مراقد أهل البيت في القاهرة

محمّد زكي إبراهيم

مراقد أهل البيت في القاهرة

المؤلف:

محمّد زكي إبراهيم


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات ورسائل العشيرة المحمّدية
المطبعة: دار نوبار للطباعة
الطبعة: ٦
الصفحات: ٢٤٠

(٧)

عن جابر رضي‌الله‌عنه ، أنّه سمع عمر بن الخطاب حين تزوج بنت الإمام علي رضي‌الله‌عنه يقول : ألا تهنئوني ، سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ينقطع يوم القيامة كل سبب ونسب إلا سببي ونسبي».

رواه الطبراني في الأوسط والكبير.

(٨)

وعن عطاء ، أن رجلا أخبره أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضم إليه حسنا وحسينا ويقول : «اللهم إني أحبهما فأحب من يحبهما».

وفي رواية ابن مسعود زيادة : «ومن أحبهما فقد أحبني». رواه أحمد والبزار.

وفي كل ذلك كفاية ، لمن وفقه الله إلى الهداية.

* * *

* ومع أشد الأسف :

في منهاج السنة (الجزء الثالث ، الصحيفة ٢٦٩) لابن تيمية : يندد باحترام المسلمين لأهل البيت ، قوله غفر الله له : «إن فكرة تقديم آل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هي من أثر الجاهلية في تقديم أهل بيت الرؤساء».

٢١

فما يقول في كل هذه الأدلة؟!.

وقد سبق لابن تيمية القول بعدم الاهتمام بزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله ما نصه : «ليس عن النبي في زيارة قبره ولا قبر الخليل حديث ثابت أصلا» (كتاب الزيارة ١٢ ، ١٣).

ويقول : «الأحاديث الكثيرة المروية في زيارة قبره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلها ضعيفة ، بل موضوعة» (كتاب الزيارة ٢٢ ـ ٢٨).

مع أنها رويت عن أكابر الثقات ، وخرّجها كبار الحفاظ والمحدّثين ، كالهيثمي في (المجمع) ، والدار قطني في (السنن) ، وابن حجر في (المطالب) ، ثم في (تلخيص الحبير) ، والسيوطي في (الدر المنثور) ، والزبيدي في (الاتحاف) ، والمتقي الهندي في (كنز العمال) ، والطبراني في (الكبير) ، والدولابي في (الكنى) ، والبيهقي في (السنن) ، والعراقي في (المغني) ، وابن عدي في (الكامل) ، والسهمي في (التاريخ) ، والمنذري في (الترغيب) ، والتبريزي في (المشكاة) .. وغيرهم.

فلا عجب أن ترى من أصحابه من يكفر بعض الصحابة ، كما جاء في الرسائل العملية (لابن عبد الوهاب) ، كما يعتقدون أن المتبرك بالمسجد النبوي وطالب الشفاعة منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مشرك أشد من شرك الجاهلية وعبدة الأوثان كما جاء في رسائل ابن عبد الوهاب (ص ٧٩) ، وفتح المجيد (٤٠ ، ٤١) ، وكشف الشبهات له.

٢٢

ومن المضحك المبكي : أن بعض أتباعهم يكسر رباعيته من فمه ، ليتشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي كسرت رباعيته أثناء الحرب (في أحد).

ومن المبكي المزعج في أيامنا هذه : تلك الفتن والدماء المهرقة ومحاولة إبادة الإسلام في الجمهوريات الإسلامية المحررة من الاستعباد الشيوعي ، كالبوسنة والهرسك ، وطاجستان ، وآذربيجان ، والشيشان ، إلى كوسوفو ، وألبانيا ، إلى بورما ، والهند ، وكشمير ، إلى الفلبين ، وسيلان ، إلى الصومال ، ونيجيريا ، ووسط أفريقا ، إلى الأقليات الإسلامية في أوربا وأمريكا.

