الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

خاصة في مجلس ، (أو رجليه) كذلك ، (وإلا فعن كل ظفر مد) ، ولو كفّر لما لا يبلغ الشاة ثم أكمل اليدين ، أو الرجلين لم يجب الشاة (١) ، كما أنه لو كفّر بشاة لأحدهما ثم أكمل الباقي في المجلس تعددت (٢) والظاهر أن بعض الظفر كالكل (٣) ، إلا أن يقصّه في دفعات مع اتحاد الوقت عرفا (٤) فلا يتعدد فديته.

(أو قلع شجرة من الحرم صغيرة) (٥) غير ما استثني (٦) ، ولا فرق هنا بين

______________________________________________________

ـ منهما في مجلس فدمان على المشهور ، للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل قلّم ظفرا من أظافيره وهو محرم ، قال : عليه مدّ من طعام حتى يبلغ عشرة ، فإن قلّم أصابع يديه كلها فعليه دم شاة ، قلت : فإن قلّم أظافير يديه ورجليه جميعا؟ فقال : إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم ، وإن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان) (١) ، وعن ابن الجنيد في الظفر مدّ او قيمته حتى يبلغ خمسة فصاعدا فدم ، وعن الحلبي في قص الظفر كف من طعام وفي أظفار إحدى يديه صاع ، وليس لهذين القولين من مستند.

(١) لانصراف الخبر عن هذا مورد إذ الشاة لأصابع اليدين أو الرجلين في مجلس واحد مع عدم التكفير.

(٢) أي الشاة لأن مورد الخبر ثبوت الشاة في أظافر اليدين والرجلين في مجلس واحد مع عدم تخلل الكفارة.

(٣) أرسل إرسال المسلمات في الكثير من الكتب إلا أن صاحب الجواهر قال : (قد ينقدح الشك في الأخير بعد فرض عدم صدق قص الظفر المفروض كونه عنوانا للحكم).

(٤) بحيث يصدق عليه قص ظفر واحد.

(٥) ففيها شاة ، ولو كانت كبيرة فبقرة ولو كان القالع محلا ، على المشهور ، لخبر موسى بن القاسم (روى أصحابنا عن أحدهما عليهما‌السلام أنه قال : إذا كان في دار الرجل شجرة من شجر الحرم لم تنزع ، فإذا أراد نزعها كفّر بذبح بقرة يتصدق بلحمها على المساكين) (٢) ، وهي محمولة على الشجرة الكبيرة لما رواه ابن عباس من غير طرقنا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (في الدوحة بقرة ، وفي الجزلة شاة) (٣) ، وظاهر الخبر الأول أن الكفارة على القلع ولو كان من محلّ.

(٦) مما مرّ ذكره في تروك الإحرام كعودي المحالة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٣.

(٣) جواهر الكلام ج ٢٠ ص ٤٢٦.

٥٨١

المحرم والمحل ، وفي معنى قلعها قطعها من أصلها ، والمرجع في الصغيرة والكبيرة إلى العرف ، والحكم بوجوب شي‌ء للشجرة مطلقا (١) هو المشهور ، ومستنده رواية مرسلة (٢).

(أو ادّهن بمطيّب) ولو لضرورة (٣) ، أما غير المطيّب فلا شي‌ء فيه (٤) ، وإن أثم ، (أو قلع ضرسه) (٥) مع عدم الحاجة إليه في المشهور والرواية به مقطوعة ،

______________________________________________________

(١) كبيرة أو صغيرة.

(٢) وهي خبر موسى بن القاسم المتقدم.

(٣) ففيه شاة ، لصحيح معاوية بن عمار (في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج ، قال : إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين ، وإن كان بعمد فعليه دم شاة يهريقه) (١). وإضماره لا يضر ، وعليه فلا داعي لتردد المحقق في الشرائع.

(٤) كما عن المفيد وسلار وابن أبي عقيل وأبي الصلاح ، تمسكا بالأصل ، وهو مدفوع بإطلاق الأخبار ، منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تمس شيئا من الطيب ولا من الدهن في إحرامك واتق الطيب في طعامك) (٢) ، وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم ، فإذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتى تحلّ) (٣) ، نعم لا تجب الكفارة باستعماله وإن أثم كما نص عليه ابن إدريس والعلامة في المنتهى ، ولعله لأصالة البراءة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى يجوز استعماله مع الضرورة بلا خلاف فيه ، لصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا خرج بالمحرم الخراج أو الدمل فليبطه وليداوه بسمن أو زيت) (٤) ، وصحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام (سألته عن محرم تشققت يداه ، فقال : يدهنهما بزيت أو سمن أو إهالة) (٥).

(٥) على المشهور ، لخبر محمد بن عيسى عن عدة من أصحابنا عن رجل من أهل خراسان (أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شي‌ء ، محرم قلع ضرسه فكتب : يهريق دما) (٦) وهو محمول على الشاة لأنها القدر المتيقن ، وهو مضمر ومرسل فلذا ذهب ابن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١ و ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

٥٨٢

وفي إلحاق السن به وجه بعيد (١) ، وعلى القول بالوجوب لو قلع متعددا فعن كل واحد شاة (٢) وإن اتحد المجلس ، (أو نتف إبطيه) (٣) أو حلقهما.

(وفي أحدهما إطعام ثلاثة مساكين) (٤) ، أما لو نتف بعض كل منهما فأصالة البراءة تقتضي عدم وجوب شي‌ء (٥) ، وهو (٦) مستثنى من عموم إزالة

______________________________________________________

ـ الجنيد والصدوق إلى نفي البأس بقلع الضرس مع الحاجية من دون فدية ويشهد لهما خبر حسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن محرم يؤذيه ضرسه أيقلعه؟ قال : نعم لا بأس به) (١).

(١) قال في الجواهر : (إن النص والفتوى به مطلقان ، وثانيا لا بعد في الالحاق ، بل يمكن إرادة ما يعم السن من الضرس).

(٢) لتعدد السبب.

(٣) بلا خلاف فيه ، لصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا نتف الرجل إبطيه بعد الإحرام فعليه دم) (٢) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (من حلق رأسه أو نتف إبطه ناسيا أو ساهيا أو جاهلا فلا شي‌ء عليه ، ومن فعله متعمدا فعليه دم) (٣) ، ولا خصوصية للنتف بل المدار على إزالة الشعر منهما.

(٤) لخبر عبد الله بن جبلة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في محرم نتف إبطه ، قال : يطعم من ثلاثة مساكين) (٤) ، وراويها مجهول ، والسند مشتمل على محمد بن هلال وهو مجهول ، وهو معارض بصحيح زرارة حيث أوجب الشاة في نتف الإبط الصادق على الواحد.

