كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

العسكرية (١) ، وقد انعكس هذا التوتر على المنطقة الحدودية ، وبدأت تسمع بعض الأخبار عن حدوث مصادمات في بعض القرى الحدودية في ١٢ أكتوبر عام ١٨٤٣ م (٢).

ونتيجة لسير المباحثات بشكل إيجابي بدأت الدول الأربع المشاركة في المباحثات تخطو خطى إيجابية لعدم ازدياد تلك الأخبار ولإنهاء حالة التوتر ، وكانت الدولة العثمانية أول من خطا الخطوة الأولى حيث أوضحت أنها ستستمر في قبول القادمين من إيران إلى كربلاء أو العتبات الأخرى للزيارة أو التجارة ببعض الشروط إظهارا منها لنيتها الحسنة (٣).

وبضغط من روسيا وإنجلترا أرسلت الدولة العثمانية تحذيرا إلى نجيب باشا ، واتفقت الدول الأربع على أن تحتفظ الدولة العثمانية بمضمون هذا التحذير ولا تطلع أية دولة من الدول المشاركة في المباحثات عليه ، أما إذا أرادت الدولة العثمانية إطلاع الدول المشاركة عليه فيمكنها حينئذ تسجيله في ملاحظات المباحثات (٤) ، وهذا هو ملخص التحذير المرسل إلى نجيب باشا : «إن عدم اتخاذ الإجراءات الكافية أثناء سوق الجنود إلى كربلاء في بعض الموضوعات كقتل بعض الأبرياء وظهور بعض حالات النهب وإلحاق الضرر بالأضرحة التي تهم المسلمين سواء أكانوا سنة أم شيعة دعا لأن تحذركم الدولة من التقصير في حماية الزوار الإيرانيين وتنظيم الشؤون المتعلقة بالأحداث في الولاية والتعامل بشكل طيب مع القناصل والسفراء الأجانب ، وعدم القيام بأي تحرك عسكري طالما أن الدولة لم

__________________

(١) BOA, I. MSM ٨٣٨١, Lef : ٢, ٧٢ Ca ٩٥٢١) ٥٢ Haziran ٣٤٨١ (.

(٢) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ٣ ,٠٢ ـ ٠٣ Temmuz ٩٥٢١.

(٣) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ١ ve Lef : ٦.

(٤) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ٧.

٢٢١

تأذن به ، كما تحذركم الدولة من القيام بأية تصرفات غير لائقة قد تكون سببا في الشكوى أو إفساد العلاقات مع إيران ، وإذا حدث منكم تقصير في ذلك فلن تتردد الدولة في عزلكم» (١).

وبناء على تلك التحذيرات التي تلقاها نجيب باشا أخبر الحكومة بأنه سيسعى لحماية أموال وأرواح الزوار والتجار الإيرانيين كما كان سابقا ، وذلك حتى لا يبدو متهما بشكل أكبر من ذلك. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى لم يتوان نجيب باشا في تحذير وتنبيه الدولة من الخطر الإيراني وذلك من خلال التقرير الذي أرسله إلى الباب العالي ، الذي ورد فيه ما يلي :

«إن دولة إيران تريد أن تسيطر على بغداد معنويّا ، والزوار والرعايا الإيرانيين في الأراضي العثمانية هم أصل تلك المشكلات ، من ناحية أخرى أوضح أن القنصليات الإيرانية التي طلب إنشاؤها في المراكز المختلفة ستكون مراكز للفتنة والفساد ، وستعمل على ازدياد النفوذ الإيراني» (٢).

وقد قلنا من قبل إنه قد حصل نوع من الوفاق الدولي على أن يكون خطاب التحذير المرسل لنجيب باشا سرّيّا ، وبالرغم من ذلك وصل الخطاب إلى يد السفير الإنجليزي والسفير الروسي ، وكان ذلك سببا في ظهور ردّ فعل الحكومة العثمانية.

أما الاتهام الآخر الذي وجه لنجيب باشا فكان بخصوص إطلاقه سراح أحمد باشا متصرف بابان مقابل الرشوة التي حصل عليها من أخيه عبد الله بك ، وأوضح نجيب باشا أنه لم يقبل هدايا لا من عبد الله بك ولا من غيره (٣).

__________________

(١) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ٣.

(٢) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ٣.

(٣) BOA ,I.MSM ٦٣٨١ ,Lef : ٨ ,S R ٩٥٢١.

٢٢٢

وبعد تلك الاتهامات رأت الدولة العثمانية ضرورة طرح موضوع عزل نجيب باشا على مائدة المفاوضات ، واقترحت استدعاءه إلى أرضروم ليدلي بمعلوماته عن حادثة كربلاء (١).

لقد بذلت إنجلترا وروسيا وإيران جهودا كبيرة في إلحاق تلك الاتهامات بنجيب باشا ، وعزله من وظيفته ، وبالرغم من ضغط الدول الثلاث لم تعزله الدولة العثمانية من وظيفته ، ورأت أن ما قام به من صميم وظيفته ، ولكنها بعد ذلك اضطرت لعزله من وظيفته في عام ١٨٤٧ م وذلك لأنها كانت على وشك توقيع معاهدة أرضروم ، وكانت ترغب في الحصول على تعويضات في موضوعات أخرى ، ولم تكن ترغب في إطالة فترة الخلاف مع الأطراف المشاركة في المباحثات.