ومن الملاحظات الجديرة بالنظر أن النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في الحديث الثابت عن (نجد) : «فيها يخرج قرن الشيطان» ، فخرج منها (مسيلمة) ، وخرج (ذو الخويصرة) ، وخرج منها (القرامطة) ، ثم استمر خروج الوهابيين ، الذين يوقدون نار الفتنة الدينية في كل مكان ، وما عمارتهم للحرمين الشريفين إلا للدعاية والتجارة والربح ، ليس إلا.

ومن حواشي تعاليمهم وبسببها ظهرت العلمانية والانحلالية ، والإرهابية والتطرفية .. إلخ ، وبهذا انتقلت الحروب الصليبية إلى داخل حرم الوطن المحمدي والأمة الإسلامية ، حيث فشت الفرقة والاختلاف والوهن ، وأصبح بأس الأمة ، وبخاصة العروبة بأسا شديدا مفزعا.

٢٣

ثالثا

* نحن والكرامات وهذا الكتاب :

نحن نشهد الله على أننا نؤمن بكرامات أولياء الله ، ولنا في ذلك مخطوط سبق أن نشرنا بعضه ببعض المجلات المصرية ، ونسأل الله أن ييسر لنا طباعته بفضله تعالى.

فإذا كنّا في كتابنا هذا لم نوف جانب الكرامات حقه ، فلأننا أردنا بهذا الكتاب أن يشمل واقع عصرنا في أهل البيت ، على أسلوب زماننا : منهجا وتقسيما وتقديما ، وقد اكتفينا بالكلام عن مشاهير أهل البيت من السابقين ، بعد أن كتب كثير من الأخوة عن مشاهير الأولياء من أهل البيت اللاحقين ، وبخاصة أختنا في الله المؤرخة المؤمنة الدكتورة (سعاد ماهر) أثابها الله.

ولم نكتف هنا بالتحقيق ؛ بل اهتممنا بتصحيح كثير جدا مما أخطأ فيه السادة المؤرخون قبلا ، وليس معنى هذا أننا ندعي العصمة ، فيشهد الله أننا خطاءون ، ولا مانع أبدا من أن يكون الأمر الذي ندعي أنه الصواب ، هو عين الخطأ ، فنستغفر الله ونتوب إليه.

وقد امتاز ما نكتب بفضل الله بكثير جدا من المعلومات التاريخية ، التي لم يشر إليها السابقون ، ومما استجد في عصرنا ، فكان كتابنا هذا جديدا قديما ، حاشدا راشدا ، نافعا ، يسد جانبا لا بد منه من شئون عصرنا ، وبالله التوفيق. وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

المفتقر إليه تعالى وحده

(محمد زكي إبراهيم)

٢٤

في الرحاب الطاهرة

للأستاذ السيد محمد وهبي إبراهيم

(شقيق السيد الرائد)

أولا : من هم أهل البيت؟ :

قال أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين ، منهم مجاهد وقتادة : أهل البيت هم عليّ وفاطمة والحسن والحسين .. وذهب إليه الزمخشري في بعض أقواله وتبعه بعض المفسرين.

وقال الفخر الرازي والقسطلاني وآخرون : أهل البيت أولاده وأزواجه والحسن والحسين ، وعليّ منهم لمعاشرته فاطمة ، وملازمته النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقال سعيد بن مقاتل وعكرمة ومقاتل : أهل البيت نساؤه.

وقال زيد بن الأرقم : أهل البيت من تحرم عليهم الصدقة ، وهم : آل عليّ وعقيل وجعفر والعبّاس ، وذلك هو الراجح.

قال السيوطي : هؤلاء هم الأشراف حقيقة في سائر الأمصار ، وهو ما عليه الجمهور.

وقال الشعراني : قول زيد بن الأرقم هو معنى حديث صحيح.

قلنا : رواه مسلم والنسائي.

٢٥

ثانيا : من هم أهل العباءة والرداء؟ :

في (الخطيب) عن عائشة رضي‌الله‌عنها ، أنّ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرحّل (عباءة صوف) من شعر أسود فجاء الحسن فأدخله ، ثمّ الحسين ، ثمّ فاطمة ، ثمّ عليّ ، ثمّ قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، وفي رواية أخرى قال : «اللهم هؤلاء أهل بيتي ، (أو أهل بيت محمد) ، فاجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم ، إنك حميد مجيد» ، ونحوه روايات شتى.

