الزبدة الفقهيّة - ج ١

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي

الزبدة الفقهيّة - ج ١

المؤلف:

السيّد محمّد حسن ترحيني العاملي


الموضوع : الفقه
الناشر: منشورات ذوي القربى
المطبعة: كيميا
الطبعة: ٤
ISBN: 964-6307-54-X
ISBN الدورة:
964-6307-53-1

الصفحات: ٣٤٩

ولزمها الفاء للثاني. و «بعد» ظرف زمان ، وكثيرا ما يحذف منه المضاف إليه وينوى معناه ، فيبنى على الضم.

(فهذه) إشارة إلى العبارات الذهنية التي يريد كتابتها ، إن كان وضع الخطبة قبل التصنيف ، أو كتبها إن كان بعده ، نزّلها منزلة الشخص المشاهد المحسوس ، فأشار إليه ب «هذه» الموضوع للمشار إليه المحسوس(اللّمعة) بضم اللام ، وهي لغة : البقعة من الأرض ذات الكلأ إذا يبست وصار لها بياض ، وأصله (١) من «اللمعان» وهو الإضاءة والبريق ، لأن البقعة من الأرض ذات الكلأ المذكور كأنها تضي‌ء دون سائر البقاع. وعدّي ذلك إلى محاسن الكلام وبليغه ، لاستنارة الأذهان به ، ولتميّزه عن سائر الكلام ، فكأنه في نفسه ذو ضياء ونور(الدّمشقيّة) بكسر الدال وفتح الميم ، نسبها إلى «دمشق» المدينة المعروفة ، لأنه صنفها بها في بعض أوقات إقامته بها(في فقه الإمامية) الاثني عشرية أيدهم الله تعالى ، (إجابة) منصوب على المفعول لأجله ، والعامل محذوف ، أي صنفتها إجابة(لالتماس) وهو طلب المساوي من مثله ولو بالادعاء ، كما في أبواب الخطابة(بعض الدّيانين) أي المطيعين لله في أمره ونهيه.

وهذا البعض هو شمس الدين محمد الآوي من أصحاب السلطان علي بن مؤيّد ملك خراسان وما ولاها في ذلك الوقت ، إلى أن استولى على بلاده «تيمور لنك» فصار معه قسرا إلى أن توفي في حدود سنة خمس وتسعين وسبعمائة بعد أن استشهد المصنف قدس‌سره بتسع سنين.

وكان بينه وبين المصنف قدس‌سره مودة ومكاتبة على البعد إلى العراق ، ثم إلى الشام. وطلب منه أخيرا التوجه إلى بلاده في مكاتبة شريفة أكثر فيها من التلطف والتعظيم والحث للمصنف رحمه‌الله على ذلك ، فأبى واعتذر إليه ، وصنّف له هذا الكتاب بدمشق في سبعة أيام لا غير ، على ما نقله عنه ولده المبرور أبو طالب محمد ، وأخذ شمس الدين الآوي نسخة الأصل ، ولم يتمكن أحد من نسخها منه لضنته بها ، وإنما نسخها بعض الطلبة وهي في يد الرسول

______________________________________________________

(١) أصل الاشتقاق.

٢١

تعظيما لها ، وسافر بها قبل المقابلة فوقع فيها بسبب ذلك خلل ، ثم أصلحه المصنف بعد ذلك بما يناسب المقام ، وربما كان مغايرا للأصل بحسب اللفظ ، وذلك في سنة اثنين وثمانين وسبعمائة.

ونقل عن المصنف رحمه‌الله أن مجلسه بدمشق ذلك الوقت ما كان يخلو غالبا من علماء الجمهور لخلطته بهم وصحبته لهم ، قال : «فلما شرعت في تصنيف هذا الكتاب كنت أخاف أن يدخل عليّ أحد منهم فيراه ، فما دخل عليّ أحد منذ شرعت في تصنيفه إلى أن فرغت منه ، وكان ذلك من خفي الألطاف» ، وهو من جملة كراماته قدس الله روحه ونور ضريحه.

(وحسبنا الله) أي محسبنا وكافينا.

(ونعم المعين) عطف إما على جملة «حسبنا الله» ، بتقدير المعطوفة خبرية ، بتقدير المبتدأ مع ما يوجبه ، أي «مقول في حقه ذلك» ، أو بتقدير المعطوف عليها إنشائية ، أو على خبر المعطوف عليها خاصة فتقع الجملة الإنشائية خبر المبتدأ ، فيكون عطف مفرد متعلقه جملة إنشائية. أو يقال : إن الجملة التي لها محل من الإعراب لا حرج في عطفها كذلك ، أو تجعل الواو معترضة لا عاطفة ، مع أن جماعة من النحاة أجازوا عطف الإنشائية على الخبرية وبالعكس ، واستشهدوا عليه بآيات قرآنية ، وشواهد شعرية (١).

______________________________________________________

(١) قال الشارح : «الآيات التي استدلوا بها هي قوله تعالى : (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا) ـ في سورة البقرة ، (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) في سورة الصف ، ذكر ذلك ابن هشام في المغني ، ونقله عن ابن عصفور.

قال أبو حيان : وأجاز سيبويه جاءني زيد ومن عمرو العاقلان ، على أن يكون العاقلان خبرا لمحذوف ، قال : ويؤيده قوله :

وإن شفائي عبرة مهراقة

وهل عند رسم دارس من معوّل

وقوله :

تناغي غزلا عند باب ابن عامر

وكحّل أماقيك الحسان بإثمد

واستدل الصفار أيضا بقوله :

وقائلة خولان فانكح فتاتهم.

فإن تقديره عند سيبويه هذه خولان ، وأوضح من ذلك دلالة قوله تعالى : (إِنّٰا أَعْطَيْنٰاكَ

٢٢

(وهي مبنية) أي مرتبة ، أو ما هو أعم من الترتيب(على كتب) بضم التاء وسكونها جمع كتاب ، وهو فعال من «الكتب» بالفتح وهو الجمع ، سمّي به المكتوب المخصوص لجمعه المسائل المتكثرة ، والكتاب أيضا مصدر مزيد مشتق من المجرد لموافقته له في حروفه الأصلية ومعناه.