والمشهور على الأول ، وهذا يوجب انجبار ضعف خبر ابن جبلة وهو معتضد بمفهوم صحيح حريز الدال على عدم الدم في نتف الإبط الواحد ، ومنه يعلم أن المراد من الإبط في صحيح زرارة الذي أوجب فيه الدم وهو الابطين.

(٥) قال في الجواهر : (ثم إن الظاهر عدم كون بعض الإبط كالكل للأصل ، وإرشاد الفرق بين الواحدة والاثنتين ، وحينئذ فلو نتف من كل إبط شيئا لا يتحقق به صدق اسم نتف الإبط لم تترتب الكفارة ، ولكن مع ذلك لا ينبغي الاحتياط فيه ، والله العالم).

(٦) أي بعض الإبط.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩٥ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٢.

٥٨٣

الشعر (١) الموجب للشاة ، لعدم وجوبها لمجموعه ، فالبعض أولى.

(أو أفتى بتقليم الظفر فأدمى المستفتي) (٢). والظاهر أنه لا يشترط كون المفتي محرما ، لإطلاق النص ، ولا كونه مجتهدا نعم يشترط صلاحيته للافتاء بزعم المستفتي ، ليتحقق الوصف ظاهرا ، ولو تعمد المستفتي الإدماء فلا شي‌ء على المفتي (٣). وفي قبول قوله في حقه (٤) نظر ، وقرّب المصنف في الدروس القبول ، ولا شي‌ء على المفتي في غير ذلك (٥) ، للأصل مع احتماله.

(أو جادل) (٦) ...

______________________________________________________

(١) قد عرفت أنه مختص بشعر الرأس ، ولا يوجد عموم يشمل البدن.

(٢) لزم المفتي شاة ، بلا خلاف لخبر إسحاق الصيرفي عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (إن رجلا أحرم فقلّم أظفاره فكانت إصبع له عليلة فترك ظفرها لم يقصه ، فأفتاه رجل بعد ما أحرم فقصه فأدماه ، قال : على الذي أفتى شاة) (١) ، وسنده مشتمل على محمد البزاز وهو مجهول ، وعلى زكريا المؤمن وهو مختلط في حديثه لكنه منجبر بعمل الأصحاب.

وصرح الشهيد في الدروس بأنه لا يشترط إحرام المفتي ولا كونه من أهل الاجتهاد لإطلاق الخبر ، نعم اعتبر الشارح في المسالك صلاحيته للإفتاء بزعم المستفتي ليتحقق كونه مفتيا.

(٣) أرسل ارسال المسلمات عندهم لأن الادماء مستند إلى تعمد المستفتي لا إلى فتوى المفتي.

(٤) أي قبول قول المستفتي في حق المفتي بالنسبة للإدماء ، واستقرب في الدروس القبول.

(٥) كما لو أفتاه بالحلق مثلا ، فلا شي‌ء عليه للأصل وعدم النص ، ويحتمل الضمان لما روي (أن كل مفت ضامن) (٢).

(٦) ففي الكذب منه شاة في المرة الأولى ، وبقرة في المرتين ، وبدنة في الثالثة على المشهور ، ويدل على الأول خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا حلف الرجل ثلاثة أيمان وهو صادق وهو محرم فعليه دم يهريقه ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل فعليه دم يهريقه) (٣).

ويدل على الثاني صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (سألته عن الجدال في الحج ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب القاضي حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٧.

٥٨٤

بأن حلف بإحدى الصيغتين (١) ، أو مطلقا (ثلاثا صادقا) من غير ضرورة إليه

______________________________________________________

ـ فقال : من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم ، فقيل له : الذي يجادل وهو صادق ، قال : عليه شاة والكاذب عليه بقرة) (١) ، وهو محمول على المرة الثانية جمعا بينه وبين ما تقدم.

ويدل على الثالث خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا جادل المحرم وهو محرم فكذب متعمدا فعليه جزور) (٢).

وقال سيد المدارك : (إنما يجب البقرة بالمرتين والبدنة بالثلاثة إذا لم يكن كفّر عن السابق ، فلو كفّر عن كل واحدة فالشاة ، أو الاثنتين فالبقرة ، والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء أو بعد التكفير).

ثم لو جادل صادقا فشاة في الثلاث ، ولا كفارة فيما دونه ، ويدل عليه خبر أبي بصير الأول المتقدم ، وخبره الآخر عن أحدهما عليهما‌السلام (إذا حلف بثلاثة أيمان متعمدا متتابعات صادقا فقد جادل ، وعليه دم ، وإذا حلف يمينا واحدة كاذبا فقد جادل وعليه دم) (٣)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الرجل إذا حلف بثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حد الجدال دم يهريقه ويتصدق به) (٤) ومقتضى هذين الأخيرين تقييد الأيمان الثلاثة بأنها في مقام واحد بلا فصل ، وعليهما يحمل خبر أبي بصير المطلق وإلى المقيّد ذهب ابن أبي عقيل ، ولكن الأصحاب على خلافه ـ كما في الجواهر ـ وهذا ما يفيد قوة للمطلق مع حمل المقيد على إرادة بعض الأفراد ليس إلا.

ثم لو اضطر للحلف فلا كفارة لموثق يونس بن يعقوب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يقول : لا والله وبلى والله ، وهو صادق عليه شي‌ء ، قال : لا) (٥)، المحمول على الضرورة جمعا بينه وبين ما تقدم ، وفيه : إنه ناظر إلى ما دون الثلاث ، وهذا لا كفارة إذا كان صادقا ، فالأولى الاستدلال بأصالة البراءة لنفي الكفارة.

(١) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (والجدال : قول الرجل لا والله ، وبلى والله) (٦) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (إنما الجدال قول الرجل : لا والله ، وبلى والله) (٧) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهم‌السلام (والجدال قول الرجل : لا والله ، وبلى والله) (٨) ، ويستفاد منها الحصر ، وعن المحقق الثاني في جامعه والشهيد في الدروس التعدي إلى كل ما يسمى يمينا للإطلاق في صحيح معاوية بن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٦ و ٩ و ٤.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٥ و ٨.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١ و ٣ و ٤.

٥٨٥

كإثبات حق ، أو دفع باطل يتوقف عليه ولو زاد الصادق عن ثلاث ولم يتخلل التكفير فواحدة عن الجميع (١). ومع تخلله فلكل ثلاث شاة.

(أو واحدة كاذبا ، وفي اثنتين كاذبا بقرة ، وفي الثلاث) فصاعدا (بدنة) إن لم يكفّر عن السابق ، فلو كفر عن كل واحدة فالشاة ، أو اثنتين فالبقرة والضابط اعتبار العدد السابق ابتداء ، أو بعد التكفير فللواحدة شاة ، وللاثنتين بقرة ، وللثلاث بدنة.

