الزبدة الفقهيّة - ج ٣

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٣

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الفقه للطباعة والنشر
المطبعة: سليمان‌زاده
الطبعة: ٥
ISBN: 964-8220-34-4
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٦٨٨

فيهما قدّم أقلهما ظلا (١) ، ولو اتفقا قدرا فالأقرب (٢). والموجود في النصوص هو الجلوس تحت الظلال ، أما المشي فلا ، وهو الأقوى وإن كان ما ذكره أحوط ، فعلى ما اخترناه (٣) ، لو تعارض المشي في الظل بطريق قصير ، وفي غيره بطويل قدّم القصير (٤) ، وأولى منه لو كان القصير أطولهما ظلّا (٥) ، (ولا يصلي إلا بمعتكفه) (٦) فيرجع الخارج لضرورة إليه (٧) ، وإن كان في مسجد آخر أفضل منه ، إلا مع الضرورة كضيق الوقت ، فيصلها حيث أمكن ، مقدما للمسجد مع الإمكان (٨) ،

______________________________________________________

ـ الأول زيادة زمان الخروج ، فالزيادة غير مضرة ما دام الخروج ضروريا.

(١) لأن الضرورات تقدر بقدرها.

(٢) لأن المشي في الظل فيهما على حد سيان ، فوجب أن يقدم الأقرب لأن سلوك غيره موجب لزيادة اللبث خارج المسجد من دون اضطرار وهذا ما يبطل الاعتكاف.

(٣) من عدم حرمة المشي تحت الظل.

(٤) وإن كان تحت الظل لعدم حرمته لئلا يلزم بسلوك الطويل زيادة لبث خارج المسجد المبطل للاعتكاف.

(٥) فإذا قدم القصير ذو الظل على الطويل الخالي عنه فمن باب أولى يقدّم القصير ذو الظل الأكثر على الطويل الذي فيه ظل أقل ، لأن في الثاني هناك قدرا من الظل مشتركا بين الطريقين بخلاف الأول.

(٦) أي لا يجوز له الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه ، إذا خرج منه لضرورة وذلك لأن الخروج للضرورة فيتقدر بقدرها ، إلا في مكة فإذا خرج من مسجدها للضرورة فيجوز له الصلاة في أي من بيوتها ، بلا خلاف في ذلك كله ، ولصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء ، سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها ـ إلى أن قال ـ ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة) (١). ومثله غيره ، ويستثنى من ذلك صلاة الجمعة لو أقيمت في غير مسجد اعتكافه في غير مكة ، لأنه خروج شرعي ، ويدل عليه صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غائط) (٢).

(٧) إلى معتكفه.

(٨) لأنه مطالب بإيقاعها في مسجد اعتكافه ، ومع الضرورة فينزل عن عنوان مسجد اعتكافه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ٦.

٢٢١

ومن الضرورة إلى الصلاة في غيره إقامة الجمعة فيه دونه (١) فيخرج إليها ، وبدون الضرورة لا تصح الصلاة أيضا ، للنهي (إلا في مكة) فيصلي إذا خرج لضرورة بها حيث شاء ، ولا يختص بالمسجد.

(ويجب الاعتكاف بالنذر وشبهه) من عهد ويمين (٢) ، ونيابة عن الأب إن وجبت (٣) ، واستئجار عليه (٤) ، ويشترط في النذر ، وأخويه إطلاقه (٥) فيحمل على ثلاثة ، أو تقييده بثلاثة فصاعدا ، أو بما لا ينافي الثلاثة (٦) ، كنذر يوم لا أزيد ، وأما الأخيران (٧) فبحسب الملتزم فإن قصر عنها اشترط إكمالها في صحته ، ولو عن نفسه (٨) ، (وبمضي يومين) ولو مندوبين فيجب الثالث (على الأشهر) (٩) ،

______________________________________________________

ـ إلى مطلق المسجد إن أمكن.

(١) أي في غير معتكفه والضمير في (دونه) راجع إلى معتكفه ، والمعنى فيخرج إلى الجمعة المقامة في غير معتكفه.

(٢) لوجوب الوفاء بالنذر وأخويه كما سيأتي في أبوابه.

(٣) أي وجبت النيابة ، فالاعتكاف الواجب على الأب ينتقل إلى ولده بناء على وجوب قضاء ما فات عن الوالد مطلقا من صلاة وصوم واعتكاف وغيره.

(٤) أي على الاعتكاف لوجوب الوفاء بعقد الإجارة.

(٥) فيجب أن يؤتى به ثلاثة أيام لأنها أقل ما يتحقق به المطلق.

(٦) لأن ما ينافيها لا ينعقد به النذر ، لأنه غير مشروع.

(٧) أي النيابة والاستئجار.

(٨) كما لو كان مستأجرا على يوم واحد من الاعتكاف ، فيشترط في صحة اعتكاف هذا اليوم إكماله بيومين آخرين من عنده وعن نفسه وبدون أجرة.

(٩) للأخبار منها : صحيح محمد بن مسلم. كما في رواية الكافي ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام (إذا اعتكف الرجل يوما ولم يكن اشترط فله أن يخرج وأن يفسخ الاعتكاف ، وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (١) ، وصحيح أبي عبيدة ـ كما في رواية الكافي ـ عن أبي جعفر عليه‌السلام (من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار ، إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر ، وإن شاء خرج من المسجد ، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر) (٢) ، وذيل الخبر الثاني ظاهر في ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ١ و ٣.

٢٢٢

لدلالة الأخبار عليه ، (وفي المبسوط) يجب (بالشروع) مطلقا (١) ، وعلى الأشهر يتعدى إلى كل ثالث على الأقوى كالسادس والتاسع لو اعتكف خمسة وثمانية ، وقيل : يختص بالأول (٢) خاصة ، وقيل في المندوب ، دون ما نذر خمسة فلا يجب السادس ، ومال إليه المصنف في بعض تحقيقاته.

