الزبدة الفقهيّة - ج ١

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-54-X
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٣٤٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ النبوة ، وظاهر الأصحاب على الأول لنصوص منها : مكاتبة عبد الرحيم القصير (قال عليه‌السلام : ولم يخرجه إلى الكفر إلا الجحود والاستحلال ، بأن يقول للحلال هذا حرام ، وللحرام هذا حلال) (١) وصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام) (٢) وصحيح بريد العجلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن أدنى ما يكون به العبد مشركا ، قال عليه‌السلام : من قال للنواة أنها حصاة وللحصاة أنها نواة ، ثم دان به) (٣).

وهذه الأخبار لم تقيد المجحود بكونه ضروريا فتحمل على إنكار ما ثبت أنه من الدين سواء كان ضروريا أو لا ، ليستلزم جحوده إنكار النبوة التي هي الأصل الثاني من أصول الدين ، وإنكار النبوة موجب للكفر ، وهذا ما عليه جماعة وهو المتعين.

ثم إن الكافر بجميع أصنافه نجس على المشهور ، ولم يعرف الخلاف في غير الكتابي ، بل أدعي الإجماع في التهذيب والتذكرة ، وعليه فالكافر بجميع أصنافه غير الكتابي نجس للإجماع ، ولقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) (٤) ولا يوجد خبر يدل على نجاسته ، وكأنه لمعروفية الحكم بينهم.

وأما الكتابي من اليهود والنصارى والمجوس بناء على أن للأخير كتابا قد حرّفوه فالمشهور على نجاستهم ، وذهب ابن الجنيد والعماني والشيخ في باب الأسآر من النهاية والمفيد في العزية وسيد المدارك وجماعة من المتأخرين إلى الطهارة ، مع العلم أن العامة إلا القليل منهم قائلون بالطهارة.

واستدل للنجاسة بقوله تعالى : (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا) (٥).

ونوقش بأن النجس مصدر لا يمكن حمله على الأعيان إلا بتقدير لفظ (ذو) ، فتكون نسبة النجاسة للمشركين باعتبار عدم انفكاك ظاهر جسدهم من النجاسات العرضية كالخمر والخنزير ، وهذا لا يدل على نجاستهم الذاتية.

وردّ كما في المعتبر وغيره بأنه يصح حمل المصدر على العين مبالغة كما تقول : زيد ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٨ و ١٠.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب مقدمة العبادات حديث ١٨ و ١٠.

(٣) الوافي باب أدنى الكفر والشرك والضلال حديث ٢.

(٤ و ٥) التوبة الآية : ٢٨.

٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ عدل ، هذا فضلا عن أن النجس بالفتح وصف كالنجس بالكسر ، وهو ضد الطاهر كما عن القاموس.

ونوقش أيضا بأن الدليل أخص من المدعى ، لأن الآية مختصة بالمشركين دون غيرهم من أصناف الكفار ، وردّ بالإجماع على عدم الفصل ، وبأن أهل الكتاب مشركون لقوله تعالى : (اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَرُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ) (١).

ونوقش أيضا بأن النجس لم يثبت كون المراد منه هو النجاسة ، لأن النجس بالفتح ظاهر في الخباثة النفسانية كما عليه العامة ، أو أنه ظاهر في المستقذر العرفي وهو غير النجاسة بحسب الحقيقة المتشرعية ، وردّ بأن النجس بالفتح مستعمل ضد الطاهر كما عن القاموس ، ولذا فرّع عليه عدم دخولهم المسجد الحرام ، وتخصيص المسجد الحرام لأن من عاداتهم الجاهلية الدخول إليه وإقامة بعض الشعائر فيه.

واستدل للنجاسة بأخبار منها : خبر سعيد الأعرج : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن سؤر اليهودي والنصراني فقال عليه‌السلام : لا) (٢) وخبر أبي بصير عن أحدهما عليهما‌السلام : (في مصافحة المسلم اليهودي والنصراني ، قال عليه‌السلام : من وراء الثوب ، فإن صافحك بيده فاغسل يدك) (٣) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام : (عن مؤاكلة المجوسي في قصعة واحدة وأرقد معه على فراش واحد وأصافحه ، قال عليه‌السلام : لا) (٤) ، ورواية هارون بن خارجة : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : إني أخالط المجوس فآكل من طعامهم ، قال عليه‌السلام : لا) (٥) وصحيح محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه‌السلام : (في رجل صافح مجوسيا فقال : يغسل يده ولا يتوضأ) (٦) وصحيح علي بن جعفر عن أخيه عليهما‌السلام : (عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام ، قال : إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام إلا أن يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل) (٧).

واستدل للطهارة بقوله تعالى : (وَطَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ)(٨) وردّ الاستدلال بأن المراد من الطعام هو الحبوب كما في الأخبار ولنص أهل ـ

__________________

(١) التوبة الآية : ٣١.

(٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات حديث ٨ و ٥ و ٦.

(٥ و ٦ و ٧) الوسائل الباب ـ ١٤ ـ من أبواب النجاسات حديث ٧ و ٣ و ٩.

(٨) المائدة الآية : ٥.

٨٢

وضابطه (١) : من أنكر الإلهية ، أو الرسالة (٢) ، أو بعض ما علم ثبوته من الدين

______________________________________________________

ـ اللغة ، قال في المصباح المنير : «إذا أطلق أهل الحجاز الطعام عنوا به البر خاصة».

وللأخبار منها : صحيح العيص : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس فقال عليه‌السلام : إذا كان من طعامك وتوضأ فلا بأس) (١) وصحيح إسماعيل بن جابر : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما تقول في طعام أهل الكتاب؟ فقال : لا تأكله ، ثم سكت هنيهة ثم قال : لا تأكله ، ثم سكت هنيهة ثم قال : لا تأكله ولا تتركه تقول إنه حرام ، ولكن تتركه تتنزه عنه ، إن في آنيتهم الخمر ولحم الخنزير) (٢) ورواية عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز أو إناء غيره إذا شرب منه على أنه يهودي ، فقال : نعم ، فقلت : من ذلك الماء الذي شرب منه ، قال : نعم) (٣).

بل أخبار الطهارة بشهادة جماعة من الفقهاء هي أكثر عددا وأصح سندا ، وأظهر دلالة بحمل أخبار النجاسة على نجاستهم العرضية من وجود الخمر والخنزير عندهم ، إلا أن المشهور قدموا أخبار النجاسة مع الإعراض عن أخبار الطهارة بحملها على أنها للتقية لموافقتها للعامة القائلين بالطهارة.