______________________________________________________

ـ (الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) ، وناهيك بقوله تعالى : (حَسْبُنَا اللّٰهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ، وباب التأويل من الجانبين متسع».

٢٣

كتاب الطهارة

٢٤

كتاب الطهارة (١)

(الطهارة) مصدر «طهر» بضم العين وفتحها ، والاسم الطّهر (٢) بالضم(وهي لغة النظافة) (٣) والنزاهة من الأدناس (٤) (وشرعا) (٥) ـ بناء على ثبوت

______________________________________________________

(١) أي هذا كتاب الطهارة ، فهو خبر لمبتدإ محذوف ، وقال سيد المدارك «وقد عرّفه ـ أي الكتاب ـ شيخنا الشهيد (رحمه‌الله) في بعض فوائده بأنه اسم لما يجمع به المسائل المتحدة بالجنس المختلفة بالنوع ، قال : والمقصد اسم لما يطلب فيه المسائل المتحدة في النوع المختلفة في الصنف ، ومثله الباب والفصل ، والمطلب هو المائز بين المسائل المتحدة في الصنف المختلفة في الشخص ، وما ذكره (رحمه‌الله) غير مطرد ، والحق أن هذه أمور اصطلاحية ومناسبات اعتبارية لا ينبغي المشاحة فيها» انتهى.

(٢) المصدر ما دل على الحدث ، واسم المصدر ما دل على الهيئة الحاصلة بسببه كالتوضؤ والوضوء.

(٣) فيقال : ثياب طاهرة أي نظيفة من الوسخ والقذر.

(٤) قال تعالى : (إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(١) ، والطهارة في الآية تأكيد لإذهاب الرجس بمعنى الذنب.

(٥) ظاهره أنه بالحقيقة الشرعية ، والغالب من الأصحاب أنها بالحقيقة المتشرعية فلذا شكك الشارح.

__________________

(١) الأحزاب الآية : ٣٣.

٢٥

الحقائق الشرعية ـ (استعمال طهور مشروط بالنية) (١) فالاستعمال بمنزلة الجنس (٢) ، والطهور مبالغة في الطاهر (٣) ، والمراد منه هنا (٤) «الطاهر في نفسه المطهر لغيره» جعل بحسب الاستعمال متعديا وإن كان بحسب الوضع اللغوي لازما (٥) ، كالأكول (٦).

وخرج بقوله : «مشروط بالنية» إزالة النجاسة عن الثوب والبدن وغيرهما ، فإن النية ليست شرطا في تحققه ، وإن اشترطت في كماله (٧) ، وفي نرتب الثواب على فعله (٨) ، وبقيت الطهارات الثلاث (٩) مندرجة في التعريف ، واجبة ومندوبة ، مبيحة وغير مبيحة ، إن أريد بالطهور مطلق الماء والأرض كما هو الظاهر (١٠).

______________________________________________________

(١) اختلف الأصحاب في تعريف الطهارة ، فعن الشيخ أبي علي في شرح النهاية أنها الطهر من النجاسات ورفع الأحداث ، وتابعه الفاضل العجلي. والأكثر خصّها بالمبيح للعبادة دون إزالة الخبث ففي نهاية الشيخ ومنتهى العلامة الطهارة في الشريعة اسم لما يستباح به الدخول في الصلاة ، ثم مع أخذ قيد الاستباحة للصلاة في مفهوم الطهارة يقسمونها إلى واجبة ومندوبة ، والمندوب ما يرفع الحدث وما لا يرفعه ، وإلى ما يبيح وما لا يبيح ، فيدخلون في الأقسام ما هو خارج عن المقسم ، ولذا عمم بعضهم الطهارة إلى المبيح وغيره.

(٢) الجنس عند أهل الميزان مختص بالماهيات الخارجية ، وأما القدر الجامع في الاعتباريات والأفعال فمنزل منزلته.

(٣) لأنه من صيغ المبالغة على وزن فعول.

(٤) أي من الطهور في مقام الاستعمال.

(٥) لأن باب فعل ـ بضم العين ـ لازم ، والطهور من طهر بضم العين.

(٦) التمثيل باعتبار اختلاف الوضع والاستعمال ، فالطهور وصفا لازم واستعمالا متعد ، والأكول وصفا متعد كما هو واضح ، واستعمالا لازم لأنه يستعمل بمعنى كثير الأكل من غير ملاحظة المأكول.

(٧) أي كمال التطهير فيما لو أراد المكلف جعله عباديا.

(٨) لأن الأعمال بالنيات.

(٩) الغسل والوضوء والتيمم.

(١٠) لأن الطهور استعمال للماء في الغسل والوضوء أو استعمال للأرض في التيمم ، ومن ثمّ كان الطهور مطلق الماء والأرض.

٢٦

وحينئذ ففيه اختيار أن المراد منها (١) ما هو أعم من المبيح للصلاة (٢) وهو خلاف اصطلاح الأكثرين (٣) ومنهم المصنف في غير هذا الكتاب ، أو ينتقض (٤) في طرده بالغسل المندوب (٥) ، والوضوء غير الرافع منه (٦) ، والتيمم بدلا منهما (٧) إن قيل به (٨) ، وينتقض في طرده أيضا (٩) بأبعاض كل واحد من الثلاثة

______________________________________________________

(١) من الطهارة.

(٢) كتيمم النائم ووضوء الحائض والاغسال المندوبة ، فهي استعمال للماء والأرض مشروط بالنية مع أنها غير مبيحة للصلاة.

(٣) حيث خصوا الطهارة بالمبيح فقط.