والفرق (٣) أن اليومين في المندوب منفصلان عن الثالث شرعا ، ولما كان أقله ثلاثة كان الثالث هو المتمم للمشروع ، بخلاف الواجب ، فإن الخمسة فعل واحد

______________________________________________________

ـ وجوب كل ثالث لا خصوص ثالث الأيام الأول أو الثانية فقط ، نعم هاتان الروايتان رواهما الشيخ بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال ومذهبه فاسد كما في الخلاصة لا يضر بعد كون طريق الكافي في أعلى مراتب الصحة ، وبعد كون ابن فضال موثقا حتى في الخلاصة. ومنه تعرف ضعف ما عنه السيد والحلي والمحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والمختلف والقواعد من أنه لا يجب إتمام الاعتكاف المندوب حتى في اليوم الثالث لعدم الفرق بين أيامه مع استصحاب جواز عدم المضي ، وأن مثله مثل الصلاة المندوبة ، والخبران السابقان حجة تدفع هذا القول.

وعن الشيخ والحلبي وابن زهرة عدم جواز قطع الاعتكاف المندوب مطلقا ، بحيث يجب إتمامه بعد الشروع فيه ، وقال سيد المدارك (أما القائلون بوجوبه بالدخول فيه فلم نقف لهم على مستند) نعم استدل لهم بما دل على حرمة إبطال العمل كقوله تعالى : (وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) (١) ، ولما دل على وجوب الكفارة بالجماع قبل تمام ثلاثة أيام كما سيأتي دليله ، وفيه : إن وجوب الكفارة لهتك الاعتكاف المستحب ، وحرمة الإبطال مخصص بالخبرين السابقين.

(١) وإن لم يمض يومان.

(٢) أي بالثالث الأول فقط دون السادس والتاسع ، وقد نقل عن المصنف في بعض تحقيقاته قوله (وكان شيخنا عميد الدين يومي إلى عدم وجوب السادس وما بعده ولو قلنا بوجوب الثالث ، ولعله وقوف على مورد النص ، والميل بالأصل واتصال الاعتكاف بعضه ببعض ، وعلى هذا الوجه يقوى في الواجب عدم وجوب السادس) ، ويدفعه صحيح أبي عبيدة المتقدم كما تقدم الكلام فيه.

(٣) بين وجوب الثالث في المندوب وكذا السادس ، وبين عدم وجوب السادس في الواجب المنذور.

__________________

(١) سورة محمد الآية : ٣٣.

٢٢٣

واجب متصل شرعا. وإنما نسب الحكم إلى الشهرة ، لأن مستنده من الأخبار غير نقي السند (١) ، ومن ثمّ ذهب جمع إلى عدم وجوب النفل مطلقا (٢).

(ويستحب) للمعتكف (الاشتراط) (٣) في ابتدائه (٤) ، للرجوع فيه عند العارض (٥) (كالمحرم) فيرجع عنده ، وإن مضى يومان (٦) ، (وقيل) : يجوز اشتراط

______________________________________________________

(١) لوجود علي بن الحسن بن فضال في سند الروايتين كما في رواية الشيخ ، وقد عرفت أنهما في أعلى مراتب الصحة كما في رواية الكافي.

(٢) حتى في اليوم الثالث.

(٣) بلا خلاف للأخبار منها : خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وينبغي للمعتكف إذا اعتكف أن يشترط كما يشترط الذي يحرم) (١) ، وموثق عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (واشترط على ربك في اعتكافك كما تشترط في إحرامك أن يحلك من اعتكافك عند عارض إن عرض لك من علة تنزل بك من أمر الله تعالى) (٢) ، وصريح الأول الاستحباب ، كما أن التشبيه يقتضيه لأن الاشتراط في المحرم مستحب كما سيأتي.

(٤) حين النية لانصراف النصوص ، بل بعضها صرح بذلك في إحرام الحج كما في خبر الكناني عن أبي عبد الله عليه‌السلام (يقول حين يريد أن يحرم : أن حلّني حيث حبستني) (٣).

(٥) كما صرح بذلك جماعة منهم الفاضل في التذكرة لصريح موثق عمر بن يزيد المتقدم ، وللتشبه بالمحرم لأن فكه لا يكون إلا بعارض وعن الأكثر جواز الرجوع فيه حتى في اليوم الثالث وعند عدم العارض إذا اشترط فيكون المضي تابعا لاختياره ، لمفهوم صحيح ابن مسلم المتقدم عن أبي جعفر عليه‌السلام (وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (٤) ومفهومه أنه يجوز له الفسخ إذا اشترط مطلقا ، وفيه أنه مقيد بما سمعت.

(٦) على المشهور كما يقتضيه مفهوم صحيح محمد بن مسلم المتقدم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (وإن أقام يومين ولم يكن اشترط فليس له أن يفسخ اعتكافه حتى تمضي ثلاثة أيام) (٥) ، وعن المبسوط المنع في الثالث لإطلاق ما دل على المنع عن الخروج في الثالث ، ولكنه مقيّد بما عرفت.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب الإحرام حديث ١.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ١.

٢٢٤

الرجوع فيه (مطلقا (١) فيرجع متى شاء ، وإن لم يكن لعارض ، واختاره في الدروس ، والأجود الأول. وظاهر العبارة يرشد إليه (٢) ، لأن المحرم يختص شرطه بالعارض ، إلا أن يجعل التشبيه في أصل الاشتراط ولا فرق في جواز الاشتراط بين الواجب وغيره (٣) ، لكن محله في الواجب وقت النذر وأخويه (٤) ، لا وقت الشروع ، وفائدة الشرط في المندوب سقوط الثالث لو عرض بعد وجوبه (٥) ما يجوز الرجوع ، وإبطال الواجب مطلقا (٦).

