كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

تطبيق نظام التجنيد بالقرعة في المنطقة ، وبسبب التفرقة في المعاملة بين هؤلاء العلماء لم يقبل قدامى العلماء تلك الهدايا وبذلك حرموا من (١٠٠٠٠٠) قرش ، وفي مقابل ذلك بدأت الدولة العثمانية في عام ١٨٧٠ م ومنح عطية للعلماء الشيعة الموجودين في كربلاء ومنطقة البحر الأبيض المتوسط ، وكذا زين العابدين الذي كان واحدا من علماء إيران (١) ، وقد سعى مدحت باشا في فترة ولايته لعمل بعض الإجراءات لإسعاد العلماء الشيعة وجذبهم للدولة العثمانية ، وقد أرسل كل من مدحت باشا وكمال باشا ناظر الأوقاف الهمايونية برقية لنظارة الداخلية تتعلق بالموضوع ، وتم التباحث في الأمر مع الصدارة وتقرر مصاحبة هؤلاء العلماء ومكافأتهم ، وبعد الحصول على إذن من السلطان منح هؤلاء العلماء (١٠٠٠٠٠) قرش من دخل ولاية بغداد (٢). ومن النماذج الأخرى في هذا الموضوع تخصيص راتب يقدر بخمسمائة قرش للسيد محمد أفندي رشدي زاده من العلماء الجعفريين الذين يعيشون في كربلاء (٣).

ويتضح من المعلومات الخاصة بالفترة التي نقوم بدراستها وجود بعض الانحرافات في إيصال الأموال والهدايا التي كانت ترسل من إيران والهند لمستحقيها ، ففي عام ١٨٧٥ م أرسل شيعة الهند (٥٠٠٠٠) قرش للعلماء الشيعة ومثلها للأهالي في النجف ، ولما لم يتمّ إيصال تلك المبالغ إلى مستحقيها أرسل الشيخ محسن الوكيل عن علماء النجف برقية لولاية بغداد والباب العالي والقيادة العسكرية ، وأوضح الباب العالي رأيه في تلك الشكوى بأنه لا يجوز حرمان هؤلاء العلماء والأهالي الفقراء من تلك الأموال المرسلة إليهم ، وتمّ تكليف ولاية بغداد بعمل التحقيقات

__________________

(١) BOA ,I.Hr ٧٤١ ,٥٢ M ٦٥٢١.

(٢) BOA, I. Dh ٩٧٤٣٤, ٨ L ٧٨٢١; Ayniyat Defteri, ١٥٨, s. ٥٩, ٣١ L ٧٨٢١.

(٣) BOA ,I.Dh ٤٩٦٦٤ ,٤١ C ٠٩٢١.

٢٤١

اللازمة ، وإيجاد الأشخاص المسؤولين عن هذا التقصير ومعاقبتهم ، والاهتمام بأمر هؤلاء الأهالي المظلومين (١).

وقد تم منح العطية السنية للأشخاص المنحدرين من سلالة (الاثنا عشر) إماما طوال الفترة التي ندرسها ، كما تمّ منح الشيخ عبد القادر والشيخ عبد الحي من ذرية الإمام الحسين عطية سنية في عام ١٨٤٢ م (٢) ومنح شخص آخر من نفس الذرية يدعى السيد حسين عطية أيضا (٣) كما تم إعفاء السيد محمد حافظ المارديني وحافظ عبد القادر من ذرية الإمام زين العابدين من الضرائب (٤).

٢ ـ أوضاع الإيرانيين في كربلاء وتأثيرها على العلاقات العثمانية الإيرانية

كانت تأتي إلى كربلاء جماعات كثيرة من الزوار والتجار الإيرانيين ، وكانت تلك الجماعات تؤثر على العلاقات العثمانية الإيرانية بالمشكلات التي تواجهها أثناء رحلاتها وأثناء تواجدها في كربلاء ، كما أن الحكومة العثمانية تعهدت بموجب معاهدة أرضروم بتوفير الأمن والراحة للتجار الإيرانيين والإيرانيين القادمين لزيارة الأماكن المقدسة (٥).

لا يقل عدد الزوار الإيرانيين عن القادمين بهدف التجارة ، حيث كانوا يأتون لزيارة العتبات المقدسة في منطقة العراق وإلى كربلاء لدفن

__________________

(١) BOA ,Ayniyat Defteri ,٩٤٨ ,s.٣٠٢ ,Gurre Ca ٢٩٢١.

(٢) BOA, Sadaret Mektubi Kalemi) A. MKT (٥ / ٤٦, ٤١ L ٨٥٢١.

(٣) BOA ,I.MV ٧٦٦٢ ,٤ S ٤٦٢١.

(٤) BOA ,A.MKT.UM ٠٨٣ / ١١ ,٥٢ R ٦٧٢١.

(٥) BOA, A. DVN. NHM ٥ / ٥٣, ٠١ R ٤٦٢١; Muhahedat Mecmuasi, III, ٧.

٢٤٢

موتاهم وأداء بعض الواجبات الدينية الهامة طبقا لمذاهبهم كما هو الحال اليوم ، أما التجار فكانوا ينقسمون إلى جماعتين على حسب الهدف من مجيئهم إلى كربلاء : الجماعة الأولى وكانت تأتي إلى كربلاء في شهر المحرم من كل عام للتجارة والاستفادة من تجمع الشيعة التقليدي فيها ، أما الجماعة الثانية فكانت تمرّ من كربلاء الواقعة على طريقها عند اتجاهها إلى الغرب.

ويفهم من الشكاوى التي تقدم بها الزوار والتجار الإيرانيون منذ تأسيس الدولة الصفوية ودخول منطقة العراق تحت الحكم العثماني بعد ذلك حتى الفترة التي ندرسها أنهم كانوا يصطدمون بنفس المشكلات أثناء رحلاتهم التي يقومون بها للعراق والعتبات ، فقد ورد بند في معاهدة أرضروم الموقعة عام ١٨٢٣ م بخصوص توفير الراحة والأمن للزوار والتجار الذين يقومون برحلات في المنطقة (١).

وكانت هناك أسباب عدة لشكوى الزوار والتجار الإيرانيين القادمين من إيران ، ومن ذلك على سبيل المثال سوء استعمال موظفي بغداد لوظائفهم كأخذ الضرائب العالية من التجار والزوار القادمين من إيران.

