الزبدة الفقهيّة - ج ٢

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-55-8
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٥٢

ويؤخر الباقي إلى أن يريد صلاة العصر. وربما أتبعها بأربع (١) وست (٢) وأخّر الباقي (٣).

وهو السرّ في اختلاف المسلمين في أعداد نافلتيهما (٤) ، ولكن أهل البيت أدرى بما فيه (٥).

ولو أخّر المتقدمة على الفرض عنه (٦) لا لعذر نقص الفضل وبقيت أداء ما

______________________________________________________

(١) ويرشد إليه خبر البزنطي : (قلت لأبي الحسن عليه‌السلام : إن أصحابنا يختلفون في صلاة التطوع ، بعضهم يصلي أربعا وأربعين ، وبعضهم يصلي خمسين ، فأخبرني بالذي تعمل به أنت كيف هو؟ حتى أعمل بمثله فقال : أصلي واحدة وخمسين ركعة ثم قال : أمسك وعقد بيده ، الزوال ثمانية وأربعا بعد الظهر وأربعا قبل العصر وركعتين بعد المغرب وركعتين قبل العشاء الآخرة وركعتين بعد العشاء من قعود تعدان بركعة من قيام) (١).

(٢) ويدل عليه خبر سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (صلاة النافلة ثمان ركعات حين تزول الشمس قبل الظهر وست ركعات بعد الظهر ، وركعتان قبل العصر وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان بعد العشاء الآخرة) (٢) الحديث.

(٣) بالنسبة لتقديم ركعتين بعد الظهر فلم يرد خبر بتأخير تمام الستة إلى ما قبل العصر ، وإنما الوارد هو الذي تقدم من تأخير ركعتين ويكون الساقط من نافلة العصر أربع ركعات ، وقد تقدم أنه من مراتب الفضل بعد مرتبة الواحد والخمسين.

(٤) ذهب أحمد بن حنبل إلى استحباب ركعتين بعد الظهر ولم يذكر قبل العصر شيئا وكذا الشافعي في أحد قوليه ، وقوله الآخر أربع ركعات بعد الظهر وأربع ركعات قبل العصر ومثله ما عن مالك وإن كان لا حد للنوافل الراتبة بالنسبة للظهرين عنده ، وعن أبي حنيفة ركعتان بعد الظهر وأربع قبل العصر وإن شاء ركعتين.

(٥) فالإتيان ببعض نوافل العصر بعد الظهر لا يعرف أنه من نوافل العصر إلا من طريق أهل البيت عليهم‌السلام.

(٦) متعلق بقوله : (ولو أخّر) والمعنى أن نافلة الظهرين متقدمة على فرض الظهرين فلو أتى بالفرض قبل النافلة ثم أتى بالنافلة مع بقاء وقتها لا لعذر كان ذلك نقصا في فضلها لأنه مشروط بتقديمها على الفرض.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ٧.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ١٦.

٤١

بقي وقتها ، بخلاف المتأخر (١) فإن وقتها لا يدخل بدون فعله (٢).

(وللمغرب (٣) إلى ذهاب الحمرة المغربية (٤) ، وللعشاء كوقتها (٥)) فتبقى أداء إلى أن ينتصف الليل ، وليس في النوافل ما يمتد بامتداد وقت الفريضة على المشهور سواها (٦) (وللّيل (٧) بعد نصفه) الأول (إلى طلوع الفجر) الثاني (٨).

______________________________________________________

(١) أي المتأخر عن الفرض من النوافل كنوافل المغرب.

(٢) أي بدون فعل الفرض فلو أتى بالنوافل المغربية قبل المغرب لم تقع صحيحة لأن صحتها مشروطة بالبعدية عن المغرب.

(٣) أي وقت نافلة المغرب.

(٤) على المشهور بل في المدارك : «أنه مذهب الأصحاب لا نعلم فيه مخالفا» لمرسل الصدوق عن أبي جعفر عليه‌السلام : (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يصلي بالنهار شيئا حتى تزول الشمس.

إلى أن قال. فإذا آبت وهو أن تغيب صلى المغرب ثلاثا وبعد المغرب أربعا ثم لا يصلي شيئا حتى يسقط الشفق فإذا سقط الشفق صلّى العشاء) (١).

وعن الذكرى والدروس والحبل المتين وكشف اللثام والذخيرة الميل إلى امتداد وقتها بامتداد وقت الفريضة لإطلاق أدلة المشروعية بعد قصور الخبر عن تحديد وقتها بالحمرة المغربية لأنه دال على فعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من دون الدلالة على عدم جواز وقوع النافلة بعد الشفق المغربي.

(٥) أي ونافلة العشاء كوقت فريضة العشاء ممتدا إلى منتصف الليل بالاتفاق لإطلاق أدلة مشروعيتها من دون وجود دليل مقيّد بوقت خاص.

(٦) أي سوى نافلة العشاء.

(٧) أي ولنافلة الليل.

(٨) أي الصادق وهو مما لا خلاف فيه ويشهد له مرسل الفقيه : (قال أبو جعفر عليه‌السلام : وقت صلاة الليل ما بين نصف الليل إلى آخره) (٢) ، وصحيح الفضيل عن أحدهما عليه‌السلام : (أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة) (٣) ، وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا صلّى العشاء الآخرة آوى إلى فراشه فلا يصلي شيئا إلا بعد انتصاف الليل لا في شهر رمضان ولا

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ٦.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

٤٢

.................................................................................................

______________________________________________________

في غيره) (١) ، وأفضل أوقاتها الثلث الأخير من الليل لصحيح إسماعيل الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : (وسألته عن أفضل ساعات الليل ، قال : الثلث الباقي) (٢) ، وخبر المروزي عن الإمام العسكري عليه‌السلام : (فإذا بقي ثلث الليل الأخير ظهر بياض. إلى أن قال. وهو وقت صلاة الليل) (٣) ، بل أفضل أوقات الثلث الأخير ما كان وقت السحر وهو قريب الفجر لخبر الأعمش عن جعفر بن محمد عليهما‌السلام : (وثمان ركعات في السحر وهي صلاة الليل) (٤) ، ورواية الفضل عن الرضا عليه‌السلام : (وثمان ركعات في السحر) (٥) ، وخبر مرازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : متى أصلي صلاة الليل؟ قال عليه‌السلام : صلها آخر الليل) (٦) ، وموثق سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وثمان ركعات من آخر الليل) (٧) ، وخبر أبي بصير : (وأحب صلاة الليل إليهم آخر الليل) (٨).

