الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

(والوقوف عند الحجر) الأسود (١) ، (والدعاء فيه) أي حالة الوقوف مستقبلا ، رافعا

______________________________________________________

ـ بسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله وعلى ملة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وخير الاسماء لله والحمد لله ، والسّلام على رسول الله السّلام على محمد بن عبد الله ، السّلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السّلام على أنبياء الله ورسله ، السّلام على إبراهيم خليل الرحمن ، السّلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد كما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صل على محمد وآل محمد عبدك ورسولك ، وعلى إبراهيم خليلك وعلى أنبيائك ورسلك وسلم عليهم ، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين ، اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، واستعملني في طاعتك ومرضاتك ، واحفظني بحفظ الايمان أبدا ما أبقيتني جلّ ثناء وجهك ، والحمد لله الذي جعلني من وفده وزواره ، وجعلني ممن يعمّر مساجده ، وجعلني ممن يناجيه ، اللهم إني عبدك وزائرك في بيتك ، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره ، وأنت خير مأتي وأكرم مزور ، فاسألك يا الله يا رحمان ، وبأنك أنت الله ، لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، وبأنك واحد أحد صمد ، لم تلد ولم تولد ، ولم يكن لك كفوا أحد ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبدك ورسولك وعلى أهل بيته ، يا جواد يا كريم يا ماجد يا جبار يا كريم ، اسألك أن تجعل تحفتك إياي بزيارتي إياك أول شي‌ء تعطيني فكاك رقبتي من النار ، اللهم فكّ رقبتي من النار ـ تقولها ثلاثا ـ وأوسع عليّ من رزقك الحلال الطيب ، وادرأ عني شر شياطين الأنس والجن وشرّ فسقة العرب والعجم) (١).

(١) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، واسأل الله أن يتقبل منك ، ثم استلم الحجر وقبّله ، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك ، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه ، وقل : اللهم امانتي أديتها وميثاقي تعاهدته لتشهد لي بالموافاة ، اللهم تصديقا بكتابك وعلى سنة نبيك ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عبده ورسوله ، أمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت وباللات والعزى ، وعبادة الشيطان وعبادة كل ندّ يدعى من دون الله ، فإن لم تستطع أن تقول هذا كله فبعضه ، وقل : اللهم إليك بسطت يدي وفيما عندك عظمت رغبتي فاقبل سبحتي واغفر لي وارحمني ، اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزي في الدنيا والآخرة) (٢).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب مقدمات الطواف حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤٠١

يديه ، (وفي حالات الطواف) بالمنقول (١) ، (وقراءة القدر (٢) ، وذكر الله تعالى (٣) ، والسكينة في المشي) (٤) ...

______________________________________________________

(١) لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (طف بالبيت سبعة أشواط وتقول في الطواف : اللهم إني اسألك باسمك الذي يمشى به على ظلل الماء كما يمشى به على جدر الأرض ، واسألك باسمك الذي يهتز له عرشك ، واسألك باسمك الذي تهتز له أقدام ملائكتك ، واسألك باسمك الذي دعاك به موسى من جانب الطور فاستجبت له وألقيت عليه محبة منك ، واسألك باسمك الذي غفرت به لمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك أن تفعل بي كذا وكذا ، فإذا انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقول فيما بين الركن اليماني والحجر الأسود : (رَبَّنٰا آتِنٰا فِي الدُّنْيٰا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنٰا عَذٰابَ النّٰارِ) ، وقل في الطواف : اللهم إني إليك فقير وإني خائف مستجير فلا تغيّر جسمي ولا تبدل اسمي) (١).

(٢) قال في الدروس في مستحبات الطواف (تاسعها الدعاء بالمرسوم والاذكار المروية في ابتدائه واثنائه وتلاوة القرآن خصوصا القدر ويستحب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلما حاذى باب الكعبة).

أما قراءة القرآن لخبر أيوب أخي اديم (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : القراءة وأنا أطوف أفضل أو ذكر الله تبارك وتعالى؟ قال : القراءة ، قلت : فإن مر بسجدة وهو يطوف قال : يؤمي برأسه إلى الكعبة) (٢). وأما سورة القدر فلم أعثر على خبر يدل عليها بالخصوص.

(٣) لخبر محمد بن فضيل عن الإمام الرضا عليه‌السلام (طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن ، وقال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا لا بأس به) (٣).

(٤) والسكينة هي الاقتصاد في المشي ، والاقتصاد هو التوسط بين الإسراع والبطء ، ويدل على الحكم أخبار منها : خبر عبد الرحمن بن سيابة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن الطواف فقلت : أسرع وأكثر أو امشي وأبطئ؟ قال : مشي بين المشيين) (٤) ، وخبر أحمد بن محمد بن عيسى عن أبيه عن جده (رأيت علي بن الحسين عليه‌السلام يمشي ولا يرمل) (٥) والرمل

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٥ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الطواف حديث ٤ و ٦.

٤٠٢

بمعنى الاقتصاد فيه مطلقا (١) في المشهور ، (والرمل) بفتح الميم وهو الإسراع في المشي مع تقارب الخطى ، دون الوثوب والعدو (ثلاثا) وهي الأولى ، (والمشي أربعا) بقية الطواف (على قول الشيخ) في المبسوط في طواف القدوم خاصة ، وإنما أطلقه (٢) لأن كلامه الآن فيه ، وإنما يستحب على القول به للرجل الصحيح دون المرأة ، والخنثى ، والعليل بشرط أن لا يؤذي غيره (٣) ، ولا يتأذى به ، ولو

______________________________________________________

ـ لغة ـ الهرولة ، وظاهر هذه النصوص أن الاقتصاد مستحب في تمام الأشواط ، وهو المنسوب إلى الأكثر كما عن المدارك ، وعن ابن حمزة أنه يرمل ثلاثا ويمشي أربعا في طواف الزيارة ، وعن الشيخ في المبسوط أنه في طواف القدوم خاصة لخبر ابن عيسى عن أبيه (سئل ابن عباس فقيل : إن قوما يرون أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بالرمل حول الكعبة فقال : كذبوا وصدقوا ، فقلت : وكيف ذلك؟ فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل مكة في عمرة القضاء وأهلها مشركون ، وبلغهم أن أصحاب محمد مجهودون ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله امرئ أراهم من نفسه جلدا ، فأمرهم فخسروا عن اعضادهم ورملوا بالبيت ثلاثة أشواط ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته ، وعبد الله بن رواحة آخذ بزمامها ، والمشركون بحيال الميزاب ينظرون إليهم ، ثم حج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك فلم يرمل ولم يأمرهم بذلك ، فصدقوا في ذلك وكذبوا في هذه) (١) ، وهو كما ترى لا يدل على الاستحباب ، ومثله خبر زرارة أو محمد الطيار (سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الطواف أيرمل فيه الرجل؟ فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما إن قدم مكة وكان بينه وبين المشركين الكتاب الذي قد علمتم ، أمر الناس أن يتجلدوا وقال : أخرجوا أعضادكم ، وأخرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ثم رمل بالبيت ليريهم أنه لم يصبهم جهد ، فمن أجل ذلك يرمل الناس وإني لأمشي مشيا ، وقد كان علي بن الحسين عليهما‌السلام يمشي مشيا) (٢).