وبخلاف سوء استعمال موظفي بغداد لوظائفهم فقد ظهر ريب من الإيرانيين الذين زاروا كربلاء في بعض الفترات التي اضطربت فيها العلاقات العثمانية الإيرانية ، وقد وضع لهم بعض الحدود والموانع النابعة من هذا الريب المحسوس من دخول الإيرانيين إلى الأراضي العثمانية بشكل مكثف في فترات الاضطراب ، وذلك لأن الدولة العثمانية كانت تخشى من تحريض الزوار والتجار الإيرانيين للأهالي الشيعة المحليين في تلك الفترات المتأزمة ، ومن قيامهم أي الزوار والتجار بعمل دعاية ضد الدولة العثمانية ، كما فرض شاهات إيران أيضا حظرا

__________________

(١) Muahedat Mecmuasi ,III ,٢.;III ,٤.

٢٤٣

على دخول التجار والزوار الإيرانيين إلى الأراضي العثمانية في بعض الفترات التي اضطربت فيها العلاقات بين الدولتين العثمانية وإيران (١).

هذا بالإضافة إلى أن التجار والزوار الإيرانيين كانوا يشعرون بأن الضرائب التي يدفعونها ـ كالرسوم الجمركية التي تدفع عند العبور أو على البضائع التجارية بعد دخولهم الأراضي العثمانية ـ لا داعي وأنها باهظة للغاية ، كما كانت الأموال التي يحصلها الموظفون المحليون منهم أثناء عبورهم بعض القنوات أو الأنهار سببا في حدوث رد فعل من الزوار والتجار ، ومن الموضوعات الأخرى المزعجة ادعاء الزوار بأنه يتم تحصيل ضرائب جمركية عن أمتعتهم الخاصة.

وقد أوضح الزوار والتجار الإيرانيون أنهم عاشوا مشكلات في الأماكن التي كانوا ينزلون بها أثناء رحلاتهم ، أما مشكلة الأمن فكانت من المشكلات الهامة الأخرى ، فقد انتقد الإيرانيون الحكومة العثمانية بأنها لم تبذل جهودا كافية لتوفير الأمن للزوار.

قامت الدولة العثمانية بالبدء في بعض المساعي المتعلقة بالزوار والتجار بعد عقد اتفاقية أرضروم سنة ١٨٢٣ م ، وقبل توقيع الاتفاقية تم تحديد الموضوعات التي شكا منها الزوار الإيرانيون أثناء زيارتهم للعتبات ، وأرسلت الدولة العثمانية على الفور مجموعة من الموظفين المخصوصين إلى بغداد لتسهيل رحلات الزوار والتجار الإيرانيين حتى لا تضع تلك المشاكل النابعة من الموظفين والإدارة ـ أو من أشياء غير ذلك ـ الدولة العثمانية في موقف صعب بعد الاتفاقية ، وأثناء ولاية نجيب باشا لبغداد قام بعمل تنظيمات جديدة ليست طبقا للأبحاث التي قامت بها تلك المجموعة من الموظفين ، بل طبقا لرأيه وبدأ في تطبيقها ، وبالرغم من أن التنظيمات الجديدة التي عملها نجيب باشا كانت صارمة وصعبة

__________________

(١) Cowper ,a.g.e.,s.٢٧٣.

٢٤٤

للغاية ، إلا أنها كانت ذات بنية تسمح بسوء الاستعمال ، ولهذا بدأت شكاوى التجار والزوار تتزايد من جديد ، وكانت الحكومة العثمانية تخشى من تلك الشكاوى الجديدة ومن المشكلات الجديدة المحتمل ظهورها.

وبعد عقد اتفاقية أرضروم عام ١٨٤٧ م أي في نفس العام الذي عزل فيه نجيب باشا من الولاية أعيد النظر في تلك التنظيمات ، وخططت الدولتان لتشكيل هيئة لحل المشكلات السابقة للزوار والتجار وكذا حل المشكلات المحتملة الظهور في المستقبل ، واتخذ والي بغداد والممثل الإيراني قرارا باختيار أعضاء تلك الهيئة من أعضاء لجنة ترسيم الحدود (١).

وفي عام ١٨٤٧ م قدّم الممثل الإيراني باستانبول رسالة شكا فيها من إزعاج الزوار الإيرانيين أثناء رحلاتهم وأخذ الضرائب مضاعفة من التجار وتطبيق ضرائب عليهم لم تطبق على الأجانب الآخرين ، أما نجيب باشا الذي دافع عن آرائه فلم يقبل تلك الادعاءات المتعلقة بالإجراءات التي تمت في عهده ، وشكا من قيام الزوار والتجار بإخفاء البضائع التي معهم وتمريرها بشكل سري من الجمارك حتى لا يدفعوا الضرائب المستحقة عليها ، وأوضح أن إمرار تلك البضائع القيمة بهذا الشكل من الجمرك أصاب المدينة بضرر مادي كبير (٢).

وأول ما قام به أفراد الهيئة المكونة من لجنة ترسيم الحدود هو العمل على إزالة بعض المشكلات الخاصة بالتذاكر المستخدمة عند عبور الزوار القادمين إلى العتبات في عام ١٨٤٩ م.

ولم تعترف الحكومة العثمانية بتذاكر الدخول التي حصل عليها

__________________

(١) BOA ,A.MKT.NZD ١ / ٦٨ ,١ S ٦٦٢١.

(٢) BOA ,A.MKT ,٢١١ / ٧٨ ,٥٢ Ra ٤٦٢١.

٢٤٥

الزوار الإيرانيون من الجهات الإيرانية قبل دخولهم إلى الأراضي العثمانية ، وأوضحت بأنه يجب عليهم الحصول على تذاكر جديدة ، وتم هذا الإجراء لأول مرة عام ١٨٤٩ م ، ونظرا لكثافة الزوار الإيرانيين المتوجهين إلى العتبات واستمرار أعمال تغيير التذاكر فترة طويلة ظهرت مشكلة عدم لحاق الإيرانيين بيوم المأتم ، إن والي بغداد الذي رفض أن يكون سببا في هذا الموقف قرر قبول التذاكر الإيرانية بشرط تسجيلها في الدفاتر وصلاحيتها لمرة واحدة فقط (١).

