كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

في اللائحة التنظيمية لتشكيل الولاية ، ولكنها وسّعت من سيطرة ومراقبة الحكومة المركزية في الموضوعات التنفيذية والإجرائية ، وتركت مسائل تقسيم الضرائب وحل الخلافات لمجلس الولاية العام في البداية ثم لمجلس إدارة الولاية بعد ذلك ، كما أنها ألغت متصرفية المركز من ناحية الشكل ، وأحدثت مكانها منصب نائب (معاون) الوالي وذلك بالمادة السابعة عشر منها (١) ، ويمكن تعقب شكل تطبيق النظام المذكور سابقا في جغرافية العراق التي كانت تضم كربلاء بداخلها من خلال السالنامات (الكتب السنوية) للدولة والولاية ، كما يمكن تعقبها أيضا من خلال وثائق الأرشيف المتعلقة بعمل تنظيمات إدارية جديدة.

وتم البدء في تطبيق إصلاحات التنظيمات وسياسة المركزية في بغداد في عهد ولاية محمد نجيب باشا ، إلا أن الاتجاه العام في عهد هذا الوالي كان موجها صوب استتباب الأمن الذي لم يكن قد استتبّ بعد وإزالة الضعف الإداري الباقي من عهد المماليك ، أكثر من الاتجاه نحو تطبيق إصلاحات التنظيمات ، وكانت جهود نجيب باشا الذي عين واليا عام ١٨٤٣ م في تطبيق الإصلاحات الجديدة ورد فعل الأهالي المحليين تجاه هذا الأمر وسعي إيران لتحقيق بعض آمالها في المنطقة مستفيدة من الوضع العام في بغداد قد أخّر انتقال تلك الإصلاحات والمركزية إلى الوجود.

إن المساعي التي بذلت في ولاية بغداد وكربلاء خاصة في الفترة من عام ١٨٤٣ ـ ١٨٤٩ م كانت تهدف للتوصل إلى نتيجة بخصوص مشكلة الحدود ووضع الشيعة الذي كان موضوعا للنزاع مع إيران ولاستتباب الأمن أكثر من البحث عن عمل تنظيمات جديدة.

وقبل عمل تلك التنظيمات الإدارية كانت هناك حاجة لقوة عسكرية منظمة تظهر قوة الدولة في المنطقة ، لذا أسس جيش كان مركزه في

__________________

(١) Samur ,a.g.e.,s.٠٤.

٢٨١

بغداد ، سمي فيما بعد بالجيش السادس للعراق والحجاز ، وكان هذا العمل هو أهم عمل لوالي بغداد عبد الكريم نادر باشا ١٨٤٧ ـ ١٨٤٨ م ، أما وجيه باشا فقد بدأ ولايته التي استمرت فترة قصيرة ١٨٤٩ ـ ١٨٥٠ م بالعمل على استتباب الأمن ، وجمع الضرائب بشكل منظم وإصلاح العشائر ، ومن الأعمال الهامة الأخرى لوجيه باشا تأسيسه للمجلس الكبير في بغداد ، وقد لفتت الحكومة العثمانية الانتباه إلى عدة نقاط في الرسالة التي أرسلتها لوالي بغداد بخصوص تأسيس هذا المجلس الكبير :

«نظرا لأن مناطق كثيرة من ولاية بغداد مضطربة ، فهناك مشاكل كثيرة بخصوص جمع الضرائب والشؤون الملكية والمالية ، لذا فيجب على الوالي والدفتردار أن يقوما بتنظيمات إدارية في المنطقة ، وبالرغم من هذا فقد تسببت الاضطرابات الموجودة في المنطقة والتطورات الأخيرة في ترك التنظيمات الإدارية والملكية جانبا ، ولهذا فقد طلب تأسيس مجلس كبير في بغداد كما هو الحال في الولايات الأخرى لتأمين مستقبل الولاية وللنظر في شؤون الدولة وتنفيذها بشكل منظم ، ولأن هذا المجلس الذي سيؤسس سيتم النظر فيه في الشؤون ، يقترح تعيين رئيس كفء لهذا المجلس وعضو من العلماء وكاتبين.» (١).

وقد قررت الدولة العثمانية أن يدير الشؤون المالية والملكية والعسكرية في بغداد شخص ذو خبرة يعمل على إصلاح الانحرافات التي ظهرت في بغداد بعد عزل وجيه باشا من الولاية وقيام العشائر الموجودة في العديد من المناطق وعلى رأسها هندية بالقيام بنشاطات ثورية تجاه التنظيمات الجديدة.

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٤٦ / ٩٤ ,٣٢ S ٧٦٢١.

وللاطلاع على تسجيل مصطفى رشيد باشا للمجلس الكبير المؤسس في بغداد. انظر : BOA, A. MKT. UM ٥٤ / ٠٥.

٢٨٢

وذلك لأن عدم التمكن من استتباب الأمن في منطقة العراق ، كان عائقا أمام إصلاحات الإدارة الملكية ، وكان نجاح محمد نامق باشا في المجال العسكري عندما قام بتأسيس مشيرية الجيش الهمايوني في العراق والحجاز ، قد خلق قناعة بأن وظيفة القائد ستشمل أيضا المجال الملكي ، فتم التوحيد بين الإدارة الملكية والعسكرية في العراق ، ومنحت تلك الإدارة لمحمد نامق باشا ، وتقرر منحه راتبا شهريّا يقدر ٠٠٠ ، ١٢٧ قرش زيادة عن الراتب الذي يبلغ ٠٠٠ ، ١٠٠ نظير قيادته للمشيرية (١).

