كربلاء في الأرشيف العثماني

ديلك قايا

كربلاء في الأرشيف العثماني

المؤلف:

ديلك قايا


المترجم: أ. حازم سعيد منتصر ، أ. مصطفى زهران
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: الدار العربيّة للموسوعات
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٠

وعندما فشلت إيران في التوسيع تقدمت بطلب لصنع بوابة من الفضة لهذا الضريح في ٢٣ نوفمبر ١٨٥٣ م. وقد فكرت الدولة العثمانية بأن الموافقه على مطلب إيران لن يكون له أثر في وصول إيران لأهدافها الأساسية ، فوافقت الدولة العثمانية على طلب إيران بصنع تلك البوابة الفضية ذات التكلفة الباهظة ، وكانت الدولة العثمانية تدرك أن طلب إيران هذا عبارة عن لعبة سياسية الغرض منها توضيح أنها لا تحظى بنفس المعاملة التي تتعامل بها الدولة مع شيعة الهند ، ولهذا رأت الدولة العثمانية أنه من المناسب قبول طلب إيران لسماحها لشيعة الهند بذلك ، وتم إخطار إيران بتسليم الفضة إلى الحكومة العثمانية التي ستقوم بعد ذلك باتخاذ اللازم كما أوضحت في هذا الإخطار أن الباب سيعمل من الفضة الخالصة ولن يتلف منها شيء كما نبه على والي بغداد ومشير الجيش الهمايوني بالعراق والحجاز المشرفين على هذا العمل بعدم إنفاق أموال آخرى (١).

كانت إيران ترى أن توسيع وترميم ضريح الإمام الحسين رضي‌الله‌عنه أمر ضروري ، لذا أرسلت المرجع الشيخ عبد الحسين لمراقبة أعمال التوسيع سنة ١٨٥٦ م في كربلاء ، وأرسل السفير العثماني حيدر أفندي خطاب توصية إلى يعقوب أفندى متصرف كربلاء وعمر أفندي والي بغداد بشأن هذا الأمر ، وقد دخل عبد الحسين ضريح الإمام الحسين رضي‌الله‌عنه وتفقده ، وتفقد المباني المجاورة له وأراد شراء هذه المباني وضمها للضريح. إن شراء الشيخ عبد الحسين هذا المبانى كان بعلم حاكم كربلاء ووالي بغداد ، وبعد فترة قصيرة صدر أمر من الدولة العثمانية بعدم بناء مبان جديدة وبقاء كل شيء على ما هو عليه ، وبموجب هذا الأمر تم إيقاف أعمال الترميمات والتوسعات في الصحن ، ولما علم ميرزا آغا الصدر

__________________

(١) BOA ,I.MV ٦٣٥١١ ,Lef : ٤.

١٠١

الإيراني بذلك من عبد الحسين أرسل رسالة إلى رشيد باشا الصدر الأعظم العثماني يطلب منه إصدار فرمان خاص لتعمير الأماكن المقدسة ، بالإضافة إلى أن فروح خان الموجود في استانبول أرسل خطابا في ٢٧ نوفمبر عام ١٨٥٣ م قال فيه «إنكم تعلمون أن جناب الشيخ ينتظر هناك لإنهاء هذا العمل وقد دفعت كل النفقات ، ولذا أرجو إرسال هذا الحكم بسرعة» ، وبسبب إعاقة والي بغداد لإجراء هذه الترميمات تحجج الإيرانيون بالترميم لتوسيع تلك المباني ، وفي خطابا آخر أرسله الصدر الأعظم الإيراني إلى فروح خان قال فيه : «... انتبه حتى لا يمنع القيام بالترميمات وبناء المبانى الجديدة في الضريح ، وإن شاء الله لن تختلف مع والي بغداد لعدم وجود إذن بالترميم ، فلسنا في حاجة لهذا الإذن» (١).

وقد تمسكت إيران بموضوع توسيع الضريح ، ويلفت الانتباه أنها اعتبرت أية هزيمة في هذا الشأن يعد خدشا لاعتبارها ، وكلفت أمين الدولة ليتحدث مع فرنسا في موضوع ترميم ضريح الإمام الحسين وذلك لتضغط فرنسا على الباب العالي لقبول قيام إيران بالتوسيع ، وتسبب إصرار إيران على هذا الأمر في إصدار السلطان عبد المجيد فرمانا في هذا الشأن أرسله إلى عمر باشا والي بغداد في أواخر شهر أكتوبر عام ١٨٥٧ م يقضي بضرورة الانتهاء من أعمال التوسيع والترميم في الضريح.

ونلخص الفرمان كما يلي «لقد بدأت إيران في عمل بعض الإجراءات والترميمات للأماكن المباركة في كربلاء بعد حصولها على إذن من الدولة العلية ، ولكن تم تعطيل تلك الأعمال لبعض الأسباب ، وطلب الصدر الأعظم الإيراني إلغاء قرار عدم القيام بأي تغيرات في الأماكن المقدسة الآنفة الذكر ، ولو راجعتم مراسلاتنا القديمة ستجدون الإذن السابق الخاص بترميم هذه الأماكن ، وسبب المنع الصادر من

__________________

(١) Nasiri ,a.g.e.,s.٣٣١ ـ ٤٣١.

١٠٢

المجلس العالي هو البدء في شراء المباني المجاورة لضريح الإمام الحسين وجامعه لتوسيعهما ، ولأن شيخ الإسلام أوضح أن عدم إكمال العمل أمر غير جائز ومغاير للأحكام الشرعية لزم الإذن من معاليكم لإكمال بناء المقامات العالية ، ويجب عدم القيام بأعمال التوسيع والتغيير في الأماكن المباركة الأخرى ، ولقد رأى مجلس الوكلاء هذا الأمر مناسبا ، ورأى الوالي أنه يجب الاهتمام بترميم تلك الأبنية وعدم إعطاء الإذن بتوسيعها ، وسيتمّ توسيع ضريح الإمام الحسين لأنه تم البدء في هذا العمل بالفعل» (١).

