كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

سعى نامق باشا لإصلاح العشائر وعمل تعداد للسكان وإيجاد مصادر مالية للوحدات العسكرية وريّ الأراضي في نواحي هندية وتطوير النقل النهري (١) ، كما تمكن في نفس الفترة من القضاء على الانحرافات التي أظهرتها عشائر خزائل في منطقة هندية ، وبذل الكثير من الجهود لمنع انتشار الأوبئة في كربلاء (٢).

استمرت حركة الإصلاحات في عهد كوزلكلي محمد رشيد باشا الذي تولي بعد نامق باشا (١٨٥٢ ـ ١٨٥٦ م) ، أما الآمال الكبيرة التي بدأ بها عمر لطفي باشا وظيفته سنة (١٨٥٦ ـ ١٨٥٧ م) فلم تسفر عن أي شيء ، أما ولاية خلفه مصطفى ينوري باشا (١٨٥٨ ـ ١٨٥٩ م) وأحمد توفيق باشا (١٨٦٠ م) فلم تمر بنجاح باهر (٣).

وبحلول عام ١٨٦٠ م انتهت الدولة من حرب القرم ، وبدأت تنظر من جديد في مسألة إجراء الإصلاحات ، وفي إطار هذا عين محمد نامق باشا للمرة الثانية واليا على بغداد (١٨٦٠ ـ ١٨٦٧ م) ، وفي هذه الفترة تم البدء من جديد في إجراء الإصلاحات في المجالات العسكرية والإدارية والاقتصادية ، واستمرت تلك الجهود بخطى حثيثة وناجحة ، فبدأ نامق باشا بعمل طرق جديدة للنقل البري ، وبذل جهودا كبرى لإنشاء شبكة تلغراف في العراق ، وقد تم الربط بين شبكة العراق وشبكة ميناء الفاو وشبكة الهند وشبكة إيران مرورا بخانقين ، كما أسست خطوط فرعية في كل من كربلاء والنجف ومندلي وبدرة والكوت والأهواز وقارون ، أما

__________________

(١) BOA, Ayniyat Defteri ١٥٨, s. ٢٢) ٩١ S ٤٨٢١ (; s. ٤٢,) ٤١ Ra ٤٨٢١ (; Ahmet Nuri Sinapli, Seyhul Vuzera, Serasker Mehmed Namk Pasa, Istanbul ٧٨٩١, s. ٥٤١ ـ ٨٤١; Cetinsaya, Irak, s. ٤٩.

(٢) BOA, Sadaret Mektubi Kalemi, Nezaret ve Devair) A. MKT. NZD (٥٣ / ٨, ٣٢ B ٧٦٢١; Sadaret Amedi Divan ـ i Humayun) A. AMD (٢٣ / ٦٥, ٧٦٢١; Sinapli, a. g. e., s. ١٣١ ـ ٥٤١.

(٣) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٠٠٣١) Def\'a ٤ (, s. ١٥.

٤١

خلفه تقي الدين باشا فلم يستمرّ في الولاية إلا عاما واحدا فيما بين (١٨٦٧ ـ ١٨٦٨ م) ولم يقم فيه بأية جهود تذكر (١).

وتعتبر ولاية مدحت باشا لبغداد فيما بين (١٨٦٩ ـ ١٨٧٢ م) نقطة تحول في تاريخ العراق ، ويمكن تلخيص النجاحات التي حققها مدحت باشا أثناء ولايته فيما يلي : إصلاحات تمت في مجال الأراضي وفي المجال العسكري والإداري وفي مجال التعليم ، واستثمار البنية التحتية ، كما كان له السبق في تطبيق قانون الأراضي الصادر في ١٨٥٨ م وتطبيق قانون الولايات الصادر في ١٨٦٤ م ، وكان تطبيقه لقانون نامة الأراضي وآثاره الإيجابية على العراق الحديث موضوعا للبحث حتى هذا اليوم ، كما قام مدحت باشا بتطوير أصول جمع الضرائب وجمع الجنود ، وفي عهده بدأت الرحلات النهرية بالسفن البخارية بين البصرة واستانبول ، كما أسس ستة خطوط للترام بين بغداد وقصبة الكاظمية لتسهيل الوصول إلى العتبات ، وأسس مطبعة للعمل على إثراء النشاط العلمي والثقافي ، وفي عهده تم البدء في إصدار الجريدة الرسمية في العراق وهي جريدة الزوراء وكانت تصدر باللغتين العربية والتركية ، كما افتتح مدرسة للصناعات ومستشفى (٢).

وفي عهد مدحت باشا تمت بعض الإجراءات الهامة في كربلاء ، فقرر مدّ خط السكك الحديدية ليربط بين نهري دجلة والفرات إلى كربلاء (٣) ليستفيد منه آلاف الزوار الذين يفدون إلى المنطقة ، وتم البدء

__________________

(١) Sinapli, a. g. e., s. ٥٤١ ـ ٩٥; Saatci, a. g. e., s. ٢٠١; Cetinsaya, Irak, s. ٤٩.

(٢) Yasar Yucel," Midhat Pasa\'nin Bagdat Vilayetindeki Alt Yapi Yatirimlari" Uluslararasi Midhat Pasa Semineri, Bildiriler ve Tartsmalar,) Edirne ٨ ـ ٠١ May ? s ٤٨٩١ (, TTK, Ankara ٦٨٩١, s. ٥٧١ ـ ٣٨١; Cetinsaya, Irak, s. ٤٩; Mufassal Osmanli Tarihi, VI, ٠٦١٣, ٣٦١٣, ١٥٣٣ ـ ٤٥٣٣; Bekir Sitki Baykal, Midhat Pasa : Siyasi ve Idari Sahsiyeti, Ankara ٤٦٩١, s. ٧٢ ـ ٨٢; Ali Haydar Midhat, Midhat Pasa, Hayat ـ i Siyasiyesi, Hedemati, Menfa Hayati, Istanbul ٥٢٣١, s. ٦٦ ـ ١٩.