وقام المسؤول الإيراني عن المصالح الإيرانية بإخطار الجانب العثماني أيضا ببعض الأمور الأخرى التي شكا منها التجار الإيرانيون ، حيث أوضح أنه تؤخذ رسوم تعرف باسم ضريبة التذكرة من التجار الإيرانيين بالرغم من أنهم يدفعون ضرائب جمركية قدرها ٤% ومعهم تذاكر مرور ، كما أوضح أن تحصيل ضرائب مثل الرسوم العمادية (٢) والرسمين المنظمين كان سببا في بحث الإيرانيين عن طرق أخرى ، وطالب بأن تقف الحكومة العثمانية على كلمتها بعدم تحصيل ضرائب غير الجمارك (٣).

وكان يعطى للإيرانيين عند مرورهم من الأراضي العثمانية تذكرة مرور مقابل المال تحت اسم «ضريبة التذكرة» ، ومن النقاط الأخرى التي كانت مثارا لشكوى الحكومة العثمانية في الشؤون الجمركية دخول بعض الإيرانيين إلى الأراضي العثمانية في زيّ المتسولين كي لا يدفعوا رسوم المرور ، وقد سعى والي بغداد لحلّ تلك المشكلة بإعطاء ٢٠% من تلك

__________________

(١) BOA ,A.MKT.NZD ١ / ٦٨ ,١ S ٦٦٢١.

(٢) رسم الآمدية كان واحدا من الضرائب الجمركية الأربع في الدولة العثمانية ، وكانت عبارة عن ضريبة عن الاستيراد.

(٣) BOA ,HR.MKT ٥١ / ٥٤ ,Lef : ١ ,٩٢ Ca ٣٦٢١.

٢٤٦

التذاكر للممثل الإيراني بدون مقابل لتوزيعها على المحتاجين إليها (١) ، ونبه على الموظفين المختصين بعدم أخذ ضرائب غير الرسوم الجمركية من الزوار والتجار الإيرانيين وبضرورة تطبيق أحكام الاتفاقية المبرمة مع إيران (٢) ، وبالرغم من تلك الجهود المبذولة من الطرفين فقد استمرت المشكلات الخاصة بتذاكر الطريق حتى عام ١٨٥٧ م (٣) ، وعلى سبيل المثال فقد سجل أحمد وفيق أفندي السفير العثماني لدى طهران (١٨٥١ ـ ١٨٥٤ م) الأمور التي يشكو منها الزوار والتجار الإيرانيين القادمون إلى بغداد ، وقدم بعض المقترحات الهامة لحلها (٤) ، ويرى أحمد وفيق أفندي

__________________

(١) BOA ,HR.MKT ٦١ / ٧٢ ,٦٢ M ٣٦٢١.

(٢) BOA ,HR.MKT ٥١ / ٥٤ ,Lef : ٢ ,٧ M ٣٦٢١.

(٣) BOA ,HR.MKT ٤١ / ٤٧ ,٧ Z ٤٧٢١.

(٤) عين أحمد وفيق أفندي سفيرا لطهران في ١٨ / ١ / ١٨٥١ م. وعند تعيين هذا السفير كانت الأفكار تتجه نحو تعيين كمال أفندي ناظر المكاتب العمومية وذلك بسبب خبرته ومعرفته السابقة بأحوال الإيرانيين واللغة الفارسية. ولكن بعد ذلك تبين أن أحمد وفيق أفندي هو الأنسب لتلك المهمة وذلك لمعرفته الجيدة بالأهالي الإيرانيين ، واللغة الفارسية ، وبالرغم من أنه لم يذهب إلى طهران قط ، كما كان من رجال الدولة السياسيين الناجحين هذا بالإضافة إلى معرفته للعديد من اللغات. كما أن معرفته بعلم الخرائط وبالأنظمة القانونية ومشكلات الأراضي العثمانية خلقت تفكيرا بأنه يمكن أن يساعد درويش باشا في مهمة ترسيم الحدود بين الدولتين ، وهذا كان سببا آخر في تعيينه في تلك المهمة. وعندما ذهب أحمد وفيق أفندي إلى طهران التقى بالسفيرين الإنجليزي والروسي ، وأجرى معهما مباحثات إيجابية في صالح الدولة العثمانية. وعندما ذهب أحمد وفيق أفندي ليتسلم مهام عمله كان قد أعطى اهتماما كبيرا بمشكلات الأراضي والعشائر التي تقيم على الحدود ، وكان منحازا لتطوير العلاقات التجارية بين البلدين. وقد أوضح أحمد وفيق أفندي بأنه يجب تأسيس سفارة دائمة للعثمانيين في إيران ، نظرا لأهمية العلاقات بينهما ، ومن الملاحظ أن تأسيس سفارة إيران كان عام ١٨٥١ م أي بعد فترة طويلة من تأسيس السفارات الدائمة في المراكز الكبرى في أوروبا. ونجح أحمد وفيق أفندي

٢٤٧

أن أول وأهم شكاوى الإيرانيين هي تحصيل العديد من الموظفين الموجودين في نقاط مختلفة الكثير من الضرائب تحت أسماء مختلفة من الزوار والتجار الإيرانيين القادمين من إيران إلى العتبات ، وقد أوضح أحمد وفيق أفندي أنه في حالة تحصيل نقود تذكرة المرور من الزوار الإيرانيين على الحدود فقط ، ستقل شكاوى الإيرانيين بنسبة كبيرة.

أما المشكلة الثانية فهي إجبار كل الزوار على سلوك طريق واحد فقط ، وتحصيل قرش واحد من كل شخص كضريبة لهذا الطريق ، وكان أحمد وفيق أفندي على قناعة بأن يترك للزوار حرية اختيار الطريق الذي يسلكونه ، وأنه ليست هناك ضرورة لتحصيل أية ضرائب على الطريق ، وأوضح أنه لو تمّ إصلاح وترميم الجسور وبناء الجسور الجديدة في هذا الطريق الإجباري فإن كل الزوار والتجار سيختارونه بالطبع ، وبالتالي فإن اعتراضهم على الأجرة المأخوذة منهم سيكون أقل. ومن الواضح أن رغبة الحكومة العثمانية في مرور الزوار والتجار الإيرانيين من طريق واحد ومحدد مرجعه ضمان السيطرة على الإيرانيين أكثر من جمع الضرائب منهم وكذا ضمان استتباب أمن بغداد وأمن الزوار.