(وفي الشجرة الكبيرة (٢) عرفا بقرة) في المشهور ، ويكفي فيها وفي الصغيرة كون شي‌ء منها في الحرم سواء كان أصلها أم فرعها (٣) ، ولا كفارة في قلع الحشيش (٤) وإن أثم (٥) في غير الاذخر وما أنبته الآدمي (٦) ، ومحل التحريم فيهما (٧) الاخضرار ، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا (٨) ، لا قلعه إن كان

______________________________________________________

ـ عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الرجل إذا حلف ثلاثة أيمان في مقام ولاء وهو محرم فقد جادل ، وعليه حد الجدال دم ، يهريقه ويتصدق به) (١) ، وفيه : إن الخبر ليس في مقام بيان المراد من الجدال وإنما في مقام بيان حكمه عند الصدق فلا يعارض الأخبار الدالة على الحصر.

(١) لعدم الكفارة للزيادة غايته يصدق الحلف ثلاثا.

(٢) تقدم الكلام في ذلك.

(٣) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن شجرة أصلها في الحرم وفرعها في الحل ، فقال : حرم فرعها لمكان أصلها ، قلت فإن أصلها في الحل وفرعها في الحرم ، فقال : حرم أصلها لمكان فرعها) (٢).

(٤) على المشهور بين الأصحاب للأصل.

(٥) لأنه منهي عنه ، نعم تقدم جواز قطع الحشيش اليابس لأنه ميت فلم يبق له حرمة.

(٦) هذا من المستثنيات التي يجوز قلعها وهي : الاذخر وما انبته الآدمي ، والفواكه وعودا المحالة ، وقد تقدم الكلام في ذلك في بحث تروك الإحرام.

(٧) في الشجر والحشيش.

(٨) وإن لم ينبته الآدمي.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٩٠ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

٥٨٦

أصله ثابتا (١).

(ولو عجز عن الشاة في كفارة الصيد) التي لا نص على بدلها (٢) (فعليه إطعام عشرة مساكين) لكل مسكين مد ، (فإن عجز صام ثلاثة أيام) (٣) ، وليس في الرواية التي هي مستند الحكم تقييد بالصيد فتدخل الشاة الواجبة بغيره من المحرمات (٤).

(ويتخير بين شاة الحلق لأذى ، أو غيره (٥) ، وبين إطعام عشرة) مساكين (لكل واحد مد (٦) ، أو صيام ثلاثة) أيام (٧). أما غيرها (٨) فلا ينتقل إليهما (٩) إلا مع العجز عنها ، إلا في شاة وطء الأمة فيتخير بينها وبين الصيام كما مر (١٠).

(وفي شعر سقط من لحيته ، أو رأسه) قل أم كثر (بمسه كف من طعام (١١) ،

______________________________________________________

(١) فلا يجوز القلع لأنه ينبت ثانيا.

(٢) كالشاة في قتل الحمام أو تنفيره.

(٣) وهو البدل العام ، ومستنده صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من كانت عليه شاة فلم يجد فليطعم عشرة مساكين ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام) (١).

(٤) أي فتدخل الشاة الواجبة من غير الصيد في حكم الرواية كما تدخل الشاة الواجبة من الصيد ، لأن الرواية غير مقيدة بالصيد.

(٥) كما لو كان متعمدا.

(٦) كما عليه الشهيد في الدروس ، وأما المشهور فإطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان.

(٧) وقد تقدم الكلام فيه في حلق الشعر.

(٨) أي غير شاة الحلق.

(٩) أي إلى الاطعام ثم الصيام في البدل العام.

(١٠) عند قول المصنف (فإن عجز عن البدنة والبقرة فشاة أو صيام ثلاثة أيام).

(١١) بلا خلاف ، للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة والثنتان ، قال : يطعم شيئا) (٢) ، وصحيح هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا وضع أحدكم يده على رأسه أو لحيته وهو محرم فسقط شي‌ء من الشعر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب بقية كفارات الصيد حديث ١٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٢.

٥٨٧

ولو كان في الوضوء) واجبا أم مندوبا (فلا شي‌ء) (١) والحق به المصنف في الدروس الغسل وهو خارج عن مورد النص ، والتعليل بأنه فعل واجب فلا يتعقبه فدية يوجب إلحاق التيمم وإزالة النجاسة بهما (٢) ولا يقول به (٣).

______________________________________________________

ـ فليتصدق بكف من طعام أو كف من سويق) (١) ، والأخير مطلق يشمل الكثير والقليل.

(١) لصحيح الهيثم بن عروة التميمي (سأل رجل أبا عبد الله عليه‌السلام عن المحرم يريد إسباغ الوضوء فيسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان ، فقال : ليس بشي‌ء ، (مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)) (٢)، ومقتضى التعليل فيه عدم الاختصاص بالوضوء بل يشمل الغسل والتيمم وإزالة النجاسة والحك الضروري ، ومنه تعرف ضعف مناقشة الشارح له هنا.

(٢) بالوضوء الواجب والمندوب.

(٣) بل نقول به تمسكا بالتعليل الوارد في الخبر ، لا بالتعليل من باب أنه مقدمة الواجب.

هذا وبقي من المسائل المشهورة والمنصوصة كما هو ديدن الماتن في الكتاب كفارة التظليل سائرا ، وهي شاة على الأكثر للأخبار منها : صحيح محمد بن إسماعيل (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس ، فقال : أرى أن يفديه بشاة يذبحها بمنى) (٣) ، وصحيح علي بن جعفر (سألت أخي عليه‌السلام أظلل وأنا محرم؟ فقال : نعم فعليك الكفارة) (٤)، وصحيح إبراهيم بن ابي محمود (قلت للرضا عليه‌السلام : يظلل على محمله ويفدي إذا كانت الشمس والمطر يضر به؟ قال نعم ، قلت : كم الفداء؟ قال : شاة : (٥)وهي دالة على وجوب الكفارة مع العذر ، فتدل عليها بدونها بطريق أولى.

ثم إن كل نسك له فدية فلو ظلّل في العمرة وفي الحج فعليه كفارتان لتعدد النسك لخبر أبي علي بن راشد (قلت له : جعلت فداك إنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام ، لأني محرور تشتد عليّ الشمس فقال : ظلّل وأرق دما ، فقلت له : دما أو دمين؟ قال : للعمرة؟ قلت : إنّا نحرم بالعمرة وندخل مكة فنحلّ ونحرم بالحج قال : فأرق دمين) (٦).

ومنه تعرف ضعف ما عن ابن الجنيد من أن الفدية هي الصيام أو الصدقة أو النسك كالحلق ، وابن زهرة أنه على المختار لكل يوم شاة وعلى المفطر لجملة الأيام شاة ، وليس لهما مستند على هذا التفصيل كما في الجواهر.