(٣) BOA, Ayniyat Defteri ١٥٨, s. ٥٧ ـ ٧٧,) ٥١ M ٧٨٢١ (; Zevra, ٧ Ra ٧٨٢١, Nr. ٠٥, s. ٠٠١.

٤٢

في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنشاء خط ترام بين بغداد وكربلاء (١) ، كما أمر بإنشاء مكتب للتلغراف في كربلاء ، وأرسل لمديرية تلغراف هندية ماكينة تلغراف ومراسل (٢) ، وسعى أيضا لتطبيق نظام القرعة ـ المطبق في بغداد ـ في كربلاء (٣).

وعندما أتى شاه إيران إلى بغداد عام ١٨٦٩ م كان مدحت باشا بمثابة المرشد بموجب الأمر الصادر من السلطان عبد العزيز ، ورافق مدحت باشا الشاه في رحلته التي استمرت ثلاثة أشهر زار خلالها النجف وكربلاء وبعض الأماكن الأخرى ، وقبل زيارة الشاه إلى كربلاء قام مدحت باشا بعمل بعض الإصلاحات في كربلاء ، فرمم وأنشأ بعض الجسور والخنادق ، واستقبل مدحت باشا الشاه في كربلاء بحفاوة بالغة ، وتباحث معه في بعض المشكلات التي تخص لواء كربلاء ، وسعي من خلال تلك المباحثات لحل بعض المشكلات الموجودة في بغداد وكربلاء ، وكان على رأس تلك المشكلات مشكلة العملات الإيرانية المتداولة في نواحي بغداد ، فكان ارتفاع قيمتها سببا في شكوى الأهالي ، فقد كان القران الإيراني يتداول في بغداد بخمسة قروش ، فطلب مدحت باشا من الشاه تخفيض قيمته فأصبح بثلاثة قروش وعشر بارات ، وفي مقابل ذلك طلب الشاه بيع البضائع المصدرة من إيران إلى الدولة العثمانية بنفس القيمة التي تباع بها البضائع الأجنبية الأخرى ووافق الوالي على ذلك ، وثمة مشكلة أخرى كانت قائمة في المنطقة وهي دفن الموتى الإيرانيين في كربلاء والنجف ، لأن الشيعة يعدون تلك الأراضي مقدسة ، وكان جلب تلك الجثث إلى المنطقة سببا في فساد الصحة العامة وانتشار

__________________

(١) Zevra, ٨٢ R ٧٨٢١, Nr. ٥٥, s. ٩٠١; ٢ N ٧٨٢١, Nr. ٨٩, s. ٦٩١.

(٢) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٢٤. (Gurre B ٥٨٢١).

(٣) BOA, Ayniyat Defteri ١٥٨, s. ٤٥,) ٣٢ M ٦٨٢١ (;, s. ٠٩,) C ٧٨٢١ (.

٤٣

الأمراض المعدية ، فتوصل مدحت باشا إلى حل لهذه المشكلة مع السفير الإيراني حسين خان ، وتقرر دفن الجثث في الأماكن التي تموت بها ، ثم تنقل رفاتها بعد مرور ثلاث سنوات من دفنها إلى العتبات المقدسة ، وحررت اتفاقية بين مدحت باشا وحسين خان تنص على ذلك في ٥ يناير ١٨٧١ م الموافق ١٢ شوال ١٢٨٧ ه‍ (١) ، وقد عملت تلك المباحثات على استمرار المناخ الدافئ في العلاقات بين الدولة العثمانية وإيران.

__________________

(١) BOA, Sadaret Divan ـ i Humayun Name ـ i Humayun) A. DVN. NMH (٩١ / ٦١. Mahmud Mes\'ud Pasa, Muahedat Muahedat Mecmuasi, Istanbul ٨٩٢١, III, ٥١ ـ ٢٢; Zevra, ٥١ S ٧٨٢١, Nr. ٣٩, s. ٥٨١; Zevra, ٦٢ S ٧٨٢١, Nr. ٦٩, s. ٢٩١, Ali Haydar Midhat, a. g. e., s. ٥٩ ـ ٧٩. Ali Ekber Bavili, Nasuriddin Sah\'in Ziyaretleri) Atebat, Istanbul ve Avrupa\'ya (ve Devrinde Verilen Imtiyazlar,) Tarih Bolumu Basilmamis Mezuniyet Tezi (, Istanbul Universitesi Edebiyat Fak., Istanbul ٣٧٩١, s. ٩٢ ـ ١٣.

٤٤

الفصل الأول

البنية الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية لسنجق كربلاء

١ ـ البنية الجغرافية

يتكون سنجق كربلاء من قضاء كربلاء الذي يعد مركز السنجق وقضاءي النجف الأشرف وهندية ، وسنتناول في هذا الفصل أوجه الاختلاف والتشابه الموجودة بين الأقضية الثلاثة ، وسنبحث تلك النقاط تحت عناوين مختلفة.

تمتلك كربلاء تربة مستوية لا جبال فيها أو تلال أو غابات ، وبالرغم من أن مناخ المنطقة إقليمى جافّ ، إلا أن وجود نهر الفرات وبعض أفرعه جعل تربتها خصبة وجعلها مكانا صالحا للزرعة ، فقد نمت الزراعة بها لوفرة المياه بسبب وجود الجداول المائية والخروق المتفرعة من نهر الفرات وتوزيعها بشكل منتظم ، ولهذا زادت قيمة مقاطعاتها (١) ، وثمة ميزة أخرى لنهر الفرات في المنطقة وهي جعلها في حالة تسمح بالنقل النهري ، ولم يلتفت إلى هذه الخاصية الهامة للنهر في بعض العهود إلا أن النقل النهري زادت أهميته اعتبارا من القرن التاسع عشر (٢) بعد اهتمام

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٩٩٢١ (Def\'a ٣) s.٦٩.