ثم على تقدير استحباب الرمل فهو خاص بالرجل دون المرأة كما هو مرتكز المتشرعة على ما في السؤال من خبر زرارة ، أو محمد الطيار ، وأما النساء فلا يستحب اتفاقا كما عن المنتهى.

(١) سواء كان في الثلاثة الأول أو لا.

(٢) ولم يقيده بطواف القدوم وهو أول طواف يأتي به القادم إلى مكة واجبا أو مندوبا كما في المسالك.

(٣) كما يستفاد عدم الأذية من خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عن المسرع ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الطواف حديث ٥ و ٢.

٤٠٣

كان راكبا حرك دابته (١) ولا فرق بين الركنين اليمانيين وغيرهما (٢) ، ولو تركه في الأشواط أو بعضها لم يقضه (٣).

(واستلام الحجر) (٤) بما أمكن من بدنه ، والاستلام بغير همز المس من

______________________________________________________

ـ والمبطئ في الطواف فقال : كلّ واسع ما لم يؤذ أحدا) (١).

(١) تأسيا بالنبي المستفاد فعله من الجمع بين خبر ابن عيسى المتقدم بأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ما أمر بالرمل كان على دابته وبين خبر جابر عن جعفر بن محمد عليه‌السلام (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رمل ثلاثا ومشى اربعا) (٢).

(٢) قال في الدروس : (لا فرق في الرمل بين الركنين اليمانيين وغيرهما عندنا) ، لإطلاق الأخبار المتقدمة لو كانت دالة على استحباب الرمل ، ونقل العلامة في المنتهى عن العامة استحباب الرمل في الأشواط الثلاثة إلا بين الركنين فالمشي ، والرشد في خلافهم بعد عدم ثبوت ما يدل على هذا الاستثناء.

(٣) لفوات محله.

(٤) استلامه باليد لصحيح معاوية بن عمار المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله واثن عليه وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واسأله أن يتقبل منك ثم استلم الحجر وقبله ، فإن لم تستطع أن تقبله فاستلمه بيديك ، فإن لم تستطع أن تستلمه فأشر إليه) (٣) ، وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يستلم الحجر في كل طواف فريضة ونافلة) (٤).

وهذه الأخبار ظاهرة في استحباب استلامه قبل الطواف ، وأما استحبابه في أثناء الطواف فيدل عليه خبر زيد الشحام عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كنت اطوف مع أبي وكان إذا انتهى إلى الحجر مسحه بيده وقبّله ، وإذا انتهى إلى الركن اليماني التزمه ، فقلت : جعلت فداك تمسح الحجر بيدك وتلتزم اليماني ، فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما أتيت الركن اليماني إلا وجدت جبرئيل عليه‌السلام قد سبقني إليه يلتزمه) (٥) ، ومثله غيره ، وهو صريح بكون الاستلام باليد ، وأما الاستلام بجميع البدن فهو المحكي عن القواعد والمبسوط والخلاف ، وقال في الجواهر (ولعله لأن أصله مشروع للتبرك به والتحبب إليه فالتعميم أولى ، لكن المراد ما يناسب ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٩ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢) سنتى البيهقي ج ٥ ص ٧ حديث ٨٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الطواف حديث ٣.

٤٠٤

السلام بالكسر وهي الحجارة بمعنى مس السلام (١) ، أو من السلام وهو التحية ، وقيل : بالهمز من اللأمة وهي الدرع ، كأنه اتخذه جنة وسلاحا ، (وتقبيله) مع الإمكان ، وإلا استلمه بيده ، ثم قبّلها (أو الإشارة إليه) إن تعذر ، وليكن ذلك في كل شوط ، وأقله الفتح والختم (٢).

______________________________________________________

التعظيم والتبرك والتحبب من الجميع ، ويمكن أن يراد به الاعتناق والالتزام ، لأنه تناول له بجميع البدن وتلبس والتئام به ، وعلى كل حال فإن تعذر الاستلام بالجميع فببعضه كما نص عليه الفاضل أيضا ، بل هو المحكي عن المبسوط والخلاف أيضا ، بل في الأخير منهما الاجماع عليه ، خلافا للشافعي فلم يجتز بما تيسر من بدنه) انتهى.

ثم إذا استلمه بيده فيستحب تقبيل اليد لمناسبته للتعظيم والتبرك والتحبب ، لخبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (طاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ناقته العضباء ، وجعل يستلم الأركان بمحجته ويقبّل المحجن) (١) ، وعن سلّار وجوب استلام الحجر والتقبيل ، ولكن في المراسم ـ كما في الجواهر ـ وجوب لثم الحجر فقط ، أخذا بظاهر الأمر في هذه النصوص ، ولكنه محمول على الاستحباب لطائفة من الأخبار ، منها : صحيح سيف التمّار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال له : أتيت الحجر الأسود فوجدت عليه زحاما فلم ألق إلا رجلا من أصحابنا فسألته فقال : لا بد من استلامه ، فقال عليه‌السلام : إن وجدته خاليا ، وإلا فسلم من بعيد) (٢) ، وصحيح يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إني لا أخلص الى الحجر الأسود ، فقال عليه‌السلام : إذا طفت طواف الفريضة فلا يضرك) (٣) ، وصحيح معاوية بن عمار (قال أبو بصير لأبي عبد الله عليه‌السلام : إن أهل مكة أنكروا عليك أنك لم تقبّل الحجر ، وقد قبّله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا انتهى إلى الحجر يفرجون له ، وأنا لا يفرجون لي) (٤).

(١) نقل العلامة في التذكرة عن السيد المرتضى (الاستلام بغير همز افتعال من السلام ، وهي الحجارة ، فإذا مس الحجر بيده أو مسحه بها قيل استلم ، أي مس السلام بيده ، وقيل : إنه مأخوذ من السلام ، بمعنى أنه يحيي نفسه عن الحجر ، إذ ليس الحجر ممن يجيبه ، وهذا كما يقال اختدم إذا لم يكن له خادم سوى نفسه) ، ونقل في التذكرة عن تغلب (أنه حكى في الاستلام الهمز ، وفسره بأنه اتخذه جنّة وسلاحا ، من اللامة وهي الدرع).