والإنصاف يقتضي تقديم أخبار الطهارة لأن فيها الجمع الدلالتي بين الطائفتين ، وإعراض المشهور لا يوجب وهنها كإعراضهم عن أخبار طهارة ماء البئر ، وموافقتها للعامة لا توجب حملها على التقية بعد عدم ثبوت التعارض بينها وبين أخبار النجاسة التي يلوح من أخبار الطهارة أن نجاستهم عرضية والاجتناب عنهم من باب التنزه.

(١) أي ضابط الكفر.

(٢) لأن الإسلام متوقف على الإيمان بهما ويدل عليه سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قبول إسلام من يتشهد بالشهادتين فضلا عن الأخبار منها : رواية سماعة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، والتصديق برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبه حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث ، وعلى ظاهره جماعة الناس) (٤) وخبر جميل بن دراج : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الإيمان فقال : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله) (٥).

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٥٤ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأسآر حديث ٣.

(٤) أصول الكافي الجزء الثاني ص ٢٥.

(٥) أصول الكافي الجزء الثاني ص ٣٨.

٨٣

ضرورة (١).

(والمسكر) (٢)

______________________________________________________

(١) بل كل ما ثبت بعلم أو علمي أنه من الدين ، وكان إنكاره مستلزما لإنكار النبوة ، وهذا لا يتحقق إلا في الملتفت.

ثم إن الشارح لم ينص على كفر الناصبي والخارجي والغلاة وقد وردت النصوص بكفرهم ونجاستهم ، وكفرهم لإنكار ما ثبت أنه من الدين كوجوب حب أهل البيت عليهم‌السلام وكوجوب طاعتهم وأنهم بشر ، ومنكر الأول ناصبي والثاني خارجي والثالث غال.

(٢) خمرا كان أو غيره على المشهور للأخبار منها : خبر ابن حنظلة : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : ما ترى في قدح من مسكر يصب عليه الماء حتى تذهب عاديته ويذهب سكره فقال عليه‌السلام : لا والله ، ولا قطرة قطرت في جب إلا أهريق ذلك الجب) (١) وخبر عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (ولا تصل في ثوب قد أصابه خمر أو مسكر حتى يغسل) (٢) وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام (في النبيذ ما يبلّ الميل ينجس حبا من ماء قالها ثلاثا) (٣).

وذهب الصدوق وأبوه والعماني والجعفي وجماعة من المتأخرين إلى طهارته لأخبار منها : صحيح الحسن بن موسى الحناط : (عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي ، فقال عليه‌السلام : لا بأس) (٤) وخبر الحسن بن أبي سارة عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت : إنا نخالط اليهود والنصارى والمجوس وندخل عليهم وهم يأكلون ويشربون فيمرّ ساقيهم فيصبّ على ثيابي الخمر ، فقال عليه‌السلام : لا بأس به إلا أن تشتهي أن تغسله لأثره) (٥).

والترجيح لأخبار النجاسة لرواية خيران الخادم : (كتبت إلى الرجل أسأله عن الثوب يصيبه الخمر ولحم الخنزير أيصلّى فيه أم لا؟ فإن أصحابنا قد اختلفوا فيه ، فقال بعضهم : صل فيه فإن الله إنما حرّم شربها ، وقال بعضهم : لا تصل فيه ، فكتب ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٥ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٦.

(٤) الوسائل ـ ٣٩ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب النجاسات حديث ١٢ و ٤ و ٢.

٨٤

المائع بالأصالة (١) ، (والفقّاع) (٢) بضم الفاء ، والأصل فيه أن يتّخذ من ماء الشعير (٣) ، لكن لمّا ورد الحكم فيه معلقا على التسمية ثبت لما أطلق عليه

______________________________________________________

ـ عليه‌السلام : لا تصل فيه فإنه رجس) (١) ومثله خبر علي بن مهزيار (٢).

(١) لانصراف الأخبار المتقدمة بل ظاهرها على ذلك ، فيبقى المسكر الجامد كالحشيشة طاهرا لقاعدة الطهارة.

(٢) نص في القاموس أنه كرمّان ، ونجاسته للأخبار منها : خبر ابن جميلة : (كنت مع يونس ببغداد ، وأنا أمشي في السوق ففتح صاحب الفقّاع فقّاعه فقفز فأصاب يونس ، فرأيته قد اغتم لذلك حتى زالت الشمس ، فقلت : يا أبا محمد ألا تصلي فيه؟ قال : ليس أريد أن أصلي حتى أرجع إلى البيت فأغسل هذا الخمر من ثوبي ، فقلت له : هذا رأي رأيته أو شي‌ء ترويه؟ فقال : أخبرني هشام بن الحكم أنه سأل الصادق عليه‌السلام عن الفقّاع فقال : لا تشربه ، فإنه خمر مجهول ، فإذا أصاب ثوبك فاغسله) (٣).

وموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الفقّاع فقال عليه‌السلام : هو خمر) (٤) ومثله موثق ابن فضال (٥).

(٣) ففي مجمع البحرين : «أنه شراب متخذ من ماء الشعير فقط» ، وعن الانتصار : «أنه شراب متخذ من الشعير أو من القمح» وعن مقداريات الشهيد : «كان قديما يتخذ من الشعير غالبا ويصنّع حتى يحصل فيه النشيش والقفزان ، وكأنه الآن يتخذ من الزبيب ويحصل فيه هاتان الخاصتان» وعن كشف الغطاء : «يتخذ من الشعير غالبا ، وأدنى منه في الغلبة ما يكون من الحنطة ، ودونهما ما يكون من الزبيب ، ودونهما ما يكون من غيرها».

وفي سؤال المهنّأ بن سنان للعلامة : (إن أهل بلاد الشام يعملون من الشعير ومن الزبيب ومن الرمان ومن الدبس ويسمون هذا الجميع فقاعا) ولذا قال المحقق الخونساري في حاشيته على الروضة : «وبالجملة فحقيقة الفقاع لم تظهر لنا» ، ولقد أجاد الشارح في روض الجنان حيث قال : «لكن لما ورد النهي عنه معلقا على التسمية ثبت له ذلك عمل منه ـ أي من الشعير ـ أم من غيره ، إذا حصل فيه خاصته وهو النشيش ، وما يوجد في الأسواق يسمى فقاعا يحكم بتحريمه تبعا للاسم إلا أن يعلم ـ

__________________

(١ و ٢) المصدر السابق.

(٣) التهذيب ج ١ ص ٢٨٢ طبعة النجف.

(٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٢٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٤ و ٢.

٨٥

اسمه مع حصول خاصيته ، أو اشتباه حاله (١).

ولم يذكر المصنف هنا من النجاسات العصير العنبي (٢)

______________________________________________________

ـ انتفاؤه قطعا».

