كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

المجلس أن سبب طلبه هذا هو أنه يفد إلى كربلاء أناس كثيرون أثناء الزيارة ، وهو ما يجعل المدينة تعيش في ازدحام مستمرّ ، وبالتالي فإن نقل مقرّ الحكومة إلى خارج القصبة سيكون له فائدة من ناحية عدم تأخير وإعاقة الأعمال ، وقد أوضحوا أن هذا العمل يتطلب مائة ألف قرش ، وأنهم يمكنهم توفير من سبعين إلى ثمانيين ألف قرش ببيع مقرّ الحكومة القديم ، وقد أوضح مجلس سنجق كربلاء بأنه يمكن أن يستخدم معسكر الجنود النظامية الموجود بجوار مقر الحكومة القديم كبناء إضافي ، ولكن في تلك الحالة على الدولة تحمل المائة ألف قرش لبناء المقر الجديد ، وقد رأت نظارة الداخلية أن هذا الاقتراح الأخير مناسب ، وأخبرت نظارة المالية بالموضوع لتخصيص مائة ألف قرش من الميزانية لبناء مقر الحكومة الجديد (١).

وبعد ربط هندية بسنجق كربلاء بدأت الحكومة تتصرف بشكل أكثر حساسية خاصة في مسألة الضرائب ، فثلثا الضرائب التي كانت تحصل من الأهالي في كربلاء كان حصة للميري ، وفي إطار توطين العشائر الذي كان جاريا في تلك الفترة ، تمّ توطين العديد من العشائر في هندية خاصة ، وتمّ تأمين معيشتهم بالزراعة ، وكانت نفس تلك التنظيمات وأصول الضرائب نافذة أيضا على العشائر المتوطنة حديثا ، وكان معروفا لرجال الإدارة العثمانية أن تلك العشائر المتوطنة حديثا ستظهر رد فعل على تلك الأوضاع ، أو أنها ستخلق اضطرابات في تلك الفترة المؤقتة ، لذا فقد أرسلت رسالة لولاية بغداد ، وتمّ تكليف الولاية فيها بالعمل على استتباب الأمن ، وإرسال أربع فرق من الجنود النظامية وعدد من الضباط وإنشاء العديد من المخافر ومقرّ للحكومة ودائرة للتلغراف ، وقد أخطرت ولاية بغداد بخصوص القيام بالإجراءات لتخصيص (١١٠٠٠٠) قرش

__________________

(١) BOA ,I.Dh ٢١٨٣٤ ,٩١ M ٨٨٢١.

٣٠١

ووضعها في ميزانية الولاية لعام ١٢٨٧ (رومي) ، وأخطرت نظارة المالية بالميزانية المخصصة (١).

وبالرغم من تأخر تأسيس الأبنية الإدارية في كربلاء والأقضية التابعة لها أيضا ، إلا أنه تم البدء في تأسيسها ، فقد بدأت ولاية بغداد في خوض مساع لتأسيس مقرّ للحكومة في قصبة الكوفة التابعة للنجف الأشرف في عام ١٨٧٩ م ، ولأن الكوفة وموانئها تعد نقطة تجارية هامة ، ومكان لتنزه الزوار الإيرانيين والرحل ، فقد كانت تحوز على أهمية من حيث الحركة ، وكان هذا يستلزم ان تكون الإدارة قوية فيها ، لذا تم تعيين مدير على الكوفة وضابطين ، وكان ينظر لإقامة مدير الكوفة والضابطين في أكواخ مصنوعة من الحصير على أنه نقص من جانب ولاية بغداد في عدم استتباب الأمن والشعور بقوة الدولة هناك ، ونتيجة الأبحاث التي تمت لهذا الغرض تبين أن تأسيس مقر للحكومة هناك سيتكلف (١٠٥٧٠) قرشا ، وأخطر مجلس شورى الدولة بذلك (٢) ، وعليه فقد وافق مجلس شورى الدولة على اقتراح والي بغداد بشرط أن يتم استيفاء المبلغ المطلوب لتأسيس مقر الحكومة من دخل كربلاء ، وأن يكون التأسيس بالمبلغ المحدد فقط (٣).

بدأت الدولة العثمانية بشكل عام بحركة عمرانية في منطقة العراق في القرن التاسع عشر ، لا سيما وأن أحد أهم أسباب عمل إصلاحات إدارية في سنجق كربلاء هو توطين الأهالي الرحل ، ونقلهم إلى حياة الاستقرار ، ومن أهم المساعي التي تمت في هذا الشأن النشاطات العمرانية التي تمّت لجعل أراضي رزازة تتفق مع توطين العشائر ، وبعد

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.١٣١ ,٨ L ٨٨٢١.

(٢) BOA, Irade Sura ـ yl Devlet) I. SD (٦٤٦٢, ٨١ L ٦٩٢١; SD ـ Bagdad ١٥١٢ / ٨, ٨ N ٦٩٢١.

(٣) BOA ,Ayniyat Defteri ٢٥٨ ,s.٨٦ ,٦٢ L ٦٩٢١.

٣٠٢

تلك النشاطات تشكلت إدارة المنطقة كقائمقامية تابعة لكربلاء ، ومنحت لشيخ عشيرة عنزة (١) ، وكان الهدف من ذلك هو إظهار القوة المركزية في المنطقة في تلك الفترة الانتقالية من ناحية والوقوف ضد المعارضة المحلية من ناحية أخرى ، كما تقرر منح منصب القائمقام الممنوح لشيخ عنزة لأفراد عائلته من بعده ، وقد اتخذ هذا القرار لحث عشيرة عنزة والفرق التابعة لها على الإقامة في المناطق الجديدة والتعود على طرز الحياة الجديدة ، تلك العشيرة التي كانت تقيم في نواحي رزازة ولم يكن عندها علم بالعلاقات الإدارية سوى الروابط العشيرية فقط ، وعندما توفي قائمقام رزازة عام ١٨٨١ م اختير بهد بك صاحب الخبرة والنفوذ في العشيرة وهو من نفس العائلة خلفا له ، وكان اختياره يعتمد على نفس الأسباب السابقة (٢).

