الزبدة الفقهيّة - ج ٢

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ٢

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-55-8
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٥٥٢

(ويحرم قطعها) أي قطع الصلاة الواجبة (اختيارا) (١) للنهي عن إبطال العمل

______________________________________________________

ـ ثم يبني على ما مضى من صلاته التي صلى بالتيمم) (١).

وقال في المعتبر : «وهذه الرواية متكررة في الكتب بأسانيد مختلفة وأصلها محمد بن مسلم ، وفيها إشكال من حيث إن الحدث يبطل الطهارة وتبطل ببطلانها الصلاة ، واضطر الشيخان بعد تسليمهما إلى تنزيلها على المحدث سهوا ، والذي قالاه حسن ، لأن الإجماع على أن الحدث يبطل الصلاة فيخرج من إطلاق الرواية ، ولا بأس بالعمل بها على الوجه الذي ذكره الشيخان فإنها رواية مشهورة».

وفيه : إنه قد تقدم جملة من النصوص في باب الطهارات على ناقضية الحدث للطهارة ، وهذه الرواية لا تصلح لمعارضة ما تقدم بالإضافة إلى إمكان حمل هذه الرواية على صحة الصلوات السابقة التي صلاها بالتيمم لا على الركعة أو الركعتين كما عن العلامة في المختلف.

(١) فعن جامع المقاصد : «لا ريب في تحريم قطع الصلاة الواجبة اختيارا» ، وعن المدارك وغيرها : «بلا خلاف يعرف» وعن كشف اللثام : «الظاهر الاتفاق عليه» وعن مجمع البرهان : «إجماعي» وعن شرح المفاتيح أنه من بديهيات الدين. واستدل له بقوله تعالى : (وَلٰا تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ) (٢) ، وفيه : إن سياقه يدل على عدم جواز إبطال الأعمال التامة بالكفر والارتداد.

واستدل له بنصوص التحريم والتحليل وأن تكبيرها التحريم وتحليها التسليم (٣) كما عن الحدائق ، وفيه : إنها شاملة للنافلة مع أنه يجوز قطعها فيتعين حملهما على التحليل والتحريم الوضعيين لا التكليفيين.

واستدل له بخبر زرارة وأبي بصير : «لا تعودوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه ، فإن الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض أحدكم في الوهم ولا يكثرن نقض الصلاة) (٤) وفيه : إنه دال على جواز القطع وإنما النهي عن إطاعة الشيطان ، لا على حرمة قطع الصلاة فضلا عن شموله للنافلة التي يجوز قطعها.

واستدل له بصحيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سأله عن الرعاف أينقض ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١٠.

(٢) محمد (ص) الآية : ٣٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب تكبيرة الإحرام ، والباب ـ ١ ـ من أبواب التسليم.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث ٢.

٢٦١

المقتضي له (١) إلا ما أخرجه الدليل. واحترز بالاختيار عن قطعها لضرورة (٢) كقبض غريم ، وحفظ نفس محترمة من تلف ، أو ضرر (٣) ، وقتله حية يخافها على نفس محترمة ، وإحراز مال يخاف ضياعه ، أو لحدث (٤) يخاف ضرر إمساكه ولو بسريان النجاسة إلى ثوبه أو بدنه ، فيجوز القطع في جميع ذلك ، وقد يجب لكثير من هذه الأسباب ، ويباح لبعضها كحفظ المال اليسير الذي يضرّ فوته وقتل الحية التي لا يخاف أذاها.

ويكره لإحراز يسير المال الذي لا يبالى بفواته ، وقد يستحبّ لاستدراك

______________________________________________________

ـ الوضوء؟ قال عليه‌السلام : لو أن رجلا رعف في صلاته وكان عنده ماء أو من يشير إليه بماء فتناوله فمال برأسه فغسله فليبن على صلاته ولا يقطعها) (١) وبصحيح حريز عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كنت في صلاة فريضة فرأيت غلاما لك قد أبق ، أو غريما لك عليه مال ، أو حية تتخوفها على نفسك ، فاقطع الصلاة فاتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية) (٢) ومثله موثق سماعة (٣) والأمر بالقطع للرخصة وليس للوجوب وتعليقه على السبب دليل على عدم الرخصة عند انتفاء السبب. والخبر الأخير حصر عدم القطع بالفريضة فقط.

(١) أي للتحريم.

(٢) اقتصر بعضهم على مورد الضرورة ، وآخرون على العذر ، وقسم ثالث جعل القطع منقسما إلى الأقسام الخمسة فقد يجب القطع كما إذا توقف حفظ نفسه أو نفس محترمة على القطع وقد يستحب كما إذا توقف حفظ المال الذي يستحب حفظه عليه وكذلك تقطع استحبابا لتدارك الأذان والإقامة عند نسيانهما إذا تذكر قبل الركوع ولاستدراك الجمعة والمنافقين في ظهر الجمعة ، وقد يجوز القطع لدفع الضرر المالي الذي لا يضره تلفه ، وقد يكره فيما لو كان القطع لدفع الضرر المالي اليسير ، ويحرم القطع إذا لم يكن هناك عذر ولا سبب.

(٣) عطف على «من تلف».

(٤) عطف على «لضرورة».

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١١.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١ و ٢.

٢٦٢

الأذان المنسيّ ، وقراءة الجمعتين (١) في ظهريها (٢) ونحوهما (٣) فهو (٤) ينقسم بانقسام الأحكام الخمسة (٥) (ويجوز قتل الحية) والعقرب في أثناء الصلاة من غير إبطال إذا لم يستلزم فعلا كثيرا للإذن فيه نصا (٦) ، (وعدّ الركعات بالحصى) وشبهها (٧) خصوصا لكثير السهو (٨) (والتبسّم) (٩) وهو ما لا صوت فيه من الضحك على

______________________________________________________

(١) أي الجمعة والمنافقين من باب التغليب.

(٢) أي ظهر وعصر الجمعة.

(٣) كالإقامة المنسية فيستحب القطع لاستدراكها.

(٤) أي قطع الصلاة الواجبة.

(٥) والأولى الاقتصار على مورد الضرورة لا مطلق العذر.

(٦) ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (رجل يرى العقرب والأفعى والحية وهو يصلي أيقتلها؟ قال عليه‌السلام : نعم إن شاء فعل) (١) وخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن الرجل يكون في الصلاة فيرى الحية والعقرب يقتلهما إن أذياه؟ قال : نعم) (٢) وخبر عمار : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يكون في الصلاة فيقرأ فيرى حيّة بحياله ، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال : إن كان بينه وبينها خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا) (٣) ومثلها غيرها.

