رحلة إلى رحاب الشريف الأكبر شريف مكة المكرّمة

شارل ديدييه

رحلة إلى رحاب الشريف الأكبر شريف مكة المكرّمة

المؤلف:

شارل ديدييه


المترجم: الدكتور محمد خير البقاعي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٦

١
٢

٣
٤

الكلمة الأولى

لم يعد من المشكوك فيه أن الرحلات تعدّ مصدرا من المصادر التاريخية ؛ وإن كان هناك تفاوت في مدى صحة المعلومات التي يوردها الرحالون ، وتأثرها بالمهمات الموكلة إليهم ، أو بالاتجاه السياسي والرؤية الإيديولوجية للكاتب ، إذا صح كل ذلك ، فإن معرفة هذه المعلومات ، ودراستها ، يظل من الأعمال العلمية المهمة التي ينبغي على المؤسسات الثقافية والجامعات ، وكل الجهات التي تهتم بتاريخ بلد ما أن تنشرها وتيسرها للباحثين.

لقد شهدت المملكة العربية السعودية عبر رجال الثقافة وروادها فيها اهتماما بهذا الجانب ، أرهصت له ندوات وإصدارات ، اهتمت بالوثائق الأجنبية والرحلات ؛ للإطلاع على رؤية الآخر لتاريخ الجزيرة العربية عموما ، والمملكة العربية السعودية بأطوار نشوئها الثلاثة ، خصوصا الدولة السعودية الأولى ، والثانية ، ثم توحيد المملكة على يد المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود.

إن متتبع التأريخ للدولتين السعوديتين ، وللمملكة يلاحظ أن الباحثين صرفوا جهودهم إلى معالجة الوثائق البريطانية ، والرحلات التي كتبت بالإنكليزية ، سواء كان كتّابها بريطانيين أم لا. ولم تلق الوثائق الفرنسية ، والرحلات الفرنسية ، والأبحاث الجغرافية الفرنسية عن الجزيرة العربية

٥

عموما ، وعن التاريخ السعودي بأطواره المختلفة خصوصا ، اهتمام الباحثين ، وربما كان الحاجز اللغوي هو السبب ، مع أن تاريخ الوجود الفرنسي في المنطقة ، مترافق مع الوجود البريطاني الذي يمكن القول : إنه في جانبه الرسمي ، ركز على الجوانب السياسية بداية ، والاقتصادية لاحقا. أما الوجود الفرنسي فقد كان عسكريا واجتماعيا وثقافيا. نقول هذا اعتمادا على الوثائق الفرنسية التي نشرت ضمن موسوعة «الملك عبد العزيز آل سعود ، سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية» (١).

وقد تنبه الباحثون السعوديون إلى ذلك ، فوجدنا الدكتور محمد بن عبد الله آل زلفة يقول : «... وعالم البحث في دور المخطوطات الفرنسية ، وكذلك في أرشيف البحرية عمّا فيها من وثائق تتعلق بأحداث قيام الدولة السعودية الأولى ، وتوسع نفوذ تلك الدولة الذي شمل معظم أنحاء الجزيرة العربية ، وما تلا ذلك من اهتمام الباحثين الفرنسيين بأحوال الجزيرة العربية حتى بعد سقوط الدولة السعودية الأولى التي أسهم الخبراء الفرنسيون العسكريون خاصة في إسقاطها أثناء عملهم في خدمة محمد علي باشا ، ومشاركتهم في كثير من حملاته العسكرية ، بدءا بحملة إبراهيم باشا على الدرعية عام ١٢٣٣ ه‍ / ١٨١٨ م ، ودور هؤلاء الخبراء في رسم الخرائط لطرق الحملة ، وتحديد المواقع على تلك الخرائط ، وكتابة تقارير مطولة عن أحوال البلاد الاقتصادية والسكانية وغيرها. فكانت تقاريرهم المادة الأولية التي استقى منها من تفرغ من الفرنسيين لكتابة تاريخ وجغرافية مصر في عهد محمد علي باشا ، وما امتد إليه من نفوذ من بلدان خارج مصر مثل المؤرخ فيلكس مانجان F.Mengin ، وإدوارد جوان Edward Jouen ، والجغرافي جومارد.Jomard M. وكذلك لم تخل حملة من حملات محمد علي العسكرية على

__________________

(١) أصدرتها دار الدائرة في عشرين مجلدا ، ثمانية للوثائق البريطانية ، وسبعة للوثائق الأميركية ، وخمسة للوثائق الفرنسية ، ١٤٢٠ ـ ١٤٢١ ه‍ / ١٩٩٩ ـ ٢٠٠٠ م. انظر : مجلة : عالم الكتب السعودية ، العددين الخامس والسادس ، المجلد العشرين ، ١٤٢٠ ه‍ / ١٩٩٩ م.

٦

عسير ، التي قدرتها بعض المصادر سبع عشرة حملة ، من خبراء فرنسيين إضافة إلى غيرهم من خبراء أوروبيين من جنسيات أخرى ، لا يزال مع الأسف بعيدا عن اهتمام الباحث السعودي ، ولم ينفض عنها الغبار حتى هذا التاريخ ، وسيكون لكشفها أثر بالغ في سد ما زال ناقصا من كتابة تاريخنا الوطني ، وإجلاء ما زال غامضا في بعض فتراته. كما أنه لم يترجم أي من أعمال المؤرخين ، أو الجغرافيين الفرنسيين المتعلقة بالجزيرة العربية ، ما عدا كتابا واحدا هو كتاب إدوارد جوان الذي جاء مشتملا على فصول ممتعة ومهمة لحملات محمد علي المبكرة على الجزيرة العربية. لقد تمت ترجمته إلى اللغة العربية ، وطبع في القاهرة عام ١٩٣١ م. ولكنه أصبح في عداد الكتب النادرة» (١).