قامت الحكومة العثمانية بتقوية نفوذ والي بغداد بالصلاحيات والمسؤوليات العسكرية والملكية ، وكان أهم هدف لها من ذلك هو نقل العشائر الرحل من حياة الترحال إلى حياة الاستقرار وضمان خضوعهم للدولة ، ولم تقتصر تعليمات الحكومة المركزية لمحمد نامق باشا على التعليمات العسكرية فحسب بل شملت أيضا المجالات المالية والملكية ، وهذا هو ملخص ما ورد لمحمد نامق باشا من تعليمات :

«يجب أن يتم تأمين نقل العشائر الموجودة في العراق إلى حياة الاستقرار بدلا من حياة الترحال ، وضمان خضوعهم للدولة ، وخير سبيل لتحقيق ذلك طمأنة الأهالي ، ولأن هؤلاء الأهالي الذين سينقلون إلى حياة الاستقرار سيشتغل أكثرهم بالزراعة فيجب الاستفادة من مياه نهري دجلة والفرات بشكل جيد لتحويل الأراضي إلى أراض منبتة خصبة ، ولأن الصناعة ستكون في المنطقة بنفس القدر الموجود به الزراعة يجب العمل على تصدير المنتجات والمصنوعات الزائدة ، كما يجب دعم المساعي المبذولة في هذا الشأن ، ويجب أن يسود جوّ من الوفاق والوئام بين القادة العسكريين والموظفين الملكيين الموجودين هناك دون أن يتدخل أحدهما في شؤون الآخر ، كما يجب أيضا دفع رواتب الجند

__________________

(١) BOA, A. MKT. MHM ٨٣ / ١٥, ٢ M ٨٦٢١; Sinapli, a. g. e., s. ٥٤١ ـ ٨٤١.

٢٨٣

بشكل منتظم وأن يتم ذلك تبعا لأصول تعيينات الجند ، وذلك للعمل على استمرار تلك المساعي بشكل ناجح.» (١).

وقد اضطلع محمد نامق باشا الذي كان يسيّر شؤون الولاية والمشيرية معا بالعديد من الخدمات والتنظيمات الإدارية في منطقة العراق كلها وخاصة بغداد وما حولها ، وأعاد للدولة الأراضي التي استحوذ عليها العصاة وبعض الإداريين المحليين ووزع الأراضي بدفاتر مؤقتة على العشائر التي تريد الانتقال إلى حياة الاستقرار ، وقد استمرت تلك الجهود والنشاطات في عهد خلفه كوزلكلي محمد رشيد باشا ، وعندما عين محمد نامق باشا واليا على بغداد مرة أخرى (١٨٦٠ ـ ١٨٦٧ م) قام ببعض الأعمال الهامة التي ارتكزت في ساحة الاتصالات والمواصلات أكثر من الأعمال الإدارية ، وفي ذلك العهد بدأ في إنشاء الطرق خاصة في بغداد من أجل المواصلات البرية ، كما بذل جهودا كبيرة في تأسيس شبكة التلغراف في العراق (٢).

أما مدحت باشا الذي عاش فترة هامة في تاريخ العراق فقد أظهر نجاحات عديدة في مجال الإصلاحات المتعلقة بمجال الأراضي والإصلاحات العسكرية والإدارية ، والإصلاحات في مجال التعليم ، وأهمّ عملين قام بهما ؛ تنفيذ قانون الأراضي عام ١٨٥٨ م والذي بدأ يطبق في المنطقة من قبل وقانون الولاية عام ١٨٦٤ م (٣).

واضطلع كلّ الولاة الذين أتوا بعده وكانوا يعملون على إظهار الوجود العسكري في المنطقة بعمل تنظيمات عديدة جديدة في اللوائح التنظيمية المتعلقة بالدولة ، وفي تلك الأثناء اتّبع تقسيم إداري جديد في

__________________

(١) BOA ,A.DVN ٠٠١ / ٦٣ ,٠٧٢١.

(٢) Kursun ,a.g.e.,s.٥ ;Sinapli ,a.g.e.,s.٥٤١ ـ ٩٥١.

(٣) Ali Haydar Midhat, a. g. e., s. ٦٦ ـ ١٩; Kursun, a. g. e., s. ٢٨.

٢٨٤

بغداد ، فعلى سبيل المثال كانت بغداد على حسب سالنامه الدولة عام ١٨٤٩ ـ ١٨٥٠ م تتكون من لواء بغداد المركزي وخمسة لواءات (سناجق) أخرى و ١٤٠ قضاء وناحية ، أما كربلاء والنجف فكل منها يعد قضاء تابعا للواء المركزي (١) ، وقد تمت بعض التنظيمات الجديدة الأخرى طبقا لاحتياجات ذلك العصر ، ومن ذلك على سبيل المثال أقضية ونواحي السناجق الموجودة في السالنامه المؤرخة بتاريخ ١٢٨٤ ه‍ ١٨٦٧ ـ ١٨٦٨ م تختلف عن السالنامه المؤرخة بتاريخ ١٨٥٠ م ، كانت بغداد تتكون في هذا التاريخ من سبعة لواءات غير لواء بغداد المركزي ، وكان لواء بغداد المركزي يتكون من ١٢ قائمقامية ، وكذا النواحي والأقضية التي رأيناها في أحد السناجق في عام ١٢٦٦ ه‍ يمكن رؤيتها في سنجق آخر في سالنامه عام ١٢٨٤ ه‍ ، إلا أن كربلاء في تلك العهود كانت دائما بين الأقضية التابعة للواء بغداد المركزي (٢).

٢ ـ تشكيل سنجق كربلاء

قسمت الدولة في عهد التنظيمات إلى ثلاث وحدات رئيسية هي الإيالة والسنجق والقضاء ، وقد استمر هذا الشكل كما هو في الفترة التي نقوم بدراستها ، وبالرغم من أن السنجق كان يمثل وحدة أصلية قبل التنظيمات ، إلا أنه نتيجة لتعيين مدير على كل قضاء لم يعد السنجق أصغر وحدة إدارية بل صار وحدة تحتية للولاية ، ونتيجة للتنظيمات التي تمت مع إلغاء منصب المحصّل ، فقد دخل التنظيم الإداري الجديد حيز التنفيذ في المناطق التي طبقت فيها التنظيمات اعتبارا من عام ١٨٤٢ م (٣).

__________________

(١) Devlet Salnamesi ٦٦٢١ , (Def\'a ٤) ,s.٢٨١.

(٢) Devlet Salnamesi ٤٨٢١,) Def\'a ٢٢ (, s. ٥٩; Sahillioglu, a. g. m., s. ٣٥٢١.