ويدل على خاصيته خبر ابن أبي عمير عن مرازم : (كان يعمل لأبي الحسن عليه‌السلام الفقّاع في منزله ، قال ابن أبي عمير ولم يعمل فقّاع يغلي) (١) فالمدار على غليانه فيكون فقاعا وإلا فهو ماء الشعير الطبي الذي يستعمل في العلاج.

(١) من حصول الخاصية لكن يسمى فقاعا فلا بد من الحكم بالحرمة تبعا للاسم.

(٢) المشهور على حرمته ونجاسته لخبر معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (عن الرجل من أهل المعرفة بالحق يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرفه أنه يشربه على النصف ، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف؟ فقال عليه‌السلام : خمر لا تشربه ، قلت : فرجل من غير أهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث ولا يستحله على النصف يخبرنا أن عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه وبقي ثلثه يشرب منه؟

قال : نعم) (٢).

هذا على رواية التهذيب فيكون الخبر دالا على النجاسة والحرمة لأنه صرح بكونه خمرا ، وفي رواية الكافي من دون لفظ الخمر فتدل على حرمة الشرب فقط دون النجاسة ، وباعتبار أن الكليني أثبت فترجح روايته المعتضدة بقاعدة الطهارة فلذا ذهب جماعة إلى حرمة شربه بعد الغليان وقبل ذهاب الثلثين ، ولكنه طاهر.

وقال الشارح في المسالك : «والقول بنجاسة العصير هو المشهور بين المتأخرين ومستنده غير معلوم ، بل النص إنما دل ع لى التحريم ، وفي البيان : لم أقف على نص يقتضي نجاسته» وفيه : إن لحن الأخبار الكثيرة أن العصير العنبي من أقسام الخمر منها : صحيح حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (لا يحرم العصير حتى يغلي) (٣) وخبره الآخر عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن شرب العصير قال : تشرب ما لم يغل فإذا غلا فلا تشرب ، قلت : أي شي‌ء الغليان؟ قال : القلب) (٤) وخبر ذريح : (سمعت أبا عبد الله عليه‌السلام يقول : إذا نشّ العصير أو غلا حرم) (٥) والنشيش هو الصوت والصفير الحاصل قبل الغليان بقليل ، وصحيح ابن سنان عن أبي عبد الله ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣٩ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٤.

(٣ و ٤ و ٥) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١ و ٣ و ٤.

٨٦

إذا غلا واشتدّ (١) ولم يذهب ثلثاه ، لعدم وقوفه على دليل يقتضي نجاسته كما اعترف به في الذكرى والبيان. ولكن سيأتي أن ذهاب ثلثيه مطهّر ، وهو يدل على حكمه بتنجسه فلا عذر في تركه. وكونه في حكم المسكر كما ذكره في بعض كتبه لا يقتضي دخوله فيه حيث يطلق (٢) ، وإن دخل في حكمه حيث يذكر (٣).

(وهذه) النجاسات العشر(يجب إزالتها) لأجل الصلاة(عن الثوب والبدن) (٤)،

______________________________________________________

ـ عليه‌السلام : (كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه) (١).

فالمستفاد أن العصير العنبي سواء غلى بنفسه أم بالنار يحرم عند الغليان أو النشيش ولا يطهر إلا بذهاب ثلثيه باعتبار أنه من أقسام الخمر ، ولذا قال أبو الحسن الشعراني في هامش الوسائل : «إن الشارع جعل أخذ العصير في الغليان بنفسه أو بالنار حدا شرعيا فاصلا بين الحرمة والحلية ، يعرف به وجوب الاجتناب من العصير ، إذ لو لم يجعل له حد في الشرع ربما شربوا العصير المنبوذ للتخمر بعد مضي زمان باستصحاب الحلية وأصالة عدم حصول صفة الإسكار ووقعوا في الحرام الذي لا يرضى الشارع بوقوع الناس فيه حال الشك ، ولم يحل حصول الإسكار على العرف حسما للفساد» (٢).

(١) الاشتداد أن يحصل له ثخانة وكثافة ، وقد اعتبر في القواعد الغليان أو الاشتداد ، واكتفى العلامة في التحرير والمختلف بالغليان فقط ، وفي المعتبر أنه يحرم عند الغليان ولا ينجس إلا مع الاشتداد ، والمدار على الأخبار ، وقد اكتفت بالغليان فقط ففي مرسل ابن الهيثم : (إذا تغير عن حاله وغلا فلا خير فيه) (٣) وفي خبر حماد المتقدم : (لا يحرم العصير حتى يغلي) (٤) ، ومثله غيره.

(٢) لفظ المسكر.

(٣) أي حيث يذكر العصير العنبي بقولهم : المسكر وما يلحق به ، مع أنك قد عرفت أنه من أقسام المسكر لا أنه ملحق به.

(٤) يشترط في صحة الصلاة إزالة النجاسة عن البدن والثوب للأخبار الكثيرة منها : خبر ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

(٢) الوسائل ج ١٧ ص ٢٢٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ٧.

(٤) الوسائل الباب ـ ٣ من أبواب الأشربة المحرمة حديث ١.

٨٧

ومسجد الجبهة (١) ، وعن الأواني لاستعمالها فيما يتوقف على طهارتها (٢) ، وعن المساجد (٣) ، والضرائح المقدسة ، والمصاحف المشرفة (٤) (وعفي) في الثوب

______________________________________________________

ـ الحسن بن زياد : (سئل أبو عبد الله عليه‌السلام عن الرجل يبول فيصيب فخذه قدر نكتة من بوله ، ثم يذكر بعد أنه لم يغسله قال : يغسله ويعيد الصلاة) (١) وصحيح زرارة : (قلت : أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره أو شي‌ء من منيّ فعلّمت أثره إلى أن أصيب له الماء ، فأصبت وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا وصليت ، ثم إني ذكرت بعد ذلك ، قال : تعيد الصلاة وتغسله) (٢).

بلا فرق في الثوب بين الساتر وغيره ، ولا فرق في البدن بين ما تحله الحياة وغيره ، ولا فرق في الصلاة بين الواجبة وغيرها للإطلاق.

(١) لصحيح ابن محبوب عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام : كتب إليه يسأله (عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى يجصص به المسجد ، أيسجد عليه؟ فكتب عليه‌السلام إليه بخطه : إن الماء والنار قد طهراه) (٣).

ووجه الاستدلال : أن الإمام أقرّ السائل على اعتقاده من أن النجاسة في مسجد الجبهة مانعة عن صحة الصلاة ، وإن وقع البحث في ذيله معنى واستدلالا.