٣ ـ معاهدة أرضروم ١٨٤٧ م

استمرت المباحثات التي عقدت في أرضروم بعد حادثة كربلاء عام ١٨٤٣ م حتى عام ١٨٤٧ م ، وقد شارك فيها من الجانب العثماني أنوري أفندي وبكير باشا وكامل أفندي (رئيسا للكتاب) ورشدي باشا (مترجما) وزاعم أغا (كتخدا) ، أما الجانب الروسي فكان يتكون من مسيو تيتوف والعقيد داينس وبرسفيركوف (كاتبا) وموفكين (كاتبا) ، أما إنجلترا فمثلها الكولونيل وليامز وروبرت كروزون وريد هاوس (مترجما) وجوزيف ديكسون ، وصوهراب ، أما من الجانب الإيراني ميرزا تقي خان وميرزا أحمد خان (رئيس كتاب وكتخدا) وميرزا أحمد خان فرحاني وجيراغ علي زنجنه كما انضم أيضا للمباحثات جان داود مسيحي (٢) ، وبعد مباحثات استمرت أربع سنوات اتفقت الأطراف المشاركة على معاهدة تتكون من

__________________

(١) BOA ,I.MSM ٩٣٨١ ,Lef : ٨ ,٤١ S ٩٥٢١.

(٢) Ibrahim Aykun," Osmanll ـ Iran Iliskilerinden Diplomatik Bir Kesit", Osmanli,) editor : Guler Eren (, Ankara ٩٩٩١, I, ٥٩٦.

٢٢٣

٩ بنود ، وسلمت نسخة منها للدولة العثمانية ونسخة لإيران لمراجعة نتائجها بشكل نهائي ، وقد اعترض الباب العالي على توقيع تلك المعاهدة لأنها لم تتفق مع مطالب العثمانيين ، ولذا أخبر عالي باشا ناظر الخارجية العثماني السفيرين الإنجليزي والروسي في ٣ مارس عام ١٨٤٧ م بأنه يجب مراجعة بنود المعاهدة قبل توقيعها وذلك لأن بعض بنودها مبهمة.

كان عالي باشا يريد بهذا الإخطار مراجعة بنود المعاهدة حتى لا تخلّ بسيادة الدولة العثمانية على المحمرة ، وذلك مقابل التعويضات التي قدمتها الدولة العثمانية لإيران ومن تعرضوا للضرر في كربلاء ، ولأنه كان يريد أن تشارك إنجلترا في مراجعة تلك البنود مع الجانب العثماني بدأ ويلسيلي السفير الإنجليزي في استانبول في بدء مباحثاته في هذا الشأن ، إلا أنه ألقى بالموضوع إلى بالمرستون ليكسب تلك المطالب الشرعية ، وأجاب بالمرستون بأنه سيساعد الدولة العثمانية في الموضوعات التي تشكو منها (١).

لقد كانت إنجلترا في بادىء الأمر تتخذ موقفا حياديّا في المباحثات إلا أنها لما رأت إيران وروسيا تتخذان موقفا موحدا في المباحثات وكأنهما دولة واحدة قررت إنجلترا الوقوف إلى جانب الدولة العثمانية ، وبعد ما قامت إنجلترا بمراجعة المواد التي أقلقت الدولة العثمانية قامت الدولة العثمانية وإيران بالتوقيع عليها في ٤ أبريل ١٨٤٧ م الموافق ١٦ جمادى الأول ١٢٦٣ ه‍ وكانت المعاهدة تتكون من تسعة بنود نلخصها فيما يلي :

١ ـ اتفقت الدولتان الإسلاميتان على التخلي عن كل الأموال التي طلبتاها من بعضهما حتى ذلك الوقت ، إلا أن المطالب الموجودة في المادة الرابعة سيتم تسويتها بتلك المعاهدة ، وستتفق مع تلك الأحكام.

__________________

(١) Nasiri ,a.g.t.,s.١١.

٢٢٤

٢ ـ اتفقت الدولتان على أن تأخذ الدولة العثمانية المنطقة الجنوبية الغربية من سنجق زهاب ، وأن تأخذ إيران المنطقة الجنوبية الشرقية منه وصحراء جراند ، أما مدينة السليمانية وسنجقها فهو ملك للدولة العثمانية وتتعهد إيران بأنها لن تتخذ أي إجراء مخالف لذلك ، كما تتعهد الدولة العثمانية بسيادة إيران على الأراضي الواقعة يسار المحمرة وشط العرب وجزيرة الخضر ولنكركاه وكذا العشائر الموجودة في الأراضي الإيرانية ، وستتمكن السفن والقوارب الإيرانية من الدخول والخروج بحرية في نهر دجلة بداية من المكان الذي يلتصق فيه شط العرب بالبحر وحتى المكان المبين على أنه حد المنطقة.

٣ ـ تخلت الدولتان بموجب المعاهدة عن الادعاءات بأحقيتهما في المنطقة وهذا بخلاف الأراضي الممنوحة لهم بموجب المعاهدة ، كما يتعهد الموظفون والمهندسون من الطرفين بأنهم سيوافقون على المعاهدة وعلى قرارات الحدود المرسومة بين الدولتين بموجب المعاهدة.

٤ ـ تقرر تعيين موظفين من الجانبين للنظر بشكل عادل وقانوني في مشكلات الضرائب والأضرار التي حدثت عند الجانبين بموجب اتفاقية الصداقة الموقعة بين الدولتين في جمادى الآخرة ١٢٦١ ه‍.

٥ ـ تتعهد الدولة العثمانية بتوطين الأمراء الإيرانيين الفارين في بروصة وألا تمنعهم من مغادرة هذا المكان كما تعهدت الدولتان برد الفارين الآخرين.