وقد اضطلعت الحكومة العثمانية ببعض المساعي في المجال العلمي لإنقاذ فرقة الخزاعل التابعة لعشيرة عنزة والتي تقيم في رزازة من البداوة ، وجعلها تتعود على آداب حياة الاستقرار ، وعينت طه أفندي ابن الشواف مدرسا على المنطقة ، وتقرر تخصيص راتبه الشهري البالغ ١٢٥٠ قرشا من الدخل الزراعي لتلك العشائر التي استقرت في المنطقة ، وقد أخبر والي بغداد بأن الراتب الذي خصص للعلماء الذين هاجروا من إيران إلى بغداد كان ١٥٠٠ قرش ، ولأن الراتب المخصص لطه أفندي كان أقل منهم فإن سياسة الاستقرار التي تسعى الدولة لعملها هناك لن تجدي ، وتم التباحث في الأمر في مجلس شورى الدولة ، وتقرر رفع الراتب المخصص له للوضع المساعد ، وصدرت إرادة من السلطان بذلك ، وأخطرت نظارة المالية بالأمر لتنفيذ القرار (٣).

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ٩٤٨ ,s.٦٣١ ,٨١ C ٠٩٢١.

(٢) BOA ,I.Dh ٢٣٧٦٦ ,٤٢ Ca ٨٩٢١.

(٣) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٣٧٢ ,Selh Ca ٤٩٢١.

٣٠٣

ومن أهم أهداف التنظيمات التي قامت بها الدولة العثمانية هنا حماية كربلاء وما حولها من التدخل الأجنبي الذي تعرضت له المنطقة بسبب وجود العتبات فيها ، فقد كانت مشكلات الحدود والمشكلات الأخرى الكائنة مع إيران منذ بداية القرن التاسع عشر وأهداف الدول الأوروبية في المنطقة سببا في اضطراب منطقة كربلاء ، ولكن بعد توقيع معاهدة أرضروم عام ١٨٤٧ م مع إيران التي كانت أهم مصدر لتلك الأوضاع المضطربة ، تمّ حلّ موضوعات النزاع بشكل نسبي ، إلا أن الدولة العثمانية أدركت أنه يجب عمل إصلاحات إدارية في المنطقة لضمان عدم حدوث تلك الاضطرابات وإعاقة التدخل الأجنبي ، وخطت خطوات جدية وسريعة في هذا الموضوع ، وقد أكدت الدولة العثمانية سيادتها في كربلاء بتحويلها إلى متصرفية وبتأسيسها المراكز العمرانية الجديدة بهدف تأمين السيطرة على العشائر الموجودين في المنطقة ، وبتأسيس تشكيل إداري بها.

٢ ـ إلغاء متصرفية كربلاء وتشكيلها مرة أخرى

بالرغم من أن حادثة إلغاء متصرفية كربلاء وقعت في فترة تاريخية لاحقة للفترة التي نقوم بدراستها ، إلا أنه ثمة فائدة من عرض هذا الموضوع لما فيه من إظهار لأهمية كربلاء ، إن كلّ متصرفية جديدة كانت تؤسس في ولاية بغداد كانت تعني تحميل الخزانة عبئا جديدا ، لأن زيادة أعداد الموظفين كان يعني زيادة الأموال المخصصة كرواتب لهم ، وعندما بلغت الضائقة المالية حدّها عام ١٨٧٥ م كان الباب العالي يريد توحيد بعض المناطق العمرانية في بغداد وتقليل عدد المتصرفيات وإراحة الخزانة.

وثمة سبب آخر دفع الخزانة إلى ضائقة وهو ازدياد الانحرافات في المتصرفيات ، ولا ننسى أن مدحت باشا قام في الأساس بتأسيس متصرفية كربلاء للقضاء على الانحرافات التي كانت بها ، إلا أن زيادة الانحرافات

٣٠٤

في هذه الفترة كان بسبب زيادة عدد الموظفين ، كما أن أحد أسباب إلغاء متصرفية كربلاء هو وصول أخبار إلى استانبول تفيد بوجود انحرافات بين موظفي المنطقة ، واتهم متصرف كربلاء وبعض الموظفين المحليين بعضهم البعض بأنهم أنفقوا أموال الدولة هباء ، وأرسل مجلس شورى الدولة موظفين إلى المنطقة للتحقيق في الاتهامات ، فقد وصلت الانحرافات الكائنة ليس في كربلاء وحدها بل في بعض المتصرفيات الأخرى التابعة لبغداد إلى أبعاد خطيرة ، ولذا قرر مجلس شورى الدولة تحويل بعض المتصرفيات في بغداد إلى قائمقاميات كي لا تتعرض الخزانة لخسارة أكثر من ذلك (١).

وقد ألغيت متصرفية كربلاء عام ١٨٧٤ م (١٢٩١ ه‍) وأصبحت بمثابة القائمقامية ، وارتبطت بمتصرفية حلة كما ارتبط قضاء هندية بمتصرفية الحلة أيضا ، أما المسيب فقد تبعت بغداد ، وبربط كربلاء بالحلة آلت الألف وخمسمائة قرش التي كانت مخصصة لمتصرف كربلاء إلى متصرفية حلة ، وخصص لقائمقام كربلاء بهذا التنظيم الجديد راتب شهري يقدر بأربعة آلاف قرش (٢).

وأثناء إلغاء متصرفية كربلاء قام مجلس ولاية بغداد بعمل المباحثات اللازمة بخصوص الموظفين السابقين الذين أساءوا استخدام وظيفتهم ، وانتهت تلك المباحثات بإحالتهم إلى ديوان الأحكام العدلية للنظر في أمرهم ، وفي ديوان الأحكام العدلية تمت المباحثات والدراسات اللازمة مع صالح بك متصرف كربلاء الأسبق وبعض الموظفين المحليين الآخرين ، وتم تجريمهم بموجب المادة ٨٨ من قانون العقوبات لأنهم لم يحيلوا كربلاء إلى أصول ونظم مقاطعة دار الدخان التابعة لقضاء هندية ،

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ٨٤٨ ,s.٤٨١ ,٨١ Ca ١٩٢١.