(٧) كالخاتم.

(٨) ففي خبر حبيب الخثعمي : (شكوت إلى أبي عبد الله عليه‌السلام كثرة السهو في الصّلاة ، فقال : احص صلاتك بالحصى ، أو قال : احفظها بالحصى) (٤) وخبر حبيب بن المعلّى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إني رجل كثير السهو فما أحفظ صلاتي إلا بخاتمي أحوّله من مكان إلى مكان ، فقال : لا بأس به) (٥) وخبر عبد الله بن المغيرة عنه عليه‌السلام : (لا بأس أن يعدّ الرجل صلاته بخاتمه أو بحصى يأخذ بيده فيعدّ به) (٦).

(٩) لموثق سماعة : (سألته عن الضحك هل يقطع الصلاة؟ قال : أما التبسم فلا يقطع الصلاة وأما القهقهة فهي تقطع الصلاة) (٧) وخبر ابن أبي عمير عن رهط سمعوه : (إن التبسم في الصلاة لا ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء ، إنما يقطع الضحك الذي فيه القهقهة) (٨).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٤.

(٤ و ٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ٢٨ ـ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة حديث ١ و ٢ و ٣.

(٧ و ٨) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢ و ٣.

٢٦٣

كراهية (١) ، (ويكره الالتفات يمينا وشمالا) بالبصر أو الوجه (٢) ، ففي الخبر (٣) «أنه لا صلاة لملتفت» ، وحمل على نفي الكمال جمعا ، وفي خبر آخر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله وجهه وجه حمار» (٤). والمراد

______________________________________________________

(١) لأنه مناف للخشوع في الصلاة.

(٢) الحكم بالكراهة جمعا بين صحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام : (عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شي‌ء هل يصلح له أن ينظر فيه أو يمسه؟

قال عليه‌السلام : إن كان في مقدم ثوبه أو جانبيه فلا بأس ، وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فإنه لا يصلح) (١) وبين خبر عبد الملك عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن الالتفات في الصلاة أيقطع الصلاة؟ فقال عليه‌السلام : لا ، وما أحب أن يفعل) (٢) ، وقد تقدم تمام الكلام في الالتفات إلى ما ورائه في الشرط السادس فراجع.

(٣) وقد رواه عبد الله بن سلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (لا تلتفتوا في صلاتكم فإنه لا صلاة لملتفت) (٣) وهو من أخبار العامة.

(٤) ففي أسرار الصلاة للشهيد الثاني (رحمه‌الله) : «روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن العبد إذا اشتغل بالصلاة جاءه الشيطان وقال له : أذكر كذا ، اذكر كذا حتى يضلّ الرجل أن يدري كم صلى ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما يخاف الذي يحوّل وجهه في الصلاة أن يحوّل الله وجهه وجه حمار» (٤) وهو من أخبار العامة على الظاهر ، وقد ورد من طرقنا عدة أخبار منها : خبر الخضر بن عبد الله عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عليه بوجهه ، فلا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات ، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه) (٥).

وخبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام : (الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان ، فإياكم والالتفات في الصلاة فإن الله مقبل على العبد إذا قام في الصلاة ، فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى : يا بن آدم عمن تلتفت ثلاثة ، فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه) (٦) وخبر ابن القداح عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : قال : علي ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٤ و ٥.

(٣) عمدة القاري ج ٣ ص ٥٣.

(٤) بحار الأنوار ج ٨١ ص ٢٥٩ ، باب آداب الصلاة حديث ٥٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢.

٢٦٤

تحويل وجه قلبه كوجه قلب الحمار في عدم اطلاعه على الأمور العلوية ، وعدم إكرامه بالكمالات العليّة (والتثاؤب) (١) بالهمز ، يقال تثاءبت ولا يقال تثاوبت قاله الجوهري (والتمطّي) وهو مدّ اليدين ، فعن الصادق عليه‌السلام أنهما من الشيطان (٢) (والعبث) (٣) بشي‌ء من أعضائه لمنافاته الخشوع المأمور به ، وقد رأى النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

______________________________________________________

ـ عليهم‌السلام : (للمصلي ثلاث خصال : ملائكة حافين من قدميه إلى أعنان السماء ، والبرّ ينتثر عليه من رأسه إلى قدمه ، وملك عن يمينه وعن يساره فإن التفت قال الرب تبارك وتعالى : إلى خير مني تلتفت يا بن آدم؟ لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل) (١).

(١) ففي خبر أحمد بن محمد بن أبي نصر : (سمعت الرضا عليه‌السلام يقول : التثاؤب من الشيطان والعطسة من الله عزوجل) (٢) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا قمت في الصلاة فعليك بالإقبال على صلاتك. إلى أن قال. ولا تتثاءب ولا تتمطى) (٣) وخبر الفضيل عن أحدهما عليهما‌السلام : (أنه قال في الرجل يتثاءب ويتمطى في الصلاة قال : هو من الشيطان ولا يملكه) (٤) وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يتثاءب في الصلاة ويتمطى قال : هو من الشيطان ولن يملكه) (٥).

(٢) كما في صحيح الحلبي المتقدم.

(٣) ففي خبر حماد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام أنه لما علّمه الصلاة قال : (هكذا صل ولا تلتفت ولا تعبث بيديك وأصابعك) (٦) وخبر أنس بن محمد عن أبيه عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم‌السلام في وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : (يا علي إن الله كره لأمتي العبث في الصلاة) (٧) ومرسل الفقيه : (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله كره لي ست خصال وكرهتهن للأوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي : العبث في الصلاة) (٨) وفي حديث الأربعمائة عن علي عليه‌السلام : (ولا يعبث الرجل في صلاته بلحيته. إلى أن قال. ليخشع الرجل في صلاته فإن من خشع قلبه لله (عزوجل) خشعت جوارحه فلا تعبث بشي‌ء) (٩) ومرفوع أحمد بن محمد بن عيسى عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قمت في الصلاة فلا تعبث بلحيتك ولا برأسك ولا تعبث بالحصى وأنت تصلي إلا أن تسوي حيث تسجد فلا بأس) (١٠) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (عليك بالإقبال على صلاتك ولا تعبث فيها بيدك ولا برأسك ولا بلحيتك) (١١) ومثلها غيرها.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٣.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١ و ٢ و ٣ و ٤.

(٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ و ١١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١ و ٣ و ٤ و ٦ و ٧ و ٨.