٦ ـ سيتم تحصيل الضرائب التجارية من التجار القادمين من إيران طبقا للأصول التي نصت عليها معاهدة ١٢٣٨ ه‍ ، ولن يتم تحصيل أي قرش زيادة عن المبلغ المحدد في تلك المعاهدة.

٧ ـ تتعهد الدولة العثمانية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتأمين زيارة الزوار الإيرانيين إلى الأماكن المقدسة في كل أرجاء الدولة

٢٢٥

العثمانية وذلك بموجب ما نصت عليه معاهدة أرضروم الأولى الموقعة عام ١٨٢٣ م ، وعليه تتعهد الدولة العثمانية بالقيام بكل ما في وسعها لحماية الزوار الإيرانيين من كل أنواع الإهانات والأذى سواء في تجارتهم أو في زيارتهم ، وتعيين قناصل إيرانيين في الأماكن التي يجتمع بها الزوار والتجار الإيرانيون في أي مكان باستثناء مكة والمدينة ، وتتعهد الدولة العثمانية أيضا برعاية وحماية هؤلاء القناصل ومنحهم كل الامتيازات الممنوحة لكافة القناصل الموجودين في الدولة ، وفي المقابل تتعهد إيران أيضا باتخاذ كل الإجراءات التي ستقوم بها الدولة العثمانية تجاه الزوار والتجار والقناصل.

٨ ـ تتعهد الدولتان بأنهما ستتخذان كافة الإجراءات اللازمة وتطبيقها لمنع غارات النهب والسلب التي تتم على الحدود ، وتقيم الدولتان الجنود في الأماكن المناسبة لهذا الغرض ، كما تتعهد الدولتان بأنهما ستقفان ضد أية تجاوزات تحدث في أراضيهما من قتل ونهب وسلب ، أما بالنسبة للعشائر مجهولة الصاحب فسيترك للدولتين تسكينهم في الأماكن التي تريدها تلك العشائر ، أما العشائر المعلوم تبعيتها للدولة فتقرر أن تبقى داخل أراضي الدولة.

٩ ـ كل بنود وأحكام المعاهدات السابقة وخاصة معاهدة أرضروم ١٨٢٣ م نافذة بالكلمة في تلك الاتفاقية الحالية ، وتقوم الدولتان بالتصديق والتوقيع على تلك المعاهدة بعد مضي شهرين من تاريخه (١).

وسنوضح في الفصل التالي كيف أثرت تلك الاتفاقية على كربلاء ، وكيف طبقت بنود تلك الاتفاقية بها ، وسنعطي معلومات مختصرة عن الأعمال التي تمت بخصوص اختلافات الحدود التي كانت من أهم أسباب الخلاف بين الدولتين ، وبأي شكل أثرت تلك الأعمال على كربلاء.

__________________

(١) Muahedat Mecmuasl ,III ,٥ ـ ٨.

٢٢٦

ففي فترة الأربعينيات من القرن التاسع عشر احتدم الخلاف في النصوص التاريخية المسمى (اختلاف الحدود) والذي كان موجودا منذ عدة سنوات بين الدولتين ، وقد كان هذا الخلاف نابعا من إهمال مفهوم الحدود عند العشائر القاطنة عليها وخاصة العشائر التي تعيش على الرعي ، لأنهم كانوا يعبرون من أراضي دولة إلى دولة أخرى على حسب ظروف الموسم صيفا كان أو شتاء.

وتوجد بنود في معاهدة أرضروم الموقعة عام ١٨٢٣ م في عهد سلطنة السلطان محمود الثاني وصدارة السيد على باشا بخصوص حلّ تلك الخلافات النابعة من مشكلة الحدود ، ولأن المشكلة لم تحلّ واستمرت تم تناولها مرة أخرى في معاهدة أرضروم الثانية الموقعة عام ١٨٤٧ م.

وطبقا لمعاهدة أرضروم عام ١٨٤٧ م تمّ تشكيل لجنة أطلق عليها لجنة تحديد الحدود ، وكانت تلك الجنة تتكون من ممثلين عثماني وإيراني وآخرين إنجليزي وروسي للمشاركة في أعمال اللجنة ، وكانت مهمة اللجنة منع الأضرار التي تقوم بها العشائر القاطنة على الحدود مع بعضها البعض ، وأخذ التعهدات من العشائر بعدم التعدي على بعضها بالقتل أو الغصب أو النهب ، ولأن تعيين أماكن إقامة العشائر غير معروفة الهوية كان متروكا للعشائر (مادة ٨) فقد حدثت أضرار بسبب ذلك ، الأمر الذي جعل الدولتين تقرران تأسيس لجنة يشترك فيها الطرفان لتثبيت الحدود (مادة ٣ ـ ٤).

استمرت أعمال تلك اللجنة أربع سنوات من عام ١٨٤٩ م إلى عام ١٨٥٣ م ، جاب فيها الأعضاء كل منطقة الحدود من خليج البصرة حتى لواء بايزيد الواقع بأرضروم ، ولأن أعمال هيئة تحديد الحدود كانت ستشمل خليج البصرة والبصرة وبغداد وشهرزور والموصل ووان ، وقد شملت أيضا لواء بايزيد لوقوعه على الحدود ، ولأنه لم يكن هناك أية

٢٢٧

معلومات رسمية مدونة عن تلك المناطق ، فقد جابت اللجنة كل قرى وقصبات ومقاطعات وأنهار وجبال وصحاري تلك المنطقة الحدودية ، وحصلت على معلومات في غاية الأهمية عن تلك المنطقة من حيث أعداد الخيام والسكان وأعداد القبائل العربية منها والكردية والإيرانية ، واستمعت إلى روايات الأهالي المحليين عن الأماكن ، كما حصلت على معلومات عن الزراعة والتجارة والصناعة بتلك المنطقة ، ومعلومات عن الأراضي الإيرانية والأراضي الخاضعة في ذلك الوقت للسيطرة الإيرانية (١).