(٢) BOA ,Ayniyat Defteri ٨٤٨ ,s.٤٨١ ,٨١ Ca ١٩٢١.

٣٠٥

وبعد تكفل المتصرف والموظفين بكل الخسائر التي تعرضت لها الدولة والأهالي ، تقرر نفيهم جميعا إلى كوتاهية لمدة سنتين ، أما الصراف يعقوب فلم تثبت عليه جريمة الرشوة التي زعم أنه أخذها من أحد رؤساء العشائر ، إلا أن ظهور أقاويل في حقه كانت كفيلة بعزله من وظيفته ، كما ثبت أن مصطفى أفندي أحد موظفي قضاء شفاتية التابع لكربلاء وإبراهيم أفندي المدير والصراف صاصو قد أخذوا رشاوى من الأهالي ، وقد تم تطبيق المادة ١٠٨ من قانون العقوبات عليهم ، فحكم على إبراهيم أفندي بأن يظل أسير القلعة لمدة ثلاث سنوات ، أما الاثنان الآخران فقد حكم عليهما بالحبس لمدة ستة أشهر ، كما تقرر أن يتحملوا كل الخسائر التي تسببوا فيها ، كما تم تطبيق المادة ٢٣٠ من قانون العقوبات على حسين أفندي المحصل في المنطقة وجعفر أفندي بأن يتحمل كلاهما الخسائر التي تسببوا فيها ، وحكم عليهما بالسجن لمدة عام (١).

ولم يسفر إلغاء متصرفية كربلاء وتحويلها إلى قائمقامية عن الكثير من النتائج إيجابية ، فبعد فترة من تلك التنظيمات الجديدة بدأت المنازعات تطل برأسها من جديد على كربلاء ، وقد أوضحت ولاية بغداد في خطابها المرسل إلى الباب العالي في ٤ فبراير ١٨٧٦ م أن إلغاء متصرفية كربلاء وضمها للحلّة كان سببا في ظهور سلبيات بسبب الاختلافات الموجودة في بنية منطقة كربلاء والحلة ، كما أخبرت ولاية بغداد الباب العالي بأن الأهالي والأمراء والعلماء الإيرانيين الموجودين في كربلاء ، وكذا المسلمين القادمين إليها من روسيا اشتكوا من تلك التنظيمات الجديدة التي تمت هناك ، إن إدارة كربلاء والنجف وهندية كسنجق واحد كان تنظيما ضروريّا للبنية الحساسة للمنطقة ، وعندما ألغيت متصرفية سنجق كربلاء تمّ توفير النفقات البالغة ٦٩٠ ، ١٤ قرش ، وربطت

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ٨٤٨ ,s.٥٣٢ ,Gurre Z ٢٩٢١.

٣٠٦

بالحلة فتحت الطريق لزيادة الانحرافات في المنطقة ، وفتحت الطريق أيضا لخسائر أكثر من المصاريف المذكورة ، وبفساد النظام المؤمن بالمتصرفية بدأت تظهر ردود فعل ، وأظهرت الفرق الشيعية صاحبة النفوذ القوي في كربلاء أكبر رد فعل منها ، وقد أرسل متصرف الحلة ضباطا للمنطقة بهدف التدخل في ردود أفعال العشائر التي كادت أن تكون ثورات ، إلا أن الإجراءات المتخذة لم تكن بالدرجة التي تظهر نفوذ ورفعة وحقوق الحكومة العثمانية ، وذلك لأن متصرف الحلة خلط بين الحلة وكربلاء ، ولم يستطع أن يميز بين الاختلافات الموجودة في كربلاء وكيفية التصرف معها ، وسيطرت ولاية بغداد على الأوضاع من جديد وأخبرت الباب العالي بضرورة تشكيل متصرفية في كربلاء مرة أخرى لإيقاف ردود الأفعال تلك ، واقترحت الولاية تعيين راشد أفندي ناظر رسومات (ضرائب) بغداد متصرفا عليها ، وذلك لأنه يعرف المنطقة جيدا وعمل بها من قبل (١) ، وتم بحث الموضوع في نظارة الداخلية ، وتم الحصول على إرادة من السلطان ، وتحولت كربلاء إلى متصرفية مرة أخرى ، كما تقرر تعيين راشد أفندي ناظر رسومات بغداد ـ الذي اقترحت ولاية بغداد تعيينه ـ متصرفا عليها ، وأن تتحمل ولاية بغداد الاثني عشر ألف وخمسمائة قرش اللازمة للمتصرفية (٢).

وقد أظهرت الأحداث التي وقعت خلال فترة ارتباط كربلاء بالحلة مدى حساسية المنطقة وأنها ذات بنية خاصة ، وأنه لم يكن ممكنا حماية أية قوة إدارية قليلة كانت أو كثيرة داخل بنية سنجق كربلاء ، وظهور تلك الحساسية لكربلاء في غضون فترة قصيرة جدّا يعد مؤشرا للسياسة السليمة التي انتهجتها الدولة العثمانية في تلك المنطقة.

__________________

(١) BOA ,I.Dh ٤٠١٠٥ ,Lef : ١ ,٩ M ٣٩٢١.

(٢) BOA ,I.Dh ٤٠١٠٥ ,Lef : ٢ ,٨٢ M ٣٩٢١.

٣٠٧

٣ ـ الإدارة العسكرية في كربلاء

بعد عهد السلطان سليمان القانوني بدأت علامات الفساد ترى في المجال العسكري كما كان الوضع في العديد من تشكيلات الدولة ، وتمّ العديد من الإصلاحات في العهود المختلفة بهدف تدارك هذا الفساد الذي حل بالجيش العثماني ، ولعل أهم تلك الإصلاحات إلغاء فرقة الإنكشارية في شهر يونيو ١٨٢٦ م ، وتأسيس (جيش العساكر المنصورة المحمدية) بدلا منها ، وقد تحققت تلك الحركة في المجال العسكري كنتيجة لصعوبة تنظيم بنية الدولة من جديد بما يتماشى مع احتياجات العصر الحديث.