(٢) C.Orhonlu ـ T.Isiksal ,a.g.m.,s.٠٠١.

٤٥

الدول الأوروبية. وخاصة إنجلترا. بمنطقة خليج البصرة والولايات العربية العثمانية ، أما أضرار تلك القنوات المائية الصغيرة المتفرعة من نهر الفرات فتتمثل في الأحراش والمستنقعات التي تتكون عندما تصل تلك الأفرع المائية إلى مكان مغلق ، فتتسبب تلك المستنقعات في غمر الأراضي واستحالة زراعتها كما تتسبب في فساد الهواء وانتشار الأمراض المعدية (١) ، وتزيد نسبة الوفيات بسبب الأمراض الناجمة عن وجود هذه المستنقعات من بداية شهر يونيو حتى منتصف شهر أغسطس (٢) ، وثمة سلبية أخرى تحدث بفيضان نهر الفرات وهي إلحاق الضرر بالأراضي الزراعية والأماكن العمرانية ، فبعد الفيضان يتراكم الطمي المسمى (دحلة) على الأراضي الزراعية ، وبذلك تزيد صلابة التربة التي كانت خفيفة وصالحة للزراعة من قبل لتصبح صلبة لا تنمو فيها البذور بسهولة وبالتالي تتأثر الزراعة نسبيّا لهذا (٣).

وقد قسمت الأراضي في كربلاء إلى مقاطعات كما هو الحال في كل أرجاء العراق ، ولكل مقاطعة اسم خاص بها وقناة مائية كبيرة ترويها ، ولريّ الأراضي من تلك القناة شقت الترع والجداول الصغيرة المختلفة لتوصيل المياه من القناة إلى الأراضي ، وتوجد في كربلاء قنوات مائية هامة شقت من نهر الفرات :

١ ـ قنوات وجداول كربلاء

تروى كربلاء من نهر الفرات وقناة الحسينية المتفرعة منه ، وقد شقت تلك القناة في عهد السلطان سليمان القانوني ، ويبلغ طولها ثمان

__________________

(١) Sami ,a.g.e.,V ,٤٣٨٣.

(٢) Mehmed Hursid) Pasa (, Seyahatname ـ i Hudud,) Alaattin Eser (, Istanbul ٧٩٩١, s. ٣٥.

(٣) Ali Bey, Seyahatname Jurnali, Istanbul ٤٢٣١, s. ٨٨.

٤٦

ساعات ، وها هي أسماء الجداول الصغيرة التي شقت على ساحليها والمقاطعات التي ترويها : أبو جرادن وأبو سليمان وجعيتينة وأبو زرنت وقعقعية ووند وحمودية وبهادري وبكيرة وعويرة الصغيرة وعويرة الكبيرة وأبو عصيد وبدعت أسود وبدعت شريف وجويب وأبو طحين وعميشية وقرطة وكمالية (التي شقها ابن كمال المشهور) وبدعت عائشة وقاضي وحرودي وحيدرية ورزازة وطويريج وأبو صمانة وشيطة وصالحية وكريد محمد صالح وعسافية وأبيترات وإبراهيمية وخير الدين ولائح وفريحة وكرابلة وجنجنة ، وبخلاف تلك الجداول الصغيرة توجد أيضا بعض الجداول المتفرعة من نهر الفرات في ناحية المسيب التابعة لكربلاء وهي : جويب وجيح وباج وحلوة وخور حسين وأبو لوكة.

وتروي تلك الجداول والأنهار الصغيرة المزارع وبساتين النخيل التي تحمل نفس الاسم أو غيره ، وبناحية المسيب ثلاث مقاطعات تابعة للأملاك السنية وهي ؛ المسيب والإسكندرية والناصرية ، وتروى تلك المقاطعات من القنوات القادمة من نهر الفرات ، وتوجد جسور حجرية على كل تلك الجداول والأنهار (١) ، فيوجد على قناة الحسينية وحدها ثلاثة جسور ، وقد أدت تلك القناة إلى زيادة إنتاج التمر في الأراضي المحيطة بكربلاء بشكل يسمح لها بالتصدير ، وقد ذكر خورشيد باشا الذي ذهب إلى المنطقة بمهمة ترسيم الحدود بين إيران والدولة العثمانية أنه كان من كربلاء يصدر إلى بغداد ثمار ما يقرب من مائة ألف نخلة في أواسط القرن التاسع عشر ، ومن المعروف أن عشيرتي عنزة وشمر كانتا تستهلكان قسما من هذا المحصول (٢).

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٤٢٣١) Def\'a ٠٢ (, s. ٣٨٢.

(٢) Seyahatname ـ i Hudud ,s.٦٣١.

٤٧

٢ ـ القنوات والجداول الموجودة في النجف الأشرف

يروى النجف من قناة الحميدية ومن الفرع الأيمن الأكبر من قناة هندية الواقعة جنوب قرية الكفل والمتفرعة من نهر الفرات المار من ناحيتي الكوفة وخور الدخن ، وتتفرع قناة الحميدية عند مقاطعة جعارة بالقرب من مكان يسمى (أبو صخير) وتسير من الجهة الجنوبية ومن الباب الخلفي لقصبة النجف الذي يبعد لمسافة سبع أو ثمان دقائق عنه ، وتصب مياه تلك القناة في أراضي بحيرة النجف القديمة التي جفت تماما اليوم ، ولمواجهة احتياجات أهالي قصبة النجف من المياه شقت قناة أخرى عام ١٨٩١ م بالقرب من تلك القناة على نفقة الخزانة الخاصة السنية ، ولوفرة المياه بها زرعت عدة حدائق وبساتين جديدة في المنطقة (١).

٣ ـ القنوات والجداول الموجودة في هندية

عرفت قناة هندية التي شقت في بدايات القرن التاسع عشر تقريبا بهذا الاسم ، لأنها شقت على يد شخص يدعى «آصاف الدولة» أحد أثرياء منطقة لكنهور بالهند.

