل فيكون غيرها أولى بالنهي.

نعم ورد جواز تأخيرها إلى استقبال محرم الحرام ، وهو مرسل الشيخ عن الصادق عليه‌السلام (المتمتع إذا فاتته العمرة أقام إلى هلال المحرم اعتمر فأجزأت عنه مكان عمرة المتعة) (٤) ، وبه أفتى العلامة في القواعد والشهيد في الدروس.

(٥) كالإتيان بها بعد حج القران والإفراد في نفس العام.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب الإحرام حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الوقوف بالمشعر الحرام حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

٦١١

وهي مستحبة مع قضاء الفريضة (١) في كل شهر) (٢) على أصح الروايات.

(وقيل : لا حدّ) للمدة بين العمرتين (وهو حسن) ، لأن فيه جمعا بين الأخبار الدال بعضها على الشهر ، وبعضها على السنة ، وبعضها على عشرة أيام

______________________________________________________

(١) أي بعد إتيان الواجب منها.

(٢) ذهب ابن أبي عقيل إلى عدم جواز العمرتين في عام واحد ، لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (لا يكون عمرتان في سنة) (١) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (العمرة في كل سنة مرة) (٢).

وحملت على عمرة التمتع جمعا بينها وبين ما دل على أن لكل شهر عمرة.

وذهب الشيخ في المبسوط إلى أن أقل ما يكون بين العمرتين عشرة أيام ، لخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة في السنة المرة والمرتين والأربعة كيف يصنع؟ قال : إذا دخل فليدخل ملبيا ، وإذا خرج فليخرج محلا ، قال : ولكل شهر عمرة.

فقلت : يكون أقل؟ قال : يكون لكل عشرة أيام عمرة) (٣).

وذهب أبو الصلاح وابن حمزة والمحقق في النافع والعلامة في المختلف إلى أن أقله شهر ، لأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان علي عليه‌السلام يقول : لكل شهر عمرة) (٤) ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في كتاب علي عليه‌السلام : في كل شهر عمرة) (٥) ، ومثلها غيرها ، والظاهر منها أن المدار في الشهر على الإهلال لا الإحلال.

وعن جماعة منهم المرتضى وابن إدريس والمحقق والشهيدان بل نسب إلى كثير من المتأخرين أنه لا حدّ لأقل الحد بين العمرتين لاختلاف الأخبار المتقدمة المحمولة على مراتب الاستحباب بعد التمسك بإطلاق مشروعيتها الدال على جوازها في أي وقت مثل صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن (يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) فقال : هو يوم النحر ، والأصغر هو العمرة) (٦) ، ومثله غيره.

وفي الأخير ضعف ظاهر إذ هذه الأخبار مسوقة لبيان الفضيلة وليست في مقام البيان من ناحية تحديد المدة ، وخبر علي بن أبي حمزة المتضمن للفصل بين عشرة أيام ضعيف السند لا يصلح لتخصيص الأخبار الكثيرة الواردة بالفصل بالشهر ، فيتعين العمل بها بعد ما عرفت أن مستند العماني محمول على عمرة التمتع.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب العمرة حديث ٧ و ٦ و ٣ و ٤ و ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب العمرة حديث ٤.

٦١٢

بتنزيل ذلك على مراتب الاستحباب.

فالأفضل الفصل بينهما بعشرة أيام ، وأكمل منه بشهر ، وأكثر ما ينبغي أن يكون بينهما السنة ، وفي التقييد بقضاء الفريضة (١) إشارة إلى عدم جوازها ندبا مع تعلقها بذمته وجوبا ، لأن الاستطاعة للمفردة ندبا يقتضي الاستطاعة وجوبا غالبا ، ومع ذلك (٢) يمكن تخلفه (٣) لمتكلفها (٤) حيث يفتقر إلى مئونة لقطع المسافة وهي (٥) مفقودة ، وكذا لو استطاع إليها وإلى حجتها ولم تدخل أشهر الحج فإنه لا يخاطب حينئذ بالواجب فكيف يمنع من المندوب ، إذ لا يمكن فعلها واجبا ، إلا بعد فعل الحج. وهذا البحث كله في المفردة (٦).