وفي رواية : «كان معهم جبريل وميكائيل».

قال الطبري : وقد تكرر هذا الفعل مرات منه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعن عليّ رضي‌الله‌عنه قال : شكوت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسد النّاس لي ، فقال : «أما ترضى أن تكون رابع أربعة هم أول من يدخل الجنة : أنا وأنت والحسن والحسين ، وأزواجنا عن أيماننا وشمائلنا ، وذرياتنا خلف أزواجنا».

ومما يلحق بهذا المقام ما رواه الديلمي قال : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن بنو عبد المطلب سادات أهل الجنة : أنا ، وحمزة ، وعليّ ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي».

٢٦

ثالثا : آية (أَنَّما يُرِيدُ اللهُ ...) :

روى أحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال : قال النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنزلت هذه الآية في خمسة : فيّ وفي عليّ ، وحسن ، وحسين ، وفاطمة».

وروى أحمد ، والترمذي ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه عن أنس ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول هذه الآية ، كان يمر ببيت فاطمة ، إذا خرج لصلاة الفجر ، يقول : «الصلاة أهل البيت ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)».

وفي رواية أبي سعيد : جاء صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أربعين صباحا إلى دار فاطمة يقول : «السّلام عليكم أهل البيت ، رحمكم الله ، (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً».)

وفي رواية له عن ابن عبّاس : «سبعة أشهر» ، وفي رواية لابن جرير ، وابن المنذر ، والطبراني : «ثمانية أشهر».

رابعا : آية المودة في القربى :

قال القسطلاني : المراد بالقربى : من ينسب إلى جده الأقرب عبد المطلب. وقال البغوي والرازي والبيضاوي ، وتابعهم أكثر المفسرين : القربى هم أهل البيت.

قال الزمخشري : روي أنّه لما نزلت هذه الآية ، قيل : يا رسول الله!

٢٧

من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «عليّ وفاطمة وابناهما».

قلنا : هذه هي رواية الطبراني ، وابن مردويه ، وابن أبي حاتم ، عن ابن عبّاس رضي‌الله‌عنها ، ويدل له سبب نزول الآية ، فإنّه لما تفاخر الأنصار بأيديهم على الدعوة الإسلامية ، وعاتبهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما منّوا به على الله ، أسفوا وجثوا على الركب ، وقالوا : «أموالنا وما في أيدينا لله ورسوله؟» فنزل قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى).

هذه نصوص قطعية في أن المراد بالقربى هم أهل بيت رسول الله ، لا يشذ عن ذلك إلا المبتلون بالحقد على أهل البيت باسم العلم والسّلفية.

خامسا : وجوب حب أهل البيت :

(١) أخرج ابن سعد ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «استوصوا بأهل بيتي خيرا ، فإنّي أخاصمكم عنهم غدا ، ومن أكن خصمه خصمه الله».

(٢) ونقل القرطبي ، عن ابن عبّاس رضى الله عنهما في قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) قال : رضا محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النّار.

(٣) وروى الديلمي والطبراني والبيهقي وابن حبان ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحب إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحب إليه من ذاته».

٢٨

(٤) وأخرج البخاري ، عن ابن عمر رضي‌الله‌عنه ، قال أبو بكر رضي‌الله‌عنه : خطب النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أذكّركم الله في أهل بيتي» ثلاثا.

(٥) وروى الإمام أحمد ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّي أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، حبل ممدود من الأرض إلى السماء ، وعترتي أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض يوم القيامة ، فانظروا بم تخلفوني فيهما» ، وفي رواية «إنّ الله سائلكم كيف خلفتموني في كتاب الله وأهل بيتي».

(٦) وروى الحاكم ، والترمذي ، وصححه على شرط الشيخين ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أحبّوا الله لما يغذوكم به ، وأحبوني بحب الله ، وأحبوا أهل بيتي بحبي» .. واستقصاء هذه الأخبار يطول ، وحسبنا هذا لمن شرح الله صدره ، ورفع قدره.

