مراقد أهل البيت في القاهرة

محمّد زكي إبراهيم

مراقد أهل البيت في القاهرة

المؤلف:

محمّد زكي إبراهيم


الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: مطبوعات ورسائل العشيرة المحمّدية
المطبعة: دار نوبار للطباعة
الطبعة: ٦
الصفحات: ٢٤٠

وهو والد السيد (يحيى الشبيه بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) ، ووالد السيدة (أم كلثوم بنت القاسم) ، ومشهده قريب من مشهدها ، وقريب منهما مشهد (يحيى الشبيه).

وكان القاسم الطيب من عباد الله الصالحين الأخيار ، من أحفظ النّاس لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كتبت عنه أربعمائة محبرة.

قال الرازي : وأولاده يعرفون ب (الطيارة) ، ويعرفون أيضا ب (الكلثميين).

وقد ذكروا أنّه كان بمكة يدعو الله تعالى وقد اقشعر جسده ، فقالوا له : ما هذا؟ ، فقال : إنّي لأستحي أن أدعوه تعالى بلسان ما أديت به حق شكره. ومناقبه رحمه‌الله كثيرة.

ويتكون ضريحه من حجرة مربعة تعلوها قبة تقوم على ثمانية أضلاع ، وبالمكان ثلاثة محاريب ، وشاهد القبر غاية في البساطة وقد أهمل المكان ، بل وتحول إلى مقبرة عامة ، مفاتيحها في يد (تربي) ، ولا يكاد يعرف هذا القبر أحد إلا من يقصده من الباحثين والزوار.

٥ ـ يحيى الشبيه بالنّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

يحيى الشبيه بن القاسم الطيب بن محمد بن جعفر الصادق. سبق ذكره.

٦ ـ عبد الله بن القاسم الطيب :

هو : أخو يحيى الشبيه ، ومدفون معه بنفس المشهد ، قبره في وسط القبة ، وعند وسطه لوح رخام فيه نسبه ، كانت وفاته يوم الإثنين لثلاث

١٦١

عشرة ليلة خلون من شهر رمضان (سنة ٢٦١ ه‍) ، وكان تلو أخيه في العبادة والخير ، والعفة والصلاح ، وهم معروفون بإجابة الدعاء.

٧ ـ الحسن والمحسن :

قال بعض مشايخ الزوار : إنهما ابنا القاسم الطيب بن محمد بن جعفر الصادق. وقيل : هما أخوا السيدة عائشة بنت جعفر الصادق ، (والراجح عندنا الأول).

٨ ـ كلثم العربية :

كلثم (ويقال : كلثوم ، وأم كلثوم) بنت القاسم الطيب بن محمد بن جعفر الصادق ، سبق ذكرها.

٩ ـ محمد بن القاسم الطيب :

هو : أبو عبد الله محمد بن القاسم الطيب بن محمد بن جعفر الصادق ، ومشهده بجوار مشهد الحسن والمحسن ، وهو مشهد لطيف على هيئة مصطبة.

١٠ ـ عليّ بن عبد الله بن القاسم الطيب :

عليّ بن عبد الله بن القاسم الطيب بن محمد بن جعفر الصّادق ، مشهده قريب من مشهد السيدة آمنة بنت موسى الكاظم ، وهو من أهل الصّلاح والدين ، ومشهده جليل القدر ، أمر ببنائه الظافر الفاطمي ، وكان يحمل إليه شيئا كثيرا من النذور.

قيل : كانت وفاته سنة (٣٢٥ ه‍).

١٦٢

١١ ـ فاطمة بنت عليّ الرضا :

فاطمة بنت عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ، تقدم ذكرها في الفاطمات.

١٢ ـ الشريف هاشم بن الحسين :

هو : السيد الشريف هاشم بن الحسين بن محمد بن الحسين بن عليّ ابن محمد بن عليّ بن إسماعيل بن الأعرج بن جعفر الصّادق (المعروف في طبقات الأشراف بالهاشمي) ، وهو إمام جليل القدر وسيرته تغني عن الإطناب في مناقبه ، ومعه في تربته قبر ولده (محمد الهاشمي) ، وقريبا منه من الناحية البحرية قبر السيدة زينب ابنة السيد هاشم.

١٣ ـ رجل من ذرية إسماعيل بن جعفر الصادق :

مشهده بجوار مشاهدهم ، ذكره السخاوي.

١٤ ـ زينب الكلثمية :

زينب الكلثمية من ذرية القاسم الطيب بن محمد ، تقدم ذكرها في الزينبات.

١٥ ـ مشهد ذرية جعفر الصادق :

يقع هذا الضريح في شارع الصنادقية ، والذي يعد من أهم الشوارع التجارية في قلب القاهرة ، ويصل ما بين شارع المعز لدين الله الفاطمي وميدان الإمام الحسين. يطلق الأهالي على الضريح تجاوزا اسم (جعفر الصادق) ، وهي تسمية خاطئة كما يقول الدكتور فهمي عبد العليم رئيس

١٦٣

قطاع الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلى للآثار ، لأن الإمام جعفر الصادق دفن في البقيع بالمدينة المنورة ، وتوجد لوحة تأسيسية على بوابة الضريح تشير إلى أن المدفون في المكان من ذرية جعفر الصادق ، واللوحة مكتوبة بالخط الكوفي ، ولا توجد أي مصادر تاريخية تحدد صاحب الضريح بدقة ، ولكن الصلة ب (جعفر الصادق) موثقة ومؤكدة.