وكان من ضمن أعمال تلك اللجنة أيضا عمل إحصاء لعدد الزوار والتجار الإيرانيين الوافدين إلى كربلاء من إيران ، وأماكن استراحتهم ، ولا جرم أن الدولة العثمانية قد استفادت من المعلومات التي قدمتها اللجنة في القرارت المتعلقة بالزوار والتجار الإيرانيين في المعاهدة ، وفي الوقت الذي أزالت فيه الأعمال المتعلقة بالحدود توتر العلاقات بين الدولتين أثرت بشكل إيجابي على الأهالي في كربلاء.

__________________

(١) Zekeriya Kursun," Mehmed Hursid Pasa\'nin Seyahatname ـ i Hudud Eserine Gore XIX. Yuzyil Ortalarinda Bayezid Sancagi", Turk Kulturu Incelemeleri Dergisi, Sayl : ٢, Istanbul ٠٠٠٢, s. ٣٠١.

٢٢٨

الفصل الرابع

كربلاء في معاهدة أرضروم ١٨٤٧ م

١ ـ مشكلات الأمراء ورجال الدولة وعلماء الشيعة والرعايا الإيرانيين القاطنين في كربلاء

كانت هناك مجموعة من المخاوف لدى حكومة إيران بخصوص حقوق رعاياها في ولاية بغداد الواقعة تحت السيادة العثمانية ، وقد طلبت إيران التي أخذت روسيا إلى جانبها تماما أثناء مفاوضات أرضروم المساعدة من إنجلترا ، وعرضت إنجلترا التي وافقت على طلب إيران المطالب الإيرانية على المسؤولين العثمانيين ، وبذلك ضمنت إيران موافقة الدولة العلية على العديد من الخصائص ، وكتبت المادة السابعة من اتفاقية أرضروم تحت هذه الضغوط ، ويمكن سرد الموضوعات التي أرادت إيران تسويتها من قبل الإدارة العثمانية كما يلي :

أ ـ تخفيض الضرائب الجمركية التي كان يدفعها الزوار والتجار الإيرانيون القادمون إلى ولاية بغداد عن البضائع التجارية إلى ٤% كما كانت عليه من قبل بدلا من ١٤%.

ب ـ كان يحصل قديما ٤ قران على جنازات الرعايا الإيرانيين الطالبين الدفن في النجف ، وتم رفع تلك القيمة إلى ٥ قران ، ويجب إعادة النظر في هذا الأمر.

٢٢٩

ت ـ يجب إعادة النظر أيضا في موضوع عدم السماح بتغسيل موتى الرعايا الإيرانيين الذين يطلب أقاربهم تغسيلهم بأنفسهم ، طالما أنه لم يعط للمغسل ٥ ، ١ قران كأجرة عن الغسل.

ث ـ كان يتم الدفن من قبل في مكان يسمى كمازه بلا مقابل ، ثم بدئ بعد ذلك في تحصيل ٥ ، ٣ قران ويجب تسوية هذا الأمر أيضا.

ج ـ حظر تحصيل واحد طمان (ما يعادل ٥٠ قرشا) من كل حاج يريد الذهاب إلى مكة.

ح ـ عدم إجبار الرعايا الإيرانيين الموجودين في بغداد وما حولها على شراء تذاكر المرور.

خ ـ عدم نهب اللصوص للرعايا الإيرانيين ، وفي حالة القبض عليهم وفي الأوضاع المشابهة لا يعفو والي بغداد عنهم. (١)

وقد وافقت الدولة العثمانية على عمل تنظيمات في تلك الخصائص لأنها كانت تريد الحصول على نتائج سريعة من تلك الاتفاقية التي سيتم توقيعها ، وتم تنبيه والي بغداد إلى تلك الموضوعات ، وكان من الطبيعي أن يكون تكثيف تلك التنبيهات قليلة أو كثيرة في العهود التالية على حسب وضع العلاقات مع إيران والظروف السياسية الأخرى.

وسنتوقف في هذا الفصل على الموضوعات التي كانت سببا في النزاع بين الدولتين العثمانية والإيرانية في كربلاء بعد عام ١٨٤٧ م ، حيث شكلت اتفاقية أرضروم عام ١٨٤٧ م والخصائص السابقة التي كانت مثارا لشكوى الإيرانيين النقاط الرئيسية للموضوع ، وتلك هي الموضوعات الرئيسية التي سنتناولها :

ـ وضع الأمراء ورجال الدولة وعلماء الشيعة وسلالة أهل البيت (السادة والأشراف) الفارين من إيران واللاجئين إلى كربلاء.

__________________

(١)

BOA, Duvel ـ i Ecnebiye Kismi) A. DVN. DVE (٦١ ـ A / ٨٧, ٤٦٢١.

٢٣٠

ـ المشكلات المتعلقة بالزوار والتجار الإيرانيين.

ـ القضايا المتعلقة بأملاك وأراضي الرعايا الإيرانيين والمجاورين القاطنين بكربلاء ، والمشكلات القانونية الأخرى للإيرانيين الذين يعيشون هناك.

ـ المشكلات المتعلقة بنسخ القرآن الكريم المرسلة من إيران إلى كربلاء.