______________________________________________________

(١) في عبارة الماتن.

(٢) أي مع هذا التلازم الغالبي.

(٣) تخلف المندوب عن الواجب.

(٤) أي من لم تجب عليه العمرة لفقدان شرائط الوجوب في حقه ، ومع ذلك تكلف بالإتيان بها ، فإن المأتي به يكون مندوبا.

(٥) أي المئونة.

(٦) وأما عمرة المتمتع بها فتتبع الحج وجوبا وندبا ووقتا ، هذا ومسائل الحج كثيرة لا يمكن استقصاؤها ، فله الحمد على ما وفق ويسّر ، ففي صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (جعلني الله فداك ، إني أسألك في الحج منذ أربعين عاما فتفتني ، فقال : يا زرارة : بيت يحج قبل آدم بألفي عام تريد أن تفني مسائله في أربعين عاما) (١).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١٢.

٦١٣
٦١٤

كتاب الجهاد

٦١٥
٦١٦

(كتاب الجهاد (١)

(وهو أقسام) (٢) جهاد المشركين ابتداء. لدعائهم إلى الإسلام ، وجهاد من

______________________________________________________

(١) فهو فعال من الجهد بالفتح بمعنى التعب والمشقة ، أو بالضم بمعنى الوسع والطاقة.

وقد وردت الأخبار الكثيرة في فضله وآثاره ففي خبر حيدرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الجهاد أفضل الأشياء بعد الفرائض) (١) ، وخبر أبي حفص الكلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الله عزوجل بعث رسوله بالإسلام إلى الناس عشر سنين ، فأبوا أن يقبلوا حتى أمره بالقتال ، فالخير في السيف وتحت السيف ، والأمر يعود كما بدأ) (٢)، وخبر معمر عن أبي جعفر عليه‌السلام (الخير كله في السيف وتحت السيف وفي ظل السيف) (٣)، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من قتل في سبيل الله لم يعرّفه الله شيئا من سيئاته) (٤)، وخبر السكوني عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل في سبيل الله ، فإذا قتل في سبيل الله فليس فوقه برّ ، وفوق كل ذي عقوق عقوق حتى يقتل أحد والديه ، فإذا قتل أحد والديه فليس فوقه عقوق) (٥).

(٢) الأول : قتال الكفار ابتداء للدعاء إلى الإسلام ، وهو الأصلي والمقصود من كتاب الجهاد ، وهو الذي أنزل فيه قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ) (٦).

الثاني : أن يدهم المسلمين عدد من الكفار يريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ أموالهم ، وهو ملحق بالقسم الأول إلا أنه بالواقع هو دفاع عن النفس والمال والعرض ، وهو واجب على الذكر والأنثى إن احتيج إليها ، ولا يتوقف على إذن الإمام ولا يختص ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٩ و ١٤ و ١٨ و ١٩ و ٢١.

(٦) سورة البقرة الآية : ٢١٢.

٦١٧

يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلائهم على بلادهم ، أو أخذ مالهم وما أشبهه (١) وإن قلّ ، وجهاد من يريد قتل نفس محترمة ، أو أخذ مال ، أو سبي حريم مطلقا (٢) ، ومنه (٣) جهاد الأسير بين المشركين للمسلمين دافعا عن نفسه. وربما أطلق على هذا القسم الدفاع ، لا الجهاد ، وهو أولى ، وجهاد البغاة على الإمام ، والبحث هنا عن الأول ، واستطرد ذكر الثاني من غير استيفاء ، وذكر الرابع في آخر الكتاب (٤) ، والثالث في كتاب الحدود.