(فإن شرط وخرج فلا قضاء) في المندوب مطلقا (٧) ، وكذا الواجب المعين ، أما المطلق فقيل : هو كذلك ، وهو ظاهر الكتاب وتوقف في الدروس ، وقطع المحقق بالقضاء ، وهو أجود ، (ولو لم يشترط ومضى يومان) في المندوب (أتم)

______________________________________________________

(١) حتى مع عدم العارض.

(٢) أي إلى الأول حيث جعله شبيها بالمحرم.

(٣) لإطلاق نصوص الاشتراط.

(٤) على المشهور لأن الاعتكاف تابع للنذر ، وعن الحدائق والمدارك أن نيته وقت الشروع بالاعتكاف لأن ظاهر النصوص على ذلك ، وفيه : إنها ناظرة إلى الاعتكاف غير المنذور.

(٥) وذلك بمضي يومين من الاعتكاف ، ولا يجب إكماله مع الشرط كما صرحت بذلك النصوص ، والمفروض قد اشترط ، ومع عدم وجوب إكماله فلم يثبت وجوبه في الذمة حتى يجب قضاؤه.

(٦) سواء كان في اليومين الأولين أو في اليوم الثالث ، وعليه فإذا كان الواجب منذورا على نحو التعيين في أيام مخصوصة فلا يجب قضاؤه لعدم تحقق موضوع الفوت لأنه يجوز له الرجوع عنه ، ولا يكون الرجوع مخالف للنذر حتى يصدق عنوان الفوت ، وهذا مما لا خلاف فيه ، نعم لو كان الواجب المنذور مطلقا ـ أعني لم يتعين زمانه ـ فلا بدّ من وجوب الإتيان به بعد ذلك ، وعن المشهور أنه لا قضاء لأن المأتي به من الاعتكاف وإن خرج في أثنائه بالشرط قد حقق الوفاء بالنذر ، والأجود الأول لأن النذر تعلق بأصل الاعتكاف وإن جاز له الخروج بالشرط عند تحقق العارض ، فلا بد من الامتثال. وهذا ما عليه المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والتذكرة والشارح في المسالك وسيد المدارك.

(٧) أما في اليوم الثالث فقد تقدم الكلام فيه ، وأما في اليومين الأولين ، فواضح لأنه متبرع فيجوز له الرجوع من دون قضاء مع عدم الشرط ، فكيف إذا اشترط ، ثم إن المراد بالقضاء هنا هو الإتيان.

٢٢٥

الثالث وجوبا ، وكذا إذا أتم الخامس وجب السادس ، وهكذا كما مر ، (ويحرم عليه نهارا ما يحرم على الصائم) (١) حيث يكون الاعتكاف واجبا ، وإلا فلا وإن فسد في بعضها (٢) ، (وليلا ونهارا الجماع) (٣) قبلا ودبرا ، (وشم الطيب) (٤) ، والرياحين (٥) على الأقوى ، لورودها (٦) معه في الأخبار وهو مختاره في الدروس ، (والاستمتاع بالنساء) (٧) لمسا وتقبيلا وغيرهما (٨) ، ولكن لا يفسد به (٩) الاعتكاف على الأقوى (١٠) ، بخلاف الجماع.

______________________________________________________

(١) إذا كان الاعتكاف واجبا ، لأنه لا يصح إلا بصوم ، فيفسد بفساد شرطه.

(٢) أي أن تناول بعض ما يحرم على الصائم يفسد الاعتكاف المندوب ، ولكنه ليس بحرام على المعتكف ، لأن الاعتكاف المندوب لا يجب إكماله إلا بعد مضي يومين منه كما تقدم.

(٣) بلا خلاف لقوله تعالى : (وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عٰاكِفُونَ فِي الْمَسٰاجِدِ) (١) ، ولموثق الحسن بن الجهم عن أبي الحسن عليه‌السلام (عن المعتكف يأتي أهله؟ فقال عليه‌السلام : لا يأتي امرأته ليلا ولا نهارا وهو معتكف) (٢) والإتيان يشمل القبل والدبر.

(٤) على المشهور لصحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه‌السلام (المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان ، ولا يماري ولا يشتري ولا يبيع) (٣) ، وخالف الشيخ في المبسوط وذهب إلى عدم حرمته ، ودليله غير ظاهر.

(٥) كما نسب إلى الأكثر لصحيح أبي عبيدة المتقدم.

(٦) أي لورود الرياحين مع الطيب.

(٧) على المشهور لقوله تعالى : (وَلٰا تُبَاشِرُوهُنَّ) (٤) ، بدعوى أنه يشمل اللمس والتقبيل والنظر بشهوة ، وعن المستمسك أن المباشرة مخصوص بالجماع ، وعن الشيخ في التهذيب جواز ما عدا الجماع ، وقال صاحب الجواهر يصعب إقامة الدليل على حرمة النظر بشهوة ، وقصر المباشرة على الجماع غير واضح نعم جعله شاملا للنظر بشهوة ليس في محله.

(٨) كالنظر بشهوة.

(٩) بالاستمتاع.

(١٠) كما عن الفاضل في المختلف ، لأن النهي قد تعلق بأمر خارج عن العبادة ، وفيه : كل ـ

__________________

(١) سورة البقرة الآية : ١٨٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ١.

(٤) سورة البقرة الآية : ١٨٧.

