تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٠

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]

تاريخ مدينة دمشق - ج ٦٠

المؤلف:

أبي القاسم علي بن الحسن ابن هبة الله بن عبد الله الشافعي [ ابن عساكر ]


المحقق: علي شيري
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٤٧٨
الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٢ الجزء ٣٣ الجزء ٣٤ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١ الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠

خلف الشيرازي ، أنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين السلمي قال : سمعت منصور بن عبد الله الأصبهاني يقول : سمعت إبراهيم بن المولّد يقول : دخلت على إبراهيم القصّار وهو يبكي ، فقلت له : ما لك؟ فقال : تذكرت أيامي التي كنت فيها في محل البسط ، وحال الأنس ، وقيامي ببعض ما أوجب الله عليّ من حقوقه ، ففترت وعجزت ، وأنا أدافع النهار بالليل ، والليل بالنهار ، وأخشى أن أكون قد سقطت من عين الله عزوجل ، فبعدني (١) من بابه ، وصرت من المطرودين ، وأنشأ يقول :

إذا كنت تجفوني وأنت ذخيرتي

وموضع شكواي فما أنا صانع

نهاري نهار الناس حتى إذا بدا (٢)

لي الليل هرّتني (٣) إليك المضاجع

أقضّي نهاري بالحديث وبالمنى

وتجمعني والهمّ بالليل جامع

أخبرنا أبو النجم بدر بن عبد الله ، أنا أبو بكر (٤) أحمد بن علي (٥) ، أنا أحمد بن علي المحتسب ، أنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين النيسابوري قال : سمعت منصور بن عبد الله يقول : سمعت أبا جعفر سعيد بن تركان بدمشق يقول ، فذكر عنه حكاية تقدمت في ترجمة سعيد.

٧٦٦٧ ـ منصور بن عفيف أبو الفتح الإسكندري الفقيه

سمع بدمشق : أبا القاسم بن أبي العلاء سنة ست وسبعين وأربعمائة.

قال لنا أبو عبد الله محمّد بن المحسّن بن أحمد السلمي في ذكر جماعة عرف أدبهم وفضلهم وتميّزهم ولم يحفظ عنهم شيئا قدموا دمشق منهم الفقيه أبو الفتح الإسكندري. [قال](٦) الحسن بن صاعد في الفقيه الإسكندري :

فقيه يعدّ من الحاشية

فحالته بيننا ما شية

إذا ما أتى مقبلا نحونا

لقيناه بالحف والعاشية

فيدخل حاما بنا مونسة

ويخرج مقتصر الحاشية

__________________

(١) بالأصل : فيبعدني ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.

(٢) كذا بالأصل ، و «ز» ، وم ، وفي المختصر ود : دجا.

(٣) الأصل : هزتني ، والمثبت عن م ود ، و «ز».

(٤) بالأصل : أبو عبد الرحمن بكر.

(٥) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٩ / ١٠٨ في ترجمة سعيد بن تركان الصوفي.

(٦) زيادة منا ، سقطت من الأصل ود ، و «ز» ، وم.

٣٢١

فعرنينه أبدا سبعه

وقرناه في ذروة الشاشية

وليس من المعز يرعى الحشيش

ولكن لقرنيه فيها شية

ولصاعد فيه ، يشبه عمامته :

مقموطة الأرحاء مخرومة

كأنها ملصقة الحبر

٧٦٦٨ ـ منصور بن علي (١) بن منصور بن طاهر بن محمّد بن إسحاق

أبو الحسين الهروي الواعظ

حدّث بدمشق ومعرة النعمان عن أبي علي أحمد بن محمّد بن منصور الخالدي ، والقاضي أبي منصور محمّد بن محمّد الأزدي الواعظ ، وأبي الحسين أحمد بن عبد الله بن بشر المزني.

روى عنه أبو بكر السلمي الحدّاد ، والقاضي أبو غانم عبد الرزّاق بن عبد الله بن المحسّن بن عمرو التنوخي المعري.

وذكر أنه من ولد خالد بن الوليد ، وليس كذلك ، وإنما هو من ولد خالد بن أحمد الذهلي أمير خراسان.

أنبأنا أبو محمّد بن صابر ، أنا أبو القاسم نصر بن أحمد الهمداني المعلّم ، أنا أبو بكر محمّد بن علي بن محمّد السّلمي قال : قرأت على أبي الحسن منصور بن علي بن منصور (٢) ابن خالد بن عبد الله الخالدي من أولاد خالد بن الوليد قلت له : أخبركم أبو علي أحمد بن محمّد بن منصور الخالدي ، نا أبو محمّد بن علي بن دحيم ، نا علي بن حرب ، نا محمّد بن فضيل ، نا عمارة بن القعقاع ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن أبي هريرة قال :

قال رجل : يا رسول الله ، أي الصدقة أعظم أجرا؟ قال : «أن تصدق وأنت صحيح ، شحيح ، تأمل الغنى ، وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ، ولفلان كذا».

__________________

(١) كذا وردت هذه الترجمة هنا قبل ترجمة منصور بن علوان ، وحقها أن تتأخّر إلى ما بعدها ، تركناها هنا حسب ما وضعها المصنف ، لكنه عمد إلى تكرار قسم منها بعد ترجمة منصور بن علوان ، ولعله انتبه إلى أنه قد وضعها قبل ترجمة ابن علوان ، فتوقف ، ولم يكملها ، ولم يشطبها.

(٢) إلى هنا اقتصرت الترجمة في د وبعدها فقط : «الخالدي ، أنا أبو بكر محمد» ولم يزد ، وانتقل فورا إلى ترجمة منصور بن عمار بن كثير. وإلى هنا سيكرر المصنف هذه الترجمة بعد الترجمة التالية ، راجع الحاشية السابقة.

٣٢٢

قال أبو علي الخالدي : سمعت ابن المبرد وهو ينشد في هذا المعنى :

أمهد لنفسك في الحياة فإنّما

يبقى غناك لمصلح أو مفسد

فإذا جمعت لفاسد لم يبقه

وأخو الصلاح قليله يتزيد

أنبأنا أبو البيان محمّد بن عبد الرّزّاق بن أبي حصن ، أنا أبي أبو غانم عبد الرّزّاق بن أبي حصن المعري ، نا أبو الحسين منصور بن علي بن منصور بن طاهر بن محمّد بن إسحاق الواعظ الهروي في مجلس أبي بمعرّة (١) النعمان (٢) نزل وهو راجع عن الحجّ سنة خمس وعشرين وأربعمائة نا الشيخ الفاضل أبو علي أحمد بن محمّد بن منصور بن خالد بن عبد الله الخالدي من أولاد خالد بن الوليد ، نا أبو علي إسماعيل بن محمّد الصفّار ، نا الحسن بن عرفة ، نا روح بن عبادة ، نا حجّاج الصوّاف ، عن أبي الزّبير ، عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنّة» [١٢٤٧٣].

٧٦٦٩ ـ منصور (٣) بن علوان بن وهبان أبو الفتح السّلمي الصّيداوي المؤدّب

أصله من البصرة ، سكن دمشق ، وكان يؤدّب بها في طرف مسجد سوق الأحد.

وكان أديبا حاسبا ، وله شعر حسن ، وكان كثير التبذّل (٤) مديما لحضور مقام المصارعين والجلوس في حلق الطرقيين ، حدّثني أبو الوحش الصّيداوي الشاعر أنه ولد بصيدا سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ، وأنه كان مذهبه مذهب أهل السّنّة ، منتحلا لمذهب الشافعي ، وأنشدني له :

لو أنّ لي مالا وجاها لما

قصّر في إكرامي الناس

لكنها الأيام لمّا سطت (٥)

ومسّني ضرّ وإفلاس

رماني الدهر بأحداثه

كأنّني للدّهر برجاس (٦)

__________________

(١) بالأصل : معرة ، والمثبت عن «ز» ، وم.

