الزبدة الفقهيّة - ج ٢

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-55-8
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٥٢

الملك عنه (١) ، أو رجع عن نية الإقامة (٢) ساوى غيره ، (أو نية مقام عشرة أيام) (٣)

______________________________________________________

ـ الشرعي إنما هو بزوال الملك ، وقد عرفت أن الوطن واحد فيزول بالإعراض وإن كان له فيه ملك لإطلاق خبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : (كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير) (١) ، بعد عدم صدق الوطن عليه عرفا وإن بقي ملكه والمدار على العرف في التلبس والانقضاء.

(١) بالنسبة للشرعي.

(٢) بالنسبة للعرفي.

(٣) قطع السفر بالإقامة عشرة أيام حكم متفق عليه بين الأصحاب ويدل عليه أخبار كثيرة منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قلت له : أرأيت من قدم بلده إلى متى ينبغي له أن يكون مقصرا ومتى ينبغي له أن يتم؟ فقال : إذا دخلت أرضا فأيقنت أن لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك) (٢).

وصحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا أتيت بعدة فأزمعت المقام عشرة أيام فأتم الصلاة ، فإن تركه جاهلا فليس عليه شي‌ء) (٣).

وصحيح علي بن جعفر عن أبي الحسن عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يدركه شهر رمضان في السفر فيقيم الأيام في المكان عليه صوم؟ قال : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام ، وإذا أجمع على مقام عشرة أيام صام وأتم الصلاة) (٤).

فلو أقام عشرة أيام إلا قليلا فلا يتم لعدم صدق العشرة ، ويشترط فيها التوالي كما هو الظاهر من الأخبار ، وعليه فإذا كانت النية في أول يوم فتنتهي بانتهاء اليوم العاشر نهارا بناء على أن اليوم مشتمل على ليل ونهار وأنه يبتدأ من حين غروب الشمس ، نعم في اليوم الأول لو أقام من أول بياض اليوم لجاز عدّه يوما للصدق العرفي بأنه المتبقي منه يوم ولو شرع في الإقامة في أثناء النهار كان عليه التلفيق من الحادي عشر بمقدار ما فات من الأول ، واستشكل العلامة في التذكرة والنهاية بالتلفيق واستظهر سيد المدارك عدم التلفيق.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٩ و ٤.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١.

٤٨١

تامة بلياليها متتالية ، ولو بتعليق السفر على ما لا (١) يحصل عادة في أقلّ منها (٢) ، (أو مضيّ ثلاثين يوما) بغير نية الإقامة وإن جزم بالسفر (٣) (في مصر) أي في مكان معين. أما المصر بمعنى المدينة ، أو البلد فليس بشرط. ومتى كملت الثلاثون أتمّ بعدها ما يصلّيه قبل السفر ولو فريضة.

______________________________________________________

ـ ثم إنه لا فرق في موضع الإقامة بين كونه بلدا أو قرية أو بادية أو بيتا منفردا ولا فرق بين العازم على السفر بعدها وغيره ، ولا بين من أقام اختيارا أو كان مكرها أو مضطرا كل ذلك للإطلاق.

(١) أي لم ينو العشرة بل نوى أنه سيسافر إذا قضى حاجته ولكنه يعلم أن حاجته لا تنقضي إلا بعد عشرة أيام.

(٢) أي في أقل من عشرة أيام.

(٣) ولكنه متردد في السير لانتظار الرفقة هذا واعلم أن المتردد له مصداقان :

الأول : ما لو كان مسافرا فأقام في مكان ثم تردد بين البقاء والذهاب عنه.

والثاني : ما لو أقام في المكان ثم تردد في السير بين اليوم والغد مع أنه عازم على السفر ، والتردد في مكان ثلاثين يوما يوجب انقطاع السفر بالاتفاق للأخبار منها : صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا دخلت بلدا وأنت تريد المقام عشرة أيام فأتم الصلاة حين تقدم ، وإن أردت المقام دون العشرة فقصّر ، وإن أقمت تقول : غدا أخرج أو بعد غد ولم تجمع على عشرة فقصّر ما بينك وبين شهر فإذا أتم الشهر فأتم الصلاة) (١).

وصحيح أبي ولّاد الحناط عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن شئت فانو المقام عشرا وأتم ، وإن لم تنو المقام فقصّر ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة) (٢).

وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إلى أن قال : وإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا أخرج أو بعد غد فقصّر ما بينك وبين أن يمضي شهر ، فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وإن أردت أن تخرج من ساعتك) (٣).

هذا والمراد من الشهر هو ثلاثون يوما لما ورد في صحيح أبي أيوب : (سأل محمد بن مسلم أبا عبد الله عليه‌السلام. وأنا أسمع. عن المسافر فقال : إن حدث نفسه بإقامة عشرة أيام فليتم الصلاة ، فإن لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعدّ ثلاثين يوما ثم ليتم) (٤).

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٧ و ٥ و ٩ و ١٢.

٤٨٢

ومتى انقطع السفر بأحد هذه افتقر العود إلى القصر إلى قصد (١) مسافة جديدة ، فلو خرج بعدها (٢) بقي على التمام إلى أن يقصد المسافة ، سواء عزم على العود إلى موضع الإقامة (٣) أم لا. ولو نوى الإقامة في عدة مواطن في ابتداء السفر ، أو كان له منازل ، اعتبرت المسافة بين كل منزلين وبين الأخير وغاية السفر ، فيقصّر فيما بلغه (٤) ، ويتم في الباقي وإن تمادى السفر.

(وأن لا يكثر سفره) (٥) ...

______________________________________________________

(١) باعتبار أن هذه الأمور الثلاثة قاطعة لموضوع السفر ، فيحتاج التقصير حينئذ إلى قصر المسافة ، أما المرور على الوطن فواضح وأما الإقامة عشرة أيام فهو مما لا خلاف في قاطعية الإقامة للسفر كما في المدارك لصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه إتمام الصلاة ، وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير) (١) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليه‌السلام في حديث : (وسألته عن الرجل يكون عليه الأيام من شهر رمضان وهو مسافر ، يقضي إذا أقام في المكان؟ قال عليه‌السلام : لا حتى يجمع على مقام عشرة أيام) (٢) فلو كانت الإقامة قاطعة لحكم السفر دون موضوعه لما جاز له شي‌ء من أحكام الحاضر كالصوم ونوافل الظهرين.

وأما التردد ثلاثين يوما فكذلك لأن لسان الدليل فيه مع ناوي الإقامة واحد.

(٢) أي بعد الإقامة وما في حكمها من التردد.

(٣) فإن عاد فهو بحاجة إلى إقامة عشرة أيام جديده حتى يصلي التمام ، وإقامته السابقة منقطعة بسفره.