سادسا : تحريم بغض أهل البيت :

(١) أخرج الطبراني ، والبيهقي ، وابن منده ، وابن أبي عاصم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بال أقوام يؤذونني في نسبي وذوي رحمي؟ ألا ومن آذى نسبي وذوي رحمي فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله».

(٢) وروى أبو الشيخ ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بال رجال يؤذونني في أهل بيتي؟ والذي نفسي بيده ، لا يؤمن عبد حتى يحبنى ، ولا يحبنى حتى يحب ذريتي».

٢٩

قلنا : وقد كان من أدب السلف الصالح ألا يقرءوا في الصّلاة بسورة (اللهب) حفاظا على قلب رسول الله ونفسه ، مع أنّها قرآن منزل (خلافا لأدعياء السلفية ، فهم يتعمدون القراءة بها غلّا).

(٣) وروى أحمد مرفوعا : «من أبغض أهل البيت فهو منافق».

(٤) وروى الحاكم صحيحا على شرط الشيخين : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضنا أهل البيت أحد إلا أدخله الله النّار».

(٥) وروى الديلمي ، عن أبي سعيد ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

(٦) وروى الطبراني في الأوسط ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا يبغضنا أحد إلا زيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار» (أي أبعد عن حوضه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم).

(٧) ونختم البحث بما رواه الدّار قطني مرفوعا ، قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا أبا الحسن! أمّا أنت وشيعتك ففي الجنة ، وإن قوما يزعمون أنهم يحبونك يصغّرون الإسلام ثم يلفظونه ، يمرقون منه ، كما يمرق السهم من الرّميّة».

وهذا الحديث من أعلام النبوة في تصوير متمسلفة هذا الزمان ، ولا قوة إلّا بالله ، والحمد لله رب العالمين.

خادم العشيرة المحمدية

محمد وهبي بن إبراهيم الخليل بن عليّ الشاذلي

رحمه‌الله تعالى

٣٠

الباب الثاني

أقطاب أهل البيت الأشراف

نبذات عن عليّ ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين

رضي‌الله‌عنهم جميعا

أولا : تعريف بأبي الحسن الإمام عليّ :

فوالده : أبو طالب عم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، شقيق عبد الله بن عبد المطلب والد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وأمّه هي : فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يناديها ب «يا أمي» ، ولما توفيت كفنها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قميصه ، واضطجع في لحدها ، ودعالها ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لقد كنت أمي بعد أمي».

وكنية الإمام عليّ رضي‌الله‌عنه : (أبو الحسن) ، وكان النبيّ يكنيه أيضا : (أبا تراب) ، وقد ضم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّا وهو طفل فربّاه في بيته كأبنائه ، فلما بلغ عشر سنين تنزل الوحيّ ، وبعث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ فكان عليّ أول من آمن به من الصبيان ، وأقام عليّ مع النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة ، وفداه يوم الهجرة ، وكان معه بالمدينة ابنا وأخا مجاهدا ، حتى تزوج عليّ بسيدة نساء العالمين (فاطمة) بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٣١

ثمّ عاش بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نحو ثلاثين سنة ، ومات وعمره نحو ثلاث وستين سنة ، ولم يتزوج عليّ على فاطمة حتّى توفيت ، فتزوج عدة نساء ، لأنّه كان يريد نسلا كبيرا ، يؤيد بيت النبوة ، وكان له سبعة وعشرون ولدا وبنتا (على بعض الروايات) ، ولكن نسله كله كاد أو انحصر أخيرا في ذرية الحسن والحسين وزينب رضي‌الله‌عنهم ، وكان لهم شقيقان لم يعقباهما : رقية وأم كلثوم ، من فاطمة رضي‌الله‌عنها.

هذا ، وقد تكفل أبو طالب بتربية سيّدنا الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو طفل ، وتكفل النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتربية سيدنا عليّ وهو طفل ؛ فكانت تربية الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ل «عليّ» في مقابلة تربية أبو طالب للنبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يبق لأحد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل ولا مجاملة.