(ويجب على الكفاية) (٥) بمعنى وجوبه على الجميع إلى أن يقوم به منهم من

______________________________________________________

ـ بمن قصدوه من المسلمين ، بل يجب على من علم بالحال النهوض إذا لم يعلم قدرة المقصودين على المقاومة ، بخلاف القسم الأول مشروط بالبلوغ والعقل والحرية والذكورية وإذن الإمام عليه‌السلام ، ووجوبه على الكفاية.

الثالث : قتال البغاة ابتداء للرجوع إلى الحق.

الرابع : دفع من يريد قتل النفس المحترمة أو أخذ مال أو سبي حريم وإن كان مسلما ، ويلحق به فيما لو كان المسلم أسيرا بين المشركين ويغشاهم العدو ويخشى المسلم على نفسه فيدفع عنها بحسب الإمكان ، وهذا القسم الرابع هو من الدفاع المحض فلذا ذكروه في باب الحدود.

(١) من الاعراض.

(٢) أي سواء كان المريد مسلما أو كافرا.

(٣) أي من القسم الثالث.

(٤) كتاب الجهاد.

(٥) أي القسم الأول من أقسام الجهاد ، بلا خلاف فيه كما في الجواهر للمعلوم من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولقوله تعالى (لٰا يَسْتَوِي الْقٰاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجٰاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ بِأَمْوٰالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ، فَضَّلَ اللّٰهُ الْمُجٰاهِدِينَ بِأَمْوٰالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقٰاعِدِينَ دَرَجَةً ، وَكُلًّا وَعَدَ اللّٰهُ الْحُسْنىٰ)) (١).

وعن سعيد بن المسيب أنه واجب عيني لقوله تعالى (انْفِرُوا خِفٰافاً وَثِقٰالاً) (٢) ، وفيه : إنها منسوخة بقوله تعالى ـ على ما قيل ـ (وَمٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ، فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ كُلِّ ـ

__________________

(١) سورة النساء الآية : ٩٧.

(٢) سورة التوبة الآية : ٤١.

٦١٨

فيه الكفاية ، فيسقط عن الباقين. سقوطا مراعى باستمرار القائم به إلى أن يحصل الغرض المطلوب به شرعا ، وقد يتعين بأمر الإمام (١) لأحد على الخصوص وإن قام به من كان فيه كفاية ، وتختلف الكفاية (بحسب الحاجة) بسبب كثرة المشركين ، وقلتهم ، وقوتهم وضعفهم.

(وأقله مرة في كل عام) (٢) لقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا

______________________________________________________

ـ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ) (١) ، أو أن المراد بها خصوص غزوة تبوك التي استنفرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها ، فتخلف فيها كعب بن مالك وأصحابه فهجرهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى تاب الله عليهم ، أو أن المراد بالآية هو الوجوب ابتداء وهذا لا يمنع الواجب الكفائي لأنه كما حرر في الأصول فهو واجب على الجميع وإن كان يسقط بفعل من يقوم به منهم ولذا بعاقب الجميع على تركه ، ويؤيده خبر دعائم الإسلام عن علي صلوات الله عليه (الجهاد فرض على جميع المسلمين لقول الله : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتٰالُ) ، فإن قامت بالجهاد طائفة من المسلمين وسع سائرهم التخلف عنه ، ما لم يحتج الذين يلون الجهاد إلى المدد ، فإن احتاجوا لزم الجميع أن يمدوا حتى يكتفوا ، قال الله عزوجل : (وَمٰا كٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً) (٢) ، وإن أدهم أمر يحتاج فيه إلى جماعتهم نفروا كلهم ، قال الله عزوجل : (انْفِرُوا خِفٰافاً وَثِقٰالاً ، وَجٰاهِدُوا بِأَمْوٰالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ) (٣)) (٤).

هذا ومن الواضح أن الكفاية بحسب الحاجة بكثرة المشركين وقلّتهم وضعفهم وقوّتهم.