٢٦٥

رجلا يعبث في الصلاة فقال : «لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه (١) ، (والتنخّم) ، ومثله البصاق (٢) وخصوصا إلى القبلة ، واليمين ، وبين يديه ، (والفرقعة) بالأصابع (٣) ، (والتأوّه (٤) بحرف واحد) ، وأصله قول «أوّه» عند الشكاية والتوجع ، والمراد هنا النطق به على وجه لا يظهر منه حرفان ، (والأنين به) أي بالحرف الواحد ، وهو مثل التأوّه ، وقد يخصّ الأنين بالمريض ، (ومدافعة)

______________________________________________________

(١) ففي الجعفريات مسندا عن علي عليه‌السلام : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبصر رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال : أما أنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه) (١).

(٢) ففي صحيح حماد الوارد في تعليم الصلاة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (يا حماد هكذا صل ولا تلتفت ولا تعبث بيديك وأصابعك ، ولا تبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك) (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا قمت إلى الصلاة فاعلم أنك بين يدي الله ، فإن كنت لا تراه فاعلم أنه يراك ، فأقبل قبل صلاتك ، ولا تمتخط ولا تبزق ولا تنقض أصابعك) (٣) وفي خبر سهل بن دارة عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من حبس ريقه إجلالا لله في صلاته أورثه الله صحة حتى الممات) (٤).

(٣) كما في خبر أبي بصير المتقدم وفي صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن الرجل يلتفت في الصلاة قال : لا ، ولا ينقض أصابعه) (٥) وصحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (عليك بالإقبال على صلاتك. إلى أن قال. ولا تفرقع أصابعك فإن ذلك كله نقصان من الصلاة) (٦) وخبر مسمع أبي سيار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع خلفه فرقعة ، فرقع رجل أصابعه في صلاته ، فلما انصرف قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما إنه حظه من صلاته) (٧).

(٤) حكم جماعة بكراهة التأوه والأنين لدخولهما في العبث ، وفي خبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم‌السلام : (من أنّ في صلاته فقد تكلم) (٨) بناء على أن الأنين هنا ليس من الكلام لأنه بحرف واحد وقد حمل عند الأصحاب على الكراهة. ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة حديث ١ و ٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٤.

(٥ و ٦) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١ و ٣.

(٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٢.

(٨) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٤.

٢٦٦

(الأخبثين) البول والغائط (١) (والريح) ، لما فيه من سلب الخشوع والإقبال بالقلب الذي هو روح العبادة ، وكذا مدافعة النوم ، وإنما يكره إذا وقع ذلك قبل التلبّس بها مع سعة الوقت ، وإلا حرم (٢) القطع إلا أن يخاف ضررا (٣).

قال المصنف في البيان : ولا يجبره (٤) فضيلة الائتمام ، أو شرف البقعة ، وفي نفي الكراهة باحتياجه إلى التيمم نظر (٥) (تتمة). المرأة كالرجل في جميع ما سلف

______________________________________________________

ـ هذا واعلم أن التأوه والأنين يجب أن يكون بحرف وإلا لو زاد لكان من الكلام المبطل ، هذا من جهة ومن جهة أخرى أن الأنين للمريض والتأوه للأعم منه ومن غيره.

(١) للنصوص منها : خبر الحضرمي عن أبيه عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا تصل وأنت تجد شيئا من الأخبثين) (١) وفي وصية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : (يا علي : ثمانية لا تقبل منهم الصلاة : العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه ، والناشز وزوجها عليها ساخط ومانع الزكاة. إلى أن قال. والسكران ، والزبين وهو الذي يدافع البول والغائط) (٢) ، وفي خبر إسحاق بن عمار : (سمعت أبا عبد الله الصادق عليه‌السلام : لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحاذق ، فالحاقن الذي به البول ، والحاقب الذي به الغائط ، والحاذق الذي قد ضغطه الخف) (٣).

وصحيح عبد الرحمن بن الحجاج : (سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن الرجل يصيبه الغمز في بطنه وهو يستطيع أن يصبر عليه أيصلي على تلك الحال أو لا يصلّي؟ فقال : إن احتمل الصبر ولم يخف إعجالا عن الصلاة فليصل وليصبر) (٤) ومن الأخير يعرف كراهة مدافعة الريح بل كل ما يوجب العجلة في الصلاة وكل ما ينافي الخشوع. كالصلاة مع النوم ، وفي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (ولا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنها من خلال النفاق) (٥).

(٢) فمع ضيق الوقت فلا كراهة لوجوب الاشتغال بالصلاة مع الضيق.

(٣) فيجوز القطع.

(٤) يعني كراهة مدافعة الثلاثة ، ولا ترتفع الكراهة بالائتمام أو بالصلاة في بقعة شريفة مع مدافعة الثلاثة ، بحيث لو ذهب لتجديد الوضوء والاستراحة من الثلاثة لفاتته الجماعة أو الصلاة في ذلك المكان الشريف.

(٥) بحيث لو استراح من الثلاثة لوجب عليه التيمم لعدم وجود الماء ، فيجب عليه التحفظ ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ٣ و ٤ و ٥.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب قواطع الصلاة حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة حديث ٥.

٢٦٧

إلا ما استثني ، وتختصّ عنه أنه (يستحبّ للمرأة) حرة كانت أم أمة (أن تجمع بين قدميها في القيام (١) ، والرجل يفرّق بينهما بشبر إلى فتر (٢)) ، ودونه قدر ثلاث أصابع منفرجات (٣) ، (وتضمّ ثديها إلى صدرها) بيديها (٤) (وتضع يديها فوق ركبتيها راكعة). ظاهره أنها تنحني قدر انحناء الرجل : وتخالفه في الوضع ، وظاهر الرواية (٥) أنه يجزيها من الانحناء أن تبلغ كفّاها ما فوق ركبتيها ، لأنه علّله فيها بقوله : «لئلا تطأطئ كثيرا فترتفع عجيزتها» ، وذلك لا يختلف باختلاف

______________________________________________________

ـ على الطهارة المائية ، فهل ترتفع الكراهة حينئذ في مدافعة الثلاثة؟ نظر من إطلاق أدلة الكراهة الشاملة للمقام ومن كون الطهارة المائية واجبة التحفظ فلا كراهة مع هذا الوجوب ، هذا كله إذا كانت المدافعة والتحفظ على الطهارة المائية لا توجب ضررا وإلا فيجب التيمم حينئذ.