أما المشكلة الثالثة التي شكا منها الإيرانيون فهي تحصيل رسوم الجسر التي تبلغ قرشا واحدا من كل شخص والتي كانت تحصل منذ فترة طويلة من الإيرانيين عند دخولهم إلى النجف الأشرف (بالرغم من أنه لم تكن هناك ضرورة لهذا الجسر وقت جفاف المياه) ، ولم تكن تلك

__________________

في سفارته في طهران نجاحا باهرا واكتسب احترام الشاه والأهالي الإيرانيين. حتى إنه عندما عزل من منصبه هذا عام ١٨٥٤ م منحه الشاه ناصر الدين أعلى وسام إيراني. انظر :

Nejat Goyunc," XIX. Yuzyida Tahran\'daki Temsilcilerimiz ve Turk ـ Iran Munasebetlerine Etkileri", Ataturk Konferanslarl V, ١٧٩١ ـ ٢٧٩١, Ankara ٥٧٩١, s. ٥٧٢ ـ ٦٧٢.

٢٤٨

الضريبة المحصلة من وضع الباب العالي ، بل فرضها مجلس إدارة قصبة النجف بشكل خاص على الإيرانيين ، ويرى أحمد وفيق أفندي أنه لو ألغيت تلك الضرائب التي يصعب تفسير شرعيتها سيكون لذلك دور كبير في تقليل تلك الشكاوى.

أما الشكوى الرابعة للزوار والتجار فهي تحصيل ضريبة «أجرة المرور «عند المرور من بعقوبة وخور بغداد في وقت الجفاف ـ بالرغم من أنهم يعبرون من مجرى المياه الجافة بسهولة دون استخدام القوارب أو الجسور في وقت الجفاف ـ ، واقترح أحمد وفيق أفندي أيضا إلغاء تلك الضريبة غير الرائجة.

أما الشكوى الخامسة للزوار والتجار فهي بخصوص إيجار القبور في النجف وكربلاء ، فقد كان الإيرانيون يقومون بتأجير القبور في النجف وكربلاء لأنفسهم أو لأقاربهم حال حياتهم ، وكان يوجد سعر محدد من الدولة لإيجار تلك القبور ، إلا أن متولى أمور القبور كانوا يطلبون أموالا أكثر من التي حددتها الدولة ، وقد ثبت أن هؤلاء المتولين طلبوا مصاريف إيجار في غضون الأربع أو الخمس سنوات الماضية وصلت إلى عشرة آلاف قرش ، وطبقا لما أوضحه أحمد وفيق أفندي فقد ورد في الرسالة التي أرسلت إلى ميرزا جعفر خان السفير الإيراني أنه طلب في إيجار القبر الواحد في بدايات عام ١٨٤٠ م من ألفين إلى ثلاثة آلاف قرش ، وأوضح أحمد وفيق أفندي أنه يرسل كل عام من إيران ما يقرب من ألف نعش ، وأن الأموال المحصلة من ذلك لم تذهب إلى خزانة الدولة بل حصلت لحساب خدام القبور والمتولين ومجموعة من الأعراب ، اقترح عمل تنظيم جديد لهذا الأمر.

أما الشكوى السادسة فموضوعها المنازل والاستراحات التي يقيم فيها التجار والزوار أثناء رحلاتهم ، فتؤجر تلك الخانات والمنازل والحوانيت التي يدعي الإيرانيون أنهم هم الذين بنوها بزيادة واضحة كل

٢٤٩

عام ، وكما أن الزوار لا يستطيعون الإقامة هناك بدون أجرة ، فإنهم أيضا كانوا يشترون احتياجاتهم من الطعام والحطب وغيره بأسعار باهظة ، وعلى هذا كانت بعض تلك المنازل والخانات تدار من قبل الإيرانيين ولذا فقد كان الإيرانيون الذين يديرون المنازل يستغلون الزوار الإيرانيين وكان التأثير السلبي لهذا الاستغلال ينعكس على العلاقات العثمانية الإيرانية ، ويذكر أحمد وفيق أن تلك المشكلة قد ظهرت قبل إدارة التنظيمات ، ولكن بعد تطبيق التنظيمات أوصت الإدارة بإزالة كل تلك الشكاوى تماما أو تقليلها على الأقل ، وطالب بعدم أخذ إيجار من نزلاء الخانات ، وبيع الاحتياجات اليومية بأسعار مناسبة.

أما النقطة السابعة التي كانت مثارا للشكوى فكانت تتعلق بتحصيل ضرائب من الإيرانيين مقابل أخذهم حجر النجف من مقام المسبحة الذي يعد مقدسا عند كل الإيرانيين (١). وأوضح أن إيران تقدمت بطلب بعدم تحصيل تلك الضريبة ، وأوضح أحمد وفيق أنه يجب إعادة النظر في هذا الأمر.

أما موضوع الشكوى الثامنة فكان بخصوص قيام بعض موظفي الجمرك بتحصيل ضرائب عن أمتعة الزوار حتى ملابسهم ، في حين أنهم كانوا لا يدفعون أية ضرائب عن أمتعتهم الخاصة ، وأوضح أحمد وفيق أن إرسال رسالة واحدة للولاية في هذا الأمر سيكون كافيا لحله.

أما المادة التاسعة فكانت تتعلق بكيفية النظر في دعاوى الرعايا الإيرانيين الذين يعيشون في كربلاء والمناطق الأخرى من بغداد ، وكيفية

__________________

(١) يعتقد الشيعة أن تراب النجف وكربلاء مقدس ، ويضعون على سجادات الصلاة الأحجار التي يصنعونها من الأحجار التي تسمى أحجار النجف أو من التراب المقدس ، ويسجدون عليها. كما يعدون تراب كربلاء أيضا مقدسا. ويرغبون في إحضار جزء منه عند زيارتهم لها.