وأشهر زوجات الإمام عليّ ـ بعد سيدتنا فاطمة بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ : هي السيدة أم محمد (حبيبة الحنفية) ، وكان محمد ولدها إماما جليلا ، له مواقف مشهودة مع أخويه الحسن والحسين.

ثمّ تزوج عليّ رضي‌الله‌عنه بعد الحنفية (أم البنين فاطمة) فأعقب منها : (العبّاس ، وعبد الله ، وعثمان ، وجعفر) ، وكانوا يسمون العبّاس بن عليّ (قمر بني هاشم) لجماله وجلالته وفضله وعلمه ، وكلّ هؤلاء الأخوة جاهدوا مع أخيهم الحسين ، واستشهدوا معه ، ودفنوا معه في قبره بكربلاء.

٣٢

ثمّ تزوج عليّ ب (أمامة بنت زينب بنت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، وهي الأخت الكبرى ، ولكنه لم يعقب منها ذكورا.

ومدة خلافة عليّ : خمس سنين وستة أشهر ، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى شهيد الغدر بسيف (عبد الرحمن بن ملجم المرادي) ، وقام على تجهيزه الحسن والحسين ، وأخوهما محمد بن الحنفية ، ودفن ليلا كما سبق أن دفنت زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليلا بالبقيع منعا من الفتن ، ثم إنّ قبر عليّ بالكوفة ب (النجف الأشرف) بالعراق ، وهذا القبر يقع (كما يجري على الألسن هناك) بين قبري (آدم ونوح) ، وفي جوارهما قبر (هود وصالح) ، وتسمى هذه المراقد ب (العتبات المقدسة) ، ولا تدخلها امرأة سافرة أو غير متحشمة تماما.

ثانيا : تعريف بأم الحسنين فاطمة الزهراء :

ولدت بمكة يوم الجمعة الموافق العشرين من جمادى الآخرة ، بعد البعثة بعامين.

وأمها : خديجة بنت خويلد رضي‌الله‌عنها.

وقد كنّاها والدها المصطفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ب (أم أبيها) لشدة حبه لها وحبها له ، وكان يقوم لها إذا أقبلت (بعد أن تزوجت عليّا رضي‌الله‌عنه) ويقبّلها ويجلسها في مكانه ، وجعل سكنها بجوار بيته.

ومن ألقابها : (الزهراء) ، و (البتول) ، و (النبوية).

وتزوجت بالإمام عليّ رضي‌الله‌عنه ، فرزقها الله ب (الحسن رضي‌الله‌عنه) بعد الهجرة بثلاث سنين ، وولدت (الحسين رضي‌الله‌عنه) بعد

٣٣

نحو عام واحد من ولادة أخيه الحسن ، وتوفيت في يوم الثلاثاء ، ثالث أيام جمادى الآخرة (في مثل شهر ولادتها) سنة عشرة من الهجرة ، وكان ذلك بعد وفاة أبيها المصطفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخمسة وسبعين يوما ، فقد بلّغها في مرض موته أنّها أول أهله لحوقا به بعد وفاته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودفنت بالبقيع رضي‌الله‌عنها.

ويروى عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «سميتها فاطمة لأنّ الله عزوجل فطمها وفطم من أحبها عن النّار» ، وكانت أشبه برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صورة وسمتا وكلاما وتعبدا وخلقا عظيما.

وفي الحديث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فاطمة بضعة (أي قطعة) منّي ، يرضيني ما يرضيها ، ويؤذيني ما يؤذيها».

وفي الحديث الثابت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل أبناء نبيّ عصبة ينتمون إليها إلا ابنتي فاطمة ؛ فأنا وليها وعصبتها» أخرجه الحاكم في المستدرك عن جابر ، وأخرجه أبو يعلى في المسند عن فاطمة ، وأخرجه آخرون.