(٤) من الحد بين المنزلين وكذا فيما بلغه من الحد الموجب للتقصير بين المنزل الأخير ومنتهى مقصده.

(٥) بلا خلاف فيه ، وإن اختلفت عباراتهم في التعبير عنه فعن المعظم بأن يكون سفره أكثر من حضره ، ومن بعض بأن يكون كثير السفر ، وعن ثالث بأن يكون سفره في حكم حضره ، وعن رابع وهو المشهور بين المتأخرين بأن يكون السفر عملا له ومستند ذلك الأخبار منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أربعة يجب عليهم التمام في سفر كانوا أو حضر ، المكاري والكريّ والراعي والاشتقان لأنه عملهم) (٣) ومرفوع ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (خمسة يتمون في سفر كانوا أو حضر : المكاري والكري ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٠ و ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢.

٤٨٣

بأن يسافر ثلاث سفرات (١) إلى مسافة ، ولا يقيم بين سفرتين منها عشرة أيام في

______________________________________________________

ـ والاشتقان وهو البريد ، والراعي والملاح لأنه عملهم) (١).

ومضمر إسحاق بن عمار : (سألته عن الملاحين والأعراب هل عليهم تقصير؟ قال : لا ، بيوتهم معهم) (٢).

ومرسل سليمان بن جعفر الجعفري عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الأعراب لا يقصرون ، وذلك إن منازلهم معهم) (٣) وباعتبار أن العلة تعمم وتقصر فالمدار إما على كون السفر عملا لهم كما في الخبرين الأولين وإما على كون بيوتهم ومنازلهم معهم كما في الخبرين الأخيرين ثم إن إدراج من كان بيته معه في كثير السفر ليس في محله لأن التمام في حقه باعتبار عدم صدق عنوان المسافر في حقه لأن بيته معه فلم يبق إلا من كان السفر عملا له ، وهو الذي يجب أن يكون عنوانا لا التعابير السابقة ، ولا الترديد بينها وبين العناوين الخاصة الواردة في الأخبار كما عن جماعة أو الاقتصار على هذه العناوين فقط.

وإذا كان المدار على اتخاذ السفر عملا لهم ، فالمرجع في ذلك إلى العرف ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والعمل الذي يعمله في سفره ومدته ، وعن جماعة منهم الشارح في الروض وابن إدريس أن من تكرر سفره ثلاث مرات فهو كثير السفر ، وعن العلامة أنه يتحقق مرتين ، وفيه : خلو النصوص عن كونه كثير السفر ، فالكثرة غير موجودة حتى يتنازع في تحققها في الثانية أو الثالثة وإنما المدار على صدق كون السفر عملا لهم.

ثم هل يشمل من كان سفره عملا له من كان السفر مقدمة لعمله كمن يعمل في بلد ومسكنه في بلد آخر وبينهما مسافة شرعية والأقوى الشمول لمعتبرة إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر عن أبيه عليهما‌السلام : (سبعة لا يقصرون الصلاة : الجابي الذي يدور في جبايته والأمير الذي يدور في إمارته ، والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق إلى سوق ، والراعي ، والبدوي الذي يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، والرجل الذي يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا ، والمحارب الذي يقطع السبيل) (٤). ومن الواضح أن التاجر الذي يتاجر من سوق إلى سوق ليس السفر عملا له بل السفر مقدمة لعمله ومن هنا فمن يدعي أن من كان السفر مقدمة لعمله يصدق عليه أن السفر عملا له لم يذهب شططا ثم المراد من الكري هو الساعي ، والاشتقان هو البريد كما في مرفوع ابن أبي عمير المتقدم ، أو أمين البيدر كما عن الذكرى وغيرها.

(١) قد عرفت ما فيه.

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢ و ١٢ و ٥ و ٦.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٩.

٤٨٤

بلده (١) ، ...

______________________________________________________

(١) يشترط في وجوب التمام على من كان السفر عملا له أن لا يقيم في بلده عشرة أيام ، فلو قام أحدهم عشرة ثم أنشأ سفرا قصّر ، حتى يصدق عليه عنوان كثير السفر أو عنوان اتخاذه السفر عملا له على الخلاف المتقدم ، وهذا الشرط على المشهور وعن المدارك أنه مقطوع به في كلام الأصحاب وعمدتهم الأخبار وهي : خبر عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (المكاري إن لم يستقر في منزله إلا خمسة أيام وأقل قصّر في سفره بالنهار وأتم بالليل وعليه صوم شهر رمضان ، وإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام وأكثر قصّر في سفره وأفطر) (١) كما في التهذيب وفي الفقيه مثله إلا أنه زاد عليه : (فإن كان له مقام في البلد الذي يذهب إليه عشرة أيام أو أكثر وينصرف إلى منزله ويكون له مقام عشرة أيام أو أكثر قصّر في سفره وأفطر) (٢). ومرسل يونس بن عبد الرحمن عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن حد المكاري الذي يصوم ويتمّ ، قال : أيّما مكّار أقام في منزله أو في البلد الذي يدخله أقل من مقام عشرة أيام وجب عليه الصيام والتمام أبدا ، وإن كان مقامه في منزله أو في البلد الذي يدخله أكثر من عشرة أيام فعليه التقصير والإفطار) (٣). وصحيح هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (المكاري والجمال الذي يختلف وليس له مقام يتم الصلاة ويصوم شهر رمضان) (٤).

وفي الأخير إشكال لاحتمال أن يكون قوله عليه‌السلام : (وليس له مقام) لبيان مفهوم المكاري والجمال ، مع أن غير ظاهر في الإقامة عشرة أيام.

وفي خبر ابن سنان إشكال أولا : لعدم إمكان الأخذ بصورة لأنه فكك بين صلاة النهار فقصر وبين صلاة الليل فتمام.

وثانيا : لأن ذيله ظاهر في وجوب التقصير في السفر إلى بلد تقيم فيه عشرة أيام وهو أجنبي عن دعوى الشرط المذكور فلم يبق إلا مرسل يونس ، وهو مختص بالمكاري ولذا احتمل المحقق اختصاص حكم انقطاع كثير السفر بالإقامة فيه فقط دون بقية من كثر سفره والمشهور على التعميم ، ولكن الحكم على خلاف المرتكز العرفي من أن كثرة السفر أو اتخاذ السفر عملا له لا ينقطع بالإقامة عشرة بالإضافة إلى إرساله فلذا استشكل بالحكم جماعة منهم سيد المدارك وصاحب الحدائق والذخيرة والكفاية ، ولو سلم العمل به فالمتعين الاقتصار على خصوص المكاري وقوفا على النص فيما يخالف الارتكاز العرفي مع ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٦ و ٥ و ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١.