٢٥٠

التعامل مع أموال المتوفين منهم ، وقد طالب الإيرانيون بأن ينظر اثنان من العلماء الإيرانيين في أية دعاوى بين اثنين من الإيرانيين ، وأوضح أحمد وفيق أنه ليس هناك مانع من نظر العلماء الإيرانيين في الدعاوى التي تنشأ بين الإيرانيين طالما أن مضمونها لن يضر بالدولة العلية ، أما رأيه بالنسبة للأملاك المنقولة التي يتركها أي متوفّ إيراني ، فإنه يرى عدم تدخل الإدارة العثمانية فيها ، أما الأملاك غير المنقولة فسيكون من الأنسب لمصلحة الدولة أن يتولى إدارتها الضباط الموجودون في البلدة طبقا للأصول المتبعة.

أما النقطة العاشرة فكانت بخصوص تحصيل أموال من الزوار طوال فترة انتظارهم أثناء تطبيق الحجر الصحي في بعض النقاط بسبب انتشار مرض الكوليرا (١).

وقد أوضح أحمد وفيق أفندي أن تطبيق تلك المقترحات سيكون مساعدا للدولة في تأسيس علاقات طيبة مع الإيرانيين ، لأن ذلك سيكون لصالح تعايش الدولة العثمانية التي اضطربت من التقارب الروسي الإيراني بشكل جيد ، ولفت الانتباه إلى ضرورة منع تحصيل الضرائب القديمة وتحقيق الأمن وعدم إزعاجهم بالضرائب غير المشروعة.

وقامت ولاية بغداد بمراسلات عديدة في هذا الموضوع وبإخطار مركز الدولة بأنها ستحمي الزوار الإيرانيين عند قدومهم إلى بغداد وستعمل على استتباب الأمن وستعيد النظر في موضوع الضرائب ، وسوف تهتم بتلك الأمور مستندة في ذلك على أفكار وآراء أحمد وفيق باشا ، وقد أظهرت تلك المراسلات تأثيرا كبيرا فقد قامت ولاية بغداد بعمل مساع إيجابية تتعلق بأمن الزوار والتجار ومشكلة الضرائب ، كما طلب الباب العالي في المراسلات التي قام بها إرسال خطابات لولاة

__________________

(١) BOA ,I.Hr ٤٥٥٥ / ٧.

٢٥١

أرضروم وطرابزون الواقعتين على طريق الإيرانيين لكي يظهروا اهتماما أيضا بالأمر (١).

ومن الواضح أن ولاية بغداد اهتمت بآراء أحمد وفيق أفندي وسعت لتطبيقها في بعض النقاط ، وحقيقة الأمر أن ولاية بغداد عملت بعض المساعي قبل تحركها طبقا لآراء السفير العثماني في إيران ، ومن ذلك على سبيل المثال قيام الولاية بجهود في معاقبة الأشخاص الذين قاموا بسرقة أموال التجار الإيرانيين في عام ١٨٥٣ م ، ودفع تعويضات لهولاء التجار (٢) ، وقد زادت ولاية بغداد من فاعليتها بعد مقترحات أحمد وفيق أفندي ، ومن الواضح أن المقترحات التي قدمها أحمد وفيق أفندي كان لها تأثير على التنظيمات المتعلقة بتأمين أمن أموال وأرواح التجار الذين يعملون بين إيران وكربلاء ، وعدم تحصيل بعض الضرائب منهم (٣) ، وعدم تحصيل ضريبة الإعانة السلطانية عن الفترة المؤقتة التي يقيم فيها الإيرانيون في النجف وكربلاء (٤).

وقد استمرت الدولة العثمانية في عمل تنظيماتها المتعلقة بالتجار والزوار في عامي ١٨٥٥ ـ ١٨٥٦ م بهدف تحسين علاقاتها مع إيران ، وفي سبيل ذلك قررت عدم تحصيل العديد من الضرائب من الزوار والتجار الإيرانيين عام ١٨٥٥ م ، وتضمنت التنظيمات الجديدة الإعفاء من الضرائب غير اللائقة مثل ضريبة اليد الأمين وغيرها ، ويمكن أن تصل كمية هذه الضرائب الملغاة من أربعين إلى خمسين مليون قرش. وكان يجب الاهتمام بعدم إضرار هذا الفاقد في الدخل ببدل المقاطعات ،

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٠٥١ / ٩٧ ,٢١ R ٠٧٢١.

(٢) BOA ,A.MKT.UM ٨٣١ / ٠٣ ,٠٢ N ٩٦٢١.

(٣) BOA ,A.MKT.UM ٠٥١ / ٩٧ ,٢١ R ٠٧٢١.

(٤) BOA, A. MKT. UM ٣٥١ / ٣, ١ C ٠٧٢١; A. MKT. UM ١٥١ / ٠٧, ٨ Ca ٠٧٢١.

٢٥٢

وتباحث مجلس الوالا في هذا الأمر ، وأخطرت نظارة المالية مجلس الوالا بأنها ستقدم أفكارها في هذا الأمر بعد قدوم دفاتر مناقصة بغداد لعام ١٨٥٣ م ، الأمر الذي جعل مجلس الوالا يرجئ التباحث في الأمر لحين ورود المعلومات المطلوبة (١) ، ومن الواضح أنه بحلول عام ١٨٥٦ م ظهر اهتمام بخصوص الإجراءات السابقة ، وقد ذكر في الوثائق أنه خلال تلك السنة أظهرت الدولة جهودا مضنية لإيجاد الأموال المسروقة من الحجاج الإيرانيين وعمل تسهيلات للتجار الإيرانيين (٢) وهذا يظهر أن الأعمال والمساعي السابقة قد آتت أكلها.

وثمة نقطة أخرى كانت مثارا لشكوى الزوار الإيرانيين وهي قيام الدولة العثمانية باستخدام النزل الموجودة على الطريق لراحة الزوار أثناء الرحلة في أغراض أخرى غير المخصصة لها ، من ذلك على سبيل المثال النّزل الموجود في خانقين والذي كان يدعى بأن شاه إيران هو الذي قام ببنائه للزوار الإيرانيين ، وطبقا للادعاءات الإيرانية فقد استخدمت الحكومة العثمانية هذا المبنى الموقوف كمحجر صحّي عام ١٨٥٩ م وعينت مديرا عليه ، وبعد عام من هذا أجابت الحكومة العثمانية عن كل شكاوى الزوار الإيرانيين الخاصة بهذا النزل ، وأوضحت أنه لا توجد أية وثيقة تدل على أن هذا المبنى موقوف لذا فهو ملك للدولة ، وقد خصصته الدولة ليكون محجرا صحيّا واستمر المبنى على حاله كمحجر صحي (٣).