٢٢٦

(ويفسده ما يفسد الصوم) من حيث فوات الصوم ، الذي هو شرط الاعتكاف ، (ويكفّر) للاعتكاف زيادة على ما يجب الصوم (١) (إن أفسد الثالث) (٢) مطلقا (٣) ، (أو كان واجبا) وإن لم يكن ثالثا ، (ويجب بالجماع في الواجب نهارا كفارتان ، إن كان في شهر رمضان) (٤) إحداهما عن الصوم ، والأخرى عن الاعتكاف ، (وقيل) : تجب الكفارتان بالجماع في الواجب (مطلقا) (٥) ، وهو ضعيف.

______________________________________________________

ـ من قال بحرمته قال بإفساده لأن النهي عنه وعن الجماع بعبارة واحدة فكما أوجب الفساد في الجماع يوجبه في غيره.

(١) كما إذا كان صوم شهر رمضان.

(٢) ذهب الشيخ والمحقق وأكثر المتأخرين إلى أن الكفارة لا تجب إلا بالجماع دون ما عداه من المفطرات الموجبة لإبطال الاعتكاف ، للأخبار منها : موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستين مسكينا) (١) ، وعن المفيد والسيدين والعلامة وجوب الكفارة بفعل كل مفطر ، إلحاقا لغير الجماع بالجماع ، وفيه : إنه قياس ولذا قال في المعتبر لا أعرف مستندهم.

ثم خصت الكفارة باليوم الثالث لوجوبه دون الأولين لأنه يجوز له أن يرجع عن الاعتكاف ، ومنه تعرف حكم الكفارة في الاعتكاف الواجب مطلقا.

(٣) وإن لم يكن الأول والثاني واجبا.

(٤) بلا خلاف فيه لخبر عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام (عن رجل وطأ امرأته وهو معتكف ليلا في شهر رمضان ، قال : عليه الكفارة ، قلت : فإن وطأها نهارا؟ قال : عليه كفارتان) (٢) ، وقال سيد المدارك (ونقل عن السيد المرتضى ـ رضي‌الله‌عنه ـ أنه أطلق وجوب الكفارتين على المعتكف إذا جامع نهارا ، والواحدة إذا جامع ليلا ، قال في التذكرة : والظاهر أن مراده رمضان ، واستقرب الشهيد في الدروس هذا الإطلاق ، قال : لأن في النهار صوما واعتكافا ، وهو ضعيف ، لأن مطلق الصوم لا يترتب على إفساده الكفارة كما هو واضح) انتهى.

(٥) وإن لم يكن في شهر رمضان كما في ثالث يوم من الاعتكاف.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ٤.

٢٢٧

نعم لو كان وجوبه متعينا بنذر وشبهه ، وجب بإفساده كفارة بسببه (١) ، وهو أمر آخر (٢) وفي الدروس ألحق المعين برمضان مطلقا (٣) ، (و) في الجماع (ليلا) كفارة (واحدة) في رمضان وغيره (٤) ، إلا أن يتعين بنذر وشبهه فيجب كفارة بسببه أيضا لإفساده ، ولو كان إفساده بباقي مفسدات الصوم غير الجماع وجب نهارا كفارة واحدة (٥) ، ولا شي‌ء ليلا إلا أن يكون متعينا بنذر وشبهه فيجب كفارته (٦) أيضا ، ولو فعل غير ذلك من المحرمات على المعتكف كالتطيب والبيع والممارات (٧) أثم ، ولا كفارة (٨) ، ولو كان (٩) بالخروج في واجب متعين بالنذر وشبهه وجبت كفارته (١٠) ، وفي ثالث المندوب الإثم والقضاء (١١) لا غير (١٢) ، وكذا لو أفسده (١٣) بغير الجماع ، وكفارة الاعتكاف ككفارة رمضان في قول (١٤) ، وكفارة

______________________________________________________

(١) أي بسبب خلف النذر.

(٢) غير كفارة الصوم بما هو صوم.

(٣) قيد للمعين ، والمتعين إما بنذر وإما شهر رمضان المضيّق ، فإن كان متعينا بنذر فتجب كفارة خلف النذر مع كفارة إفساد الاعتكاف ، وإن كان قضاء شهر رمضان فتجب كفارة قضاء شهر رمضان مع كفارة إفساد الاعتكاف ، فالمدار على تعدد الكفارة واتحادها على تعدد السبب واتحاده.

(٤) لإطلاق موثق ابن الجهم المتقدم.

(٥) إن كان في شهر رمضان.

(٦) أي كفارة خلف النذر.

(٧) كما في صحيح أبي عبيدة المتقدم.

(٨) عدم الكفارة لأنها مختصة بالجماع ، والإثم لمخالفته النهي.

(٩) أي ولو كان إفساد الاعتكاف بالخروج عن المسجد.

(١٠) أي كفارة خلف النذر.

(١١) أما الإثم فللنهي ، وأما القضاء فلوجوبه عليه مع عدم الخروج عن العهدة فيجب عليه إتيانه ثانيا وهذا هو معنى القضاء هنا ، كما تقدم ، وإن كان إتيانه ثانيا يستدعي الإتيان بالأيام الثلاثة إذ لا اعتكاف أقل من ثلاثة.

(١٢) لأن الكفارة مخصوصة بالجماع.

(١٣) بالأكل والشرب وبما يحرم على الصائم.

(١٤) على المشهور لموثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سألته عن معتكف واقع أهله ، قال : عليه ما على الذي أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا ، عتق رقبة أو صيام شهرين ـ

٢٢٨

ظهار في آخر ، والأول أشهر ، والثاني أصح رواية.