وأدى إهمال تلك القناة في نهايات القرن التاسع عشر وتجمع الطين المسمى (دحلة) الذي يجلبه نهر الفرات المار من قضاء هندية إلى ارتفاع الأراضي نسبيّا مما أدى إلى صعوبة ريّها وبالتالي إلى انخفاض دخل الزراعة.

ويتفرع نهر الفرات عند سد هندية إلى فرعين ؛ الأول : يمر من حلة ، والآخر : يمر من قضاء هندية ، ثم يتحد مع النهر بعد ذلك في السماوة ، كما تتفرع قناة هندية أيضا إلى فرعين على بعد ساعة من جنوب

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdat ٤٢٣١,) Def\'a ٠٢ (, s. ٥٩٢.

٤٨

قرية الكفل ، الفرع الأول يمر من الشامية ، والآخر وهو الأكبر يمر من ناحيتي الكوفة وخور الدخن وبعد اجتيازه مقاطعة جعارة يصب في قناة الشنافية ، وبعد اجتياز تلك القناة يمر بأراضي السماوة متخذا اسما جديدا وهو (شط العطشان) ، ثم يسير لمسافة ساعة ويتحد بعدها مع نهر الفرات القادم من ناحيتي الحلة والديوانية ، وقد أصبح المكان عند موقع سد هندية (الواقع على بعد أربع ساعات من شمال قصبة هندية) بمثابة القرية الجميلة المأهولة بسبب ما أنشئ فيها من مخازن ومنازل لمهندسي وحراس السدّ وورش ومعامل لإعداد المستلزمات المطلوبة له (١).

ويفهم من المكاتبات التي تمت في تلك الفترة أن قناة هندية الواقعة بسنجق كربلاء كانت تحوز على اهتمام أكبر من القنوات الأخرى ، وأن سد هندية لم يهمل قط خلال الفترة التي نقوم بدراستها ، فقد ورد في المكاتبات التي تمت بين ولاية بغداد ونظارة المالية في عام ١٨٤٩ م طلب كربلاء لإنشاء سد جديد لهندية بدلا من السد القديم بسبب الأضرار التي تلحق بالمنطقة من نهر الفرات ، وبناء على هذا الطلب الذي تقدمت به الولاية أرسل المركز إلى المنطقة ألف كيس (حوالي خمسة آلاف ليرة) كمصاريف تخمينية لإنشاء السدّ (٢) ، وقد فاض نهر الفرات عام ١٨٥٥ م وهدمت تلك السدود وألحقت المياه الضرر بالأهالي والمحاصيل ، وفي هذه المرة كان المبلغ المرسل من ولاية بغداد لبناء سدّ هندية من جديد يتراوح بين ١٦٠٠ ـ ١٧٠٠ كيس (٧٥٠٠ ـ ٨٠٠٠ ليرة تقريبا) (٣) ، وأول شيء به اهتمّ نامق باشا والي بغداد الجديد هو توفير المستلزمات المطلوبة لتقوية السدود الموجودة في قضاء هندية وشقّ

__________________

(١) A.g.e.,s.٣٩٢ ,١٩٢ ,٤٩٢.

(٢) BOA, Sadaret Mektubi Kalemi Meclis ـ i Vala) A. MKT. MVL (١٢ / ٦٤, lef ٦٤ / ١.

(٣) BOA ,A.AMD ٦٦ / ٤٢ ,٣ R ٢٧٢١.

٤٩

الأنهار الأخرى وتطهيرها (١) ، كما شكّل مجلس إعمار لهذا الغرض خصيصا ، وكان أول عمل يقوم به المجلس المكلف بهذا الأمر هو إعداد دراسة جديدة عن سد هندية الذي يؤثر على مساحة كبيرة من الأراضي.

وطبقا للخطة الموضوعة لترميم وإنشاء السد سيتم بناء أبواب من الحجارة في الأماكن المناسبة في النهر لتفتح في موسم الفيضان لإعاقة فيضان النهر ولمنع شدة اندفاع الماء ليتمكن العمال من الاستمرار في بناء السد من ناحية ومن ناحية أخرى تعمل على استمرار الزراعة بشكل أكثر أمانا (٢) ، ويلاحظ من ذلك أن إنشاء سد هندية كان ضمن مشروعات البنية التحتية التي بدأت في العراق في عهد السلطان عبد الحميد الثاني ، فقد تكلف هذا السد في عهد السلطان عبد الحميد ستين ألف ليرة ، أما في عهد المشروطية الثانية فقد تم تخصيص مبالغ كبيرة لإنشائه من جديد ، تم صرفها للمهندس وليام ويلكوكس أحد مهندسي السدود المشهورين في ذلك الوقت (٣).

كانت عملية الري في هندية تتم بواسطة نهر الفرات والسبعة عشر

__________________

(١) BOA ,A.MKT.NZD ٥٧٣ / ٥١ ,٤٢ R ٨٧٢١.

(٢) BOA, Sadaret Mektabi Kaleemi, Umum Vilayet) A. MKT. UM (٨٠٥ / ٥٧.

ولأهمية هذا الأمر أقيمت التعديلات اللازمة لترميم السد كل فترة ، وعلى سبيل المثال فإن دفتر كشاف التقرير الخاص بالسد المؤرخ في ٧ سبتمبر ١٩٠٥ م ـ ١٧ جمادى الثانية ١٣٢٣ ه‍ تعطي معلومات مهمة عن أهمية سد هندية والمشروعات التي تمت هناك ، كما أن الوثائق الخاصة بسد سكلاوية الذي تم تعميره في فترة ولاية محمد نامق باشا لبغداد سنة ١٨٥١ م تعطي خيوطا عن خطط السد والأعمال التي تمت بشأنه. انظر :

BOA, Sura ـ yi Devlet Bagdad ٢٩١٢ / ٤) SD ـ Bagdad (.; BOA, Irade Dahiliye ٦٤٣٥١,) I. Dh (.