وقد اهتمت الحكومة العثمانية بترميم وإصلاح الجسور لتسهل على الإيرانيين رحلاتهم ، وكان الموظفون العثمانيون يتقاضون ٧٥ باره من الزوار الذين يريدون عبور القنوات الموجودة في الكوفة ، وحتى لا يكون

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٠٥٢ / ٩٧ ,٩٢ Z ٢٧٢١.

(٢) BOA ,A.MKT.UM ٧٨٢ / ٩٢ ,٦١ ZA ٣٧٢١.

(٣) BOA ,A.MKT.UM ٥٣٤ / ٩١ ,٣٢ R ٧٧٢١.

٢٥٣

هناك ظلم للزوار الإيرانيين وحتى لا يصيبهم مكروه أمر والي بغداد بصنع جسر خشبي يتكلف ٢٥ ألف قرش ، ولكن تم البدء في تحصيل أجرة مرور الجسر من الزوار الإيرانيين ، ولهذا قامت إيران ببناء جسر جديد على القناة بواسطة الإيرانيين الموجودين في المنطقة ، وقبل أن تعترض الحكومة العثمانية على تصرف إيران هذا نبهت إداريي بغداد الذين كانوا سببا في وصول الأحداث إلى تلك الأبعاد (١).

لم ينته التوتر الإيراني العثماني فقد كانت مشكلة الأراضي والأملاك الموجودة في أيدي الإيرانيين الذين يعيشون في كربلاء أو الإيرانيين الذين انتقلوا إلى التبعية العثمانية من المشكلات الواقعة بين الدولتين ، فقد كانت الدولة العثمانية قلقة من امتلاك المجاورين أو الرعايا الإيرانيين أو الإيرانيين الذين انتقلوا إلى التبعية العثمانية في كربلاء أملاكا في المنطقة التي كان يمثل الشيعة ٩٠% من أهالي كربلاء معظمهم من رعايا الدولة العثمانية ، وكانت إيران تسعى لبسط نفوذها على المنطقة بفضل رعاياها والرعايا العثمانيين ذوي الأصول الإيرانية الذين يمتلكون معظم الأراضي ، وكانت الدولة العثمانية تخشى ظهور مشكلات جديدة باستخدام إيران أملاك الشيعة الموجودين في المنطقة وسيلة لهذا وادعاء أحقيتهم بالمنطقة.

وقامت الدولة العثمانية ولأول مرة بطرح هذا الموضوع على جدول الأعمال عام ١٨٤٤ م ، حيث خططت لشراء تلك الأراضي والأملاك الخاصة بالإيرانيين في تلك المناطق لإنقاذ نفسها من تلك المخاوف التي تحدثنا عنها ، إلا أن والي بغداد زعم أن شراء تلك الأراضي بأثمان باهظة سيكون مرهقا للخزانة بسبب تأثيرات حادثة كربلاء الكائنة فيها من ناحية وقيام الدولة بدفع تعويضات للأهالي المظلومين من جراء تلك الحادثة

__________________

(١) BOA ,A.DVN.DVE ٠٢ / ٤٩ ,٩٢ Ra ٦٦٢١.

٢٥٤

من ناحية أخرى ، ولهذا السبب أخبر والي بغداد ناظر المالية بالضائقة التي ستحدث من جراء شراء تلك الأراضي والأملاك ، وبخلاف تلك الضائقة المالية التي ستحدث كان الوالي يشعر بقلق من تأخير تعديل العلاقات مع إيران بسبب شراء تلك الأراضي من الإيرانيين في وقت كانت العلاقات الإيرانية العثمانية فيه مضطربة ، ولهذا سعت الدولة العثمانية في البداية للاستيلاء بواسطة رعاياها العثمانيين على الأملاك غير المنقولة التي يمتلكها الإيرانيون في كربلاء وبغداد وذلك لإعاقة التأثيرات المحتملة.

وكانت هناك مساع في المكاتبات التي تمت أثناء عمل تلك الإجراءات لعمل بعض التنظيمات القانونية لإعاقة أي تأثير قد يحدث من إيران ، ولم تستطع الدولة العثمانية معاملة الإيرانيين كأجانب بسبب خاصية المنطقة ، حيث كان يجب عليها اتباع معاملة خاصة مع الأهالي الذين يعيشون هناك لأن المنطقة مقدسة عند المسلمين جميعا وعلى رأسهم الشيعة ، ولم تجعل الدولة العثمانية أهالي كربلاء الذين تعاملهم معاملة خاصة من رعايا الدولة ، وذلك لأن الأهالي الإيرانيين الموجودين في المنطقة أصبحوا مرتبطين بإحكام الهوية الإيرانية نتيجة للمساعي الإيرانية في هذا الشأن ، ومن هنا بدأت الدولة العثمانية جهودها في إقحام الإيرانيين في نظام «الأجانب» الذي تشكل في الدولة العثمانية من أجل غير المسلمين ، لا سيما وأن استخدام الدولة العثمانية لتعبير «الرعايا الأجانب والأهالي الإيرانيين» في المكاتبات التي تمت بين البلدين في الفترة من عام ١٨٤٤ إلى عام ١٨٤٩ م كان بمثابة أول خطوة لها في توضيح وضع الإيرانيين ، أما ثاني خطوة في هذا الأمر فكانت من عام ١٨٥٨ م وبدأت الدولة العثمانية في تعريف الإيرانيين بأنهم «أجانب».