وبالرغم من إلغاء فرقة الإنكشارية عام ١٨٢٦ م إلا أنها حافظت على وجودها في بغداد حتى عام ١٨٣١ م وذلك لأن الإدارة كانت في يد الولاة المماليك ، ولأنه لم يكن ممكنا وضع أي نظام آخر غيرها ، وكانت الوظائف الخاصة بالإنكشارية كالأغوية والكتابة والأفندية موجودة في بغداد حتى عام ١٨٣١ م ، إلا أنها ألغيت تماما بمجرد وصول علي رضا باشا والي بغداد الجديد المعين من قبل الحكومة المركزية إلى بغداد في أواخر عام ١٨٣١ م (١).

ومن المعلوم أن خط كلخانه الهمايوني المعلن في عام ١٨٣٩ م تضمن تغييرات جديدة تتعلق بتجنيد الجند وفترة التجنيد (٢) ، وتحققت التغييرات المنتظر تحقيقها في التشكيلات العسكرية في عام ١٨٤٣ م ، حيث اتخذت من جيشي فرنسا وبروسيا نموذجا لها (٣) ، وتم وضع نظام القرعة في تجنيد الجنود ، وتقرر تخفيض فترة التجنيد إلى خمس سنوات

__________________

(١) El ـ Bustani ,a.g.t.,s.٧٢٣.

(٢) Dustur , (Birinci Tertip) ,٩٢٣١ ,I ,٦.

(٣) Enver Koray, Turkiye\'nin Cagdaslasma Surecinde Tanzimat, Istanbul ١٩٩١, s. ٩٧.

٣٠٨

وسبع سنوات احتياط ، كما تقرر أن يتم تجديد حوالي خمس الجيش كل عام في شهر مارس ، ويتكون الجيش من خمسة جيوش من الوحدات الموجودة : الجيش الخاص ، وجيش استانبول ، وجيش الروميللي ، وجيش الأناضول ، وجيش بلاد العرب ، وتقرر أن تكون مراكز تلك الجيوش بترتيبها على ما يلي : استانبول ، استانبول ، مانستر ، خربوط ، الشام (١).

لقد كانت الثورة التي اندلعت في كربلاء عام ١٨٤٣ م ، والتحركات العسكرية التي تمت بعدها مؤشرا على مدى ضعف المنطقة في المجال العسكري ، وقد أثر الجيش الجديد الذي تشكل من خلال مساعي المركزية التي تمت في بغداد على كربلاء.

وقد تأسس جيش العراق والحجاز الذي عرف فيما بعد باسم الجيش السادس بتنظيم تم في عام ١٨٤٨ م ، وقد قررت الدولة العثمانية توحيد الإدارتين المدنية والعسكرية ومنح سلطات الولاية وقيادة الجيش لشخص واحد لوجود قناعة بأن ذلك سيفيد في إصلاح العشائر ، وكان أول وال يتولى منصب ولاية بغداد بعد توحيد الإدارتين هو نامق باشا مشير جيش العراق والحجاز (٢) ، ودعمت الحكومة العثمانية والي بغداد بالصلاحيات الملكية والعسكرية ، وأهم هدف لها من ذلك العمل على استتباب الأمن في المنطقة ، والعمل على الإحساس بالإدارة المركزية ، ونقل العشائر الرّحل إلى حياة الحضر وتأمين لجوئهم واحتمائهم بالدولة.

ويمكن القول بأن التنظيمات التي تمت في المجال العسكري في بغداد والأهداف التي كانت مرجوة منها كانت سارية على كربلاء أيضا ،

__________________

(١) Veli Sirin, Asakir ـ i Mansure ـ i Muhammediyye Ordusu ve Seraskerlik, Istanbul ٠٠٠٢, s. ٥٦.

(٢) BOA, A. MKT. MHM ٨٣ / ١٥, ٢ M ٨٦٢١; Sinapli, a. g. e., s. ٥٤١ ـ ٨٤١.

٣٠٩

كما أن أهالي كربلاء كانوا دائما هدفا لتحريض إيران ، وكان عاملا آخر لضرورة السيطرة على المنطقة والتحكم فيها.

وقد أرسلت القوات العسكرية من بغداد إلى كربلاء بعد الأحداث التي وقعت في كربلاء عام ١٨٤٣ م ، وظلت تلك القوات فترة طويلة هناك ، وبلغ مجموع الرواتب الشهرية لجنود المشاة والمدفعية الموجودين في كربلاء ١٢٠٩٠ قرشا (١) ، وعلى هذا كان الوجود العسكري العثماني في كربلاء يعلن عن نفسه حتى قبل تأسيس جيش العراق والحجاز ، وتصادفنا أول معلومات عن مصروفات الجنود الموجودين في كربلاء في تلك الفترة مع عامي ١٨٤٤ ـ ١٨٤٥ م (٢).

وقد تواكبت اضطرابات العلاقات مع إيران أثناء حادثة كربلاء وبعدها مع زيادة المساعي في المجال العسكري ، ولهذا تمّ البدء في ترميم معسكر الجند الموجود بكربلاء عام ١٨٥٠ م ، ووضع المشير نامق باشا الخطط المتعلقة بالترميم ، وثبت أن عملية الترميم ستتكلف تقريبا ٦١١ ، ٢٧ قرشا ، وأحال الموضوع لمجلس الوزراء (٣) ، وقد وافق المجلس على عملية الترميم شريطة أن تستخدم الأموال بعناية ، وفي حالة زيادة المصاريف عن الرقم المذكور ، فإنهم لن يستطيعوا تحملها ، وتم البدء في الترميم بعد صدور إرادة من السلطان بذلك (٤) ، وقد عرض نفس المعسكر على جدول الأعمال مرة أخرى عام ١٨٦٠ م بهدف ترميمه ، ولكن في هذه المرة تخطط أن تتم عملية الترميم بما يقرب من مئة ألف قرش (٥).