وكما هو واضح فإن السلطان عبد المجيد سمح لإيران بالقيام بترميم وتوسعة الضريح مرة واحدة فقط ، وقد كان لدى الدولة العثمانية القوة على عدم إعطاء الإذن لإيران إذا كان هذا الأمر يعارض المصالح السياسية للدولة العثمانية ، وكان هذا الإذن دليلا على صدق واحترام وتبجيل الدولة العثمانية لتلك الأضرحة ، أو أن الهدف الأساسي لها بعد إعلان فرمان التنظيمات كان يتمثل في منع الإيرانيين من إقامة أية ترميمات جديدة في الأضرحة أو بناء أبنية جديدة ، وبالرغم من ذلك كانت الدولة لا تسمح بإقامة أية نشاطات في الضريح تخالف مصالحها.

وقد أصدر عمر باشا والي بغداد أمرا للرعايا الإيرانيين ومن يقيمون في الأماكن المقدسة جاء فيه «إما أن تقوموا ببيع ممتلكاتكم هنا وتقيمون فيها كالمجاورين ، أو تقبلوا التبعية العثمانية وتخضعوا لأوامرها وقوانينها» ، وقد كلف عمر باشا سامي بك ليخبر إيران بنواياه ، إلا أن إيران لم تتحمل هذا ووقفت ضد مطالب عمر باشا وقرارات الدولة العثمانية ، وقد قبلت الدولة العثمانية أن مخالفة الرعايا الإيرانيين بالإقامة في الأراضي المقدسة فيه خير لها ، ولكنها كانت تؤمن بأنه يجب

__________________

(١) BOA ,Cevdet Dahiliye (C.Dh) ٣٤٨١ ,Ra ٤٧٢١.

١٠٣

معاملتهم معاملة مختلفة طبقا للتنظيمات ، ولم يعط امتياز كهذا لأية دولة من الدول حتى الآن ، وأوضحت إيران أنها تمتاز عن غيرها من الدول بأنها تتمتع بحق الجوار مع الدولة العثمانية وتدين بنفس الدين منذ سنوات طوال ، وسعت لرفع هذا الامتياز عن رعاياها ، وبعد فترة تخلت الدولة عن تعقب الإيرانيين ، وقد أرسل الباب العالي تعليمات لوالي بغداد في ١٢ سبتمبر ١٨٥٨ م ورد فيها «لقد منع الأجانب الموجودون في الدولة العثمانية من تملك الأراضي وفي هذه الحالة أجبر الرعايا الإيرانيون على بيع وترك أراضيهم أيضا مما شكل عبئا كبيرا عليهم ، ولهذا السبب عليكم أن تتوقفوا عن إجبارهم ، ولكن القانون منع الأجانب من امتلاك أراض في الدولة العثمانية ولذا منع بيع أراض جديدة للإيرانيين وعند وفاة أحد المشترين أراضي حديثا يجب بيع أملاكه ، أما من يرغبون بيع أملاكهم حال حياتهم فإنهم سيبيعونه للمواطنين العثمانيين فقط» (١).

استمرت أعمال الترميمات والتوسيعات على نطاق كبير في الأضرحة من عام ١٨٤٤ م وحتى عام ١٨٦٣ م ، ونرى أن هناك فاعليات صغيرة بدأت بعد هذا التاريخ ، وكان من ضمنها الأعمال الموجهه لتزيين ضريح الإمام الحسين بالنجف وما شابه ذلك (٢).

وبعد عام ١٨٨٣ م قامت الدولة العثمانية ببعض المساعي في العديد من الميادين وعلى رأسها التعليم لتقوية السنة ؛ وكان هذا الأمر منبعه زيادة عدد الشيعة في كل العراق وعلى رأسها كربلاء استخدام إيران لهؤلاء الشيعة في تحقيق أهدافها ، وقبل هذا التاريخ قامت الدولة العثمانية ببعض المساعي في مجال التعليم ولكنها كانت مساعي بسيطة ،

__________________

(١) Nasiri ,a.g.e.,s.٦٣١ ,٨٣١.

(٢) BOA ,A.MKT.MHM ٩٩٢ / ٥٩.

١٠٤

وكانت المدرسة والمسجد المخطط لإقامتهما في النجف عام ١٨٥٨ م واحدا من النشاطات الموجهة لهذا الهدف (١).

وقد تقرر تخصيص مبلغ (٥٠٠) قرش للاعتناء بنظافة السبيل الذي رممته والدة السلطان بزم عالم في فناء ضريح الحسين ، ومبلغ (٢١٦٠) قرشا من مبلغ (١٠٢٠٠) قرش المخصصة لتعيين خادم للشيخ أحمد دده شيخ الطريقة المولوية ، وأن يخصص مبلغ (٩٠٤٩) قرشا من الدخل الزائد لأوقاف بغداد لشراء حانوت لتوسعة السبيل (٢).

لم تقتصر نشاطات الإيرانيين الإعمارية في كربلاء على المدارس والأضرحة فقط ، وعلى سبيل المثال في عام ١٨٦٨ م تقدم محمد قولي خان أحد الرعايا الإيرانيين بطلب السماح له بترميم المحل المسمى (باشا خان) الموجود في كربلاء لأنه أو شك على الخراب (٣).

أما الدولة العثمانية فقد استمرت في القيام بأعمال الترميمات اللازمة للأضرحة ، ومن ذلك أنها أنفقت (٧٤٠٠) قرش كمصاريف لإصلاح قبتي ضريح الإمام الحسين والإمام زين العابدين اللتين تعرضتا للخراب بفعل الرياح القوية التي هبت عام ١٨٧٤ م (٤).

وفي عام ١٨٧٦ م تقدم الشيخ عبد الحسين بطلب السماح له بترميم وتزيين الأقسام التي أشرفت على الخراب في الأضرحة الموجودة في كربلاء بمبلغ (٥٠٠٠) تومان كان قد جمعها على روح ميرزا خان الإيراني ، وكان رد الدولة العثمانية في ٥ مايو ١٨٧٦ م كأنه اعتراف بخطئها السابق حيث قالت : «إن أفضل شيء هو عدم إقحام الآخرين في

__________________

(١) BOA ,A.MKT.UM ٧٢٣ / ٤٤.