وقد استمرت المكاتبات التي تمت بين الباب العالي وولاية بغداد بخصوص الجهود التي بدأتها الدولة والمتعلقة بالأملاك والأراضي من

٢٥٥

عام ١٨٤٤ وحتى عام ١٨٤٦ م ، وقد حدثت مشكلة في هذا الموضوع عام ١٨٤٦ م ، فقد أوضحنا سابقا أنه كانت توجد للأمراء الإيرانيين الذين يقيمون في الأراضي العثمانية بإذن من الدولة أبنية وحوانيت ومنازل في كربلاء وبغداد ، وكانت الحكومة العثمانية تغمض عينها سياسيّا عن تلك الأراضي والأملاك التابعة لهولاء الأمراء ، إلا أن هذا التصرف الذي قامت به الدولة العثمانية لم يقبله الإيرانيون القاطنون في المنطقة ، بسبب التفرقة في المعاملة بين الأمراء والأهالي ، وذلك لأن الإيرانيين القاطنين في المنطقة لا يعرفون أن هؤلاء الأمراء تحت حماية الدولة العثمانية ، وبالرغم من أن الدولة العثمانية منعت الإيرانيين من امتلاك أراض وأملاك في الدولة إلا أنها سمحت للأمراء الموجودين تحت حمايتها بامتلاك الأراضي وممارسة كل الحقوق المتعلقة بذلك من بيع وشراء وغيره كي تستخدمهم كأداة سياسية عند الحاجة.

وقد اقترح والي بغداد على مجلس الوالا أن تتبع نفس المعاملة مع الأشخاص الذين استقروا في بغداد ونواحيها منذ ٤٠ ـ ٥٠ عاما ، وانتقلت أملاكهم إلى أبنائهم بالإرث ولديهم الرغبة في أن يكونوا رعايا عثمانيين ، لأنه بتلك السياسة سيكون هناك حث وترغيب على الدخول في التبعية العثمانية من ناحية وتقليل عدد الإيرانيين في المنطقة من ناحية أخرى ، وأسفرت المباحثات التي تمت في مجلس الوالا عن إصدار قرار بعدم مس الأراضي والأملاك الخاصة بالأشخاص الذين سينتقلون إلى التبعية العثمانية ، أما أراضي وأملاك الأمراء فسيتم التعامل معها بشيء من الليونة (١) ، وبعد التباحث مع نظارة الخارجية في هذا الأمر أخطر والي بغداد بنفس القرار ، إلا أن ولاية بغداد لم تتمكن من نزع الأراضي والأملاك الموجودة في كربلاء من أيدي الإيرانيين ، الأمر الذي جعل

__________________

(١) BOA ,A.AMD ٢ / ١٦ ,٦٢ Z ٣٦٢١.

٢٥٦

نفس الموضوع يطرح من جديد على جدول الأعمال عام ١٨٤٨ م ، وأمرت الحكومة بالتعليمات التي أرسلتها لمديرية أوقاف بغداد ببيع كل الأراضي والأملاك التي يمتلكها الأجانب أو الإيرانيون في بغداد وكربلاء والنجف والإمام موسى والبصرة في غضون ثلاثة أشهر للدولة أو لرعاياها ، وبخصوص هذا الموضوع صدرت التعليمات التالية لأدهم أفندي الذي كان يشغل منصب مدير أوقاف بغداد في تلك الفترة :

١ ـ انتقلت معظم المنازل والحوانيت والحدائق والبساتين الموجودة في كربلاء إلى أيدي الإيرانيين ، وهذا وضع يخالف النظام أي يفسده ، ويجب التحقيق مع هؤلاء الأشخاص وبيع الأشياء المذكورة للدولة العثمانية أو لرعاياها ، وقد أرسلت نظارة الأوقاف في عام ١٨٤٤ م تعليمات لوالي بغداد ومدير أوقاف بغداد حتى يتمّ التمكن من إتمام هذا الأمر بأمان ليتحرك طبقا لتلك التعليمات السابقة.

٢ ـ إن امتلاك الرعايا الأجانب والإيرانيين الأراضي في الدولة العثمانية محظور شرعا وعهدا وشرطا وقانونا ، إلا أن التصرفات السفيهة لمديرية أوقاف بغداد ، وتصرف مديري أوقاف بغداد بشكل يخالف القانون ، كان سببا في انتقال الأراضي والأملاك الواقعة في بغداد وما حولها إلى حوزة الرعايا الأجانب والإيرانيين على وجه الخصوص ، فقد تمّ تكليف والي بغداد بتطبيق هذا الأمر بما يتوافق مع القانون ، وسيعمل مدير أوقاف بغداد على حل المشكلة طبقا لأوامر الوالي.

٣ ـ إن مطالبة الإيرانيين ببيع أملاكهم غير المنقولة في فترة قصيرة سيؤدي لحدوث ردود فعل عنيفة ، وهذا الأمر سيأخذ فترة طويلة ستمتد إلى عام ، وسيتم اتباع نفس المعاملة أثناء البيع والشراء مع الرعايا الإيرانيين والرعايا الأجانب ، ولو رفض أصحاب تلك الأراضي بيعها ـ برغم وجوب شراء أراضيهم ـ فسيتمّ منحهم أعلى سعر لتلك الأملاك ، وذلك حتى يتمّ تفادي أي نوع من الاضطرابات أثناء القيام بتلك

٢٥٧

الإجراءات ، وسيسعى الموظفون لإقناع أصحاب تلك الأملاك وحثهم على بيعها.

٤ ـ طلب الإيرانيون الذين استقروا في بغداد ونواحيها منذ ٤٠ ـ ٥٠ عاما أن تتم معاملتهم خارج هذا القانون لأنهم أصبحوا رعايا عثمانيين ، وهؤلاء الأشخاص يمكن التصرف معهم خارج هذا القانون لأنهم يعيشون في الأراضي العثمانية منذ فترة طويلة ، إلا أنه يجب ضمان انتقالهم للتبعية العثمانية حتى لا يكون هذا مخالفا للقانون ، ولن يجبر على بيع الأملاك من وافقوا على الدخول في تبعية الدولة العثمانية وأقروا بأنهم لن يعدلوا عن قرارهم هذا.

٥ ـ لأن الأمراء الإيرانيين في وضع الأجانب ، فإنه من غير المناسب شراء أملاكهم وأراضيهم ، ولكن نظرا لوضعهم الخاص في الأراضي العثمانية ، فستغض الدولة نظرها عن أملاكهم وأراضيهم ، وستغمض عينها عنهم.