وعن الصدوق أنه مد عن كل يوم ، لخبر أبي بصير (سألته عن المرأة يضرب عليها الظلال ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٥ و ٦.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب بقية الإحرام حديث ٣ و ٢ و ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

٥٨٨

(وتتكرر الكفارات بتكرر الصيد عمدا (١) أو سهوا) ، أما السهو فموضع وفاق ، وأما تكرره عمدا فوجهه صدق اسمه الموجب له ، والانتقام منه غير مناف

______________________________________________________

ـ وهي محرمة؟ قال : نعم ، قلت : فالرجل يضرب عليه الظلال وهو محرم؟ قال : نعم إذا كانت به شقيقة ، ويتصدق بمدّ لكل يوم) (١).

(١) قيل : لا تتكرر كما عليه الأكثر والأشهر ، لقوله تعالى : (وَمَنْ عٰادَ فَيَنْتَقِمُ اللّٰهُ مِنْهُ)(٢) ، إذ جعل سبحانه الانتقام جزاء للعود بعد أن جعل الفدية جزاءه ابتداء ، وللأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المحرم إذا قتل الصيد جزاؤه ويتصدق بالصيد على مسكين ، فإن عاد فقتل صيدا آخر لم يكن عليه جزاء ، وينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة) (٣) ، وصحيحه الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن أصاب آخر ، قال : إذا أصاب آخر فليس عليه كفارة ، وهو ممن قال الله عزوجل : ومن عاد فينتقم الله منه) (٤)، ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا أصاب المحرم الصيد خطأ فعليه كفارة ، فإن أصابه ثانية خطأ فعليه الكفارة أبدا إذا كان خطأ ، فإن أصابه متعمدا كان عليه الكفارة ، فإن أصابه ثانية متعمدا فهو ممن ينتقم الله منه ، والنقمة في الآخرة ولم يكن عليه الكفارة) (٥).

وذهب ابن الجنيد وابن إدريس والسيد والشيخ في الخلاف والمبسوط إلى التكرر ، لعموم قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) (٦)فإنه يتناول المبتدي والعامد ثانيا وثالثا ، وصحيح معاوية بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : محرم أصاب صيدا ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن هو عاد؟ قال : عليه كلما عاد كفارة) (٧) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المحرم يصيب الصيد ، قال : عليه الكفارة في كل ما أصاب) (٨)، وأجيب : أما عن الآية فلا عموم فيها بعد التصريح بالانتقام دون الجزاء على العائد ، وأما هذان الخبران فيحملان على الناسي جمعا بينها وبين مرسل ابن أبي عمير ، ومنه يعرف دليل التكرار للناسي ولغير العامد في المرتين فصاعدا.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب بقية الإحرام حديث ٨.

(٢) سورة المائدة الآية : ٩٥.

(٣) (٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد حديث ١ و ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٨ ـ من أبواب كفارات الصيد حديث ٢.

(٦) سورة المائدة الآية : ٩٥.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب كفارات الصيد حديث ٣ و ١.

٥٨٩

لها ، لإمكان الجمع بينهما. والأقوى عدمه واختاره المصنف في الشرح (١) ، للنص أحوط. وموضع الخلاف (٢) العمد بعد العمد ، أما بعد الخطأ ، أو بالعكس فيتكرر قطعا ، ويعتبر كونه في إحرام واحد (٣) ، أو في التمتع مطلقا (٤). أما لو تعدد في غيره (٥) تكررت.

(وبتكرر اللبس) للمخيط (في مجالس) (٦) ، فلو اتحد المجلس لم يتكرر اتحد جنس الملبوس ، أم اختلف ، لبسها دفعة ، أم على التعاقب طال المجلس ، أم قصر ،

(و) بتكرر (الحلق في أوقات) متكثرة عرفا وإن اتحد المجلس (٧) ، (وإلا فلا) يتكرر.

______________________________________________________

(١) شرح الإرشاد.

(٢) كما صرح به أكثر من واحد أنه العمد بعد العمد في إحرام واحد ، أما بعد الخطأ أو بالعكس فيتكرر قطعا لهذه النصوص السابقة المحمولة على هذه الموارد جمعا بينها.

(٣) كما هو ظاهر الأخبار المتقدمة ، وفي المسالك وهنا ألحق الشارح بالإحرام الاحرامين المرتبطين كحج التمتع وعمرته ، واستحسنه سيد المدارك.

(٤) في عمرته أو حجه.

(٥) غير الإحرام الواحد إلا ما استثناه من التمتع مطلقا.

(٦) فتتكرر الكفارة بتعدد المجالس كما عن النهاية والوسيلة والمهذب والمقنعة والسرائر ، بل في المسالك : هكذا أطلق الأصحاب ، وعن الشيخ في المبسوط والخلاف وجمع من الأصحاب أن الكفارة تتكرر باختلاف الوقت بمعنى تراخي زمان الفعل عادة ، وقال في المدارك عن هذين القولين (أما الفرق بين اتحاد المجلس أو الوقت واختلافهما فلم أقف له على مستند ، وكذا الكلام في الطيب).

نعم ذهب العلامة في المنتهى وسيد المدارك إلى تكرار الكفارة باختلاف صنف الملبوس كالقميص والسروال وإن اتحد الوقت والمجلس ، لصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن المحرم إذا احتاج إلى ضروب من الثياب ، قال : عليه لكل صنف منها فداء) (١).

(٧) فتتكرر الكفارة ، كمن حلق بعض رأسه غدوة والآخر عشية ، لصدق تعدد الحلق الذي هو السبب فيتعدد المسبب بتعدده ، بلا خلاف فيه إلا من سيد المدارك حيث قال : (بأن أقصى ما يستفاد من الأدلة ترتب الكفارة على حلق الرأس كله للأذى ، وما عداه إنما

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

٥٩٠

وفي الدروس جعل ضابط تكررها في الحلق ، واللبس ، والطيب ، والقبلة تعدد الوقت ، ونقل ما هنا (١) عن المحقق ولم يتعرض لتكرر ستر ظهر القدم والرأس.

والأقوى في ذلك كله تكررها بتكرره (٢) مطلقا (٣) ، مع تعاقب الاستعمال لبسا ، وطيبا ، وسترا ، وحلقا ، وتغطية للرأس وإن اتحد الوقت والمجلس ، وعدمه (٤) مع إيقاعها دفعة بأن جمع من الثياب جملة ووضعها على بدنه وإن اختلفت أصنافها.