نقلت هذا النص الطويل تأكيدا لما قلته : من انصراف الباحثين في تاريخ الجزيرة العربية عن المؤلفات الفرنسية ، والوثائق الفرنسية على اختلاف أنواعها ومشاربها.

ومن المفارقات اللطيفة ، أن الكتاب الذي مهد الطريق لمؤلفات كثير من الغربيين عن الجزيرة العربية ، وعرّفها ، كتب بالفرنسية ، وترجم في وقت مبكر نسبيا إلى اللغة العربية ، أعني كتاب جاكلين بيرين ، اكتشاف جزيرة العرب ، خمسة قرون من المغامرة والعلم (٢) ، وعلى الرغم من ذلك ، فقد ظل الاهتمام منصبا على المؤلفات المكتوبة بالإنكليزية.

وما دمنا في سياق الحديث عن كتاب «بيرين» : فإننا نقول : إنها تقدم فيه

__________________

(١) تاميزييه ، موريس ، رحلة في بلاد العرب ، الحملة المصرية عسير ١٢٤٩ ه‍ / ١٨٣٤ م ، ترجمه وعلق عليه د. محمد بن عبد الله آل زلفة ، د. ن ، الرياض ١٤١٤ ه‍ / ١٩٩٣ م ، ص ٢١ ـ ٢٢. وهو ترجمة للجزء الثاني من كتاب تاميزييه عن الإنكليزية بعد أن ترجم هذا الجزء إليها أحد المختصين ، على حساب الدكتور آل زلفة ، انظر : (ص ١٩). وقد كتبنا اسم تاميزييه كما يقتضيه اللفظ الفرنسي.

(٢) ترجم الكتاب قدري قلعجي عام ١٣٨٣ ه‍ / ١٩٦٣ م ، وقدّم له الشيخ حمد الجاسر ، وطبعته دار الكتاب العربي في بيروت.

٧

ملامح واضحة ، لبداية اهتمام الفرنسيين بالبحر الأحمر ، والجزيرة العربية. وتشير إلى كثير من الرحالين الفرنسيين الذين يحتاج البحث في تاريخ الجزيرة إلى تفصيل ما أوجزته عنهم ، وعن أعمالهم لما في ذلك من أهمية لا تخفى ، ولنا بحث قيد الإنجاز ، يفصّل ما أوجزته جاكلين بيرين ، ويتّخذ من كتابها منطلقا إلى الحديث عن الرحالة الفرنسيين إلى الجزيرة العربية.

لقد ترجم إلى العربية عن الفرنسية ، ناهيك عن كتاب «جوان» و «بيرين» بعض الرحلات منها : رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية ، لفيليب ليبنز (١) ، ولكن هذا غيض من فيض ، فما تذكره جاكلين بيرين يوضح مدى المسؤولية الملقاة على عاتق الباحثين ممن يتقنون الفرنسية لنقل الكتب والوثائق الفرنسية إلى العربية مترجمة بأمانة ، ثم إقامة الأبحاث حول تلك الدراسات لاستجلاء حقيقة ما فيها ، واكتشاف مدى أهميتها وما تضيفه من جديد.

__________________

(١) ترجمها الدكتور محمد الحناش ، وراجعها وعلّق عليها وحقق المواضع الدكتور فهد بن عبد الله السماري ، ونشرتها دارة الملك عبد العزيز في الرياض ١٤١٩ ه‍ / ١٩٩٩ م. وقد علمت أن الدكتور الحناش ترجم كتاب : الحج إلى بيت الله الحرام ، لناصر الدين دينييه ، وأنه قيد الطبع في دارة الملك عبد العزيز ، وقد قام بمراجعته الدكتور فهد السماري. وللدكتور الحناش مقالتان بعنوان «المملكة في الكتابات الفرنسية في عهد الملك عبد العزيز» وثقناهما في مقالتنا : «قراءة في رحلة إلى الحجاز ، في النصف الثاني من القرن التاسع عشر عنوانها : إقامة في رحاب الشريف الأكبر ـ شريف مكة المكرمة ، تأليف شارل ديدييه ، الدرعية ، س ٢ ، ع ٨ ، ١٤٢٠ ه‍ / ٢٠٠ م ، ص ٨٩. ولعلّ أول اهتمام بترجمة نصوص الفرنسيين إلى العربية في المملكة العربية السعودية يعود الفضل فيه إلى الكاتب الجزائري أحمد رضا حوحو ، رحمه‌الله ، أول سكرتير لمجلة «المنهل» السعودية ؛ إذ نشر فيها مجموعة من المقالات بعنوان «ملاحظات مستشرق مسلم على بعض آراء المستشرقين وكتبهم المتعلقة بالعرب والإسلام» وقد وثقنا ذلك في بحثنا : «ناصر الدين دينيه وكتابه : الحج إلى بيت الله الحرام» دراسة ووثائق وترجمة مختارة ، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية ، العدد الأول من المجلد السابع ، ١٤٢٢ ه‍.