(٢) أي افتتاح الشوط الأول واختتام الشوط الأخير ، لصحيح معاوية بن عمار عن أبي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الطواف حديث ٤ و ٦ و ١١.

٤٠٥

(واستلام الأركان) (١) كلها كلّما مرّ بها خصوصا اليماني والعراقي ، وتقبيلهما للتأسي ، واستلام (المستجار (٢) في) الشوط (السابع) وهو بحذاء الباب ، دون

______________________________________________________

ـ عبد الله عليه‌السلام (كنا نقول : لا بد أن نستفتح بالحجر ونختم به ، فأما اليوم فقد كثر الناس) (١).

(١) ذهب الأكثر إلى استحباب استلام الأركان كلها ، وإن تأكد استحباب استلام العراقي واليماني ، لصحيح جميل بن صالح (رأيت أبا عبد الله عليه‌السلام يستلم الأركان كلها) (٢) ، وخبر إبراهيم بن أبي محمود (قلت لرضا عليه‌السلام استلم اليماني والشامي والعراقي والغربي؟ قال : نعم) (٣).

وفي صحيح يعقوب بن شعيب (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن استلام الركن ، قال : استلامه أن تلصق بطنك به والمسح أن تمسحه بيدك) (٤) ، ولكنه محمول على الاستحباب لصدق الاستلام باليد ، ويدل عليه أخبار منها : خبر سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن استلام الحجر من قبل الباب ، فقال : أليس إنما تريد أن تستلم الركن؟ قلت : نعم ، قال : يجزيك حيثما نالت يدك) (٥).

وأما تأكد الاستحباب في اليماني والعراقي فلصحيح جميل عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كنت أطوف بالبيت فإذا رجل يقول : ما بال هذين الركنين يستلمان ولا يستلم هذان؟ فقلت : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استلم هذين ، ولم يتعرض لهذين ، فلا تعرض لهما إذا لم يتعرض لهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (٦) ، وخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبي جعفر عليه‌السلام (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يستلم إلا الركن الأسود واليماني ثم يقبّلها ويضع خده عليهما ، ورأيت أبي يفعله) (٧) ومثلها غيرها.

وأوجب سلّار استلام اليماني أخذا بظاهر الأمر في النصوص السابقة في استلام الحجر ، وقد عرفت حالها ، وعن ابن الجنيد من نفي استلام غير الركنين اليماني والعراقي ، أو منع استلام الشامي على اختلاف النقل عنه ، وما تقدم حجة عليه.

(٢) المستجار هو جزء من حائط الكعبة بحذاء الباب ، دون الركن اليماني بقليل ، ويسمى بالملتزم والمتعوذ ، فيستلمه في الشوط السابع ويبسط يديه على حائطه ويلصق به خده وبطنه ، ويقر بذنوبه ، ويدعو بالدعاء المأثور للأخبار منها : صحيح عبد الله بن سنان عن

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٢.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب الطواف حديث ٢ و ١.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٢.

٤٠٦

الركن اليماني بقليل ، (وإلصاق البطن) ببشرته به في هذا الطواف ، لإمكانه (١) ، وتتأدى السنة في غيره (٢) من طواف مجامع للبس المخيط ولو من داخل الثياب (٣) ، (و) إلصاق بشرة (الخدّ به) أيضا.

(والدعاء وعدّ ذنوبه عنده) مفصلة ، فليس من مؤمن يقر لربه بذنوبه فيه إلا

______________________________________________________

ـ أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كنت في الطواف السابع فائت المتعوذ ، وهو إذا قمت في دبر الكعبة بحذاء الباب فقل : اللهم البيت بيتك ، والعبد عبدك ، وهذا مقام العائذ بك من النار ، اللهم من قبلك الروح والفرج ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر فاختم به) (١) ، وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل ، فابسط يديك على البيت والصق بدنك ـ وفي نسخة بطنك ـ وخدك بالبيت ، وقل : اللهم : البيت بيتك والعبد عبدك ، وهذا مكان العائذ لك من النار ، ثم أقرّ لربك بما عملت ، فإنه ليس من عبد مؤمن يقرّ لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله ، وتقول : اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية ، اللهم إن عملي ضعيف فضاعفه لي واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك ، ثم تستجير بالله من النار ، وتخير لنفسك من الدعاء ، ثم استلم الركن اليماني ، ثم ائت الحجر الاسود) (٢)، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (أنه كان إذا انتهى إلى الملتزم قال لمواليه : أميطوا عنّي حتى أقرّ لربي بذنوبي في هذا المكان ، فإن هذا مكان لم يقرّ عبد لربه بذنوبه ثم استغفر إلا غفر الله له) (٣) ، نعم لو جاوز المستجار إلى الركن لم يرجع لفوات المحل ، ولصحيح علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام سألته عمن نسي أن يلتزم في آخر طوافه حتى جاز الركن اليماني ، أيصلح أن يلتزم بين الركن اليماني وبين الحجر أو يدع ذلك؟ قال : يترك اللزوم ويمضي) (٤) ، وعن الدروس الرجوع ما لم يبلغ الركن ، وعن المحقق في النافع والعلامة في القواعد الرجوع وإن جاوز الركن ، وما تقدم حجة عليهم حذرا من زيادة الطواف.

(١) لأنه بثوبي الاحرام الذي يسهل فيهما كشف البطن ، هذا في طواف القدوم ، ولذا عبّر عنه الشارح في هذا الطواف.

(٢) كطواف الحج.

(٣) لصدق إلصاق البطن بالمستجار.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٦ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٤ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤٠٧

غفرها له إن شاء الله ، رواه معاوية بن عمار عن الصادق (ع) ، ومتى استلم حفظ موضعه بأن يثبت رجليه فيه ، ولا يتقدم بهما حالته (١) ، حذرا من الزيادة في الطواف ، أو النقصان.

(والتداني من البيت) (٢) وإن قلّت الخطى ، فجاز اشتمال القليلة على مزية وثواب زائد عن الكثيرة. وإن كان قد ورد في كل خطوة من الطواف سبعون ألف حسنة ، ويمكن الجمع بين تكثيرها والتداني ، بتكثير الطواف (٣) (ويكره الكلام)

______________________________________________________

(١) حالة الاستلام.

(٢) علّله العلامة كما عن المنتهى (بأن البيت هو المقصود فيكون الدنو منه أولى) وقال سيد المدارك (ومثله يكفي في مثله إن شاء الله تعالى) لأنه ليس بحكم الزامي فيكفي هذا الاستحسان.