(٢) BOA ,Irade Meclis ـ i Sura (I.MS) ٩٧٣ ,) ٤٢ R ٥٨٢١ (.

(٣) BOA ,Ayniyat Defteri ٩٤٨ ,s.٥٢ , (٦٢ R ٥٨٢١).

(٤) BOA ,I.Dh ٤٣٥٧٤.

١٠٥

ترميم (العتبات المقدسة) من البداية ، ولكن قد سمح لشيعة إيران والهند بعمل الزينات والترميمات حتى هذا اليوم» (١) ولذا اضطرت الدولة العثمانية إلى رفض طلب الشيعة ، وبالتوازي مع هذا أصدرت الدولة في عام ١٨٨٣ م أوامرها بفتح المدرسة والمسجد اللذين بنيا باسم أهل السنة في مدينة كربلاء والتي يشكل الشيعة الغالبية العظمى من أهلها ، واستمرت تلك المدرسة وهذا المسجد في تقديم خدماتهما العلمية والدينية للأهالي ، وحتى تضمن الدولة سير تلك العملية على خير ما يرام عينت الشيخ طه أفندي ـ وهو أحد المشايخ المشهورين ـ إماما وخطيبا ومدرسا وعينت معه بعض الموظفين الآخرين وخصصت لهم الرواتب ، وقد خصص للشيخ وهؤلاء الموظفين رواتب على هذا النحو : فقد خصص للمدرسة (٣٠٠) قرش وللإمام والخطيب (٤٠) قرشا وللمؤذن (٣٠) قرشا وللآخرين (٢٥) قرشا ولنفقات المتصرف (٩١) قرشا وبذلك يكون المجموع (٥٨٩) قرشا ، وقد أخطر مجلس إدارة بغداد بأن تدفع تلك المصروفات والرواتب من الدخل الزائد لأوقاف ولاية بغداد ، ورأت إدارة أوقاف بغداد أنه من المناسب تخصيص تلك الرواتب من حاصلات وقف الإمام العباس والحسين (٢).

كانت سياسة الجامعة الإسلامية التي انتهجها السلطان عبد الحميد الثاني تستوجب تطوير العلاقات العثمانية ـ الإيرانية ، ولذا وجب على الدولة العثمانية أن تتصرف بمرونة أكثر مع رغبات إيران الخاصة بعمل أية نشاطات في الأضرحة ، إلا أنه لم يغب عن الدولة العثمانية تحديد هذا الأمر على الفور ، ومن ذلك أنها لم تأذن لشاه إيران بترميم الأقسام التي أشرفت على الخراب في ضريح الإمام الحسين وقامت هي بعمل

__________________

(١) BOA ,HR.SYS ٢٨ / ٩ , (٣٢ R ٣٩٢١).

(٢) BOA ,I.Dh ٣٢٣٣٧ ,Lef : ٦ , (٥١ L ١٠٣١).

١٠٦

تلك الترميمات ، وقررت أن تسدد ولاية بغداد نفقات تلك الأعمال (١).

إلا أن الحكومة العثمانية أدركت على الفور الخطأ الذي ارتكبته عندما رفضت طلب الشاه ، وسمحت لإيران القيام بذلك حتى لا تفسد العلاقات بينها وبين إيران مجددا (٢). وبالرغم من هذا يصعب القول بأن العلاقات بين الدولتين لم تفسد ، فبعد فترة قصيرة سعت الدولة العثمانية لمنع إيران من التدخل في الأعمال الخاصة بالترميم ، وعلى سبيل المثال فبعد الانتهاء من ترميم إيوان النهارية الموجود في فناء ضريح الإمام الحسين تم البدء في ترميم إيوانات الغرف المحيطة به وذلك في ١٨ يناير ١٨٩٠ م ، كما أن الأقسام التي بنيت قبل مائة عام على يد شاه إيران محمد شاه قد رممت قبل سبع وعشرين سنة على يد شاه إيران أيضا ، إلا أن الدولة العثمانية نحّت إيران عن هذا الأمر وكلفت والي بغداد به ، وخصصت لهذه الإنشاءات مبلغ (١٦٢٧٠٠) قرشا لذلك (٣) ، وبعد عام من هذا التاريخ تم البدء في أعمال توسيع هذه الأضرحة مقدما وأنفق فيها مبلغ (٢٩٣٤٤) قرشا في ٢١ نوفمبر ١٨٩٠ م (٤) ، أما آخر عمل قامت به الدولة العثمانية في ضريح الإمام الحسين فكان عام ١٩١٥ م (٥).

ويمكن لفت الانتباه للنقاط التالية أثناء قيام الدولة العثمانية بأعمال الترميم في الأضرحة :

١ ـ يستحيل قيام أية دولة بعمل في تلك الأضرحة متجاهلة الدولة العثمانية.

__________________

(١) BOA ,Meclis ـ i Vukela (MV) ٩ / ٦٩ ,) ٨ S ٣٠٣١ (.

(٢) BOA ,MV ٠١ / ٩٨ , (٩ L ٣٠٣١).

(٣) BOA ,Irade Meclis ـ i Mahsus (I.MM) ٧٨٧٤ ,Lef : ٢.

(٤) BOA ,I.Dh ٤٨٧٣٩ , (٨ Ra ٨٠٣١).

(٥) BOA, Dahiliye Nezareti, Evraki, Emniyet ـ i Umumiye Mudiriyeti) DH. EUM (, ٤. Sb ٣ / ٣٥,) ٨٢ L ٣٣٣١ (.

١٠٧

٢ ـ يمنع الرعايا الأجانب أو غير العثمانيين من القيام بأي عمل خاص بالترميم أو التوسيع أو التجديد في الأضرحة ولكن يسمح لهم فقط بدفع الأموال لذلك ، بمعنى أن تلك الأعمال تتم على يد المهندسين والعمال العثمانيين وبإذن من الحكام العثمانيين.

٣ ـ أولت الدولة العثمانية أهمية كبرى في عدم الإضرار بالشكل الأصلي للأضرحة أثناء عمل الترميمات والتوسعات.

٤ ـ رأت الدولة ضرورة للحصول على إذن من مقام الفتوى بخصوص ما إذا كان هناك مانع ديني في إجراء تلك الترميمات أو التوسعات أم لا.