٨

وتأتي ترجمة رحلة ديدييه إسهاما في نشر الكتابات الفرنسية عن الجزيرة العربية. ونرجو أن تكون فاتحة خير لتقديم أعمال أخرى بالاشتراك مع بعض الزملاء الذين يهتمون بذلك.

ولا بد لي في ختام هذه الكلمة من أن أشكر الأستاذ الدكتور يحيى محمود بن جنيد الأمين العام لمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية الذي اقترح عليّ ترجمة هذا الكتاب ، وقدم لي نسخة مصورة منه ، بادرت فور الاطلاع عليها بالموافقة على ترجمته لما وجدته فيه من فائدة ونفع عميمين.

كما أشكر للدكتور عوض البادي ، مدير إدارة البحوث والدراسات في المركز المذكور اهتمامه ، واستقباله الأخوي ، وحرصه على الإجابة عن كل أسئلتي العلمية التي كانت تجد على الدوام إجابات شافية من علمه الغزير ، وأخلاقه السمحة ، وحبه للتعاون ، واحترامه رأي الآخر.

أما الأخ الصديق عبد الله المنيف ، مدير إدارة المخطوطات والنوادر في مكتبة الملك فهد الوطنية ، فقرأ هذه الرحلة مخطوطة ، وأفدت من ملاحظاته السديدة التي كان يبديها.

وأخيرا ، فإن الصديق يوسف العتيق ، الباحث في مركز الملك فيصل ، لم يأل جهدا في توفير المصادر والمراجع التي كنت أطلبها منه ، ولم يبخل بمعلومة أو مساعدة لتخرج هذه الرحلة إلى الناس كما ينبغي ، وليس ذلك بغريب عليه ، وقد نذر نفسه لمعاونة أهل العلم فيما يرومون.

لكل هؤلاء شكري واعترافي بالجميل ، ولعل في اجتماعنا وتعاوننا خدمة لتاريخ هذه البقعة المباركة ؛ المملكة العربية السعودية خصوصا ، والجزيرة العربية عموما ، لما لها من منزلة في قلب كل عربي ومسلم.

أ. د. محمد خير البقاعي

٩
١٠

مقدمة المترجم

١ ـ لمحة تاريخية :

بدأ ديدييه رحلته بتاريخ ١٦ يناير (كانون الثاني) ١٨٥٤ م / ١٢٧٠ ه‍ من مصر. ويذكر ناشر الرحلة في مقدمته : أن ديدييه كان في طريق عودته إلى بلاده ، عبر أثينا ، ولكن رجلا إنكليزيا تعرف عليه آنذاك ، اقترح عليه رحلة إلى جبل سيناء يتقاسمان تكاليفها ، فرحب ديدييه بالفكرة ، وقاما بالرحلة معا. ومن هناك قررا السفر إلى الحجاز ، وزيارة شريف مكة المكرمة عبد المطلب بن غالب ، الذي كان موجودا آنذاك في الطائف.

كان يحكم مصر إبّان زيارة ديدييه ، عباس باشا بن طوسون باشا بن محمد علي (١٨٤٨ م ـ ١٨٥٤ م). وقتل عباس في يوليو (تموز) عام ١٨٥٤ م ؛ أي سنة قيام ديدييه بالرحلة. ويسجل ديدييه ظروف مقتل عباس الذي يلقى من ديدييه هجوما عنيفا ، وانتقادا لاذعا ساخرا ، شأنه شأن الكتاب والرحالة والسياسيين ، والعسكريين الفرنسيين الذي بالغوا في انتقاد عباس باشا بسبب ميله إلى البرطانيين ، واستبعاده الفرنسيين من خدمته ، فأقصى معظم الخبراء الذين كانوا في خدمة جده محمد علي ، فتضاءل النفوذ الفرنسي في عهد عباس ، ولم يعد إلى الظهور إلّا في عهد سعيد باشا. ويندرج نقد ديدييه لعباس باشا في هذا الإطار ، وإن كان ديدييه يلبسه لبوسا إنسانيا يبدو من خلاله حريصا على البلد ومواطنيه ، ويردد ما ذكره الفرنسيون عن عباس مثل قول غابريل

١١

هانوتوGabriel Hanotaux ، الذي يرى أنه لم تتم في عهد عباس أي إنجازات ضخمة أو عظيمة «باستثناء بناء القصور في المناطق المنعزلة» (١).

أما في الحجاز ، فقد كان شريف مكة عبد المطلب بن غالب في فترة شرافته الثانية التي امتدت من عام ١٨٥١ ـ ١٨٥٦ م / ١٢٦٧ ـ ١٢٧٣ ه‍ ، وكان عبد المطلب يقضي الصيف في الطائف ، عندما نشب خلاف بينه وبين باشا جدة ، ونجد فيما يقوله ديدييه ، أصداء ذلك الخلاف بين الباشا والشريف. ويقول سنوك هورخرونيه عن سياسة عبد المطلب في هذه الفترة : «... وعندما تسلم عبد المطلب زمام الأمور في مكة ، أظهرت تصرفاته ، أنه لا يحسن تقدير أولئك الأشخاص الذين كان يتملقهم في اسطنبول كلما لزم الأمر. فما أن وصل إلى مكة حتى توجه إلى بلاد حرب ، حيث بنى لنفسه بعض الحصون في هذه المنطقة المحمية من هجمات الحكومة ، بقصد اللجوء إليها في حالة وقوع صراع في المستقبل. وقد دخل في خلاف مع الباشا الذي حضر احتفال تنصيبه في السلطة. وتمكن بواسطة نفوذه عند الصدر الأعظم ، من تغيير الباشا وتعيين باشا آخر. غير أن الصداقة بينهما لم تدم طويلا أيضا فقد انتهت بسرعة. فعندما أطلقت بعض العيارات النارية التي اخترقت طربوش الباشا ، في أثناء وجوده في المثناة بالطائف التي كان يقضي الشريف فيها فترة الصيف (٢) لم

__________________

(١) انظر : مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر ، د. إلهام محمد علي ذهني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٩٥ م ، ص ٣٧.