(ولا كفارة على الجاهل والناسي في غير الصيد) (٥) ، أما فيه فتجب مطلقا ،

______________________________________________________

ـ يستفاد حكمه من باب الفحوى أو من انعقاد الإجماع على تعلق الكفارة به في بعض الموارد ، فلو قيل بالاكتفاء بالكفارة الواحدة في حلق الرأس كله سواء وقع في وقت واحد أو في وقتين كان حسنا).

(١) من اعتبار تعدد المجالس في المخيط وتعدد الوقت في الحلق.

(٢) لتعدد السبب الموجب لتعدد المسبب.

(٣) أي سواء اتحد المجلس أو لا ، وسواء اتحد الوقت أو لا.

(٤) أي عدم تكرر الكفارة ، بل عليه كفارة واحدة لأن لبس جملة من الثياب يعدّ لبسا واحدا ، وهو سبب واحد في الكفارة ، وفيه : إنه على خلاف صحيح ابن مسلم المتقدم.

(٥) أما في الصيد فتجب الكفارة حتى على الجاهل والناسي بلا خلاف فيه ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وليس عليك فداء ما أتيته بجهالة إلا الصيد ، فإن عليك الفداء فيه بجهل كان أو بعمد) (١) ، وصحيح أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (سألته عن المحرم يصيب الصيد بجهالة ، قال : عليه كفارة ، قلت : فإن أصابه خطأ ، قال : وأي شي‌ء الخطأ عندك؟ قلت : يرمي هذه النخلة فيصيب نخلة أخرى ، قال : نعم هذا الخطأ وعليه الكفارة) (٢) ومثلها غيرها.

وحكى العلامة في المختلف عن ابن أبي عقيل أنه نقل عن بعض الأصحاب قولا بسقوط الكفارة عن الناسي في الصيد ، وهو ضعيف كما في المدارك.

وأما سقوط الكفارة عن الناسي والجاهل في غير الصيد فهو مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا كما في المدارك ، ويدل عليه صحيح ابن عمار المتقدم (وليس عليك فداء ما

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب كفارات الصيد حديث ١ و ٢.

٥٩١

حتى على غير المكلف (١) بمعنى اللزوم في ماله ، أو على الولي.

(ويجوز تخلية الإبل) وغيرها من الدواب (للرعي في الحرم) (٢) ، وإنما يحرم مباشرة قطعه على المكلف محرما وغيره.

(الفصل السابع : في الإحصار والصد) (٣)

أصل الحصر المنع والمراد به هنا منع الناسك ...

______________________________________________________

ـ أتيته بجهالة إلا الصيد) ، وصحيح زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه‌السلام (من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه ، أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله وهو محرم ، ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شي‌ء ، ومن فعله متعمدا فعليه دم شاة) (١) ، وخبر عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (أي رجل ركب امرا بجهالة فلا شي‌ء عليه) (٢).

(١) لو فعل الصبي ما يوجب الكفارة في الصيد لزم ذلك الولي في ماله كما عليه الأكثر على ما في المدارك ، لصحيح زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير ، فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبّي لبّوا عنه ويطاف به ويصلى عنه ، قلت : ليس لهم ما يذبحون؟ قال : يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ، ويتقي عليهم ما يتّقى على المحرم من الثياب والطيب ، وإن قتل صيدا فعلى أبيه) (٣).

وأما في غير الصيد فلا تجب الكفارة حتى في مال الولي كما عليه سيد المدارك لعدم التكليف في حقه ، وذهب صاحب الجواهر إلى ثبوت الكفارة كالصيد لأن فعل الصبي هنا من قبيل الأسباب الموجبة للكفارة على الولي لأنه هو المخاطب بأن يجنبه ذلك.

وعن ابن إدريس عدم الكفارة مطلقا حتى في الصيد ، لعدم التكليف في حقه ، وهو ضعيف لما تقدم من صحيح زرارة.

(٢) للسيرة ، ولصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (تخلّي عن البعير يأكل في الحرم ما شاء) (٤).

(٣) الإحصار بالمرض فقط ، والصدّ بالعدو ، وعليه فهما متغايران ، وهو المعروف بين الفقهاء ، ويدل عليه صحيح معاوية بن عمار (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام : المحصور غير

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب بقية كفارات الإحرام حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨٩ ـ من أبواب تروك الإحرام حديث ١.

٥٩٢

بالمرض (١) عن نسك (٢) ...

______________________________________________________

ـ المصدود ، فإن المحصور هو المريض ، والمصدود هو الذي رده المشركون ، كما ردوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس من مرض ، والمصدود تحلّ له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء) (١) ، وإن كان المشهور بين أهل اللغة كقول أهل الجمهور أنهما مترادفان فالحصر سواء كان بالمرض أو العدو لأنه بمعنى المنع وهو معنى الصد ، ولكن مع قيام الدليل الشرعي فيكون منقولا شرعيا.

(١) على نحو الحصر بحيث لو كان بالعدو فيكون صدا.

(٢) الحصر هو الذي يمنعه المرض عن الوصول إلى مكة في العمرة ، وكذا بالمنع من الإتيان بأفعال العمرة بعد دخول مكة ، وأما إذا كان المنع عن الطواف خاصة أو السعي أو طواف النساء في العمرة المفردة فسيأتي الكلام فيه.

وهو الذي يمنعه المرض عن الموقفين أو أحدهما مما يفوت بفواته الحج ، وأما المنع عن نزول منى خاصة بعد إدراك الموقفين ، أو عن الطوافين والسعي في مكة فقط فسيأتي الكلام فيه.

وعليه فمراد الشارح من النسك هو كلا الموقفين أو أحدهما الذي يفوت بفواته الحج كالمشعر الحرام ، ويعجبني هنا نقل كلام الشارح في المسالك حيث قال في المصدود : (المصدود إما أن يكون حاجا أو معتمرا ، والمعتمر إما أن يكون متمتعا أو مفردا ، فإن كان حاجا تحقق صده بالمنع عن الموقفين معا إجماعا ، وبالمنع من أحدهما مع فوات الآخر ، وبالمنع من المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصة دون العكس ، وبالجملة يتحقق بالمنع مما يفوت بسببه الحج ، وقد تقدم تحرير أقسامه الثمانية ، ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ، ولم يمكن التأخر عنهم بخوف العدو منهم أو من غيرهم ، فإن التقية هنا لم تثبت ، وأما إذا أدرك الموقفين أو أحدهما على الوجه المتقدم ثم صدّ ، فإن صد عن دخول منى لرمي جمرة العقبة والذبح والحلق ، فإن أمكن الاستنابة في الرمي والذبح لم يتحقق الصد ، بل يستنيب فيهما ثم يحلق ويتحلل ويتمّ باقي الأفعال بمكة ، ولو لم يمكن الاستنابة فيهما أو قدم الحلق عليهما ففي التحلل وجهان ، وقد تقدم مثله في غير المصدود ، ولو صدّ عن دخول مكة ومنى ففي تحلله بالهدى أو إبقائه على الإحرام إلى أن يقدر عليه وجهان ، أجودهما أنه مصدود ، ويلحقه حكمه لعموم الآية والأخبار ، ويحتمل أن يحلق ويستنيب في الرمي والذبح إن أمكن ، ويتحلل مما عدا الطيب والنساء واليد حتى يأتي بالمناسك ، وكذا ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الاحصار والصد حديث ١.