(٢) معرة النعمان : مدينة مشهورة كبيرة من أعمال حمص بين حلب وحماه (معجم البلدان).

(٣) سقطت هذه الترجمة بكاملها من د.

(٤) بدون إعجام بالأصل وم و «ز» ، أعجمت اللفظة عن المختصر.

(٥) الأصل : شطت ، والمثبت عن «ز» ، وم.

(٦) البرجاس بالضم ، والعامة تكسره : شبه الأمرة ينصب من الحجارة ، والبرجاس : غرض في الهواء على راس رمح ونحوه يرمى به. قال الجوهري : مولد (تاج العرس : برجس).

٣٢٣

وأظهر الإخوان لي جفوة

وبان لي من برّهم بأس

إن غبت لا يسأل عني

وإن حضرت لا يرفع لي راس

أنشدنا أبو منصور سعد الله بن محمّد ، أنشدنا أبو الفتح لنفسه :

كتبت وقد قدمت من قبل عدة

من الكتب تنبي عن ضميري وعن جهري

أخبر ما ألفي من الشوق راجيا

جوابا يجلي ظلمة الهمّ عن فكري

وأخدع قلبي وهو يهفو إليكم

اشتياقا ولو لا خدعي طار عن صدري

وإنّي وإن أسهبت في [شكر فضلكم](١)

لمعترف بالعجز عن واجب الشكر

وغاية آمالي ومن لي بنيلها

وسعدي ورشدي لو وقفت على سطر

وأنشدنا له :

وجمال وجهك والكمال وما به

فضلت من طرف على الظّرفاء

وشعاع تلك النار في وجناته

خلطت بأنظاره وبهاء

لا الماء محترق بحرّ ضرامها

والنار لا يطفّى ببرد الماء

توفي أبو الفتح ليلة النصف ، ودفن يوم النصف من شعبان سنة ستين وخمسمائة بدمشق (٢).

٧٦٧٠ ـ منصور بن عمّار بن كثير أبو السّري السّلمي الخراساني الواعظ (٣)

يقال إنه من أهل دندانقان (٤) ، ويقال : من أبيورد ، ويقال : من بوشنج ، ويقال : من أهل البصرة.

قدم دمشق ، وسمع بها : أبا الخطّاب معروفا الخيّاط ، وهقل بن زياد ، وبمصر : ليث بن

__________________

(١) الأصل : «فضل حبكم» ثم شطبت اللفظتان واستدرك على هامشه : «شكر فضلكم» وهو ما استدركناه ، ومثله في م ، و «ز».

(٢) بعدها كرر المصنف هنا بالأصل وم ، و «ز» جزء من ترجمة منصور بن علي أبي الحسين الهروي ، المتقدمة ، فحذفناها.

(٣) ترجمته في ميزان الاعتدال ٤ / ١٨٧ وحلية الأولياء ٩ / ٣٢٥ وتاريخ بغداد ١٣ / ٧١ والجرح والتعديل ٨ / ١٧٦ والتاريخ الكبير ٧ / ٣٥٠ وسير أعلام النبلاء ٩ / ٩٣ والكامل لابن عدي ٦ / ٣٩٣ والضعفاء الكبير للعقيلي ٤ / ١٩٣ والرسالة القشيرية (الفهارس).

(٤) دندانقان : بلدة من نواحي مرو الشاهجان على عشرة فراسخ منها في الرمل (معجم البلدان).

٣٢٤

سعد ، وعبد الله بن لهيعة وبغيرها : منكدر بن محمّد (١) بن المنكدر ، وبشير بن طلحة ، ومحمّد بن زياد قاضي شمشاط (٢).

روى عنه ابنه سليم بن منصور ، وعلي بن خشرم ، وأبو جعفر محمّد بن جعفر لقلوق البغدادي الأحول ، ويوسف بن عبد الله الحرّاني ، وزهير بن عبّاد الرّؤاسي ، وعبد الله بن سهيل مؤذن المتوكل ، وأحمد بن منيع البغوي ، ومنصور بن الحارث بن أبي منصور ، وعبد الرّحمن بن يونس الرقي ، وأحمد بن بشر الواسطي.

أخبرنا أبو عبد الله محمّد بن الفضل ، وأبو القاسم زاهر بن طاهر ، قالا : أنا أبو سعد محمّد بن عبد الرّحمن ، أنا السيّد أبو الحسن الهمداني ـ يعني ـ محمّد بن علي بن الحسين ، نا أحمد بن محمّد بن جعفر البزاز ، نا أحمد بن نصر الأنطاكي ، نا سليم بن منصور ، نا أبي ، نا ابن لهيعة عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أعيته المكاسب فعليه بمصر ، وعليه بالجانب الغربي منها» [١٢٤٧٤].

أخبرنا أبو غالب بن البنّا ، أنا أبو محمد الجوهري ، أنا أبو الحسن علي بن محمّد بن أحمد بن لؤلؤ ، نا أبو عبيد محمّد بن أحمد بن المؤمّل الناقد ، نا محمّد بن جعفر الأحول ، أنا منصور بن عمّار ، نا ابن لهيعة ، عن درّاج ، عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نهى عن السّباع ؛ [قال ابن عساكر](٣) : والسباع المفاخرة بالجماع (٤).

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو الحسين بن النّقّور ، أنا أبو طاهر المخلّص ، نا عبد الله بن منيع ، حدّثني جدي ـ يعني ـ أحمد بن منيع (٥) ، نا منصور بن عمّار ، نا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الخير ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كلّ طعام لا يذكر اسم الله عليه فإنّما هو داء ، ولا بركة فيه ، وكفّارة ذلك ـ إن كانت المائدة موضوعة ـ أن تسمّي وتعيد يدك ، وإن كانت قد رفعت أن تسمّي الله وتلعق أصابعك».

__________________

(١) ممحوة في د.

(٢) شمشاط : مدينة بالروم على شاطئ الفرات ، وهي محسوبة من أعمال خرتبرت.

(٣) زيادة منا.

(٤) جاء في تاج العروس : السباع : الجماع نفسه ، والسباع هو الفخار بكثرته وإظهار الرفث وبه فسر الحديث : نهي عن السباع. وقيل السباع المني عنه : التشاتم ، بأن يتسابّ الرجلان فيرمي كل واحد منهما صاحبه بما يسوؤه من القذع (مادة : سبع).

(٥) تحرفت بالأصل إلى : معين ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.

٣٢٥

أنبأنا أبو الحسين القاضي ، وأبو عبد الله الأديب ، قالا : أنا عبد الرّحمن بن محمّد ، أنا حمد ـ إجازة ـ.

ح قال : وأنا أبو طاهر ، أنا علي.

قالا : أنا ابن أبي حاتم قال (١) :

منصور بن عمّار صاحب المواعظ ، بغدادي ، روى عنه الليث بن سعد ، والهقل بن زياد ، وبشير بن طلحة ، روى عنه ابنه سليم بن منصور ، سمعت أبي يقول ذلك ، سئل أبي عن منصور بن عمّار؟ فقال : ليس بالقوي ، صاحب مواعظ.

قرأت على أبي الفضل محمّد بن ناصر ، عن جعفر بن يحيى ، أنا أبو نصر الوائلي ، أنا الخصيب بن عبد الله ، أخبرني عبد الكريم بن أبي عبد الرّحمن ، أخبرني أبي قال : أبو السّري منصور بن عمّار.