٤٨٥

أو غيره مع النية (١) ، أو يصدق عليه (٢) اسم المكاري وأخوته (٣) ، وحينئذ فيتم في الثالثة (٤) ، ومع صدق الاسم يستمر متمّا إلى أن يزول الاسم (٥) ، أو يقيم (٦) عشرة أيام متوالية ، أو مفصولة بغير مسافة (٧) في بلده (٨) ، أو مع نية الإقامة (٩) ، أو

______________________________________________________

ـ أننا لا نسلم لأنه مرسل ولم يثبت انجباره لعدم تعرض الكثير من القدماء إليه.

ثم بناء على الشرط المذكور لا فرق في إقامة العشرة في بلده وغير بلده ، بل ألحق الشهيد في الدروس العشرة الحاصلة بعد التردد ثلاثين ، وذكر جمع من الأصحاب أنه لا يشترط في العشرة التوالي نعم يشترط عدم تخلل قصد المسافة في أثنائها إذا أقامها في بلده ، بخلاف ما لو أقام العشرة في غير بلده فلا بد من نية الإقامة.

ثم إذا وجب القصر على كثير السفر بإقامة العشرة ثم سافر ثانية فلا يعود إلى التمام إلا بعد تحقق عنوان كثرة السفر وهو لا يتحقق إلا من المرة الثالثة كما عن الشهيد في الذكرى ، أو يعود إلى التمام في السفرة الثانية فضلا عن الثالثة اقتصارا على مورد النص ، وقد عرفت أن المدار على اتخاذ السفر عملا له فحينئذ يشرع في التمام في السفر الأول بعد الإقامة لبقاء الاسم إلا في المكاري فيقصر بعد إقامته في السفرة الأولى.

(١) أي غير بلده مع نية الإقامة.

(٢) أي على المسافر ومراده : أن المسافر يقصر ما لم ينطبق عليه أحد عنوانين : كثير السفر أو المكاري والجمال والكري والاشتقان الواردة في النصوص المتقدمة.

فإن صدق عنوان كثير السفر فيقطع بالإقامة ولا يشرع في التمام إلا إذا سافر ثلاث سفرات ، وإن صدق عنوان المكاري وإخوته فينقطع بالإقامة ويشرع بالتمام في السفرة الأولى ما دام الاسم متحققا.

وقد عرفت في كلا الشقين من الترديد بين كثير السفر والمكاري وإخوته ، ومن التفصيل بين التمام في السفرة الثالثة. إذا أقام. لكثير السفر ، والتمام في السفرة الأولى. إذا أقام.

لكونه مندرجا تحت اسم المكاري وإخوته.

(٣) من الملاح والكري والاشتقان والراعي.

(٤) بالنسبة لكثير السفر.

(٥) بالنسبة للمكاري وإخوته.

(٦) فالإقامة قاطعة لحكم كثير السفر ولحكم التمام في المكاري وإخوته.

(٧) بشرط عدم حدوث سفر بينها.

(٨) متعلق بقوله (أو يقيم).

(٩) في غير بلده.

٤٨٦

يمضي عليه أربعون يوما (١) مترددا في الإقامة (٢) ، أو جازما (٣) بالسفر من دونه (٤).

ومن يكثر سفره (كالمكاري) بضم الميم وتخفيف الياء ، وهو من يكري دابته لغيره ويذهب معها فلا يقيم ببلده غالبا لإعداده نفسه لذلك ، (والملّاح) وهو صاحب السفينة (والأجير) الذي يؤجّر نفسه للأسفار (والبريد) المعدّ نفسه للرسالة ، أو أمين البيدر ، أو الاشتقان. وضابطه (٥) من يسافر إلى المسافة ولا يقيم العشرة كما مر.

(وألا يكون سفره معصية) (٦) ...

______________________________________________________

(١) عشرة الإقامة مع ثلاثين التردد كما هو قول الشهيد في الدروس.

(٢) التردد في الإقامة للثلاثين فقط ومع ذلك نسبه إلى الأربعين من باب التغليب.

(٣) عطف على (مترددا في الإقامة) لأن التردد كما عرفت أعم من التردد بين البقاء والذهاب وبين السير وعدمه.

(٤) من دون أن يسافر.

(٥) أي ضابط كثير السفر من يسافر إلى المسافة ولا يقيم عشرة أيام في بلده أو غيره مع النية ، وهذا ما صرح به في الروض أيضا بدعوى أن هذا هو ضابط كثير السفر بملاحظة ما ورد من اشتراط عدم الإقامة عشرا.

وفيه : قد عرفت أن ضابطه من اتخذ السفر عملا له ، وأما اشتراط عدم الإقامة عشرا فقد عرفت ما فيه من الضعف.

(٦) السفر موجب للتقصير بشرط أن لا يكون سفر معصية ، بالاتفاق ويدل عليه أخبار منها : صحيح عمار بن مروان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من سافر قصر وأفطر ، إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد ، أو في معصية الله ، أو رسول لمن يعصي الله (عزوجل) ، أو طلب عدوّ وشحناء وسعاية أو ضرر على قوم مسلمين) (١).

ومرسل ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يفطر الرجل في شهر رمضان إلا في سبيل حق) (٢).

وخبر أبي سعيد الخراساني : (دخل رجلان على أبي الحسن الرضا عليه‌السلام بخراسان فسألاه عن التقصير فقال لأحدهما : وجب عليك التقصير لأنك قصدتني ، وقال للآخر : وجب عليك التمام لأنك قصدت السلطان) (٣). ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٣ و ١ و ٦.

٤٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ ولا فرق بين كون غاية السفر معصية كما في الخبر الأخير وبين كون السفر بنفسه معصية كالفار من الزحف وتارك الجمعة بعد وجوبها.

واستشكل الشارح في روض الجنان بالتعميم وخصه بالسفر الذي تكون غايته معصية فقط بدعوى أن النصوص ظاهرة فيه ، وأما السفر الذي بنفسه معصية فلا وإلا للزم عدم الترخص إلا للأوحدي من الناس إذ غالب الأسفار مستلزمة لترك واجب كترك التعلم الواجب عينا أو كفاية ونحوه.

وفيه : لقد ورد في خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن الرجل يخرج إلى الصيد أيقصر أم يتم؟ قال : يتم لأنه ليس بمسير حق) والتعليل الوارد وفيه عام يشمل سفر المعصية كما يشمل السفر الذي غايته معصية بالإضافة إلى قوله عليه‌السلام في صحيح حماد المتقدم : (أو في معصية الله).