(٢) في هذا الصيف زاره ديدييه ، وتحدث عن حادثة جرت بين حراس حرم الشريف الأكبر اللواتي كنّ في بستان يملكه الشريف في وادي المثناة واسمه : الشريعة ، وبين الباشي بوزوق الذين كانوا يرافقون والي جدة العثماني أحمد عزت باشا. وقد حاول هؤلاء الجنود دخول بستان الشريعة عنوة ، واستفزوا خدم الشريف واشتبكوا معهم وسالت دماء الجانبين ، ولما وصلت الأنباء إلى البدو ، سارعوا إلى المكان مسلحين ، ولكن الأتراك كانوا قد غادروه. ولما وصل خبر الحادثة إلى أسماع الباشا ، حل به الخوف ، وهرب من الطائف على وجه السرعة خوفا من ثورة البدو عليه. ولم تفلح مساعي الشريف الأكبر وإلحاحه في ثنيه عن الذهاب إلى جدة. هذا ما يرويه ديدييه في رحلته (ص / ٢٥٧ / ، من الأصل الفرنسي الذي وضعنا أرقامه في الأصل بين ـ

١٢

يستطع الباشا أن يتصور أن حدوث ذلك كان صدفة ، بل إنه أمر وقع بتدبير من الشريف نفسه. ومرة أخرى تم تغيير الباشا ، والسبب هو شك الشريف في أن الباشا كان يريد اعتقاله. لقد أخطر الشريف أصدقاؤه بأن الوالي سيحتال للإمساك به في أثناء تمرين على السلاح ، كان من المفروض أن يحضره مع الباشا نفسه. لهذا ابتعد الشريف دون أن يلحظه أحد ، وتوجه نحو الطائف ، حيث جهّز نفسه لمقاومة الهجمات المتوقعة من الدوائر التركية. وبناء على تقرير سريع من الوالي ، الذي غادر إلى جدة ، قدم في أكتوبر من عام ١٨٥٥ م (١٢٧١ ه‍) مبعوث غير عادي ، أرسله الباب العالي ، لإعادة تعيين الشريف محمد بن عون الأمير السابق المطرود ...» (١).

أما في نجد ، فقد كان الإمام فيصل بن تركي في ولايته الثانية (٢) ١٨٤٣ ـ ١٨٦٥ م / ١٢٥٩ ـ ١٢٨٢ ه‍ عندما وصل ديدييه إلى الحجاز ، وقابل في جدة خالد بن سعود الذي تولى الحكم في البلاد النجدية بين عامي ١٨٣٨ ـ ١٨٤١ م / ١٢٥٤ ـ ١٢٥٧ ه‍ ، ولكنه لم يستمر في الحكم ، بسبب حركة المقاومة السعودية الوطنية التي قادها الأمير السعودي عبد الله بن ثنيان ، الذي تولى الحكم من عام ١٨٤١ ـ ١٨٤٣ م / ١٢٥٧ ـ ١٢٥٩ ه‍ قبل أن يعود الإمام فيصل بن تركي إلى الحكم ثانية (٣).

__________________

ـ //). ويبدو أن إطلاق النار على الباشا ، تم خلال هذه الحادثة وبذلك تكتمل الصورة. انظر : صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، سنوك هورخرونيه ، نقله إلى العربية د. علي عودة الشيوخ ، أعاد صياغته وعلّق عليه د. محمد محمود السرياني ود. معراج نواب مرزا.

(١) صفحات من تاريخ مكة المكرمة ، ج ١ ـ ص ٢٨٥ ـ ٢٨٦. انظر في حواشي الرحلة : ترجمة عبد المطلب بن غالب ، ومحمد بن عون الذي تبادل معه الشرافة.

(٢) كانت الولاية الأولى من عام ١٨٣٤ ـ ١٨٣٨ م / ١٢٥٠ ـ ١٢٥٤ ه‍. انظر : تاريخ الدولة السعودية الثانية ، ١٢٥٦ ـ ١٣٠٩ ه‍ / ١٨٤٠ ـ ١٨٩١ م ، ط ٤ ، دار المريخ ، الرياض ١٤١١ ه‍ / ١٩٩١ م ، ص ٣٣٦.

(٣) انظر في أحداث هذه السنوات : عنوان المجد في تاريخ نجد ، للشيخ عثمان بن عبد ـ

١٣

أما على المستوى الدولي فقد كانت تركيا في حرب مع روسيا ، وكانت فرنسا تقف إلى جانب تركيا بسبب مصالحها ، وخلافها مع روسيا وليس حبا بتركيا. نجد أصداء هذا الموقف في رحلة ديدييه ، الذي يبدو أنه غير راض عن هذا الموقف ، ويستنكره ويقول : إن تركيا لا تستحق ذلك ، يقول ديدييه : «... لقد كنت منزعجا كل الانزعاج من عدم التقدير الذي يلقاه ممثل فرنسا من ذلك التركي ، في الوقت الذي تبذل فيه فرنسا دماء أبنائها ، وذهبها من أجل تركيا ...» (١).