(٣) Musa Cadirci, Osmanli Turkiyesi Yonetiminde Yenilikler ٦٢٨١ ـ ٦٥,) Yayimlanmamis ٩٧٩١, s. ٧١١; Ali Akyildiz," Osmanli Merkez ve Tasra Teskilatinin Yeniden Docentlik Tezi (, Ankara Universitesi, Dil ve Tarih Cografya Fakultesi, Ankara Yapilanma Sureci) ٦٣٨١ ـ ٦٥٨١ (", Turk Kulturu Incelemeleri Dergisi, Sayi : ٣, Istanbul ٠٠٠٢, s. ٥٧ ـ ٠٨.

٢٨٥

وكانت التنظيمات الإدارية أهم نقطة في المساعي التي قامت بها الحكومة العثمانية أثناء تأسيسها الإمبراطورية من جديد بسياسة المركزية وإصلاحات التنظيمات ، وقد اتّخذ نفس الإجراء في كربلاء التابعة لبغداد ، إلا أن هذه الفترة مرت ببطء إلى حدّ ما ، لأننا ذكرنا قبل ذلك أن المنطقة الموجودة بها كربلاء كان بها ثلاثة مؤثرات هامة لعبت دورا في تأخير الشعور بقوة السلطة العثمانية في القرن التاسع عشر ، أو كانت سببا في إضعاف السلطة العثمانية في تلك النواحي ، وأول تلك المؤثرات التنافس بين الدولتين العثمانية والإيرانية ومحاولة الدولتين بسط نفوذهما في المنطقة ، الثاني أهداف الدول الأوروبية في خليج البصرة ، الثالث : النشاطات الاستعمارية المؤقتة لمصر التي كانت تبتعد عن الدولة العثمانية شيئا فشيئا (١) ، وكانت الضغوط الناتجة عن المؤثرات الثلاثة في المنطقة سببا في ظهور بعض الثورات ضد الدولة في كربلاء ، وسعت الدولة للقضاء بشكل حاسم وسريع على تلك الثورة التي ظهرت في كربلاء بغية التضييق على الضغط الحاصل.

وسعت الدولة في الفترة التي أعقبت أحداث كربلاء عام ١٨٤٣ م وحتى معاهدة أرضروم عام ١٨٤٧ م إلى الاضطلاع ببعض المساعي لتعويض الأهالي الذين تضرروا كثيرا من التنظيمات الإدارية الجديدة ، ولكسب الأهالي في صفّ الدولة مرة أخرى. وكان لتأخر تطبيق التنظيمات في بغداد دوره في تأخر تطبيقها أيضا في كربلاء ، إلا أنه كانت توجد بعض المساعي اللازم عملها في كربلاء دون انتظار لبغداد ، وذلك بسبب بعض المسائل الهامة في كربلاء ، وكان يأتي على رأس تلك

__________________

(١). ٧٤.Salibi ,a.g.m.,s

٢٨٦

المسائل وضع أوقاف أضرحة الإمام علي والحسين والعباس التي انتقلت إلى تصرف المجاورين الإيرانيين قبل ولاية نجيب باشا.

وكان هدف السلطان محمود الثاني أثناء تأسيس نظارة الأوقاف الهمايونية ، تقليل قوة العلماء الذين كان يراهم قوة معارضة للإصلاحات ، لأن العلماء كانوا يمتلكون التحرك بشكل مستقل وأكثر راحة ضد الحكومة المركزية بواسطة دخل الأوقاف التي في أيديهم ، وعندما تمكن محمود الثاني من إدارة الأوقاف بتلك الإصلاحات خطا خطوة هامة في تحقيق المركزية ، لأنه بذلك قلل تأثير العلماء وجعلهم مرتبطين بالدولة من ناحية ، وتمكن من جعل الواردات الكبيرة جدّا للأوقاف تحت إمرة الحكومة المركزية من ناحية أخرى ، وبذلك أمّن مصدرا كبيرا من الدخل لبرنامج الإصلاحات الذي سيتطور بعد ذلك (١).

وعمل ولاة بغداد بعد حادثة كربلاء على استمرار تلك المساعي بشكل يتفق مع سياسة السلطان محمود الثاني ، وقد استحوذ نجيب باشا والي بغداد على إدارة أضرحة سيدنا عليّ والإمام الحسين والعباس من أيدي المجاورين الإيرانيين الذين كانوا يسيطرون عليها بشكل كبير ، وعيّن بدلا منهم موظفين عثمانيين (٢) ، أما عبد الكريم نادر باشا فقد ضمن حماية الهدايا الموجودة في أضرحة أهل البيت التي تعدّ مقدسة عند كلّ المسلمين وأحكم سيطرة الدولة عليها ، وشكّل مديرية تابعة لمديرية أوقاف بغداد لإدارة أوقاف تلك الأضرحة التي تدرّ دخلا كبيرا ، وذلك لتقليل نفوذ علماء الشيعة ونفوذ إيران التي تعدّ أكبر معين لهم في كربلاء (٣) ، وبذلك يمكننا القول بأن عبد الكريم باشا طبّق في بغداد ما قام

__________________

(١) Ali Akyildiz, Osmanli Merkez Teskilatinda Reform) ٦٣٨١ ـ ٦٥٨١ (, Istanbul ٣٩٩١, s. ٧٤١.

(٢) BOA ,Y.PRK.KOM ٤ / ٣٣ ,ZA ١٠٣١.

(٣) BOA ,A.MKT.MHM ٤١ / ٢ ,٤١ Temmuz ٥٦٢١.

٢٨٧

به محمود الثاني في مركز الدولة قبل سنوات عدة ، أو بتعبير آخر نقلت تلك المناطق القائمة على الأوقاف الموجودة بها إلى سيطرة مركز الولاية ، وبذلك مهدّ لبناء التشكيل الإداري.

نجحت الحملة العسكرية التي قام بها نجيب باشا عام ١٨٤٣ م لتأسيس سلطة للدولة في كربلاء ، وقام نجيب باشا بتعيين القائمقام والموظفين الآخرين اللازمين لها ، وقام بنفي العرب والعجم الذين كانوا يديرون القصبة بناء على أهوائهم ، وأعاد تأسيس الإدارة الملكية والأمنية من جديد ، وسعى لتطبيق تلك الإجراءات في النجف الأشرف لكونها قصبة تابعة لكربلاء (١). ويتضح من تلك التنظيمات أن كربلاء في البداية تشكلت على هيئة قائمقامية.