(٢) أي عن الأواني التي تستعمل فيما يتوقف الاستعمال على طهارة الأواني في المأكول والمشروب والغسل والوضوء.

(٣) للنبوي : (جنبوا مساجدكم النجاسة) (٤) ولخبر محمد الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (قلت له : إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه ، فربما مررت فيه وليس عليّ حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال : أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة؟ قلت : بلى ، قال عليه‌السلام : فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا) (٥).

(٤) بلا خلاف فيه كما في المستمسك لوجوب تعظيمها لقوله تعالى : (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعٰائِرَ اللّٰهِ فَإِنَّهٰا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (٦) ، بل يجري هذا الدليل في كل ما حرم إهانته كالتربة الحسينية والضرائح المقدسة وما اخذ من طين وتراب قبور المعصومين عليهم‌السلام للتبرك.

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٤٢ ـ من أبواب النجاسات حديث ٦ و ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٨١ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

(٤) الوسائل الباب ـ ٢٤ ـ من أبواب أحكام المساجد حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ٣٢ ـ من أبواب النجاسات حديث ٩.

(٦) الحج الآية : ٣٠.

٨٨

والبدن(عن دم الجرح والقرح مع السيلان) دائما أو في وقت لا يسع زمن فواته الصلاة (١). أما لو انقطع وقتا يسعها (٢) فقد استقرب المصنف(رحمه‌الله) في الذكرى وجوب الإزالة لانتفاء الضرر ، والذي يستفاد من الأخبار عدم الوجوب مطلقا حتى يبرأ ، وهو قوي.

(وعن دون الدرهم (٣)

______________________________________________________

(١) بل الصلاة مع تطهير الثوب فيكون الجرح والقرح مع هذا القيد بحكم السيلان الدائم ، ويدل على العفو أخبار منها : صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما‌السلام : (سألته عن الرجل تخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلي؟ فقال عليه‌السلام : يصلي وإن كانت الدماء تسيل) (١) وخبر سماعة بن مهران عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم) (٢).

(٢) يسع الصلاة مع إزالة النجاسة عن الثوب والبدن ، فقد ذهب المحقق والعلامة والشهيد إلى وجوب الإزالة ، وذهب الصدوق والمحقق الثاني وثاني الشهيدين وسيد المدارك إلى عدم وجوب الإزالة سواء كانت الفترة تسع الصلاة والإزالة أم لا ، وسواء كانت الإزالة بمشقة أو لا ، إلى أن يبرأ الجرح أو القرح تمسكا بإطلاق الأخبار.

وفيه : إنه لا بد من تحكيم القواعد والنصوص التي أوجبت الطهارة في الثوب والبدن حال الصلاة عند وجود وقت يسع الصلاة مع التطهير.

(٣) أي ويعفى في الصلاة عما دون الدرهم من الدم في الثوب والبدن للأخبار منها : صحيح إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر عليه‌السلام : (قال : في الدم يكون في الثوب إن كان أقلّ من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة ، وإن كان أكثر من قدر الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته) (٣) وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثم يذكر بعد ما صلى ، أيعيد صلاته؟ قال عليه‌السلام : يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (٤).

والأخبار وإن اقتصرت على الثوب لكن يتعدى منه إلى البدن لأن ظهورها على العفو عن الأقل من الدرهم أينما كان هذا من جهة ومن جهة أخرى فلو كان الدم بمقدار

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٢ ـ من أبواب النجاسات حديث ٤ و ٧.

(٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢ و ١.

٨٩

البغلي (١)

______________________________________________________

ـ الدرهم فقد ذهب الأكثر إلى عدم العفو وتجب الإزالة لقوله عليه‌السلام في صحيح ابن أبي يعفور المتقدم : (إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (١) ولمرسل جميل عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : (فلا بأس به ما لم يكن مجتمعا قدر الدرهم) (٢) ولخبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما‌السلام : (إن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله ولا تصل فيه حتى تغسله) (٣) والدينار بسعة الدرهم تقريبا كما في الوسائل.

وذهب السيد المرتضى وسلّار إلى العفو لخبر محمد بن مسلم : (قلت له : الدم يكون في الثوب عليّ وأنا في الصلاة ـ إلى أن قال ـ : وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه) (٤) حيث جعل عدم العفو للأزيد من الدرهم فيكون مقدار الدرهم معفوا.

وفيه : إن الأخير قد دل على العفو عما يوازي الدرهم سعة بالمفهوم وهو لا يقاوم.

ما دل على عدم العفو عما يوازي الدرهم بالمنطوق من الأخبار المتقدمة.

(١) الأخبار خالية عن هذا القيد ، والمتقدمون على تقييده بالدرهم الوافي الذي وزنه درهم وثلث كما في السرائر ، والكثير من الفقهاء على تقييده بالبغلي ، وعن كشف الحق نسبته إلى الإمامية ، والظاهر أنهما واحد لما قاله المحقق في المعتبر : «والدرهم هو الوافي الذي وزنه درهم وثلث ويسمى بالبغلي» واختلفوا في هذه النسبة ، ففي الذكرى للشهيد : «إن الدرهم الوافي هو البغلي بإسكان الغين منسوب إلى رأس البغل ، ضربه الثاني في خلافته بسكة كسروية ، وزنه ثمانية دوانيق ، والبغلية تسمى قبل الإسلام بالكسروية ، فحدث لها هذا الاسم في الإسلام والوزن بحاله ، وجرت في المعاملة مع الطبرية وهي أربعة دوانق ، فلما كان في زمان عبد الملك جمع بينهما واتخذ درهما منهما ، واستقر أمر الإسلام على ستة دوانيق ، وهذه التسمية ذكرها ابن دريد ، وقيل : منسوب إلى بغل قرية بالجامعين ، كان يوجد فيها دراهم يقرب سعتها من أخمص الراحة لتقدم الدراهم على الإسلام ، قلنا : لا ريب في تقدمها وإنما التسمية حادثة فالرجوع إلى المنقول أولى».

وأشار بلفظ قيل إلى ما قاله ابن إدريس في السرائر : «وهو منسوب إلى مدينة قديمة يقال لها بغل ، قريبة من بابل ، بينها وبينها قريب من فرسخ متصلة ببلدة الجامعين ، ـ

__________________

(١ و ٢ و ٣ و ٤) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات حديث ١ و ٤ و ٨ و ٦.

٩٠

سعة ، وقدّر بسعة أخمص الراحة (١) وبعقد الإبهام العليا (٢) ، وبعقد السّبابة (٣) ولا منافاة ، لأن مثل هذا الاختلاف يتفق في الدراهم بضرب واحد (٤) ، وإنما يغتفر هذا المقدار(من) الدم(غير) الدماء(الثلاثة) (٥).