... المكان عبارة عن منزل عتيق ، يتكون من دورين ، المدخل عبارة عن ردهة صغيرة جدا ، تدفعك إلى داخل المقام الذي يبدو ضيقا للغاية ، وفي الدور العلوي توجد دورة مياه ، ويحتاج هذا الطابق إلى ترميم عاجل ، وكان في الماضي كتاب لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال ...

وتشير حجج الأوقاف التي يتداولها الأهالي إلى أن ضريح ذرية جعفر الصادق ، كان واقعا تحت نظارة الخديو إسماعيل ، وهو ما يدلّ على شدة الاهتمام بالمكان والعناية به (١).

* * *

__________________

(١) من مقال كتبه الأستاذ حسام عبد ربه (آل البيت في مصر) بالصحيفة الدينية بجريدة الأخبار رمضان ١٤١٦ ه‍.

١٦٤

الباب الثالث عشر

نقابة الأشراف

والعمامة الخضراء

* أولا : نقابة الأشراف وتاريخها.

* ثانيا : العمامة الخضراء.

* ثالثا : الشرف المزور والشرف الصحيح.

أولا : نقابة الأشراف وتاريخها :

كانت (نقابة الأشراف) في مصر من أرفع الرتب الروحية ، منذ العهد الفاطمي ، وكان نقيب الأشراف هو الخليفة والسلطان ، وكان للأشراف أوقاف بمصر واسعة مترامية متزايدة ، على مر العصور ، وكان أكثرها في حكم المماليك والأتراك ، وكان لنقيب الأشراف صولة ومقام يلي مشيخة الإسلام مساويا لشيخ لمشايخ الصوفية الذي قد يجمع في بعض الأحيان بين النقابة والمشيخة ، وكان للأشراف مكانة كبرى عند الجماهير ، قد لا تدانيها مكانة أخرى على الإطلاق ، وكان للنقيب نواب عنه في المدائن والقرى.

وقد اشتهر من نقباء الأشراف في العهد الأخير (السيد عمر مكرم) ، وبعده جمع الشيخ (توفيق البكري) في فترة ما ، بين النقابة والمشيخة ، ثم انتقلت النقابة إلى بيت (الببلاوي) ، حتّى ألغيت النقابة بعد ثورة (٢٣

١٦٥

يوليو) فيما ألغي للتسوية والتقريب بين الطبقات ، ولأن النسب من حيث هو لا يغني عند الله شيئا فالقانون الإلهي : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) سواء في ذلك الأشراف والأطراف ، وإن كان لصالحي أهل البيت المقام الأوفى في الكتاب والسنة ، كما قدمنا في أول هذا الكتاب.

وقد حاول رجال إعادة النقابة رسميا ، فلم يستجب لهم ، فأقام بعضهم نفسه نقيبا بمصر ، وجعل يمارس ما استطاع من عمل النقابة في بعض أحياء القاهرة ، وجعل له وكلاء في الوجه البحري والقبلي ، حيث كانت تباع (النسبة) للأشراف بأي ثمن مادي ، فلم يبق للأشراف وزنهم القديم.

ولعله كان لو اجتمعت البيوت الشريفة الكبرى ، ووضع رجالها قانونا إيجابيا لمصلحة الأشراف وخدمة الوطن والإسلام ، ممثلا في أعمال ثقافية واجتماعية ، وإنسانية وتعاونية وغيرها ، ضمن التقاليد الموروثة ، ثم شكلوا هيئة من الشخصيات الطيبة للعمل تحت مظلة القانون ، فربما كان هذا مدخلا لإعادة تجميع الشمل على أهداف كريمة ، يرجى بعدها إعادة مجد النقابة ، والاعتراف الرسمي بها مرة أخري ، على أساس عملي قانوني رشيد.

ولكن الله أراد أن تعود الدولة إلى الاعتراف ب (نقابة الأشراف) ، لسبب أو لآخر فعينت السيد الشريف المرحوم (محمود كامل يس) نقيبا للأشراف ، حتّى إذا توفي رحمه‌الله عينت أخاه السيد (أحمد كامل يس) نقيبا ، ونرجو أن يحقق الله على يديه ما يرتقي بشرف (نقابة الأشراف) ويهيئها لخدمة الإسلام والمسلمين ، وبخاصة البيت النبوي.

١٦٦

ثانيا : العمامة الخضراء :

لم يكن من شأن الأشراف منذ عهد النبوة الامتياز بشعار معين ، أو لباس خاص ، اكتفاء في الدلالة عليهم بالعمل الصالح ، والدعوة إلى الله ، وتمثيلهم لمكارم الأخلاق ، وتمسكهم بالتعارف والتعاون والعمل والإنتاج.