نعم يجوز لذوي الأعذار كالمسافر والشاب الذي يصعب عليه القيام في آخر الليل ومن خاف البرد أو الاحتلام والمريض تقديمها على منتصف الليل للأخبار منها : خبر أبي جرير ابن إدريس عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما‌السلام : (صل صلاة الليل في السفر من أول الليل في المحمل والوتر وركعتي الفجر) (٩) ، وخبر محمد بن حمران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن صلاة الليل أصليها أول الليل؟ قال عليه‌السلام : نعم إني لأفعل ذلك ، فإذا أعجلني الجمّال صليتها في المحمل) (١٠) ، وصحيح ليث عن أبي عبد الله عليه‌السلام عن صلاة الليل أول الليل في الليالي القصار في الصيف : (فقال عليه‌السلام ، نعم نعم ما رأيت ، ونعم ما صنعت ، يعني في السفر) (١١) ، وصحيح يعقوب الأحمر مثله مع زيادة : (ثم قال : إن الشاب يكثر النوم فأنا آمرك به) (١٢) ، وخبر الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن خشيت أن لا تقوم في آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصل وأوتر في أول الليل في السفر) (١٣)

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٥.

(٤) (٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ٢٥ و ٢٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ١٦.

(٨) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ٢.

(٩ و ١٠ و ١١ و ١٢ و ١٣) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت حديث ٦ و ١١ و ١ و ١٧ و ٢.

٤٣

والشفع والوتر من جملة صلاة الليل هنا (١) ، وكذا تشاركها في المزاحمة بعد الفجر لو أدرك من الوقت مقدار أربع (٢) ، كما يزاحم بنافلة الظهرين لو أدرك من

______________________________________________________

وخبر الفضل بن شاذان عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : (إنما جاز للمسافر والمريض أن يصليا صلاة الليل في أول الليل لاشتغاله وضعفه وليحرز صلاته فيستريح المريض في وقت راحته وليشتغل المسافر باشتغاله وارتحاله وسفره) (١) ، وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا خشيت أن لا تقوم آخر الليل أو كانت بك علة أو أصابك برد فصلّ صلاتك وأوتر من أول الليل) (٢).

بل لو دار الأمر بين تعجيلها أول الليل وقضائها في النهار فيستحب القضاء للأخبار منها : خبر عمر بن حنظلة : (قال لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني مكثت ثمانية عشر ليلة أنوي القيام فلا أقوم ، أفأصلي أول الليل؟ قال : لا ، اقض بالنهار فإني أكره أن تتخذ ذلك خلقا) (٣) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما‌السلام سأله عن صلاة الليل أول الليل لمن تخوّف أن لا يقوم آخر الليل فقال عليه‌السلام : (لا صلاة حتى يذهب الثلث الأول من الليل والقضاء بالنهار أفضل من تلك الساعة) (٤).

(١) من حيث الوقت ، اعلم أن صلاة الليل قد أطلقت في الأخبار وكلمات الأصحاب على الركعات الثمانية كما في خبر معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أما يرضى أحدكم أن يقوم قبل الصبح ويوتر ويصلي ركعتي الفجر ويكتب له بصلاة الليل) (٥) إلا أن الإتيان بالشفع والوتر من ناحية الوقت تابع لصلاة الليل فتصح بعد انتصاف الليل ويشهد له صحيح الفضيل المتقدم : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصلي بعد ما ينتصف الليل ثلاث عشرة ركعة) (٦) ومثله غيره.

(٢) بحيث لو أدرك أربع ركعات من صلاة الليل قبل الفجر فيستحب له إتمام صلاة الليل بما فيها الشفع والوتر ثم يأتي بالصبح مع نافلتها لخبر محمد بن النعمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كنت أنت صليت أربع ركعات من صلاة الليل قبل طلوع الفجر فأتم الصلاة طلع أو لم يطلع) (٧).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٤ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣ و ١٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣ و ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٤٦ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

(٦) الوسائل الباب ـ ٤٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ٤٧ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

٤٤

وقتها ركعة (١) ، أما المغربية فلا يزاحم بها مطلقا (٢) إلا أن يتلبّس منها بركعتين فيتمها مطلقا (٣).

(وللصبح (٤) حتى تطلع الحمرة) (٥) من قبل المشرق ، وهو آخر وقت فضيلة

______________________________________________________

(١) لو أتى بركعة من نافلة الظهرين في وقت النافلة فيستحب له إكمال النافلة ولو دخل وقت فضيلة الفريضة ويشهد له خبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (فإن مضى قدمان قبل أن يصلي ركعة بدأ بالأولى ولم يصل الزوال إلا بعد ذلك. إلى أن قال. وإن كان صلى ركعة فليتم النوافل حتى يفرغ منها ثم يصلي العصر) (١) إلى آخر الخبر.

(٢) أي لا يزاحم فريضة العشاء بها سواء أتى منها بركعة أم لا.

(٣) فعن ابن إدريس أنه لو تلبّس بركعة منها ثم بلغ وقت فريضة العشاء من سقوط الشفق المغربي أتمها أربعا وقال عنه في الجواهر : «ولعله للقياس على نوافل الظهرين وهو مع أنه حرام عندنا مع الفارق لمزاحمة كل منهما فريضتها لا فريضة أخرى».

وذهب جماعة منهم المحقق في الشرائع والعلامة في القواعد والإرشاد والتحرير والمنتهى والشهيدان إلى أن لو تلبس بركعتين فيتم هاتين الركعتين سواء كانت أوليين أم أخيرتين للنهي عن إبطال العمل.

(٤) أي ولنافلة الصبح.

(٥) فوقتها من حين الانتهاء من صلاة الليل ولو كان قبل الفجر إلى حين ظهور الحمرة المشرقية ويدل على ابتداء وقتها أخبار منها : خبر ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام عن أول وقت ركعتي الفجر فقال عليه‌السلام : (سدس الليل الباقي) (٢) ، وصحيح البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : عن (ركعتي الفجر أصليهما قبل الفجر أو بعد الفجر؟ فقال : قال : أبو جعفر عليه‌السلام : احش بهما صلاة الليل وصلّهما قبل الفجر) (٣) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن ركعتي الفجر قبل الفجر أو بعد الفجر ، فقال عليه‌السلام : قبل الفجر ، إنهما من صلاة الليل) (٤) ، وصحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (صل ركعتي الفجر قبل الفجر وبعده وعنده) (٥) ومثله غيره ، فوقت نافلة الفجر من حين الفجر الكاذب جمعا بين هذا الخبر وخبر ابن مسلم المتقدم بأن وقتها ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٤٠ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥٠ ـ من أبواب المواقيت حديث ٥ و ٦ و ٣.

(٥) الوسائل الباب ـ ٥٢ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

٤٥

الفريضة (١) ، كالمثل والمثلين للظهرين (٢) والحمرة المغربية للمغرب (٣). وهو يناسب رواية المثل لا القدم (٤).

(وتكره النافلة المبتدئة) (٥) وهي التي يحدثها المصلّي تبرعا ، فإن الصلاة قربان

______________________________________________________

سدس الليل الباقي ، ويجوز تقديمها على الفجر إن صلى صلاة الليل.