(١) لصحيح زرارة : (إذا قامت المرأة في الصلاة جمعت بين قدميها ولا تفرّج بينهما ، وتضم يديها إلى صدرها لمكان ثدييها ، فإذا ركعت وضعت يديها فوق ركبتيها على فخذيها لئلا تطأطأ كثيرا فترتفع عجيزتها ، فإذا جلست فعلى أليتيها ليس كما يجلس الرجل ، وإذا سقطت للسجود بدأت بالقعود وبالركبتين قبل اليدين ثم تسجد لاطئة بالأرض ، فإذا كانت في جلوسها ضمّت فخذيها ورفعت ركبتيها من الأرض ، وإذا نهضت انسلّت انسلالا لا ترفع عجيزتها أولا) (١).

(٢) الشبر معروف ، والفتر ما بين الإبهام والسبابة ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إذا قمت في الصلاة فلا تلصق قدمك بالأخرى ، دع بينهما فصلا إصبعا أقل ذلك إلى شبر أكثره) (٢).

(٣) لصحيح حماد عن أبي عبد الله عليه‌السلام الوارد في تعليم الصلاة : (فقام أبو عبد الله عليه‌السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضمّ أصابعه ، وقرّب بين قدميه حتى كان بينهما ثلاث أصابع مفرجات) (٣).

(٤) كما في صحيح زرارة المتقدم.

(٥) وهي صحيح زرارة المتقدم ، وكلام الماتن لا يخالف ظاهر الرواية.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة حديث ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب أفعال الصلاة حديث ١.

٢٦٨

وضعهما ، بل باختلاف الانحناء ، (وتجلس) حال تشهدها وغيره (على ألييها) (١) بالياءين من دون تاء بينهما على غير قياس ، تثنية ألية بفتح الهمزة فيهما والتاء في الواحدة.

(وتبدأ بالقعود) على تلك الحالة (٢) (قبل السجود) ، ثم تسجد (فإذا تشهدت ضمت فخذيها ، ورفعت ركبتيها من الأرض ، وإذا نهضت انسلّت) (٣) انسلالا معتمدة على جنبيها بيديها ، من غير أن ترفع عجيزتها. ويتخير (٤) الخنثى بين هيئة الرجل والمرأة.

______________________________________________________

(١) لصحيح زرارة المتقدم.

(٢) أي على الأليين مع أنه في صحيح زرارة تبدأ بالقعود بالركبتين في قبال الرجل فيستحب له وضع اليدين قبل الركبتين.

(٣) كل ذلك لصحيح زرارة المتقدم.

(٤) وجه التخير لاحتمال أنه رجل ولاحتمال أنه امرأة مع كون الحكم غير إلزامي ، نعم لو كان إلزاميا فيجب عليه الاحتياط إن أمكن.

٢٦٩

(الفصل السادس. في بقية الصلوات)

الواجبة ، وما يختاره من المندوبة (فمنها الجمعة ، وهي ركعتان كالصبح (١) عوض الظهر) فلا يجمع بينهما (٢) ، فحيث تقع الجمعة صحيحة تجزي عنها (٣) ، وربما استفيد من حكمه (٤) بكونها عوضها (٥) مع عدم تعرضه لوقتها (٦) : أن وقتها وقت الظهر فضيلة وإجزاء (٧) ، وبه قطع في الدروس والبيان ، وظاهر النصوص

______________________________________________________

(١) ما عدا القنوت على ما ستعرف تفصيله فيما بعد.

(٢) فتسقط الظهر مع الإتيان بالجمعة بلا خلاف فيه بل هو من الضروريات كما في الجواهر ، بل الجمعة هي الظهر يوم الجمعة كما تدل عليه الأخبار المستفيضة منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما : (سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال عليه‌السلام : نعم ويصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب) (١).

(٣) عن الظهر.

(٤) من حكم المصنف.

(٥) أي بكون الجمعة عوض الظهر.

(٦) أي مع عدم تعرض المصنف لوقت الجمعة.

(٧) تجب الجمعة عند زوال الشمس على المشهور شهرة عظيمة للأخبار منها : خبر ربعي وفضيل عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة ، فالصلاة مما وسّع فيه تقدّم مرة وتؤخر أخرى ، والجمعة مما ضيّق فيها ، فإن وقتها يوم الجمعة ساعة تزول ، ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها) (٢).

وعن السيد جعل أول الوقت عند قيام الشمس كما حكاه عنه الشيخ في الخلاف ، وفي السرائر : «لم أجد للمرتضى تصنيفا ولا مسطورا بما حكاه شيخنا عنه ، ولعله سمعه منه في الدرس وعرفه مشافهة» إلا أنه لا مستند له ، نعم استدل له بصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا صلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة) (٣) وفيه : إن نصف النهار هو زوال الشمس فيكون على مدعى المشهور أدل.

واستدل له العلامة بما روته العامة عن وكيع الأسلمي : (شهدت الجمعة مع أبي بكر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٦.

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ فكانت صلاته وخطبته قبل نصف النهار) (١) وهو بالإضافة إلى عدم حجيته لا يقاوم النصوص الكثيرة الدالة على أن الزوال أول وقت الجمعة.

وأما آخر وقتها فقد اختلف فيه فعن الأكثر بل قيل هو المشهور إلى أن يصير ظل كل شي‌ء مثله وتدل عليه النصوص منها : خبر إسماعيل بن عبد الخالق : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن وقت الصلاة فجعل لكل صلاة وقتين إلا الجمعة في السفر والحضر فإنه قال : وقتها إذا زالت الشمس ، وهي في ما سوى الجمعة لكل صلاة وقتان ، وقال :وإياك أن تصلي قبل الزوال فو الله ما أبالي بعد العصر صليتها أو قبل الزوال) (٢) وقد تقدم أن لكل صلاة وقتان وقت فضيلة ووقت إجزاء وبما أن وقت فضيلة الظهر إلى المثل ووقت إجزائها إلى المثلين مع الحكم أن الجمعة لها وقت واحد فيستكشف أن وقتها هو وقت فضيلة الظهر في غيرها وهو الزمن الممتد إلى المثل ، وأن وقت العصر يوم الجمعة يبتدئ من المثل إلى الغروب وهو وقت إجزاء الظهر في غيرها فلذا ورد في خبر ربعي وفضيل المتقدم : (ووقت العصر فيها وقت الظهر في غيرها).

وعن المجلسيين أن وقتها ممتد إلى أن يبلغ الظل قدمين بناء على أن وقتها هو وقت فضيلة الظهر في غيرها ، مع أن فضيلة الظهر تمتد إلى القدمين ، وقد تقدم في المواقيت أن القدمين هما ذراع وأن الشاخص المتعارف عندهم لمعرفة الزوال كان ذراعا فلو كان اعتبار المثلية هو وقت الفضيلة فلا يفرق الحال بين المثل والقدمين.