٥٩٣

يفوت الحج ، والعمرة (١) بفواته مطلقا (٢) كالموقفين (٣) ، أو عن النسك المحلل (٤) على تفصيل يأتي ، والصد بالعدو (٥) وما في معناه (٦) ، مع قدرة الناسك بحسب ذاته (٧) على الإكمال ، وهما (٨) يشتركان في ثبوت أصل التحلل بهما في الجملة ،

______________________________________________________

ـ الإشكال لو كان صده عن مكة خاصة بعد التحلل في منى ، لكن هنا اختار جماعة منهم الشهيد في الدروس عدم تحقق الصد فيبقى على إحرامه بالنسبة إلى الثلاثة إلى أن يأتي ببقية الأفعال ، وينبغي تقييد ذلك بعدم مضي ذي الحجة وإلا اتجه التحلل ، ولا يتحقق الصد بالمنع من أفعال منى بعد النحر من المبيت والرمي إجماعا ، بل يستنيب في الرمي إن أمكن في وقته وإلا قضاه في القابل ، وإن كان الممنوع معتمرا بعمرة التمتع تحقق صده بمنعه من دخول مكة ، وبمنعه بعد الدخول من الاتيان بالأفعال ، وفي تحققه بالمنع من السعي بعد الطواف خاصة وجهان : من إطلاق النص ، وعدم مدخلية الطواف في التحلل ، وعدم التصريح بذلك في النصوص والفتوى ، والوجهان آتيان في عمرة الإفراد ، مع زيادة إشكال فيما لو صد بعد التقصير عن طواف النساء فيمكن أن لا يتحقق حينئذ الصد ، بل يبقى على إحرامه بالنسبة إليهن وأكثر هذه الفروع لم يتعرض لها الجماعة بنفي ولا إثبات ، فينبغي تحقيق الحال) انتهى.

وقال في حاشية أخرى في المحصور (والكلام في المنع عن مكة أو الموقفين ما تقدم في الصد بأقسامه وأحكامه).

(١) عطف على الحج والمعنى : عن نسك تفوت العمرة بفواته سواء كانت العمرة مفردة أو متمتع بها كما لو منعه المرض عن دخول مكة ، فالمراد من النسك هنا مجموع أفعال العمرة لأنه هو الذي تفوت العمرة بفواته.

(٢) مفردة أو متمتع بها.

(٣) بالنسبة للنسك الذي يفوت الحج بفواته.

(٤) كما لو منع من منى فقط من الرمي والذبح والحلق ، أو أعمال مكة من الطوافين والسعي ، أو منع من كليهما.

(٥) أي ينحصر الصد بالعدو في قبال حصر الحصر بالمرض.

(٦) قد تقدم كلامه في المسالك حيث قال بعد تحقيق معنى الحصر بالعدو (ومن هذا الباب ما لو وقف العامة بالموقفين قبل وقته لثبوت الهلال عندهم لا عندنا ، ولم يمكن التأخر عنهم بخوف العدو منهم أو من غيرهم ، فإن التقية هنا لم يثبت).

(٧) وإنما أتاه المانع من الخارج بخلاف المرض.

(٨) أي الحصر والصد.

٥٩٤

ويفترقان (١) في عموم التحلل فإن المصدود يحل له بالمحلل كلما حرمه الإحرام (٢) ، والمحصر ما عدا النساء ، وفي مكان ذبح هدي التحلل فالمصدود يذبحه ، أو ينحره حيث وجد المانع ، والمحصر يبعثه إلى محله بمكة ومنى (٣). وفي إفادة الاشتراط تعجيل التحلل للمحصر ، دون المصدود ، لجوازه (٤) بدون الشرط.

وقد يجتمعان (٥) على المكلف بأن يمرض ويصده العدو فيتخير في أخذ حكم ما شاء منهما ، وأخذ الأخف من أحكامهما ، لصدق الوصفين الموجب للأخذ بالحكم ، سواء عرضا دفعة ، أم متعاقبين.

(ومتى أحصر الحاج بالمرض عن الموقفين) معا ، أو عن أحدهما مع فوات الآخر أو عن المشعر مع إدراك اضطراري عرفة خاصة ، دون العكس. وبالجملة

______________________________________________________

(١) يفترقان في ستة أمور : ١ : عموم التحلل للمصدود لكل ما حرم عليه حتى النساء بخلاف المحصور الذي يحل له كل شي‌ء ما عدا النساء ، فيتوقف حلهن له على طوافهن ، ٢ : اشتراط الهدي في المحصور بخلاف المصدود فإن فيه خلافا ، ٣ : تعين مكان ذبح هدي المحصور في مكة في إحرام العمرة ، وفي منى إذا كان حاجا بخلاف المصدود الذي يذبح حيث يحصل له المانع ، ٤ : افتقار المحصور إلى الحلق أو التقصير مع الهدي بخلاف المصدود فإن فيه قولين ، ٥ : تعين تحلل المصدود بمحلله في مكانه بخلاف المحصور الذي هو بالمواعدة التي قد تتخلف ، ٦ : فائدة الاشتراط تعجيل التحلل في المحصور دون المصدود لجواز التحلل له بدون الاشتراط.

والشارح لم يذكر إلا ثلاثة منها فقط.

(٢) حتى النساء.

(٣) بمكة إن كان معتمرا ، وبمنى إن كان حاجا.

(٤) أي لجواز التحلل.

(٥) ما تقدم من أحكام الحصر أو الصد إنما هو إذا تحقق أحدهما دون الآخر ، وأما لو اجتمعا على المكلف بأن مرض وصده العدو ، ففي التخيير بينهما فيأخذ حكم ما اختاره وهو مستلزم للاخذ بالأخف من أحكامها لصدق كل من الوصفين على من هذا شأنه فيتعلق به حكمه بلا فرق بين عروضهما دفعة أو متعاقبين وهو اختيار الشارح في المسالك وسيد المدارك ، أو الترجيح للسابق خصوصا إذا عرض الصد بعد بعث المحصر ، أو عرض الحصر بعد ذبح المصدود ولمّا يقصّر وهو خيرة الشهيد في الدروس ، وتظهر الفائدة في الخصوصيات.