كان لجوء المعارضين الإيرانيين إلى كربلاء من الأحداث التي أثرت على العلاقات العثمانية الإيرانية ، وكان معظم الأمراء ورجال الدولة الآخرين الأقوياء المطلوب إضعافهم أو القضاء عليهم من قبل السلطات الإيرانية يرون في كربلاء ملجأ آمنا لهم يأمنون فيه على أنفسهم ، وكان هؤلاء الأشخاص يؤمنون بأنهم سيجدون إمكانية في استمرار معارضتهم مستندين على العلاقات العثمانية الإيرانية أو على العناصر الشيعية الموجودة في النجف وكربلاء.

وكانت الدولة العثمانية توافق بشكل عام على استقبال هؤلاء الأمراء ورجال الدولة الذين يفرون من إيران ويطلبون الحماية منها ، وبالرغم من ذلك انتظرت الحكومة العثمانية نتيجة المفاوضات التي ستتم مع إيران حتى لا تفسد علاقاتها معها.

وشهدت فترة تغييرات العرش في إيران زيادة في أعداد طلبات اللجوء إلى الدولة العثمانية ، وقد حدث أول تغيير ونزاع على العرش في إيران خلال الفترة التي ندرسها عند وفاة فتح على شاه عام ١٨٣٤ م ، فقد فر بعض هؤلاء الأمراء المهزومين في هذا الصراع إلى إنجلترا وروسيا ، بينما لجأ قسم منهم إلى بغداد للذهاب إلى استانبول.

وقد اختار بعض هؤلاء الأمراء الهاربين العائدين من لندن إلى استانبول الإقامة في كربلاء والنجف اللتين لم تكونا غريبتين عليهما ، كما

٢٣١

سمح لهم بالإقامة في بغداد والقصبات المجاورة لها بواسطة سفراء إنجلترا.

وقد طلب خداداد خان السفير الإيراني في استانبول من الدولة العثماني تسليم هؤلاء اللاجئين بموجب الاتفاقية العثمانية الإيرانية المؤرخة بتاريخ ٥ سبتمبر ١٧٤٦ م ، وعلى هذا أرسل الباب العالي فرمانا إلى والي بغداد بخصوص إعادة الهاربين من إيران إليها ، ومن ناحية أخرى كانت إيران لا تريد إقامة هؤلاء الهاربين أو الأشخاص المطرودين منها في بغداد عند لجوئهم للدولة العثمانية ، وكانت إيران متخوفة من وجود هؤلاء الأشخاص في أماكن قريبة من الحدود ، أو في الأماكن التي يمكنهم فيها تطوير معارضتهم لها ، وانتبهت الدولة العثمانية لتلك الحساسية الإيرانية ووجدت أنه من الأنسب أن يقيم مثل هؤلاء اللاجئين السياسيين في مناطق مثل قره حصار وأنقرة وسيواس ، ولكنها استثنت من ذلك الأمراء لأنه يمكن استخدامهم ضد إيران في الأوقات اللازمة ، ولأن الباب العالي كان يدرك أن حكومة إيران يمكنها التأكد من هذا التصرف الاستثنائي فقد أمر والي بغداد بأن يرسل رد بلغة سياسية تتناسب مع حكومة إيران في مثل تلك الأوضاع ، وأن يقوم بإرسال هؤلاء الأمراء إلى أماكن أخرى مناسبة ، وعقب تلك الإجراءات تم توطين بعض الأمراء اللاجئين في سنجق كربلاء في قصبتي النجف وكربلاء ، وتم تخصيص راتب شهري من خزانة بغداد لكل أمير منهم. وفي السنوات الأولى من عقد اتفاقية أرضروم وافقت الدولة العثمانية على هذه المادة من الاتفاقية ، وتم توطين هؤلاء الأمراء الإيرانيين خارج بغداد ، إلا أن هذا لم يقلل من مكانة هؤلاء الأمراء في نظر الدولة ، وظهر هذا في منح عطية سنية للأمير الإيراني هولاكو ميرزا الذي لجأ إلى استانبول. (١)

__________________

(١) BOA ,I.Hr ٤٠٣ ,٩١ B ٦٥٢١.

٢٣٢

قام بعض الأمراء اللاجئين للدولة العثمانية بنشاط ضد حكومة إيران ، وعلى سبيل المثال فقد أرسل الأمير ظلى سلطان خطابا إلى مقام الصدارة في ١٩ سبتمبر ١٨٣٨ م زعم فيه أن أهالي إيران أرسلوا له خطابات بأنهم سيطيعونه ويساعدونه في حالة مساعدته وإرساله إلى الحدود الإيرانية ، إلا أن الحكومة العثمانية أوضحت له أن الوقت غير مناسب لاتخاذ تلك الخطوة ، وأوضحت له أيضا أنه ضيف على الدولة العثمانية وأنها خصصت له راتبا وخلافه ، وأقنعته بالتخلي عن تلك الأفكار.

ولعل السبب في عدم اكتراث الحكومة العثمانية باقتراح الأمير الإيراني كان نابعا من احتمال زيادة النزاع الإنجليزي الروسي ورغبة كل منهما في بسط نفوذه على المنطقة ، واستخدام إيران هذا الوضع كسند لها ضد الدولة العثمانية ، وكانت الدولة العثمانية تخشى من الضغط على حكومة إيران في وقت خاطئ فتأخذ إيران روسيا وإنجلترا إلى جانبها وتكسب دعمهما ضد الدولة العثمانية.