وينشأ إشكال من أن الدنو يوجب قلة الخطى ، مع أنه ورد في الخبر وهو مرسل حماد بن عيسى عن العبد الصالح عليه‌السلام (دخلت عليه يوما. إلى أن قال. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من طائف يطوف بهذا البيت حين تزول الشمس حاسرا عن رأسه حافيا ، يقارب بين خطاه ، ويفضّ بصره ويستلم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدا ولا يقطع ذكر الله عن لسانه إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين الف حسنة ، ومحى عنه سبعين الف سيئة ، ورفع له سبعين الف درجة واعتق عنه سبعين الف رقبة ، ثمن كل رقبة عشرة آلاف درهم ، وشفّع في سبعين من أهل بيته ، وقضيت له سبعون الف حاجة إن شاء فعاجله ، وإن شاء فآجله) (١) ، وهذا الثواب يستدعي تكثير الخطى وهذا يتم في البعد اكثر من التداني إلى البيت.

وقال في الدروس (ولا يبالي بقلة الخطى مع الدنو وكثرتها مع البعد) ولم يتضح وجهه ، وقال في الجواهر (ولا ينافي ذلك ما ورد من أن في كل خطوة من الطواف سبعين الف حسنة ، والتباعد أزيد خطى لجواز اتفاق الحسنات في العدد دون الرتبة) بمعنى أن هذا الثواب المخصوص مشترك في الخطوة سواء كانت عن قرب أو بعد ، لكن عن بعد تكثر الخطى وعن قرب تزداد رتبة الثواب كما تشترك المساجد في قدر معيّن من الحسنات مع كون بعضها له خصوصية ومزية خاصة.

(٣) عن قرب ليكون مساويا للخطى عن بعد ، ونسيه : إن تكثير الطواف عن قرب غير

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤٠٨

(في أثنائه بغير الذكر والقرآن) (١) ، والدعاء والصلاة على النبي (ص) (٢). وما ذكرناه (٣) يمكن دخوله في الذكر (٤).

(مسائل : الأولى) :

(كل طواف) واجب (ركن) (٥) يبطل النسك بتركه عمدا كغيره من

______________________________________________________

ـ صالح لرفع الأشكال لأن هذا التكثير لو كان عن بعد لأوجب زيادة الخطى فيرجع الإشكال جذعا ، بالإضافة إلى أن تكثير الطواف لا يتم إلا في المندوب وأما الواجب فلا كما هو واضح.

(١) لخبر محمد بن الفضيل عن أبي جعفر الثاني عليه‌السلام (طواف الفريضة لا ينبغي أن يتكلم فيه إلا بالدعاء وذكر الله وتلاوة القرآن ، قال : والنافلة يلقى الرجل أخاه فيسلم عليه ويحدثه بالشي‌ء من أمر الآخرة والدنيا فلا بأس به) (١) وقال في الجواهر (وإن اختص بالفريضة لكن يمكن القطع بمساواة النافلة لها في أصل الكراهة ، وإن كانت أخفّ خصوصا بعد معروفية المرجوحية في المسجد بكلام الدنيا) فالكلام في الطواف المندوب هو كلام في المسجد الحرام أيضا ، ثم إن الشهيد في الدروس زاد كراهية الأكل والشرب والتثاؤب والتمطي والفرقعة والعبث ومدافعة الاخبثين ، وكل ما يكره في الصلاة غالبا ، لأن الطواف في البيت صلاة كما تقدم.

(٢) لخبر عبد السلام (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : دخلت الطواف فلم يفتح لي شي‌ء من الدعاء إلا الصلاة على محمد وآل محمد ، وسعيت فكان ذلك ، فقال : ما أعطي أحد ممن سأل أفضل مما اعطيت) (٢).

(٣) من الدعاء والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

(٤) ولذا اقتصر عليه المصنف.

(٥) اجماعي كما عن التحرير ، والمراد بالركن هنا ما يبطل الحج بتركه عمدا خاصة كما عن المسالك ، ويدل عليه صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة ، قال : إن كان على وجه جهالة في الحج أعاد وعليه بدنة) (٣) وخبر علي بن حمزة (سئل عن رجل جهل أن يطوف بالبيت حتى رجع إلى أهله ، ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤٠٩

الأركان (إلا طواف النساء) (١) ، والجاهل عامد ، ولا يبطل بتركه نسيانا (٢) لكن

______________________________________________________

ـ قال : إذا كان على وجه الجهالة أعاد الحج وعليه بدنة) (١) فإذا كان ترك الطواف جهلا مبطل للحج فمع العلم من باب أولى.

هذا وأركان الحج على ما قيل : النية والاحرام والقوفان والسعي ، أما النية والإحرام فواضح إذ تركهما عمدا أو سهوا لا يوجب التلبس بالحج ، فتركهما موجب لعدم الحج ، وأما البقية فسيأتي البحث فيها إن شاء الله تعالى.

وكما يبطل الحج بترك الطواف العمدي كذلك تبطل العمرة لعدم خصوصية الحج الوارد وفي النصوص المتقدمة ، ومن هذين الخبرين يعلم أن الجاهل عامد كالعالم وهذا ما نسب إلى الأكثر ، نعم بقي الكلام فيما يتحقق به ترك الطواف وسيأتي البحث فيه.

(١) فإنه ليس بركن من غير خلاف كما عن السرائر ، ويدل عليه صحيح أبي أيوب الخزاز (كنت عند أبي عبد الله عليه‌السلام إذ دخل عليه رجل فقال : أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ، فأبى الجمال أن يقيم عليها ، قال : فاطرق وهو يقول لا تستطيع أن تتخلف عن أصحابها ولا يقيم عليها جمالها ، تمضي فقد تم حجها) (٢) وتمامية حجها مع عدمه دليل على عدم ركنيته ولو كان تركه على نحو الاضطرار وإلا فالاضطرار يرفع الاثم في الترك فلو كان ركنا لوجب عليها الإعادة.

(٢) أي لا يبطل الطواف الركني بتركه نسيانا بل يقضيه ولو بعد المناسك بلا خلاف معتد أجده فيه كما في الجواهر لصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (سألته عن رجل نسي طواف الفريضة حتى قدم بلاده وواقع النساء كيف يصنع؟ قال : يبعث بهدي إن كان تركه في حج بعث به في حج ، وإن كان تركه في عمرة بعث به في عمرة ، ووكّل من يطوف عنه ما تركه من طوافه) (٣) وهو محمول على ما لو تعذر العود وإلا فيجب عليه الرجوع بنفسه لأن الطواف عن مباشرة هو الواجب بالأصل وعن الشيخ في كتابي الأخبار البطلان ، بعد حمل الخبر على طواف النساء واستشهد على ذلك بخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحل له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) (٤) وفيه : أما خبر ابن عمار فهو صريح في طواف

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٦ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٤ ـ من أبواب الطواف حديث ١٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف حديث ٦.