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٢٧٨٥ ,٦٢.٦.٠٦٢١ ـ ٢.١.١٦٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٥٠٤٥ ,٠٦٢١.

(٣) BOA ,I.MV ,٥٩٦٤ ,٥ Ra ٦٦٢١.

(٤) BOA ,A.MKT.MVL ٤٢ / ٣٦ ,٤١.٤.٦٦٢١.

(٥) BOA ,I.MV ,٤٢٤٩١ ,٥١ R ٧٧٢١.

٣١٠

بعد تأسيس جيش العراق والحجاز (الجيش السادس) أصبحت بغداد والمناطق التابعة لها داخلة تحت حماية هذا الجيش.

وكانت توجد في كربلاء والنجف وهندية التي أصبحت تابعة لكربلاء بعد ذلك تلك الوحدات العسكرية التابعة للجيش الهمايوني في العراق والحجاز : ففي قضاء كربلاء المركزي توجد الكتيبة الأولى (١) والثانية (٢) والثالثة (٣) التابعة للواء الرابع مشاة بالجيش الهمايوني في العراق والحجاز ، أما النجف فكان يوجد بها الكتيبة الأولى والثانية من اللواء الثاني مشاة ، والكتيبة الأولى من اللواء الرابع مشاة لنفس الجيش ، وبعد عام ١٨٦٣ م كان يوجد في هندية الكتيبة الثانية التابعة للواء الرابع مشاة ، هذا بالإضافة إلى وجود وحدات من الجنود النظامية والمدفعية التابعة لجيش العراق والحجاز في قضاء كربلاء المركزي (٤). وكانت قصبة المسيب منطقة هامة أخرى تابعة لكربلاء ، وفي عام ١٨٦٦ م جلبت فرقة بقيادة بيكباشي من وحدات الجيش السادس الموجودة في كربلاء (٥).

وبالرغم من أن البنية العامة للوحدات الموجودة في كربلاء والنجف وهندية كانت واحدة ، إلا أنه يمكن رؤية اختلافات فيما بينها على حسب المناطق الموجودة بها ، ولهذا سنقدم معلومات مفصلة عن تلك الكتائب ، وسنعمل على إثبات أهميتها وماهية التغييرات التي مرت بها.

وترجع أول معلومات تتعلق بالكتائب الموجودة في قضاء كربلاء المركزي إلى عام ١٨٤٨ م ، فقد وضعت في كربلاء وحدة مدفعية تابعة

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٧٦٨٨ ,٥٦٢١ ـ ٩٦.

(٢) BOA ,ML.MSF ٢١٨٨ ,٥٦٢١ ـ ٩٦.

(٣) BOA ,ML.MSF ٥٧٤٨ ,٤٦٢١ ـ ٨٦.

(٤) BOA ,ML.MSF ٤٤٤٨ ,٤٦٢١ ـ ٨٦.

(٥) BOA ,ML.MSF ٧٠٦٧١ ,٢٨٢١.

٣١١

للجيش الهمايوني في العراق والحجاز ، وكان عدد الجنود في هذه الوحدة طبقا لدفتر الرواتب المقيدة في أغسطس عام ١٨٤٨ م (٥٨٩) جنديّا (١).

أما المعلومات الثانية التي تتعلق بتلك الكتائب العسكرية الموجودة في كربلاء فترجع إلى عام ١٨٤٩ م ، وكان يوجد بيكباشي على رأس الكتيبة الثالثة التابعة للواء الرابع مشاة بالجيش الهمايوني السادس المقيم في موقع كربلاء ، وكان يوجد مع هذا البيكباشي (أغا يمين وأغا يسار وأئمة وكتبة وجراح) وتتكون هذا الكتيبة من أفراد وضباط المدفعية ، وبلغ عدد الجنود في هذا الكتيبة طبقا للإحصاء الذي تم في أغسطس عام ١٨٤٨ م (٢٣٦) جنديّا ، كان يدفع لهم رواتب شهرية تقدر ب (٨٦٠ ، ٤٧) قرشا ، ومعظم الجنود من أهالي كربلاء وبغداد والموصل ، ومع هذا كان يتم توفير جنود لهذا الكتيبة من ديار بكر ومصر والكاظمية وماردين والحلة وكركوك وأربيل وعمادية وعلائية (٢) ، وفي شهر سبتمبر عام ١٨٤٨ م تم دفع (٢٥٠ ، ١٢) قرش لفرقة المدفعية التابعة لهذه الكتيبة ولعدد (٢٣٦) جنديّا (٣) ، ويمكننا العثور على معلومات تتعلق بالسنوات التالية الخاصة بالكتيبة الأولى الواقعة بكربلاء والتابعة للواء الرابع مشاة بالجيش الهمايوني في العراق والحجاز ، حيث كان يوجد قائمقام (ياراباي) على رأس هذا الكتيبة الأولى ، وكان في معية هذا القائمقام باش جاويش وبيكباشي وأغا يمين وأغا يسار وأئمة وكتبة.

كانت الكتيبة تتكون من ثمان فرق ، على رأس كل فرقة يوجد يوزباشي ، وكان في معية اليوزباشي ملازم أول وملازم ثان ، وأربعة جاويشية وأمين للفرقة ، وكانت الفرق تتكون من الوحدات التي تتشكل

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٤٤٤٨ ,٩ L ٥٦٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٧٥٣٨ ,٩١ Ca ٦٦٢١.

(٣) BOA ,ML.MSF ٥٧٤٨ ,٩١ Ra ٦٦٢١.