أخبرنا أبو الحسين علي بن أحمد ، نا ـ وأبو منصور محمّد بن عبد الملك ، أنا ـ الخطيب (٢) ، نا ـ محمّد بن علي الصوري ، أنا ـ محمّد بن عبد الرّحمن الأزدي ، نا عبد الواحد ابن محمّد بن مسرور ، نا أبو سعيد بن يونس قال.

وكتب إليّ أبو زكريا يحيى بن عبد الوهّاب ، وحدّثني أبو بكر اللفتواني عنه ، أنا عمّي أبو القاسم ، عن أبيه أبي عبد الله بن منده قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس :

منصور بن عمّار بن كثير السّلمي القاضي ، يكنى أبا السّري ـ زاد ابن منده : بصري وقالا : ـ قدم مصر ، وجلس يقصّ على الناس ، فسمع كلامه الليث بن سعد ، فاستحسن قصصه وفصاحته ، فذكر أن الليث قال له : يا هذا ، ما الذي أقدمك إلى بلدنا؟ ـ وقال ابن منده : بلادنا ـ قال : طلبت أكتسب بها ألف دينار ، فقال له الليث : فهي لك على ، رصين كلامك هذا الحسن ، ولا تتبذّل ، وقال ابن منده : ولا تبذّله ، فأقام بمصر في حملة الليث بن سعد وفي جرايته إلى أن خرج عن مصر ، فدفع إليه الليث ألف دينار ، ودفع إليه بنو الليث أيضا ألف دينار ، فخرج ، وسكن بغداد ، وبها توفي ـ زاد ابن منده : روى عنه من أهل مصر : سعيد بن عفير ، ويحيى بن بكير وغيرهما ، وقالا : ـ وكان قصصه ـ وقال ابن مسرور : في قصصه وكلامه شيئا عجبا ، لم يقصّ على الناس مثله.

__________________

(١) الجرح والتعديل ٨ / ١٧٦.

(٢) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٢.

٣٢٦

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا إسماعيل بن مسعدة ، أنا حمزة بن يوسف ، أنا أبو أحمد بن عدي (١) قال :

منصور بن عمّار أبو السّري ، منكر الحديث ، ومنصور بن عمّار رجل قد اشتهر بالوعظ الحسن ، وأنه دخل على الليث بن سعد فوعظه ، فأمر له بألف دينار ، وقال له : لا تعلم به ابني الحارث فتهون عليه ، وكان يعطى على الوعظ الحسن مال (٢) ، وأحاديثه كلها يشبه بعضها بعضا ، وعن كلّ من يروي ابن لهيعة وغيره ، فإنه يأتي عنهم بما يشبه حديث من روى عنهم ، وابن لهيعة ليّن في الحديث ، وغير ابن لهيعة الذي يروي عنه منصور ليس بالمشهور ، وأرجو أنه مع مواعظه الحسنة لا يتعمد الكذب ، وإنكار ما يرويه لعله من جهة غيره.

أنبأنا أبو جعفر محمّد بن أبي علي ، أنا أبو بكر الصفّار ، أنا أحمد بن علي بن منجويه ، أنا أبو أحمد قال :

أبو السّري منصور بن عمّار الواعظ ، أراه مصري الأصل ، سكن بغداد ، سمع الليث بن سعد ، والوليد بن مسلم ، روى عنه ابنه سليم ، ومحمّد بن أبي الحارث ، وروى عنه ابنه عن مشايخه أحاديث منكرة.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ الخطيب (٣) ، أنا أبو عبد الرّحمن إسماعيل بن أحمد النيسابوري الحيري.

ح وأنبأنا أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل الفارسي ، أنا أبو بكر بن يحيى بن إبراهيم.

قالا : أنا أبو عبد الرّحمن محمّد بن الحسين السلمي قال : منصور بن عمّار من أهل مرو ، من قرية يقال لها دندانقان ، ويقال : من أهل أبيورد ، ويقال : من أهل بوشنج ، انتهى حديث الحيري ، وزاد أبو بكر : دخل العراق وأقام بها ، أوتي الحكمة ، وقيل إنّ سبب ذلك أنه وجد رقعة في الأرض مكتوب عليها : بسم الله الرّحمن الرحيم ، فأخذها ، فلم يجد لها موضعا ، فأكلها ، فأري فيما يرى النائم كأن قائلا قال له : قد فتح الله عليك باب الحكمة باحترامك لتلك الرقعة ، فكان بعد ذلك يتكلم بالحكمة ، وكنية منصور بن عمّار أبو السّري.

__________________

(١) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ٦ / ٣٩٣ و٣٩٥.

(٢) بالأصل ، ود ، و «ز» ، وم : «قالا» والمثبت عن الكامل لابن عدي.

(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧١.

٣٢٧

أخبرنا أبو الحسن المالكي ، وأبو منصور بن خيرون ، قالا : قال لنا أبو بكر الخطيب (١) : منصور بن عمّار بن كثير (٢) أبو السّري السّلمي الواعظ ، من أهل خراسان ، وقيل : من أهل البصرة ، سكن بغداد وحدّث بها عن معروف أبي الخطاب صاحب واثلة بن الأسقع ، وعن ليث بن سعد ، وعبد الله بن لهيعة ، ومنكدر بن محمّد بن المنكدر ، وبشير بن طلحة ، روى عنه ابنه سليم ، وعلي بن خشرم ، ومحمّد بن جعفر لقلوق وغيرهم.

أخبرنا أبو المظفّر عبد المنعم بن القشيري ، قال : قال لنا أبي الأستاذ أبو القاسم (٣) : ومنهم أبو السّري منصور بن عمّار ، من أهل مرو ، من قرية دندانقان ، ويقال : إنه من بوشنج ، أقام بالبصرة ، وكان من الواعظين الأكابر.

قال منصور بن عمّار : من جزع من مصائب (٤) الدنيا تحولت مصيبته في دينه.

وقال منصور بن عمّار : أحسن لباس العبد التواضع والانكسار ، وأحسن لباس العارفين التقوى ، قال الله تعالى : (وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ)(٥).

وقيل : إن سبب توبته أنه وجد في الطريق رقعة مكتوب عليها : بسم الله الرّحمن الرحيم ، فأخذها (٦) ، فلم يجد لها موضعا فأكلها (٧) ، فأري في المنام كأن قائلا قال له : فتح [الله](٨) عليك باب الحكمة باحترامك لتلك الرقعة.

أنبأنا أبو المظفّر (٩) بن القشيري ، عن أبي سعيد محمّد بن علي بن محمّد ، أنا أبو عبد الرّحمن السلمي قال : قال أبو الحسن الدارقطني : منصور بن عمّار يحدّث عن الضعفاء ، وله أحاديث لا يتابع عليها (١٠).

أخبرنا أبو الحسن الغسّاني ، نا ـ وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ أبو بكر (١١) ، أنا محمّد

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٧١.

(٢) تحرفت بالأصل إلى : كبير ، والتصويب عن م ، و «ز» ، ود ، وتاريخ بغداد.

(٣) رواه القشيري في الرسالة القشيرية ص ٤٢٣ رقم ٥٥ (طبعة بيروت).

(٤) يعني بمصائب الدنيا فقدان الولد ، وهلاك المال ، والآلام والأمراض والأسقام.

(٥) سورة الأعراف ، الآية : ٢٦.

(٦) في الرسالة القشيرية : فرفعها.

(٧) استدركت على هامش م.

(٨) سقطت من الأصل ود ، و «ز» ، وم ، واستدركت عن الرسالة القشيرية ص ٤٢٤.

(٩) في د : «أخبرنا أبو الحسين المظفر ...».

(١٠) رواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ٩ / ٩٤.

(١١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٧ ـ ٧٨.