(٣)Zekeriya Kursun," Osmanli\'dan Amerika\'ya Tanimlanamayan Ulke : Irak", Irak Dosyasi, Istanbul ٣٠٠٢, s. ٦.

٥٠

جدولا المتفرعة منه ، ويوجد على يسار نهر الفرات من هذه الجداول : أبو نفاش ومشورب الشرقي ومشورب الغربي ودويهية وعبد عوينات وشط مولا وخنيابية ومحرم عيشة والعاجل وأبو روبة وأم راوية ومنيتر ، وأبو سفن ووعجمية وأبو خصاوي المتفرعين من نهر دويحية ، أما الجداول الموجودة على يمين نهر الفرات فهي ؛ قزوينية ومنفهان (١).

٢ ـ البنية الاقتصادية

١ ـ الزراعة والتجارة :

معظم الحضر في أقضية سنجق كربلاء يعيشون على الزراعة ، ولكربلاء مكانة تجارية هامة بسبب وقوعها على طرق التجارة (طريق بغداد ـ البصرة ، وطريق البصرة ـ الشرق الأقصى) ، وبسبب وفود الزوار الشيعة إليها للزيارة والتجارة في نفس الوقت.

معظم أهالي كربلاء يعيشون على الزراعة ، ويمكن القول بأن المنتجات الزراعية الرئيسية الموجودة هناك هي : التمر والقمح والقطن والدخان والأفيون والسمسم العراقي والهندي والبقول وبعض الحبوب الأخرى وهذا إلى جانب الفواكه كالشمام والبطيخ والبرتقال والليمون الحلو والحامض والرمان والبرقوق والتين والتوت ، أما الخضروات فتتمثل في الباذنجان والبامية وبعض الخضروات الأخرى (٢) ، ويستخدم أهالي بغداد على وجه الخصوص القطن والزنجبيل والأفيون الذي ينمو في نواحي كربلاء (٣).

أما القمح والشعير فيسد احتياجات كربلاء ، أما المحاصيل التي

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ,٤٢٣١ ,s.٢٩٢.

(٢) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٤٢٣١ ,s.٤٨٢.

(٣) BOA ,A.MKT.NZD ٣١٢ / ٤٤.

٥١

تصدرها كربلاء فهي التمر والذرة والعسل الأسود وبعض الفواكه والمنتجات الأخرى ويصدر منها إلى كل النواحي وخاصة الهند ، أما البضائع التي تستورد من الخارج فهي القماش والصوف والتوابل والأعشاب الطبية والسكر والشاي والقهوة والسجاد (١).

ولم يفقد المحصول الموجود بالمنطقة أهميته من ناحية سدّ احتياجات الأهالي بالرغم من عدم التمكن من زراعة المنطقة كما ينبغي ؛ لعدم القدرة على استخدام نهر الفرات في الري بشكل كاف ، وكانت الأراضي في كربلاء تزرع على شكل مقاطعات ، وكان أساس عقد إيجار الأراضي مبنيّا على تأجير الأراضي لأي شخص يدفع بدل الإيجار مقابل الأعشار التي سيقوم بجمعها من الأهالي ، وقد أدى هذا الوضع إلى سوء استعمال الإداريين والملتزمين لمقاطعاتهم وإلى ظهور مصادمات بين الأهالي والعشائر لعدم التمكن من تقسيم الأراضي بينهم ، ومن ذلك ما عرفناه من إحدى الوثائق التي قمنا بدراستها والتي تثبت أن رشيد بك الذي كان ملتزما على ناحية هندية من شهر سبتمبر عام ١٨٥٦ م حتى أغسطس ١٨٥٧ م اختلس بعضا من أموال تلك المقاطعات ، وتم تشكيل لجنة لمراجعة تلك الأموال وتم إعادتها كلها (٢) ، كما تم عزل يعقوب أفندي قائمقام النجف وكربلاء من وظيفته لما عرف أنه اختلس أموالا لنفسه من بدل المقاطعات (٣).

وها هي أهم المقاطعات الموجودة في كربلاء : مقاطعة حواص وطهماسية والمسيّب والإسكندرية (٤) ومقاطعات قناة الحسينية وتاجية وخراسان ومخروط وشهربان وبلاد روزين ، وكانت تلك المقاطعات تمنح

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٠٠٣١ ,s.٦٦١.

(٢) BOA ,A.MKT.MVL ٣٠١ / ٥٦.

(٣) BOA ,A.MKT.MVL ٣٠١ / ٩٥.

(٤) Seyahatname ـ i Hudud ,s.٧٣١ ,٨٣١ ,٣٥١ ,٤٥١.

٥٢

للملتزمين أو المشاركين ، أما مصاريف الحفر فكانت في الغالب تسدد من قبل الملتزمين ، ولم تكن أصول تشغيل الأراضي وتقسيم المحاصيل واحدة في كل المقاطعات ، فعلى سبيل المثال كانت الزراعة في مقاطعة الإسكندرية تمنح للمشارك ، أما أعمال الحراسة فكانت من مهامّ الملتزم ، أما مقاطعتا خراسان وتاجية فكانت الزراعة والحراسة فيهما من مهامّ الملتزم (١) ، ويمكننا الحصول على معلومات عامة عن شؤون المقاطعات من خلال ما أورده خورشيد باشا أثناء حديثه عن مقاطعة خراسان حين قال : «الفدان هو وحدة قياس فالفدان هو القطعة التي يحرثها زوج من الثيران في يوم ، وكمية البذور المستخدمة لهذا الفدان معلومة وثابتة ، وعند جنى المحصول يعطى للكارخ أي لمقسم المياه والسّكّار أي متولي شؤون السدّ والشحنة أي رئيس المياه مقدار معين من الحنطة والذرة وذلك بعد إخراج مقدار البذور ، ويقسم الباقي بعد ذلك إلى خمس حصص ثلاث منها لصاحب الأرض أو الجانب الميري أو الوقف والباقي للفلاح ، أما إن كانت المساحة المزروعة من فدان إلى خمسة أفدنة فإن أصول التقسيم تختلف حينذاك ، حيث يعطى للمشارك المسمى سكّارا خمس المحصول ، كما تقدم له مساعدات مالية وبذور ثم يقسّم باقي المحصول إلى خمس حصص يعطى منها حصتان للفلاح وثلاثة أخماس لصاحب المال ، ويطلق على تلك الأصول في التعامل (الأصول المطلقة) (٢).