٥ ـ يجب الابتعاد عن الأعمال التي تخالف الدين أثناء عمل الترميمات للأضرحة والمساجد على يد الخبراء.

٦ ـ لم تأذن الدولة العثمانية بتوقف الأعمال الإنشائية في منتصفها لأي سبب من الأسباب لمراعاتها حرمة أهل البيت.

٧ ـ أخذت الدولة العثمانية موقفا ضد رغبات صدر الدولة الإيراني في ترميم الأضرحة الموجودة في الأماكن المقدسة في العراق باسمه وفهم أن عمل تلك الترميمات من قبل الدولة أفضل لمصالحها لأنه يزيد من نفوذها في المنطقة ولم تتأخر في عمل كل الإجراءات ودفع المصروفات الخاصة بهذه الترميمات.

٣ ـ إدارة الأضرحة

١ ـ أمن الأضرحة وخدمها وأوقافها

قبل تولي نجيب باشا ولاية بغداد خرجت من مراقبة الحكومة المركزية للدولة إدارة ضريح الإمام الحسين والإمام العباس في كربلاء وضريح سيدنا علي في النجف ، فقد كانت تلك الأضرحة تدار بواسطة

١٠٨

بعض الإيرانيين الذين يتخذون من إيران والشيعة العرب الموجودين في المنطقة حاميا لهم ، وكما أن متولي الأضرحة الذين قويت شوكتهم بسبب ضعف الإدارة المركزية للدولة في تلك المناطق يرفضون دفع الضرائب وسائر التكاليف الأخرى ، ولقد طغوا وعصوا لدرجة أنهم قتلوا الموظفين الذين أرسلهم داود باشا والي بغداد ، واستمر هذا الوضع حتى عهد ولاية نجيب باشا.

وقد انتهت الحركة العسكرية التي قام بها نجيب باشا في كربلاء عام ١٨٤٣ م لتأسيس سلطة للدولة العثمانية هناك بنجاح تام ، وعيّن نجيب باشا قائمقاما لكربلاء وعيّن معه بعض الموظفين الآخرين بعد ما نفى متولى الأضرحة من العرب والعجم ، ووفر الأمن وأعاد تأسيس الإدارة الملكية هناك ، وقد تأثرت النجف التي تعد قضاء تابعا لكربلاء بالأحداث التي جرت في كربلاء ، وأسست الإدارة الجديدة للدولة بدون تردد ، وبذلك تحقق الأمن وفرضت السيطرة هناك ، وفي تلك الفترة ثبت وجود موظفين إيرانيين بين الموظفين الذين يخدمون في العتبات العالية ، واعتقد والي بغداد أن استخدام الموظفين الإيرانيين في تلك العتبات سيؤدي إلى ظهور مشكلات وسيضرّ بالأمن على الدوام ، كما رأى أنه ليس من المناسب حفظ هؤلاء الموظفين للهدايا الثمينة التي كانت تهدى للأضرحة والمحتمل زيادتها في كل وقت وحين ، ولهذا تقرر عزل الموظفين الإيرانيين على الفور وتعيين موظفين عثمانيين بدلا منهم.

أما بالنسبة لوظيفة «حامل مفتاح الضريح» فلم تكن هناك قاعدة دينية تستوجب إعطاء تلك الوظيفة لأشخاص مخصوصين وتوريث تلك المهمة لأبنائهم ، واعتمدت الدولة على عدم وجود تلك القاعدة المطبقة في الحرمين ولم تجد أي مانع في تغيير هؤلاء الموظفين ، وأعادت الدولة تنظيم أصول تعيين موظفي الأضرحة ، فقد اتبعت الدولة نظاما محددا في تعيين حامل مفتاح الضريح الذي اعتبر من موظفي الدولة ، وطبقا لهذا

١٠٩

النظام يتقدم لشغل هذا المنصب أكثر من شخص ويؤخذ رأي خدم الأضرحة الأخرى وتقوم الولاية باختيار أفضل العناصر المتقدمة وبالطبع سيكون المتقدمون من الرعايا العثمانيين (١).

بعد ذلك ظهر أن التنظيم الخاص بموظفي الأضرحة لم ينفذ كما يجب ، واتضح أن كثيرين من أصحاب النفوذ في بغداد وعلى رأسهم الإيرانيون قد شغلوا هذا المنصب ، وأحسن مثال لذلك هو استمرار النزاع بين العرب والمجاورين الإيرانيين على وظيفة خادم ضريح الإمام العباس ، ويفهم أن تلك الخلافات قد استمرت رغم تأسيس السلطة المركزية ، وقد أوصى محمد نامق باشا الوالي السابق لبغداد في إحدى لوائحه بضرورة إحياء العمل بالقواعد التي وضعها نجيب باشا لهذا الأمر أو وضع قانون خاص بتعيين حامل مفتاح الضريح لإنهاء هذا الصراع الدائر بين العرب والإيرانيين منذ فترة طويلة على هذا المنصب ، ومع أن نامق باشا أوصى بضرورة تعيين السيد محمد حسين أفندي في منصب حامل مفتاح ضريح العباس إلا أنه أوضح أن من مصلحة الدولة تأجيل تعيينه لفترة ما ، ولما أوصى نامق باشا بتلك التوصيات أوضحت الدولة أنها ستتخذ قرارا في هذا الشأن بعد مشاورة عبد الرحمن باشا والي بغداد السابق (٢).

ووظائف الأضرحة هي فتح الضريح للزوار وقبول الهدايا التي يجلبها الزوار وحفظها وتسجيلها في الدفتر الخاص بذلك وأهم تلك الوظائف هي حامل مفتاح الضريح ، وكان يجب تخصيص رواتب جيدة لمن يعملون في هذه المناصب حتى لا يسيؤوا استعمال هذه المناصب ، ومما يلفت الانتباه أن الدولة لم ترفض الطلبات التي قدمها هؤلاء

__________________

(١) BOA, Yildiz Tasnifi, Komisyonlar Maruzati) Y. PRK. KOM (٤ / ٣٣,) ١١ S ١٠٣١ (.