٣١٢

من ثمانية عريفيين والأفراد التي معها ، وكانت أعداد الموظفين العاملين في هذه الكتيبة ورواتبهم على ما يلي (١) :

الكتيبة الأولى التابعة للواء الرابع مشاة بالجيش الهمايوني السادس

الرتبة

 العدد

 الراتب

القائمقام

 ١

جراح اللواء

 ١

 ٥٠٠

البيكباشي

 ١

 ١١٢٥

الأغا

 ٢

 ١٢٠٠

الإمام

 ١

 ٢٤٠

الكاتب

 ١

 ٤٥٠

اليوز باشي

 ٨

 ٢١٦٠

الملازم

 ١٠

 ١٨٠٠

رئيس الجاويشية

 ٧

 ٣٥٠

الجاويش

 ٢٤

 ٩٦٠

أمين الفرقة

 ٧

 ٢٤٥

الأونباشي

 ٥٢

 ١٥٦٠

الأفراد

 ١٠٢

 ١٩٧٠

المصدر : الأرشيف العثماني ،.ML ,MSF ٧٦٨٨ ,٥٦٢١ ـ ٩٦

أما مديرية النجف الأشرف فكان يوجد بها الكتيبة الأولى (٢) من اللواء الرابع مشاة ، والكتيبتان الأولى والثانية (٣) من اللواء الثاني مشاة التابع للجيش الهمايوني بالعراق والحجاز ، وكان يتم جمع الجنود الموجودة في الكتائب الموجودة بالنجف من بغداد والموصل والنجف وراوندز والجزيرة والحلة وديار بكر وأربيل ومندلي والسليمانية.

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٧٦٨٨ ,٥٦٢١ ـ ٩٦.

(٢) BOA ,ML.MSF ٧٠٣٨ ,٩٢ R ٥٦٢١.

(٣) BOA ,ML.MSF ٣٣٩٨ ,٥٦٢١ ـ ٩٦.

٣١٣

وكان يوجد على رأس الكتيبة الأولى التابعة للواء الرابع الموجود بالنجف قائمقام ، وكانت هذا الكتيبة هي أعلى الكتائب الموجودة بالنجف ، حيث كان يوجد بها (٣٢٦) جنديّا ، وبلغ مقدار الرواتب المدفوعة لتلك الوحدة في مايو عام ١٨٤٨ م (٢٤٠ ، ١٤) قرش (١).

أما الكتيبتان الأولى والثانية التابعتان للواء الثاني مشاة الموجود بالنجف فكان يوجد بهما (٣١٠) جنود برتبة وبدون رتبة ، وتلك هي أعداد الموظفين في هاتين الكتيبتين والرواتب التي يتقاضونها :

الكتيبتان الأولى والثانية والتابعتان للواء الثاني مشاة بالجيش الهمايوني السادس

الكتبية الأولى

 الكتبية الثاني

 المجموع

الفرد

 الراتب

 الفرد

 الراتب

 الفرد

 الراتب

أغا الكتبية

 ـ

 ـ

 ١

 ٢٤٠٠

 ١

 ٢٤٠٠

البيكباشي

 ١

١٢٠٠

 ـ

 ـ

 ١

 ١٢٠٠

الأغا

 ٢

٢٠٠٠

 ٢

 ٢٠٠٠

 ٤

 ٤٠٠٠

الكاتب

 ـ

 ـ

 ١

 ٩٠٠

 ١

 ٩٠٠

الإمام

 ١

 ٤٨٠

 ـ

 ـ

 ١

 ٤٨٠

الجراح

 ـ

 ـ

 ١

 ـ

 ـ

 ١

اليوز باشي

 ٨

٣٩٦٠

 ٧

 ٣٢٤٠

 ١٥

 ٧٢٠٠

الملازم

 ٨

٢٨٦٠

 ٨

 ٢٧٦٠

 ١٦

 ٥٦٤٠

رئيس الجاويشية

 ٦

 ٦٠٠

 ٧

 ٦٧٠

 ١٣

 ١٢٧٠

الجاويش

 ٢٣

١٧٤٠

 ١٩

 ١٤٤٠

 ٤٢

 ٣١٨٠

أمين الفرقة

 ٤

 ٢٨٠

 ٥

 ٢٧٠

 ٩

 ٥٥٠

الأونباشي

 ٤٣

٢٥٨٠

 ٣٦

 ٢٠٨٠

 ٧٩

 ٤٦٦٠

الأفراد

 ٨٢

١٨٨٠

 ٩٤

 ١٧٢٠

 ١٦٦

 ٣٦٠٠

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٧٠٣٨ ,٩٢ R ٥٦٢١.

٣١٤

وقبل أن ترتبط هندية بكربلاء كانت تدخل ضمن مهمة الكتيبة الثانية من اللواء الرابع مشاة بالجيش الهمايوني بالعراق والحجاز ، وفي عام ١٨٤٨ م تمّ وضع قوة عسكرية هامة في هندية التي كانت في ذلك الوقت قضاء تابعا لبغداد ، وكانت أعلى رتبة في هذا الكتيبة هي (المير لوا) ، وفي الفترة التي ندرسها لم يصل رئيس أية كتيبة في كربلاء إلى هذه الرتبة ، وكان يوجد في معية الميرلوا قائمقام وبيكباشي وأغا يمين وأغا يسار وأئمة وكاتب وجراح ، وكانت الكتيبة تتكون من ثمان فرق على رأس كل فرقة يوزباشي وفي معيته ملازم أول وثان ورئيس جاوشية وجاويشة وأفراد.

وكانت الصراعات الشديدة الدائرة بين العشائر الموجودة بهندية من أهم أسباب وضع قوة عسكرية بها بهذا الحجم في تلك الفترة ، إلا أن الهدف الأساسي للكتيبة هو القيام بالأعمال العمرانية والإنشائية ، وتأمين سد هندية الذي أثرى المنطقة (١) ، وبعد ربط هندية بكربلاء في الساحة العسكرية أرسلت إلى هندية قوة عسكرية تتكون من وحدات تابعة للكتائب الموجودة بكربلاء والتابعة للجيش الهمايوني في العراق والحجاز ، وكان على رأس تلك الوحدات بيكباشي (٢) ، وعندما تم تأسيس المجلس العمراني الذي يهتم بإنشاء وترميم السد في هندية عام ١٨٦١ م ، وعندما قلت الصراعات الدائرة بين العشائر ، رئي كفاية وضع وحدة صغيرة في هندية.

كان يوجد في كربلاء والنجف ثلاث كتائب ، كان على رأس الكتيبة الأولى منها قائمقام ، أما الكتيبة الثانية والثالثة فكان يرأس كلّا منهما بيكباشي ، وهو ما جعل الكتيبة الأولى أكبر وأهم من الكتيبتين الثانية والثالثة.