وعن ابن زهرة وأبي الصلاح أن وقتها ممتد بمقدار ما يسع الأذان والخطبتين وصلاة الجمعة وهذا ما يستغرق ساعة تقريبا ولذا نسب إلى الجعفي أن وقتها ممتد ساعة بعد الزوال ويدل على هذا القول خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (أول وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : لا يسأل الله (عزوجل) عبد فيها خيرا إلا أعطاه الله) (٣) ، وخبر عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن من الأشياء أشياء مضيقة ليس تجري إلا على وجه واحد ، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلا وقت واحد حين تزول الشمس) (٤) ، وخبر زرارة عن أبي جعفر ـ

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٣ ص ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١٨.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١٩.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٢١.

٢٧١

يدل عليه ، وذهب جماعة إلى امتداد وقتها إلى المثل خاصة ، ومال إليه المصنف في الألفية ، ولا شاهد له إلا أن يقال بأنه وقت للظهر أيضا.

(ويجب فيها تقديم الخطبتين (١) ...

______________________________________________________

ـ عليه‌السلام : (إن من الأمور أمورا مضيقة وأمورا موسعة ، وإن الوقت وقتان ، والصلاة مما فيه السعة فربما عجّل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربما أخّر إلا صلاة الجمعة ، فإن صلاة الجمعة من الأمر المضيّق إنما لها وقت واحد حين تزول ، ووقت العصر يوم الجمعة وقت الظهر في سائر الأيام) (١) ومثلها غيرها. ووجه الاستدلال بالأخيرين أن تحديد الوقت بالزوال وأنه وقت واحد فلا محالة يكون ممتدا إلى ساعة تقريبا حتى يسع الأذان والخطبتين والصلاة.

وعن ابن إدريس والشهيد في الدروس والبيان وجماعة إلى أن وقت الجمعة هو وقت الظهر فضيلة وإجزاء قضاء لحق البدلية ، وفيه : لا معنى لهذا التمسك في قبال تلك النصوص المتقدمة.

والعجب من الشارح حيث جعل قول الشهيد في الدروس والبيان هو ظاهر النصوص وكأنه أتبع الشهيد في البيان حيث جعله ظاهر الأدلة مع أن النصوص قد عرفت أنها دالة على ضيق وقت الجمعة ، وقد اعترف بالروض بأن خبر زرارة عن أبي جعفر المتقدم يصلح للاستشهاد على قول المشهور من التحديد بالمثل فكيف جعل التحديد بالمثل مما لا شاهد له إلا أن يجعل المثل لوقت فضيلة الظهر ووقت إجزائها معا كما هو قول في المسألة على ما تقدم في المواقيت بل هو الظاهر من كلامه.

(١) بلا خلاف فيه للأخبار منها : خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (وإنما وضعت الركعتان اللتان أضافهما النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة للمقيم لمكان الخطبتين مع الإمام ، فمن صلى يوم الجمعة في غير جماعة فليصلها أربع ركعات كصلاة الظهر في سائر الأيام) (٢).

وخبر الفضل عن الرضا عليه‌السلام : (إنما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين. إلى أن قال. لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد فأحب الله (عزوجل) أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام ، ولأن الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل لعلمه وفقهه وفضله وعدله ، ولأن الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان ولم تقصر لمكان الخطبتين) (٣). ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٣.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ١ و ٣.

٢٧٢

(المشتملتين على حمد الله تعالى) (١) ...

______________________________________________________

ـ وخبر البزنطي عن داود بن الحصين عن أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام (لا جمعة إلا بخطبة ، وإنما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين) (١).

وصحيح محمد بن مسلم : (سألته عن الجمعة فقال : بأذان وإقامة ، يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب ولا يصلي الناس ما دام الإمام على المنبر ، ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ (قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ) ، ثم يقوم فيفتتح خطبته ثم ينزل فيصلي بالناس فيقرأ بهم في الركعة الأولى بالجمعة وفي الثانية بالمنافقين) (٢).

وخالف بعض العامة كمالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور وابن المنذر وأحمد على رواية فاجتزءوا بخطبة واحدة وهم محجوجون بهذه النصوص المصرحة بالخطبتين ، ويجب تقديمها على الصلاة للأخبار منها : خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (سألته عن خطبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقبل الصلاة أو بعدها؟ قال : قبل الصلاة ثم يصلي) (٣).

وخبر الفضل عن الإمام الرضا عليه‌السلام : (إنما جعلت الخطبة يوم الجمعة في أول الصلاة وجعلت في العيدين بعد الصلاة ، لأن الجمعة أمر دائم وتكون في الشهر مرارا وفي السنة كثيرا ، وإذا كثر ذلك على الناس ملّوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرقوا عنه ، فجعلت قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرقوا ولا يذهبوا ، وأما العيدين فإنما هو في السنة مرتين وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه أكثر والناس فيه أرغب ، فإن تفرق بعض الناس بقي عامتهم وليس هو كثير فيملّوا ويستخفوا به) (٤).

(١) بلا خلاف أجده فيه كما في الجواهر ففي صحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في خطبة يوم الجمعة وذكر خطبة مشتملة على حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله والوعظ. إلى أن قال. واقرأ سورة من القرآن وادع ربك وصل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادع للمؤمنين والمؤمنات ، ثم تجلس قدر ما يمكن هنيهة ثم تقوم وتقول : وذكر الخطبة الثانية وهي مشتملة على حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله والصلاة على محمد وآله والأمر بتسمية الأئمة عليهم‌السلام إلى آخرهم والدعاء بتعجيل الفرج. إلى أن قال. ويكون آخر كلامه (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسٰانِ ...) الآية) (٥).

وخبر سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (يخطب. يعني إمام الجمعة. وهو قائم يحمد الله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة ٣ و ٩.

(٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٢ و ٤.

(٥) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

٢٧٣

بصيغة «الحمد لله» (والثناء عليه) (١) بما سنح. وفي وجوب الثناء زيادة على الحمد نظر (٢) وعبارة كثير. ومنهم المصنف في الذكرى. خالية عنه (٣). نعم هو موجود في الخطب المنقولة عن النبي وآله عليه وعليهم‌السلام (٤) ، ...

______________________________________________________

ـ ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة من القرآن صغيرة ثم يجلس ، ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات فإذا فرغ من هذا أقام المؤذن فصلّى بالناس ركعتين يقرأ في الأولى بسورة الجمعة وفي الثانية بسورة المنافقين) (١).