(٤) عطف على قوله : اختيار ، والمعنى إن أريد بالطهور المعنى العام من الماء والأرض فيلزم خلاف مصطلح الأكثرين ، وإن أريد بالطهور المعنى الخاص من أنه طاهر بنفسه مطهر لغيره فهو وإن وافق الأكثر لأنه لا يشمل غير المبيح باعتبار أن غير المبيح لا يطهّر الغير إلا أنه يلزم عليه ثلاثة إشكالات:

الأول : الغسل المندوب لا يكون مبيحا للصلاة لاحتياجه إلى الوضوء ، ومع ذلك يصدق عليه تعريف المصنف من أنه استعمال طهور مشروط بالنية ، فلا يكون مانعا عن الأغيار.

الثاني : تعريف المصنف صادق على أجزاء الوضوء والغسل والتيمم ، لأن كل جزء استعمال طهور مشروط بالنية ولو النية الضمنية ، مع أن الجزء لا يسمى بالطهارة المبيحة للصلاة.

الثالث : لو نذر تطهير ثوب بشرط التقرب لصدق عليه تعريف المصنف ، مع أنه لا يستباح به فعل الصلاة.

(٥) الإشكال الأول.

(٦) من المندوب ، كوضوء النائم والحائض ، ولمّا قيّد الشارح الوضوء بغير الرافع فيدل على أن الغسل المندوب عنده بتمامه غير رافع ، ولذا جعله مادة للنقض بخلاف الوضوء المندوب فبعضه غير رافع كوضوء النائم ، وبعضه رافع كالوضوء للصلاة المندوبة.

(٧) من الغسل والوضوء المندوبين غير الرافعين.

(٨) قال الشارح : «أي قيل بأن التيمم يشرّع بدلا من الغسل المندوب مطلقا ومن الوضوء المندوب وإن لم يرفع».

(٩) الإشكال الثاني.

٢٧

مطلقا (١) ، فإنه (٢) استعمال للطهور مشروط بالنية مع أنه لا يسمى طهارة ، وبما لو نذر تطهير الثوب ونحوه من النجاسة ناويا (٣) ، فإن النذر منعقد لرجحانه. ومع ذلك فهو (٤) من أجود التعريفات ، لكثرة ما يرد عليها (٥) من النقوض في هذا الباب (٦).

(والطهور) (٧) بفتح الطاء(هو الماء والتراب) (٨).

______________________________________________________

(١) سواء أريد بالطهور معناه العام أو الخاص.

(٢) فإن البعض من كل واحد من الثلاثة.

(٣) ناويا التقرب إلى الله وهو الإشكال الثالث.

(٤) تعريف المصنف للطهارة.

(٥) على تعريفات الطهارة عند الفقهاء.

(٦) لفظ الطهارة لم يرد في آية أو رواية متعلقا للأمر ، حتى يتنازع في مفهومه ، وإنما تعلق الأمر بمصاديق الطهارة من الغسل والوضوء والتيمم ، وهذه المصاديق واضحة المعنى عند المتشرعة ، فلا معنى للبحث في مفهوم الطهارة حينئذ ، ولذا حذف من كتب المتأخرين.

(٧) الطهور من صيغ المبالغة ، ومعناه الطاهر المطهر لغيره ، بلا خلاف فيه بيننا كما عن الخلاف ، وهو المنقول عن أئمة أهل اللغة.

وعن أبي حنيفة والأصمّ وأصحاب الرأي إنكار ذلك ، وجعل الطهور بمعنى الطاهر فقط بدعوى أن (فعول) للمبالغة فلا يكون متعديا وللاستعمال كقوله تعالى : (وَسَقٰاهُمْ رَبُّهُمْ شَرٰاباً طَهُوراً) (١) وقول الشاعر : وريقهن طهور ، والريق لا يكون مطهرا للغير ، مردود بما هو منقول عن أهل اللغة.

(٨) الطهور بمعنى الطاهر المطهر منحصر في الماء والأرض ، أما الماء لقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) (٢) وقوله تعالى : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) (٣) وما يتطهر به لا بد أن يكون طاهرا في نفسه.

وإذا ثبت طهورية ماء السماء ثبت طهورية جميع أقسام المياه ، لأن الجميع من ماء ـ

__________________

(١) الدهر الآية : ٢١.

(٢) الفرقان الآية : ٤٨.

(٣) الأنفال الآية : ١١.

٢٨

(قال الله تعالى) :

(وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً) وهو دليل طهورية الماء. والمراد بالسماء هنا جهة العلو ، (وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : جعلت لي (١) الأرض مسجدا وطهورا) وهو

______________________________________________________

ـ السماء لقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنّٰاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنّٰا عَلىٰ ذَهٰابٍ بِهِ لَقٰادِرُونَ) (١).

وفي السنّة أخبار كثيرة منها : صحيح ابن فرقد عن أبي عبد الله عليه‌السلام (كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بول قرضوا لحومهم بالمقاريض ، وقد وسّع الله تعالى عليكم بأوسع ما بين السماء والأرض ، وجعل لكم الماء طهورا) (٢).

فما عن سعيد بن المسيب أنه لا يجوز التوضي بماء البحر ، وعن عبد الله بن عمران التيمم أحبّ إليه فلا يكون ماء البحر مطهرا للغير مردود بما سمعت ، ولخصوص قوله عليه‌السلام في خبر المعتبر عند ما سئل عن الوضوء بماء البحر: (هو الطهور ماؤه ، الحلّ ميتته) (٣).

وأما الأرض فلقوله تعالى : (فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً) (٤) وللأخبار.

منها : خبر أبي أمامة عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (فضّلت بأربع : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ، وأيّما رجل من أمتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الأرض فقد جعلت له مسجدا وطهورا) (٥).

ومما يدل على حصر الطهور بالماء والأرض خبر أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام: (في الرجل يكون معه اللبن أيتوضأ منه للصلاة؟ قال عليه‌السلام : لا ، إنما هو الماء والصعيد(٦).

(١) لأن غيره من أنبياء بني إسرائيل لا يجوز لهم الصلاة إلا في محاريبهم ، ففي الخبر (إن الله كان فرض على بني إسرائيل الغسل والوضوء بالماء ولم يحل لهم التيمم ، ولم يحلّ لهم الصلاة إلا في البيع والكنائس والمحاريب) (٧).