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٢٧٨٨ ,٥٦٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٠٧٢٧١ ,٠٨٢١ ـ ٢٨.

٣١٥

وكان يتم تسجيل الرتب والأفراد والتعيينات والمصروفات التي تتم في الوحدات العسكرية الموجودة في كربلاء والنجف وهندية في دفتر يقدم لقيادة الجيش السادس ، ويتم التباحث في المعلومات الواردة في الدفتر في قيادة الجيش السادس ، ثم يخطر المجلس الكبير في بغداد بتلك المعلومات.

١ ـ قوات الضبطية الموجودة في كربلاء

كان إلغاء الإنكشارية عام ١٨٢٦ م سببا في حدوث حالة من الفراغ الأمني في المدن ، ولسد هذا الفراغ الأمني تأسست بعد شهرين نظارة الاحتساب على صورة توسعة تشكيل الاحتساب الذي كان موجودا من قبل في استانبول وزيادة عدد الموظفين به من خلال اللائحة التنظيمية لأمور الاحتساب ، وكانت تلك النظارة مسؤولة لفترة عن الشؤون الأمنية ، وبعد إعلان التنظيمات تأسست «مشيرية الضبطية» عام ١٨٤٥ م لتأمين الشؤون الأمنية في استانبول ، حيث منحت مسألة الأمن الداخلي لتلك المؤسسة (١) ، وفي غضون فترة قصيرة بدأت تلك التنظيمات التي تمت في استانبول تطبق في كل أرجاء الدولة.

وبخلاف الوحدات العسكرية التابعة للجيش الهمايوني في العراق والحجاز الموجودة في كربلاء والنجف فقد كان يوجد أيضا ضباط وأفراد مكلفون بتوفير الأمن ، كما كلفت أعداد كافية من الخيالة والمشاة من جنود الضبطية لحماية الأمن في الأقضية ، كان يرأس تلك الوحدات «مدير الطومروق» (٢) أي مدير الدرك وكان يوجد في معية مدير الدرك في

__________________

(١) Remzi Findikli," Osmanli Devleti\'nde Guvenlik ve Polis", Osmanli, Ankara ٩٩٩١, VI, ٩٩٢.

(٢) الطومروق : تعني المخفر والدرك أو المحبس أو السجن.

Midhat Sertoglu, Osmanli Tarih Lugati, Istanbul ٦٨٩١, s. ٠٤٣.

٣١٦

كربلاء عام ١٨٥١ م وحدة بها (١٢٠) فردا من الخيالة والمشاة ، ويتقاضى مدير الدرك راتبا شهريّا (٢٥٠) قرشا وجندي المشاة ٥٠ قرشا والخيالة ٧٠ قرشا ، وكانت تقدم المعلومات التي تخص تعيينات ومصروفات تلك الوحدات للمجلس الكبير ببغداد موقعة بتوقيع كل من القائمقام والبيكباشي ومدير المال ونائب كربلاء ، وخازن ضريح الإمام الحسين وخازن ضريح الإمام العباس والنائب وثلاثة أعضاء ومدير الصندوق ومدير الدرك (١) ، وبحلول عام ١٨٥٥ م زاد عدد الخيالة والمشاة الموجودين مع مدير الدرك إلى (١٦٧) (٢) ، وطبقا لتسجيلات عام ١٨٦٢ م قل هذا العدد حيث بلغ عدد الخيالة والمشاة الموجودين في كربلاء (١٣٦) وبلغ مجموع الرواتب المدفوعة لهم في شهر ديسمبر عام ١٨٦١ م إلى (٨٠٩٠) قرشا ، وتدل التسجيلات الموجودة أن تلك الرواتب التي كانت تمنح للضباط الموجودين في كربلاء كانت تدفع من صندوق مال كربلاء (٣).

كما كان يوجد بالنجف التي هي مديرية تابعة لكربلاء قوة أمنية ، كان يوجد بها خمسة وثلاثون ضابطا مع مدير الدرك ، وكانت المعلومات التي تتعلق بتعيينات ورواتب مدير الدرك تقدم إلى المجلس الذي يتكون من مدير النجف الأشرف والنائب وخازن ضريح الإمام علي وسبعة أعضاء ، أما المعلومات التي تتعلق بالضباط فكانت تقدم أولا لقيادة الجيش السادس ثم أصبحت تقدم للمجلس الكبير في بغداد للتباحث فيها (٤).

__________________

(١) BOA ,ML.MSF ٢٧٤٩ ,٧٦٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٠٨٥٠١ ,١٧٢١.

(٣) BOA ,ML.MSF ٩٨٠٦١ ,٥١ L ٨٧٢١.

(٤) BOA ,ML.MSF ٧١٠٨١ ,٢٨٢١.

٣١٧

٢ ـ تطبيق نظام القرعة في سنجق كربلاء

كانت قلة أعداد الجنود هي أهم ضائقة تعيشها كربلاء من الناحية العسكرية ، مثلها في ذلك مثل معظم ولايات بغداد ، ويرجع أهم سبب في ذلك إلى عدم تكليف الأهالي بالجندية حتى عام ١٨٦٣ م ، ومعظم الجنود النظامية التي كانت لازمة للجيش الهمايوني في العراق والحجاز الذي تأسس عام ١٨٤٨ م كانت تأتي من الجيوش الخمسة الأخرى في الدولة العثمانية (١).