٣٢٨

ابن أحمد بن رزق ، أنا عثمان بن أحمد الدّقّاق ، نا محمّد بن أحمد بن (١) البراء ، أنا أحمد بن عمرو الضرير قال : قال منصور بن عمّار : قال أبو بكر : وأخبرني محمّد بن الحسين بن إبراهيم الخفّاف ، نا رواد وكرمون (٢) ابنا جراح بن صفوة بن صالح قالا : نا حفص بن عمر بن الخليل الحافظ ، حدّثني أبو حاتم محمّد بن إدريس الحنظلي بالريّ قال : سمعت إبراهيم بن منصور بن عمّار قال : سمعت أبي يقول :

قال لي رجل بالشام : يا أبا السّري ، عندنا رجل من العبّاد من أهل واسط العراق ، رجل لا يأكل إلّا من كدّ يده ، وقد دبرت (٣) من سفّ الخوص (٤) والاعتمال صفحة يديه ، ولو رأيته لوقذك النظر إليه ، فهل لك أن تمضي بنا إليه؟ قال : قلت : نعم ، فأتيناه ، فدفعنا عليه بابه ، فخرج إلى الباب ، فسمعته يقول : اللهمّ إنّي أعوذ بك ممن جاء ليشغلني عمّا (٥) أتلذذ به من مناجاتك ، ثم فتح الباب ، فدخلنا ، وإذا رجل يرى به الآخرة ، وإذا قبر محفور ، ووصيته قد كتبها في الحائط ، وكساؤه قد أعده لكفنه ، فقلت : أي موقف لهذا الخلق؟ قال : بين يدي من؟ قال : فصاح وخرّ لوجهه ، ثم أفاق من غشيته ، فقال له صاحبي : يا أبا عبّاد هذا أبو السّري منصور بن عمّار ، فقال لي : مرحبا بأخي ، ما زلت إليك مشتاقا ، قال : وأراه صافحني ، أعلمك أنّ بي داء قد أعيا المتطببين قبلك قديما ، فهل لك أن تتأتى (٦) له برفقك وتلصق عليه بعض مراهمك ، لعل الله أن ينفع بك؟ قال : قلت : وكيف يعالج مثلي [مثلك](٧) وجرحي أثقل (٨) من جرحك ، قال : فقال : وإن كان ذاك كذاك ، فإني مشتاق منك إلى ذلك ، قال : قلت : أما إذا أبيت فلئن كنت تمسك باحتفار قبرك في بيتك ، وبوصية رسمتها بعد وفاتك ، وبكفن أعددته ليوم منيتك [فإن لله عبادا](٩) اقتطعهم خوفه عن النظر إلى قبورهم. قال : فصاح صيحة ووقع في قبره ، وجعل يفحص برجليه وبال ، قال : فعرفت بالبول ذهاب

__________________

(١) في تاريخ بغداد : محمد بن أحمد بن عمرو ابن البراء.

(٢) كذا بالأصل وم ، ود ، و «ز» : وكرمون ، وفي تاريخ بغداد : كرموت آخره تاء.

(٣) الأصل وم ود ، و «ز» : دبرتا ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٤) سف الخوص : نسجه بعضه على بعض بالأصابع.

(٥) بالأصل ود ، و «ز» ، وم : «عن ما».

(٦) بدون إعجام بالأصل ود ، وم ، و «ز» ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٧) سقطت من الأصل واستدركت عن د ، وم ، و «ز» ، وتاريخ بغداد.

(٨) الأصل : نفل ، والمثبت عن د ، و «ز» ، وم ، وتاريخ بغداد.

(٩) ما بين معكوفتين سقط من الأصل ود ، و «ز» ، وم ، واستدرك عن تاريخ بغداد.

٣٢٩

عقله ، فخرجت إلى طحان على بابه ، فقلت : ادخل فأعنّا على هذا الشيخ ، فاستخرجناه من قبره وهو في غشيته ، فقال لي الطحان : ويحك ، ما أردت إلى ما صنعت بهذا الشيخ ، والله لا يغفر الله ما صنعت ، فخرجت وتركته صريع نترته ، فلمّا كان من الغد عدت إليه فإذا بسلخ في وجهه ، وإذا بشريط قد شدّ به رأسه لصداع وجده ، فلمّا رآني قال : يا أبا السّري ، المعاودة ، قال : قلت : يكون من ذلك ما قدر ، وخرجت وتركته.

هذا آخر حديث ابن رزق ، وسياق الخبر له.

وقال الخفاف (١) : ثم قال لي المعاودة يرحمك الله ، فقلت له : فأين بلغت أيها المتعبّد من أحزانك ، وهل بلغ الخوف ليلة من منامك؟ فتالله لكأني أنظر إلى آكل الفطير ، والصابر على خبز الشعير ، يأكل ما اشتهى ، وسعى عليه بلحم طير ، وسقي من الرحيق المختوم ، قال : فشهق شهقة فحركته ، فإذا هو قد فارق الدنيا.

أخبرنا أبو العلاء صاعد بن أبي الفضل بن أبي عثمان الماليني ، أنا أبو محمّد عبد الله ابن أبي بكر بن أحمد السقطي المقرئ ، نا أبو الفضل محمّد بن أحمد بن محمّد بن (٢) الجارود الجارودي الحافظ ـ إملاء بهراة ـ نا أبو بكر محمّد بن يحيى المكّي ، نا أبو العبّاس السرّاج (٣) ، حدّثني أحمد بن موسى الأنصاري ، عن منصور بن عمّار قال :

حججت حجّة فنزلت سكة من سكك الكوفة ، فخرجت في ليلة مظلمة ، فإذا بصارخ يصرخ في جوف الليل وهو يقول : إلهي ، وعزّتك وجلالك ما أردت مخالفتك ، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بمكانك (٤) جاهل ، ولكن خطيئة عرضت أعانني عليها شقائي ، وغرّني سترك المرخى عليّ ، وقد عصيتك بجهدي ، وخالفتك بجهلي ، فالآن من عذابك تستنقذني؟ وبحبل من أتصل إن أنت قطعت حبلك مني ، وا شباباه ، قال : فلمّا فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله : (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ) الآية (٥) ، فسمعت دكدكة شديدة ، ثم لم أسمع بعدها شيئا ، فمضيت ، فلمّا كان من الغد رجعت في مدرجتي ، فإذا بجنازة قد وضعت (٦) ، وإذا بعجوز كبيرة ، فسألتها عن أمر الميت ـ ولم تكن عرفتني ـ فقالت :

__________________

(١) تاريخ بغداد ١٣ / ٧٨.

(٢) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل ، وفي م : «محمود» بدلا من : «محمد بن».

(٣) من هذا الطريق رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٩ / ٣٢٧ ـ ٣٢٨ وسير أعلام النبلاء ٩ / ٩٧.

(٤) في حلية الأولياء وسير أعلام النبلاء : وما أنا بنكالك جاهل.

(٥) سورة التحريم ، الآية : ٦.

(٦) في الحلية : بجنازة قد أخرجت.

٣٣٠

هذا رجل لا جزاه الله إلّا جزاءه ، مرّ بابني البارحة وهو قائم فتلا آية من كتاب الله ، فلمّا سمعها ابني تفطّرت مرارته ، فرقد فمات.

أخبرنا أبو الحسن المالكي ، نا ـ وأبو منصور ، أنا ـ الخطيب (١) ، أخبرني أبو بكر أحمد ابن سليمان بن علي المقرئ ، نا عبيد الله بن محمد.

ح وأخبرناه عاليا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا أبو القاسم عبد الرّحمن بن أحمد بن علي بن عبد الله بن منصور (٢) ، أنا أبو أحمد عبيد الله بن محمّد بن أحمد بن علي بن مهران.