وأما انتهاء وقتها بطلوع الحمرة المشرقية فهو المشهور ويدل عليه صحيح علي بن يقطين : (سألت أبا الحسن عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال عليه‌السلام : يؤخرهما) (١).

(١) أي الصبح كما تقدم.

(٢) فإن المثل والمثلين وقت فضيلة الفريضتين ونافلتهما.

(٣) فإن الحمرة المغربية وقت لفضيلة المغرب ونافلتها.

(٤) قد عرفت عدم التعارض بين المثل والقدم.

(٥) وهي التي لم يرد فيها نص بالخصوص فيستحب الإتيان بها لأن الصلاة خير موضوع (٢) وقربان كل تقي (٣) كما في الخبر.

إلا أنه يكره الشروع فيها في خمسة أوقات : بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وعند طلوع الشمس حتى تنبسط ، وعند عين استواء الشمس في وسط النهار إلى حين الزوال وعند غروب الشمس للأخبار الكثيرة منها : خبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا صلاة بعد العصر حتى تصلي المغرب ولا صلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس) (٤) ، وحديث المناهي : (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند استوائها) (٥) ، وخبر سليمان الجعفري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام. (لا ينبغي لأحد أن يصلي إذا طلعت الشمس لأنها تطلع بقرني شيطان ، فإن ارتفعت وصفت فارقها فتستحب الصلاة ذلك الوقت والقضاء وغير ذلك ، فإذا انتصف النهار قارنها فلا ينبغي لأحد أن يصلي في ذلك الوقت لأن أبواب السماء قد غلّقت فإذا زالت الشمس وهبت الريح فارقها) (٦).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥١ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب أعداد الفرائض حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب أعداد الفرائض حديث ٢.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب المواقيت حديث ٦ و ٩.

٤٦

كلّ تقيّ واحترز بها عن ذات السبب (١) ، كصلاة الطواف ، والإحرام ، وتحية المسجد عند دخوله ، والزيارة عند حصولها ، والحاجة ، والاستخارة ، والشكر ، وقضاء النوافل مطلقا (٢) في هذه الأوقات الخمسة المتعلّق اثنان منها بالفعل (بعد صلاة الصبح) إلى أن تطلع الشمس (والعصر) إلى أن تغرب (و) ثلاثة بالزمان (عند طلوع الشمس) أي بعده حتى ترتفع ويستولي شعاعها وتذهب الحمرة ، وهنا يتصل وقت الكراهتين الفعلي والزماني (٣) (و) عند (غروبها) أي ميلها إلى الغروب

______________________________________________________

(١) اعلم أن النافلة إما مرتبة أو لا ، والثانية إما ذات سبب كصلاة الزيارة والاستخارة والصلوات المستحبة في الأيام والليالي المخصوصة أو لا ، والثاني هي المبتدئة.

وأما النوافل المرتبة فقد ذهبوا إلى عدم كراهة قضائها في هذه الأوقات الخمسة مع أن نصوص الكراهة المتقدمة شاملة لها ولذا ذهب المفيد في المقنعة إلى كراهة ابتداء النوافل وقضائها عند طلوع الشمس وعند غروبها وكذا الشيخ في النهاية.

نعم ورد في خبر ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في قضاء صلاة الليل والوتر تفوت الرجل أيقضيها بعد صلاة الفجر وبعد العصر؟ فقال عليه‌السلام : لا بأس بذلك) (١) ، وخبر حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن رجل فاته شي‌ء من الصلوات فذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها ، قال عليه‌السلام : فليصل حين يذكر) (٢) ، ومكاتبة محمد بن يحيى إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : (تكون عليّ الصلاة النافلة متى أقضيها؟ فكتب عليه‌السلام : أيّ ساعة شئت من ليل أو نهار) (٣) ومثلها غيرها ، ومنه يعرف حكم قضاء الفرائض اليومية فلا تكره في هذه الأوقات أيضا. وأما ذات السبب فكذلك لا تكره في هذه الأوقات للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة : صلاة فاتتك فمتى ما ذكرتها أديتها ، وصلاة ركعتي طواف الفريضة وصلاة الكسوف والصلاة على الميت ، هذه يصليهن الرجل في الساعات كلها) (٤) وخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام :(خمس صلاة لا تترك على حال : إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة) (٥).

(٢) سواء كانت ليلية أم نهارية وسواء كانت النوافل في أوقات فرائضها كنوافل الظهرين بعد صلاة العصر إلى حين غروب الشمس أم لا.

(٣) أما الفعلي فهو بعد صلاة الصبح إلى أن تطلع الشمس ، والزماني من حين الطلوع إلى أن تنبسط.

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب المواقيت حديث ١٠ و ٢ و ٣ و ١ و ٤.

٤٧

واصفرارها حتى يكمل بذهاب الحمرة المشرقية.

وتجتمع هنا (١) الكراهتان (٢) في وقت واحد (٣) (و) عند (قيامها) في وسط السماء ووصولها إلى دائرة نصف النهار تقريبا إلى أن تزول (إلا يوم الجمعة) (٤) فلا تكره النافلة فيه عند قيامها (٥) ، لاستحباب صلاة ركعتين من نافلتها حينئذ وفي

______________________________________________________

(١) عند الغروب.

(٢) الفعلية والزمانية من الصلاة بعد صلاة العصر إلى حين الغروب ومن الصلاة عند الغروب.

(٣) وهو حين الغروب.

(٤) اعلم أنه يستحب زيادة أربع ركعات على نوافل الظهرين يوم الجمعة ففي خبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه‌السلام : (إنما زيد في صلاة السنة يوم الجمعة أربع ركعات تعظيما لذلك اليوم ، وتفرقة بينه وبين سائر الأيام) (١) ومثله غيره من النصوص إلا أن الإسكافي ذهب إلى زيادة ست ركعات لصحيح سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : (سألته عن الصلاة يوم الجمعة كم ركعة هي قبل الزوال؟ قال عليه‌السلام : ست ركعات بكرة ، وست بعد ذلك اثنتا عشرة ركعة ، وست ركعات بعد ذلك ثماني عشرة ركعة ، وركعتان بعد الزوال فهذه عشرون ركعة ، وركعتان بعد العصر فهذه ثنتان وعشرون ركعة) (٢) ولكنه مهجور لإعراض الأصحاب عنه.

وتفريقها بأن يأتي ستا عند انبساط الشمس وستا عند ارتفاعها وستا قبل الزوال وركعتين عنده على المشهور ، وليس لهم دليل ظاهر لأن النصوص على خلاف هذا الترتيب ففي صحيح البزنطي عن أبي الحسن عليه‌السلام : (في النوافل في يوم الجمعة ست ركعات بكرة ، وست ركعات ضحوة ، وركعتين إذا زالت الشمس ، وست ركعات بعد الجمعة) (٣) ومثله خبر يعقوب بن يقطين (٤) وخبر مراد بن خارجة (٥).