نعم إن تارك الواجب كالتعلم ونحو هو عاص بنفس الترك لا بالسفر إلا إذا كان السفر هذا خاصا له وقلنا بأن الأمر بالشي‌ء يقتضي النهي عن ضده الخاص وقد حرر في محله عدم الاقتضاء ثم لو سافر للصيد فإن كان لقوته وقوت عيالة قصّر بلا خلاف ويدل عليه لمرسل محمد بن عمران القمي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن خرج لقوته وقوت عياله فليفطر وليقصر ، وإن خرج لطلب الفضول فلا ولا كرامة) (١) ولأنه سفر مأذون فيه بل قد يجب إذ تعين تحصيل رزقه ورزق عياله عليه فلا يكون سفرا محرما.

وكذا لو سافر للصيد وكان لطلب التجارة كما هو المشهور بين المتأخرين ، لخروجه عن سفر المعصية فيقصر ويفطر إلا أن المحكي عن الشيخ في المبسوط وابن البراج وابن حمزة ويحيى بن سعيد أنه يقصر الصوم دون الصلاة ، وأشكل عليه في المعتبر بقوله : (ونحن نطالبه بدلالة الفرق ونقول : إن كان مباحا قصّر فيهما وإن لم يكفه أتمّ فيهما) ويدل على التسوية بين الصوم والصلاة صحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قصّرت أفطرت وإذا أفطرت قصرت) (٢).

ثم إذا كان الصيد لهوا كما يستعمله أبناء الدنيا وجب عليه التمام ، بالاتفاق ، وحكاه في الأمالي عن دين الإمامية ويدل عليه النصوص الكثيرة كمرسل القمي المتقدم وخبر السكوني المتقدم في بحث من اتخذ السفر عملا له : (سبعة لا يقصرون الصلاة : إلى أن قال : والرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا والمحارب الذي يقطع السبيل) (٣).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٧.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٥.

٤٨٨

بأن تكون غايته معصية (١) ، أو مشتركة (٢) بينها (٣) وبين الطاعة (٤) ، أو مستلزمة لها (٥) كالتاجر في المحرّم والآبق والناشر والساعي (٦) على ضرر محترم (٧) ، وسالك طريق يغلب فيه العطب ولو على المال (٨). وألحق به (٩) تارك كلّ واجب به (١٠) بحيث ينافيه (١١) ، وهي مانعة ابتداء واستدامة (١٢). فلو عرض قصدها في أثنائه انقطع الترخص حينئذ وبالعكس (١٣) ...

______________________________________________________

(١) بناء على تخصيص السفر المحرم به.

(٢) أي الغاية.

(٣) بين المعصية.

(٤) فيصدق أنه سفر معصية أيضا.

(٥) أي تستلزم غاية السفر للمعصية كمن يسافر للتجارة ، ولكن التجارة في المحرم فتكون غاية السفر مستلزمة للمعصية.

(٦) بناء على الشمول لسفر المعصية لأن سفره بنفسه إباق ونشوز وسعي.

(٧) أي على ضرر قوم من المسلمين بل والمحترمين من المعاهد والذمي.

(٨) لو وصلية ، والمراد وكان أن سفره معصية للنهي عن سلوك هذا الطريق للعطب وإن كانت غاية السفر مباحة.

(٩) أي بسفر المعصية.

(١٠) أي بسبب السفر فيكون معصية بناء على الاقتضاء.

(١١) بحيث ينافي السفر ذلك الواجب.

(١٢) المعصية مانعة من الترخص في السفر ابتداء واستدامة فلو قصد المعصية ابتداء أتم ولو رجع عنها في أثناء السفر اعتبرت المسافة في الباقي ، ولو قصد المعصية في أثناء السفر المباح انقطعت الرخصة تحكيما لإطلاقات الأخبار السابقة.

ثم لو عاد إلى الطاعة بعد المعصية في السفر المباح الموجبة لقطع الرخصة فيقصر إذا كان الباقي مسافة كما عن العلامة في القواعد لبطلان المسافة الأولى بالمعصية فيفتقر التقصير إلى قصد مسافة جديدة.

وعن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى والشهيد في الذكرى أنه يرجع إلى التقصير وإن لم يقصد المسافة لأن سفره الأول موجب للتقصير غايته كانت المعصية في الأثناء مانعا وقد زالت.

(١٣) أي كان سفره معصية ابتداء ثم رجع عنها في أثناء السفر فيقصر بشرط كون الباقي مسافة ولو مع ضميمة العود بناء على أن المدار على قصد المسافة ، وذهب الشارح إلى أن ـ

٤٨٩

ويشترط حينئذ (١) كون الباقي مسافة ولو بالعود ولا يضمّ باقي الذهاب إليه (٢).

(وأن يتوارى عن جدران بلده) (٣) ...

______________________________________________________

التقصير مشروط بقصد المسافة إذا كان العود مسافة ولا يضم إليه بقية الذهاب لأن لكل من العود والذهاب حكم مستقل ، وقد تقدم ضعفه.

(١) في العكس.

(٢) إلى العود في اعتبار المسافة.

(٣) لا يجوز للمسافر التقصير حتى يصل إلى حد الترخص على المشهور شهرة عظيمة للنصوص الكثيرة التي سيأتي بعضها ، وعن علي بن بابويه التقصير بمجرد الخروج من المنزل للمرسل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه) (١) وهو لا يقاوم تلك النصوص فيتعين حمله عليها ومثله مرسل حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يخرج مسافرا قال : يقصر إذا خرج من البيوت) (٢) وهو محمول على خفاء الجدران جمعا بينه وبين ما يأتي. وكذا لو كان مسافرا يبقى على التقصير إلى أن يصل إلى حد الترخص فيتم على المشهور لصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (المسافر يقصر حتى يدخل المصر) (٣) وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن التقصير قال : إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتمّ وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصّر ، وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك) (٤) وصحيح حماد والآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا سمع الأذان أتمّ المسافر) (٥) ، وذهب السيد وعلي بن بابويه وابن الجنيد إلى أنه يقصر في العود حتى يبلغ منزله لصحيح عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته) (٦) وموثق إسحاق بن عمار عن أبي إبراهيم عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يدخل ويقدم ويدخل بيوت الكوفة ، أيتم الصلاة أم يكون مقصّرا حتى يدخل أهله؟ قال : بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله) (٧) وصحيح معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتمّوا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا) (٨) بالإضافة إلى مرسل الصدوق المتقدم.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٥.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٩.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٨ و ٣ و ٧.

(٦ و ٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٤ و ٣ و ١.

٤٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ وقال في الرياض : «ولو لا الشهرة المرجحة للأدلة الأولى لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوة لاستفاضة نصوصه وصحة أكثرها وظهور دلالتها جملة بل صراحة كثير منها» ولذا فالأحوط هو الجمع بين القصر والتمام لو دخل المصر إلى حين بلوغ البيت وإن العمل على الطائفة الأولى أقوى لإعراض المشهور عن الثانية.