(فإن أكره المعتكفة) (١) عليه نهارا في شهر رمضان مع وجوب الاعتكاف (فأربع) ، اثنتان عنه ، واثنتان يتحملهما عنها (على الأقوى) بل قال في الدروس : إنه لا يعلم فيه مخالفا ، سوى صاحب المعتبر ، وفي المختلف أن القول بذلك لم يظهر له مخالف ، ومثل هذا هو الحجة وإلا فالأصل يقتضي عدم التحمل فيما لا نص عليه ، وحينئذ (٢) فيجب عليه ثلاث كفارات اثنتان عنه للاعتكاف والصوم ، وواحدة عنها للصوم ، لأنه منصوص التحمل ، ولو كان الجماع ليلا فكفارتان عليه (٣) على القول بالتحمل.

______________________________________________________

ـ متتابعين أو إطعام ستين مسكينا) (١) وعن الشارح في المسالك وسيد المدارك ، ونسبه الشيخ في المبسوط إلى بعض أصحابنا أنها كفارة ظهار أي مرتبة لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام (عن المعتكف يجامع ـ أهله ـ قال : إذا فعل فعليه ما على المظاهر) (٢) ، وصحيح أبي ولاد الحناط (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن امرأة كان زوجها غائبا فقدم وهي معتكفة بإذن زوجها ، فخرجت حين بلغها قدومه من المسجد إلى بيتها ، فتهيأت لزوجها حتى واقعها ، فقال : إن كانت خرجت من المسجد قبل أن تقضي ثلاثة أيام ولم تكن اشترطت في اعتكافها فإن عليها ما على المظاهر) (٣) ، وحملت هاتان الروايتان على الاستحباب جمعا عرفيا.

(١) أي أكره المعتكف زوجته المعتكفة على الجماع وهما صائمان في شهر رمضان فقيل إن عليه أربع كفارات ، اثنتان عنه واثنتان عنها ، كما عن السيد والشيخ وعن المختلف أنه قول مشهور لعلمائنا لم يظهر له مخالف ، والوجه فيه إلحاق الاعتكاف بالصوم في تحمل الكفارة مع الإكراه.

وعن المحقق في المعتبر أنه يلزمه كفارتان فقط للأصل وهو عدم التحمل إلا ما دل عليه الدليل ، والدليل قد ورد في صوم رمضان فإلحاق الاعتكاف به قياس لا نقول به.

وأشكل عليه بأنه يلزم على المعتكف ثلاث كفارات ، كفارتان عنه ، وكفارة الصوم عنها لأنها منصوصة كما تقدم في كتاب الصوم.

(٢) أي حين إعمال الأصل المذكور.

(٣) كفارة عنه وكفارة عنها.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من كتاب الاعتكاف حديث ٥ و ١ و ٦.

٢٢٩
٢٣٠

كتاب الحج

٢٣١
٢٣٢

(كتاب الحج (١)

وفيه فصول) :

الأول. في شرائطه وأسبابه (يجب الحج ..................

______________________________________________________

(١) وهو من أعظم شعائر الإسلام ، وأفضل ما يتقرب به إلى الملك العلام ، لما فيه من إذلال النفس وإتعاب البدن ، وهجران الأهل والتغرب عن الوطن ، ورفض العادات وترك اللذات والشهوات ، ولما فيه من المنافرات والمكروهات وإنفاق المال وشد الرحال ومقاساة الأهوال ، فهو رياضة نفسانية وطاعة مالية ، وعبادة بدنية ، قولية وفعلية ، وجودية وعدمية ، وهذا من خواص الحج إذ لم تجتمع هذه الفنون في غيره من العبادات والطاعات ، وقد ورد الحث والترغيب عليه ففي خبر الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سمعته يقول : ويذكر الحج فقال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هو أحد الجهادين ، هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء ، أما إنه ليس شي‌ء أفضل من الحج إلا الصلاة ، وفي الحج هاهنا صلاة وليس في الصلاة قبلكم حج ، لا تدع الحج وأنت تقدر عليه ، أما ترى أنه يشعث فيه رأسك ويقشف فيه جلدك ، وتمتنع فيه من النظر إلى النساء ، وإنا نحن هاهنا ونحن قريب ولنا مياه متصلة ما نبلغ الحج حتى يشق علينا ، فكيف أنتم في بعد البلاد ، وما من ملك ولا سوقة يصل إلى الحج إلا بمشقة في تغيير مطعم أو مشرب ، أو ريح أو شمس لا يستطيع ردها ، وذلك قوله عزوجل : وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس ، إن ربكم لرءوف رحيم) (١) ، وخبر عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (حجة أفضل من سبعين رقبة لي ، قلت : ما يعدل الحج شي‌ء؟ قال : ما يعدله شي‌ء ، والدرهم في الحج أفضل من ألفي ألف فيما سواه في سبيل الله) (٢) ، وفي ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ٣.

٢٣٣

(على المستطيع) (١) بما سيأتي (من الرجال والنساء والخناثى على الفور) (٢) بإجماع

______________________________________________________

ـ صحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عليهم‌السلام (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقاه إعرابي فقال له : يا رسول الله إني خرجت أريد الحج ففاتني وأنا رجل مميل ، فمرني أن أصنع في مالي ما أبلغ به مثل أجر الحاج ، فالتفت إليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : انظر إلى أبي قبيس ، فلو أن أبا قبيس لك ذهبة حمراء أنفقته في سبيل الله ما بلغت ما يبلغ الحاج ، ثم قال : إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يرفع شيئا ولم يضعه إلا كتب الله له عشر حسنات ، ومحى عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، فإذا ركب بعيره لم يرفع خفا ولم يضعه إلا كتب الله له مثل ذلك ، فإذا طاف بالبيت خرج من ذنوبه ، فإذا سعى بين الصفا والمروة خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بعرفات خرج من ذنوبه ، فإذا وقف بالمشعر الحرام خرج من ذنوبه ، فإذا رمى الجمار خرج من ذنوبه ، قال : فعدّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كذا وكذا موقفا إذا وقفها الحاج من ذنوبه ، ثم قال : أنّى لك أن تبلغ ما بلغ الحاج ، قال أبو عبد الله عليه‌السلام : ولا تكتب عليه الذنوب أربعة أشهر وتكتب له الحسنات إلا أن يأتي بكبيرة) (١).