٥٩٥

متى أحصر عما يفوت بفواته الحج ، (أو) أحصر (المعتمر عن مكة) ، أو عن الأفعال بها وإن دخلها (بعث) كل منهما (ما ساقه) (١) إن كان قد ساق هديا ،

______________________________________________________

(١) لا خلاف في أن المحصور يتحلل بالهدي ، لكن اختلفوا فذهب الأكثر إلى أنه يجب بعثه إلى منى إن كان حاجا ، وإلى مكة إن كان معتمرا ، ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محله لظاهر قوله تعالى : (وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١) ، وصحيح محمد بن مسلم ورفاعة عن الصادقين عليهما‌السلام أنهما قالا : (القارن يحصر وقد قال واشترط فحلّني حيث حبستني ، قال : يبعث بهديه ، قلنا : هل يتمتع في قابل؟ قال : لا ، ولكن يدخل في مثل ما خرج منه) (٢) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا أحصر بعث بهديه فإذا أفاق ووجد من نفسه خفة فليمض إن ظنّ أنه يدرك الناس ، فإن قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على إحرامه حتى يفرغ من جميع المناسك وينحر هديه ولا شي‌ء عليه ، وإن قدم مكة وقد نحر هديه فإن عليه الحج من قابل أو العمرة) (٣) ، وموثق زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (المصدود يذبح حيث صدّ ويرجع صاحبه فيأتي النساء ، والمحصور يبعث بهديه ، ويعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه) (٤) ، وموثق زرعة (سألته عن رجل أحصر في الحج ، قال : فليبعث بهديه إذا كان مع أصحابه ، ومحلّه أن يبلغ الهدي محله ، ومحله من يوم النحر إذا كان في الحج ، وإن كان في عمرة نحر بمكة ، فإنما عليه أن يعدهم لذلك يوما ، فإذا كان ذلك اليوم فقد وفى ، وإن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء الله تعالى) (٥) إلى غير ذلك من الأخبار.

هذا ويدل على جواز الذبح في موضع الحصر صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في المحصور ولم يسق الهدي ، قال : ينسك ويرجع ، قيل : فإن لم يجد هديا؟ قال : يصوم) (٦) ، وصحيح رفاعة بن موسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام (خرج الحسين عليه‌السلام معتمرا وقد ساق بدنة حتى انتهى إلى السقيا ، فبرسم فحلق شعر رأسه ونحرها مكانه ، ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب ، فقال علي عليه‌السلام : ابني ورب الكعبة ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الإحصاء والصد حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٥.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

٥٩٦

(أو) بعث (هديا ، أو ثمنه) إن لم يكن ساق. والاجتزاء بالمسوق (١) مطلقا هو المشهور ، لأنه هدي مستيسر.

______________________________________________________

ـ افتحوا له ، وكانوا قد حموا الماء ، فاكبّ عليه فشرب ثم اعتمر بعد) (١) ، ومرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (المحصور والمضطر ينحران بدنتيهما في المكان الذي يضطران فيه) (٢)، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل أحصر فبعث بالهدي ، قال : يواعد أصحابه ميعادا ، فإن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر فإذا كان يوم النحر فليقصّر من رأسه ولا يجب عليه الحلق حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار وصول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها فإذا كان تلك الساعة قصّر وأحلّ ، وإن كان مرض في الطريق بعد ما يخرج فأراد الرجوع رجع إلى أهله ونحر بدنة ، أو أقام مكانه حتى يبرأ إذا كان في عمرة ، وإذا برئ فعليه العمرة واجبة ، وإن كان عليه الحج فرجع إلى أهله أو أقام ففاته الحج فإن عليه الحج من قابل ، وإن الحسين بن علي عليهم‌السلام خرج معتمرا فمرض في الطريق فبلغ عليا عليه‌السلام ذلك ، وهو بالمدينة فخرج في طلبه فأدركه بالسقيا وهو مريض بها ، فقال : يا بنيّ ما تشتكي؟ فقال : أشتكي رأسي فدعا علي عليه‌السلام ببدنة فنحرها وحلق رأسه ورده إلى المدينة ، فلما برئ من وجعه اعتمر) (٣) الحديث ، والسقيا هي البئر التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستعذب ماءها فيستقى له منها ، واسم ارضها الفلجان ، لا السقيا التي يقال بينها وبين المدينة يومان كما في الجواهر. ولذا ذهب ابن الجنيد إلى التخيير بين البعث وبين الذبح حيث أحصر ، وعن العماني أنه يذبح الإحصار ما لم يكن قد ساق.

(١) لو كان المحصور سائقا فهل يجزيه ما ساقه كما عليه المشهور لقوله تعالى : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٤) وهذا هدي مستيسر ، وللأخبار المتقدمة المكتفية ببعث الهدي الذي قد ساقه.

وعن الصدوقين أنه يفتقر إلى هدي التحلل مع بعث ما ساقه لأصالة تعدد المسبب بتعدد السبب ويشهد لهما ما في الفقه الرضوي (فإذا قرن الرجل الحج والعمرة فأحصر بعث هديا مع هديه ولا يحلّ حتى يبلغ الهدي محله) (٥).

ولكن من المظنون أن الفقه الرضوي هو نفس فتاواى ابن بابويه التي يرجع إليها ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٢ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

(٤) سورة البقرة الآية : ١٩٧.

(٥) فقه الرضا ص ٢٢٩.

٥٩٧

والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجبا ولو بالإشعار ، أو التقليد لاختلاف الأسباب المقتضية لتعدد المسبب ، نعم لو لم يتعين ذبحه كفى ، إلا أن إطلاق هدي السياق حينئذ عليه مجاز (١). وإذا بعث واعد نائبه وقتا معينا (لذبحه) ، أو نحره (٢).

(فإذا بلغ الهدي محله ، وهي منى إن كان حاجا ، ومكة إن كان معتمرا) (٣) ، ووقت المواعدة (حلق ، أو قصر (٤) ...)

______________________________________________________

ـ الأصحاب عند اعواز النصوص ، لذا قال سيد المدارك (ولم نقف لهم في ذلك على مستند سوى ما ذكروه من أن اختلاف الأسباب يقتضي اختلاف المسببات وهو استدلال ضعيف).

وذهب الشارح في المسالك إلى التفصيل حيث قال : (والأقوى عدم التداخل إن كان السياق واجبا بنذر وشبهه ، أو بالاشعار وما في حكمه ، لاقتضاء إختلاف الاسباب ذلك ، ولو كان مندوبا بمعنى أنه لم يتعين ذبحه لأنه لم يشعره ولم يقلده ، ولا وجد منه ما اقتضى وجوب ذبحه بل ساقه بنية أنه هدي كفى) وهذا ما ذهب إليه هنا ، وفيه : إن إطلاق الأخبار المتقدمة يدفعه ، ومن هنا تعرف أن المراد بالإطلاق في عبارته هنا هو : سواء كان المسوق واجبا أو لا.