ثم إن حد الترخص هو اختفاء الجدران والأذان معا كما عليه المشهور بين المتأخرين ، والمنسوب لأكثر المتقدمين اعتبار أحد الأمرين ، وعن التنقيح الاقتصار على خفاء الجدران ، وعن المفيد وسلّار والحلي والتقي الاقتصار على خفاء الأذان ، ومنشأ الخلاف هو اختلاف الأخبار فبعضها يدل على خفاء الجدران كصحيح محمد بن مسلم : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر؟ قال عليه‌السلام : إذا توارى عن البيوت) (١) ، وبعضها يدل على خفاء الأذان كصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن التقصير قال عليه‌السلام : إذا كنت في الموضع الذي تسمع فيه الأذان فأتم ، وإذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الأذان فقصر وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك) (٢).

فالقول الأول مبني على تقييد منطوق إحدى الطائفتين بمنطوق الأخرى.

والقول الثاني مبني إما على تقييد مفهوم إحدى الطائفتين بمنطوق الأخرى وإما برفع اليد عن المفهوم في كليهما وإما على خصوصية الشرط في منطوق كل منهما مع جعل الشرط هو الجامع بينهما والمراد به مطلق البعد المدلول عليه بخفاء الأذان والجدران معا وإما على القول بالتعارض بينهما مع الحكم بالتخيير.

والقول الثالث مبني على القول بالتعارض بين الطائفتين والترجيح لخفاء الجدران.

والرابع مبني على التعارض والترجيح لخفاء الأذان ، والأخير لا يخلو من قوة لصحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا سمع الأذان أتم المسافر) (٣) وحد الترخص واحد ذهابا وعودا ، ولمشهورية خفاء الأذان بين أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كما يدل عليه خبر إسحاق بن عمار. برواية الصدوق. عن أبي الحسن عليه‌السلام : (عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا إلى الموضع الذي يجب عليهم فيه التقصير قصّروا من الصلاة ، فلما صاروا على فرسخين أو على ثلاثة فراسخ أو على أربعة تخلّف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم إلا به ، فأقاموا ينتظرون مجيئه إليهم ، وهم لا يستقيم لهم السفر إلا بمجيئه ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١ و ٣ و ٧.

٤٩١

بالضرب في الأرض (١) لا مطلق المواراة ، (أو يخفى (٢) عليه أذانه) ولو تقديرا كالبلد المنخفض والمرتفع ، ومختلف الأرض ، وعادم الجدار والأذان (٣) والسمع والبصر (٤) والمعتبر آخر البلد المتوسط فما دون ومحلته في المتسع (٥) ، وصورة الجدار والصوت لا الشبح والكلام (٦). والاكتفاء بأحد الأمرين مذهب جماعة ، والأقوى

______________________________________________________

ـ إليهم ، فأقاموا على ذلك أياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم أو ينصرفون ، هل ينبغي لهم أن يتموا الصلاة أو يقيموا على تقصيرهم؟ قال : إن كانوا بلغوا مسيرة أربعة فراسخ فليقيموا على تقصيرهم أقاموا أم انصرفوا ، وإن كان ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتموا الصلاة ما أقاموا فإذا انصرفوا فليقصروا ، ثم قال : هل تدري كيف صار هكذا؟ قلت : لا. قال : لأن التقصير في بريدين ولا يكون التقصير في أقل من ذلك ، فإذا كانوا قد ساروا بريدا وأرادوا أن ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير ، وإن كانوا ساروا أقل من ذلك لم يكن لهم إلا إتمام الصلاة.

قلت : أليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه أذان مصرهم الذي خرجوا منه؟

قال : بلى ، إنما قصّروا في ذلك الموضع لأنهم لم يشكوا في مسيرهم وإن السير يجدّ بهم ، فلما جاءت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا) (١). هذا فضلا عن أن صحيح ابن مسلم الدال على خفاء الجدران لم يصرح إلا بالتواري عن البيوت لا بخفاء الجدران كما هو الشائع في ألسنة الفقهاء.

(١) الظاهر من صحيح محمد بن مسلم المتقدم أن تواري البيوت إنما هو من جهة الضرب في الأرض لا من جهة حائل أو نحوه ، والمعتبر في التواري أن يتوارى صورة الجدار لا شبحه.

(٢) المدار في خفاء الأذان خفاء صوت المؤذن ، فلو كانت البلدة منخفضة أو مرتفعة فتقدر مستوية ويلاحظ تواري الجدران وخفاء الأذان حينئذ ، والمدار على الجدار والأذان في آخر البلد فلو اتسعت فالمدار على آخر المحلة كما عن جماعة.

(٣) فلو عدم الجدار في البلد فيقدر وجوده ويكون التواري والخفاء على فرض تقديره.

(٤) فلو فقد المسافر السمع أو البصر فيقدر أنه سميع بصير ويكون التواري والخفاء على فرض تقديره أيضا.

(٥) أي ومحلة المسافر في البلد المتسع.

(٦) الشيخ في الجدار والكلام في الأذان بحيث لو بقي يسمع صوته فلا تقصير وإن لم يميّز كلامه ، بخلاف الجدار فالمدار على اختفاء صورته لا شبحه لأن الشبح يبقى يراه من مسافة بعيدة.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١١.

٤٩٢

اعتبار خفائهما معا ذهابا وعودا ، وعليه المصنف في سائر كتبه.

ومع اجتماع الشرائط (فيتعين القصر) (١) بحذف أخيرتي الرباعية (إلّا في) أربعة مواطن (٢) (مسجدي مكة والمدينة) ...

______________________________________________________

(١) بلا خلاف ويدل عليه النصوص الكثيرة منها : صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (عشر ركعات : ركعتان من الظهر وركعتان من العصر وركعتا الصبح وركعتا المغرب وركعتا العشاء الأخيرة لا يجوز فيهن الوهم. إلى أن قال : فزاد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صلاة المقيم غير المسافر ركعتين في الظهر والعصر والعشاء الآخرة ، وركعة في المغرب للمقيم والمسافر) (١).

وصحيح الفضيل عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن الله (عزوجل) فرض الصلاة ركعتين ركعتين عشر ركعات فأضاف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الركعتين ركعتين وإلى المغرب ركعة ، فصارت عديل الفريضة لا يجوز تركهن إلا في سفر ، وأفرد الركعة في المغرب فتركها قائمة في السفر والحضر) (٢). وأيضا تسقط عن المسافر نوافل الظهرين ونافلة العشاء كما تقدم في بحث الفرائض اليومية ، ويسقط عنه الصوم الواجب عزيمة وكذا المستحب على خلاف في الثاني وسيأتي بحثه في مبحث الصوم.

(٢) على المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعا للأخبار الكثيرة الدالة عليه منها : صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه‌السلام : عن التمام بمكة والمدينة فقال عليه‌السلام : أتم وإن لم تصل فيهما إلا صلاة واحدة) (٣).