(٢) BOA ,Y.PRK.KOM ٤ / ٣٣ ;I.Dh ٨٠٥٦٦ , (٧٩٢١).

١١٠

الموظفون لزيادة رواتبهم ولكن بعد ما ضعف اقتصاد الدولة عادت أمور الأضرحة كما كانت في السابق.

وبحثت مسألة رواتب موظفي الأضرحة مع الفترة الجديدة التي بدأت في كربلاء عام ١٨٤٣ م ، ففي نفس التاريخ طلب كل من عبد القادر أفندي وعبد الحي أفندي من نظارة الأوقاف الهمايونية معرفة موقف رواتبهم ، وقد تباحث ناظر الأوقاف الهمايونية مع ناظر المالية في هذا الأمر وصدر قرار بالتخلي عن الشكل القديم في دفع الراتب وذلك لمنع دفع مرتب خارج ميزانية الدولة ، وقرر منحهم عطية زيادة على رواتبهم ، حيث تقرر منحهما عطية قدرها (١٠٠٠) قرش (١) ، ولم تستمر تلك الأصول أيضا لفترة طويلة ، وفي عام ١٨٤٦ م تم البدء في تخصيص مبلغ (٥٠٠٠) قرش شهريّا لرواتب خدم الأضرحة ، إلا أن خدم الأضرحة تقدموا بطلب لنظارة المالية يشكون فيه من قلة هذا المبلغ المخصص لهم وطلبوا زيادته ، ووافقت النظارة على الزيادة المطلوبة ، ومقابل هذا أمرتهم بضرورة إخطار النظارة بأسماء خدم الأضرحة ، إلا أن ولاية بغداد أوضحت أن خزانة الولاية لا يوجد بها أموال كافية لهذه الزيادة المطلوبة ورفضت طلب الزيادة ، وحينئذ قدمت المعلومات المطلوبة عن العاملين إلى الحكام (٢) ، كل تلك التطورات دعت ولاية بغداد للتحرك لحل تلك المشكلة وقررت صرف راتب شهري مقداره (٤٠٠٠) قرش ومصاريف للطريق قدرها (١٧٠٠٠) قرش لتعيين مدير لأوقاف مدينة النجف (٣).

قدمت كثير من الهدايا للعتبات العالية سواء من الرعايا العثمانيين أو من إيران أو من الهند ، وكان فقدان تلك الهدايا القيمة من أهم

__________________

(١) BOA ,I.Dh ٥١٤٣ , (٣١ S ٨٥٢١).

(٢) BOA ,I.MV ٨٥٥٢ ,Lef : ٣.

(٣) BOA ,Cevdet Evkaf ٧٢٣٨ ,Ca ٤٦٢١.

١١١

المشكلات التي تواجه الإداريين هناك ، وكانت الدولة ترى أن خدم الأضرحة هم المسؤولون عن فقدان تلك الهدايا ، وبخلاف فعاليات الترميم التي بدأتها الدولة العثمانية في ١٨٤٠ م و ١٨٥٠ م كثّفت جهودها كي لا يسيء الخدم استعمال وظائفهم ، ولتأمين الحفاظ على الهدايا القيمة التي تفد إلى الأضرحة ، ولهذا ذهب مدير أوقاف بغداد إلى كربلاء لبحث هذا الموضوع (١) ، وكان يتم فحص وتسجيل تلك الهدايا والأشياء الواردة إلى الأضرحة قبل نظارة الأوقاف ولكن بعد ذلك حملت نظارة الأوقاف هذه المسؤولية وأعطتها أهمية بالغة (٢).

وقد تلقت الدولة العثمانية أخبارا من سفيرها في طهران بأن شاه إيران أرسل لضريح الإمام الحسين عام ١٨٥٠ م سيفا ذهبيّا وبعض الهدايا القيمة الأخرى ، وأرسلت الدولة أمرا لوالي بغداد بضرورة البحث والتحرّي عن هذا الموضوع (٣).

ويحتمل ان يكون هذا الخبر الوارد من إيران هو السبب في قيام النظارات بالتفتيش الهام الذي حدث عام ١٨٥٠ م ، وفي فترة نظارة الأوقاف فحصت محتويات الأضرحة بطريقة منظمة في فترات قصيرة ، إلا أن التعداد الناقص الذي لم يتغير كان هو المشكلة الأساسية ، فكانت الهدايا تقبل في خارج الأضرحة وتعدّ داخلها ، وكان إدخال خدم الأضرحة كل الهدايا أمرا مشكوكا فيه ، وقد اقترح قائمقام كربلاء تسجيل تلك الهدايا في دفاتر قبل إدخالها الضريح (٤) ، كما كانت هناك مخاوف أخرى من تبديل خدام الأضرحة لتلك الهدايا بهدايا مزيفة تشبهها ، الأمر الذي جعل نظارة الداخلية تأخذ إجراء آخر لضمان عدم حدوث ذلك ،

__________________

(١) BOA ,HR.MKT ٩٢ / ٩٦ , (٧١ Ra ٦٦٢١).

(٢) BOA, Evkaf Nezareti ـ Haremeyn Muhasebeciligi) EV. HMH (٧١٠٩.

(٣) BOA ,A.MKT.UM ٩٤ / ٥٢ , (٦١ R ٧٦٢١).

(٤) BOA ,I.Dh ٩٠٤٤١ ,Lef : ٢.

١١٢

وأوصت بتسجيل الهدايا في دفتر القائمقام لمقارنتها بدفتر حامل مفتاح الضريح (١).

يفهم أن الإدارة قد قبلت سياسة إعطاء منصب حامل مفتاح الضريح للأغنياء ، وعلى سبيل المثال عندما عين محمد سعيد أفندي حاملا لمفتاح ضريح الإمام العباس في أغسطس عام ١٨٥٥ م منح الجيش (٥٠٠٠) قرش مقابل الخدمات التي قامت بها الدولة العثمانية للأضرحة ، وبهذا الفعل الجيد قوى محمد سعيد أفندي مركزه وضمن بقاءه في منصب حامل مفتاح الضريح لفترة طويلة وأصبح نافذ الكلمة (٢).