أنا أحمد بن عبد الله بن سليمان الورّاق ، نا محمّد بن أحمد بن هشام بن عيسى المرورّوذي ـ وقال ابن السمرقندي : محمّد بن أحمد بن محمّد بن هشام ـ ناجدي محمّد بن هشام ، قال : قال منصور بن عمّار : قال لي هارون : كيف تعلّمت هذا الكلام؟ قال : قلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في منامي وكأنه تفل في فمي ، وقال لي : يا منصور ، قل ، فأنطقت بإذن الله.

أخبرنا أبو الحسن ، نا ـ وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ الخطيب (٣) ، أخبرني الحسن بن علي التميمي ، نا عمر بن أحمد الواعظ قال : وأنا الحسن بن أبي طالب ، نا أحمد بن محمّد ابن عروة (٤) الكاتب ، قالا : نا عبد الله بن سليمان ، نا علي بن خشرم قال : سمعت منصور بن عمّار يقول : المتكلمون ثلاثة : الحسن بن أبي الحسن ، وعمر بن عبد العزيز ، وعون بن عبد الله بن [عتبة](٥) قال : قلت : وأنا الرابع.

قرأت على أبي محمّد بن حمزة ، عن أبي محمّد الكتّاني قال : كتب إليّ أبو ذرّ عبد بن أحمد ، وحدّثني أبو النجيب الأرموي عنه قال : سمعت أبا إسحاق المستملي يقول : أحسن الناس كلاما عمر بن عبد العزيز ، وعمر بن ذرّ ، ومنصور بن عمّار.

أخبرنا أبو الحسن ، نا ـ وأبو منصور ، أنا ـ الخطيب (٦) ، حدّثني الحسن بن محمّد

__________________

(١) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٤.

(٢) في م : أنا أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن مهران ، أنا أحمد بن عبد الله بن منصور.

(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٤.

(٤) كذا بالأصل وم ، ود ، و «ز» : «عروه» وفي تاريخ بغداد : غرزة.

(٥) بياض بالأصل و «ز» ، وم ، والمثبت عن د ، وتاريخ بغداد.

(٦) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٢ ـ ٧٣.

٣٣١

الخلّال ، نا يوسف بن عمر القوّاس ، نا أبو الحسن علي بن سليمان السلمي ، نا أبو شعيب الحرّاني ، نا علي بن خشرم قال : قال منصور ـ يعني ـ بن عمّار ، قلت : سمعته؟ قال : نعم ، قال : لما قدمت مصر ، وكان الناس قد قحطوا ، فلمّا صلّوا الجمعة رفعوا أصواتهم بالبكاء والدعاء ، فحضرتني النيّة ، فصرت إلى صحن المسجد ، فقلت : يا قوم ، تقرّبوا إلى الله بالصدقة ، فإنه ما تقرّب إليه بشيء أفضل منها ، ثم رميت بكسائي ، ثم قلت : اللهمّ هذا كسائي وهو جهدي وفوق طاقتي ، فجعل الناس يتصدّقون ويعطوني ويلقون على الكساء حتى جعلت المرأة تلقي خرصها (١) وسخابها (٢) حتى فاض الكساء من أطرافه ، ثم هطلت السماء ، فخرج الناس في الطين والمطر ، فلما صليت العصر قلت : يا أهل مصر ، أنا رجل غريب ، ولا علم لي بفقرائكم ، فأين فقهاؤكم؟ فدفعت إلى الليث بن سعد ، وابن لهيعة ، فنظر إلى كثرة المال ، فقال أحدهما لصاحبه : لا تحرك ، وكلوا به الثقات حتى أصبحوا ، فرحت ـ أو قال : فأدلجت ـ إلى الإسكندرية ، فأقمت بها شهرين ، فبينا أنا أطوف على حصنها وأكبّر ، فإذا أنا برجل يرمقني ، فقلت : ما لك؟ قال : يا هذا ، أنت قدمت مصر؟ قلت : نعم ، قال : أنت المتكلّم يوم الجمعة؟ قال : قلت : نعم ، قال : فإنك صرت فتنة على أهل مصر ، قلت : وما ذاك؟ قال : قالوا : كان ذاك الخضر دعا فاستجيب له ، قال : قلت : ما كان الخضر بل أنا العبد الخاطئ ، قال : فأدلجت ، فقدمت مصر ، فلقيت الليث بن سعد ، فلمّا نظر إليّ قال : أنت المتكلم يوم الجمعة؟ قال : قلت : نعم ، قال : فهل لك في المقام عندنا؟ قال : قلت : وكيف أقيم وما أملك إلّا جبتي وسراويلي؟ قال : قد أقطعتك خمسة عشر فدانا ، ثم صرت إلى ابن لهيعة ، فقال لي مثل مقالته ، وأقطعني خمسة (٣) فدادين ، فأقام بمصر.

قال (٤) : وأنا هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري ، أنا أحمد بن محمّد بن عمران ، نا عبد الله بن سليمان ، نا علي بن خشرم قال : سمعت منصور بن عمّار قال : ـ وبعضه حدّثني به أبي عن قتيبة عن منصور ـ قال : قدمت مصر وبها قحط ، فتكلّمت فأخرج الناس صدقات كثيرة ، فأخذت فأتي بي إلى (٥) من الليث بن سعد فقال : ما حملك على أن تكلّمت في بلدنا

__________________

(١) الخرص : الحلقة الصغيرة في الأذن.

(٢) السخاب : القلادة.

(٣) بالأصل ، ود ، و «ز» ، وم : «خمس» والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٤) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٣.

(٥) بالأصل : «فأخذت قلبي من الليث» ، وفي م ، و «ز» ، ود : «فأخذت فاني من الليث» صوبنا الجملة عن تاريخ بغداد.

٣٣٢

بغير أمرنا؟ ، قال : قلت : أصلحك الله ، أعرض عليك ، فإن كان مكروها نهيتني فانتهيت ، وإلّا لم ينلني مكروه ، فقال : تكلّم (١) فتكلمت فقال : قم لا يحلّ لي أن أسمع هذا الكلام وحدي ، فقال لي : ما أقدمك؟ قلت : قدمت عليك وعلى ابن لهيعة ، فلمّا قدمت عليه بعد ذلك أخرج إلي جارية قيمتها ثلاثمائة دينار ، فقال : خذها ، فقلت : أصلحك الله ، معي أهل ، قال : تخدمكم ، قلت : جارية بثلاثمائة دينار تخدمنا؟ قال : خذها ، فدخلت عليه بعد ذلك ، فسكتّ حتى خرج الناس ، ثم أخرج من تحت مصلّاه كيسا فيه ألف دينار ، فألقاه إليّ ، فقال : خذها ولا يعلم بها ابني الحارث فتهون عليه.