وصحيح حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من مخزون علم الله الإتمام في أربعة مواطن : حرم الله وحرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحرم أمير المؤمنين عليه‌السلام وحرم الحسين عليه‌السلام) (٤).

وصحيح ابن مهزيار : (كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه‌السلام : إن الرواية قد اختلفت عن آبائك في الإتمام والتقصير للصلاة في الحرمين ، فمنها أن يأمر بتتميم الصلاة ولو صلاة واحدة ، ومنها أن يأمر أن يقصر ما لم ينو عشرة أيام ، ولم أزل على الإتمام فيهما إلى أن صدرنا من حجنا في عامنا هذا ، فإن فقهاء أصحابنا أشاروا إليّ بالتقصير إذا كنت لا أنوي مقام عشرة ، وقد ضقت بذلك حتى أعرف رأيك ، فكتب عليه‌السلام بخطه : قد علمت. يرحمك الله. فضل الصلاة في الحرمين على غيرهما ، فأنا أحب لك إذا دخلتهما أن لا تقصر ، وتكثر من الصلاة ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٣ ـ من أبواب إعداد الفرائض حديث ١٢ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٥ و ١.

٤٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ فقلت له بعد ذلك بسنتين مشافهة : إني كتبت إليك بكذا وأجبت بكذا ، فقال عليه‌السلام : نعم ، فقلت : أي شي‌ء تعني بالحرمين؟ فقال : مكة والمدينة) (١).

وخبر علي بن يقطين عن أبي الحسن عليه‌السلام : (في الصلاة بمكة فقال : من شاء أتم ومن شاء قصّر وليس بواجب ، إلا إني أحب لك ما أحب لنفسي) (٢) وصريح هذه الأخبار هو التخيير فما عن المفيد والسيد المرتضى من تعين التمام ليس في محله ، وعن الصدوق في الفقيه والخصال أنه يقصر ما لم ينو المقام عشرة ، والأفضل أن ينوي المقام ليوقع صلاته تماما ومستنده أخبار منها : صحيح محمد بن إسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه‌السلام : (عن الصلاة بمكة والمدينة تقصير أو تمام؟ فقال : تقصر ما لم تعزم على مقام عشرة) (٣) ، وحملت هذه الأخبار التقية بل صحيح علي بن مهزيار المتقدم صريح في أن فقهاء أصحاب الأئمة عليهم‌السلام كانوا يعملون بأخبار التقصير لكن قوله عليه‌السلام في صحيح حماد المتقدم إن التمام من مخزون علم الله كاشف عن أن تعين التقصير الصادر من الأئمة عليهم‌السلام وكان شائعا بين أصحابهم إنما هو من باب التقية.

هذا والأخبار قد خصت التخيير بالصلاة ، وأما الصوم فلا يشرع التخيير بل يتعين الإفطار على المسافر تحكيما لأدلته السالمة عن المعارض.

ومن جهة أخرى فالمراد من مكة والمدينة عموم البلد وإن وقعت الصلاة خارج المسجدين كما عليه الشيخ والمحقق وأكثر الأصحاب بل هو المشهور كما وقع التعبير بذلك في صحيح ابن الحجاج وعلي بن مهزيار المتقدمين ، بل ذيل مكاتبة ابن مهزيار عند ما سأله بعد أن التقاه : (أي شي‌ء تعني الحرمين؟ فقال : مكة والمدينة) صريح في عموم البلد لا خصوص المسجدين.

وعن الحلي وجماعة اختصاص الحكم بالمسجدين فقط من باب القدر المتيقن ولمرسل إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (تتم الصلاة في ثلاثة مواطن : في المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعند قبر الحسين عليه‌السلام (٤) ومرسل حذيفة بن منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (تتم الصلاة في المسجد الحرام ومسجد الرسول ومسجد الكوفة وحرم الحسين عليه‌السلام) (٥) ومثله خبر أبي بصير (٦). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٤.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٠ و ٣٢.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢٢ و ٢٣ و ٢٥.

٤٩٤

المعهودين (١) ، (ومسجد الكوفة والحائر) الحسيني (على مشرفه السلام) وهو (٢) ما دار عليه سور حضرته الشريفة ، (فيتخيّر فيها) بين الإتمام والقصر ، (والإتمام أفضل) ، ومستند الحكم أخبار كثيرة ، وفي بعضها أنه من مخزون علم الله.

______________________________________________________

ـ وهي مع ضعف أسانيدها لا تصلح للتخصيص إذ لعل ذكر المسجدين باعتبار أن الصلاة تقع فيهما غالبا ، ويشهد لعموم الحكم أن الإمام عليه‌السلام قد ذكر مكة والمدينة ثم عدل إلى مسجد الكوفة وقبر الحسين عليه‌السلام فلو لم يكن المراد من مكة والمدينة البلدين لما كان للعدول معنى كما في مرسل حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من الأمر المذخور إتمام الصلاة في أربعة مواطن : مكة والمدينة ومسجد الكوفة والحائر) (١) ومن جهة ثالثة ورد في الأخبار التعبير بمسجد الكوفة كما في مرسل حذيفة ومرسل حماد المتقدمين وحرم أمير المؤمنين كما في صحيح حماد المتقدم فمقتضى الجميع هو أن يكون المراد هو مسجد الكوفة وأما التعبير ببلد الكوفة فلم يرد إلا في خبر زياد القندي عن أبي الحسن عليه‌السلام : (يا زياد أحب لك ما أحب لنفسي ، وأكره لك ما أكره لنفسي ، أتم الصلاة في الحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين عليه‌السلام) (٢) فيتعين أن يكون المراد منها هو خصوص مسجد الكوفة ، فما عن الشيخ من إلحاق الكوفة بمكة اعتمادا عليه ليس في محله وأما بالنسبة للحائر الحسيني فقد ورد التعبير تارة بحرم الحسين عليه‌السلام : كما في صحيح حماد بن عيسى ومرسل حذيفة بن منصور المتقدمين وأخرى بالتعبير (عن قبر الحسين عليه‌السلام) كما في مرسل إبراهيم بن أبي البلاد المتقدم وثالثة التعبير بالحائر كما في مرسل حماد المتقدم ومقتضى الجمع هو الاقتصار على الحائر بل عند قبره (صلوات الله عليه) بالإضافة إلى الخلاف الواقع بينهم في تحديد الحائر فعن السرائر أنه ما دار سور المشهد والمسجد عليه ، وعن ثان أنه مجموع الصحن المقدس ، وعن ثالث أنه القبة السامية ، وعن رابع أنه الروضة المقدسة وما أحاط بها من العمارات المقدسة من الرواق والخزانة ، وعن خامس أنه مجموع الصحن القديم لا ما تجدد منه في الدولة الصفوية ، والجميع غير واضح المستند. ومن جهة رابعة ألحق ابن الجنيد والمرتضى بهذه الأماكن جميع مشاهد الأئمة عليه‌السلام وقال في الذكرى : «ولم نقف لهما على مأخذ في ذلك والقياس عندنا باطل».