(٥) أي قيام الشمس في وسط السماء وهو المعبّر عنه في الأخبار بالزوال المحمول على ما قبل الزوال وهو عند استوائها في وسط السماء ففي الخبر : (وكان إذا ركدت الشمس في السماء قبل الزوال أذّن وصلى ركعتين فما يفرغ إلا مع الزوال ثم يقيم للصلاة فيصلي الظهر) (٦) وفي الخبر : (سأله عن الركعتين اللتين عند الزوال يوم الجمعة قال : فقال : أما أنا فإذا زالت الشمس بدأت بالفريضة) (٧).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١ و ٥.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١٩ و ١٠ و ١٢.

(٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٤ و ٢.

٤٨

الحقيقة هذا الاستثناء منقطع ، لأن نافلة الجمعة من ذوات الأسباب إلا أن يقال بعدم كراهة المبتدئة فيه (١) أيضا عملا بإطلاق النصوص باستثنائه (٢).

(ولا تقدم) النافلة الليلية على الانتصاف (٣) (إلا لعذر) (٤) كتعب وبرد ورطوبة رأس (٥) وجنابة ولو اختيارية يشقّ معها الغسل ، فيجوز تقديمها حينئذ من أوله بعد العشاء بنية التقديم أو الأداء. ومنها الشفع والوتر.

(وقضاؤها أفضل) (٦) من تقديمها في صورة جوازه (٧) (وأول الوقت (٨))

______________________________________________________

(١) في وقت قيام الشمس في وسط السماء يوم الجمعة.

(٢) لخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) (١) ولكنه محمول على نافلة يوم الجمعة جمعا بينه وبين ما تقدم.

(٣) أي منتصف الليل.

(٤) قد تقدم الكلام فيه.

(٥) عند الشباب.

(٦) قد تقدم الكلام فيه.

(٧) أي جواز التقديم.

(٨) للأخبار الكثيرة منها : خبر ذريح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قال جبرئيل لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أفضل الوقت أوله) (٢) ، وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (اعلم أن أوّل الوقت أبدا أفضل فعجّل الخير ما استطعت) ٣ ، وفي خبر معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لكل صلاة وقتان وأول الوقت أفضلهما) ٤ ، وخبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أحب الوقت إلى الله (عزوجل) أوله حين يدخل وقت الصلاة فصل الفريضة) ٥ ، وخبر سعيد بن الحسن عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أول الوقت زوال الشمس وهو وقت الله الأول وهو أفضلهما) ٦ ، وخبر الأعشى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا) ٧ ، ومرسلة الصدوق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أوله رضوان الله وآخره عفو الله ، والعفو لا يكون إلا عن ذنب) ٨ ، وخبر الأزدي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لفضل الوقت الأول على الأخير خير للرجل من ولده وماله) ٩.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٦.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب المواقيت حديث ٨ و ١٠ و ١١ و ٥ و ٦ و ١٥ و ١٦ و ١٤.

٤٩

(أفضل) من غيره (إلّا) في مواضع ترتقي إلى خمسة وعشرين ذكر أكثرها المصنف في النفلية (١) وحرّرناها مع الباقي في شرحها ، وقد ذكر منها هنا ثلاثة مواضع.

(لمن يتوقّع زوال عذره) بعد أوله (٢) ، كفاقد الساتر أو وصفه (٣) والقيام ، وما بعده (٤) من المراتب الراجحة على ما هو به إذا رجا القدرة في آخره (٥) ، والماء (٦) على القول بجواز التيمم مع السعة ولإزالة النجاسة غير المعفوّ عنها (ولصائم يتوقع) غيره (فطره) (٧) ومثله من تاقت نفسه إلى الإفطار بحيث ينافي الإقبال على

______________________________________________________

(١) ففي النفلية ذكر خمسة عشر موضعا كما في مفتاح الكرامة.

(٢) بعد أول الوقت ، فذوو الأعذار سواء كان عن استعمال الماء بالنسبة للوضوء أم كان عن تحصيل بقية شرائط الصلاة كتحصيل الساتر ونحوه ، فقد ذهب جماعة إلى أن المتيمم في أول الوقت بناء على جوازه إذا احتمل زوال عذره استحب له تأخير الصلاة ، وإلى أن فاقد بعض شرائط الصلاة التامة إذا احتمل تحصيل الفاقد في أثناء الوقت استحب له تأخير الصلاة ، وبعضهم منع جواز البدار بالنسبة للثاني.

والإنصاف يقتضي القول بأن التيمم والإتيان بالصلاة الفاقدة لبعض شرائطها حكم اضطراري وهو مشروط بالعجز عن امتثال الحكم الاختياري في تمام الوقت ، إذ لو كان قادرا على الإتيان بالحكم الاختياري ولو في آخر الوقت فلا يكون عاجزا حتى ينتقل حكمه إلى البدل فالأقوى عدم جواز البدار مطلقا ووجوب التأخير إلا إذا علم باستمرار العجز كما تقدم في مبحث التيمم ومعه يرتفع موضوع استحباب الصلاة من أول الوقت.

(٣) أي وصف الساتر ككونه طاهرا ومن غير مأكول اللحم ومن غير الحرير والذهب بالنسبة للرجل.

(٤) أي وما بعد الساتر.

(٥) في آخر الوقت.

(٦) أي وفاقد الماء.

(٧) فيستحب للصائم تأخير صلاة المغرب في حق من تتوق نفسه إلى الإفطار أو ينتظره أحد ، ففي خبر زرارة : (وإن كنت ممن تنازعك نفسك للإفطار ، وتشغلك شهوتك عن الصلاة فابدأ بالإفطار ليذهب عنك وسواس النفس اللوامة) (١). وفي صحيح الحلبي : (سئل عن ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب الصائم حديث ٥.

٥٠

الصلاة (وللعشاءين) للمفيض من عرفة (إلى المشعر) (١) وإن تثلّث الليل.

(ويعوّل في الوقت على الظن) (٢) المستند إلى ورد بصنعة أو درس ونحوهما

______________________________________________________

الإفطار أقبل الصلاة أو بعدها؟ فقال عليه‌السلام : إن كان معه قوم يخشى أن يحبسهم عن عشائهم فليفطر معهم ، وإن كان غير ذلك فليصل ثم ليفطر) (١).

(١) فيستحب لمن أفاض من العرفات تأخير العشاءين إلى الشعر الحرام ولو إلى ربع الليل أو ثلثه لصحيح ابن مسلم : (لا تصلي المغرب حتى تأتي جمعا وإن ذهب ثلث الليل) (٢) وموثق سماعة : (عن الجمع بين المغرب والعشاء الآخرة بجمع ، فقال عليه‌السلام : لا تصلها حتى تنتهي إلى جمع وإن مضى من الليل ما مضى) (٣).