وقد تقرر إرسال الأمراء الموجودين في بغداد إلى حلب بموجب القرار الذي تم التوصل إليه عام ١٨٤١ م بين الدولتين العثمانية والإيرانية ، إلا أن حكومة إيران قامت بمساع جديدة عندما كان القرار على وشك التنفيذ ، وأرسلت رسالة إلى والي بغداد علي رضا باشا أوضحت فيها إن إرسال الأمراء لن يكون إلى حلب ، بل إن إرسالهم إلى إيران سيكون أضمن بالنسبة لإيران (١) ، وهناك احتمال أن هذا الطلب قد رفض.

ويتضح من دفاتر مصاريف ولاية بغداد المؤرخة بتاريخ ١٨٤٣ م (١٢٥٩ ه‍) أن الحكومة العثمانية قد خصصت رواتب لأفراد الأسرة

__________________

(١) el ـ Bustani ,a.g.t.,s.٨٧٢ ـ ٩٧٢.

٢٣٣

المالكة الفارين من إيران والمقيمين في بغداد وكربلاء على وجه الخصوص ، وأمّنت لهم حياة كريمة مريحة ، وحثتهم على المجيء إلى أراضيها.

الرواتب التي منحت للأمراء الإيرانيين في الفترة الثانية من عام ١٨٤٣ م (١٢٥٩) :

الاسم

 الراتب بالقرش

علي شاه

 ١٠٠٠٠

الأمير هولاكو ميرزا

 ٧٣٠٠

الأمير ناصر الدين

 ٥٠٠٠

أم خاقان

 ٣٠٠٠

مجموع الرواتب

 ٢٥٣٠٠

المصدر : الأرشيف العثماني ، دفاتر مصاريف المالية ، ٥٠٢٩ ، ص ٥.

مقدار الرواتب التي منحت للأمراء الإيرانيين على مدار أربعة أشهر في فبراير ١٨٤٤ م (نوفمبر ١٢٥٩) :

الاسم

 الراتب بالقرش

شكر الله ميرزا

 ١٠٠٠

الأمير ركن الدولة

 ٣٠٠٠

الأمير إمام ويردي

 ٣٠٠٠

الأمير إسماعيل ميرزا

 ١٥٠٠

مولدة ابنة الشاه فتح على

 ١٠٠٠

مجموع الرواتب

 ٩٥٠٠٠

المصدر : الأرشيف العثماني ، دفاتر مصاريف المالية ، ٥٠٢٩ ، ص ٥.

٢٣٤

المخصصات التي منحت مرة واحدة لمن في معية الأمراء الإيرانيين :

الاسم

 الراتب بالقرش

لرجل على شاه

 ٥٢٠

لأبناء على شاه

 ٧٥٠٠

لرجل الأمير عبد العزيز ميرزا

 ١٠٠

لرجل سليمان ميرزا

 ٥٠

لرجل أم الخفت

 ١٥٠

لميرزا جعفر

 ٧٣٢٠

المجموع

 ١٥٦٤٠

المصدر : الأرشيف العثماني ، دفاتر مصاريف المالية ، ٥٠٢٩ ، ص ١٠.

وقد قامت الحكومة العثمانية بحماية الأمراء الذين احتموا بأراضيها وأسرهم معهم ، وخصصت لهم الرواتب ، وأثناء قدوم والدة الأمير الله ويردى ميرزا أحد أمراء إيران إلى بغداد عام ١٨٤٤ م نهبت أموالها ، فأرسل الباب العالي رسالة لوالي بغداد لإيجاد أموالها ، وتخصيص راتب لها وإسكانها في بغداد (١).

وكان لجوء الأمراء الإيرانيين إلى كربلاء التي يعيش فيها الكثير من الشيعة وعلمائهم من أهم التأثيرات التي كانت سببا في اضطرابات العلاقات العثمانية الإيرانية طوال النصف الأول من القرن التاسع عشر ، ولهذا السبب أخذ هذا الموضوع مكانا بين مواد اتفاقية أرضروم الموقعة بين الدولتين في ٢ مايو ١٨٤٧ م ، حيث تعهدت الدولة العثمانية بموجب المادة الخامسة من الاتفاقية بتوطين هؤلاء الأمراء اللاجئين في مدينة بورصة ، وأوضحت أنها لن تسمح بمغادرتهم هذه المدينة ولن تسمح لهم

__________________

(١) BOA ,HR.MKT ١ / ٨١ ,٥٢ M ٠٦٢١.

٢٣٥

أيضا بإقامة علاقات سرية مع أتباعهم في إيران (١).

ويعد الأمير عباس ميرزا أهم الأمراء الذين تسببوا في اضطراب الأمور بين الدولتين طوال فترة العهد الذي ندرسه ، ولد عباس ميرزا في سبتمبر عام ١٨٣٩ م وكان الابن الثاني للشاه محمد وأخا لناصر الدين شاه ، أما والدته فهي السيدة خديجة أخت يحيى خان أحد المنتسبين للطريقة النقشبندية ، وكانت شدة اهتمام الشاه محمد بعباس ميرزا وأمه أكثر من أخويه ناصر الدين ومهد علي سببا في زيادة العداوة بينه وبين أخويه ، وعندما توفي الشاه محمد وجد ناصر الدين الفرصة سانحة أمامه لإظهار عداوته لأخيه عباس.