__________________

(١) المؤمنون الآية : ١٨.

(٢) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٤.

(٣) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٤.

(٤) النساء الآية : ٤٣.

٥) و ٦ و ٧ (الوسائل الباب ـ ٧ ـ من أبواب التيمم حديث ٣ و ٦ و ٥.

٢٩

دليل طهورية التراب (١) ، وكان الأولى إبداله بلفظ «الأرض» كما يقتضيه الخبر ، خصوصا على مذهبه من جواز التيمم بغير التراب من أصناف الأرض.

فالماء بقول مطلق (٢) (مطهر من الحدث) (٣) ، وهو الأثر الحاصل للمكلّف وشبهه (٤) عند عروض أحد أسباب الوضوء ، والغسل ، المانع (٥) من الصلاة ، المتوقّف رفعه على النية ، (والخبث) (٦) وهو النّجس ـ بفتح الجيم ـ مصدر قولك : «نجس الشي‌ء» بالكسر ينجس فهو نجس بالكسر (٧) (وينجس) الماء مطلقا (٨)

______________________________________________________

(١) قال الشارح : «هذا الحديث أورده الأكثر كما ذكره المصنف ، وعليه لا يطابق ما أسلفه من جعل أحد الطهورين هو التراب ، لأن الأرض أعم منه لشمولها الحجر والرمل وغيرهما من أصنافها ، وزاد بعض الرواة فيه : وترابها طهورا ، وكان الأولى للمصنف ذكره كذلك ليوافق مطلوبه ، أو تبديل التراب أولا بالأرض ليطابق ما رواه كما لا يخفى).

أقول : ففي خبر جابر بن عبد الله (قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : قال الله (عزوجل) : جعلت لك ولأمتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا) (١) وفي آخر (جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا) (٢).

(٢) من غير قيد فيخرج ماء الورد والدمع والعرق ، وأما ماء البحر وما البئر فيصدق عليه لفظ الماء من غير تقييد ، لأن القيد غالبي.

(٣) الحدث إما نفس الأمور الموجبة لفعل الطهارة من النوم والبول والغائط والمني ، وإما الأثر الحاصل منها ، فجزم الشارح بأن الحدث هو الأثر ليس في محله بعد إطلاق الحدث على نفس المذكورات عند المتشرعة.

(٤) ليشمل الصبي والنائم والسكران.

(٥) صفة للأثر ، وهو قيد لإخراج موجبات الطهارة المستحبة ، كدخول الجمعة فهو موجب لغسل الجمعة مع أنه ليس بمانع من الصلاة.

(٦) وهو النجاسة ، وفرق بين الحدث والخبث بأن الأول لا يدرك بالحس بخلاف الثاني ، وأن الأول يتوقف رفعه على النية بخلاف الثاني.

(٧) قال الشارح : «ويجوز ضم العين فيهما ككرم يكرم ، نص عليه في القاموس».

(٨) بجميع أقسامه حتى الجاري المعتصم بالكرية.

__________________

(١ و ٢) مستدرك الوسائل الباب ـ ٥ ـ من أبواب التيمم حديث ٣ و ٨.

٣٠

(بالتغير بالنجاسة) (١) في أحد أوصافه الثلاثة : ـ اللون ، والطعم ، والريح ـ دون غيرها من الأوصاف (٢).

واحترز بتغيره بالنجاسة عما لو تغير بالمتنجس خاصة (٣) ، فإنه لا ينجس بذلك (٤) ، كما لو تغير طعمه بالدبس المتنجس من غير أن تؤثر نجاسته فيه (٥) ، والمعتبر من التغير الحسي لا التقديري على الأقوى (٦).

______________________________________________________

(١) بلا خلاف فيه للأخبار.

منها : ما رواه المحقق في المعتبر قال عليه‌السلام : (خلق الله الماء طهورا لا ينجسه شي‌ء إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) (١) وخبر الدعائم عن أمير المؤمنين عليه‌السلام (في الماء الجاري يمرّ بالجيف والعذرة والدم يتوضأ منه ويشرب منه ما لم يتغير أوصافه طعمه ولونه وريحه) (٢) وخبر الغوالي عن مجموعة ابن فهد (وروي متواترا عنهم عليهم‌السلام قالوا : الماء طهور لا ينجسه إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) (٣).

(٢) كالخفة والثقل والكدورة والغلظة والرقة ، لحصر الأخبار المتقدمة من كون التغير بالأوصاف الثلاثة هو مناط التنجس.

(٣) لانصراف أخبار التغير إلى نجس العين كالميتة والدم والعذرة.

(٤) أي فالمعتصم لا ينجس بملاقاة المتنجس.

(٥) وإلا لو أثرت لصدق التغير بملاقاة النجس فتشمله أخبار التغير المتقدمة ، وإن كانت الملاقاة بواسطة ملاقاة المتنجس.

(٦) المراد من الحسي هو الفعلي وعليه المشهور ، ودليلهم بأن التغير الوارد في الأخبار كغيره من العناوين لا بد من حمله على الفعلية ، وعن العلامة والمحقق الثاني الاكتفاء بالتقديري لأن التغير فيه حقيقي ، غير أنه مستور لم يظهر لمانع ، بل في الحدائق نسبته إلى قطع المتأخرين من دون خلاف ظاهر معروف بينهم ، وهو الحق لأن التغير مقطوع به فيندرج تحت إطلاق أخبار التغير ، وعدم ظهوره للحس للمانع لا لعدم وجوده.

وإليه يرجع تفصيل المحقق الخونساري بين الصفات العارضة على الماء كالمصبوغ بالأحمر فيما لو لاقى مقدارا من الدم فيعتبر فيه التقدير ، وبين الصفات الأصلية كالمياه الكبريتية ذات الألوان فيما لو لاقت مقدارا من الدم فلا يعتبر فيها التقدير لاحتمال عدم ـ

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٩.

(٢ و ٣) مستدرك الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١ و ٨.