ولهذا كان الأشراف كلهم من أبنائها رضي‌الله‌عنها ، أعني ذرية الحسن والحسين وزينب ، عند من يرى امتداد شرف النبوة إلى أبناء البنات كصاحب كتاب «إسماع الصم في إثبات الشرف من الأم» ، خلافا ل (ابن عبد السلام ، وابن عرفة ، والسرخسي ، والزمخشري) ، ووافقهم الكثيرون ، ومضى الحكم على هذا الاعتبار.

أمّا المحسّن أخو الحسنين فقد مات طفلا (من فاطمة).

٣٤

ثالثا : تعريف بالإمام الحسن :

والده : علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه.

وأمّه : فاطمة الزهراء رضي‌الله‌عنها.

ولد بالمدينة المنورة ، ليلة النصف من رمضان ، في السنة الثالثة للهجرة ، وهو أول أبناء عليّ وفاطمة رضي‌الله‌عنها ، ولما ولد أذّن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أذنه اليمنى ، وأقام الصلاة في أذنه اليسرى ، وفي يوم سبوعه عقّ (ذبح) عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وحلق رأسه ، وتصدق بوزن شعره فضة ، وسمّاه النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسن (ولم يكن للعرب عهد بهذا الاسم) ، وكنّاه : أبا محمد ، ومن ألقابه : الزكي ، والمجتبى.

وكان جده المصطفي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسن سبط من الأسباط ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».

وأمّا زوجاته رضي‌الله‌عنه ، فهنّ :

(١) أم إسحاق بنت طليحة بن عبد الله.

(٢) حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

(٣) هند بنت سهيل بن عمرو.

(٤) جعدة بنت الأشعث بن قيس ، وهي التي يقال أنها قتلته بالسم (في اليوم السابع من صفر عام تسع وأربعين) ، بتدبير تم بينها وبين بني أمية .. والله أعلم.

٣٥

وأمّا أولاده ، فهم : (زيد ، والحسن المثنّى ، وعمرو ، والقاسم ، وعبد الله ، وعبد الرحمن ، والحسن المثلث ، وطلحة ، وأم الحسن ، وأم الحسين ، وفاطمة).

ولكن نسله الشريف جاء من ولده الحسن المثنّى ، وولده زيد ، وإليهما ينتمي الأشراف من بني الحسن ، وقد بويع بالخلافة بعد أبيه في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة ، ولكنه حقنا لدماء المسلمين ، ودفعا لمسيرة الإسلام إلى الأمام ، عقد صلحا مع معاوية (في جمادى الأولى عام واحد وأربعين من الهجرة) ، وبذلك حقق حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بشّر بأن الله يصلح به ما بين طائفتين من هذه الأمة ، ومع أنّ معاوية لم يوف بعهده للحسن ، فإنّنا نكل أمرهما إلى الله ، ولا نجدد الفتن التي قطعا تضرّ الآن ولا تنفع .. والله قاهر فوق عباده.

ثم انتقل الإمام الحسن إلى الرفيق الأعلى بعد تسع سنين ، ودفن بالبقيع رضي‌الله‌عنه.

رابعا : تعريف بالإمام الحسين :

وقد ولد الإمام الحسين (أبو عبد الله) رضي‌الله‌عنه ، في ثالث أو خامس يوم من أيام شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد نحو عام من ولادة أخيه الحسن رضي‌الله‌عنه ؛ فعاش مع جده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نيفا وست سنوات ، وقد مات الحسين وله من العمر سبعة وخمسون عاما ، واستشهد في يوم الجمعة أو السبت الموافق العاشر من

٣٦

المحرم ، في موقعة كربلاء قريبا من (نينوى) بالعراق ، عام إحدى وستين من الهجرة.

قتله عمر بن سعد بن أبي وقاص ، وخولي بن يزيد الأصبحي ، واجتز رأسه الشريف سنان بن أنس النخعي ، وشمر بن ذي الجوشن ، وسلب ما كان عليه إسحاق بن خويلد الحضرمي. وذلك بعد قتال مرير غير متكافىء بينه وبين ألوف الجنود من جيش يزيد بن معاوية التي كان قد وجهها إليه عبد الله بن زياد ، عامل يزيد بن معاوية على العراق ، حين لم يكن مع الحسين إلا قلّة من أهل بيته ، ومنهم العديد من النساء والأطفال.