(١) لأن هدي السياق هو الذي أشعر أو قلد وأما إذا ساقه بدونهما وإنما بنية أنه هدي فلا يسمى بهدي السياق.

(٢) كما دل عليه موثق زرعة المتقدم وغيره.

(٣) كما دل عليه موثق زرعة المتقدم أيضا ، وغيره من النصوص.

(٤) لظاهر قوله تعالى : (وَلٰا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ) (١) ، ولصحيح معاوية بن عمار (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل أحصر فبعث بالهدي ، فقال : يواعد أصحابه ميعادا ، فإن كان في الحج فمحل الهدي يوم النحر ، وإذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه ولا يجب عليه حتى يقضي المناسك ، وإن كان في عمرة فلينظر مقدار وصول أصحابه مكة والساعة التي يعدهم فيها ، فإذا كانت تلك الساعة قصّر وأحلّ) (٢) ، ومثله غيره.

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١.

٥٩٨

(وتحلل بنيّته (١) إلا من النساء (٢) حتى يحج) في القابل ، أو يعتمر مطلقا (٣) (إن كان) النسك الذي دخل فيه (واجبا) مستقرا ، (أو يطاف عنه للنساء) مع وجوب طوافهن في ذلك النسك (٤) (إن كان ندبا) (٥) أو واجبا غير مستقر بأن

______________________________________________________

(١) أي بنية التحلل.

(٢) حتى يحج من قابل إذا كان الحج واجبا بلا خلاف فيه للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المصدود تحل له النساء ، والمحصور لا تحل له النساء) (١) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام الوارد في حصر الإمام الحسين عليه‌السلام (فقلت : أرأيت حين برأ من وجعه أحلّ النساء؟ فقال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة) (٢)، ومرسل المفيد في المقنعة (قال عليه‌السلام : المحصور بالمرض إن كان ساق هديا أقام على إحرامه حتى يبلغ الهدي محله ، ثم يحلّ ولا يقرب النساء حتى يقضي المناسك من قابل) (٣).

(٣) سواء كانت مفردة أو متمتع بها ، لإطلاق صحيح معاوية بن عمار المتقدم ، فالمستفاد منه توقف حل النساء على الطواف والسعي وهو متناول للحج والعمرتين ، وعن الدروس أنه لو أحصر في عمرة التمتع فالظاهر حل النساء له إذ لا طواف لأجل النساء فيها ، وقواه المحقق الثاني ومال إليه الشارح في المسالك.

(٤) بأن كان في الحج مطلقا أو في العمرة المفردة ، وأما في عمرة التمتع فليس فيها طواف النساء فلا موضوع للاستنابة.

(٥) فالاستنابة في المندوب قد ادعى عليه العلامة الاجماع في المنتهى ، واعترف صاحب المدارك بعدم النص عليه ، واستدل جمع من المتأخرين منهم الشارح في المسالك بأن الحج لا يجب العود لاستدراكه والبقاء على تحريم النساء ضرر عظيم فاكتفي بالحل بالاستنابة في طواف النساء ، ومثله يأتي في العمرة المفردة المندوبة ، وفيه : إنه على خلاف الاطلاق في صحيح معاوية المتقدم (لا تحلّ له النساء حتى يطوف بالبيت وبالصفا والمروة) (٤).

ثم إن الشارح في المسالك ألحق الواجب غير المستقر بالمندوب ، وألحق العلامة في القواعد بالحج المندوب الحج الواجب مع العجز عن طواف النساء ، وقد عرفت أن الاطلاق حاكم إلا في الأخير فمع العجز يمكن الاستنابة لأنه عاجز عن طواف النساء.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ١ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الإحصار والصد حديث ٣.

٥٩٩

استطاع له في عامه (١).

(ولا يسقط الهدي) الذي يتحلل به (بالاشتراط) (٢) وقت الإحرام أن يحله

______________________________________________________

(١) أي العام الذي حج فيه ، وهو غير مستقر لتبين عدم قدرته على أداء المناسك بسبب المرض الحاصر فلا يجب فيه قضاء الحج ولا أبعاضه فلذا جازت الاستنابة في طواف النساء ، بخلاف الذي وجب عليه من قابل كما في الأخبار فلا بد من حمله على الحج المستقر بأن كان استطاعته لعام سابق ، هذا على تفصيل الشارح ولكن قد عرفت أن إطلاق صحيح معاوية بن عمار المتقدم يقتضي عدم حل النساء له إلا إذا صح من قابل إذا كان واجبا بمعنى بقاء الاستطاعة في ذمته ، وإلا إذا أراد الحج من قابل إذا كان الحج الذي أحصر فيه كان مندوبا.

(٢) قد ذكر سابقا في بحث الإحرام أنه يستحب للمحرم أن يشترط في إحرامه على ربه أن يحله حيث حبسه وقد تقدم دليله.

وفائدة هذا الاشتراط مختلف فيها بين الأصحاب ، فقيل : إن فائدته سقوط الهدي مع الإحصار والتحلل بمجرد النية كما ذهب إليه المرتضى وابن إدريس ، لصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل تمتع بالعمرة إلى الحج وأحصر بعد ما أحرم ، كيف يصنع؟ فقال : أو ما اشترط على ربه قبل أن يحرم أن يحله من إحرامه عند عارض عرض له من أمر الله؟ فقلت : بلى قد اشترط ذلك ، قال : فليرجع إلى أهله حلا لا إحرام عليه ، وإن الله أحق من وفّى ما اشترط عليه ، قلت : أفعليه الحج من قابل؟ قال : لا) (١) ، حيث دلت الرواية على التحلل بمجرد الإحصار من غير تعرض لاعتبار الهدي ، ولو كان واجبا لذكر لأنه في مقام البيان ، ومثله غيره. وذهب الاسكافي والشيخ والمحقق والفاضل في بعض كتبهما إلى أن الهدي لا يسقط ، غايته أن فائدة الاشتراط جواز التحلل عند الإحصار ولا ينتظر بلوغ الهدي محله ، أما أن الهدي لا يسقط فلعموم قوله تعالى : (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) (٢) ، وأما فائدة الاشتراط ذلك ، فللأخبار ، منها : خبر عامر بن عبد الله بن جذاعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل خرج معتمرا فاعتلّ في بعض الطريق وهو محرم ، فقال : ينحر بدنة ، ويحلق رأسه ويرجع إلى رحله ولا يقرب النساء ، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوما ، فإذا برأ من وجعه اعتمر إن كان لم يشترط على ربه في إحرامه ، وإن كان ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب الإحرام حديث ٣.

(٢) سورة البقرة الآية : ١٩٦.

٦٠٠