______________________________________________________

ـ تجد فيها الحفرة ، والنباشون دراهم واسعة ، شاهدت درهما من تلك الدراهم ، وهذا الدرهم أوسع من الدينار المضروب بمدينة السلام المعتاد ، يقرب سعته من سعة أخمص الراحة ، وقال لي بعض من عاصرناه ممن له علم بأخبار الناس والأنساب : إن المدينة والدراهم منسوبة إلى ابن أبي البغل ، رجل من كبار أهل الكوفة ، اتخذ هذا الموضوع قديما ، وضرب هذا الدرهم الواسع فنسب إليه الدرهم البغلي ، وهذا غير صحيح لأن الدراهم البغلية كانت في زمن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قبل الكوفة».

والمهم معرفة سعتها لأن الدم المعفو هو بمقدار السعة للانصراف.

(١) وهو ما انخفض من باطن الكف ، وهذا ما قدره الكثير من الأصحاب ومستندهم شهادة ابن إدريس في عبارته السابقة أنه شاهده بهذه السعة.

(٢) كما عن الإسكافي.

(٣) كما عن بعض ، وعن بعض آخر بعقد الوسطى ، وعن ابن أبي عقيل بسعة الدينار ويشهد له خبر علي بن جعفر المتقدم.

(٤) قال الشارح في روض الجنان : «إنه لا تناقض في هذه التقديرات لجواز اختلاف الدراهم من الضارب الواحد كما هو الواقع ، وقد أخبر كل واحد بما رآه».

وفيه : مع الاختلاف لا بد من الاقتصار على القدر المتيقن وهو الأقل ، والباقي لا يعفى عنه لقاعدة الاشتغال ، والأقل من هذه التقديرات ما كان بعقد السبابة.

(٥) الحيض والنفاس والاستحاضة ، ففي خبر أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما‌السلام : (لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض ، فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء) (١).

والأصحاب ألحقوا به دم النفاس والاستحاضة لاشتراك الجميع في الغسل المشعر بغلظة حكمها ، ولأن النفاس حيض محتبس كما سيأتي والاستحاضة مشتقة من الحيض ، وهذا استحسان لا يؤخذ به ، نعم ادعى الشيخ في الخلاف الإجماع على الإلحاق فإن تم فهو الحجة ، وهو غير تام لضعف إجماعات الخلاف ولذا ذهب المحقق البحراني إلى إلحاق دم النفاس والاستحاضة بالمعفو عنه.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٢١ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

٩١

وألحق بها (١) بعض الأصحاب دم نجس العين (٢) لتضاعف النجاسة ، ولا نصّ فيه. وقضية الأصل تقتضي دخوله في العموم (٣) والعفو عن هذا المقدار مع اجتماعه موضع وفاق ، ومع تفرّقه أقوال (٤) : أجودها إلحاقه بالمجتمع ، ويكفي في الزائد عن المعفو عنه إزالة الزائد خاصة (٥). والثوب والبدن يضمّ بعضهما إلى بعض على أصح القولين(٦).

______________________________________________________

(١) بالدماء الثلاثة.

(٢) وهو دم الكلب والخنزير كما عن الراوندي وجماعة ، وعن قواعد العلامة وإرشاده إلحاق دم الكافر والميتة لأن الدم المستثنى قد عفي عنه من حيث هو دم ، ولا دليل على العفو من جهة نجاسة العين.

(٣) فقاعدة الاشتغال تقتضي دخول دم نجس العين تحت عموم وجوب إزالة النجاسة عن البدن والثوب حال الصلاة.

(٤) ذهب الشهيد والعلامة والمحقق الثاني إلى عدم العفو ونسبه في كشف الالتباس إلى الشهرة لذيل خبر ابن أبي يعفور المتقدم : (يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (١) بناء على أن لفظ ـ مجتمعا ـ خبر ثان ، فيكون العفو مشروطا بأمرين : أن يكون الدم بمقدار الدرهم وأن يكون مجتمعا ، وإذا انتفى أحد الشرطين فينتفى العفو.

ونسب إلى جماعة منهم الشيخ في النهاية وسلار وابنا حمزة وإدريس والمحقق البحراني العفو ، لأن لفظ ـ مجتمعا ـ حال ، والمعنى : إلا أن يكون الدم حال كونه مجتمعا مقدار درهم ، فالعفو غير مشروط بالاجتماع وهو الظاهر من الخبر خصوصا أن صدره صريح في تفرق الدم : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ، ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ، ثم يذكر بعد ما صلى أيعيد صلاته؟ قال : يغسله ويعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله ويعيد الصلاة) (٢).

وذهب الشيخ والمحقق في المعتبر إلى عدم العفو مع التفاحش ، وإلى العفو مع عدمه ، وفيه : عدم الدليل عليه مع عدم انضباطه.

(٥) فيبقى الباقي وهو معفو عنه بحسب الفرض.

(٦) قال الشارح في روض الجنان : «هذا الحكم في الدم المتفرق في الثوب الواحد وأما المتفرق في الثياب المتعددة ، أو فيها وفي البدن ، فهل الحكم فيها كذلك ، بمعنى ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ٢٠ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

٩٢

ولو أصاب الدم وجهي الثوب فإن تفشّى من جانب إلى آخر فواحد وإلا فاثنان (١). واعتبر المصنف في الذكرى في الوحدة مع التفشي رقّة الثوب ، وإلا تعدّد (٢) ، ولو أصابه مائع طاهر (٣) ، ففي بقاء العفو عنه وعدمه قولان للمصنف في الذكرى والبيان (٤) ، أجودهما الأول. نعم يعتبر التقدير بهما (٥).

وبقي مما يعفى عن نجاسته شيئان : أحدهما ثوب المربية للولد (٦) ، والثاني ما لا يتمّ صلاة الرجل فيه وحده لكونه لا يستر عورتيه (٧) ، وسيأتي

______________________________________________________

ـ تقدير جميع ما فيها؟ أو لكل واحد من الثوب والبدن حكم بانفراده ، أو لا يضمّ أحدهما إلى الآخر ، أو لكل ثوب حكم كذلك فلا يضمّ بعضها إلى بعض ولا إلى البدن ، أوجه واعتبار الأول أوجه وأحوط» ولم أجد من قال بالباقي من هذه الاحتمالات.

(١) كما هو قضية التشخيص العرفي.

(٢) اعتبر المصنف في الذكرى والبيان بأن الدم لو تفشى وكان الثوب رقيقا فواحد وإن كان الثوب صفيقا فاثنان والتشخيص العرفي للوحدة يدفعه.