٤١٠

يجب تداركه (فيعود إليه وجوبا مع المكنة) ولو من بلده (ومع التعذر) (١). والظاهر أن المراد به المشقة الكثيرة وفاقا للدروس ، ويحتمل إرادة العجز عنه مطلقا (٢) (يستنيب) فيه ، ويتحقق البطلان بتركه عمدا (٣) ، وجهلا (٤) بخروج ذي الحجة قبل فعله إن كان طواف الحج مطلقا (٥) ، وفي عمرة التمتع وقت لضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، وفي المفردة المجامعة للحج والمفردة عنه إشكال (٦). ويمكن اعتبار نية الإعراض عنه (٧).

______________________________________________________

ـ النساء وليس فيه المنع عن الاستنابة لو تعذر العود في طواف الحج المنسي بالإضافة إلى أن صحيح علي بن جعفر صريح في كون المنسي هو طواف الحج لا النساء فلا تعارض بينهما فيحمل كلّ منهما على ظاهره.

(١) ظاهر الصحيح المتقدم أن نفس الرجوع إلى البلد عذر ولكن الأصحاب اعتبروا تعذر العود احتياطا لأصالة المباشرة فلا يرفع اليد عنها إلا بأدلة الحرج ونحوها.

وعن الدروس أن المراد من التعذر هنا المشقة الشديدة ، وفيه : أنه يكفي ما يوجب الحرج.

(٢) من غير تقييد بالمشقة الكثيرة.

(٣) لأنه ركن فيبطل الحج بتركه عمدا كما تقدم.

(٤) فما سبق من العود إلى الطواف والاستنابة وإن خرج شهر ذي الحجة فهو مخصوص بالناسي ، وأما التارك للطواف عمدا أو جهلا فيتحقق وقت الترك بخروج ذي الحجة لأنه وقت لوقوع الأفعال في الجملة خصوصا الطواف والسعي فلو أخرهما طول ذي الحجة صح حجه ، وفي حكم خروج الشهر انتقال الحاج إلى محل يتعذر عليه العود في تمام الشهر هذا في الحج ، وأما عمرة التمتع فوقت الترك يتحقق بضيق وقت الوقوف إلا عن التلبس بالحج قبله ، والعمرة المفردة بخروج السنة إن كانت مجامعة لحج القران أو الافراد بناء على وجوب ايقاعها في سنة الحج ، وأما لو كانت مجردة فاشكال إذ يحتمل وجوب الاتيان بالطواف تمام العمر لعدم التوقيت فما دام حيا فلا يحكم ببطلان العمرة المجردة لعدم تحقق الترك وهذا ما ذهب إليه صاحب الجواهر ، ويحتمل أن يتحقق وقت الترك بالخروج عن مكة بنية الأعراض عن الطواف كما احتمله الشهيد في المسالك.

(٥) سواء كان حج تمتع أو إفراد أو قران.

(٦) لا إشكال فيها لاشتراط وقوعها في سنة الحج وإنما الاشكال في العمرة المجردة

(٧) في الجميع كما عن المسالك.

٤١١

(ولو نسي طواف النساء) حتى خرج من مكة (جازت الاستنابة) فيه (اختيارا) (١) وإن أمكن العود لكن لو اتفق عوده لم تجز الاستنابة (٢) ، أما لو تركه عمدا (٣) وجب العود إليه مع الإمكان ، ولا تحل النساء بدونه مطلقا (٤) حتى العقد ، ولو كان امرأة (٥) حرم عليها تمكين الزوج على الأصح (٦) والجاهل عامد

______________________________________________________

(١) على المشهور كما عن الدروس بل قيل لا خلاف فيه إلا من الشيخ في التهذيب والفاضل في المنتهى فاشترط نية التعذر ، ويدل على المشهور إطلاق الأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل نسي طواف النساء وحتى يرجع إلى أهله قال : يرسل فيطاف عنه ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه) (١) ، وصحيحه الآخر عنه عليه‌السلام (رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله ، قال : لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، وقال : يأمر من يقضي عنه إن لم يحج ، فإن توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره) (٢) ، وهو كالصريح في جواز الاستنابة اختيارا وإلا لقال : يأمر من يقضي عنه إن تعذر عليه الحج وتمسك الشيخ والعلامة بصحيح معاوية بن عمار الثالث عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة ، قال : لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت ، قلت : فإن لم يقدر؟ قال : يأمر من يطوف عنه) (٣) ، وصحيح معاوية بن عمار أيضا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن رجل نسي طواف النساء حتى يرجع إلى أهله؟ قال : لا تحلّ له النساء حتى يزور البيت ، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره ، فأما ما دام حيا فلا يصلح أن يقضى عنه) (٤) ، وقد حملت على الكراهة بقرينة (لا يصلح) كما في الأخير ، وما قبله غير صريح في المنع من الاستنابة إذا أمكن العود.

(٢) لأن الأخبار المتقدمة الدالة على جواز الاستنابة صريحة في عدم رجوعه إلى مكة ، وأما إذا رجع فالأصل مباشرته للطواف ولا دليل على جواز الخروج عنه.

(٣) فالأخبار المتقدمة صريحة في النسيان ، وأما في صورة العمد فالأصل يقتضي الرجوع لمباشرة الطواف بنفسه وهذا ما صرح به في الدروس والجواهر.

(٤) وطئا أو عقدا أو لمسا أو تقبيلا أو نظرا كما تقدم في تروك الاحرام.

(٥) قال في الجواهر : (والظاهر ثبوت الاحكام المزبورة للمرأة المحرمة كالرجل ضرورة عدم كونه من خواص الرجل) ، بل ادعى العلامة في المنتهى الاجماع.

(٦) فعن القواعد للعلامة أن المحرم عليها ترك الوطي وما في حكمه من التقبيل والنظر

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف حديث ٣ و ٦ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

٤١٢

كما مر ، ولو كان المنسي بعضا من غير طواف النساء بعد إكمال الأربع جازت الاستنابة فيه (١) كطواف النساء (٢).

(الثانية) :

(يجوز تقديم طواف الحج وسعيه للمفرد) ، وكذا القارن (على الوقوف) بعرفة اختيارا (٣) ، لكن يجددان التلبية عقيب صلاة كل طواف كما مر ، (و) كذا يجوز

______________________________________________________

ـ واللمس بشهوة دون العقد لو تركت طواف النساء ، وإن كان العقد قد حرم عليها بالإحرام ، وذلك لإطلاق ما دل على إحلال كل شي‌ء قد حرم عليه إلا النساء إذا تم ذبح والحلق أو التقصير كما سيأتي دليله في محله ، والمفهوم من حرمة النساء المستثنى هو حرمة الاستمتاع بهن لا العقد عليهن.

وفيه منع لأن العقد قد حرم لحرمة النساء فلا يحلّ إلا بما يحل النساء ولذا حكم بالحرمة الشهيدان في الدروس والروضة هنا وصاحب الجواهر وغيرهم.