٦ ـ سيعمل والي بغداد ومدير الأوقاف بشكل مشترك في هذا الأمر ، وسيسعون لتأسيس نظم وأصول دائمة.

٧ ـ يجب إرسال كل المعلومات الخاصة بهذا الشأن إلى مركز الدولة وسيتم تقديم معلومات للمركز بخصوص كمية الأموال المباعة في المنطقة وعلى أي شيء حددت قيمة تلك الأملاك ، وأوضاع الأبنية التابعة للأوقاف في تلك الأملاك المباعة ـ كالأبنية الكبيرة مثل العمارات ـ وكيفية التعامل مع تلك الأبنية. وفي نهاية التعليمات أمر بتدوين قيمة تلك الأملاك والأوقاف في دفاتر وتوضيح قيمتها ودخلها السنوي ثم إرسالها إلى مركز الدولة (١).

ومع نهاية العالم التالي لتلك التعليمات الموضحة ، قام الرعايا

__________________

(١) BOA ,A.AMD ٩٧١ / ٢١ ,١١ R ٥٦٢١.

٢٥٨

الإيرانيون الذين لا يريدون بيع أملاكهم في منطقة كربلاء ومناطق بغداد الأخرى بوقفها لبعض الأماكن المقدسة ، وكما أن وقف الإيرانيين لأملاكهم بدلا من بيعها للعثمانيين يمكن أن يقيّم على أنه ردّ فعل لهذا التطبيق ، فكان يمكنهم أي الإيرانيين الاستفادة من تلك الأملاك بصفتهم واقفيها ، وبعد فترة مؤقتة استمرت لمدة عام أعطى والي بغداد ومدير الأوقاف مهلة ثلاثة أيام للإيرانيين الذين لم يخرجوا أملاكهم من حوزتهم لبيعها خلال تلك الفترة ، ولهذا أرسلت السفارة الإيرانية رسالة للحكومة العثمانية بأن رعاياها لن يتمكنوا من بيع أملاكهم بقيمتها الحقيقة في غضون تلك الفترة القصيرة ، وفي تلك الأثناء أوصى ممثل الدولة العثمانية في إيران والي بغداد بعدم التعجل في الأمر ، وضرورة انتظار وصول المعلومات المتعلقة بالأملاك الإيرانية إلى استانبول ، والتحرك بعد ذلك بما يتوافق مع القرار الذي سيتم اتخاذه من قبل مركز الدولة (١).

وقد استمرت المساعي الإيرانية في هذا الموضوع ، ولهذا نبهت الحكومة العثمانية بأن السفارة الإيرانية لن تستطيع التدخل في كل الأملاك الخاصة بالدولة العثمانية قانونا بسبب حظر تملك الأجانب أملاكا في الدولة ، وأيضا لن تستطيع التدخل في عقارات وأملاك الإيرانيين الذين كانوا رعايا إيرانيين ثم انتقلوا إلى التبعية العثمانية ووافتهم المنية (٢).

كما كانت هناك توصيات أخرى لممثل الدولة العثمانية في إيران وقام مجلس الوالا بدراستها ووجدها مناسبة. وطبقا لتلك التوصيات تم السماح بترميم المنازل والخانات الخاصة بالإيرانيين حتى يتم التمكن من بيعها (٣).

__________________

(١) BOA ,HR.MKT ٢٣ / ٦٧ ,٠١ C ٦٦٢١.

(٢) BOA ,A.MKT.NZD ٧٢ / ٤ ,٩ C ٧٦٢١.

(٣) BOA ,I.MV ٦٢٦٨ ,Lef : ١ ,١١ B ٨٦٢١.

٢٥٩

وعندما تقرر بيع الأملاك التابعة للإيرانيين في منطقة بغداد وما حولها عام ١٨٤٤ م لم يظهر لها أي مشترين لكونها خربة بالرغم من أنه تمّ تجديد بعضها ، وكانت الحكومة العثمانية تسأل والي بغداد ومدير الأوقاف عن السبب في هذا الأمر باستمرار (١) ، كما كانت الضرائب مشكلة أخرى تتعلق بالأملاك والأراضي ، فقد كان يتم تحصيل ضريبة ٢ طومان لولاية بغداد عن كل منزل من منازل المجاورين والأهالي الإيرانيين الذين استقروا في بغداد والعتبات ، وشكا القنصل الإيراني من تطبيق تلك الضريبة التي كانت قد ألغيت من قبل ، وأخبر والي بغداد باعتراضه ، فأوضح والي بغداد أن الدولة تحصل من كل رعاياها ضريبة محددة نظير حمايتها لأرواحهم ومنازلهم ، ويتم تحصيل نفس الضريبة من الإيرانيين والمجاورين الذين يعيشون في كربلاء والعتبات الأخرى منذ فترة طويلة نظير حمايتها لهم وتوفير احتياجاتهم.

أما الحكومة العثمانية فقد اتبعت سياسة أكثر تناسبا ، وأخبرت والي بغداد بأنه ليس من المناسب التصرف بشكل مختلف في تطبيق الضريبة بالنسبة للإيرانيين والرعايا الأجانب الآخرين (٢) ، وأخبر القنصل الإيراني الحكومة العثمانية بالموضوع مجددا في رسالة أخرى بتاريخ ٢٣ فبراير ١٨٥٣ م (١٤ جماد الآخر ١٢٦٩ ه‍) ، إلا أن الحكومة العثمانية اعتبرت هذا الأمر تدخلا في شؤونها الداخلية ، وذكرت إيران بأنها لا يمكنها الاعتراض إلا على الأمور المتعلقة بشؤون التجار والزوار القادمين إلى الأراضي العثمانية من إيران ، وأخطرت القنصل الإيراني بشكل رقيق بأنه ليس له الحق في التحدث في الأمور المتعلقة بأملاك المجاورين أو الرعايا الإيرانيين الذين يعيشون داخل حدود الدولة العثمانية ، وأوضحت

__________________

(١) BOA, A. MKT. MVL ٥٥ / ٤, ٤٢ L ٨٦٢١; I. MV ٦٢٦٨, Lef : ٢, ٦ C ٨٦٢١.

(٢) BOA ,HR.MKT ٤٦ / ٤٣ ,٥٢ Z ٩٦٢١.

٢٦٠