وخبر الفضل عن الإمام الرضا عليه‌السلام : (وإنما جعلت خطبتين ليكون واحدة للثناء على الله والتمجيد والتقديس لله (عزوجل) والأخرى للحوائج والأعذار والإنذار والدعاء ولما يريد أن يعلمهم من أمره ونهيه ما فيه الصلاح والفساد) (٢).

والأخير وإن كان خاليا عن التحميد لكنه محمول على بيان المقصد الأصلي من الخطبتين من دون ذكر جميع ما له الدخل فيهما فلا يعارض ما تقدم من ذكر الحمد في الخطبتين والأولى أن يكون التحميد بلفظ الحمد لله كما في صحيح محمد بن مسلم بل عن التذكرة يتعين ذلك للاحتياط وللتأسي ولأنه مأمور به فلا يجوز العدول إلى غيره.

(١) زيادة على الحمد للأمر به في صحيح ابن مسلم وخبر سماعة المتقدمين ، والثناء عليه هو الوصف بما هو أهله ولا يتقدر بقدر فيكفي أدناه.

(٢) من عطف الثناء على الحمد كما في الأخبار وهذا يقتضي المغايرة وقد ادعي عليه الإجماع كما في الخلاف والغنية ، ومن كون الثناء هو تفسير الحمد كما في كشف اللثام ويؤيده خلو عبارات جماعة من الأصحاب منه ، والمتعين هو زيادة الثناء على الحمد للأخبار.

(٣) عن الثناء.

(٤) ففي مصباح الشيخ عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : (خطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوم الجمعة فقال : الحمد لله ذي القدرة والسلطان والرأفة والامتنان ، أحمده على تتابع النعم وأعوذ به من العذاب والنقم) (٣) الحديث. وفي خبر زيد بن وهب : (خطب أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمعة فقال : الحمد لله الولي الحميد الحكيم المجيد الفعال لما يريد ، علّام الغيوب وستار العيوب خالق الخلق ومنزل القطر ومدبر الأمر رب السماء والأرض والدنيا والآخرة وارث العالمين وخير الفاتحين ، الذي من عظم شأنه أنه لا شي‌ء مثله ، ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٢ و ٦.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

٢٧٤

إلا أنها (١) تشتمل على زيادة على أقلّ الواجب (٢). (والصلاة على النبي وآله) بلفظ الصلاة أيضا (٣) ، ويقرنها بما شاء من النسب (٤) (والوعظ) (٥) من الوصية بتقوى

______________________________________________________

ـ تواضع كل شي‌ء لعظمته وذلّ كل شي‌ء لعزته واستسلم كل شي‌ء لقدرته ، وقر كل شي‌ء قراره لهيبته ، وخضع كل شي‌ء من خلقه لملكه وربوبيته ، الذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه وأن تقوم الساعة ويحدث شي‌ء إلا بعلمه ، نحمده على ما كان ونستعينه من أمرنا على ما يكون ونستغفره ونستهديه) (١) الحديث.

وفي مجمع البيان عن أول خطبة خطبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي خطبة الجمعة في بني سالم بن عوف فقال : (الحمد لله الذي أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه وأؤمن به ولا أكفره وأعادي من يكفره) (٢) الخبر.

(١) أي أن الخطب المنقولة.

(٢) أي أقل الواجب من الثناء وهو مسماه.

(٣) كالتحميد بلفظ الحمد لله ، فعن الأكثر وجوب الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخطبتين لصحيح ابن مسلم المتقدم ، وعن المحقق في النافع والمعتبر وعن السيد عدم وجوب الصلاة في الخطبة الأولى لخبر سماعة المتقدم حيث ذكر الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الخطبة الثانية فقط ولكن لا بدّ من تقييدها بصحيح ابن مسلم.

(٤) أي النعوت والأوصاف ، ففي مصباح الشيخ عن جابر عن أبي جعفر عليه‌السلام : (خطب أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) فقال : الحمد لله ذي القدرة والسلطان. إلى أن قال.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قفّى به المرسلين وختم به النبيين وبعثه رحمة للعالمين (صلى الله عليه وعلى آله أجمعين) ، وقد أوجب الصلاة عليه وأكرم مثواه لديه وأجمل إحسانه إليه أوصيكم عباد الله بتقوى الله. إلى أن قال في الخطبة الثانية : وأشهد أن محمدا عبده المصطفى ورسوله المجتبى وأمينه المرتضى أرسله بالحق بشيرا ونذيرا وداعيا إليه وسراجا منيرا ، فبلغ رسالته وأدى الأمانة ونصح الأمة وعبد الله حتى أتاه اليقين ، فصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأولين وصلى‌الله‌عليه‌وآله في الآخرين وصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الدين ، أوصيكم عباد الله بتقوى الله) (٣).

(٥) فعن الأكثر وجوبه في الخطبتين لصحيح ابن مسلم المتقدم ، وعن النافع والمعتبر للمحقق عدم وجوب الوعظ في الخطبة الثانية لموثق سماعة المتقدم ، ولكن لا بد من تقييده ـ

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٢ و ٣.

(٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٩ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

٢٧٥

الله والحثّ على الطاعة ، والتحذير من المعصية ، والاغترار بالدنيا ، وما شاكل ذلك.

ولا يتعين له لفظ (١) ، ويجزي مسماه فيكفي أطيعوا الله أو اتقوا الله ونحوه ، ويحتمل وجوب الحثّ على الطاعة ، والزجر عن المعصية للتأسي (٢) (وقراءة سورة (٣) خفيفة) قصيرة ، أو آية تامة الفائدة بأن تجمع معنى مستقلا يعتدّ به من

______________________________________________________

ـ بصحيح ابن مسلم فضلا عن أن ما ورد عن أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبتي الجمعة كما في المصباح مشتمل على الوعظ. وقد جعل في المدارك عدم تحقق الخطبة عرفا إلا بالحمد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والوعظ وهو في محله.

(١) بل عن بعضهم نفي الخلاف فيه ، واختلاف الخطب المنقولة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام شاهد على ذلك ، ولا يجب فيه التطويل بل لو قال : أطيعوا الله كفى كما نبه عليه العلامة في النهاية.

وعنه في النهاية : «أنه لا يكفي الاقتصار على التحذير من الاغترار بالدنيا وزخارفها لأنه قد يتناهى به المنكرون للمعاد ، بل لا بد من الحمل على طاعة الله والمنع من المعاصي» ، ويؤيده ما في موثق سماعة المتقدم : (يوصي بتقوى الله) ، وما في صحيح ابن مسلم المتقدم : (والوصية بتقوى الله) وهو الأولى.