(١) لأن من استنهضه الإمام فيجب عليه القيام لوجوب إطاعة أمر المعصوم عليه‌السلام.

(٢) كما عن الشيخ والفاضل والشهيدين والكركي ، لقوله تعالى : (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (٥) ، حيث علق وجوبه على الانسلاخ ، وهو لا يتحقق في العام إلا مرة واحدة ، وهو ضعيف لأن بقية الآية (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ، فَإِنْ تٰابُوا وَأَقٰامُوا الصَّلٰاةَ وَآتَوُا الزَّكٰاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ، إِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٦)، وهي دالة على وجوب مقاتلهم حتى يحصل المقصود وهو اسلامهم ، ولم يتقيد ذلك بوقت دون آخر فتجب المقاتلة حتى يتحقق ، وهذا قد ـ

__________________

(١) سورة التوبة الآية : ١٢٣.

(٢) سورة التوبة الآية : ١٢٣.

(٣) سورة التوبة الآية : ٤١.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٢٣.

(٥ و ٦) سورة التوبة الآية : ٥.

٦١٩

الْمُشْرِكِينَ) أوجب بعد انسلاخها الجهاد ، وجعله (١) شرطا فيجب كلما وجد الشرط ، ولا يتكرر بعد ذلك بقية العام ، لعدم إفادة مطلق الأمر التكرار.

وفيه نظر يظهر من التعليل ، هذا (٢) مع عدم الحاجة إلى الزيادة عليها في السنة ، وإلا وجب بحسبها (٣) ، وعدم العجز عنها فيها (٤) ، أو رؤية الإمام عدمه صلاحا (٥) وإلا جاز التأخير بحسبه (٦).

وإنما يجب الجهاد (بشرط الإمام العادل (٧) ، ...)

______________________________________________________

ـ يستلزم التكرار والإنصاف : إن كلام الماتن لا ينفي ذلك حيث أوجب المرة ولم ينف الأكثر ، نعم يظهر من استدلالهم أن المرة الأولى تكون عقيب الانسلاخ.

(١) وجعل الانسلاخ.

(٢) أي وجوب المرة في العام.

(٣) بحسب الحاجة.

(٤) أي وعدم العجز عن المرة في السنة.

(٥) أي عدم الجهاد كما فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قريش سنين عدة.

(٦) أي وإلا جاز تأخير المرة بحسب العجز أو رؤية الإمام للصلاح في ذلك.

(٧) أي بشرط وجود الإمام المعصوم بحيث يكون مبسوط اليدين ، متمكنا من التصرف ، بلا خلاف في ذلك للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن آبائه عليهم‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام : لا يخرج المسلم في الجهاد مع من لا يؤمن على الحكم ، ولا ينفذ في الفي‌ء أمر الله عزوجل ، فإنه إن مات في ذلك المكان كان معينا لعدونا في حبس حقنا ، والإشاطة بدمائنا ، وميتته ميتة جاهلية) (١) ، ومرسل ابن شعبة عن الرضا عليه‌السلام في كتابه إلى المأمون (والجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قاتل فقتل دون ماله ورحله ونفسه فهو شهيد ، ولا يحلّ قتل أحد من الكفار في دار التقية إلا قاتل أو باغ ، وذلك إذا لم تحذر على نفسك ، ولا أكل أموال الناس من المخالفين وغيرهم ، والتقية في دار التقية واجبة) (٢) ، وخبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليه‌السلام في حديث شرائع الدين (والجهاد واجب مع إمام عادل ، ومن قتل دون ماله فهو شهيد) (٣)، وخبر بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : إني رأيت في المنام أني قلت لك : إن القتال مع غير الإمام المفترض طاعته حرام ، مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ، فقلت لي : نعم هو كذلك ، فقال عليه‌السلام : هو كذلك هو كذلك) (٤)والأخبار كثيرة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ٨.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب جهاد العدو حديث ١٠ و ٩ و ١.

٦٢٠