ويتضح من الوثائق أيضا وجود مجلس إدارة في كربلاء في تلك العهود الأولى ، كان يسمى «مجلس كربلاء المعلى» وأغلب الظن أنه كان تحت رئاسة القائمقام ، وكانت مهمة هذا المجلس والقائمقام عمل التنظيمات الإدارية اللازمة في المنطقة والعمل على استتباب الأمن بها والسعي لحل المشكلات ومخاطبة الولاية عند الضرورة.

وأول معلومات إدارية عن المنطقة بعد عام ١٨٤٣ م الذي أوضحنا سالفا أنه بداية عهد جديد في كربلاء ، نصادفها في دفتر المصروفات الخاصّ بعام ١٨٤٥ م ، ويعطي لنا هذا الدفتر أيضا معلومات عن موظفي كربلاء الذين كانوا يتقاضون رواتب من الخزانة بخلاف القائمقام في سنوات التأسيس ، وها هي الرواتب التي كان يتقاضاها موظفو قضاء كربلاء التابع لبغداد طبقا لما ورد في هذا الدفتر :

__________________

(١) BOA ,Y.PRK.KOM ٤ / ٣٣ ,١١ S ١٠٣١.

٢٨٨

الوظيفة

 الراتب (قروش)

قائمقام كربلاء والنجف (طلعت باشا)

 ٦٧٥٠

كاتب عربي

 ٣٠٠

كاتب تركي

 ١٥٠

موظف الجسر

 ٢٠٠

موظف الحالة

 ١٠٠٠

موظفو التحصيلات

 ٣١٥٠

راعي الإبل الأميرية

 ٢٩٥

موظف السد

 ٧٠٠

موظف عنبر الشعير

 ١٩٧٠

عندما نفكر بأن معظم الأهالي الذين يعيشون في كربلاء شيعة ، فإن هذا يستوجب أن يكون العلماء الشيعة الموجودون هناك قد لفتوا انتباه الإداريين ، وكان ثمة احتياج لقائمقامات يمكنهم التعايش بشكل جيد مع الشيعة ويمنعون ظهور أية اضطرابات بين الشيعة الموجودين في كربلاء ، وقد تصرفت الحكومة العثمانية بحذر وحساسية نسبية في هذا الموضوع ، لذا كانت تختار القائمقامات الذين سيعينون في كربلاء من الأشخاص الذين كانت لهم وظائف سابقة في مناطق قريبة من كربلاء ، ويعرفون المنطقة بشكل عام.

وأول موظف تأكدنا من وظيفته في كربلاء هو محمد صادق ، إلا أننا لا نملك أية معلومات أكثر بخصوصه (١) ، أما أول قائمقام استطعنا أن نجد معلومات مفصلة عن مهمته في كربلاء فهو قربي أفندي ، وقد عين قربي أفندي قائمقاما على كربلاء عام ١٨٥٠ م بعد وظيفته في المحكمة الابتدائية التي أسسها (في بغداد تقريبا) ، ويتضح من الوثائق أن محمد نامق باشا كافا قربي أفندي عام ١٨٥٠ م بسبب إخلاصه للدولة والخدمات

__________________

(١) BOA ,A.MKT ١١ / ٥٢ ,٧٢ ٣ ٠٦٢١.

٢٨٩

التي قام بها عندما كان قائمقاما على كربلاء (١) ، وقد قدم نامق باشا مكافأته لقربي أفندي على هيئة شكر له عن مساعدته له أثناء وظيفته.

وبعد ثلاثة أشهر من عزل محمد نامق باشا من وظيفته ، بعث المجلس الكبير ببغداد رسالة لقربي أفندي ، طلب منه فيها القيام بمساع إيجابية مع ولاية بغداد لحماية الدولة واستتباب الأمن بها (٢) ، كما أحالت ولاية بغداد نفس الخطاب لمجلس الوزراء لطلب نفس الشيء من قربي أفندي ، ولكن مجلس الوزراء أخبر الولاية بأن وضع قربي أفندي لا يسمح بتنفيذ ما طلب منه (٣) ، ويتضح من ذلك أن والي بغداد الجديد محمد رشيد باشا الكوزلكلي لم يكن راضيا عن إدارة قربي أفندي ، وتلك هي نقطة المعارضة التي كانت موجودة بين الوالي الجديد وبين قربي أفندي ؛ إن الإجراءات التي اتخذت والخطوات التي تمت أثناء توضيح أوضاع ولاة بغداد وخاصة الشيعة الموجودين في كربلاء كانت مخالفة لمفهوم الإدارة عند قربي أفندي ، فقد كان قربي أفندي يهدف طوال فترة تنصيبه قائمقاما على كربلاء ـ وهي فترة استمرت لسنوات طوال بالرغم من بعض الفواصل القصيرة ـ إلى التعايش الجيد مع الشيعة الموجودين في كربلاء ، وفي سبيل ذلك اعترف بحقوق أكثر للإيرانيين وعاملهم بشكل جيد لم يضر بسيادة الدولة ، وبعد هذا الاضطراب الذي حدث مع ولاية بغداد رأينا قربي أفندي مستمرا في منصبه كقائمقام على كربلاء.

ظل قربي أفندي في منصبه حتى عام ١٨٥٥ م ، حيث أوضح في هذا العام أنه قد مرض وقدم استقالته (٤) ، واقترحت ولاية بغداد أن يعين يعقوب أفندي الذي كان مديرا على ناحيتي شفاتية والنجف الأشرف

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ١٦ / ٩٢ ,٧٢ B ٧٦٢١.

(٢) BOA ,A.MKT.UM ٧٦ / ٤٩ ,٧ ٠١ ٧٦٢١.

(٣) BOA ,A.MKT.UM ٧٦ / ٩٩ ,٧ ٠١ ٧٦٢١.

(٤) BOA ,I.MV ١٩٦٥١ ,٨١ ZA ٢٧٢١.