(٢) فقد تقدم خبر جابر عن مصباح الشيخ الوارد في خطبتي أمير المؤمنين عليه‌السلام يوم الجمعة فقد ذكر أنه قال عليه‌السلام في الخطبة الأولى : (أوصيكم عباد الله بالتقوى) وكذا في الخطبة الثانية فراجع.

(٣) تجب قراءة سورة خفيفة أي قصيرة في الخطبتين على المشهور والعمدة هو موثق سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (ينبغي للإمام الذي يخطب بالناس يوم الجمعة أن يلبس عمامة في الشتاء والصيف ، ويتردى ببرد يمنية أو عدني ، ويخطب وهو قائم ، يحمد الله ويثني عليه ثم يوصي بتقوى الله ثم يقرأ سورة من القرآن قصيرة ، ثم يجلس ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلى أئمة المسلمين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، فإذا فرغ من هذا قام المؤذن فأقام فصلى بالناس ركعتين) (١) الحديث.

وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام في خطبة يوم الجمعة : (وذكر خطبة مشتملة على حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله والوعظ. إلى أن قال. واقرأ سورة من القرآن وادع ربك وصلّ على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وادع للمؤمنين والمؤمنات ، ثم تجلس قدر ما ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث ٢.

٢٧٦

وعد ، أو وعيد ، أو حكم ، أو قصة تدخل في مقتضى الحال ، فلا يجزي مثل «مدهامتان» (١) ، ...

______________________________________________________

ـ يمكن هنيهة ثم تقوم وتقول ، وذكر الخطبة الثانية وهي مشتملة على حمد الله والثناء عليه والوصية بتقوى الله والصلاة على محمد وآله والأمر بتسمية الأئمة عليهم‌السلام إلى آخرهم والدعاء بتعجيل الفرج. إلى أن قال. ويكون آخر كلامه (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسٰانِ ...) الآية) (١).

ولكن خبر سماعة قد ذكر السورة في الخطبة الأولى فقط مع اشتماله على الكثير من المستحبات خصوصا أنه قد ورد بلفظ (ينبغي) الظاهر في عدم الوجوب فلذا ذهب أكثر المتأخرين كما في الروض إلى عدم وجوب سورة كاملة في الخطبة الأولى ، وأما وجوب القراءة في الخطبة الثانية فليس عليه دليل من الأخبار إلا ما ورد في صحيح ابن مسلم : (ويكون آخر كلامه (إِنَّ اللّٰهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسٰانِ ...) الآية) وهذا لا يدل على وجوب قراءة السورة ، إلا أن الشيخ في الخلاف وأكثر المتأخرين ذهبوا إلى الاجتزاء بالآية التامة التي تفيد معنى يعتدّ به بالنسبة إلى مقصود الخطبة سواء تضمنت وعدا أو وعيدا أو حكما أو قصصا فلا يجزي فيها نحو قوله تعالى : (مُدْهٰامَّتٰانِ) (٢) ولا نحو قوله تعالى : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سٰاجِدِينَ) (٣).

والقول بوجوب السورة في الأولى لخبر ابن مسلم المتقدم مع الاكتفاء بالآية في الثانية هو المتعين إذ لا دليل على الاستحباب بعد ورود الأمر بذلك وكون السند صحيحا لا يجوز طرحه.

وعن الذكرى والمقاصد العلية والمفاتيح وغيرها قراءة ما تيسر لخبر صفوان بن يعلى : (أنه سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ على المنبر ونادوا يا مالك) (٤) وهو مع كونه عاميا لا دلالة فيه إذ يمكن سمعه يقرأ في أثناء الموعظة.

ونسب للشيخ في الاقتصاد والخلاف وابن سعيد وابن زهرة قراءة السورة الخفيفة في الفصل بين الخطبتين ، وهذا مما لا مستند له كما في الجواهر.

(١) الرحمن الآية : ٦٤.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث ١.

(٢) الرحمن الآية : ٦٤.

(٣) الشعراء الآية : ٤٦.

(٤) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٣.

٢٧٧

و «ألقي السّحرة ساجدين» (١) ويجب : فيهما (٢) النية (٣) والعربية (٤) ، والترتيب بين الأجزاء كما ذكر (٥) ، والموالاة (٦) وقيام الخطيب مع القدرة (٧) ، والجلوس

______________________________________________________

(١) الشعراء الآية : ٤٦.

(٢) في الخطبتين.

(٣) كما عن العلامة في نهاية الأحكام والشهيد الثاني في الروض والروضة ، والمحقق الثاني في جامع المقاصد ، لأصالة العبادية في كل الواجبات إلا ما خرج بالدليل ، ولأن الخطبتين مكان الركعتين ففي صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إنما جعلت الجمعة ركعتين من أجل الخطبتين فهي صلاة حتى ينزل الإمام) (١) ومثله غيره.

وفيه : إن الأصل في الواجبات التوصلية كما قرر في محله ، والخبر محمول على أن الخطبتين في حكم الصلاة من ناحية الثواب لخبر الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا عليه‌السلام : (إنما صارت الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين. إلى أن قال. لأن الناس يتخطون إلى الجمعة من بعد ، فأحب الله (عزوجل) أن يخفف عنهم لموضع التعب الذي صاروا إليه ، ولأن الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة ومن انتظر الصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام) (٢). ولذا لم يتعرض الأكثر للنية في الخطبتين.

(٤) على المشهور للتأسي ، وعن جماعة التفريق بين الحمد والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتجب العربية وبين الوعظ فلا تجب ويجوز بغيرها لأن المقصود من الوعظ فهم معناه بأي لغة كان ، وذهب الشارح في الروض وهو ظاهر المنظومة للطباطبائي إلى وجوب العربية في الوعظ وأيده في الحدائق بأن البلاد التي فتحت في صدر الإسلام من الروم والفرس لم ينقل أن الوعظ كان فيها بالعربية ولو وقع لنقل.

(٥) من تقديم الحمد ثم الصلاة ثم الوعظ ثم القراءة على المشهور فلو خالف أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة ، ويستفاد بعضه من موثق سماعة ، لكن في الروض والمدارك نظر في تعينه ، وعن المنتهى عده من المستحبات لعدم وجود خبر صريح في وجوب الترتيب إلا أن الترتيب أحوط.

(٦) عرفا بحيث يصدق عليه لفظ الخطيب ، وعلى ما يصدر لفظ الخطبة.