(١) قد عرفت أن الأقوى عموم البلدين.

(٢) وقد عرفت الاختلاف فيه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١٣.

٤٩٥

(ومنعه) أي التخيير (أبو جعفر) محمد بن (بابويه) وحتّم القصر فيها كغيرها. والأخبار الصحيحة حجة عليه (وطرّد المرتضى ، وابن الجنيد الحكم في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام) ولم نقف على مأخذه ، وطرّد آخرون الحكم في البلدان الأربع (١) ، وثالث (٢) في بلدي المسجدين الحرمين دون الآخرين ، ورابع في البلدان الثلاثة غير الحائر (٣) ، ومال إليه المصنف في الذكرى. والاقتصار عليها (٤) موضع اليقين فيما خالف الأصل (٥).

(ولو دخل عليه الوقت حاضرا) بحيث مضى منه قدر الصلاة بشرائطها المفقودة (٦) قبل مجاوزة الحدين (٧) (أو أدركه (٨) بعد) انتهاء (سفره) بحيث أدرك منه ركعة فصاعدا (أتمّ) الصلاة فيهما (في الأقوى) (٩) ...

______________________________________________________

(١) وحكى الشهيد في الذكرى عن يحيى بن سعيد ذلك.

(٢) وقد عرفت أنه الأقوى.

(٣) وهذا القول للشيخ في التهذيب والاستبصار.

(٤) على المساجد الثلاثة مع الحائر ، لذا قال الشارح في الروض : «وهل الحكم مختص بالمساجد والمشهد المقدس أو يعم بلدانها ظاهر الأخبار العموم ، والأول أولى لعدم التصريح بالزائد وكونه على خلاف الأصل».

(٥) إذ الأصل في السفر هو القصر.

(٦) التي يجب تحصيلها قبل الشروع في الصلاة كالوضوء وتطهير الثوب المتنجس مع الانحصار وكذا تطهير البدن ونحو ذلك.

(٧) من تواري الجدران وخفاء الأذان.

(٨) أدرك الوقت.

(٩) أما المسألة الأولى بحيث إذا دخل عليه الوقت وهو حاضر متمكن من الصلاة ثم سافر فيجب عليه القصر على المشهور ويدل عليه صحيح إسماعيل بن جابر : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : يدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في السفر فلا أصلي حتى أدخل أهلي فقال عليه‌السلام : صل وأتم الصلاة ، قلت : فدخل عليّ وقت الصلاة وأنا في أهلي أريد السفر فلا أهلي حتى أخرج فقال عليه‌السلام : فصل وقصّر ، فإن لم تفعل فقد خالفت. والله.

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) (١) وخبر الوشاء : (سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : إذا زالت الشمس وأنت في المصر وأنت تريد السفر فأتم ، فإذا خرجت بعد الزوال قصّر العصر) (٢) إلا ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٢ و ١٢.

٤٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أنهما معارضان بطائفة من الأخبار أكثر عددا منها : صحيح محمد بن مسلم : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن الرجل يدخل من سفره وقد دخل وقت الصلاة وهو في الطريق فقال عليه‌السلام : يصلي ركعتين ، وإن خرج إلى سفره وقد دخل وقت الصلاة فليصل أربعا) (١) وقد عمل بهذه الطائفة جماعة منهم الصدوق في المقنع وكثير من كتب العلامة والشهيدان كما في اللمعة والروضة وغيرهما والمحقق الثاني وغيرهم والترجيح لها لأنها أكثر عددا ولموافقتها للأصل في الصلاة لأن الأصل هو التمام. وعن الشيخ في كتابي الحديث والصدوق في الفقيه بالجمع بينهما بحمل أخبار الإتمام على السعة وأخبار القصر على الضيق ، ويشهد له موثق إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه‌السلام : (في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلاة فقال : إن كان لا يخاف فوت الوقت فليتمّ وإن كان يخاف خروج الوقت فليقصر) (٢).

وفيه : إنه صريح في صورة القدوم من السفر لا في صورة الخروج إليه. وعن الشيخ في الخلاف بحمل الأمر بالتمام والقصر على الوجوب التخييري ويشهد له صحيح منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلاة قبل أن يدخل أهله فسار حتى دخل أهله ، فإن شاء قصر وإن شاء أتم والإتمام أحب إليّ) (٣) ، وفيه : إنه كذلك في صورة القدوم لا في صورة الخروج التي هي محل البحث.

وحيث تعذر الجمع فلا بد من الترجيح والترجيح للطائفة الأولى الموافقة للأصل الدال على أن العبرة وقت الأداء ، ولما دل على وجوب التقصير في السفر وهو مسافر ، وللوهن في الطائفة الثانية حيث صرحت بأن الحكم في صورة الدخول هو القصر مع أنه لم يقل به فقيه كما ستسمع ، فقول الشارح في روض الجنان أن المسألة من أشكل الأبواب غير واضح بعد ما عرفت من البيان.

وأما المسألة الثانية وهي ما لو دخل عليه الوقت وهو مسافر ولم يصل حتى دخل بلده فيجب عليه التمام على المشهور شهرة عظيمة كادت أن تكون إجماعا ، وحتى حكي عن غير واحد عدم الوقوف عليه وإن كان يظهر من الشرائع وجوده ، بل في السرائر : «لم يذهب إلى ذلك أحد ولم يقل به فقيه ولا مصنف ذكره في كتابه لا منا ولا من مخالفينا» ويشهد لمستند المشهور أخبار كثيرة وما قدمنا من صحيح إسماعيل بن جابر كفاية ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ٦ و ٩.

٤٩٧

عملا بالأصل (١) ولدلالة بعض الأخبار عليه ، والقول الآخر القصر فيهما (٢) وفي ثالث التخيير ، ورابع (٣) القصر في الأول ، والإتمام في الثاني ، والأخبار متعارضة ، والمحصل ما اختاره هنا.

(ويستحبّ جبر (٤) كل مقصورة) ، وقيل (٥) : كل صلاة تصلّى سفرا

______________________________________________________

ـ خصوصا تأكيده بأن مخالفته مخالفة الرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع القسم على ذلك ومما تقدم تعرف أنه لو كان في أول الوقت حاضرا ثم سافر ، أو كان مسافرا ثم حضر وقد فاتته الصلاة فيقضيها في الأولى قصرا وفي الثانية تماما لأن المدار في القضاء على الفوت وقد فاتته بما ذكرناه.

(١) إذ الأصل في الصلاة هو التمام ، وقد عرفت أن الأصل في المسألة الأولى هو القصر بالنسبة للمسافر.