ثم إن أهم المواضع التي يستحب فيها تأخير الصلاة من الموارد الباقية هي :

المورد الرابع : يستحب تأخير مطلق الحاضرة لمن عليه فائتة للأخبار مثل صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا دخل وقت الصلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت) (٤).

المورد الخامس لمدافعة الأخبثين ونحوهما فيؤخر الصلاة لدفعهما لصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا صلاة لحاقن ولا لحاقنة ، وهو بمنزلة من هو في ثوبه) (٥).

المورد السادس : إذا لم يكن له إقبال على الصلاة فيؤخرها إلى حصوله لخبر عمر بن يزيد : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : أكون في جانب المصر فتحضر المغرب وأنا أريد المنزل ، فإن أخّرت الصلاة حتى أصلي في المنزل كان أمكن لي وأدركني المساء أفأصلي في بعض المساجد؟ فقال عليه‌السلام : صل في منزلك) (٦).

المورد السابع : لانتظار الجماعة ففي خبر جميل بن صالح : (سأل الصادق عليه‌السلام : أيهما أفضل يصلي الرجل لنفسه في أول الوقت أو يؤخر قليلا ويصلي بأهل مسجده إذا كان إمامهم؟ قال عليه‌السلام : يؤخر ويصلي بأهل مسجده إذا كان هو الإمام) (٧) وقد يتعدى من موردها إلى المأموم وإلى التأخير الكثير لما ورد من فضل الجماعة.

(٢) يجب العلم بدخول الوقت حين الشروع بالصلاة لخبر عبد الله بن عجلان عن أبي جعفر عليه‌السلام : ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب آداب الصائم حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب الوقوف بالشعر حديث ١ و ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٦٢ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب المواقيت حديث ١٤.

(٧) الوسائل الباب ـ ٧٤ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ١.

٥١

(مع تعذّر العلم) أما مع إمكانه فلا يجوز الدخول بدونه (فإن) صلّى بالظن حيث يتعذّر العلم ثم انكشف وقوعها في الوقت أو (دخل وهو فيها أجزأ) (١) على أصحّ

______________________________________________________

(إذا كنت شاكا في الزوال فصل ركعتين فإذا استيقنت أنها قد زالت بدأت بالفريضة) (١) ، وخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما‌السلام : (في الرجل يسمع الأذان فيصلي الفجر ولا يدري طلع أم لا ، غير أنه يظن لمكان الأذان أنه قد طلع ، قال عليه‌السلام : لا يجزيه حتى يعلم أنه قد طلع) (٢) ، وخبر علي بن مهزيار عن أبي جعفر عليه‌السلام الوارد في الفجر : (فلا تصل في سفر أو حضر حتى تتبينه) (٣) مضافا إلى قاعدة الاشتغال ، وعليه فإن أمكن العلم فلا يكفي الظن على المشهور ، وعن الشيخين في المقنعة والنهاية الاكتفاء به.

وإن لم يمكن العلم عند أول الوقت لمانع من غيم ونحوه فقد ذهب جماعة إلى كفاية الظن لجريان مقدمات الانسداد في الوقت الموجبة لحجية الظن عند تعذر العلم ، وفيه : إن الانسداد الصغير هنا غير جار لإمكان الاحتياط بدون عسر أو حرج بالتأخير حتى يقطع بدخول الوقت ، هذا فضلا عن أن من جملة مقدمات الانسداد أن يكون التكليف معلوما ، وهنا لا علم به للشك في دخول الوقت فالأقوى عدم حجية الظن عند تعذر العلم.

(١) إذا علم بدخول الوقت أو ظن به على نحو مشروع عنده كما لو قلنا بحجية الظن عند تعذر العلم ، أو كان الظن معتبرا كما لو ظن بدخول الوقت من المؤذن العارف كما عليه الأخبار ثم تبين مطابقة الواقع فلا كلام لإحراز الصلاة لشرطها من وقوعها داخل الوقت ، ولو تبيّن دخول الوقت في أثنائها ولو قبل السلام فيحكم بالصحة على المشهور لصحيح ابن أبي عمير عن إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت ، فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك) (٤).

وعن المرتضى والإسكافي والعماني والعلامة في المختلف وابن فهد في موجزه والصيمري والأردبيلي وجماعة البطلان لضعف الخبر بجهالة إسماعيل بن رياح ، وفيه : إنه من مشايخ ابن أبي عمير وقد قيل : إنه لا يروي إلا عن ثقة مع ورود الرواية في الكتب الثلاثة مع كون السند مشتملا على جملة من الأعيان والأجلاء منهم أحمد بن محمد بن عيسى المعروف بكثرة التثبت وهذا كله موجب للوثوق بالصدور فلا بد من العمل به.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٥٨ ـ من أبواب المواقيت حديث ٤ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

٥٢

القولين (وإن تقدّمت) عليه بأجمعها (أعاد) (١) وهو موضع وفاق.

(الثاني. القبلة)

(وهي) عين (الكعبة) (٢)

______________________________________________________

(١) لما دلّ على اعتبار الوقت ولحديث زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة : الطهور والوقت والقبلة والركوع والسجود) (١).

(٢) ولصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل صلى الغداة بليل غرّه من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل ، قال عليه‌السلام : يعيد صلاته) (٢).

(٢) بل القبلة هي المكان الذي وقع فيه البيت. شرفه الله تعالى. من تخوم الأرض إلى عنان السماء ، بلا خلاف فيه للأخبار منها : مرسل الفقيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أساس البيت من الأرض السابعة السفلى إلى الأرض السابعة العليا) (٣) وخبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سأله رجل قال : صليت فوق أبي قبيس العصر فهل يجزي ذلك والكعبة تحتي؟ قال عليه‌السلام : نعم إنها قبلة من موضعها إلى السماء) (٤) وخبر خالد بن أبي إسماعيل : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يصلي على أبي قبيس مستقبل القبلة ، فقال : لا بأس) (٥).

نعم لا يدخل حجر إسماعيل في الكعبة من ناحية الاستقبال وإن وجب إدخاله في الطواف على الأكثر لصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن الحجر ، أمن البيت هو أم فيه شي‌ء من البيت؟ قال عليه‌السلام : لا ولا قلامة ظفر ، ولكن إسماعيل دفن فيه أمه فكره أن يوطأ فجعل عليه حجرا وفيه قبور الأنبياء) (٦).

وعن العلامة في نهاية الأحكام والتذكرة جواز استقباله لأنه من الكعبة ، وكذلك عن الذكرى بدعوى أنه كان منها في زمن إبراهيم وإسماعيل عليهما‌السلام إلى أن بنت قريش الكعبة فأعوزتهم الآلات فاختصروها بحذفه وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد اهتم بإدخاله في الكعبة ولأن الطواف يجب خارجه.