٣١

(ويطهر بزواله) أي زوال التغير ولو بنفسه أو بعلاج(إن كان) الماء(جاريا) (١) وهو (٢) النابع من الأرض مطلقا (٣) غير البئر (٤) على المشهور (٥).

واعتبر المصنف في الدروس فيه دوام نبعه (٦) ،

______________________________________________________

ـ تأثرها بالنجاسة واقعا ، بخلاف الشق الأول فإنه متأثر بالنجاسة واقعا ولم يظهر التأثر للمانع.

هذا وقد علّق الشارح بقوله : «والمراد من التغيّر التقديري أنه لو وقعت في الكر أو في الجاري نجاسة مسلوبة الأوصاف ، وجب اعتبارها مخالفة في الصفات فإن كانت هي بحيث لو قدرت مخالفة الصفات لكانت متغيرة بأحد أوصافه (كذا) (١) حكم بنجاسة الماء ، وإنما قلنا وجب التقدير حينئذ لأن عدم وجوبه يؤدي إلى جواز استعماله وإن زادت النجاسة على الماء أضعافا ، وهو ظاهر البطلان ، ويحتمل عدم التنجيس على هذا التقدير لعموم النص».

(١) طهارة الماء الجاري بزوال التغير للتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام (ماء البئر واسع لا يفسده شي‌ء إلا أن يتغير ريحه أو طعمه فينزح حتى يذهب الريح ويطيب طعمه لأن له مادة) (٢).

(٢) أي الجاري.

(٣) سواء جرى أم لا ، والجاري هو المتقوم بالنبع وبالجريان بحسب طبعه وإن لم يجر في بعض الحالات.

(٤) هو الماء النابع من الأرض إلا أنه لا يجري بحسب الطبع وإن جرى في بعض الحالات خصوصا عند غزارة المطر ، وهو المسمى بالعين في بلادنا في هذه الأزمنة.

(٥) قيد للحكم بطهارة الجاري لو زال بالتغير ، وفي قباله قول العلامة باشتراط كرية الجاري ، وقول الشهيد باشتراط دوام النبع.

(٦) أي في الجاري ، هذا وقال الشارح في روض الجنان : «لا فرق في الجاري بين دائم النبع صيفا وشتاء وبين المنقطع أحيانا لاشتراكهما في اسم النابع والجاري حقيقة ـ إلى أن قال ـ وفرّق الشهيد في الدروس بين دائم النبع وغيره» ، والحق مع الشهيد الأول لأنه إذا انقطع النبع فلا تكون له مادة حتى يتمسك بالتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع المتقدم.

__________________

(١) كذا في الأصل ، والأصح : لكانت مغيّرة لأحد أوصافه.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١٢.

٣٢

وجعله (١) العلامة وجماعة كغيره (٢) ، في انفعاله بمجرد الملاقاة مع قلّته (٣) ، والدليل النقلي يعضده (٤) ، وعدم طهره (٥) بزوال التغير مطلقا (٦) ، بل بما نبّه عليه بقوله (أو لاقى كرّا) (٧) ، والمراد (٨) أن غير الجاري لا بد في طهره مع زوال التغير من ملاقاته كرّا طاهرا بعد زوال التغير ، أو معه (٩) ، وإن كان إطلاق العبارة قد يتناول ما ليس بمراد وهو (١٠)

______________________________________________________

ـ وبعد بيان الشهيد الثاني لمراد الأول من دوام النبع لا داعي للخلاف الواقع بين الفقهاء في تحديد المراد حتى قال صاحب الجواهر : «وليته اتضح لنا ما يريده بهذه العبارة».

(١) أي جعل الجاري.

(٢) كغير الجاري.

(٣) إذا كان الجاري دون الكر وإن دام نبعه.

(٤) اشترط العلامة في أكثر كتبه والشارح في المسالك والروض أيضا اعتبار الكرية في اعتصام الجاري تمسكا بعموم ما دل على انفعال القليل ، مثل صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (إذا كان الماء قدر كرّ لم ينجّسه شي‌ء) (١) ومفهومه نجاسة القليل إذا لاقته النجاسة ، وهو يشمل الجاري. ولم يشترط المشهور في الجاري كريته تمسكا بالتعليل الوارد في صحيح ابن بزيع المتقدم (لأن له مادة) (٢) وهو شامل للجاري سواء كان كرا أم لا ، والحق مع المشهور لأن ظهور التعليل في العموم أقوى من ظهور العام في أفراده خصوصا إذا كان العام مستفادا من المفهوم.

(٥) أي عدم طهر الجاري القليل وإن دام نبعه على قول العلّامة.

(٦) بنفسه أو بعلاج.

(٧) فيطهر لما دل على عدم انفعال الكر بملاقاة النجس فضلا عن المتنجس ، وسيأتي بحثه إنشاء الله تعالى.

(٨) من عطف ملاقاة الكر على طهارة الماء الجاري بزوال التغير.

(٩) أي مع زوال التغير.

(١٠) أي غير المراد.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٣ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١٢.

٣٣

طهره (١) مع زوال التغير ، وملاقاته الكر كيف اتفق (٢) ، وكذا الجاري على القول الآخر (٣). ولو تغير بعض الماء وكان الباقي كرا (٤) طهر المتغير (٥) بزواله (٦) أيضا كالجاري عنده (٧) ، ويمكن دخوله (٨) في قوله : «لاقى كرا» لصدق ملاقاته للباقي (٩) ونبّه بقوله : «لاقى كرا» على أنه (١٠) لا يشترط في طهره (١١) به (١٢) وقوعه عليه (١٣) دفعة (١٤) كما هو المشهور بين المتأخرين ، بل تكفي ملاقاته له

______________________________________________________

(١) طهر غير الجاري.

(٢) ولو كانت الملاقاة قبل زوال التغير ، مع أنه يشترط في تطهير القليل ملاقاته للكر بعد زوال التغير أو معه لا قبله.

(٣) وهو قول العلامة ، فلا يطهر الجاري القليل بملاقاة الكر قبل زوال التغير ، مع أن عبارة الماتن تشمله.