أما في فرنسا فقد كانت مرحلة ما يسمى الإمبراطورية الثانية (١٨٠٨ ـ ١٨٧٣ م) la Seconde Empire ، وحكم خلالها نابليون الثالث الذي أصبح في البداية رئيس جمهورية خلفا للويس نابليون بونابرت الذي أزيح عن الرئاسة بسبب خلافه مع المجلس الوطني بعد انقلاب (٢ ديسمبر ١٨٥١ م) ، وقد حول نابليون الثالث الجمهورية إلى إمبراطورية وراثية (١٨٥٢ ـ ١٨٧٠ م) ، واتخذ من الضغوط الخارجية وسيلة لإلهاء الناس فخاض عددا من الحروب (حرب القرم ١٨٥٤ ـ ١٨٥٥ م) ضد روسيا ، مما أكسب فرنسا دورا رئيسيا في أوروبا ، ولكنه خسر الحرب الفرنسية البروسية ، فخلع عن العرش عام ١٨٧٠ م. وكانت

__________________

ـ الله بن بشر النجدي الحنبلي ، حققه وعلق عليه عبد اللطيف بن عبد الله الشيخ ، ط ٤ ، دارة الملك عبد العزيز ١٤٠٣ ه‍ / ١٩٨٣ م ، مج ٢ ، ص ١٤٠ ؛ وانظر : مثير الوجد في أنساب ملوك نجد ، للشيخ راشد بن علي الحنبلي بن جريس ، تحقيق محمد بن عمر بن عبد الرحمن العقيل ، ط. دارة الملك عبد العزيز ١٤١٩ ه‍ / ١٩٩٩ م ، ص ١٢٧ ـ ١٢٨ ؛ وكتاب جبران شامية ، آل سعود ماضيهم ومستقبلهم ، ص ٧٠ ـ ٧١ ؛ وانظر : الموسوعة العربية العالمية ، ج ١٠ ، ص ٩ ، وفيها : أن خالد بن سعود توفي في مكة المكرمة ١٢٧٦ ه‍ / ١٨٥٩ م أي بعد خمس سنوات من التقائه ديدييه في جدة. أما عبد الله بن ثنيان فقد توفي سنة ١٢٥٩ ه‍ ، وتولى بعده ابن عمه فيصل بن تركي (الولاية الثانية) بعد أن هرب من حبس مصر.

(١) انظر : الرحلة ص / ٣٠٨ / من الأصل الفرنسي. ويقول ناشر الرحلة في المقدمة : «إن هدف مؤلف الرحلة من نشرها يتحقق إذا استطاعت أن تلفت نظر العقلاء إلى الكوميديا التي تمثلها أوروبا لصالح تركيا ...».

١٤

تحكم بريطانيا إبان مجيء ديدييه إلى الجزيرة العربية الملكة فكتوريا الأولى Victoria ١ re (Alexandrine) (١٨١٩ ـ ١٩٠١ م) التي توجت في عام ١٨٣٧ م وظلت تحكم حتى ماتت عام ١٩٠١ ، وقد أصبحت إمبراطورة الهند من (١٨٧٦ ـ ١٩٠١ م) واتسعت في عهدها رقعة الإمبراطورية البريطانية. أما في روسيا فقد كان يحكم القيصر نيقولا الأول (١٧٩٦ ـ ١٨٥٥ م) الذي تولى الحكم في عام (١٨٢٥ ـ ١٨٥٥ م) وقد عرف برجعيته الشديدة ، وسحق ثورة الديسمبريين في عام (١٨٢٥ م) وفي عهده جرت الحرب الروسية التركية ، التي تدخلت فيها فرنسا وبريطانيا لصالح الإمبراطورية العثمانية ، وانتهت بتوقيع معاهدة السلام في باريس ١٨٥٦ م. أما في تركيا فقد كان في الحكم السلطان عبد المجيد الأول (١٨٢٣ ـ ١٨٦١ م) ، الذي تولى الحكم من عام (١٨٣٩ ـ ١٨٦١ م) وقد حاول إجراء إصلاحات عرفت بالتنظيمات ، وقد جرت في عهده حرب «القرم» مع روسيا ، ووقعت معاهدة باريس ١٨٥٦ م. تلك كانت لمحة سريعة عن الحالة السياسية التي كانت سائدة إبّان رحلة ديدييه إلى الحجاز في عام ١٨٥٤ م.

٢ ـ صاحب الرحلة :

شارل ديدييه Charles Didier ، أديب ، وشاعر وصحفي سويسري من أصل فرنسي ، ولد في جنيف عام ١٨٠٥ م ، وكانت أسرته البروتستانتية قد هربت إليها طلبا للحرية الدينية ، درس ديدييه في جنيف ، القانون ، وعلم النبات ، والرياضيات ، ثم عاد إلى باريس واستقر فيها ، واكتشف ميله إلى الرحلات. ونشر أولى قصائده الشعرية (١) في جنيف عام ١٨٢٥ م ، وفي عام ١٨٤٨ م أرسلته حكومته في مهمة رسمية إلى بولندا ، فأصبح خبيرا بشؤون تلك البلاد ، وكذلك ألمانيا وما جاورها. وعمل في الصحافة (٢) ، وأدار جريدة

__________________

(١) بعنوان : القيثارة الإلفيتيكية (السويسرية) La Harpe Helve ? tique ، ثم نشر في باريس عام ١٨٢٨ م أشعارا أخرى بعنوان : نغمات إلفيتيكيةMe ? lodies Helve ? tique.