يتم نقل البضائع التجارية بواسطة الطرق البرية والأنهار ، وفي أغلب الأحيان كانت تستخدم الإبل والبغال والحمير وغيرها من دواب النقل في نقل البضائع التجارية ، أما النقل النهري فكان يتمّ بواسطة

__________________

(١) BOA ,I.Dh ,٠١٦٤٢.

(٢) Seyahatname ـ i Hudud ,s.٨٩ ـ ٩٩.

٥٣

السفن الصغيرة والقوارب التي يطلق عليها مهيلة وبلم وطرادة وصاجه ، ولأن تلك القوارب كانت تقترب من ساحل النهر بسهولة لم تبن هناك موانئ للتجارة (١).

ويلاحظ أن الحركة التجارية بين البصرة وكربلاء والأقضية التابعة لها كانت نشطة للغاية ، كما أن حركة نقل الركاب كانت كثيفة جدّا ، ففي عام ١٨٦٠ م وفد إلى النجف من البصرة (٥٢٨٥) زائرا ، بينما وفد إلى البصرة من النجف (٣٩٦٥) زائرا ، ويلاحظ أيضا أن شهري يوليو وأغسطس كانا من أكثر الشهور التي تزيد فيها حركة النقل (٢).

أما أهم البضائع التي كانت تصدر من النجف إلى البصرة فهي قماش شاهي ، وكان مقدار استيراده يبلغ خمسة وسبعين ألف كيلة محمولة على ١٠٠ سفينة ، وبالرغم من أن القمح والأرز والحبوب كانت تصدر أيضا بكميات قليلة إلا أنها كانت ضمن المنتجات التي تصدر من النجف ، ويرى أن القماش يحتل الصدارة أيضا في البضائع المستوردة من البصرة إلى النجف ، وكانت القوارب ووسائل النقل الصغيرة المسماة موريخ وشويعي أكثر ما يستخدم في نقل تلك التجارة (٣).

أما التجارة التي بين البصرة وهندية فكانت أقل حجما ، حيث كان يصدر من هندية إلى البصرة في السنوات المذكورة سالفا (٧٥٠٠) كيلة (٤) من القماش و (٥٥٠٠) كيلة من القمح ، أما حجم التجارة التي

__________________

(١) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٤٢٣١,) Def\'a ٠٢ (, s. ٤٨٢.

(٢) Davut Hut, Maliye Varidat Defterlerine Gore XIX. Asrin Ikinci Yarisinda Basra Gumrugu,) Yayimlanmamis Yuksek Lisans Tezi (, Istanbul ٩٩٩١, Marmara Universitesi Turkiyat Arastirmalari Enstitusu, s. ٧٤.

يحتمل أن تكون هذه الزيادة موازية للفترة التي بدأ فيها الرجوع لزيارة العتبات.

(٣) Hut ,a.g.t.,s.٨٤.

(٤) لقب يستخدم للتعبير عن مقدار معين من الحبوب ، وله أنواع مختلفة ، ومقدار الكيلة

٥٤

كانت تفد من البصرة إلى هندية فكانت تبلغ (١١٧٠٠) كيلة من التمر و (٥٥٠٠) كيلة من القماش ، وكانت تلك البضائع تنقل بواسطة سفن أكبر في الحجم من السفن المذكورة سابقا ، حيث كانت حمولتها تتراوح بين (١٥٠٠) و (٢٠٠٠) كيلة ، وثمة خاصية هنا تلفت الانتباه وهي أن السفن التي تحمل الراية الإيرانية كانت أكثر من السفن التي تحمل الراية العثمانية في المناطق التي يكثر فيها وجود الشيعة (١).

وكربلاء مثل غيرها من المناطق العربية الأخرى كانت تتعرض لأعمال النهب والسلب ، ويلاحظ أنه كان يتم ترقية الإداريين الذين ينجحون في إعادة الأموال والبضائع المسروقة من التجار ، أما الإداريون الذين كانوا يقصرون في هذا الأمر فكانوا يعاقبون على تقصيرهم ، ومن ذلك على سبيل المثال تعيين قدوري بك كاتب الأقلام في مهمة إعادة البضائع والأمتعة التجارية التي سرقت في نواحي كربلاء والمسيّب والنجف وهندية كاملة غير ناقصة (٢).

كما كان يفد التجار من إيران إلى كربلاء ، وكانت طريقة التعامل مع هؤلاء التجار في غاية الأهمية من حيث التجارة وتأثيرها على العلاقات العثمانية الإيرانية ، فقد تمّ التنبيه على سفير طهران وعلى والي بغداد بمعاملة هؤلاء التجار بشكل طيب ، وعدم تحصيل أية ضرائب زائدة عن المنصوص عليها في المعاهدات (٣).

__________________

يختلف عن بعضه فمثلا كيلة استانبول تختلف عن كيلة إبرائيل.

Mehmed Zeki Pakalin, Osmanli Tarih Deyimleri ve Terimleri Sozlugu, Istanbul ٣٩٩١, II, ١٨٢.

(١) Hut ,a.g.t.,s.١٥.

(٢) BOA ,A.MKT.UM ٦٩٢ / ٥٩.

(٣) BOA, Hariciye Nezareti Mektubi Kalemi) HR. MKT (٠٧ / ٣٥.