أنبأنا أبو علي الحدّاد ، أنا أبو نعيم الحافظ (٢) ، نا أبو محمّد بن حيّان ، نا أبو مسلم البزاز ، نا القاسم بن موسى ، حدّثني محمّد بن موسى الورّاق ، نا محمّد بن موسى الصائغ قال : سمعت منصور بن عمّار يقول : كان الليث بن سعد إذا تكلّم بمصر أحد نفاه (٣) فتكلمت في المسجد الجامع يوما ، فإذا رجلان قد دخلا من باب المسجد ، فوقفا على الحلقة فقالا : من المتكلم؟ فأشاروا إليّ ، فقالا : أجب أبا الحارث الليث ، فقمت وأنا أقول : وا سوأتاه ، إنني من بلد هكذا ، فلمّا دخلت على الليث سلّمت فقال لي : أنت المتكلم في المسجد؟ قلت : نعم ، رحمك الله ، فقال لي : اجلس ، ردّ عليّ الكلام الذي تكلمت به ، فأخذت في ذلك المسجد بعينه فرقّ الشيخ وبكى ، وسرى عني ، وأخذت في صفة الجنّة والنار ، فبكى الشيخ حتى رحمته ، ثم قال لي بيده : اسكت (٤) ، فقال لي : ما اسمك؟ قلت : منصور ، قال : ابن من؟ قلت : ابن عمّار ، قال : أنت أبو السّري؟ قلت : نعم ، فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك ، ثم قال : يا جارية ، فجاءت ، فوقفت بين يديه ، فقال لها : جيئيني بكيس كذا وكذا ، فجاءت بكيس فيه ألف دينار ، فقال : يا أبا السّري ، خذ هذا إليك ، وصن هذا الكلام أن تقف به على أبواب السلاطين ، ولا تمدحن أحدا من المخلوقين بعد مديحتك لرب العالمين ولك عليّ في كل سنة مثلها ، قلت : رحمك الله ، إنّ الله تعالى قد أحسن إليّ وأنعم (٥) ، قال : لا ترد علي شيئا أصلك به ، فقبضتها وخرجت ، فقال : لا تبطئ علي ، فلما

__________________

(١) بالأصل : «تكلمت» والمثبت عن د ، و «ز» ، وم ، وتاريخ بغداد.

(٢) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٧ / ٣٢٠ ـ ٣٢١ في ترجمة الليث بن سعد.

(٣) تحرفت في الحلية إلى : قفاه.

(٤) تحرفت بالأصل إلى : أمسكت.

(٥) في الحلية : إن الله قد أنعم إليّ وأحسن.

٣٣٣

كان في الجمعة الثانية أتيته فقال لي : أذكر شيئا ، فأخذت في مجلس لي وتكلّمت ، فبكى الشيخ ، وكثر بكاؤه ، فلمّا أردت أن أقوم قال : انظر ما في ثني الوسادة ، فإذا خمس مائة دينار ، فقلت : رحمك الله ، عهدي بصلتك بالأمس ، فقال : لا تردن عليّ شيئا أصلك به متى [أراك؟](١) قلت : الجمعة الداخلة ، فقال : كأنك فتت عضوا من أعضائي ، فلما كان الجمعة الداخلة أتيته مودعا ، فقال لي : حدّثني شيء أذكرك به ، فتكلّمت ، فبكى الشيخ وكثر بكاؤه ، ثم قال لي : يا منصور ، انظر ما في ثني الوسادة ، فإذا ثلاثمائة قد أعدها ، ثم قال : يا جارية هات (٢) ثياب إحرام منصور ، فجاءت بإزار فيه أربعون ثوبا ، قلت : رحمك الله ، أكتفي بثوبين ، فقال لي : أنت رجل كريم ، فيصحبك قوم فأعطهم ، وقال للجارية التي تحمل الثياب معه ، وهذه الجارية لك.

أخبرنا أبو القاسم ابن الشريف أبي الحسين (٣) العلوي ، أنا رشأ بن نظيف ، أنا الحسن ابن إسماعيل أنا أحمد بن مروان ، نا محمّد بن عبد العزيز ، نا أبي قال : قال منصور بن عمّار : أتيت الليث بن سعد ، فأعطاني ألف دينار ، وقال : صن بهذه الحكمة التي آتاك الله.

أخبرنا أبو علي المقرئ ، أنا أبو نعيم (٤) ، نا عبد الله بن محمّد بن جعفر ، نا الوليد بن أبان ، نا أبو حاتم ، نا (٥) سليم بن منصور قال : سمعت أبي يقول : دخلت على الليث بن سعد يوما ، وعلى رأسه خادم ، فغمزه ، فخرج ، ثم ضرب الليث بيده إلى مصلاه فاستخرج من تحته كيسا فيه ألف دينار ثم رمى بها إليّ ثم قال : يا أبا السّري ، لا تعلم بها ابني فتهون عليه.

قال (٦) : ونا سليمان بن أحمد ، نا عبد الملك بن يحيى بن بكير قال : سمعت أبي يقول : وصل الليث بن سعد ثلاثة أنفس بثلاثة آلاف دينار احترقت دار ابن لهيعة فبعث إليه بألف دينار ، وحجّ فأهدى إليه مالك بن أنس رطبا على طبق ، فرد إليه على الطبق ألف دينار ، ووصل منصور بن عمّار القاصّ (٧) بألف دينار ، وقال : لا تسمع بها ابني فتهون عليه ، فبلغ

__________________

(١) بياض بالأصل وفي م و «ز» : را ، ثم بياض ، وفي د : «رابك» والمثبت عن حلية الأولياء.

(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي الحلية : «هاتي» وهو أشبه.

(٣) في م : الحسن.

(٤) رواه أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء ٧ / ٣٢١ في ترجمة الليث بن سعد.

(٥) كذا بالأصل ، ود ، وم ، و «ز» ، وسقطت من حلية الأولياء.

(٦) القائل : أبو نعيم ، والخبر رواه في حلية الأولياء ٧ / ٣٢٢ في ترجمة الليث بن سعد.

(٧) في الحلية : القاضي.

٣٣٤

ذلك شعيب بن الليث فوصله بألف دينار إلّا دينارا (١) ، وقال : إنّما نقصتك هذا الدينار لئلا أساوي الشيخ في عطيته.

أخبرنا أبو الحسن الغسّاني ، نا ـ وأبو منصور المقرئ ، أنا ـ الخطيب (٢) ، أنا أبو الحسن أحمد بن الحسين بن محمّد بن عبد الله بن بخيت الدّقّاق ، أنا أبو نصر أحمد بن محمّد بن أحمد بن شجاع الصفّار البخاري ، أنا خلف بن محمّد الخيام ، نا سهل بن شاذويه قال : سمعت علي بن خشرم يقول : سمعت منصور بن عمّار يقول : كأنّي دنوت من جحر ، فخرج علي عشر نحلات فلدغنني ، فقصصتها على أبي المثنى المعبر البصري فقال : الجد ما تقول؟ اعطيني شيئا ، قال : إن صدقت رؤياك تصلك امرأة بعشرة آلاف لكل (٣) نحلة ألف. قال منصور : فقلت لأبي المثنّى : من أين قلت هذا؟ قال : لأنه ليس شيء من الخلق ينتفع ببطنه من ولد آدم إلّا النساء ، فإنهم ولدوا الصدّيقين والأنبياء ، والطير ليس فيها شيء ينتفع ببطنه إلّا النحل ، فلمّا كان من الغد وجهت إليّ زبيدة بعشرة آلاف درهم.

أخبرنا أبو البركات الأنماطي ، أنا أبو بكر محمد (٤) بن المظفّر الشامي ، أنا أحمد بن محمّد العتيقي ، أنا يوسف بن أحمد الصيدلاني ، نا [محمد بن عمرو العقيلي (٥) حدثنا عبد الله](٦) بن أحمد ومحمّد (٧) بن زكريا ، قالا : نا عثمان بن أبي شيبة.

ح قال : ونا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، نا أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا : كنا عند ابن عيينة فجاءه منصور بن عمّار فسأله عن القرآن (٨) فزبره وأشار عليه بالعكاز وانتهره ، فقيل له : يا أبا محمّد ، إنه رجل عابد [وناسك](٩) فقال : ما أراه إلّا شيطانا (١٠).

__________________

(١) بالأصل ، ود ، و «ز» ، وم : «دينار» تحريف ، والصواب عن الحلية.

(٢) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٤ ـ ٧٥.

(٣) كتبت فوق الكلام بين السطرين بالأصل.