(٢) في مقدمة الترجمة الإنكليزية لرحلته إشارة إلى الصحف الجمهورية التي عمل فيها ، ـ

١٥

سياسية وأدبية اسمها ـ Le Courrier du Leman «لو كورييه دولومان» ، وكانت له صلاته مع مشاهير عصره ، وخصوصا الروائية الفرنسية التي برعت في تصوير الحياة الريفية جورج صاندGeorge Sand (١٨٠٤ م ـ ١٨٧٦ م) ، وتعاون معها ، لإصدار جريدة «العالمين» Les Deux Mondes ، وفي عام ١٨٤٩ م أصدر كتيبا عنوانه : زيارة لدوق بوردوUne Visite M.le Duc de Bordeaux أحدث ضجة وطبع خمس عشرة طبعة خلال أسبوعين. وكان المغرب أول بلد عربي يزورها في عام ١٨٣٣ م. ثم ذهب بعد ذلك إلى إيطاليا وإسبانيا ، وعندما أصابه الإجهاد والإحباط من عمله ، ومن مجموعة من المشكلات العامة والخاصة كما تشير مقدمة ناشر الرحلة ، قرر القيام بمجموعة من الرحلات إلى إسبانيا ، ومراكش ، والجزيرة العربية ، وسنار ، ومصر. ونستنتج مما ورد في الرحلة / ٢٧٤ و ٣٠٥ / (من الأصل الفرنسي) أن المؤلف كان على وشك أن يفقد بصره إبّان الرحلة ، وقد شكا في غير موضع منها ضعفه ، يقول في / ٢٧٤ / : «... أرخيت العنان لبصري ، ليجول في قبة السماء الواسعة المتلألئة ، التي لم تكن قد انطفأت بعد في نظري كما هي الحال عليه اليوم» ؛ وهذا يعني أن المؤلف كان في عام ١٨٥٦ م قد فقد بصره لأن هذا التاريخ (٢٠ أكتوبر (تشرين الأول) ١٨٥٦ م) هو تاريخ مقدمة الناشر ، ويبدو أن ديدييه فقد بصره قبل هذا التاريخ ، وأملى رحلته إملاء. ويقول في (ص / ٣٠٥ /) : إن فقدان بصره منعه من الذهاب إلى بغداد عبر دمشق وحلب وصحراء الرافدين الواسعة ، ليصل بعد ذلك إلى إستانبول ، ولم ينجز من ذلك إلا مرحلة صغيرة.

وقد تلقى رسالة من أسرة محمد علي شمس الدين في ١٥ فبراير (شباط) ١٨٥٥ م ، وكان قد نزل في بيت أسرة شمس في الطائف ، وظل على علاقة بهم ، وأثبت ترجمة الرسالة (إلى الفرنسية بالطبع) في نهاية الفصل الأول الذي تحدث فيه عن الطائف (ص / ٢٦٥ ـ ٢٦٦ /). وجاء في ترجمته في معجم

__________________

ـ وقد أسس في عام ١٨٤٣ م صحيفةL ? E ? tat.

١٦

لاروس (١) القرن العشرين أنه مات منتحرا في ١٣ مارس (آذار) في باريس عام ١٨٦٤ م بعد أن أصيب بالعمى. وله كتب عديدة ؛ منها عدد من قصص رحلاته وأشهرها : سنة في إسبانيا (طبع في بروكسل عام ١٨٣٧ م) ، حملة على روما (١٨٤٢ م) ، جولة في المغرب (١٨٤٤ م) ، ورحلته هذه (١٨٥٧ م) ، وخمسون يوما في الصحراء (٢) (١٨٥٧ م) ، وخمسائة فرسخ على النيل (١٨٥٧ م) ، وليالي القاهرة (١٨٦٠ م) وغير ذلك (٣). وقد راجعنا كتب رحلات ديدييه غير

__________________

(١) Larouse du xxe Sie ? cle ,Tome ٢ ,٩٢٩١ ,p.٤٥٨.

(٢) في معجم لاروس ورد العنوان : خمسون يوما في الصحراء ، وكذلك في كتاب : مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر ، د. إلهام محمد علي ذهني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ، ١٩٩٥ م ، ص ١١١ ، وأعلن في أول رحلته التي نترجمها أنه سيصدر للكاتب نفسه قريبا ، وفي دار النشر نفسها كتاب بعنوان : أربعون يوما في الصحراءQuarante Jours au De ? sert ، وانظر : كتاب : مصر في كتابات ... ، موثق أعلاه ، ص ١٣٧.

(٣) انظر ترجمة ديدييه في :

ـ Carre ? , Jean Marie : Voyageurs et e ? crivains Franc ? ais en Egypte, Le Caire, T. ٢, ٠٦٩١, p. ٨٤٢. ـ La Rousse du XXe Siec ? le, Paris, ٩٢٩١, Tome ٢, p. ٤٥٨.