في الوثيقة المؤرخة في ٢٦ ربيع الأول ١٢٧١ حذر سفير طهران أحمد وفيق أفندي

٥٥

وقد أورد خورشيد باشا في رحلته معلومات عامة عن عدد الزوار والتجار (١) القادمين من إيران وكيفية مجيئهم ، فقال إن خانقين تعتبر نقطة هامة لأنها مكان مرور الزوار القادمين من إيران إلى العتبات العالية ، والتجار الذاهبين إلى بغداد والشام وحلب للتجارة ، وقد أعدّ خورشيد باشا جدولا إحصائيّا أعده من دفاتر القرنتينة (الحجر الصحي) أوضح فيه أعداد الزوار والتجار وكميات الأحمال التي جلبوها معهم :

الزوار والتجار الإيرانيين

 الحمالين

 الأغنام

 حمولة التجارة

 تاريخ المرور

عدد

 عدد الأشخاص

 عدد الرؤوس

 عدد الأحمال

 الشهر

١١٢٢

 ٢٨٤

 ٠

 ٧٨٦

 مارس

١٩٣٠

 ٣٠٤

 ٠

 ٩٧٧

 إبريل

٣٠٦٠

 ٢٢٩

 ٠

 ١٤٦

 مايو

١٢٦٧

١٥٤

٠

٤٥٤

ونو

١٩٦١٤

 ٦٦٩

 ٣٠٤٠

 ١٢٣٠

 أكتوبر

٣٨٢٦

 ٦٤

 ٣١١٨

 ٨١٨

 نوفمبر

٦٦٩

 ١٥٠

 ٣٠٤٠

 ٨٥٣

 ديسمبر

٢٦١٧

 ٢٥٤

 ٧٢٠٠

 ١٩٦٦

 يناير

١٦١

 ٢٩٠

 ٤٧٠٠

 ٨٥٩

 فبراير

٥٢٩٦٩

 ٣٣٤٨

 ٢٤٩٥٧

 ٩٨١٥

المصدر : خورشيد باشا ، سياحتنامه حدود ، ص ٩٢.

__________________

والي بغداد في تلك الفترة من عدم الإيفاء بالمعاهدات الموقعة بين الدولتين بطلب ضرائب إضافية من الزوار والتجار الإيرانيين القادمين إلى الممالك المحروسة ، وطلب توفير الأمن والعدل لهم في هذه الأرض.

(١) إن هاتين المجموعتين القادمتين من إيران بأهداف قد ذكرتا في المصادر بصفة

٥٦

ويذكر خورشيد عدد الزوار والتجار الوافدين والذاهبين على مدار العام في هذا الجدول الذي استخدمت فيه الشهور الرومية دون تحديد للسنة والذي أخذه من دفتر القرنتينة ، ويتضح من خلال الجدول أن أكثر شهر وفد فيه زوار وتجار هو شهر أكتوبر حيث بلغ إجمالي عددهم (١٩٦١٤) شخصا ، أما شهر فبراير فسجل أقل عدد حيث بلغ (١٦١) شخصا ، أما بالنسبة للأحمال التجارية فقد كان شهر يناير أعلى شهر من حيث الحمولات التجارية حيث بلغ عدد الحمولات التجارية فيه (١٩٦٦) حملا ، أما أقل شهر فكان مايو وسجل (١٤٦) حملا ، ويلاحظ أن عدد الزوار والتجار القادمين على مدار العام قد بلغ (٥٢٩٦٩) شخصا ، أما الأحمال التجارية فبلغت (٩٨١٥) حملا (١) ، وهي الأحمال التي حصّل عنها ضريبة جمركية ، ولم تدخل ضمن تلك الإحصائية الدواب التي يركبها الزوار والتجار وكذا الأحمال التي على تلك الدواب ، كما كان هؤلاء التجار يخفون البضائع القيمة أو الباهظة الثمن كالحرائر والتفاح الذي يجلبونه لأحبابهم في نعوش الموتى التي يحضرونها من الخارج إلى منطقة النجف وكربلاء ، وذلك حتى لا يدفعوا عنها ضريبة (٢).

أما كوبر فقد أورد في رحلته أنه يأتي على مدار العام إلى كربلاء ما يزيد عن مائتي ألف زائر من إيران والهند فقط ، ويقول كوبر : إن

__________________

عامة ، ولم يفصل خورشيد باشا بين طائفة الزوار والتجار ، وذلك لأنه من الصعب التفريق بين أهداف قدوم المجموعتين. انظر : Seyahatname ـ i Hudud ,s.٢٩ ـ ٣٩.

(١) إن عدد المارين من خانكين ليس عبارة عن ستة وخمسين ألفا فقط ، وإذا أضفنا لهم من لم يتم قيدهم سيصل عددهم إلى مائة ألف ، ولعدم وجود شخص يقيد الأشخاص الذين تم إدخالهم إلى خيمة الحجر الصحي بعد أذان المغرب فلم يتم عدهم هذا بالاضافة إلى التجار والزوار المارين ليلا دون الوقوف في خانكين.

Seyahatname ـ i Hudud, s. ٢٩ ـ ٤٩.

(٢) Seyahatname ـ i Hudud ,s ,٣٩.

٥٧

السلطات التركية اتخذت بعض الإجراءات المشددة لمنع الحجاج الإيرانيين من إحضار موتاهم ودفنهم في تلك الأراضي التي يعدونها أراضي مقدسة ، ونتيجة للمباحثات التي تمت في هذا الشأن منع الشاه نسبة كبيرة من الإيرانيين من الحج إلى كربلاء ، وأصبحت مدينة مشهد في إيران بدلا من مدينة كربلاء ، وأدى هذا الإجراء لتعرض الدولة العثمانية لفقدان مصدر كبير للدخل لها لفترة ، إلا أنه تم السماح بعد ذلك للجيج بالزيارة (١).