٢٩٠

اللتين ظلتا فترة طويلة تابعتين لكربلاء خلفا له ، وكان يقف جيدا على أحوال تلك الأماكن ، وأن يكون تعيينه براتب (٦١١٠) قرش (١) ، وتم بحث الأمر في مجلس الوزراء وتمت الموافقة عليه ، وبدأ يعقوب أفندي في ممارسة شؤون وظيفته بعد صدور الإدارة (٢) إلا أنه عزل من المنصب بعد فترة قصيرة بسبب استيلائه على أموال من بدل المقاطعات ، وعين قربي أفندي قائمقاما على كربلاء مرة أخرى (٣).

وفي عام ١٨٥٨ م ١٢٧٥ ه‍ اتخذت الدولة العثمانية قرارا هامّا يتعلق بإدارة بغداد ، وهو أنه يمكن للسناجق التي ستدار كمتصرفيات في بغداد أن تحصل على الإذن اللازم من أجل التنظيمات الإدارية التي ستتم من المركز مباشرة وليس من الولاية ، كما أنه لم تبق هناك أية علاقة بين الوالي وبين الشؤون المالية لتلك السناجق ، وبالتالي ستتم كل المخاطبات التي تتعلق بالشؤون المالية مع الباب العالي مباشرة (٤) وبذلك يتضح أنه تمّت تقوية وضع متصرفي السناجق في الوقت الذي قلّ فيه نفوذ الولاة ، وسعي لجعل تلك المناطق مرتبطة بالحكومة المركزية أكثر ، ولم تكن كربلاء في ذلك التاريخ قد أصبحت متصرفية بعد ، ولكن يفهم من التغيرات الإدارية التي تمت بها عام ١٨٥٨ ـ ١٨٥٩ م أن كربلاء تأثرت بهذا القرار الصادر عام ١٨٥٨ م والذي يتعلق بالسناجق ، لا سيما وأن تعيين قربي أفندي قائمقاما مرة أخرى على كربلاء عام ١٨٥٨ م بعد سنتين من تركه لها ، يعد أول دليل واضح على تطبيق تلك الإدارة الجديدة.

وبالرغم من أن قربي أفندي كان قائمقاما إلا أن تصرفه كالمتصرف

__________________

(١) BOA ,I.MV ١٩٦٥١ ,٢١ L ٢٧٢١.

(٢) BOA ,I.MV ١٩٦٥١ ,Lef : ٦ ,٩١ ZA ٢٧٢١.

(٣) BOA ,A.MKT.MVL ٣٠١ / ٩٥ ,٥٢ R ٥٧٢١.

(٤) BOA ,A.MKT.UM ٥٥٣ / ٩٨ ,٩٢ ZA ٥٧٢١.

٢٩١

وإقامته علاقات مباشرة مع الباب العالي متخطيا بذلك الوالي قد أقلق والي بغداد ، وقد انتقده والي بغداد عمر باشا بسبب سياسته التي اتبعها مع المجاورين الإيرانيين في كربلاء ، وادعى الوالي أن قربي أفندي أعطى إدارة كربلاء للإيرانيين ، وراجع الوالي الحكومة مستندا في ذلك على تلك الادعاءات ، وطالب بعزله وتعيين خورشيد أفندي خلفا له بالنيابة ، إلا أن هذا الوضع لم يؤثر على قربي أفندي لأن الحكومة استمرت في تعاملها معه بشكل مباشر بسبب خاصية منطقة كربلاء ، وتمّ النظر في مذكرة والي بغداد في مجلس الوزراء ، وتوصل المجلس إلى أنه لم يثبت في حقه أي قصور ، وأنه باق في وظيفة القائمقام ، وأخطر المجلس والي بغداد بأنه حتى في حالة عزل قربي أفندي ، فإنه لن يتمّ تعيين خورشيد أفندي الذي طالب الوالي بتعيينه بالنيابة ، لوجود صلة قرابة بينه وبين الوالي (١) ، وفي عام ١٨٥٩ م ـ وهو العام الذي طلب فيه عزل قربي أفندي ـ قرر مجلس الوزراء عزل مظهر أفندي مدير قضاء النجف الأشرف بسبب ظهور مشاكل بينه وبين الأهالي ، وتقرر تعيين خوجه صالح أغا خلفا له بالنيابة مع إعطائه الراتب المخصص لمديرية النجف الأشرف منذ ١٣ أبريل ١٨٥٠ م ، ودخل هذا القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء حيز التنفيذ بعد صدور إرادة من السلطان بذلك ، وأخطرت نظارة المالية وولاية بغداد بهذا الوضع الجديد (٢).

ويتضح من خلال ذلك أن تعيين وعزل قائمقام كربلاء عام ١٨٥٩ م ، ومدير النجف الأشرف لم يكن من خلال ولاية بغداد ، بل كان من مركز الدولة بشكل مباشر ، وكما أوضحنا سابقا دخل هذا التطبيق الجديد حيز التنفيذ بعد التطورات الخاصة بالأوضاع الجديدة للسناجق المرسلة لولاية

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٣١٤ / ٩٤ ,٨١ Z ٦٧٢١.

(٢) BOA ,A.MKT.MVL ٨١١ / ٣٢ ,٨٢ Z ٦٧٢١.

٢٩٢

بغداد في ٣٠ يونيه ١٨٥٩ م (١) ، وبعد تلك التنظيمات الجديدة المتعلقة بالسناجق والأقضية في ولاية بغداد عام ١٨٥٨ م عين على السناجق والأقضية طوال عدة سنوات أشخاص كانوا مناسبين من وجهة نظر مركز الدولة ، ومع بداية عهد التنظيمات تم البدء في تسجيل الموظفين الإداريين والرواتب التي يتقاضونها بشكل منتظم في قائمقامية كربلاء ومديرية النجف التابعة لها كما كان الوضع في كل ولاية بغداد.

ويمكننا العثور في دفتر المصروفات المؤرخ بتاريخ ١٨٦١ م ١٢٧٨ ه‍ على معلومات خاصة بالموظفين والإداريين والرواتب التي كانوا يتقاضونها (٢).