وقبل مرور أسبوع على قدوم ناصر الدين إلى طهران بعد وفاة والده أمر بمصادرة أموال أخيه عباس وأظهر عداوته له ، وأثناء ذهاب ناصر الدين إلى جنوب إيران في بدايات عام ١٨٥١ م كان في معيته عباس ميرزا ، وأثناء عودتهما عينه ناصر الدين واليا على قوم ؛ وذلك ليجعله بعيدا عنه دائما ، وحقيقة الأمر إن ناصر الدين كان يريد التخلص نهائيّا من أخيه عباس حتى يحتفظ بالعرش لنفسه ، إلا أن الأمير الكبير الذي كان اسما قويّا في إيران تعهد بحماية عباس ميرزا ، وبعد حادثة الاغتيال المدبرة لقتل ناصر الدين في ١٥ أغسطس عام ١٨٥٢ م ، اتهم ناصر الدين أخاه عباسا بأنه هو الذي رتب هذه الحادثة مع البابيين ، وبعد تلك الحادثة أخبر الشاه سفراء إنجلترا وفرنسا بأنه قرر نفي أخيه خارج إيران ، إلا أن السفراء عارضوا قرار الشاه ، وأعلنوا حمايتهم لعباس ميرزا ، وطلبوا توفير مكان آمن يمكن أن يعيش فيه عباس ميرزا آمنا على نفسه ، كان عباس ميرزا تحت حماية السفير الإنجليزي مستر شييل ، وقد أقنع هذا السفير الشاه بإقامة الأمير في نواحي العراق ، كما أعطى السفير الروسي

__________________

(١) Muahedat Mecmuasi ,III ,٦.

٢٣٦

ضمانات للشاه بأنه سيتباحث مع الباب العالي في هذا الشأن ، وأنه سيطلب منه ـ صراحة ـ الانتباه إلى الحفاظ على أرواح الأمراء الإيرانيين ، وأرسلت إيران عباس ميرزا إلى نواحي العراق بمصاريف طريق قدرها تسعة آلاف طومان قبل صدور الإذن من الباب العالي بإقامة عباس ميرزا في كربلاء (١) ، وعندما علم نامق باشا والي بغداد بقرار إيران ، منع دخول الأمير عباس ميرزا إلى الأراضي العثمانية (٢).

إن بقاء الأمير في كربلاء مرتبط بإذن السلطان ، ولذا أرسل نامق باشا رسالة إلى إبراهيم خان القنصل الإيراني ، أوضح له فيها أنه لا يمانع من قدوم الأمير عباس إلى كربلاء ، ولكن يجب الحصول على إذن من دار الدولة (٣).

وقد انزعجت الحكومة العثمانية لجهلها الأسباب الحقيقة لقدوم الأمير عباس ميرزا المفاجئ إلى كربلاء ، ولهذا السبب أوضحت للسفير الإنجليزي والإيراني أنها لن تستطيع الموافقة على قدوم الأمير عباس للزيارة ، أما في حالة قدوم الأمير للأراضي العثمانية كلاجئ ، فإنها يمكن أن تستقبله بشكل لا يخلّ بالمعاهدات الموقعة مع إيران (٤).

وقد نزل عباس ميرزا في قصر شيرين حتى تصدر الحكومة العثمانية قرارا بشأنه ، وقد قام السفير الإنجليزي شيل بإقناع أحمد وفيق أفندي السفير العثماني بإيران بأنه سيقنع الدولة العثمانية بأن تستقبل الأمير عباس ميرزا في كربلاء كزائر (٥).

__________________

(١) Nasiri ,a.g.t.,s.٢٦١ ـ ٤٦١.

(٢) BOA ,I.Hr ٤٨٤٤ ,Lef : ٣.

(٣) BOA ,I.Hr ٠٢٥٤ ,Lef : ٣ ,٨٢ Ca ٨٦٢١.

(٤) BOA, I. Hr ٤٨٤٤, Lef : ٤, M ٨٦٢١; HR. MKT ١٥ / ٦, M ٩٦٢١.

(٥) Nasiri ,a.g.t.,s.٥٦١.

٢٣٧

وبعد ما أنهت الحكومة العثمانية مباحثاتها مع السفير الإنجليزي وحصلت منه على الضمانات الكافية قررت عمل اللازم بخصوص إقامة الأمير في كربلاء كزائر وتحمل نفقاته (١).

وعلى هذا أتى عباس ميرزا إلى كربلاء واستقرّ بها ، حتى إنه أوضح بعد ذلك أنه لقي معاملة حسنة وإخلاصا طوال الفترة التي أقامها في كربلاء ، وبعدما ظلّ عباس ميرزا فترة في كربلاء ذهب إلى استانبول ، أما إيران فكانت قلقة بسبب ذهاب عباس ميرزا إلى استانبول ، ورأت بعد ذلك أن وجوده في الأراضي العثمانية مشكلة لها ، وعندما وصل الأمير عباس ميرزا إلى استانبول في ١٤ يناير ١٨٥٢ م استقبله العديد من موظفي الدولة وتم إكرامه ، وكان سلوك الدولة العثمانية بإظهار احترام واعتبار رسمي للأمراء الإيرانيين المنفيين سببا في قلق ناصر الدين شاه ، حتى إنه أخبر الحكومة العثمانية بواسطة السفير الإنجليزي بعدم رضاه عن هذا ، أما الحكومة العثمانية فقد أظهرت اهتماما بالأمير اللاجئ وخططت لاستخدام الأمير كورقة رابحة لصالحها في موضوع المدارس الذي يكون محل خلاف بينها وبين إيران ، وأوضحت الحكومة العثمانية أنها لن تتخلى عن تصرفاتها تلك إلا بعد تنفيذ مطالبها ، وطلبت إيران إخراج عباس ميرزا من استانبول مستندة في ذلك على المادة الخامسة من اتفاقية أرضروم ، لأن ترك هذا الأمير كربلاء سرّا ، كان في نظرها بمثابة «أمير هارب» بدون إذن ، ولم توافق الدولة العثمانية على اعتراض إيران ، وأوضحت أن للأمير الحق في اختيار المكان الذي يرغب الإقامة فيه (٢).