مع أنه قد اعترف جماعة بعدم وقوفهم على مستند ذلك فقال في المدارك : «وما ادعاه من النقل لم أقف عليه من طرق الأصحاب» وفي كشف اللثام : «وما حكاه إنما رأيناه في كتب العامة وتخالفه أخبارنا».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الوضوء حديث ٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٩ ـ من أبواب المواقيت حديث ١.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب القبلة حديث ٣ و ١ و ٢.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الطواف حديث ١.

٥٣

(للمشاهد) لها (١) (أو حكمه) (٢) وهو من يقدر على التوجّه إلى عينها بغير مشقة كثيرة لا تتحمل عادة ، ولو بالصعود إلى جبل أو سطح (وجهتها) وهي السّمت الذي يحتمل كونها فيه ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارة شرعية (لغيره) أي غير المشاهد ومن بحكمه (٣) كالأعمى.

______________________________________________________

(١) إن الكعبة قبلة مطلقا للقريب والبعيد على المشهور للأخبار منها : مرسلة الصدوق : (قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لن يعمل ابن آدم عملا أعظم عند الله (عزوجل) من رجل قتل نبيا ، أو هدم الكعبة التي جعلها الله (عزوجل) قبلة لعباده ، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما) (١) ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن لله (عزوجل) حرمات ثلاثا ليس مثلهن شي‌ء : كتابه وهو حكمة ونور ، وبيته الذي جعله قبلة للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره ، وعترة نبيكم) (٢).

وعن الشيخين وجماعة أن الكعبة قبلة لمن في المسجد ، والمسجد قبلة لمن في الحرم ، والحرم قبلة لمن خرج عنه ونسبه في الذكرى إلى أكثر الأصحاب ويدل عليه مرسل عبد الله بن محمد الحجال عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن الله تعالى جعل الكعبة قبلة لأهل المسجد ، وجعل المسجد قبلة لأهل الحرم ، وجعل الحرم قبلة لأهل الدنيا) (٣) ، وخبر أبي غرة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكة ومكة قبلة الحرم والحرم قبلة الدنيا) (٤).

وهي لا تصلح لمقاومة الطائفة الأولى لكثرة أخبارها وصحة أسانيدها وعدم القائل بمضمون الخبر الأخير ، نعم عليه حملها على بيان اتساع جهة الاستقبال للبعيد لأن التوجه إلى الحرم توجه إلى المسجد والتوجه إلى المسجد توجه إلى الكعبة كل ذلك بالنسبة للبعيد وإلا لا يمكن القول بجواز استقبال طرف من أطراف الحرم أو المسجد وإن لزم الانحراف عن الكعبة انحرافا كثيرا.

وهذا هو المراد بما نسب إلى جماعة من أن الكعبة هي القبلة للقريب وجهتها للبعيد ، فالمراد بالجهة هي أن استقبال عين القبلة للبعيد متّسع بحيث لو استقبل جهتها لاستقبل القبلة ، ولذا فسّر المحقق في المعتبر الجهة بأنها السمت الذي فيه الكعبة ، وفي التذكرة والنهاية أنها ما يظن أنها الكعبة.

(٢) أي حكم الشاهد وهو القريب من الكعبة ولكن لا يراها لمانع من حائط وغيره.

(٣) أي بحكم غير المشاهد وهو مشاهد أو قريب.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب القبلة حديث ٨ و ١٠.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب القبلة حديث ١ و ٤.

٥٤

وليست الجهة للبعيد محصلة عين الكعبة (١) وإن كان البعد عن الجسم يوجب اتساع جهة محاذاته (٢) ، لأن ذلك لا يقتضي استقبال العين ، إذ لو أخرجت خطوط متوازية من مواقف البعيد المتباعدة المتفقة الجهة (٣) على وجه يزيد على جرم الكعبة لم تتصل الخطوط أجمع بالكعبة ضرورة ، وإلا لخرجت عن كونها متوازية.

وبهذا يظهر الفرق بين العين والجهة ، ويترتّب عليه بطلان صلاة بعض الصفّ المستطيل زيادة من قدر الكعبة لو اعتبر مقابلة العين (٤).

والقول بأن البعيد فرضه الجهة (٥) أصحّ القولين في المسألة ، خلافا للأكثر حيث جعلوا المعتبر للخارج عن الحرم استقباله (٦) ، استنادا إلى روايات ضعيفة.

ثم إن علم البعيد بالجهة بمحراب معصوم أو اعتبار رصديّ (٧) وإلا عوّل على العلامات المنصوبة لمعرفتها نصا (٨) أو استنباطا.

(وعلامة) أهل (العراق ومن في سمتهم) (٩) كبعض أهل خراسان ممن يقاربهم في طول بلدهم (١٠) (جعل المغرب على الأيمن والمشرق على الأيسر) (١١)

______________________________________________________

(١) وهذا غير لازم بل اللازم أن يكون التوجه إلى الجهة موجبا للتوجه إلى الكعبة عرفا.

(٢) أي محاذاة الجسم.

(٣) كصفوف الجماعة التي يزيد طولها على جرم الكعبة.

(٤) فاستقبال الكعبة للبعيد لا يجب أن يكون في محاذاتها بحيث لو خرج منه خط مستقيم لوجب أن يمرّ في جزء من أجزاء الكعبة ، بل استقبالها أن يكون متوجها نحوها عرفا وإن لم يكن بينهما خط مستقيم كما في استقبال الكواكب والأجرام السماوية والأماكن البعيدة.

(٥) بالمعنى المتقدم بحيث يكون استقبال الجهة موجبا لاستقبال الكعبة عرفا فهو راجع إلى استقبال القبلة ولو للبعيد.

(٦) أي استقبال الحرم.

(٧) كما لو علم بزوال الشمس في مكة وهو في بلده في يوم تكون الشمس مسامتة لأهل مكة كما تقدم فتكون جهة الشمس هي جهة الكعبة بالنسبة إليه.

(٨) أي الواردة في الأخبار وسيأتي التعرض لها.

(٩) بحيث يكون سمت قبلتهم متحدا مع سمت قبلة أهل العراق.

(١٠) وكذا بالنسبة لخطوط العرض حتى يتفقان في سمت واحد بالنسبة للتوجه إلى القبلة.

(١١) ولازمه أن يكون قبلتهم نقطة الجنوب ، مع أن الاختيار يقتضي بانحراف قبلة بعض أهل ـ

٥٥

(والجدي) (١) حال غاية ارتفاعه أو انخفاضه (٢) (خلف المنكب الأيمن) (٣) وهذه العلامة (٤) ورد بها النصّ خاصة علامة للكوفة (٥) وما ناسبها ، وهي موافقة

______________________________________________________

العراق عن الجنوب إلى المغرب بمقدار غير يسير ، بل غالبهم إلا قبلة أهل الموصل وسنجار وهو نادر وقليل. واعلم أن هذه العلامة مستخرجة من علم الهيئة فالأولى اتباع الطرق العلمية المنتشرة في عصرنا كالبوصلة أو معرفة خطوط الطول والعرض لبلد المصلي مع معرفة خطوط الطول والعرض لمكة زادها الله شرفا ثم معرفة القبلة بالنظر إليهما.