وكتاب : مصر في كتابات الرحالة الفرنسيين في القرن التاسع عشر ، د. إلهام محمد علي ذهني ، الهيئة المصرية العامة للكتاب ، القاهرة ١٩٩٥ ، ص ١١١ ـ ١١٢.

وكتاب : التراث الشعبي في أدب الرحلات ، د. أحمد عبد الرحيم نصر ، الدوحة ١٩٩٥ ، ص ٦. وقد ترجمت رحلته إلى الإنكليزية بعنوان :

Sojourn With the Grand Sarif of Makkah, Didier Charles; Translated by Richard Boulindi; with an introductory Note by Philip Ward. Cambridge : Oleander Press, ٥٨٩١, X, PP. ٧٥١. ٣٢ Cm. ISBNO ـ ٢٧٦٦٠٩ ـ ١١ ـ ٢.

وقدم لها المترجم بحديث عن ديدييه : حياته وآثاره. انظر مقالة بعنوان : أدب الرحلات إلى المملكة العربية السعودية (القسم الإنكليزي) ، مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية ، مج ٤ ، ع ٢ ، رجب ـ ذو الحجة ١٤١٩ ه‍ / نوفمبر ١٩٩٨ م ـ أبريل ١٩٩٩ م.

وتحدث عنه الأستاذ فائز بن موسى الحربي وترجم بعض المواضع من رحلة ديدييه مما له علاقة برجالات الدولة السعودية الأولى والدعوة الوهابية في مقالة بعنوان : ـ

١٧

المترجمة فوجدناه كما يقول كاريه في كتابه عن الرحالة والكتاب الفرنسيين في مصر : لا يهتم بوصف الآثار والقصور ، وإنما يركز على البشر والجوانب الاجتماعية ، وخصوصا في كتابه «خمسمائة فرسخ على النيل» ، الذي يتحدث فيه عن مشاهداته على ضفاف النيل ، وعن زيارته للخرطوم ، وسنار ومقابلته رفاعة الطهطاوي (١). وله رواية سماها : روما تحت الأرض (١٨٣٣ م) Rome Souterraine ، قدّم فيها صورة حية وطريفة عن الحياة الاجتماعية والسياسية في إيطاليا ، وعن الحركة الثورية ، وهي في مجلدين صدرت لها طبعة معدلة عام ١٨٤١ و ١٨٤٨ م.

لقد التقى ديدييه خلال رحلته من القاهرة إلى السويس بالرّحالة الإنكليزي المشهور ريتشارد بيرتون (١٨٢١ ـ ١٨٩٠ م) Richard Burton الذي كتب رحلته بعنوان : قصة رحلة شخصية للحج إلى مكة والمدينة ، وترجم ألف ليلة وليلة وغيرها إلى اللغة الإنكليزية (٢) ، ولما طبعت رحلة بيرتون لم يشر هذا

__________________

ـ مع كتاب : رحالة غربيون في بلادنا ، ديديير رحالة أنصف السعوديين وتجاهلناه ، صحيفة الرياض ، ع ١٠٨٤٠ ، ١ ذو القعدة ١٤١٨ ه‍ / ٢٧ فبراير (شباط) ١٩٩٨ م.

وذكر د. محمد بن عبد الله آل زلفة في القسم الثاني من مقالاته المعنونة : الطائف في كتب الرحالة الأوروبيين (٢ / ٦) ، الجزيرة ، ع ١٠١٥٨ ، ١٩ ربيع الآخر ١٤٢١ ه‍ / ٢١ يوليو (تموز) ٢٠٠٠ م أنه نشر البحث عن ديدييه في : المجلة التاريخية للعهد الحديث والمعاصر ، السنة العاشرة ، ع ٢٩ ـ ٣٠ ، يوليو (تموز) ١٩٨٣ م ، وأعيد نشره في كتابه : دراسات من تاريخ عسير الحديث ، مطابع الشريف ، الرياض ، ١٤١٢ ه‍ / ١٩٩١ م.

(١) انظر كتاب : مصر في كتابات ... ، موثق سابقا ، ص ١١٢. وذكرت في ص ١٣٧ من هذا الكتاب أسماء كتب ديدييه بالفرنسية ونذكرها هنا مقرونة بسنة الطبع :

١. Quarante Jours au De ? sert) ٧٥٨١ (. ٢. Cinq Cent Lieues sur le Nil) ٨٥٨١ (. ٣. Les Nuits du Caire) ٠٦٨١ (. ٤. Campagne de Rom) ٢٤٨١ (.

وله كتب أخرى عن صقلية خصوصا وإيطاليا عموما تراجع في مقدمة الترجمة الإنكليزية لرحلته.

(٢) انظر : رحلة ديدييه ، ص / ١٣ / ، ويشير ديدييه في حاشية إلى أن المجلة البريطانية ـ

١٨

الأخير إلى ديدييه إلّا في حاشية علمنا منها اسم الإنكليزي الذي كان يرافق ديدييه ، ولم يذكر اسمه أبدا ، ولكنه تحدث عنه فقال (١) : «... يتحدث العربية ، ويكتبها عند الحاجة ، وكان يتجول منذ عدة سنين في الشرق ...» ثم أعاد الحديث عنه باستفاضة في الفصل الذي خصصه للطائف ، لأنه كان منزعجا من تصرفاته واستعلائه (٢).