كان يعين حامل مفتاح الضريح وبقية الموظفين الآخرين من أهالي المنطقة الموجود بها الضريح ، وبالرغم من أنهم كانوا من الشيعة إلا أنهم كانوا مخلصين للدولة العثمانية مرتبطين بها ارتباطا جيدا ، كما يلاحظ أن حامل مفتاح الضريح كان ذا نفوذ مادي ومعنوي كبير على أهالي منطقته ، وعلى سبيل المثال فقد ذكر عبد الرحمن باشا والي بغداد في الفترة من ١٨٧٦ إلى عام ١٨٧٩ م في لائحته أسماء أشراف وأعيان النجف وكربلاء ، وكان حاملو مفاتيح الأضرحة على رأس تلك الأسماء ، وقد أوضح في اللائحة المذكورة أن حامل مفتاح ضريح الإمام الحسين هو السيد جواد أفندي من آل درويش وحامل مفتاح ضريح الإمام العباس هو السيد مرتضى أفندي من آل زاوي وهما من أهم الأسماء الموجودة في كربلاء ، أما أهم شخص في النجف فهو السيد جواد أفندي من آل رفيع وهو حامل مفتاح ضريح الإمام علي.

وقد قام حاملو مفاتيح الأضرحة بمساع تشبه المساعي الدبلو ماسية بين الدولة العثمانية وإيران ، وخصصت الدولة راتبا للسيد حسن أفندي

__________________

(١) BOA ,I.Dh ٩٠٤٤١ ,Lef : ٣ , (٣١ S ٧٦٢١).

(٢) BOA ,A.MKT.MHM ٤٧ / ١٢ , (٧ Z ١٧٢١).

١١٣

البغدادي حامل مفتاح ضريح الإمام العباس في ١٠ نوفمبر ١٨٦٢ م لشغله تلك الوظيفة ولإخلاصه للدولة وقيامه بالعديد من الخدمات في مجال تحسين العلاقات العثمانية الإيرانية (١) ويفهم أن الدولة العثمانية كانت تقدرهم وتعتبرهم من رجال السياسة الذين لا يحملون وظيفة سياسية.

وقد جرت العادة بأن يقدم كل من يرغب شغل منصب حامل مفتاح الضريح مساعدات للضريح بقدر احترامه وتقديره له (٢) ، حتى إنه في بعض العهود صار التعيين في هذا المنصب على حسب المساعدات المقدمة للضريح ، وفي بعض الأحيان لم تراقب تلك المساعدات كما ينبغي ، ومن ذلك على سبيل المثال : في سنة ١٨٥٧ م وضع في الحسبان تعيين حسين أفندي لشغل منصب حامل مفتاح الضريح بعد السيد محمد سعيد أفندى ، ولكن لما توفي سعيد أفندي سنة ١٨٧٠ م عين مكانه محمد صالح (٣) ، وأدى هذا الأمر إلى خلق جو من النزاع بين الأشخاص والجماعات ، فبعض الأشخاص الذين كانوا يريدون تولي هذا المنصب كانوا يظهرون أنفسهم على أنهم دفعوا الأموال في حين أنهم لم يدفعوا شيئا ، وعلى سبيل المثال فإن شخصا من الراغبين في شغل منصب حامل مفتاح ضريح الإمام العباس قد أرسل تلغرافا مزيفا عليه توقيع الحاج محسن (٤) ، ومن الأمثلة المطروحة يلاحظ أن أكثر الانحرافات كانت تتم أثناء تعيين في منصب حامل مفتاح ضريح الإمام العباس ، لأن منصب حامل مفتاح ضريح الإمام العباس كان هو المنصب الوحيد الذي استمر عليه الخلاف بين الشيعة العرب والإيرانيين بالرغم من إحكام الدولة العثمانية قبضتها على الأضرحة بعد تولي نجيب باشا ولاية بغداد.

__________________

(١) BOA ,A.MKT.MHM ٦٤٢ / ٠٢ , (٧١ Ca ٩٧٢١).

(٢) BOA ,Ayniyat Defteri ١٥٨ ,s.٦٨.

(٣) BOA, A. AMD ٠٨ / ١٨, ٣٧٢١; BOA, Ayniyat Defteri ٩٤٨, s. ٦٨,) ٤ R ٧٨٢١ (.

(٤) BOA ,Ayniyat Defteri ٩٤٨ ,s.٠٨١ , (٤١ R ٢٩٢١).

١١٤

٢ ـ الهدايا الثمينة الموجودة في الأضرحة

إن الهدايا الواردة للعتبات العالية بسبب حب واحترام الشيعة لها قد جعل الأضرحة كالخزائن المليئة وكان حفظ تلك الهدايا أمرا صعبا لارتفاع قيمتها.

وها هي الهدايا الرئيسية التي أرسلت إلى أضرحة الإمام علي والإمام الحسين والإمام العباس : القرآن الكريم والماس والياقوت والزمرد والفيروز والذهب والفضة واللؤلؤ والأحجار الكريمة إلى آخرة والنحاس والسجاد والستائر والمفروشات والكليم والحديد والأسلحة والشمعدانات المزينة وشال وخيام ورايات وأعلام إلى آخره (١).

إن القواعد التي انتهجت منذ عهد السلطان سليمان القانوني لحفظ تلك الهدايا القيمة بتسجيلها في دفاتر وحفظها بشكل صحيح تعدّ أكثرها تأثيرا في هذا الشأن ، وبالرغم من ذلك كانت تظهر أحيانا بعض المشكلات والانحرافات ، فبعد تأسيس نظارة الأوقاف طلب منها بذل مساع لضبط تلك المسألة ، وكانت النظارة تفحص الدفاتر بشكل دائم ، وكان أول تاريخ لذلك الفحص عام ١٨٥٠ م (٢) ، أما ثاني أكبر تفتيش وفحص للأضرحة كان عام ١٨٥٨ م وفيه تم إحصاء كل ما في ضريحي الإمام الحسين والإمام علي ، وكان الإحصاء الذي تمّ في تلك المرة بمثابة القاعدة التي اتبعت بعد ذلك ، فكان الإحصاء يتمّ على الوجه التالي : تراجع الأشياء المحفوظة في الضريح بمعرفة حامل مفتاح الضريح والموظفين الآخرين برئاسة مدير أوقاف بغداد فتراجع كل واحدة منها على حدة وتدون أعدادها وقيمة كل منها ثم تسلم إلى أوقاف بغداد

__________________

(١) BOA, A. MKT. MHM ٥٣٧ / ٥٢, Lef : ٢, ٦١ Ra ٩٢٣١. Ayrica bkz. Evkaf Nezareti, Nezaret Sonrasi Evkaf Defterleri) EV (٦٤٦٦١) ٥٧٢١ (, EV ٢٥٦٦١) ٥٧٢١ (, EV ٨٦٤٩١,) ١٨٢١ ـ ٢٨٢١ (; EV ٩٦٤٩١,) ١٨٢١ (.