(٣) فلو أصاب الدم مائع طاهر فينجس المائع فهل يعفى عنه أو لا؟ ذهب الشهيد في الذكرى إلى العفو ، لأن المتنجس بشي‌ء لا يزيد عليه نجاسة لعدم زيادة الفرع على أصله ، وتبعه جماعة في هذا الحكم ، وفيه : إن أخبار العفو قد اقتصرت على الدم فغيره باق تحت أدلة وجوب إزالة النجس والمتنجس عن الثوب والبدن في الصلاة.

وذهب الشهيد في البيان والعلامة في المنتهى وجماعة إلى عدم العفو ، وهو الحق وقد تقدم دليله.

(٤) على نحو اللف والنشر المرتبين فذهب إلى العفو في الذكرى وإلى عدمه في البيان.

(٥) بالماء والمائع الذي أصابه على تقدير القول بالعفو بأن لا يبلغ المجموع قدر الدرهم.

(٦) وسيأتي إن شاء الله في لباس المصلي.

(٧) فيعفى عن نجاسته في الصلاة للأخبار منها : مرسل حماد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الرجل يصلي في الخف الذي قد أصابه القذر ، فقال عليه‌السلام : إذا كان مما لا تتم فيه الصلاة فلا بأس) (١) ومرسل عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كل ما كان على الإنسان أو معه مما لا تجوز الصلاة فيه وحده ، فلا بأس أن يصلي ـ

__________________

(١ و ٢) ـ الوسائل الباب ـ ٣١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢ و ٥.

٩٣

حكم الأول في لباس المصلي ، وأما الثاني فلم يذكره لأنه لا يتعلق ببدن المصلي ، ولا ثوبه الذي هو شرط في الصلاة مع مراعاة الاختصار.

(ويغسل الثوب مرتين (١)

______________________________________________________

ـ فيه وإن كان فيه قذر ، مثل القلنسوة والتكة والكمرة والنعل والخفين وما أشبه ذلك) (١).

(١) أي يغسل الثوب المتنجس بالبول مرتين بالماء القليل ، كما عليه المشهور ، ونسبه في المعتبر إلى علمائنا للأخبار منها : حسنة الحسين بن أبي العلاء : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن البول يصيب الجسد ، قال : صب عليه الماء مرتين ، فإنما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين ، وسألته عن بول الصبي يبول على الثوب قال : تصب عليه الماء قليلا ثم تعصره) (٢).

وصحيح ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في البول يصيب الثوب؟ قال : اغسله مرتين) (٣).

وذهب الشهيد في البيان إلى الاكتفاء بالمرة فقال : «لا يجب التعدد إلا في إناء الولوغ» ، وفي الذكرى نسبه إلى الشيخ ، وهو ظاهر كلام العلامة في جملة من كتبه استنادا إلى بعض الأخبار الآمرة بمطلق الغسل مثل قوله عليه‌السلام : (اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه) (٤) ومطلق الغسل يتحقق بالمرة. وفيه : بأن هذه الأخبار مقيّدة بالأخبار الموجبة للتعدد ، ولذا اعترف أكثر. من واحد بعدم وجود مستند صالح لهذا القول إلا ما في الكافي من قوله : «وروي أنه يجزئ أن يغسل بمثله من الماء إذا كان على رأس الحشفة أو وغيره» (٥) وهو بالإضافة إلى كونه مرسلا لا يقاوم تلك الأخبار الصحيحة الموجبة للتعدد.

وذهب العلامة في القواعد إلى الاكتفاء بالمرة إذا كان المحل جافا ، ويستدل له برواية الحسين بن أبي العلاء المتقدمة على ما رواها في المعتبر والذكرى بزيادة قوله : (مرة

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٤ ، وذيله في الباب ـ ٣ من هذه الأبواب حديث١.

(٣) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٤) الوسائل الباب ـ ٨ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٥.

٩٤

بينهما عصر) (١) وهو كبس الثوب بالمعتاد (٢) لإخراج الماء المغسول به (٣) ،

______________________________________________________

ـ للإزالة ومرة للإنقاء) بعد قوله عليه‌السلام : (اغسله مرتين).

فإذا كان المحل جافا فقد زال البول فلا داعي للأولى فيكتفي بالثانية التي هي للإنقاء. وفيه : إن هذه الزيادة غير موجودة في كتب الحديث ، ولذا قال الشيخ حسن ابن الشارح : «ولم أر لهذه الزيادة أثرا في كتب الحديث الموجودة الآن بعد التصفح بقدر الوسع».

ثم لا خصوصية في البدن والثوب بل لا بد من التعدد في كل عين متنجسة بالبول ، وذهب سيد المدارك وصاحب المعالم إلى اختصاص التعدد في الثوب فقط لكون الصحيح من الأخبار واردا في الثوب وما ورد في البدن ضعيف السند ، وقيل : يختص التعدد في الثوب والبدن دون غيرهما لأنهما مرويان ، وكلا القولين ضعيف لأن المدار على التنجس بالبول مهما كانت ماهية المتنجس ، هذا كله في التطهير بالماء القليل ، وأما لو كان بالماء الجاري وغيره من أفراد المعتصم فسيأتي حكمه إن شاء الله تعالى.

(١) أي العصر ، اعلم أن الغسل والصب مفهومان متغايران ويدل على ذلك بالإضافة إلى التبادر بعض النصوص منها : رواية أبي العباس عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله ، وإن مسه جافا فصب عليه الماء) (١) ورواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الثوب يصيبه البول قال : اغسله مرتين ، وسألته عن الصبي يبول على الثياب ، قال : تصب عليه الماء قليلا) (٢).

فالصب هو إلقاء الماء على الشي‌ء ، والغسل هو إزالة القذر عن الشي‌ء ، وإزالة القذر لا تتحقق إلا بإخراج ماء الغسالة ، وإخراج ماء الغسالة لا يتحقق إلا بالعصر ونحوه كالتغميز أو التثقيل أو الدلك بالأرجل.

فالعصر شرط في الغسل لإخراج ماء الغسالة وهذا ما عليه الأكثر لا أنه جزء من مفهوم الغسل.

(٢) باليد أو بتغميز الكف أو بوضع شي‌ء ثقيل عليه.

(٣) أي الثوب ، ولو قال : لإخراج ماء الغسالة لكان أولى.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١٢ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٤ ، وذيله في الباب ـ ٣ ـ من نفس هذه الأبواب حديث١.