ولأن منطقة كربلاء كانت تدخل ضمن مهام الجيش الهمايوني في العراق والحجاز كان يتم توفير احتياجاتها من الجنود من الجيش السادس والجيوش الخمسة الأخرى ، وبسبب الأزمة التي كانت تعيشها الدولة في موضوع الجنود والتطورات التي حدثت في القرن التاسع عشر أصبح كل شخص يعيش تحت سيادة الدولة العثمانية مطلوبا للجندية ، بموجب مساواة كل الأهالي في الأوضاع القانونية والتكاليف للدولة ، لذا تم البدء في مساع لتطبيق نظام القرعة في كربلاء ، ويتضح من ذلك أن مساعي الانتقال إلى نظام القرعة بدأت في المنطقة عام ١٨٥٩ م ، إلا أنه لم يتمكن من المضيّ قدما في هذا الموضوع ، لأن مناخ بغداد أو كربلاء لم يكن ملائما مع تلك المساعي التي يراها الأهالي لأول مرة ، وسيكون رد فعلهم عليها حادّا ، وأغلب الظن أن وضع أهالي المنطقة تحت مسؤولية كهذه كان قد أدى لظهور ردّ فعل حادّ من أهالي كربلاء الذين كانوا يسعون لتضميد جراحهم من جراء الأحداث التي وقعت عام ١٨٤٣ م ، لا سيما وأن تلك الفترة كانت الاضطرابات الإيرانية العثمانية فيها لا تزال قائمة ، وعندما أدركت الحكومة العثمانية هذا المناخ في كربلاء أجلت

__________________

(١) BOA, Y. EE ٩ / ٤٣, ٩ N ٩٠٣١, Bagdat\'ta memur bulunan El ـ Swyyid ـ Suleymen Hasan\'in Iayihasi.

٣١٨

تطبيق نظام القرعة إلى وقت لاحق (١).

وأمر مدحت باشا بتطبيق نظام القرعة في بغداد وكربلاء ، وفرض على الأهالي في منطقة العراق التكليف العسكري ، وبذلك أمّن خلال فترة ولايته استمرار المساعي في هذا الشأن في أحسن شكل (٢).

وبالإدارة الناجحة الصائبة لمدحت باشا تم تطبيق نظام القرعة في كل أرجاء بغداد ، إلا أنه لم يتمكن من الحصول على معطيات إيجابية في جمع الجنود بطريق القرعة في سنجق كربلاء بسبب بنيتها الاجتماعية ، فتسعون في المئة من الأهالي في تلك المنطقة من الشيعة ، ومعظم الأهالي الذين يعيشون بشكل مستقر فقراء يتعيشون على صدقات الأشخاص الذين يفدون بهدف الزيارة (٣) ، أما الجماعة الأخرى التي تعيش هناك فهم معلمون وطلاب ، وتم تطبيق نظام القرعة على أفراد تلك الجماعات ، لذا قام ثمانية أشخاص من المجتهدين في كربلاء والنجف بإرسال تلغراف إلى ولاية بغداد يطلبون منها إعفاء الفقراء والطلاب والمعلمين وخدام الأضرحة من الخدمة العسكرية ، وأحالت ولاية بغداد الأمر إلى مجلس الوكلاء المخصوص ، وأسفرت المباحثات التي تمت في المجلس عن أنه لن يمكن إعفاء أي شخص ثريّا كان أم فقيرا من الخدمة العسكرية ، أما الطلاب فستتم معاملتهم طبقا للقانون العسكري وأخطرت ولاية بغداد بهذا الأمر (٤).

وأخذ رجال كربلاء والنجف المجتهدين إلى صفهم وحاولوا

__________________

(١) BOA ,A.MKT.MHM ٨٣١ / ٥٢ ,١١ M ٥٧٢١.

(٢) BOA, Y. EE ٩ / ٤٣, ٩ n ٩٠٣١; Zevra, No : ١١, s. ١٢, ٦١ Ca ٦٨٢١.

(٣) كان نظام القرعة في العسكرية لا يطبق على العشائر الرحل في كربلاء مثلما كان في كل أرجاء بغداد. انظر :

BOA, Y. EE ٩ / ٤٣, ٩ N ٩٠٣١.

(٤) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٤٥ ,٣٢ M ٦٨٢١.

٣١٩

جاهدين إعفاءهم من الخدمة العسكرية ، وأوضح المجتهدون أن بعضا من الطلاب والمعلمين يعملون خداما للعتبات العلية ، وطالبوا بإعفائهم من الخدمة العسكرية واستفسر والي بغداد مجددا من مجلس الوكلاء المخصوص عن المعاملة التي يجب أن يتعامل بها معهم ، وأخبر المجلس والي بغداد بأن من يعمل منهم بالفعل في العتبات العلية سيعفى من الخدمة العسكرية ، وحقيقة الأمر أن كل الطلاب والمعلمين الموجودين في النجف وكربلاء كانوا يخدمون تلك الأضرحة متطوعين ، وقد وضع المجلس تلك المسألة نصب عينيه ، فأرسل لوالي بغداد يطلب منه تسجيل كل أسماء خدام الأضرحة ووظائفهم في دفتر وإرسال هذا الدفتر للمجلس ، وذكّر المجلس والي بغداد بأن العديد من الأشخاص يمكن أن يعفوا من الخدمة العسكرية بحجة أنهم خدام الضريح ، لذا أمره المجلس بعمل التحريات بدقة وعناية (١).

وقد سعى أهالي النجف وكربلاء إلى أخذ الدعم من المجتهدين للتهرب من العسكرية ، ص ١٥٥ واستخدموا قوتهم بشكل إيجابي ، وقد انتبه والي بغداد مدحت باشا إلى قوة المجتهدين في نظام القرعة ، وسعى لتحويل تلك القوة لصالحه ، حتى إن بعض المجتهدين قام بمساعدة ولاية بغداد في السنة الثانية على تطبيق نظام القرعة في كربلاء ، ومن المجتهدين الذين ساعدوا ولاية بغداد في تطبيق نظام القرعة السيد أحمد التقي وأحمد أفندي ، وتمت مكافأتهم بناء على طلب مدحت باشا بأن منح كل واحد منهم وساما مجيديّا من الدرجة الرابعة (٢).

وقد كان موضوع تجنيد الرعايا الإيرانيين الذين يعيشون في كربلاء وبغداد والممالك الشاهانية منذ فترة طويلة مثارا للمناقشة ، فقد طالب

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٠٦ ,٥٢ Ca ٦٨٢١.

(٢) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٠٩ ,٣ C ٧٨٢١.

٣٢٠