وفي صحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحاج على ثلاثة أصناف : صنف يعتق من النار ، وصنف يخرج من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أمه ، وصنف يحفظ في أهله وماله ، وهو أدنى ما يرجع به الحاج) (٢) ، وفي صحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من مات في طريق مكة ذاهبا أو جائيا أمن من الفزع الأكبر يوم القيامة) (٣) ، وفي صحيح صفوان الجمال عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت إلا أن يكون فيه خصال ثلاث : حلم يملك به غضبه ، وخلق يخالق به من صحبه ، وورع يحجزه عن معاصي الله) (٤) ومثله صحيح محمد بن مسلم (٥).

(١) ويدل عليه قوله تعالى : (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٦) وهو يتناول الرجال والنساء والخناثى.

(٢) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا قدر الرجل على ما يحج به ، ثم دفع ذلك وليس له شغل يعذره الله فيه فقد ترك شريعة من شرائع

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢ و ٢٠.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب أحكام العشرة حديث ٥ و ٤.

(٦) سورة آل عمران الآية : ٩٧.

٢٣٤

الفرقة المحقة وتأخيره كبيرة موبقة (١) ، والمراد بالفورية وجوب المبادرة إليه في أول عام الاستطاعة مع الإمكان ، وإلا ففيما يليه ، وهكذا ، ولم توقف على مقدمات من سفر وغيره وجب الفور بها (٢) على وجه يدركه كذلك (٣) ولو تعددت الرفقة في العام الواحد وجب السير مع أولاها فإن أخر عنها وأدركه مع التالية (٤) ، وإلا كان كمؤخره عمدا في استقراره (مرة) (٥) واحدة (بأصل الشرع ، وقد يجب بالنذر (٦) وشبهه) من العهد واليمين ، (والاستئجار (٧) ، والإفساد) (٨) فيتعدد بحسب وجود السبب.

______________________________________________________

ـ الإسلام) (١). وصحيح ذريح المحاربي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا) (٢).

(١) كما صرح به جماعة لقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ) (٣) فالتعبير بالكفر عن تارك الحج مع الاستطاعة صريح في كون تركه كبيرة موبقة للدين.

(٢) لأنها مقدمات الواجب بناء على أن مقدمة الواجب واجبة ولو عقلا.

(٣) أي في أول عام الاستطاعة مع الإمكان وإلا ففي الذي يليه.

(٤) فهو وإلا إن لم يدركه كان كمؤخره كما هو واضح.

(٥) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : خبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه‌السلام (إنما أمروا بحجة واحدة ، لا أكثر من ذلك ، لأن الله وضع الفرائض على أدنى القوة) (٤) ، ولم يخالف إلا الصدوق حيث جعل الحج فريضة على الغني في كل عام لأخبار ، منها : خبر حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الحج فرض على أهل الجدة في كل عام) (٥) ، وحملها على الاستحباب طريق الجمع.

(٦) لوجوب الوفاء به وبأخويه.

(٧) لوجوب الوفاء بعقد الاجارة.

(٨) كما سيأتي.

__________________

(١) الوسائل الباب ٦ من أبواب وجوب الحج حديث ٣.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣ و ١.

(٣) سورة آل عمران الآية : ٩٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

٢٣٥

(ويستحب تكراره) (١) لمن أداه واجبا ، (ولفاقد الشرائط) (٢) متكلفا ، (ولا يجزئ) ما فعله مع فقد الشرائط عن حجة الإسلام بعد حصولها (٣) (كالفقير) يحج ثم يستطيع ، (والعبد) يحج (بإذن مولاه) ثم يعتق ويستطيع فيجب الحج ثانيا.

(وشرط وجوبه البلوغ (٤) ، ...)

______________________________________________________

(١) لروايات أهل الجدة التي تقدم بعضها ، وهي محمولة على الاستحباب ، ولأخبار غيرها ، منها : مرسل الصدوق عن الصادق عليه‌السلام (من حج حجة الإسلام فقد حلّ عقدة من النار من عنقه ، ومن حج حجتين لم يزل في خير حتى يموت ، ومن حج ثلاث حجج متوالية ، ثم حج أو لم يحج فهو بمنزلة مدمن الحج) (١) وخبر صفوان عن أبي عبد الله عليه‌السلام (من حج ثلاث حجج لم يصبه فقر أبدا) (٢) وخبر منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (سأله عمن حج أربع حجج ما له من الثواب؟ قال : يا منصور من حج أربع حجج لم تصبه ضغطة القبر أبدا) (٣) وخبر أبي بكر الحضرمي (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : فالمنى حج خمس حجج؟ قال : من حج خمس حجج لم يعذبه الله أبدا) (٤) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام (من حج عشر حجج لم يحاسبه الله أبدا) (٥) ، وخبره الثالث عنه عليه‌السلام (من حج عشرين لم ير جهنم ، ولم يسمع شهيقها ولا زفيرها) (٦) ، وخبر إسحاق بن عمار (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني قد وطنت نفسي على لزوم الحج كلّ عام بنفسي ، أو برجل من أهل بيتي بمالي ، فقال : وقد عزمت على ذلك؟ فقلت : نعم ، قال : فإن فعلت فأيقن بكثرة المال ، أو أبشر بكثرة المال والبنين) (٧) ، وخبر عذافر عن أبي عبد الله عليه‌السلام (ما يمنعك من الحج في كل سنة؟ قلت : جعلت فداك ، العيال ، فقال : إذا متّ فمن لعيالك؟ أطعم عيالك الخل والزيت وحج بهم كل سنة) (٨).