(٤) بحيث لو تغيّر طرف من الحوض فينجس إلا أن الباقي من الحوض لو كان كرا فمع زوال التغير لا بد من الحكم بطهارة الجميع ، لأن الطرف المتنجس متصل بالكر والكر لا يحمل خبثا.

(٥) أي الطرف المتغير من الماء.

(٦) بزوال التغير.

(٧) عند المصنف ، غايته الجاري يطهر عند المصنف بعد زوال التغير لأن له مادة ، ومقامنا يطهر لأنه متصل بالكر.

(٨) أي دخول الطرف المتغير من الماء لو زال تغيره.

(٩) أي لصدق ملاقاة الكر للباقي.

(١٠) أن الشأن والواقع.

(١١) في طهر القليل.

(١٢) بالكر.

(١٣) أي وقوع الكر على القليل.

(١٤) اتفق الجميع على أن الماء الواحد له حكم واحد لا حكمان ، وعليه فلو اتصل الكر بالباقي المتنجس بعد زوال التغير فيكون الجميع ماء واحدا ، وله حكم واحد وهو الاعتصام فلا بد أن يطهر القليل حينئذ.

إلا أنهم اختلفوا في ما يحقق الوحدة بين الماءين ، فذهب المشهور إلى اشتراط وقوع الكر على القليل دفعة ، وإلى اشتراط الامتزاج حتى تصدق الوحدة والمراد بالدفعة الدفعة العرفية لا العقلية المتحققة في زمن واحد لتعذرها لامتناع ملاقاة أجزاء الكر ـ

٣٤

مطلقا (١) ، لصيرورتهما بالملاقاة ماء واحدا ، ولأن الدفعة لا يتحقق لها معنى ، لتعذّر الحقيقة ، وعدم الدليل على العرفية (٢) ، وكذا لا يعتبر ممازجته له (٣) ، بل يكفي مطلق الملاقاة لأن ممازجة جميع الأجزاء لا تتفق ، واعتبار بعضها دون بعض تحكّم ، والاتحاد (٤) مع الملاقاة حاصل.

ويشمل إطلاق الملاقاة (٥) ما لو تساوى سطحاهما (٦) واختلف ، مع علو المطهّر على النجس وعدمه (٧) ، والمصنف(رحمه‌الله) لا يرى الاجتزاء بالإطلاق في باقي كتبه (٨) ، بل يعتبر الدفعة ، والممازجة ، وعلو المطهر ، أو مساواته (٩) ، واعتبار الأخير ظاهر (١٠) دون الأولين (١١) إلا مع عدم صدق الوحدة عرفا (١٢).

(والكرّ) المعتبر في الطهارة (١٣)

______________________________________________________

ـ للماء المتنجس في زمن واحد.

وذهب البعض منهم الشهيد الأول في الذكرى إلى عدم اشتراط الدفعة وعدم اشتراط الامتزاج ، بل يكفي مطلق الاتصال بين الماءين حتى تصدق الوحدة قضاء للمعنى العرفي لها وهو الحق.

(١) أي تكفي ملاقاة الكر للقليل سواء كان دفعة أو لا.

(٢) إذ لم يرد لفظ الدفعة في خبر ، بل اشتراط الدفعة العرفية عند المشهور من أجل تحقيق الوحدة بين الماءين ، وقد عرفت تحقيقها بالاتصال.

(٣) أي ممازجة الكر للقليل في التطهير.

(٤) بين الماءين.

(٥) في قول المصنف : أو لاقى كرا.

(٦) سطح الكر وسطح القليل.

(٧) عدم العلو.

(٨) كيف ، وفي الذكرى لم يشترط الدفعة أصلا.

(٩) باعتبار أن الأعلى لا يتقوم بالأسفل فلو كان القليل أعلى من الكر فلا يطهر القليل ولو اتصل به ، وفيه : إن الاتحاد بين الماءين معنى عرفي والعرف حاكم بالاتحاد في جميع الصور بشرط الاتصال بينهما.

(١٠) أي اعتبار علو المطهر أو مساواته.

(١١) من الدفعة والممازجة.

(١٢) فيشترط حينئذ الدفعة والامتزاج حتى تصدق الوحدة.

(١٣) في تطهير القليل.

٣٥

وعدم الانفعال بالملاقاة (١) هو : (ألف ومائتا رطل) (٢) بكسر الراء على الأفصح ، وفتحها على قلة(بالعراقي) ، وقدره (٣) مائة وثلاثون درهما على المشهور فيهما (٤) ،

______________________________________________________

(١) مع عدم تغيّر أحد أوصافه.

(٢) لمرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الكر من الماء الذي لا ينجسه شي‌ء ألف ومائتا رطل) (١).

واختلف الأصحاب في تعيين الرطل ، فالمشهور أنه بالعراقي ، وذهب الصدوقان والمرتضى أنه بالمدني ، ودليل المشهور أن الرطل العراقي كان شائعا في البلاد فلذا يحمل الخبر عند إطلاقه عليه ، ويدل على الشيوع خبر النسابة الكلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام عند ما سأله عن الشن الذي ينبذ فيه التمر للشرب والوضوء (قلت : وكم كان يسع الشن ماء؟ قال : ما بين الأربعين إلى الثمانين إلى ما فوق ذلك ، فقلت : بأي الأرطال؟ فقال : أرطال مكيال العراق) (٢) فلو لم يسأله السائل فقد أطلق الرطل وأراد منه العراقي ، وهذا دليل على شيوعه.

وحمله على العراقي هو مقتضى الجمع بين مرسلة ابن أبي عمير المتقدمة وبين صحيح محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام (الكر ستمائة رطل) (٣) ، وإذا عرفت أن العراقي نصف المكي فيتعين حمل الرطل في مرسلة ابن أبي عمير على العراقي وحمله في صحيح ابن مسلم على المكي.

ودعوى أن الرطل في المرسلة لا بد من حمله على المدني باعتبار عرف المتكلم الذي هو المعصوم في المقام كما هو مستند غير المشهور ليس في محلها ، لأن عرف المخاطب أولى بالتقديم بالإضافة إلى عدم إحراز صدور الخبر من الإمام وهو بالمدينة فلعله قد صدر منه وهو بالعراق.