٣ ـ أهمية الرحلة ومصادرها :

وصف ديدييه في كتابه مسار الرحلة من القاهرة إلى السويس ، وجبل سيناء ، ودير سانت كاترين ، ومدينة الطور ، ثم تحدث عن البحر الأحمر ، وينبع ، وجدة ، والطائف التي قابل فيها شريف مكة المكرمة عبد المطلب بن غالب ، ثم وصف طريق جدة ـ الطائف ، والطائف ـ جدة ، لأنه عاد من طريق أخرى تختلف عن طريق الذهاب ، وتحدث عن مغادرته جدة إلى سواكن عبر البحر الأحمر ، وتضمنت الرحلة فصلا عن الأشراف والوهابيين تحدث فيه عن الأشراف وتاريخهم وعلاقاتهم بالدعوة الوهابية ، وأنحى باللائمة على الشريف غالب ، الذي أسهم في رأيه بانتصار محمد علي باشا على الدولة السعودية الأولى التي كانت ، كما يقول ديدييه ، وحدها قادرة على الوقوف في وجه السيطرة التركية. وتتضمن الرحلة فصلا آخر ، سماه «لوحة نابضة بالحياة»

__________________

ـ نشرت قطعا من رحلة بيرتون ، ويدلي بشهادته حول مطابقة ما في الرحلة للواقع. وقد حمل ديدييه رسالة من بيرتون إلى القنصل البريطاني في جدة السيد كول M.Cole ، انظر النص الأصلي لرحلة ديدييه (ص / ١٤٤ /).

(١) وعلمنا من حاشية بيرتون في كتابه : قصة رحلة شخصية للحج إلى مكة والمدينة ، (النص الإنكليزي) ، مج ١ ، ص ٧٨ ـ ١٧٩ ، ط ١٩٦٤ ، الحاشية (٤) أن اسم الإنكليزي مرافق ديدييه هو القس هاملتون Abbe ? Hamilton ، وأنهما دفعا ١٠٠٠ قرش ما يعادل (١٠ جنيهات إسترلينية) أجرة السنبوك من السويس إلى جدة ، ويقول بيرتون : إنهما من علية القوم وإنه رافقهما من القاهرة إلى السويس ، انظر رحلة ديدييه ، ص / ٣٢ ـ ٣٣ /.

(٢) انظر النص الأصلي لرحلة ديدييه ص / ٢٦٢ ـ ٢٦٣ /.

١٩

تحدث فيه عن الأشخاص الذين قابلهم في جدة ، خصوصا مثل الوالي العثماني ، وخالد بن سعود ، وغيرهم من العسكر والتجار. ونجده في فصل آخر سماه «بعض التأملات» يتحدث عن رحلته ، وصدقه في حكاية الأحداث ، وعرض لبعض المقارنات بين العرب والأتراك ، وقال : إن الأمة العربية يحق لها الطموح إلى التخلص من الأتراك ، كما هو شأن كل الشعوب التي تخضع لسلطتهم. يحتوي الكتاب على ذكريات ديدييه الشخصية ، وملاحظاته التي كان يدونها يوميا في أثناء الرحلة بكل أمانة وإخلاص ، وعلى الرغم من أهمية الرحلة في معرفة أحوال الحجاز في أوائل النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، فإننا لا نجد له ذكرا في الكتب التي تحدثت عن الرحالة في الجزيرة العربية وخصوصا كتاب مواطنته (١) جاكلين بيرين : اكتشاف الجزيرة العربية La Dcouverte de L ? Arabie (١٩٥٩ م). وقد رأينا أن بيرتون لم يشر إليه إلا في حاشية صغيرة. وقد وجدت ناصر الدين دينيه في كتابه : الحج إلى بيت الله الحرام ، يذكر ديدييه في الفصل الذي خصصه للحديث عن الوهابيين ، الذي وضع له عنوانا كلمة الملك عبد العزيز آل سعود ، يرحمه‌الله ، «لسنا أصحاب مذهب جديد» (٢). وقد أشار إلى ديدييه جورج رينتزGeorge Snavely Rentz في مصادر رسالته المعنونة : محمد بن عبد الوهاب وبداية إمبراطورية

__________________

(١) انظر : مقدمة الترجمة الإنكليزي لرحلة ديدييه ، موثق سابقا ، ص ٨. ولم يشر إليه هو غارث Hoggarth (١٩٠٤ م) ، ولا بدول Bidwell (١٩٧٦ م) ، وخصص له بيلي وندرR.Bayly Winder في كتابه : Saudi Arabia in the Nineteenth Century (١٩٧٧ م) المملكة العربية السعودية في القرن التاسع عشر ، فقرة قصيرة. وأشار إليه توماس ل. ولي Thomas L.Wolley في تمهيده للطبعة الأولى من رحلة بيرتون.

(٢) انظر : الحج إلى بيت الله الحرام ، ناصر الدين دينيه والحاج إبراهيم باعامر ، (النص الفرنسي) ، دار نشر هاشيت ، باريس ١٩٣٠ ، ص ١٩٩. وكلمة الملك عبد العزيز آل سعود المقتبسة من خطبته التي ألقاها عام ١٩٢٩ م ، خلال العشاء الذي أقامه على شرف وجهاء الحجاج في ذلك العام ، انظر بحثنا : ناصر الدين دينيه وكتابه : الحج إلى بيت الله الحرام ، الذي صدر في مجلة مكتبة الملك فهد الوطنية.

٢٠