(٢) وهو غير معروف بالنسبة لمسألة القدوم.

(٣) وهو الأقوى وعليه المشهور.

(٤) لخبر سليمان بن حفص المروزي قال : قال الفقيه العسكري عليه‌السلام : (يجب على المسافر أن يقول دبر كل صلاة يقصر فيها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاثين مرة لتمام الصلاة) (١) وخبر رجاء عن الرضا عليه‌السلام : (أنه صحبه في سفر فكان يقول في دبر كل صلاة يقصرها : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثلاثين مرة ويقول : هذا تمام الصلاة) (٢).

والوجوب في الخبر الأول محمول على الاستحباب بالاتفاق إذ لم يذهب أحد إلى حمله على الإلزام وظاهر الخبرين أن التسبيح المذكور مخصوص بالمقصورة من باب جبرها ، لكن روي استحبابه عقيب كل صلاة كما في خبر هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من صلى صلاة مكتوبة ثم سبح في دبرها ثلاثين مرة لم يبق شي‌ء من الذنوب على بدنه إلا تناثر) (٣) وقد حملت على أنه مستحب بعنوان التعقيب لا من باب جبر المقصورة ولذا أفتى بعضهم باستحبابه مرتين عقيب المقصورة مرة بعنوان التعقيب ومرة بعنوان الجبر لها ، والبعض الآخر قال بالتداخل لتحقق الامتثال في التسبيح المذكور إذا أتى به للعنوانين معا.

(٥) نسب للصدوق في المقنع وتوقف الفاضل في عموم التسبيح لغير المقصورة من صلوات المسافر.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب صلاة المسافر حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب التعقيب حديث ٥.

٤٩٨

(بالتسبيحات الأربع ثلاثين مرّة) عقبها. والمرويّ التقييد (١) ، وقد روي استحباب فعلها (٢) عقيب كلّ فريضة في جملة التعقيب ، فاستحبابها عقيب المقصورة يكون آكد ، وهل يتداخل الجبر والتعقيب ، أم يستحب تكرارها؟ وجهان ، أجودهما الأول لتحقق الامتثال فيهما (٣).

(الفصل الحادي عشر. في الجماعة)

(وهي مستحبة في الفريضة) مطلقا (٤) ، (متأكّدة في اليومية) حتى أن الصلاة

______________________________________________________

(١) تقييد التسبيح بالمقصورة.

(٢) أي فعل التسبيحات.

(٣) في الجبر والتعقيب.

(٤) يومية أو غيرها ، ويدل عليه الإجماع كما عن ظاهر المنتهى والذكرى ، وصحيح زرارة الفضيل : (قلنا له : الصلاة في جماعة فريضة هي ، فقال : الصلاة فريضة وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها ، ولكنها سنة ، من تركها رغبة عنها وعن جماعة المؤمنين من غير علة فلا صلاة له) (١) وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الصلاة في جماعة تفضل على كل صلاة الفرد بأربعة وعشرين درجة ، تكون خمسة وعشرين صلاة) (٢) ومثله غيره ، مع أن دعوى أن الأخير ليس في مقام بيان مشروعية الجماعة في كل فريضة بل في مقام بيان ثواب الجماعة على ثواب صلاة الفرد ليست بعيدة ، وكذلك الأول فإنه منصرف إلى خصوص اليومية! وعليه فلا دليل على مشروعية الجماعة في غير الفرائض اليومية إلا صلاة الأموات والآيات وقد تقدم البحث فيها ، أما صلاة الاحتياط وصلاة ركعتي الطواف والصلاة المنذورة فلا دليل على مشروعية الجماعة فيهما.

نعم تأكد الاستحباب في اليومية من ضروريات الدين للخبرين السابقين وغيرهما مثل صحيح زرارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (ما يروي الناس أن الصلاة في جماعة أفضل من صلاة الرجل وحده بخمس وعشرين صلاة فقال : صدقوا) (٣) وخبر محمد بن عمارة : (أرسلت إلى أبي الحسن الرضا عليه‌السلام أسأله عن الرجل يصلي المكتوبة وحده في مسجد الكوفة أفضل ، أو صلاته في جماعة؟ فقال : الصلاة في جماعة أفضل) (٤) وخبر عبد الله بن ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ٢ و ١ و ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣٣ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ٤.

٤٩٩

الواحدة منها تعدل خمسا (١) أو سبعا (٢) وعشرين صلاة مع غير العالم ، ومعه ألفا (٣). ولو وقعت في مسجد (٤) تضاعف بمضروب عدده (٥) في عددها (٦) ، ففي الجامع مع غير العالم ألفان وسبعمائة (٧) ، ومعه مائة ألف (٨) ...

______________________________________________________

ـ أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (همّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإحراق قوم في منازلهم كانوا يصلون في منازلهم ، ولا يصلون الجماعة ، فأتاه رجل أعمى فقال : يا رسول الله أنا ضرير البصر وربما أسمع النداء ولا أجد من يقودني إلى الجماعة والصلاة معك ، فقال له النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شدّ من منزلك إلى المسجد حبلا واحضر الجماعة) (١) وخبره الآخر عنه عليه‌السلام : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلا من علة ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا ، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه ، وإذا رفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذّره فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته) (٢).

(١) كما في صحيح ابن سنان المتقدم.

(٢) لم أجد عاجلا خبرا في ذلك إلا ما رواه الشارح في روض الجنان : «وعن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ. بالفاء والذال المعجمة وهو الفرد. بسبع وعشرين درجة» ، ورواه الشهيد في الذكرى وقال عنه : «رواه العامة في صحاحهم عن أبي سعيد الخدري عنه».

(٣) روى الشهيد في النفلية عن الصادق عليه‌السلام : (الصلاة خلف العالم بألف ركعة وخلف القرشي بمائة وخلف العربي خمسون ، وخلف المولى خمس وعشرون) (٣).

(٤) قد تقدم أن الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي المسجد النبوي بعشرة آلاف ، وفي كل من مسجد الكوفة والمسجد الأقصى بألف ، وفي المسجد الجامع بمائة ، وفي مسجد القبيلة بخمس وعشرين وفي مسجد السوق باثنتي عشرة صلاة.

(٥) عدد المسجد أي عدد ثوابه.

(٦) عدد الجماعة أي عدد ثوابها.

(٧) ناشئة من ضرب المائة لثواب الجامع في سبع وعشرين لثواب الجماعة.

(٨) أي ومع العالم في الجامع مائة ألف ناشئة من ضرب المائة لثواب الجامع في ضرب الألف لثواب الجماعة مع العالم. ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٤١ ـ من أبواب الشهادات حديث ١.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٢٣ ـ من أبواب صلاة الجماعة حديث ٦.

٥٠٠