(٤) الأصل : «أحمد» والمثبت عن د ، و «ز» ، وم.

(٥) رواه العقيلي في الضعفاء الكبير ٤ / ١٩٤.

(٦) بياض بالأصل ، و «ز» ، وم ، والمستدرك د.

(٧) بالأصل ود ، و «ز» ، وم : «بن أحمد بن محمد» والتصويب عن الضعفاء الكبير.

(٨) بالأصل : «الفر» وفي د ، و «ز» ، وم : «الفر» ثم بياض ، والمثبت عن الضعفاء الكبير.

(٩) بياض بالأصل وم ، و «ز» ، والمثبت عن د ، والضعفاء الكبير.

(١٠) بالأصل ود ، و «ز» ، وم : شيطان ، والمثبت عن الضعفاء الكبير.

٣٣٥

قال محمّد بن عمرو العقيلي (١) : منصور بن عمّار القاص لا يقيم (٢) الحديث ، وكان قد تجهم [من مذهب جهم](٣).

[قال ابن عساكر :](٤) قلت : المحفوظ أن منصورا كان يرد على الجهمية ولعله ... (٥).

فقد أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، وأبو الحسن عبيد الله ، قالا : ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو بكر بن الحارث الفقيه ، أنا أبو محمّد بن حيان الأصبهاني ، نا إبراهيم بن محمّد القطّان ، نا الحسن بن الصباح قال : حدّثت أن بشرا لقي منصور بن عمّار ، فقال له : أخبرني عن كلام الله ، أهو الله أم غير الله ، أم دون الله ، فقال : إنّ كلام الله لا ينبغي أن يقال هو الله ، ولا يقال هو غير الله ، ولا هو دون الله ، ولكنه كلامه ، وقوله : وما كان القرآن أن يفترى من دون الله أي لم يقله أحد إلّا الله ، فرضينا حيث رضي لنفسه ، واخترنا له من حيث اختار لنفسه ، فقلنا : كلام الله ليس بخالق ولا مخلوق ، فمن سمّى القرآن بالاسم الذي سمّاه الله به كان من المهتدين ، ومن سمّاه باسم من عنده كان من الغالين ، قاله (٦) عن هذا وذر (الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٧) فإن تأبى كنت من الذين (يَسْمَعُونَ كَلامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٨).

قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ ، وأبو سعيد محمّد بن موسى.

ح وأخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٩) ، أنا أبو سعيد محمّد بن موسى بن الفضل الصيرفي ، قالا : نا أبو العباس محمّد ابن يعقوب ، نا عبد الملك بن عبد الحميد الميموني ـ وفي حديث الخطيب : بن عبد الحميد ابن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الرقّي بالرقة ، نا سليم بن منصور بن عمّار ـ في مجلس روح بن عبادة ـ قال : كتب بشر المريسي إلى أبيه منصور بن عمّار : أخبرني القرآن خالق أو

__________________

(١) الضعفاء الكبير للعقيلي ٤ / ١٩٣ رقم ١٧٧١.

(٢) الأصل : «يفهم» والمثبت عن د ، و «ز» ، وم ، والضعفاء الكبير.

(٣) الزيادة عن الضعفاء الكبير.

(٤) زيادة منا.

(٥) بياض بالأصل وم ، و «ز» ، ود.

(٦) كذا بالأصل ، ود ، و «ز» ، وم.

(٧) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٠ وبالأصل : «بما».

(٨) سورة البقرة ، الآية : ٧٥.

(٩) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ٧ / ٦٢ في ترجمة بشر بن غياث المريسي.

٣٣٦

مخلوق؟ قال : فكتب إليه : عافانا الله وإيّاك من كل فتنة ، وجعلنا وإيّاك من أهل السنّة والجماعة ، فإنه إن يفعل فأعظم به من نعمة ، وإلّا فهي الهلكة ، وليست لأحد على الله بعد المرسلين حجّة ، نحن نرى أنّ الكلام في القرآن بدعة ، يشارك فيها السائل والمجيب ، وتعاطي السائل ما ليس له ، ويكلف المجيب ما ليس له ، وما أعرف خالقا إلّا الله ، وما دون الله مخلوق ، والقرآن كلام الله ، فانته بنفسك وبالمختلفين فيه معك ، إلى أسمائه التي سمّاه الله بها تكن من المهتدين ، ولا تسمّ القرآن باسم من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإيّاك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.

أخبرنا أبو القاسم بن السّمرقندي ، أنا إسماعيل بن مسعدة ، أنا حمزة بن يوسف ، أنا أبو أحمد (١) ، نا عبد الملك بن محمّد سنة ثلاث وتسعين ، نا يوسف بن سعيد بن مسلم ، حدّثني داود بن منصور ، حدّثني منصور بن عمّار قال : كتب إليّ بشر المريسي يسألني عن القرآن : خالق أو مخلوق؟ فكتبت إليه : بسم الله الرّحمن الرحيم ، عافانا الله وإيّاك من كل فتنة ، وجعلنا وإيّاك من أهل السّنّة ، فإنه إن يفعل فأعظم بها منة وإلّا فهي الهلكة (٢) ، وليست لأحد عند الله بعد المرسلين حجة ، ونحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وما أعرف خالقا إلّا الله ، وما دون الله مخلوق ، والقرآن كلام الله ، ولو كان القرآن مخلوقا لم يكن للذين وعوه إلى الله شافعا ، ولا بالذين ضيعوه ماحلا ، فإنه (٣) أنت في نفسك والمختلفين [معك](٤) إلى أسمائه التي سمّاه [الله](٥) بها تكن من المهتدين ، ولا تسمّ القرآن باسم من عندك ، تكن من الضالين ، جعلنا الله وإيّاك من الذين يخشون ربهم بالغيب ، وهم من الساعة مشفقون.

أخبرنا أبو الحسن المالكي ، [نا ـ](٦) وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ الخطيب (٧) ، أنا علي بن الحسين ـ صاحب العباسي ـ أنا إسماعيل بن سعد (٨) بن سويد المعدّل ، نا أبو علي

__________________

(١) رواه أبو أحمد بن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال ٦ / ٣٩٣ ـ ٣٩٤.

(٢) في الكامل : المهلكة.

(٣) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي الكامل : فانته.

(٤) زيادة عن الكامل في ضعفاء الرجال.

(٥) زيادة عن ابن عدي.

(٦) سقطت من الأصل ، واستدركت عن د ، و «ز» ، وم.

(٧) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٥ ـ ٧٦.

(٨) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي تاريخ بغداد : سعيد.

٣٣٧

الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثني جرير بن أحمد بن أبي دواد (١) ، أبو مالك ، حدّثني سلموية بن عاصم ـ قاضي هجر ، وقد قضى بالجزيرة والشام ـ قال : كتب بشر بن غياث (٢) المريسي ، ويكنى أبا عبد الرّحمن إلى منصور بن عمّار : بلغني اجتماع الناس عليك ، وما حكي من العلم ، فأخبرني عن القرآن خالق أو مخلوق؟ فكتب إليه منصور :

بسم الله الرّحمن الرّحيم ، عافانا الله وإيّاك من كلّ فتنة ، فإنه إن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإن لم يفعل فتلك أسباب الهلكة ، وليست لأحد على الله بعد المرسلين حجة ، نحن نرى أن الكلام في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فتعاطى السائل ما ليس له ، وتكلف المجيب ما ليس عليه ، وما أعلم خالقا إلّا الله ، وما دون الله مخلوق ، والقرآن كلام الله ، ولو كان القرآن خالقا لم يكن للذين وعوه إلى الله شافعا ، ولا بالذين ضيعوه ماحلا ، فانته بنفسك وبالمختلفين بالقرآن إلى أسمائه التي سمّاه الله بها تكن من المهتدين ، (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ)(٣) ولا تسمّ القرآن باسم من عندك ، فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإيّاك من (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ)(٤).