الوظيفة

 الراتب الشهري (بالقروش)

القائمقام

 ٥٤٠٣

كاتب المال (مدير المال)

 ١٠٠٠

كاتب المجلس

 ١٢٥

الكاتب السرجي بكربلاء

 ١٥٠

الكاتب العربي بكربلاء

 ٣٠٠

مسؤول السلاح

 ٢٠٠

مسؤول الحجر الصحي

 ٣٢٨

صراف صندوق المال

 ١٥٠

المصدر : الأرشيف العثماني ، تصنيف كامل كبه جي ، رقم ٦٢٠٠ (حسابات المصروفات) ١٨٦١ ـ ١٢٧٨ ه‍.

وفي عام ١٨٦٢ م تم تخفيض تلك الرواتب لأنهم يتقاضون رواتب أكثر من القائمقامات الآخرين التابعين لولاية استانبول وبغداد (٣) ، وبعد

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٥٥٣ / ٩٨ ,٩٢ ZA ٥٧٢١.

(٢) BOA, Kamil Kepeci, Nr : ٠٠٢٦,) Masarifat Muhasebesi (, ٧ ZA ٨٧٢١.

(٣) BOA ,VGG ٧٥٢ ,Nr : ٥٢١ ,٤٢ Ca ٩٧٢١.

٢٩٣

شهر من هذا القرار انتهت وظيفة قربي أفندي كقائمقام على كربلاء بعد ما ظل فيه فترة طويلة ، وعين إسماعيل باشا خلفا له (١).

١ ـ ربط هندية بكربلاء وتأسيس متصرفية كربلاء

هندية قصبة محاطة بكربلاء من ناحية الشمال والحلّة في الشرق وناحية الشامية في الجنوب الشرقي وقضاء النجف من الغرب ، وقد أوضحنا من قبل أن هذا المكان كان صاحب تربة خصبة تروى من مياه نهر الفرات (٢) وهندية ذات بنية مرتبطة بكربلاء بشكل طبيعي من الناحية الجغرافية والاجتماعية والتجارية الموجودة في المنطقة ، كما كان هناك ارتباط محسوس لمواجهة الاحتياجات بين قصبتي هندية وكربلاء اللتين تتكونان من نفس العشائر ونفس المذاهب ، إلا أن هذا الارتباط القوي بينهما لم يتحقق في المجال الإداري أيضا حتى عام ١٨٦٨ م ، أو بمعنى آخر لم يستمر هذا الارتباط الطبيعي بشكل إيجابي ، ولم تر حاجة لتطبيق مثل هذا الارتباط الإداري ، إلا أن إصلاحات التنظيمات ونظام المركزية الذي سعي إلى تطبيقه في بغداد بلائحة تنظيم الولايات عام ١٨٧١ م استوجب خلق وضع جديد لهندية.

وكانت مساعي نقل العشائر إلى حياة الاستقرار قد أوشكت على الوصول إلى نتيجة عام ١٨٥٠ م ، وذلك بعد النزاعات العشائرية التي ظهرت بين عشائر هندية والحلّة أثناء حادثة كربلاء (٣).

وتم توحيد بعض القصبات في إطار تشكيل ولاية بغداد من جديد ، وعين على تلك القصبات التي تم توحيدها القائمقامات والمديرون على حسب موقعها وأوضاعها ، وبعد إخماد بعض الأحداث التي ظهرت بين

__________________

(١) BOA ,VGG ٧٥٢ ,Nr : ٥٨ ,٥٢ C ٩٧٢١.

(٢) Salname ـ i Vilayet ـ i Bagdad ٤٢٣١ ,s.١٩٢.

(٣) Bkz.S.٣٤.

٢٩٤

العشائر في المنطقة عام ١٨٥٠ م دخلت هندية حيز تلك التنظيمات الجديدة (١) ، وأثناء عمل تلك التنظيمات الجديدة بها تم التحدث عن تعيين قائمقام عليها كقضاء تابع لبغداد.

ونقل الموظفين الإداريين لهندية وكربلاء مكان بعضهم البعض دليل آخر يظهر الروابط الموجودة بين القصبتين ، وتم تعيين يعقوب أفندي قائمقاما على قضاء هندية عام ١٨٥٩ م ، وتم هذا التعيين من المركز بشكل مباشر (٢) ، وفي نفس العام نقل يعقوب أفندي من قائمقامية هندية إلى قائمقامية كربلاء ، وعين سيد باشا قائمقاما على هندية (٣).

استمرت قائمقامية سيد باشا على هندية فترة قصيرة ، وجلب مكانه رشيد باشا ، وقد نبهت الحكومة العثمانية على قائمقام هندية الجديد بعدم حدوث أية انحرافات في المقاطعات الأخرى لهندية ، ولتضمن الحكومة التحكم السليم في حسابات المقاطعات عينت لهذا الغرض عطاء الله أفندي الموجود في بغداد ليكون معاونا للقائمقام في هذا الشأن (٤).

وقد أسس مجلس إعمار في هندية للعمل على زيادة الإنتاج الزراعي وللحد من الأضرار الناجمة عن فيضان نهر الفرات ، وكان عطاء الله أفندي عضوا في هذا المجلس ، لذا فقد كلّف ببعض الأمور كإنشاء وتعمير سدّ هندية (٥) ، وخصص له معاش شهري يقدر بمائتين وخمسين قرشا مقابل وظيفته في مجلس الإعمار هذا (٦).

وقد ذكر في دفتر المصروفات المؤرخ بتاريخ ١٨٦١ م ـ ١٢٧٨ ه

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٣٧ / ٢٤ ,٦ ZA ٧٦٢١.

(٢) BOA, Tesrifat Kalemi Belgeleri) A. TSF (٩٢ / ٦٨, ٧٢ Ra ٦٧٢١.

(٣) BOA ,A.DVN ٧٥١ / ٣٧ ,٧١ R ٧٧٢١.

(٤) BOA ,A.MKT.MHM ٧٢٢ / ٠٢ ,٤١ M ٨٧٢١.

(٥) BOA ,A.MKT.UM ٨٠٥ / ٥٧ ,٦١ R ٨٧٢١.

(٦) BOA ,VGG ٧٥٢ ,Nr : ١٠١ ,٩٢ Ca ٨٧٢١.