(٧) بلا خلاف فيه لبدلية الخطبتين عن الركعتين المشروطتين بالقيام ، ولصحيح معاوية عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أول من خطب وهو جالس معاوية. إلى أن قال. الخطبة وهو قائم خطبتان يجلس بينهما جلسة لا يتكلم فيها قدر ما يكون فصل ما بين الخطبتين) (٣). وخبر ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث ٤ و ٣.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١.

٢٧٨

بينهما (١) ، وإسماع العدد المعتبر (٢) ، والطهارة من الحدث ، والخبث في أصح

______________________________________________________

ـ أبي بصير : (سأل عن الجمعة كيف يخطب الإمام؟ قال : يخطب قائما إن الله يقول : (وَتَرَكُوكَ قٰائِماً)) (١). وصحيح عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (وليقعد قعدة بين الخطبتين) (٢) وهو ظاهر في كون الخطيب قائما حال الخطبة ، بل صرح البعض بوجوب الطمأنينة حال القيام لبدلية الخطبتين عن الركعتين ، وفيه : قد تقدم أن البدلية لا تشمل جميع الأحكام بل القدر المتيقن منها هو الثواب فضلا عن أنه لم يثبت استدامة المعصوم على الطمأنينة حال الخطبة ، بل كما في الحدائق ربما كان الظن بخلافها خصوصا إذا طالت الخطبة.

وأما مع العجز عن القيام ولو مستندا على شي‌ء فقد صرح جماعة بجواز الجلوس حينئذ بل قيل هو المشهور خصوصا مع تعذر الاستخلاف قضاء للبدلية عن الركعتين وإن كان الأحوط الاستنابة مع إمكانها.

(١) بين الخطبتين ، على المشهور للتأسي وللأمر به في خبر عمر بن يزيد المتقدم وكذا في صحيح ابن مسلم وموثق سماعة المتقدمين ، وعن المعتبر احتمال الاستحباب لأن فعل النبي له قد يكون للاستراحة ، وتابعه العلامة في المنتهى ، وفيه : إن الدليل على وجوب الجلوس غير منحصر بفعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل هناك أخبار كثيرة قد أمرت به وظاهرها الوجوب.

ويشترط في الجلسة أن تكون خفيفة لصحيح ابن مسلم المتقدم : (ثم تجلس قدر ما يمكن هنيهة ثم تقوم) (٣) ، وفي خبره الآخر : (ثم يقعد الإمام على المنبر قدر ما يقرأ قل هو الله أحد ثم يقوم فيفتتح خطبته) (٤) ، وعن جماعة عدم وجوب التقييد بمقدار ما يقرأ سورة الإخلاص بل يكفي صدق الهنيهة وهو كذلك.

(٢) يجب على الإمام رفع الصوت في الخطبة بحيث يسمع العدد المعتبر في انعقاد الجمعة كما صرح به العلامة والشهيدان وجماعة لما روي : (أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان إذا خطب يرفع صوته كأنه منذر جيش) (٥) ، ولظهور النصوص المتضمنة للفظ (خطبهم ويخطب بهم) في وجوب إسماعهم ففي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه‌السلام : (ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم) (٦).

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٣ و ٢.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٥ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١ و ٣.

(٥) صحيح مسلم ج ٣ ص ١١.

(٦) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٤.

٢٧٩

القولين (١) والستر (٢) ، كلّ ذلك للاتباع ، وإصغاء (٣) من يمكن سماعه من

______________________________________________________

ـ وتردد المحقق في الشرائع وغيره للأصل ولضعف ما روي عن العامة ، ولكون أخبار الخطابة ظاهرة في وجوب الخطبة على الإمام لا في على وجوب إسماعهم ولذا لو كان بعض العدد المعتبر مصابا بصمم أو كلهم لأمكن الإجزاء كما ذهب إليه العلامة في التذكرة وتبعه عليه غير واحد.

(١) للتأسي ، ولكون الخطبتين بدلا عن الركعتين كما تقدم في بعض الأخبار ومن المعروف اشتراط الصلاة بالطهارة من الحدث والخبث ، وذهبت جماعة إلى عدم الاشتراط منهم المحقق في الشرائع والنافع والمعتبر والحلي والآبي والعلامة في جملة من كتبه لعدم وجوب التأسي فيما لم يعلم وجهه ، ولأن نصوص البدلية محمولة على البدلية في الثواب ، وعن البيان والدروس اختصاص الطهارة بالحدثية لا غير ولم يعلم مستنده ، وإن ادعى الانصراف إلى الحدثية من لفظ الطهارة ولكن لم يرد اشتراط الطهارة في الخطبة حتى يجري الانصراف بل الدليل منحصر بنصوص البدلية التي عرفت عدم عمومها لجميع الأحكام الثابتة للصلاة ، هذا كله بالنسبة للإمام ، وأما المأموم فلا قائل باشتراط الطهارة فيه حال الخطبة ، قال الشارح في المسالك : «ظاهر الأصحاب أنها. أي الطهارة. مختصة بالخطيب دون المأمومين» وفي الروض : «لم أقف على قائل بوجوبها على المأموم».

(٢) أي الستر الصلاتي للرجل والمرأة للتأسي ولنصوص بدلية الخطبتين.

(٣) فيجب على المأموم السامع أن يصغي إلى الخطيب ، سواء كان متكلما أو لا ، لأن الإصغاء هو الاستماع وهذا لا يستلزم عدم الكلام ، فما عن القاموس من جعل ترك الكلام جزءا مقدما في الإصغاء ليس في محله إلا أن يكون مراده أنه جزء غالبي.

هذا ونسب الوجوب إلى الأكثر وفي الذكرى أنه المشهور لانتفاء فائدة الخطبة بدونه ولخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام : (يستقبل الناس الإمام عند الخطبة بوجوههم ويصغون إليه) (١) ، ولما دل على الصمت كخبر محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا خطب الإمام يوم الجمعة فلا ينبغي لأحد أن يتكلم حتى يفرغ الإمام من خطبته) (٢) ، وخبر المناهي : (نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلام يوم الجمعة والإمام يخطب فمن فعل ذلك فقد لفا ، ومن لفا فلا جمعة له) (٣) ومثلها غيرها.

وعن الشيخ في المبسوط والتبيان والمحقق في النافع والمعتبر والعلامة في جملة من كتبه وجماعة استحباب الإصغاء ضرورة عدم توقف صدق الخطبة الواجبة على الإصغاء بل هي ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ٥.

(٢ و ٣) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب صلاة الجمعة حديث ١ و ٤.

٢٨٠