(١) بإسكان الدال ، وقيل يصغّره أهل الهيئة فرقا بينه وبين البرج ، وقد أنكر ابن إدريس تصغيره وأنه سأل إمام اللغة في بغداد عن ذلك فقال : لا يصغّر.

(٢) وتقييده بهذين. لما قيل. أنه في هاتين الحالتين يكون محاذيا للقطب وعلى خط نصف النهار المار بالقطبين.

(٣) لأن قبلة أهل العراق منحرفة عن الجنوب إلى المغرب فوجب أن يكون منحرفا من بين المنكبين إلى خلف المنكب الأيمن.

(٤) يعني الجدي خلف المنكب الأيمن.

(٥) ما ورد هو : موثق محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : (سألته عن القبلة فقال عليه‌السلام : ضع الجدي في قفاك وصل) (١) ، ومرسل الصدوق : (قال رجل للصادق عليه‌السلام : إني أكون في السفر ولا أهتدي إلى القبلة بالليل ، فقال : أتعرف الكوكب الذي يقال له جدي؟ قلت : نعم ، قال : اجعله على يمينك ، وإذا كنت في طريق الحج فاجعله بين كتفيك) (٢).

وخبر إسماعيل بن أبي زياد السكوني عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) ، قال : الجدي لأنه نجم لا يزول وعليه بناء القبلة وبه يهتدي أهل البر والبحر) (٣) ونحوه خبره الآخر (٤).

فالأخبار لم تذكر إلا الجدي علامة وقد حمل الخبر الأول على أنه علامة لأهل العراق لأن السائل منهم مع أن التوجه مع جعل الجدي في القفا أي بين المنكبين يستلزم التوجه لنقطة الجنوب لأن الجدي على خط نصف النهار المار بالقطبين ومن الواضح أن قبلة أهل العراق منحرفة عن الجنوب إلى المغرب إلا في بعض بلادها كالموصل وسنجار وعليه فلا يمكن الأخذ بإطلاق الخبر ، وقد حمل ما ورد في مرسل الصدوق من جعل الجدي على ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب القبلة حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

٥٦

للقواعد المستنبطة من الهيئة وغيرها (١) فالعمل بها متعيّن في أوساط العراق مضافا إلى الكوفة كبغداد والمشهدين والحلة.

وأما العلامة الأولى : فإن أريد فيها بالمغرب والمشرق الاعتداليان (٢). كما صرح به المصنف في البيان ، أو الجهتان اصطلاحا وهما (٣) المقاطعتان لجهتي الجنوب والشمال بخطّين بحيث يحدث عنهما زوايا قوائم. كانت (٤) مخالفة للثانية (٥) كثيرا ، لأن الجدي حال استقامته (٦) يكون على دائرة نصف النهار المارّة بنقطتي الجنوب والشمال ، فجعل المشرق والمغرب على الوجه

______________________________________________________

اليمين بأنه علامة على أواسط العراق كالكوفة وبغداد فقط مع أنه غير ظاهر من الخبر بالإضافة إلى أن هذا الوارد من الأخبار مع إجماله لا يكفي في تعيين القبلة لكل بلد فلذا ذكر الفقهاء علامات مستخرجة من علم الهيئة للبلاد الإسلامية المعروفة ، قال في الجواهر : «إن أكثر العلامات المذكورة في كتب الأصحاب أو جميعها مستخرجة من علم الهيئة» ، فاللازم هو اتباع الطرق المقررة اليوم لأنها أثبت وأدقّ.

(١) كالتجربة والاختبار.

(٢) بحيث إذا وضعا على اليمين والشمال فيكون مستقبلا لنقطة الجنوب فيلزم منه مخالفة ما هو المشاهد من انحراف قبلة أهل العراق عن الجنوب إلى المغرب بمقدار غير يسير ، ويلزم منه مخالفة وضع الجدي خلف المنكب الأيمن لما عرفت أن الجدي على خط نصف النهار المار بالقطبين إذا وضع بين الكتفين ، فإذا وضع خلف المنكب الأيمن فلازمه الانحراف عن الجنوب نحو المغرب وهذا ما ذكره الشارح مفصلا في الشرح.

(٣) أي الجهتان اصطلاحا ، واعلم بأنه لا فرق بين الاعتداليين والجهتين الاصطلاحيتين من ناحية التوجه إلى الجنوب في كليهما ، إلا أن الجهتين اصطلاحا قد فسرها الشارح ، وأما الاعتداليان فهما مشرق الشمس ومغربها في الأيام الاعتدالية وهي يومان من أيام السنة ، فمن كان ساكنا على خط الاستواء فاليوم الاعتدالي الأول هو اليوم الذي تشرق الشمس وتغرب على هذا الخط في أول فصل الربيع عند ما تكون صاعدة واليوم الاعتدالي الثاني هو اليوم الذي تشرق الشمس وتغرب على خط الاستواء في أول فصل الخريف عند ما تكون نازلة.

(٤) أي العلامة الأولى من جعل المغرب على اليمين والمشرق على اليسار.

(٥) أي للجدي حال كونه في غاية ارتفاعه أو انخفاضه خلف المنكب الأيمن.

(٦) واستقامته إنما تكون في غاية ارتفاعه أو انخفاضه.

٥٧

السابق (١) على اليمين واليسار يوجب جعل الجدي بين الكتفين قضية للتقاطع ، فإذا اعتبر كون الجدي خلف المنكب الأيمن (٢) لزم الانحراف بالوجه عن نقطة الجنوب نحو المغرب كثيرا ، فينحرف بواسطته (٣) الأيمن (٤) عن المغرب نحو الشمال والأيسر عن المشرق نحو الجنوب ، فلا يصحّ جعلهما معا علامة لجهة واحدة ، إلّا أن يدّعى اغتفار هذا التفاوت ، وهو بعيد (٥) خصوصا مع مخالفة العلامة للنص (٦) والاعتبار (٧) فهي (٨) إما فاسدة الوضع أو تختصّ ببعض جهات العراق ، وهي أطرافه الغربية. كالموصل وما والاها. فإن التحقيق أن جهتهم نقطة الجنوب ، وهي موافقة لما ذكر في العلامة (٩).

ولو اعتبرت العلامة المذكورة غير مقيّدة بالاعتدال ولا بالمصطلح بل بالجهتين العرفيتين (١٠) انتشر الفساد كثيرا (١١) ، بسبب الزيادة (١٢) فيهما (١٣) والنقصان

______________________________________________________

(١) من الاعتداليين أو الجهتين اصطلاحا.