قامت الدولة العثمانية ببعض التنظيمات لتوفير الأمن والراحة للزوار والتجار الإيرانيين منذ فتح بغداد وحتى الفترة التي نقوم بدراستها ، ولقد منع الحجيج الشيعة من القدوم إلى كربلاء لفترات قصيرة بسبب الأحداث السياسية ، ولذا فمن الصعب القول إن الرجوع في هذا مرتبط بالضرر اللاحق بالمصالح الاقتصادية ، كما أن النزاعات التي كانت بين الدولة العثمانية وإيران كالصراع الشيعي لم تكن بالقوة التي تجعلها سببا في بقاء الحجيج الشيعة بعيدا عن تلك الأراضي لفترة طويلة ، فلم ترغب الدولة العثمانية في ابتعاد الحجيج الشيعة عن المنطقة لفترة طويلة ، بل إنها أعطت الأولوية لسياسة الاهتمام بالتشابة بين المذهبين السني والشيعي أولا وليس الفروق المذهبية بينهما ، ولذا فليس من الخطأ الاعتقاد بأن شيعة العثمانيين لم يتحملوا تلك الاضطربات طويلة المدى ، لأن الاستقرار السياسي في المنطقة كان يتطلب إظهار الاحترام والرعاية لمعتقدات الشيعة ، لا سيما وأن هذا الوضع لم يكن يتعارض مع البنية التقليدية للدولة العثمانية أو يتناقض مع سلوكها تجاه المعتقدات المختلفة.

كانت ولاية بغداد من الولايات التي لها إدارة مختلفة عن الإدارة

__________________

(١) Cowper ,a.g.e.,s.٢٧٣.

٥٨

العامة للأناضول والروميللي ، ومن الولاياتالسلام عحک المختلفة أيضا ولايتا البصرة والحجاز فكانت أراضيهما عشرية ، أما أراضي صيدا وحلب والموصل وطرابلس الغرب وبنغازي واليمن وبغداد فكانت من الأراضي الخراجية ، فعندما فتحت تلك المناطق وضمت للدولة العثمانية طبقت فيها أصول التيمار والزعامة ، ولم يتدخل مركز الدولة في شؤونها المالية ، فدفع أهالي تلك المناطق نفس الضرائب التي كانوا يدفعونها من قبل إلى خزانة الدولة ، كما طبق النظام القديم في إدارة الأراضي.

وتوجد عدة أسباب لعدم جعل الولايات المذكورة سابقا وبغداد تحت الإدارة المباشرة للدولة ، أولها : أن أهالي تلك المناطق يتشكلون من عشائر وعربان مختلفة وينتسبون لأديان ومذاهب متنوعة ، هذا بالإضافة إلى موقع تلك الولايات الهام والحساس من الناحية السياسية (١).

قبل عهد التنظيمات كان يحصل في كربلاء نفس الضرائب التي كانت تحصل في ولاية بغداد وهي ضرائب «حاصلات الأعشار» و «واردات المقاطعات» و «الاحتساب» ، وبخلاف ذلك كان يحصل من العشائر ضريبة تسمى «رسم الخيام» وكانت تحصل طبقا لعدد الخيام أو لعدد الدواب وذلك حسب حال كل عشيرة طبقا للقواعد المتبعة منذ القدم (٢).

وثمة ضريبة أخرى هامة كانت تحصل قبل عهد التنظيمات وهي رسم المرور والمسمى «باج عبور» ، إن هذه الضريبة التي ألغيت بموجب معاهدة تم عقدها بين إيران والدولة العثمانية في بدايات القرن التاسع عشر الميلادي كانت عبارة عن ضريبة تحصل عن كل البضائع والمنتجات

__________________

(١) Abdurrahman Vefik, Tekalif ـ i Kavaid, Istanbul ٠١٩١, s. ٧٤ ـ ٨٤.

(٢) Tekalif ـ i Kavaidi ,s.٩٤.

٥٩

التي يأتي بها الإيرانيون إلى الأراضي العثمانية (١) ، وكان سعى الموظفين المحليين في المنطقة إلى أخذ تلك الضريبة في السنوات التالية سببا في النزاعات بين الدولة العثمانية وإيران.

وها هي المصادر الرئيسية لدخل الدولة الوارد ذكرها في (سالنامه بغداد) الكتاب الرسمي السنوي لعام ١٣٢٥ ه‍ : رسم الخيام وبدل العسكرية ورسم الأغنام ورسم الجاموس ورسم الإبل وبدل الأعشار المقطوعة وإيجار الأملاك الأميرية ورسوم متنوعة ورسوم حق الغابات والخشب والطرق وأنواع المعادن ومصاريف العقود والأملاك ومصاريف المحاكم وحاصلات متفرقة (٢).

من المعروف أن رسم الأغنام المأخوذ على الأغنام والماعز يحمل سمة الشرعية في المالية العثمانية ، وبعد التنظيمات تقرر تحصيلها بواسطة موظف يسمى «مباشرا» ، وقد تقرر أن تكون تلك الضريبة عبارة عن خمسة قروش على كل رأس يضاف لها نصف قرش يعرف بالمباشرية ، إلا أنه لم يكتب النجاح لتطبيقها ولذا تم البدء في تحصيلها عن الدخل وليس عن عدد الأغنام (٣) ، وكانت ولاية بغداد تحقق أكبر دخل لها من هذه الضريبة.

أما بالنسبة لضريبتي رسم الجاموس والإبل المحصلتين في كربلاء فقبل التنظيمات كانت تؤخذ أجرة على كل رأس حيوان تحت اسم «ضريبة الحيوانات الأهلية» و «الاحتساب» وكذا عند بيع تلك الدواب في الأسواق كان يحصل قيمة بارة واحدة على كل قرش من ثمنها ، وعلى

__________________

(١) Seyahatname ـ i Hudud ,s.٤٨ ـ ٥٨.

(٢) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٥٢٣١ ,s.٣٤٣.

(٣) Tekalif ـ i Kavaidi, s. ٩٢; Abdullatif Sener, Tanzimat Doneminde Osmanli Vergi Sistemi, Istanbul ٠٩٩١, s. ٠٤١; Coskun Cakir, Osmanli Maliyesi, Istanbul ١٠٠٢, s. ٢٥.

٦٠