(٢) كالمملوك والفقير لعموم الترغيب فيه.

(٣) أي بعد حصول شرائطها ، لأن ما فعله أولا لم يكن واجبا ، والأخبار السابقة الدالة على كون الحج مرة في العمر منصرفة إلى الحج الواجب ولا يجب إلا بعد حصول شرائطه.

(٤) بلا خلاف لحديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق) (٩) ، ولخبر مسمع عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لو أن غلاما حج عشر حجج ثم احتلم كانت عليه

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١٣ و ٢٢.

(٣ و ٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢٥ و ٢٦ و ٢٧ و ٢٨.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١ و ٣.

(٩) الوسائل الباب ـ ٤ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١١.

٢٣٦

والعقل (١) ، والحرية (٢) ، والزاد ، والراحلة) (٣) بما يناسبه قوة ، وضعفا (٤) ، لا شرفا ، وضعة (٥) ...

______________________________________________________

ـ فريضة الإسلام (١) ، وخبر إسحاق بن عمار (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن ابن عشر سنين يحج ، قال : عليه حجة الإسلام إذا احتلم ، وكذلك الجارية عليها الحج إذا طمثت) (٢) ومثله غيره.

(١) بلا خلاف فيه لحديث رفع القلم المتقدم.

(٢) بلا خلاف فيه ، للأخبار منها : موثق الفضل بن يونس عن أبي الحسن موسى عليه‌السلام (فليس على المملوك حج ولا عمرة حتى يعتق) (٣) ، وصحيح علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه‌السلام (المملوك إذا حج ثم أعتق فإن عليه إعادة الحج) (٤).

(٣) أي الاستطاعة ، وهي شرط في وجوب الحج بلا خلاف لقوله تعالى : (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) (٥) ، وللأخبار ، منها : خبر الخثعمي (سأل حفص الكناسي أبا عبد الله عليه‌السلام وأنا عنده عن قول الله عزوجل : (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة ، فهو ممن يستطيع الحج ، أو قال : ممن كان له مال) (٦) وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : ولله على الناس حج البيت (ما يعني بذلك؟ قال : من كان صحيحا في بدنه مخلّى سربه ، له زاد وراحلة) (٧).

(٤) لتحقيق عنوان الاستطاعة فلو كان ضعيفا لا يمكنه إلا ركوب البعير ، ووجدت عنده دابة فلا يعدّ مستطيعا وهكذا.

(٥) للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : فإن عرض عليه ما يحج به فأستحي من ذلك ، أهو ممن يستطيع إليه سبيلا ، قال : نعم ، ما شأنه يستحي ولو يحج على حمار أجدع أبتر ، فإن كان يستطيع أن يمشي بعضا ويركب بعضا فليحج) (٨) ومثله

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٣.

(٥) سورة آل عمران الآية : ٩٧.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤ و ٧.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٥.

٢٣٧

فيما يفتقر إلى قطع المسافة (١) وإن سهل المشي (٢) وكان معتادا له للسؤال (٣) ، ويستثنى له (٤) من جملة ماله داره ، وثيابه ، وخادمه ، ودابته ، وكتب علمه اللائقة

______________________________________________________

ـ صحيح ابن مسلم (١).

(١) هذا بالنسبة للراحلة والزاد معا لانصراف الأدلة السابقة والدالة على أن وجوب الحج مشروط بالزاد والراحلة إلى البعيد المحتاج إليهما دون غيره وهو القريب ، كأهل مكة وما والاها فلا يفتقرون إلى الراحلة مع إمكان المشي خصوصا إذا كان سهلا عليهم ، ولا يفتقرون إلى زاد أزيد من زادهم المعتاد في بيوتهم ، وهذا ما ذهب إليه المحقق في الشرائع والشارح في المسالك وسيد المدارك.

وعن الأكثر اشتراط الزاد والراحلة حتى للقريب لإطلاق الأدلة ، ولأن أهل مكة يحتاجون إلى راحلة لأن الحج متضمن للوقوفين ولأعمال منى وهي خارج مكة ، ولأن الخروج إلى هذه المواطن يستدعي غير زادهم المعتاد في بيوتهم ، نعم هم أقل زادا من البعيد ، ولا يحتاجون إلى راحلة قوية كما يحتاجه البعيد.

(٢) لعدم صدق الاستطاعة عند عدم الراحلة وإن كان قادرا على المشي تحكيما لأدلة اشتراط الراحلة ، وقد ورد على خلاف ذلك أخبار منها : صحيح الحلبي وصحيح ابن مسلم المتقدمان ، وخبر أبي بصير (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : قول الله عزوجل (وَلِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) ، فقال : يخرج ويمشي إن لم يكن عنده ، قلت : لا يقدر على المشي؟ قال : يمشي ويركب ، قلت : لا يقدر على ذلك ، أعني المشي قال : يخدم القوم ويخرج معهم) (٢) ، ولذا ذهب صاحب الحدائق وسيد المدارك وجماعة على ما قيل من أن اشتراط الراحلة إذا لم يسهل عليه المشي ، ولكن المشهور أعرضوا عنها تحكيما لأخبار اشتراط الراحلة ، وحملوها على التقية كما عن الشيخ ، أو على الاستحباب أو ترد إلى أهلها ، أو تحمل على من استقر عليه حجة الإسلام سابقا كما في كشف اللثام.

(٣) حتى لو كان معتادا في حقه ، فيشترط وجود الراحلة تحكيما لأدلتها ، ومن ذهب هناك إلى عدم اشتراطها إذا سهل عليه المشي فيجب أن لا يشترطها هنا إذا كان معتادا للسؤال.