وكتب بشر أيضا إلى منصور يسأله عن قول الله عزوجل : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى)(٥) ، كيف استوى؟ فكتب إليه منصور : استواؤه غير محدود ، والجواب فيه تكلّف ، ومسألتك عن ذلك بدعة ، والإيمان بجملة ذلك واجب ، قال الله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ)(٦) وحده ، ثم استأنف الكلام ، فقال (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ)(٧) فنسبهم إلى الرسوخ في العلم بأن قالوا لما تشابه منه عليهم (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا) فهؤلاء هم الذين أغناهم الرسوخ في العلم عن الاقتحام على السدد المضروبة دون الغيوب ، بما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب ، فمدح اعترافهم بالعجز عن تأوّل ما لم يحيطوا به علما ، وسمّى تركهم التعمّق فيما لم يكلفهم رسوخا في العلم ، فانته رحمك الله من

__________________

(١) تحرفت بالأصل ود ، و «ز» ، وم إلى : داود ، والمثبت عن تاريخ بغداد.

(٢) تحرفت بالأصل ود ، و «ز» ، وم إلى عتاب ، والتصويب عن تاريخ بغداد.

(٣) سورة الأعراف ، الآية : ١٨٠.

(٤) سورة الأنبياء ، الآية : ٤٩.

(٥) سورة طه ، الآية : ٥.

(٦) سورة آل عمران ، الآية : ٧ وبالأصل وبقية النسخ : وأما.

(٧) سورة آل عمران ، الآية : ٧.

٣٣٨

العلم إلى حيث انتهى بك إليه ، ولا تجاوز ذلك إلى ما حظر عنك علمه فتكون من المتكلفين ، وتهلك مع الهالكين ، والسلام عليك.

قال (١) : وأخبرني الأزهري ، نا إسماعيل بن سويد ، نا الحسين بن القاسم الكوكبي ، حدّثني علي بن سليم قال : سمعت ابن وساج (٢) المتكلم يقول : قال منصور بن عمّار في مجلس له وقد فرغ من كلامه : لي إليكم حاجة ، أريد حبة لم يزنها المطففون ، ولم تخرج من أكياس المربين (٣) ولم تجر عليها أحكام الظالمين ، قالوا : ما عندنا هذه.

قال (٤) : ونا أبو طالب يحيى بن علي السكري ـ لفظا ـ بحلوان ، أنا أبو بكر بن المقرئ ـ بأصبهان ـ نا أحمد بن موسى القزاز القاساني.

ح وأخبرنا بها عالية أبو الفرج سعيد بن أبي الرجاء ، أنا منصور بن الحسين بن علي ، وأحمد بن محمود ، قالا : أنا أبو بكر بن المقرئ ، نا القاضي أحمد بن موسى بن عيسى القزّاز القاساني ـ بها ـ نا إبراهيم بن الحسن الأصبهاني ، نا عامر ـ زاد أبو الفرج : وقالوا : قال كتب بشر الحافي إلى منصور بن عمّار : اكتب إليّ بما منّ الله علينا ، فكتب إليه منصور : أمّا بعد يا أخي ، فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه في كثرة ما نعصيه ، ولقد بقيت متحيرا فيما بين هاتين ، لا أدري كيف أشكره بجميل ما نشر ، أو قبيح ما ستر؟.

رواها أبو نعيم عن ابن المقرئ.

كتب إليّ أبو نصر بن القشيري ، أنا أبو بكر البيهقي ، أنا أبو عبد الله الحافظ قال : سمعت أبا أحمد علي بن أحمد الحمادي يقول : سمعت أبا عبد الله البوسنجي يقول : سمعت سليم بن منصور بن عمّار يقول : سمعت أبي يقول في مواعظه وقصصه :

بادروا يا عبيد (٥) الآجال ويا عبيد الأموال ويا جنود (٦) الأشغال وبالعم (٧) الأهوال في منكرات الأعمال ، أبالله تغترون ، أم إياه تخادعون ، أم عليه تجترءون ، أم على اللعب واللهو

__________________

(١) القائل : أبو بكر الخطيب ، والخبر في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٦ ـ ٧٧.

(٢) كذا بالأصل ود ، و «ز» ، وم ، وفي تاريخ بغداد : ابن وشاح.

(٣) المربين جمع مربي ، والمربي الذي يأتي الربا ، كما في اللسان ، وفي تاريخ بغداد : المرابين.

(٤) يعني أبا بكر الخطيب ، تاريخ بغداد ١٣ / ٧٤.

(٥) الأصل و «ز» ، ود : باعدد ، والمثبت عن م.

(٦) في د : جنيد.

(٧) كذا بالأصل ، وفي د ، و «ز» ، وم : «وبالعم».

٣٣٩

تتنافسون ، أمرتم بطلاق الدنيا فخطبتموها ، ونهيتم عن طلبها فطلبتموها ، وأنذرتم الكنوز فكنزتموها ، دعتكم إلى هذه الغزارة دواعيها ، فأجبتم مسرعين مناديها ، كأن قد جذبكم الرحيل ، وانقطع بكم الزاد القليل ، وبين أيديكم سفر طويل ، وليس لأحد منكم بديل ، أنّى لكم من الله الفرار ، أين التذكر والاستغفار.

قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ ، أنا أبو نصر فتح بن عبد الله ، نا أحمد بن عمرويه التاجر ، نا سليم بن منصور بن عمّار قال : سمعت أبي يقول :

دخلت على المنصور أمير المؤمنين فقال لي : يا منصور عظني وأوجز ، فقلت : إنّ من حقّ المنعم على المنعم عليه أن لا يجعل ما أنعم به عليه سببا لمعصيته ، فقال : أحسنت وأوجزت.

أخبرنا أبو القاسم الحسين (١) بن الحسن بن محمّد ، أنا سهل بن بشر بن أحمد ، أنا محمّد بن أحمد بن عيسى ـ إجازة ـ نا أبو بكر أحمد بن الحسن بن السّري ، نا أحمد بن عبد العزيز الصريفيني ، حدّثني سهل بن زكريا ، حدّثني بعض أصحابنا قال : سمعت منصور بن عمّار يقول : ترجو منازل الأبرار بعمل الفجّار ، ما هكذا فعل الخيار.

قال : ورأيت منصورا في النوم فقلت له : يا أبا السّري ، ما فعل الله بك؟ قال : أوثقني في عذابه ، وقال لي : كنت تخلّط ، ولكني قد غفرت لك لأنك كنت تحبب (٢) إليّ خلقي ، قم فمجّدني بين ملائكتي كما كنت تمجدني في الدنيا ، فوضع لي كرسيّ ، فمجّدت الله بين ملائكته.

أخبرنا أبو الحسن بن قبيس ، نا ـ وأبو منصور بن خيرون ، أنا ـ أبو بكر الخطيب (٣) ، أنا الجوهري.

ح وقرأت على أبي منصور بن خيرون ، عن الجوهري ، أنا محمّد بن العباس ، نا أبو بكر محمّد بن خلف بن المرزبان قال : أنشدت لأبي العتاهية في منصور بن عمّار :

إنّ يوم الحساب يوم عسير

ليس للظالمين فيه مجير

__________________

(١) في م : الحسن.

(٢) كذا بالأصل : «تحبب إليّ خلقي» وفي د ، و «ز» ، وم : تحببني إلى خلقي.

(٣) رواه أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد ١٣ / ٧٦.

٣٤٠