٩٥

وكذا يعتبر العصر بعدهما (١) ، ولا وجه لتركه ، والتثنية منصوصة في البول. وحمل المصنف غيره عليه (٢) ، من باب مفهوم الموافقة ، لأن غيره أشدّ نجاسة ، وهو ممنوع (٣) ، بل هي (٤) إما مساوية أو أضعف حكما ، ومن ثمّ عفي عن قليل الدم

______________________________________________________

(١) بعد الغسلتين لإخراج ماء الغسالة في كل منهما ويدل على العصر عقيب كل غسل بالإضافة إلى ما تقدم خبر الدعائم عن علي عليه‌السلام : (قال : ـ في المني يصيب الثوب ـ يغسل مكانه فإن لم يعرف مكانه وعلم يقينا أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات ، يفرك في كل مرة ويغسل ويعصر) (١) فلا وجه لما فعله المصنف من ترك العصر بعد الغسلتين.

(٢) أي غير البول على البول من وجوب تعدد الغسل وإليه ذهب الشهيد والمحقق الثاني ، وذهب العلامة في المنتهى والتحرير إلى التعدد فيما له ثخانة وقوّام كالمني ، وذهب المشهور إلى التعدد في البول وإلى المرة في غيره مطلقا ، ومستند المشهور بأن الأخبار الآمرة بالغسل في سائر النجاسات مطلقة فتحمل على المرة مثل قوله عليه‌السلام : في الثوب الذي أصاب جسد الميت : (يغسل ما أصاب الثوب) (٢) وقوله عليه‌السلام في الثوب الذي أصابه خمر أو نبيذ : (فاغسله) (٣) ، وقوله عليه‌السلام في المني : (إن عرفت مكانه فاغسله) (٤).

ويستدل للقائل باعتبار المرتين بالاستصحاب ، وبأن الأخبار التي دلت على التعدد في البول تدل على التعدد في غيره من باب أولى لأن البول أهون النجاسات ، ففي رواية الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في البول يصيب الجسد قال : صب عليه الماء مرتين فإنما هو ماء) (٥) والتعليل يدل على أهونية البول ، وصحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (أنه ذكر المنيّ وشدّده وجعله أشدّ من البول) (٦) ولخصوص الأخير جعل العلامة ما له ثخانة وقوام مما يجب فيه التعدد من غير البول.

(٣) أي مفهوم الموافقة.

(٤) أي النجاسات ما عدا البول.

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٤ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ٣٨ ـ من أبواب النجاسات حديث ٣.

(٤) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

(٥) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب النجاسات حديث ٤.

(٦) الوسائل الباب ـ ١٦ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

٩٦

دونه (١) ، فالاكتفاء بالمرة في غير البول أقوى عملا بإطلاق الأمر ، وهو اختيار المصنف في البيان جزما ، وفي الذكرى والدروس بضرب من التردد.

ويستثنى من ذلك بول الرضيع (٢) ، فلا يجب عصره ، ولا تعدد غسله وهما ثابتان في غيره (٣) ، (إلا في الكثير والجاري) (٤)

______________________________________________________

(١) دون البول وهذا بيان وجه الأضعفية.

(٢) فيكفي فيه صب الماء عليه من دون عصر ولا تعدد للأخبار منها : صحيح الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن بول الصبي قال : تصب عليه الماء فإن كان قد أكل فاغسله بالماء غسلا ، والغلام والجارية في ذلك شرع سواء) (١) وللذيل ذهب الصدوقان والمحقق البحراني إلى عدم الفرق في الرضيع بين الذكر والأنثى ، إلا أن المشهور قد أعرضوا عنه أو حملوه على الاستواء في الغسل بدليل ما روته العامة عن زينب بنت جحش : (كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما فجاء الحسين عليه‌السلام ، فجعلت أعلله لئلا يوقظه ، ثم غفلت عنه فدخل ـ إلى أن قالت ـ : فاستيقظ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يبول على صدره ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعي ابني حتى يفرغ من بوله ، وقال : لا تزرموا بول ابني ، ثم دعا بماء فصب عليه ثم قال : يجزئ الصب على بول الغلام ويغسل بول الجارية) (٢).

(٣) غير بول الرضيع من بول الصبية وبول الكبير وبول الصبي الفطيم.

(٤) بل في مطلق المعتصم فيكفي مرة من دون تعدد أو عصر ، فيكفي وضع الثوب في الماء حتى يستولي الماء المعتصم على جميع أجزائه ففي صحيح ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الثوب يصيبه البول قال عليه‌السلام : اغسله في المركن مرتين ، فإن غسلته في ماء جار فمرة واحدة) (٣) وفي المرسل عن أبي جعفر عليه‌السلام مشيرا إلى غدير ماء : (إن هذا لا يصيب شيئا إلا طهره) (٤) وفي مرسل الكاهلي عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (كل شي‌ء يراه ماء المطر فقد طهر) (٥) وفي خبر ابن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شي‌ء) (٦). فهذه الإطلاقات الواردة في هذه ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب النجاسات حديث ٢.

(٢) كنز العمال ج ٥ ص ١٢٨ ، الرقم : ٢٦٤٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

(٤) مستدرك الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٨.

(٥) الوسائل الباب ـ ٦ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٥.

(٦) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

٩٧

بناء على عدم اعتبار كثرته (١) فيسقطان فيهما (٢) ، ويكتفى بمجرّد وضعه فيهما مع إصابة الماء لمحلّ النجاسة ، وزوال عينها. (ويصبّ على البدن مرتين في غيرهما) (٣) بناء على اعتبار التعدد مطلقا (٤) وكذا ما أشبه البدن مما تنفصل الغسالة عنه بسهولة كالحجر والخشب (٥) ، (و) كذا(الإناء) (٦) ، ويزيد (٧)

______________________________________________________

ـ الأخبار سواء كان مما له مادة أم كان كرا أم كان مطرا تدل على عدم اعتبار التعدد ولا العصر.

(١) أي كثرة الجاري كما عليه المشهور في قبال قول العلامة الذي اشترط الكرية في اعتصام الجاري.

(٢) أي يسقط التعدد والعصر في الكثير والجاري.

(٣) أي غير الكثير والجاري.

(٤) في البول وغيره كما هو اختيار الماتن.

(٥) وكل الأجسام الصلبة التي لا تختزن ماء الغسالة في أجزائها ، فيكفي فيها الصب ، بخلاف ما تختزن ماء الغسالة فلا بد فيها من الغسل المشروط بالعصر.

(٦) وقع الخلاف فيما لو تنجس الإناء بغير الولوغ ، فذهب الشيخ في غير المبسوط وابن الجنيد والشهيد في الذكرى والدروس والمحقق الثاني وجماعة إلى غسله ثلاث مرات إذا كان الماء قليلا لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سئل عن الكوز والإناء يكون قذرا كيف يغسل؟ وكم مرة يغسل؟ قال عليه‌السلام : يغسل ثلاث مرات ، يصب فيه الماء فيحرك فيه ثم يفرغ منه ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ ذلك الماء ، ثم يصب فيه ماء آخر فيحرك فيه ثم يفرغ منه وقد طهر) (١).