(٤) كل ما تدعو إليه الضرورة والحاجة المتعارفة يستثنى له ولا يكلف ببيعه ، بلا خلاف في ذلك ، لما في بيعها من العسر والحرج المنفيين ، بل لو لم تكن عنده هذه المذكورات وكان يملك قيمتها فلا يجب عليه الحج بل يشتريها بما عنده من مال إذا كانت الضرورة تقتضي وجودها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٢.

٢٣٨

بحاله ، كما وكيفا عينا وقيمة ، (والتمكن من المسير) (١) بالصحة ، وتخلية الطريق ، وسعة الوقت.

(وشرط صحته الإسلام) (٢) فلا يصح من الكافر وإن وجب عليه ، (وشرط مباشرته مع الإسلام) وما في حكمه (٣) (التمييز) (٤) فيباشر أفعاله المميز بإذن الولي (٥) ، (ويحرم الولي عن غير المميّز) (٦) إن أراد الحج به (ندبا) طفلا كان ، أو مجنونا (٧) ، محرما كان الولي ، ...

______________________________________________________

(١) والتمكن يكون بالصحة وتخلية السرب وسعة الوقت لقطع المسافة ، وهذا الشرط بلا خلاف فيه ، ويدل عليه أخبار منها : صحيح ذريح المتقدم (من مات ولم يحج حجة الإسلام لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به ، أو مرض لا يطيق فيه الحج ، أو سلطان يمنعه ، فليمت يهوديا أو نصرانيا) (١) ، وخبر الخثعمي المتقدم (من كان صحيحا في بدنه فخلّى سربه ، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج) (٢).

(٢) أما أن وجوبه ثابت على الكافر : فلأنه مكلف بالفروع لإطلاق أدلتها ، وأما أنه لا يصح منه فلكون الحج عبادة وهي لا تصح من الكافر.

(٣) كالطفل فحجه صحيح وإن كان غير واجب ، وجعل الطفل بحكم المسلم لأن الإسلام مشروط بالبلوغ.

(٤) لأن الحج لا بد فيه من القصد لأنه بحاجة إلى النية ، وهي لا تقع إلا من المميز.

(٥) فعلى المشهور ذلك لأنه حج الصبي مستتبع في بعض الأحوال للهدي والكفارة ، وهو تصرف مالي بحاجة إلى إذن الولي ، ويظهر من المبسوط عدم الاشتراط لأن العمومات كافية في صحته.

(٦) للأخبار منها : صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت له : إن معنا صبيا مولودا كيف نصنع به؟ فقال : مر أمه تلقى حميدة فتسألها كيف تصنع بصبيانها ، فأتتها فسألتها كيف تصنع ، فقالت : إذا كان يوم التروية فاحرموا عنه ، وجردوه وغسلوه كما يجرد المحرم ، وقفوا به المواقف ، فإذا كان يوم النحر فارموا عنه ، واحلقوا رأسه ، ثم زوروا به البيت ، ومري الجاري أن تطوف به البيت وبين الصفا والمروة) (٣).

(٧) الحق الأصحاب المجنون بالصبي ، واستدل عليه في المنتهى بأنه ليس أخفض حالا منه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب وجوب الحج حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ١.

٢٣٩

أم محلا (١) ، لأنه (٢) يجعلهما (٣) محرمين بفعله (٤) ، لا نائبا عنهما فيقول : اللهم إني أحرمت بهذا إلى آخر النية ، ويكون المولى عليه حاضرا مواجها (٥) ، ويأمره بالتلبية إن أحسنها ، وإلا لبى عنه (٦) ، ويلبسه ثوبي الإحرام (٧) ، ويجنّبه تروكه (٨) ، وإذا طاف به أوقع به صورة الوضوء (٩) ، وحمله (١٠) ولو على المشي ، أو ساق به ، أو قاد به ، أو استناب فيه (١١) ، ويصلي عنه ركعتيه (١٢) إن نقص سنّه عن ست (١٣) ،

______________________________________________________

(١) لإطلاق النصوص.

(٢) أي لأن الولي.

(٣) أي الصبي والمجنون.

(٤) فيقول : (أحرمت هذا الصبي أو المجنون) ، ولا يقول (أحرم نيابة عن هذا الصبي أو المجنون).

(٥) ذكره في الدروس ، وربما يستشعر من صحيح زرارة عن أحدهما عليهما‌السلام (إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره أن يلبّي ويفرض الحج ، فإن لم يحسن أن يلبي لبوا عنه) (١).

وهو مشعر بحضوره.

(٦) كما في صحيح زرارة المتقدم.

(٧) كما في صحيح عبد الرحمن المتقدم.

(٨) كما في صحيح زرارة المتقدم (ويتقى ما يتقي المحرم من الثياب والطيب) (٢).

(٩) وهو الأحوط ولكن في صحيح زرارة المتقدم (فإن لم يحسن أن يلبّي لبوا عنه ، ويطاف به ويصلى عنه) (٣) والاجتزاء بالصلاة عنه كاشف عن عدم اشتراط طهارة الصبي ولا صلاته.

(١٠) أي يدعوه إلى الطواف ماشيا ، أو يجعله على دابة فيسوقها به أو يقودها ، حتى يصدق على الولي أنه طاف به إذ لا قصد لغير المميز.

(١١) بأن يطوف عنه ، مع أن النصوص آمرة بأن يطاف به.

(١٢) أي ركعتي الطواف كما في صحيح زرارة المتقدم.

(١٣) قال في الدروس (وعلى ما قاله الأصحاب من أمر ابن ست بالصلاة ، يشترط نقصه عنها ، ولو قيل يأتي بصورة الصلاة كما يأتي بصورة الطواف أمكن) وفي كلا الحكمين

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أقسام الحج حديث ٥.

٢٤٠