(٢) BOA ,I.Dh ٩٠٤٤١ ,Lef : ٢.

١١٥

التي تقوم بتسجيل تلك الأشياء في دفتر ترسل نسخة منه إلى المجلس العالي ، وبعد التصديق على الدفتر من المجلس العالي يسلم الدفتر مرة أخرى إلى مجلس كربلاء المعلى للتصديق عليه ثم يعطى لقائمقام كربلاء ، ثم يتم عمل إحصاء آخر بحضور مجلس قائمقامية كربلاء ومدير أوقاف بغداد ويدون في هذا الدفتر اسم وشهرة وعنوان الذين أهدوا تلك الهدايا للضريح ، وكان يتمّ نسخ صورة من هذا الدفتر ليلحق بدفتر أوقاف بغداد ، وكان هذا الإجراء يتمّ كل ثلاثة أشهر ، وتنتهي تلك الأعمال بتصديق مجلس ولاية بغداد على الدفاتر ، وتبقى تلك الهدايا تحت مسؤولية القائمقام الذي كان يقدم سندا بمسؤوليته عنها ، وأثناء عمل هذا الإحصاء كان يوجد قائمقام كربلاء وكاتب المال ونائب كربلاء وحامل مفتاح ضريح الإمام الحسين وحامل مفتاح ضريح الإمام العباس وأربعة أعضاء آخرين (١).

ومن الواضح أنه تمّ عمل إحصاء آخر عام ١٨٦٤ م وتمّ فيه تسجيل كل الهدايا الواردة بعد آخر إحصاء تمّ عمله ، ومن الواضح أنه قد وضع نظام جيد لعملية الإحصاء (٢).

وقد أوضحنا من قبل أن خزائن تلك الأضرحة كانت قد تعرضت للسرقة أكثر من مرة ، وكان النصيب الأكبر من تلك السرقات لضريحي الإمامين الحسين والعباس ، أما ضريح الإمام علي في النجف فكان محفوظا للغاية ، ولعلّ السبب في ذلك هو التمكن من الإحاطة بالمدينة في وقت قصير.

ويمكننا الحصول على معلومات بخصوص تلك الخزائن الموجودة في النجف وكربلاء من رحلة إبراهيم حقي بابان زاده المؤرخة بتاريخ

__________________

(١) BOA , (EV) ٦٤٦٦١) ٥٧٢١ (,EV ٢٥٦٦١) ٥٧٢١ (.

(٢) BOA ,EV ٨٦٤٩١ , (١٨٢١ ـ ٢٨٢١) ;EV ٩٦٤٩١ ,) ١٨٢١ (.

١١٦

١٩١١ م ، وبالرغم من أن المعلومات التي قدمها إبراهيم حقي تعدّ في فترة لاحقة لفترة در استنا إلا أنها توضح ما جرى في الفترة التي نتناولها بالدراسة ، ويذكر أنه كانت توجد خزانتان في النجف ، واحدة منها قديمة لا تفتح أبدا إلا بإذن من الدولة ، وقد فتحت مرة واحدة بإذن السلطان عبد العزيز أثناء زيارة الشاه ناصر الدين شاه إيران للنجف ، وكان ناظر الأوقاف كمال باشا موجودا في ذلك الوقت ، أما الخزانة الثانية فكانت تفتح لمن يرغب في ذلك ، وهذه كان بها ستائر وشيلان وغيرها من الهدايا البسيطة القيمة ، ويذكر بابان زاده أيضا أن ضريح الإمام العباس كان بمثابة ترسانة أسلحة فكانت خزانة هذا الضريح عبارة عن غرفتين مملوءتين بالسلاح والسيوف هذا بالإضافة إلى بعض الستائر والشمعدانات الأخرى ، إلا أن معظم تلك الأشياء كان متهالكا ، أما دفاتر الأوقاف فتوضح أن خزائن الأضرحة الثلاثة كانت بها الكثير من الهدايا القيمة.

وطبقا لمشاهدات بابان زاده اقترح أهالي وموظفو الأضرحة بيع تلك الهدايا وإنشاء المدارس والطرق والمستشفيات بثمنها ، حتى إن بعضهم اقترح إنشاء خط سكة حديد من خانقين إلى كربلاء ثم إلى النجف ودخل هذه السكك سيسد حاجيات العتبات ، ولكن لوحظ أن هذه الهدايا المقترح بيعها لن تكفي لإنشاء خط سكك حديد (١).

وهناك احتمال بأن الاتحاديين طوروا تلك الفكرة وتمّ تقييمها من قبل نظارة الأوقاف بعد ذلك ، وقررت النظارات بيع الأشياء الموجودة في ضريحي الإمامين الحسين والعباس وإقامة مستشفى في النجف وأخرى في كربلاء بأثمانها ، وظهر أنه من المناسب أن تستفتي نظارة الأوقاف علماء الشيعة والعلماء الآخرين في هذا الموضوع ، وبرغم صدور الفتوى

__________________

(١) Babanzade Ibrahim Hakki, Irak Mektuplari, Istanbul ٩٢٣١, s. ٢٥١, ٤٥١, ٥٥١.

١١٧

بإباحة بيع الهديا إلا أن الدولة لم تستصوب بناء مستشفى بثمن الأشياء المهداة إلى الأضرحة لأن أغلبها كان قد أهدي من قبل الهنود والإيرانيين وكان ذلك في ١٩ يونيو ١٨٩٥ م (١) ، ويفهم أن هذه الأفكار لم تتجاوز مرحلة الاقتراحات ، وبقيت هدايا الأضرحة في أماكنها ولم تمسّها يد الدولة لاحترامها وتقديرها لتلك الأضرحة.