(٣) أي قدر الرطل العراقي وهو مائة وثلاثون درهما على المشهور ، وعن العلّامة في التحرير والمنتهى أنه مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم.

(٤) في العراقي وقدره ، وقال الشارح في الهامش «مقابل المشهور أمران :

أحدهما : أنه بالمدني وهو مائة وخمسة وتسعون درهما.

__________________

(١) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١.

(٢) الوسائل الباب ـ ٢ ـ من أبواب الماء المضاف حديث ٢.

(٣) الوسائل الباب ـ ١١ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٣.

٣٦

وبالمساحة (١) ما بلغ مكسره اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر مستو الخلقة على المشهور (٢) ، والمختار عند المصنف ، وفي الاكتفاء بسبعة وعشرين قول قوي (٣).

______________________________________________________

ـ الثاني : إن العراقي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم ، وقد اختاره العلامة في التحرير في تقدير نصاب زكاة الغلة».

(١) هذا هو التحديد الثاني للكر.

(٢) ومستندهم خبر أبي بصير : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الكر من الماء ، كم يكون قدره؟ قال : إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه في الأرض ، فذلك الكر من الماء) (١).

وخبر الحسن بن صالح الثوري عن أبي عبد الله عليه‌السلام (قلت : وكم الكر؟ قال عليه‌السلام : ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها) (٢).

ونوقش بأن الأول ضعيف لاشتماله على أحمد بن محمد بن يحيى وهو مجهول ، وعلى عثمان بن عيسى وهو واقفي ، وعلى أبي بصير وهو مشترك بين الثقة وغيره.

وردّ : بأن أحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الرواية وهو في غنى عن التوثيق كما في المستند ، وعثمان بن عيسى وإن كان واقفيا إلا أنه ثقة كما عن الكشي ، ونقل الشيخ في العدة الإجماع على العمل بروايته ، وأبو بصير هو ليث المرادي الثقة بدليل رواية ابن مسكان عنه ، فالخبر موثق فضلا عن اعتماد المشهور عليه في مقام العمل الجابر لضعف سنده ، نعم الثاني ضعيف لاشتماله على الثوري وهو ضعيف بلا كلام.

ونوقش الخبران بعدم ذكر البعد الثالث وهو الطول ، فيتعين حملهما على المدوّر حيث لم يذكر الإمام إلا العمق والعرض بمعنى السعة فيكون مكسرة ثلاثة وثلاثين شبرا ، وخمسة أثمان الشبر ونصف ثمنه ، بالإضافة إلى أن المربع نادر الوقوع في الأوعية لأن الغالب فيها هو المدوّر.

وردّ النقاش بأن الحمل على المدوّر حمل على ما لا يعرفه إلا علماء الهيئة مع أن المقصود هو معرفة غالب الناس وهم لا يجهلون المربع ، وعدم ذكر البعد الثالث لا يضر لتعارف حذفه.

(٣) لخبر إسماعيل بن جابر : (سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الماء الذي لا ينجسه شي‌ء فقال : كر ، فقلت : وما الكر؟ فقال : ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) (٣) وقد وصف الخبر ـ

__________________

(١ و ٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٦ و ٥.

(٣) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ٤ و ٣.

٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ بالصحة من زمن العلّامة كما عن الشيخ البهائي ، وذلك لأن الشيخ قد رواه في الاستبصار عن عبد الله بن سنان ، ورواه في التهذيب تارة عن عبد الله وأخرى عن محمد بن سنان ، والكليني قد رواه عن ابن سنان ، واستظهر أنه محمد الضعيف لا عبد الله الثقة الممدوح ، مع أنه لو سلم أنه محمد فهو ثقة كما نصّ عليه غير واحد منهم الوحيد البهبهاني فهو موثق أو صحيح ولخبر المقنع (روي أن الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر) (١) والذراع شبر بحسب الوجدان.

وإليه ذهب القميون والصدوق والعلّامة في المختلف والمحقق الثاني والعلامة المجلسي والشهيد الثاني والمحقق الأردبيلي وغيرهم ، بل نقل عن كاشف الغطاء : الإنصاف ترك الأنصاف.

وذهب جماعة منهم سيد المدارك إلى أن الكر ما يكون مكسره ستة وثلاثين شبرا لصحيح إسماعيل بن جابر : (قلت لأبي عبد الله عليه‌السلام : الماء الذي لا ينجسه شي‌ء؟ قال : ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته) (٢) بعد حمل السعة على العرض ولم يذكر الطول لأنه مواز للعرض بعد تعارف حذف أحدهما عند تساويهما فيكون مربعا ، والمجموع ما ذكرنا.

وبعضهم حمل الخبر على المدوّر بقرينة السعة ، إذ السعة هو قطر الدائرة بعد تعارف وغلبة المدور في أوعية الماء فيكون المكسر ثمانية وعشرين شبرا واثنين من سبعة من الشبر ، وهو قريب من قول السبعة والعشرين.

وذهب القطب الراوندي إلى أن الكر ما بلغ مجموع أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصف ولم يعتبر التكسير بل جمع الطول مع العرض مع العمق ، وهو ضعيف إذ ظاهر الخبر في الضرب لا في الجمع.

وذهب ابن الجنيد إلى أن الكر ما بلغ مائة شبر ، وقد صرح أكثر من واحد بعدم الوقوف له على مأخذ ، وذهب ابن طاوس إلى الاكتفاء بكل ما روي ، وهو راجع إلى تحقق الكر بسبعة وعشرين شبرا وبحمل الزائد على الندب.

والتحقيق يقتضي أن الكر قد حدّد في الأخبار بحدين ، بالوزن وبالمساحة ، وهما غير ـ

__________________

(١) المصدر السابق.

(٢) الوسائل الباب ـ ١٠ ـ من أبواب الماء المطلق حديث ١.

٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

ـ متفقين فحكي عن الأمين الأسترآبادي أنه وزن ماء المدينة فبلغ ستة وثلاثين شبرا تقريبا ، وعن المجلسي في مرآة العقول أنه وزنه فوافق ثلاثة وثلاثين شبرا تقريبا ، وعن بعض الأعاظم كما في المستمسك أنه وزن ماء النجف فبلغ ثمانية وعشرين شبرا ، وفي التنقيح للسيد الخوئي أنه وزنه مرارا فبلغ سبعة وعشرين شبرا.

فلا بد من كون أحد الحدين حقيقيا والآخر تقريبيّا ، والحقيقي هو الوزن لضبطه ، واعتمد على التقريبي لسهولة معرفة المساحة عند غالب الناس.

وتحمل أخبار المساحة المختلفة على كون الإمام عليه‌السلام بصدد تقريب الكر للسامع فإن كان شبره قصيرا حدده له بثلاثة أشبار ونصف ، وإن كان شبره متعارفا حدده بثلاثة أشبار ، ولذا اختلفت أخبار المساحة عنهم عليهم‌السلام وإلا فالأقوى العمل بأخبار الأشبار الثلاثة لموافقتها للوزن بالجملة خصوصا إذا حملنا صحيح إسماعيل بن جابر على المدور فإنه قريب من السبعة والعشرين شبرا.

فائدة : الكر الف ومائتا رطل ، والرطل العراقي مائة وثلاثون درهما فالحاصل مائة وستة وخمسون ألف درهم.

وكل عشرة دراهم تساوي سبعة مثاقيل شرعية ، لأن الدرهم نصف مثقال وخمسه ، فيكون الكر بالمثاقيل الشرعية : مائة ألف وتسعة آلاف ومائتي مثقال شرعي.

والمثقال الشرعي ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي فالكر بالصيرفي واحد وثمانون ألف وتسعمائة مثقال صيرفي.

والمثقال الصيرفي يساوي أربعة وعشرين حبة حمص ، والحمصة وزنها (٢ و ٠) من الغرام ، أي كل خمس حبات تساوي غراما ، فالمثقال الصيرفي ٨ و ٤ غرامات والكر يساوي (١٢٠ و ٣٩٣) كيلوغرام حاصلة من ضرب ٨١٩٠٠ مثقال صيرفي في ٨ و ٤ غرامات وزن كل مثقال.

ومن هنا تعرف اشتباه الكثير في وزن الكر ، فعن بعضهم أنه (٣٨٤) كيلوغرام إلا عشرين مثقالا ، وعن آخر أنه (٤١٩ و ٣٧٧) كيلوغرام ، وعن ثالث أنه (٣٧٧) كيلوغرام تقريبا.

ومن جهة أخرى إن معرفة وزن الدينار والدرهم الشرعيين أمر لا بد منه في هذه الأزمنة لدخالتهما في باب الديات وكفارة الحيض ومهر السنة واللقطة وغير ذلك.

فالدينار الشرعي هو المثقال الشرعي الذي يساوي ثلاثة أرباع الصيرفي ، فإذا كان ـ

٣٩

(وينجس) الماء(القليل) (١) وهو ما دون الكر ، (والبئر) وهو مجمع ماء

______________________________________________________

ـ الصيرفي (٨ و ٤) غرامات فالشرعي (٦ و ٣) غرامات ، وعن السيد الأمين في الدرة البهية أن الليرة العثمانية المتعارفة تعادل مثقالين شرعيين ، ولا بد من التجربة لاختلاف الوزن في المسكوكات الذهبية في هذه الأعصار.

والدرهم الشرعي هو (٥٢ و ٢) غراما ، لأن نسبة الدرهم إلى الدينار هي سبعة من عشرة ، والدرهم الصيرفي هو (٢ و ٣) غراما لأن كل مثقال صيرفي درهم ونصف.

هذا وقد علّق الشارح في هامش الروضة بقوله : «للكر عند أصحابنا تقديران ، وزنا ومساحة ، أما الأول فادعى الاتفاق جماعة على ما ذكره المصنف ، وإنما الخلاف في المراد من الرطل ، أهو العراقي أو المدني ، والأصل فيه رواية ابن أبي عمير عن بعض أصحابه.

وحجة معتبر العراقي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام أن الكر ستّمائة رطل والمراد منه رطل مكة للإجماع على عدم إرادة العراقي والمدني من هذا القدر ، والمكي رطلان.

وأما الثاني فللأصحاب فيه أقوال ، ذكر الشيخ (قدس‌سره) أن المشهور اثنان وأربعون شبرا وسبعة أثمان شبر كذا استفيد».

ثم علّق على مكسر الكر بقوله : «وطريقه أن تأخذ الطول ثلاثة أشبار ونصفا فنضربها في الثلاثة من العمق تبلغ عشرة ونصفا ، ثم نضرب النصف المتخلف من العمق في ثلاثة ونصف تبلغ (شبرين) (١) إلا ربعا ، فتكمل اثني عشر وربعا ، فنضربها في ثلاثة من العرض تبلغ ستة وثلاثين شبرا وثلاثة أرباع شبر ، ثم نضرب النصف الباقي من العرض في اثني عشر وربع تبلغ ستة وثمنا ، فإذا أضفتها إلى المرتفع يبلغ الجميع اثنين وأربعين شبرا وسبعة أثمان شبر».

(١) ينجس القليل بملاقاة النجس وإن لم تتغير أوصافه ولم يخالف في ذلك إلا ابن أبي عقيل من القدماء ، والكاشاني والفتوني من المتأخرين ، والأخبار على تنجسه بالملاقاة كثيرة حتى ادعى صاحب المعالم والعلّامة المجلسي والبهبهاني تواترها ، بل في الرياض (جمع منها بعض الأصحاب مائتي حديث) ، وعن بحر العلوم في مجلس بحثه أنها تزيد على ثلاثمائة رواية.

__________________

(١) ما بين المعقوفتين غير موجود في الأصل ، والمعنى يقتضيه.

٤٠