٢٩٥

الموظفون الإداريون في قضاء هندية الذي كان لا يزال تابعا لبغداد حتى ذلك الوقت والرواتب التي كان يتقاضاها هؤلاء الموظفون :

قائمقامية هندية

المتصرف سيد أفندي (لم يحدد راتبه)

القائمقام : ٦٢٠٠ قرش

كاتب المال : ١٠٠٠

كاتب العدل : ٨٠٠ قرش (١)

وبالرغم من أن هندية كانت عبارة عن قضاء إلا أن قائمة الموظفين السابقة ذكر فيها منصب المتصرف ، ويفهم من هذا أنه سعي لتحويل هندية إلى متصرفية قبل كربلاء ، وأغلب الظن أنه لم تستمر تلك المساعي نظرا لبنيتها الاقتصادية وأهميتها ، وعندما تأسس سنجق كربلاء انفصلت هندية عن بغداد وأصبحت قضاء تابعا لكربلاء ، وقبل أن تصبح هندية قضاء تابعا لكربلاء عام ١٨٦٨ م ، كانت بمثابة المنطقة العسكرية التابعة لها في عام ١٨٦٣ تقريبا (٢) ، وكان هذا التنظيم الذي ربط هندية بكربلاء بمثابة الاستعداد لتكوين رابطة ملكية بينهما أيضا.

لا شك أن مدحت باشا كان له دور كبير في تشكيل متصرفية كربلاء ، فقد دخل مدحت باشا ذلك الرجل الذي أتى بتجربة الإصلاحات التي بدأها في ولاية الطونة في الجزء الأوروبي من الدولة إلى العثمانية إلى تلك الولاية البعيدة (يقصد بغداد) عندما عين واليا على بغداد في ٣٠ أبريل ١٨٦٩ م ، وكان تعيينه واليا عليها يعني التصديق على النشاطات التي تمّت في العهود السابقة (٣) ، وقد أوضحنا سابقا أن بغداد أصبحت من

__________________

(١) BOA, Kamil Kepeci ٠٠٢٦,) Masarifat Muhasebesi (, ٧ ZA ٨٧٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٠٧٢٧١ ,٠٨٢١ ـ ٢٨٢١.

(٣) S. H. Longringg, Four Centuries of Modern Iraq, Oxford ٥٢٩١, s. ٨٩٢.

٢٩٦

المناطق الهامة في القرن التاسع عشر بسبب علاقاتها بالأوروبيين والتطورات الجارية مع الإيرانيين ؛ وبالرغم من ذلك كانت بغداد متأخرة في المساعي المبذولة في سبيل تحقيق المركزية والإصلاحات ، وبالتأكيد كان إرسال مدحت باشا واليا على بغداد موجها لتلافي هذا الوضع السيئ.

وفي عام ١٨٥٨ م قلّصت الحكومة العثمانية سلطات ولاة بغداد ، وفي مقابل ذلك زادت من سلطات وصلاحيات المتصرّفين والقائمقامات ، إلا أن هذا الوضع تغير بمجرد وصول مدحت باشا إلى بغداد ، لأن كونه رجل دولة على خبرة ودراية وموضع ثقة للحكومة ، جعل الدولة تمنحه سلطات وصلاحيات واسعة ، ولعل ظهور تطورات هامة وسريعة في النواحي الإدارية والعسكرية والمالية لكربلاء في هذا العهد يمكن أن يوضح شخصية وخبرة مدحت باشا وسياسته التي اتبعها هناك.

وبعد صدور اللائحة التنظيمية للولايات عام ١٨٦٤ م ، ظهرت الحاجة للقيام ببعض التنظيمات في الساحة الإدارية بكربلاء ، إلا أنها لم تعش أي تطور في هذا الشأن حتى قدوم مدحت باشا.

وقد ثبت قيام إسماعيل أفندي قائمقام كربلاء عام ١٨٦٩ م ببعض الانحرافات ، وقد أظهر مدحت باشا الذي بدأ مهامّ عمله حديثا حساسية شديدة بالنسبة لموضوع الانحرافات ، وتوقف على تلك الانحرافات الموجودة في كربلاء ، فتوجه الباشا بنفسه إلى كربلاء ، وأثبتت التحقيقات التي جرت حدوث انحرافات بالفعل ، فعزل إسماعيل أفندي من منصبه ، ووجد مدحت باشا أن المناخ مهيأ للقيام بعمل تجديدات في كربلاء ، فحولها إلى متصرفية ، وفي سبيل ذلك قام الوالي ببناء الأبنية الإدارية اللازمة لإدارة المتصرفية ، وحدّد أيضا الموظفين الذين سيعملون بها ، ثم اتّجه الوالي بعد ذلك إلى حلّة وهندية ، وأجرى هناك بعض التنظيمات

٢٩٧

الإدارية ، وفي سبيل ذلك وحّد قصبتي هندية والنجف الأشرف اللتين ترتبطان بكربلاء إن لم يكن من الناحية الرسمية والإدارية فمن الناحية الطبيعية والعديد من القصبات الصغيرة التابعة لهما بربطهما بكربلاء (١) ، وبتلك التنظيمات التي قام بها مدحت باشا تم تشكيل سنجق كربلاء المكون من أقضية هندية والنجف وشواطية ورحالية والحسينية (٢).

أما أول متصرف يعين على السنجق فكان حافظ أفندي القائمقام السابق لكوستنديل براتب قدره عشرة آلاف قرش (٣) ، وبسبب الجهود والخدمات التي أظهرها حافظ أفندي أول متصرف لكربلاء أثناء وجوده في وظيفته تمّت مكافأته بأن رقّي إلى منصب المير ميران (٤).

وفي ولاية مدحت باشا جرت في كربلاء ـ مثلها في ذلك مثل كل العراق ـ بعض التنظيمات في شؤون الأراضي والضرائب والتجنيد والمواصلات والتخابر (٥).

وقد فكر مدحت باشا في أن تكون مشكلة الأرض هي سبب

__________________

(١) Zevra ,No : ٢ ,٢١ Ra ٦٨٢١.