وكما هو واضح لدينا فإن كل الأعمال الإدارية والفنية التي تمت في المدارس والمساجد والأضرحة في كربلاء وما حولها خلال الفترة التي نقوم بدراستها قد تمت بعناية كبيرة من جانب الدولة العثمانية. إن هذا الموضوع ذو حساسية وأهمية بالغة ولذا فقد تعقبت إيران كل فعاليات الدولة العثمانية في المنطقة ، أما الدولة العثمانية فقد اهتمت بسدّ الفجوة الموجودة قبل ذلك في المنطقة من ناحية ومن ناحية أخرى عملت على احتواء الرعايا الشيعة الموجودين في الأراضي العثمانية التابعين لها وكسب إخلاصهم حتى لا يخرجوا عن طوق السياسة الجديدة التي شكلتها الدولة ، وذلك لأن التطورات السياسية والعلاقات العثمانية الإيرانية كانت أهم عامل في تغيير البنية الاجتماعية والاقتصادية الموجودة في كربلاء.

وفي النهاية وجدنا أنه من المناسب أن نذكر الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي لتكون نموذجا يعطينا فكرة عما تحتويه تلك الأضرحة من هدايا ثمينة.

٣ ـ دفتر إحصاء الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي

أثناء عمل التنظيمات الجديدة في كربلاء تمّ إعادة تنظيم أمور الأوقاف في كربلاء ، فعين في إدارة الأوقاف الجديدة موظفون ومفتشون مهمتهم الحفاظ على الأوقاف والهدايا الموجودة في الأضرحة ، قامت

__________________

(١) BOA ,A.MKT.MHM ٥٣٧ / ٥٢ , (٧ R ٩٢٣١).

١١٨

إدارة الأوقاف بعمل إحصاء للهدايا الموجودة في الأضرحة بين الحين والآخر ، ويوجد في الأرشيف العثماني العديد من الدفاتر الخاصة بإحصاء وتعداد الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي والحسين والعباس ، ولقد وجدنا أنه من المناسب والمفيد إيراد ترجمة لأحد هذه الدفاتر حتى تعطينا فكرة عامة عن الأمانات الموجودة في تلك الأضرحة وقد وقع اختيارنا على الدفتر الخاص بضريح الإمام علي وها هي ترجمة دفتر إحصاء الهدايا الموجودة في ضريح الإمام علي :

«إن الهدايا الموجودة في الخزينة الجليلة لضريج الإمام علي رضي‌الله‌عنه وكرم الله وجهه تمت معاينتها وفحصها واحدة واحدة بالإرادة الصادرة في ١٦ ربيع الآخر لسنة ١٢٧٥ في حضور نائب حضرة سردار النجف الأشرف وسيد رضا حامل مفتاح ضريح الإمام المشار إليه وأعضاء المجلس وكل الخدم وقد وقعوا على صحة المفردات الواردة في الدفتر في ١٥ ربيع الأخر سنة ٧٥.

* مصحف في كيس قطيفة مشغول بالسلك الفضي على شكل مجموعة مكتوبة بالخط الكوفي على رواية الإمام المشار إليه ، عدد الأجزاء : ١+ ١ ٢. (كما يوجد جزء به سورة البقرة بنفس الخط المبارك).

* مصحف في كيس من القماش مشغول بالسلك ومكتوب عليه بالخط الكوفي المبارك على رواية سيدنا الإمام الحسن رضي‌الله‌عنه. عدد الأجزاء : ١.

* صرة فيها غطاءان كبيران ، وأخران وسط من غطاء البيت الشريف مرسلة من قبل السلطان خصيصا للصندوق المبارك للإمام المشار إليه.

عدد : ١ صرة.

* مصحف من القطع الكبير ما بين سطوره محلّى ومجدول بالذهب كتب بخط ميرزا أحمد تبركا من الإمام قولي ميرزا ابن نادر شاه في كيس بالي من الحرير : عدد الأجزاء : ١.

١١٩

* مصحف من القطع المتوسط ما بين سطوره تفسير بالفارسي بخط محلى ومجدول بخط محمد علي في كيس مطبوع من قبل وقف السيدة خير النسا. عدد الأجزاء : ١+ ١ ٢.

* مصحف متوسط القطع ما بين سطوره تفسير بالفارسي ومحلى ومجدول وتبركا من تاج الدولة. عدد الأجزاء : ١.

* مصحف متوسط القطع مكتوب بخط جلي ومحلّى ومجدول بخط ياقوت المعتصمي في كيس من جيت. عدد الأجزاء : ١.

* مصحف كبير القطع ذو حاشية وما بين سطوره تفسير بالفارسي ومحلى ومجدول في كيس من قماش جيت تبركا من محمد حسين خان الفراهي. عدد الأجزاء : ١.

* مصحف كبير القطع مجدول بالخط الجلى تبركا من سند السلطان مير محمد نسير خان ويقع في ثلاثة أجزاء في كيس من قماش طاقه. كيس : ١ ، عدد الأجزاء ٣.

* مصحف كبير القطع ما بين سطوره محلى ومجدول بالخط الجلي وذو حاشية تحتوى على تفسير بالفارسية. عدد الأجزاء : ١.

* مصحف وزيري (مستطيل) القطع محلى ومجدول وما بين سطوره تفسير بالفارسي بخط أبو القاسم وتبركا من الحاج محمد حسين.

عدد الأجزاء : ١.

* مصحف متوسط القطع محلى ومجدول وما بين سطوره تفسير بالفارسي بخط ميرزا أحمد التبريزي تبركا من علي مراد خان الإيراني في كيس من قماش جيت. عدد الأجزاء : ١.

* مصحف وزيري (مستطيل) القطع ما بين سطوره محلى ومجدول بالذهب بخط علاء الدين التبريزي تبركا من علي مراد خان في كيس من قماش جيت. عدد الأجزاء : ١

١٢٠