(١) لصحيح الحسن بن عطية (سأله سليمان بن خالد وأنا معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : كيف طاف ستة أشواط؟ قال : استقبل الحجر فقال : الله اكبر وعقد واحدا ، فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : يطوف شوطا ، فقال سليمان : فإنه فاته ذلك حتى أتى أهله ، قال : يأمر من يطوف عنه) (١) ، ويستفاد من هذه الرواية جواز الاستنابة مطلقا سواء أمكن العود أو لا ، ولكن تقييد الحكم بمجاوزة النصف لما تقدم من التعليل بأنه مع مجاوزة النصف يبني على الطواف المتقدم إذا كان قد تركه لعذر أو حاجة أو حدث ، والنسيان عذر يبنى عليه.

(٢) أي تجوز الاستنابة سواء أمكن العود أو لا كما جاز ذلك في طواف النساء.

(٣) على المشهور للأخبار منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن مفرد الحج أيعجل طوافه أم يؤخره؟ قال : هو والله سواء عجله أو أخره) (٢) ، وعن ابن إدريس منع التقديم محتجا على وجوب الترتيب بالإجماع ، وردّ عليه العلامة في المنتهى (أن شيخنا ـ رحمه‌الله ـ قد ادعى إجماع الطائفة على جواز التقديم فكيف يصح له ـ لابن إدريس ـ حينئذ دعوى الاجماع على خلافه ، والشيخ أعرف بمواضع الوفاق والخلاف).

ثم إذا قدم المفرد أو القارن الطواف جدد التلبية ليبقوا على إحرامهم وإلا انقلبت الحجة ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٤١٣

تقديمهما (للمتمتع عند الضرورة) (١) كخوف الحيض ، والنفاس المتأخرين ، وعليه تجديد التلبية أيضا (٢) ، (وطواف النساء لا يقدم لهما) (٣) ، ولا للقارن (إلا لضرورة.)

______________________________________________________

ـ عمرة عند الشيخ واكثر الأصحاب ، وقد تقدم الكلام في ذلك.

(١) فلا يجوز التقديم اختيارا للمتمتع لخبر أبي بصير (قلت : رجل كان متمتعا فأهلّ بالحج قال : لا يطوف بالبيت حتى يأتي عرفات ، فإن هو طاف قبل أن يأتي منى من غير علة فلا يعتدّ بذلك الطواف) (١).

وأما اضطرارا كخوف الحيض والنفاس ونحوهما فيجوز للأخبار منها : صحيح صفوان عن يحيى الأزرق عن أبي الحسن عليه‌السلام (سألته عن امرأة تمتعت بالعمرة إلى الحج ففرغت من طواف العمرة وخافت الطمث قبل يوم النحر ، أيصلح لها أن تعجل طوافها طواف الحج قبل أن تأتى منى؟ قال : إذا خافت أن تضطر إلى ذلك فعلت) (٢) وخبر إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن المتمتع إن كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض تعجل طواف الحج قبل أن تأتي منى؟ قال عليه‌السلام : نعم من كان هكذا يعجل) (٣).

ومنه يعرف ضعف ما عن ابن إدريس من المنع من التقديم مطلقا.

(٢) كالقارن والمفرد إذا قدما الطواف على الوقوفين ، وقد تقدم الكلام فيه.

(٣) أي للمفرد والمتمتع ، فلا يجوز التقديم اختيارا ويجوز اضطرارا على المشهور للأخبار منها : صحيح ابن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام (لا بأس بتعجيل طواف الحج وطواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه إلى منى ، وكذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف هو ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفا) (٤) وعن ابن إدريس لا يجوز حتى للضرورة ، لأن وقته متسع فيجوز له الاستنابة وإن أمكن العود ولخبر علي بن أبي حمزة (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن رجل يدخل مكة ومعه نساء قد أمرهنّ فتمتعن قبل التروية بيوم أو يومين أو ثلاثة ، فخشي على بعضهن الحيض ، فقال : إذا فرغن من متعتهن وأحللن فلينظر إلى التي يخاف عليها الحيض فيأمرها فتغتسل وتهلّ بالحج من مكانها ، ثم تطوف بالبيت وبالصفا والمروة ، فإن حدث بها شي‌ء قضت بقية المناسك وهي طامث ، فقلت : أليس قد بقي طواف النساء؟ قال : بلى ، فقلت : فهي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤١٤

وهو) أي طواف النساء (واجب في كل نسك) حجا كان (١) ، أم عمرة (٢) (على كل)

______________________________________________________

ـ مرتهنة حتى تفرغ منه ، قال : نعم ، قلت : فلم لا يتركها حتى تقضي مناسكها ، قال : يبقى عليها منسك واحد أهون عليها من أن يبقى عليها المناسك كلها مخافة الحدثان ، قلت أبى الجمال أن يقيم عليها والرفقة ، قال : ليس لهم ذلك تستعدي عليهم حتى يقيم عليها حتى تطهر وتقضي مناسكها) (١). وهو قاصر السند فلا يصلح لمعارضة ما تقدم.

(١) تمتع أو إفراد أو إقران للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (على المتمتع بالعمرة إلى الحج ثلاثة اطواف بالبيت ، وسعيان بين الصفا والمروة ، فعليه إذا قدم طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعي بين الصفا والمروة ثم يقصّر ، وقد احلّ هذا للعمرة ، وعليه للحج طوافان وسعي بين الصفا والمروة ويصلي عند كل طواف بالبيت ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام (٢) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المفرد عليه طواف بالبيت وركعتان عند مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعي بين الصفا والمروة ، وطواف الزيارة وهو طواف النساء ، وليس عليه هدي ولا أضحية) (٣) وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إنما نسك الذي يقرن بين الصفا والمروة مثل نسك المفرد ، ليس بأفضل منه إلا بسياق الهدي ، وعليه طواف بالبيت وصلاة ركعتين خلف المقام ، وسعي واحد بين الصفا والمروة وطواف بالبيت بعد الحج) (٤).

(٢) ووجوبه في العمرة المفردة بلا خلاف فيه معتدّ به ويدل عليه أخبار منها : خبر إسماعيل بن رباح عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال : نعم) (٥) وخبر محمد بن عيسى (كتب أبو القاسم مخلد بن موسى الرازي إلى الرجل يسأله عن العمرة المبتولة هل على صاحبها طواف النساء؟ وعن التي يتمتع بها إلى الحج؟ فكتب : أما العمرة المبتولة فعلى صاحبها طواف النساء ، وأما التي يتمتع بها إلى الحج فليس على صاحبها طواف النساء) (٦).