قام والي بغداد بتحويل سناجق كربلاء وشهرزور والموصل والبصرة وديوانية إلى متصرفيات طبقا لأصول الولاية. انظر Zevra, No : ٥, ٣ R ٦٨٢١.

(٢) Devlet Salnamesi ٦٨٢١ , (Def\'a ٤٢) ,s.٢٠٢.

(٣) BOA, Ayniyat Defteri ٩٤٨, s. ٥٤, ٨١ R ٦٨٢١; Zevra, No : ٢, ٢١ Ra ٦٨٢١.

(٤) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٠٧ ,٦ Ca ٦٨٢١.

(٥) طوال عام ١٢٨٦ تكثفت المراسلات في الموضوعات الملكية والعسكرية بين بغداد وكربلاء التي أصبحت متصرفية بجهود مدحت باشا ، فقد أرسل من كربلاء إلى ولاية بغداد ٣٢٩ ما بين تلغراف ورسالة ، وأرسل من بغداد إلى كربلاء ٦٦٤ ما بين تلغراف ورسالة خاصة بالشؤون الملكية ، أما الشؤون العسكرية فقد أرسل من كربلاء إلى بغداد بخصوصها ٢٩ ، وأرسل من بغداد إلى كربلاء ٦٧ رسالة وتلغراف. جريدة الزوراء ، رقم ٤٢ ، ص ٨٦ ، ١٨ محرم ١٢٨٧.

٢٩٨

الثورات التي تحدث بكثرة في هندية ذلك القضاء الجديد التابع لكربلاء ، وقد سعي في هذا الموضوع من قبل كثير ، ولكن لم يتم التوصل بشكل تام إلى الأسباب الرئيسية لتلك الثورات التي كانت تحدث في هندية منذ فترة طويلة ، كما أنه لم تتخذ الإجراءات اللازمة المناسبة ، وعلى حسب رأي ولاة بغداد السابقين لمدحت باشا أن السبب الرئيسي لتلك الثورات هو الشيعة أو أنها رد فعل موجه للأشخاص الأقوياء في المنطقة ، إلا أن مدحت باشا لم يقتنع بتلك الأسباب ، لأنها لم تكن أسبابا كافية ومقنعة لأن يقوم الأهالي في هندية بالتسلح وسفك الدماء بهذا الشكل ، وكان مدحت باشا على قناعة بأن السبب في تلك الثورات هو التفريق في الأحكام والمعاملات بين أراضي هندية وبقية أراضي العراق ، وأن الأهالي هناك أي في هندية محرومون من قسم كبير من دخل الأراضي والمنتجات التي تنبت فيها (١).

ومن الأعمال التي قام بها مدحت باشا إلغاء ضريبة الاحتساب وبعض الضرائب الأخرى التقليدية الجارية في المنطقة التي لم يكن للأهالي طاقة بها ، وكان يجبي من الأهالي بدل تلك الضرائب العشر الشرعي ، وبالتالي كانت ستحصل تلك الضرائب من الحدائق والأراضي بهذا التنظيم الجديد ، كما بذلت مساع لتأجير الأراضي بأصول الطابو في المنطقة ، وكانت تلك المساعي تطورا هامّا خاصة بالنسبة لهندية.

وقد أورد مدحت باشا موضوع تقييم الهدايا المقدمة لضريح الإمام علي في النجف ، ولكنه لم يستطع أن ينجح في مشروع استخدام خزائن النجف ـ الذي كان يعد أكبر مشروع له ـ في الأعمال العامة (٢) ، وقد أثر هذا المشروع في الإداريين التالين لمدحت باشا ، وكامتداد لهذا الفكر

__________________

(١) Ali Haydar Midhat ,a.g.e.,s.٠٨ ـ ١٨.

(٢) Longringg ,a.g.e.,s.٩٩٢.

٢٩٩

تقرر في عام ١٩١١ م بيع الهدايا الموجودة في كربلاء والنجف والهدايا التي تجلب إليهما لبناء مستشفى في المنطقة (١).

وسنتناول أعمال مدحت باشا المتعلقة بأصول القرعة والمواصلات والتخابر في الأقسام الخاصة بتلك الموضوعات.

وقد شرحنا سابقا أنه كان يتم تعيين الموظفين الموجودين في المناطق المتشابهة في بغداد في المناطق الأخرى ، وكان هذا الإجراء يعد أساسا للإسراع في الإجراءات والمساعي التي تتم في القضاء أو السنجق الذي يفد إليه موظفون ملكيون جدد ، وقد طبّق تنظيم مشابه لهذا في عام ١٨٧٠ م ، وقد أمنّت الجهود والخدمات الكبيرة التي أظهرها حافظ أفندي في كربلاء تعيينه متصرفا على سنجق البصرة ، أما متصرفية كربلاء التي أصبحت خالية فقد عهد بها إلى خليل بك متصرف حلة (٢).

وكان لإدارة كربلاء كمتصرفية وضم ناحية هندية والعديد من النواحي إلى بنيتها سببا في تكثيف شؤونها الإدارية ، وبالرغم من ذلك سعي لانعكاس العلاقات الجيدة المعاشة مع الإيرانيين أثناء ولاية مدحت باشا لبغداد ، بشكل إيجابي على القصبة وعلى معيشة الإيرانيين الموجودين هناك ، وقد أظهرت تلك التطورات الأخيرة عدم كفاية وملاءمة مقر الحكومة الموجود بمركز القصبة للظروف الحالية التي تعيشها ، وبالرغم من عدم وضوح هذا الأمر في الوثائق ، إلا أن أهم سبب في طلب بناء مقرّ جديد للحكومة هو القلق الملحوظ من أن يكون البناء الإداري الموجود في المركز سببا في قلق الإداريين ، وتقدم مجلس كربلاء بطلب لنظارة الداخلية بخصوص نقل الدوائر الحكومية الموجودة في مركز القصبة إلى بناء أكبر يقع خارج القصبة قليلا ، وقد أوضح

__________________

(١) BOA ,A.MKT.MHM ٥٣٧ / ٥٢ ,٧ R ٩٢٣١.

(٢) BOA ,Ayniyat Defteri ٩٤٨ ,s.٥٧ ,٦٢ Ca ٧٨٢١.

٣٠٠