(٢) كما هو قضية التحديد في العلامة الثانية.

(٣) أي بسبب انحراف الوجه عن الجنوب نحو المغرب.

(٤) أي الجانب الأيمن.

(٥) إذ يجب التوجه نحو القبلة حتى للبعيد ولا يمكن التوجه نحوها بخطين مختلفين من نقطة واحدة.

(٦) وهو موثق ابن مسلم المتقدم حيث حملت العلامة فيه على قبلة أهل الكوفة وما ناسبها لأن السائل منها وقد جعل الجدي بين الكتفين لا خلف المنكب الأيمن.

(٧) لأن لازم العلامة الأولى استقبال نقطة الجنوب والشاهد انحراف قبلة أهل الكوفة عن الجنوب إلى المغرب.

(٨) أي العلامة الأولى.

(٩) أي العلامة الأولى.

(١٠) الشاملتين لكل مطالع الشمس ومغاربها.

(١١) لاختلاف مطالع الشمس ومغاربها اختلافا يصلى إلى سبع وأربعين درجة.

(١٢) أي زيادة الانحراف.

(١٣) في الجهتين العرفيتين.

٥٨

الملحق (١) لهما (٢) تارة بعلامة الشام وأخرى بعلامة العراق وثالثة بزيادة عنهما (٣) ، وتخصيصهما (٤) حينئذ بما يوافق الثانية يوجب سقوط فائدة العلامة.

وأما أطراف العراق الشرقية كالبصرة وما والاها من بلاد خراسان فيحتاجون إلى زيادة انحراف نحو المغرب عن أوساطها قليلا ، وعلى هذا القياس (٥) (وللشّام) من العلامات (جعله) أي الجدي في تلك الحالة (٦) (خلف الأيسر) (٧) الظاهر من العبارة كون الأيسر صفة للمنكب بقرينة ما قبله ، وبهذا صرّح في البيان ، فعليه يكون انحراف الشامي عن نقطة الجنوب مشرقا بقدر انحراف العراقيّ عنها مغربا. والذي صرّح به غيره. ووافقه المصنف في الدروس وغيرها. أن الشامي يجعل الجدي خلف الكتف (٨) لا المنكب ، وهذا هو الحقّ الموافق للقواعد ، لأن انحراف الشامي أقلّ من انحراف العراقيّ المتوسط (٩) ، وبالتحرير التام (١٠) ينقص الشامي عنه جزءين من تسعين جزءا مما بين الجنوب والمشرق أو المغرب (١١).

(وجعل سهيل) أول طلوعه (١٢). وهو بروزه عن الأفق. (بين العينين) لا

______________________________________________________

(١) صفة للزيادة والنقصان.

(٢) للجهتين العرفيتين.

(٣) عن علامتي الشام والعراق بالانحراف نحو المغرب كثيرا.

(٤) أي تخصيص الجهتين العرفيتين.

(٥) فكلما ازدادت البلاد الشرقية في الطول شرقا ازدادت انحرافا نحو الغرب حتى يستقبلون عين المغرب في مقام التوجه نحو القبلة.

(٦) أي في غاية ارتفاعه أو انخفاضه عند ما يكون محاذيا لخط نصف النهار.

(٧) كما ذكره جماعة.

(٨) والكتف أقرب إلى ما بين الكتفين من المنكب.

(٩) الذي يسكن أواسط العراق كالكوفة وبغداد.

(١٠) كتاب في علم الهيئة.

(١١) ففي الجواهر : «وذلك لأن بين نقطة الجنوب والمشرق تسعين جزءا ، وبينها وبين نقطة المغرب تسعين جزءا أيضا ، وانحراف الشامي نحو المشرق أحد وثلاثون جزءا من التسعين وانحراف العراقي نحو المغرب ثلاثة وثلاثون جزءا فينقص الشامي عن العراقي جزءين».

(١٢) لأنه يكون منحرفا عن الجنوب إلى المشرق وكلما أخذ في الارتفاع مال إلى الغرب حتى يصل إلى غاية ارتفاعه فيكون على دائرة نصف النهار.

٥٩

مطلق كونه (١) ولا غاية ارتفاعه (٢) ، لأنه في غاية الارتفاع يكون مسامتا للجنوب ، لأن غاية ارتفاع كل كوكب يكون على دائرة نصف النهار المسامتة له (٣) كما سلف (٤).

(وللمغرب) والمراد به بعض المغرب كالحبشة والنّوبة لا المغرب المشهور (٥) (جعل الثريّا والعيّوق) عند طلوعهما (على يمينه وشماله) الثريا على اليمين ، والعيّوق على اليسار. وأما المغرب المشهور فقبلته تقرب من نقطة المشرق وبعضها يميل عنه نحو الجنوب يسيرا.

(واليمن مقابل الشام) ولازم المقابلة أن أهل اليمن يجعلون سهيلا طالعا بين الكتفين مقابل جعل الشامي له بين العينين ، وأنهم يجعلون الجدي محاذيا لأذنهم اليمنى ، بحيث يكون مقابلا للمنكب الأيسر فإن مقابله يكون إلى مقدّم الأيمن (٦) ، وهذا مخالف لما صرح به المصنف في كتبه الثلاثة وغيره من أن اليمني يجعل الجدي بين العينين وسهيلا غائبا بين الكتفين فإن ذلك. يقتضي كون اليمن مقابلا للعراق (٧) لا للشام.

ومع هذا الاختلاف فالعلامتان مختلفتان أيضا ، فإنّ جعل الجدي طالعا (٨) بين العينين يقتضي استقبال نقطة الشمال (٩) ، وحينئذ فتكون نقطة الجنوب بين الكتفين ، وهي (١٠) موازية لسهيل في غاية ارتفاعه (١١) كما مر لا غائبا (١٢).

______________________________________________________

(١) كما يظهر من عبارة الماتن في اللمعة.

(٢) كما نسب للشهيد أيضا على ما في الجواهر.

(٣) للكوكب.

(٤) في الجدي.

(٥) الشامل لتونس وما بعدها من البلاد الغربية فإن قبلتهم تقرب من نقطة المشرق مع ميل يسير إلى الجنوب.

(٦) أي المنكب الأيمن المحاذي للأذن اليمنى.

(٧) أي لبعضهم وإلا فقد عرفت أن بعضهم يجعله خلف المنكب الأيمن.

(٨) أي حال استقامته.

(٩) لأن الجدي حال استقامته يكون على خط نصف النهار.

(١٠) أي نقطة الجنوب.

(١١) لأنه في هذه الحال يكون على خط نصف النهار.

(١٢) لأن سهيلا عند الغروب يكون مائلا عن الجنوب إلى الغرب.

٦٠