واستمرت الدولة العثمانية في استقبال الأمراء الإيرانيين اللاجئين إلى الأراضي العثمانية في السنوات التالية لذلك ، ومن لذلك على سبيل

__________________

(١) BOA ,I.Hr ٤٨٤٤ ,Lef : ٥ ,٣٢ M ٩٦٢١.

(٢) Nasiri ,a.g.t.,s.٥٦١ ,٦٦١ ـ ٧٦١.

٢٣٨

المثال استقبالها الأمير إمام ويردي ميرزا من أبناء الشاه فتح علي في كربلاء ، وكان أميرا هامّا بقدر الأمير عباس ميرزا ، وقامت ولاية بغداد بعمل تنظيمات في داخل منصب قائمقام كربلاء ، وقررت تخصيص ٣٠٠٠ قرش كراتب لإمام ويردي ميرزا (١).

وخصصت الدولة العثمانية ميزانية كبيرة للأمراء وأقاربهم الموجودين في كربلاء وبغداد ، واستمرت في استخدامهم كورقة ضد إيران ، وقد أعطي للأمراء الإيرانيين الموجودين في بغداد (٤١٢ و ٨٠٣) قرش في الفترة من ديسمبر ١٨٦٢ م وحتى نوفمبر ١٨٦٣ م (٢). وفي شهري نوفمبر وديسمبر من عام ١٨٦٤ م تم دفع (١٠٠ و ١٥٨) قرش كراتب لكل الأمراء الإيرانيين الموجودين في بغداد ، ويفهم من قائمة الرواتب الممنوحة للأمراء الإيرانيين في هذا التاريخ ، أن هؤلاء الأمراء كانوا إداريين في الدولة العثمانية ، حيث ورد في دفاتر المصروفات المرقم برقم (١٧٤٩٧) أن بعض الأمراء الإيرانيين كان يشغل منصب قائمقام أو متصرف ، ومن ذلك على سبيل المثال تعيين الأميرين إسماعيل وعبد القادر وهما من الأمراء الإيرانيين كقائمقام على قضاء عمادية التابع لبغداد مع رتبة الباشاوية الفخرية (٣).

اهتمت الدولة العثمانية بعدم تدخل هؤلاء الأمراء في الشؤون الإدارية للمناطق الحساسة مثل كربلاء والنجف ، ولم تستقبل الدولة العثمانية في أراضيها الأمراء الإيرانيين فحسب بل كانت تستقبل رجال الدولة وعلماء الشيعة ومن ينتسبون إلى سلالة (الاثنا عشر) إماما ، وأغلب الظن أن السياسة التي كانت كامنة خلف استقبال الدولة العثمانية لهولاء

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٦٠٤ / ٩٤ ,٢ Ca ٦٧٢١.

(٢) BOA ,ML.MSF ٥٥٦٦١ ,Agustos ٩٧٢١.

(٣) BOA ,ML.MSF ٧٩٤٧١ ,١٢ L ١٨٢١.

٢٣٩

الأشخاص هي إمكانية استخدامهم ضد إيران إذا تطلّب الأمر ذلك ، لا سيما وأنها كانت تلجأ إلى تلك السياسة أحيانا ، وبخلاف هؤلاء الأمراء وافقت الدولة العثمانية على طلب الحاج ميرزا أغا صدر الدولة الإيراني الأسبق بإقامته في كربلاء (١).

ومن الملاحظ أن الدولة العثمانية سعت لإرضاء العلماء الشيعة الموجودين في كربلاء ، فقد كان علماء الشيعة هم أكثر من لهم كلمة نافذة على الشيعة الموجودين بالمنطقة ، حتى إن علماء الشيعة الموجودين بكربلاء لم يكن لهم نفوذ على الشيعة الموجودين في كربلاء فحسب ، بل كان لهم نفوذ أيضا على الشيعة الموجودين في إيران والعالم كله ، وكانت الدولة العثمانية سعيدة من وجود هؤلاء الأشخاص في أراضيها ، وكانت تسعى من وراء ذلك إلى جعلهم تحت نفوذها وبذلك تتمكن من جعل الأهالي الشيعة الموجودين في المنطقة تحت سيطرتها من ناحية ، وتتمكن من جعل تأثيرها محسوسا على كل شيعة العالم من ناحية أخرى ، وفي مقابل ذلك كان شاه إيران لا يتورع عن العطف على علماء الشيعة ، ومن ذلك إرساله في عام ١٨٧١ م (١٥٠٠) طومان وعلبة مرصعة لكل واحد من علماء الشيعة القادمين حديثا إلى كربلاء والنجف ، كما أرسل لكل عالم من العلماء المقيمين في كربلاء منحا مختلفة ، فقد خصص لمحمد التقي وميرزا علي النقي والسيد أحمد والسيد رضا من كبار علماء الشيعة (١٥٠) طومان لكل واحد منهم ، ولصهر السيد حسن (١٠٠) طومان ، أما محمد التقيمي فقد أرسل له خاتما بقيمة ٥٠٠٠ قرش ، وسبب التفريق بين العلماء الجدد منهم والقدامى هو أن القدامى قد دخلوا بالفعل تحت حماية الدولة العثمانية وشغلوا مناصب ونالوا رواتب وعطايا كبيرة من الدولة العثمانية نظرا لخدمتهم للدولة في إقناع الأهالي بقبول

__________________

(١) BOA ,HR.MKT ٧٢ / ٢٦ ,٢١ ZA ٥٦٢١.

٢٤٠