ولم يكن رضي‌الله‌عنه خارجا لحرب ، وإنّما استجابة لرغبة أهل العراق في تجديد الأمر والنهي لله ، وإرجاع الدعوة الإسلامية إلى نبعها إرشادا وهداية ومحافظة على الإسلام ، وإلّا فهل يخرج رجل لحرب الألوف بعشرات من الأطفال والنساء والرجال العزّل ، غفر الله للجميع.

وقد شهد الحسين مع والده واقعة (الجمل) و (صفين) وحروب الخوارج وغيرها ، كما شارك بعد وفاة أبيه في فتح أفريقيا وآسيا ، كما سجّله سادة المؤرخين.

وقد دفن جسده الطاهر بكربلاء بالعراق ، أمّا الرأس الشريف فقد طيف بها إرهابا للنّاس ، حتى استقر أو حفظ ب (عسقلان) ، من ثغور فلسطين على البحر المتوسط ، ثم لما اشتعلت الحروب الصليبية ، وخاف الخليفة الفاطمي على الرأس فأذن وزيره (الصالح طلائع بن رزيك)

٣٧

فنقلها إلى مصر بالمشهد المعروف بها الآن ، بتحقيق أعلم المؤرخين وأصدقهم ، ولا اعتبار للروايات التي يتمسك بها النواصب من خصوم أهل البيت والمتمسلفة ، فهي منقوضة من كل الوجوه ، وقد حققنا ذلك فيما يأتي بما لا يدع مجالا لأي شك أو ريبة.

وقد تزوج الحسين رضي‌الله‌عنه بعدد من النساء رجاء كثرة النسل لحفظ أثر البيت النبوي ، كما فعل أبوه من قبل ، وقد حقق الله هذا الرجاء ، فحفظ ميراث النبوّة وعصبتها في نسل الحسن والحسين وزينب أخت الحسين وفاطمة ابنته ، رضي الله عن الجميع.

أمّا أبناؤه ، فهم :

(١) عليّ الشهيد ، أمّه : برة بنت عروة بن مسعود الثقفي من أشرف بيوت العرب.

(٢) عليّ الأوسط (أو المثنى) ، واشتهر بالإمام.

(٣) عليّ الأصغر (أو المثلث) ، واشتهر بزين العابدين السجّاد ، وأمهما : (الأميرة) مشهر بانو بنت كسرى شاهنشاه ملك الفرس.

(٤) محمد ، وعبد الله ، وسكينة الكبرى ، والصغرى ، وأمهم : الرباب بنت امرىء القيس الكندية من ملوك العرب.

(٥) جعفر ، وأمه : القضاعية.

(٦) فاطمة.

(٧) وزينب ، وأمهما : أم إسحاق بنت طليحة بن عبد الله من كبار الصحابة.

٣٨

ولكن نسل الحسين رضي‌الله‌عنه كله كان من عليّ الأصغر (زين العابدين السجّاد) (يعني كثير السجود والعبادة) ؛ فمن بنتيه : فاطمة وزينب (عند من يقر الشرف من طريق البنات كما قدمنا) ، وإن كانت ذرية فاطمة قليلة ونادرة.

وقد روى الحاكم وصححه عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «حسين مني وأنا من حسين. اللهمّ أحب من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط. الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ..

وروى ابن حبان وابن سعد وأبو يعلى وابن عساكر عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «من سرّه أن ينظر إلى سيّد شباب أهل الجنة فلينظر إلى الحسين بن عليّ رضي‌الله‌عنه».

* * *

قال الشاعر المحب :

قيل : تشقى بحبّ (آل النّبيّ)

قلت : هذا كلام غاو غبيّ

فاز كلب بحبّ أصحاب كهف

كيف أشقى بحبّ (آل النّبيّ)

٣٩

الباب الثالث

رأس الإمام الحسين

بمشهده بالقاهرة تحقيقا مؤكدا حاسما

٤٠