وحكى الشهيد في الدروس عن الجعفي عدم وجوبه في العمرة المفردة لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا دخل المعتمر مكة من غير تمتع وطاف بالبيت وصلى ركعتين عند مقام إبراهيم وسعى بين الصفا والمروة فليلحق بأهله إن شاء) (٧) ، وخبر أبي ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٥.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٨ و ١٣ و ٦.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف حديث ٨.

(٦) الوسائل الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٧) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب العمرة حديث ٢.

٤١٥

فاعل) للنسك (إلا عمرة التمتع) (١) فلا يجب فيها ، (وأوجبه فيها بعض الأصحاب) وهو ضعيف ، فيشمل قوله كل فاعل (٢) ، الذكر والأنثى ، الصغير والكبير ، ومن يقدر على الجماع وغيره. وهو كذلك ، إلا أن إطلاق الوجوب على غير المكلف مجاز ، والمراد أنه ثابت عليهم حتى لو تركه الصبي حرم عليه النساء بعد البلوغ حتى يفعله ، أو يفعل عنه ، (وهو متأخر عن السعي) (٣) ، فلو قدمه عليه عامدا أعاده

______________________________________________________

ـ خالد مولى علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن مفرد العمرة عليه طواف النساء؟ قال : ليس عليه طواف النساء) (١) ، وقد اعرض المشهور عنها فلذا يشكل الاعتماد عليها.

(١) بلا خلاف فيه ، قال في الجواهر (وإن حكاه في اللمعة عن بعض الأصحاب واسنده في الدروس إلى النقل ، لكن لم يعين الناقل ولا ظفرنا به ، ولا أحد ادعاه سواه ، بل في المنتهى لا اعرف فيه خلافا) ويدل على عدمه في عمرة التمتع اخبار منها صحيح معاوية بن عمار وخبر محمد بن عيسى المتقدمان ، نعم يوجد خبر سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه‌السلام قال : (إذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت وصلى ركعتين خلف مقام إبراهيم عليه‌السلام وسعى بين الصفا والمروة وقصّر فقد حل له كل شي‌ء ما خلا النساء ، فإن عليه لتحله النساء طوافا وصلاة) (٢) وهو ضعيف السند ولا جابر له.

(٢) من الرجال والنساء والصبيان والخناثى والخصيان ، وهذا التعميم لدفع توهم اختصاصه بمن يباشر النساء فقط ويدل عليه فضلا عن أدلة اطلاق وجوبه صحيح الحسين بن علي بن يقطين (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الخصيان والمرأة الكبيرة ، أعليهم طواف النساء؟ قال : نعم عليهم الطواف كلهم) (٣).

(٣) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر أحمد بن محمد عمن ذكره (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف الحج ، ثم طاف طواف النساء ثم سعى ، قال : لا يكون السعي إلا من قبل طواف النساء ، فقلت : أعليه شي‌ء؟ فقال : لا يكون السعي إلا قبل طواف النساء) (٤).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨٢ ـ من أبواب الطواف حديث ٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٤١٦

بعده ، وناسيا يجزي (١) ، والجاهل عامد (٢).

(الثالثة) :

(يحرم لبس البرطلّة) (٣) بضم الباء والطاء وإسكان الراء وتشديد اللام (٤) المفتوحة ، وهي قلنسوة (٥) طويلة كانت تلبس قديما (في الطواف) لما روي من النهي عنها معللا بأنها من زيّ اليهود ، (وقيل) والقائل ابن إدريس واستقربه في الدروس : (يختص) التحريم (بموضع تحريم ستر الرأس) كطواف العمرة ، لضعف

______________________________________________________

(١) لخبر سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه‌السلام (سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة ، قال : لا يضره ، يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجه) (١) وهو محمول على الضرورة والنسيان جمعا بينه وبين ما دل على لا بدية تقديم السعي على طواف النساء.

(٢) ففي المدارك (وفي إلحاق الجاهل بالعامد أو بالساهي وجهان ، ورواية سماعة تتناوله) وهذا يقتضي إلحاقه بالساهي ، ومن ألحقه بالعامد فلعدم الاجزاء لعدم المطابقة بين المأتى به وبين المأمور به ، ولاصالة الاشتغال ، ولبقاء حرمة النساء حتى يأتى بطواف النساء بعد السعي.

(٣) قال الشيخ في النهاية بالحرمة ، وفي التهذيب بالكراهة ، وعن ابن إدريس الكراهة في الحج والحرمة في طواف العمرة نظرا إلى تحريم الرأس فيه ، والأصل فيه خبر يزيد بن خليفة (رآني أبو عبد الله عليه‌السلام أطوف حول الكعبة وعليّ برطلّة ، فقال لي بعد ذلك : قد رأيتك تطوف حول الكعبة وعليك برطلّة ، لا تلبسها حول الكعبة فإنها من زي اليهود) (٢) وخبر زياد بن يحيى الحنظلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا تطوفنّ بالبيت وعليك برطلّة) (٣) ، وهما ضعيفا السند فلا يصلحان إلا مستندا للكراهة.

(٤) وقيل بالتخفيف.

(٥) إنها قلنسوة طويلة كانت تلبس قديما على ما ذكره المحقق الثاني في جامعه وسيد المدارك والشارح في المسالك فضلا عن الروضة ، وعن العين والمحيط والقاموس إنها المظلة الصيفية ، وعن الجوالقي إنها كلمة نبطية وليست من كلام العرب ، وعن ابن جني في سر الصناعة (إن النبط يجعلون الظاء طاء ولهذا قالوا البرطلة ، وإنما هو ابن الظل).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦٥ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦٧ ـ من أبواب الطواف حديث ٢ و ١.

٤١٧

مستند التحريم. وهو الأقوى ، ويمكن حمل النهي على الكراهة بشاهد التعليل ، وعلى تقدير التحريم لا يقدح في صحة الطواف ، لأن النهي عن وصف خارج عنه وكذا لو طاف لابسا للمخيط.

(الرابعة) :

(روي عن علي (ع) بسند ضعيف (في امرأة نذرت الطواف على أربع) يديها ورجليها (أن عليها طوافين) (١) بالمعهود وعمل بمضمونه الشيخ [رحمه‌الله]. (وقيل) والقائل المحقق : (يقتصر) بالحكم (على المرأة) ، وقوفا فيما خالف الأصل على موضع النص ، (ويبطل في الرجل) لأن هذه الهيئة غير معتدّ بها شرعا ، فلا ينعقد في غير موضع النص ، (وقيل) والقائل ابن إدريس : (يبطل فيهما) لما ذكر ، واستضعافا للرواية.