وعن جماعة منهم المحقق والعلامة في أكثر كتبه والشارح في روض الجنان وسيد المدارك إلى الاكتفاء بالمرة استضعافا للموثق أو لحمله على الاستحباب بقرينة المرسل المروي في المبسوط : (وقد روي غسلة واحدة).

وفيه : إن الموثق أوثق بالاعتبار ، وعن الشهيد الأول في الألفية واللمعة إلى اعتبار المرتين استضعافا للموثق والمرسل معا

مع إلحاق الأواني بالثوب والبدن من وجوب التعدد.

وفيه : قد عرفت أن التعدد مختص بالبول فلا يمكن إلحاق غيره به.

(٧) يزيد الإناء على غيره.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٥٣ ـ من أبواب النجاسات حديث ١.

٩٨

أنه (١) يكفي صبّ الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه (٢) ولو بآلة لا تعود إليه ثانيا إلا طاهرة سواء في ذلك المثبت وغيره ، وما يشقّ قلعه وغيره.

(فإن ولغ فيه) أي في الإناء(كلب) (٣) بأن شرب مما فيه بلسانه (قدّم)

______________________________________________________

(١) أن الشأن والواقع.

(٢) أي إفراغ ماء الغسالة من الإناء وهو صريح موثق عمار المتقدم ، وإخراج ماء الغسالة إنما يكون بقلب الإناء إذا كان منقولا وكذا بآلة ما ، وخصّ بعضهم الإخراج بالآية فيما لو كان الإناء مثبتا وهو لا وجه له.

وإذا كان مثبتا فيتعين الإخراج بالآلة ، فإن قلنا أن ماء الغسالة نجس كما ذهب إليه الشارح فلا بد من تطهير الآلة قبل إرجاعها إلى الإناء وإن قلنا أن ماء الغسالة طاهر إذا تعقبه طهارة المحل فيجب غسل الآلة بعد الإفراغ الأول والثاني دون الثالث.

(٣) يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا أولاهن بالتراب على المشهور لصحيح البقباق عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (سألته عن الكلب فقال : رجس نجس لا يتوضأ بفضله ، واصبب ذلك الماء ، ثم اغسله بالتراب أول مرة ، ثم بالماء مرتين) (١) هكذا رواه في المعتبر مع أنه في كتب الأحاديث خال عن ذكر (مرتين) والجميع أفتى بالتعدد حتى الشيخ الذي روى الرواية ، وهذا يقوّي الاحتمال بسقوط الزيادة من قلم النساخ.

وعن ابن الجنيد وجوب الغسل سبعا أولاهن بالتراب لموثق عمار عن أبي عبد الله عليه‌السلام : (في الإناء يشرب فيه النبيذ فقال عليه‌السلام : تغسله سبع مرات وكذلك الكلب (٢).

وللنبوي المروي من طرق العامة : (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ، أولاهن بالتراب) (٣).

وفيه : أما النبوي فلم يثبت من طرقنا ، وأما موثق عمار فهو بالإضافة إلى خلوه عن الغسلة الترابية محمول على الاستحباب لأن الحكم في النبيذ ثلاثا والاستحباب على السبعة.

هذا ولا بد من التنبيه على أمور :

الأول : اختلف المقتصرون على التثليث في الغسلة الترابية ، فذهب مشهورهم إلى أنها ـ

__________________

(١) مستدرك الوسائل الباب ـ ٤٥ ـ من أبواب النجاسات حديث ٤.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣٠ ـ من أبواب الأطعمة المحرمة حديث ٢.

(٣) كنز العمال ج ٥ ص ٨٩ الرقم ١٨٨٨.

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ أولى الغسلات ويدل عليه صحيح البقباق المتقدم ، وعن المفيد في المقنعة أنها وسطاهن ، وعن الشيخ في الخلاف والسيد في الانتصار والصدوق في الفقيه بأنها إحدى الثلاث من دون تعيين وهما ضعيفان لعدم المستند.

الثاني : في كيفية الغسلة الترابية ، فعن ابن إدريس والعلامة في المنتهى أن يجعل في التراب شي‌ء من الماء ثم يمسح به الإناء تحصيلا لحقيقة الغسل ، لأن الغسل جريان المائع على المحل المغسول وهذا لا يتحقق إلا إذا مزجنا التراب بشي‌ء من الماء بشرط أن لا يخرج التراب عن اسمه وحقيقته.

وذهب المشهور إلى وجوب خلوص التراب من الماء ، لأن الغسل بالتراب الممزوج لا يسمى غسلا بالتراب.

الثالث : لا فرق بين أقسام التراب سواء كان رملا أو غيره وهذا ما عليه المشهور ، وعن كشف الغطاء أن الرمل ليس من التراب ، ثم اشترط طهارة التراب قبل الاستعمال إما للانصراف إليه وإما لأن المناسب للتطهير هو الطاهر من التراب. ثم لو فقد التراب ووجد ما يشبهه كالجص والنورة فهل يجزي؟ قطع الشيخ والعلامة في بعض كتبه والشهيد في البيان به ، وعن ابن الجنيد الإجزاء اختيارا حتى مع وجود التراب ، وكلا القولين ضعيف لعدم المستند إلى التعدي حيث إن النص على التراب فقط ومع عدمه يبقى الإناء على النجاسة.

الرابع : ذهب المشهور إلى اختصاص التثليث بالولوغ ، وذهب الصدوق والمفيد إلى أن الحكم لمطلق مباشرة الكلب للإناء ، وإن كان بغير لسانه ، ومستند المشهور الاقتصار على النص حيث ورد في صحيح البقباق المتقدم : (رجس نجس لا تتوضأ بفضله)

وهو ظاهر في بقية الماء من مشروب الكلب ، وقد اعترف سيد المدارك عدم المأخذ لقول الصدوق والمفيد.

نعم استقرب العلامة في النهاية تعميم الحكم لمطلق مباشرة الكلب بدعوى أن فمه أنظف من بقية أعضائه ، ولذا كانت نكهته أطيب من بقية الحيوانات ، وفيه : إنه استحسان محض.

الخامس : اختلفوا في معنى الولوغ ، فهل هو الشرب كما في المصباح المنير ، أو هو الشرب بطرف اللسان كما في الصحاح ، أو هو إدخال اللسان في الماء وتحريكه فيه كما في القاموس. ـ

١٠٠