(والأقرب الصحة فيهما) للنص ، وضعف السند منجبر بالشهرة وإذا ثبت في المرأة ففي الرجل بطريق أولى. والأقوى ما اختاره ابن إدريس من البطلان

______________________________________________________

(١) وإليه ذهب الشيخ والقاضي ونسب إلى الشهرة لخبر السكوني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قال أمير المؤمنين عليه‌السلام في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال : تطوف اسبوعا ليديها واسبوعا لرجليها) (١) ، وخبر أبي الجهم عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم‌السلام (أنه قال في امرأة نذرت أن تطوف على أربع قال : تطوف اسبوعا ليديها واسبوعا لرجليها) (٢) وهما ضعيفان ، أما الأول فلكون السكوني عاميا ، وأما الثاني فلكون أبي الجهم مشترك بين جماعة وبعضهم لم يوثق فضلا عن اشتمال سند الثاني على موسى بن عيسى اليعقوبي وهو مجهول.

وعن ابن إدريس وتبعه سيد المدارك وجماعة عدم انعقاد النذر ، لأنه نذر لهيئة غير مشروعة ، وعن المحقق أنه يجب طوافان إذا كان الناذر امرأة اقتصارا على مورد النص وعن العلامة في المنتهى (البطلان في حق الرجل والتوقف في حق المرأة فإن صح سند الخبرين عمل بموجبهما وإلا بطل كالرجل) ، وفيه : لا ريب في ضعف الخبرين ولكن منجبران بعمل الأصحاب فلا بد من العمل بهما ، وإذا ثبت ذلك في المرأة فيثبت في حق الرجل لعدم خصوصية المورد.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٧٠ ـ من أبواب الطواف حديث ١ و ٢.

٤١٨

مطلقا (١) ، وربما قيل (٢) : ينعقد النذر ، دون الوصف ويضعّف بعدم قصد المطلق.

(الخامسة) :

(يستحب إكثار الطواف) لكل حاضر بمكة (ما استطاع (٣) وهو أفضل من الصلاة تطوعا للوارد) (٤) مطلقا (٥) ، وللمجاور في السنة الأولى ، وفي الثانية يتساويان ، فيشرّك بينهما ، وفي الثالثة تصير الصلاة أفضل كالمقيم (٦) ، (وليكن)

______________________________________________________

(١) في المرأة والرجل.

(٢) لم أجد نسبته إلى أحد ، ومراده أن النذر قد تعلق بالطواف وبالهيئة ، فإذا بطل النذر في الهيئة فلا يبطل في الطواف ، وفيه : إن المقصود من نذر الهيئة هو نذرها ضمن الطواف فهي حصة خاصة من الطواف فإذا بطلت بطل المطلق في ضمنها ، هذا فضلا عن عدم قصده مطلق الطواف بل الطواف المقيد بحصة خاصة.

(٣) للأخبار منها : صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن الله جعل حول الكعبة عشرين ومائة رحمة ، منها ستون للطائفين) (١) وصحيح أبي عبد الله الخزاز عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إن للكعبة للخطة في كل يوم يغفر لمن طاف بها ، أو حنّ قلبه إليها ، أو حبسه عنها عذر) (٢).

(٤) وهو غير المجاور.

(٥) في جميع السنوات.

(٦) للأخبار منها : خبر حريز (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الطواف لغير أهل مكة لمن جاور بها أفضل أو الصلاة ، قال : الطواف للمجاورين أفضل من الصلاة ، والصلاة لاهل مكة والقاطنين بها أفضل من الطواف) (٣) ، وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من أقام بمكة سنة فالطواف أفضل من الصلاة ، ومن أقام سنتين خلط من ذا ومن ذا ، ومن أقام ثلاث سنين كانت الصلاة له أفضل من الطواف) (٤).

وقال في المدارك (والظاهر أن المراد بالصلاة النوافل المطلقة غير الرواتب ، إذ ليس في الروايتين تصريح بأفضلية الطواف على كل صلاة ، وينبّه عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتضمنة للأمر بقطع الطواف لخوف فوات الوتر ، والبدأة بالوتر ثم إتمام الطواف) وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه‌السلام (سألته عن الرجل يكون في ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب الطواف حديث ٣ و ٥.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الطواف حديث ٤ و ١.

٤١٩

الطواف (ثلاثمائة وستين طوافا (١) فإن عجز) عنها (جعل أشواطا) فتكون أحدا وخمسين طوافا ، ويبقى ثلاثة أشواط تلحق بالطواف الأخير ، وهو مستثنى من كراهة القرآن في النافلة بالنص ، واستحب بعض الأصحاب إلحاقه بأربعة أخرى لتصير مع الزيادة طوافا كاملا ، حذرا من القران. واستحباب ذلك (٢) لا ينافي الزيادة ، وأصل القران في العبادة مع صحتها لا ينافي الاستحباب (٣) وهو حسن

______________________________________________________

ـ الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه فطلع الفجر فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فليوتر ، ثم يرجع فيتم طوافه ، أفترى ذلك أفضل أم يتمّ الطواف ثم يؤثر ، وإن أسفر بعض الاسفار ، قال : ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ذلك ، ثم أتمّ الطواف بعد) (١).

(١) كل طواف سبعة أشواط ، فالمجموع الفان وخمس مائة وعشرون شوطا بلا خلاف فيه لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يستحب أن يطوف ثلاثمائة وستين اسبوعا على عدد أيام السنة ، فإن لم يستطع فثلاثمائة وستين شوطا ، فإن لم يستطع فما قدرت عليه من الطواف) (٢) ومقتضى استحباب الثلاثمائة وستين شوطا أن يكون الطواف الأخير عشرة أشواط ، والمجموع أحد وخمسون طوافا والأخير عشرة اشواط ، وقد ذهب جماعة منهم المحقق وسيد المدارك من أن هذه الزيادة غير مكروهة لظاهر النص ، ويكون استثناء من القران بالطواف المندوب ، ونقل العلامة في المختلف عن ابن زهرة أنه استحب زيادة أربعة اشواط على الثلاثة المنفردة ليصير طوافا كاملا حذرا من القران في الطواف المندوب ، وليوافق عدد أيام السنة الشمسية ، ونفى عنه البأس في المختلف ، ويشهد له ما رواه البزنطي عن علي عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يستحب أن يطاف بالبيت عدد أيام السنة ، كل اسبوع لسبعة أيام ، فذلك اثنان وخمسون اسبوعا) (٣).

(٢) هذا دفع توهم آت على كلام ابن زهرة والتوهم كيف تكون هذه الأشواط الاربعة مستحبة مع أن المستحب هو ثلاثمائة وستين شوطا كما هو مدلول صحيح معاوية بن عمار ، والدفع إن استحباب هذا العدد المخصوص لا ينافي في استحباب الزيادة عليه فهو مستحب مع مستحب آخر.

(٣) دفع توهم ثان آت على كلام ابن زهرة ، لأن ظاهر كلام ابن زهرة الحاق الأربعة بالعشرة

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الطواف حديث ٢.

٤٢٠