حتّى كانت أيام السلطان شعبان بن حسين بن محمد بن قلاوون ، فأراد أن يوسع نطاق شعبيته ، وأن يحيط نفسه بتجمع جماهيري فاضل ، فلم يجد إلّا أن يتقرب إلى الأشراف ، ويتحبب عن طريقهم إلى النّاس ، فخصهم بما زعم أنه يرضيهم ، ومن ذلك أنه خصهم بلبس العمامة الخضراء (١) ، والاهتمام بتسجيل الأنساب ... إلخ ؛ ليكون لهم ميزة وخصيصة.

ويقول الشيخ العدوي في كتابه (مشارق الأنوار) ما ملخصه :

إنّ العلماء في وقتها اعتبروا هذه العمامة بدعة كريهة ، لما فيها من الإشعار بالفخر والفضل ، الأمر الذي يجر إلى الرياء والسمعة الخيلاء ، والشرك الخفي ، وحبوط العمل ، مما يجب أن يترفع عنه الشريف الصادق ، ولذلك قال الشاعر :

__________________

(١) ومن قبل كان العباسيون قد اتخذوا السواد من اللباس والعمائم شعارا لهم ودليلا على دولتهم ، فلعلّ تخصيص السلطان شعبان الأشراف باللباس الأخضر والعمامة الخضراء من هذا الباب. والله أعلم.

١٦٧

جعلوا لأبناء النّبيّ علامة

إن العلامة شأن من لم يشهر!!

نور النبوة في وضىء وجوههم

يغني الشريف عن الطراز الأخضر

أمّا نحن فمع هذا نقول عن العمامة الخضراء : إن لبسها النّاس على أنها عادة مجردة من المكاره الشرعية ؛ فالمرجو ألّا ينسحب عليها حكم البدعة الممنوعة ، من باب التيسير ، وإلا فتركها أحوط وأحكم وأقوم وأكرم. أمّا إذا لبسها للتعالي والتباهي ، ونحو ذلك ، فيمتنع لبسها أو يحرم.

ثالثا : الشرف المزور والشرف الصحيح :

مصر من الأقطار التي تزخر بالأشراف الموصولة أنسابهم حقيقة بسيدنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومنهم عدد كبير من أصحاب الأضرحة الشهيرة ، ثم من العائلات الكريمة ، والرجال الأكابر ، والسّادة الأماثل ، سواء بالقاهرة أو الأقاليم (قبلي وبحري).

ويوشك أن يكون كل مشايخ الطرق الصوفية وكبار أئمتها ومؤسسيها القدامى والمحدثين من النسل النبوي الشريف ، ولله الحمد.

ولهذا ؛ فإننا نسأل الله تعالى التوفيق إلى إخراج الجزء الثاني من هذا الكتاب شاملا التعريف بأولياء أهل البيت في خارج القاهرة ، ومشيرا إلى الأسرات والشخصيات الشريفة في مختلف المحافظات المصرية من الأحياء والمنتقلين إلى الرفيق الأعلى.

١٦٨

ولا يفوتنا أن نشير إلى أن عددا من النّاس استحدثوا لهم أنسابا مزورّة من هنا وهناك ، وإذن فليس كل حاملي وثائق أو قسائم النقابة أو (السراكي) هم من صحيح الأشراف ، ولا كل من لم يهتم بذلك يكون من الأطراف ، فكم من شريف أصيل بحق ، لا اهتمام له بتلك المظهريات ؛ لما يرى في مختلف أحوالها مما لا يرضي الله ولا الرسول.

وفي الأثر : «لعن الله الداخل فينا بالزور من غير نسب ، والخارج منا بالمعصية من غير سبب» ، فكيف إذا كان السبب تجاريا أو نفسيا ، أو نحوه ، وسركي النقابة لا يدخل صاحبه الجنّة ، ولا يمنعه من النار ، ولا يجلب له الغني ، ولا يمنعه من الفقر.

إنّ الشرف الحقيقي عند أهل القبلة هو : التقوى والاعتصام بالكتاب والسنة قولا وعملا وحالا (١). وتأمل قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» ، والله تعالى يقول : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ،) فلم يذكر قربى ولا نسبا جسديا ، بل ذكر الإيمان ، وفي القرآن

__________________

(١) لذلك يجب على الشريف أن يكون أهلا للانتساب إلى سيد الخلق صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، في أقواله وأفعاله وأحواله ، وإنما حب المسلمين لأهل البيت النبوي أن يأخذوا بأيديهم إلى ما فيه الخير ، وقد ورد ما يفيد حرمة عمل (أهل البيت) في الحرف الدنية والأعمال المزرية ، كما حرمت عليهم الصدقات ، فيا ليت نقابة الأشراف وكبار أهل البيت في العالم الإسلامي يسعون جاهدين لتعليم وتثقيف كل منتسب لأهل البيت ورعايتهم دينيا واجتماعيا وثقافيا ، والنهوض بهم ، خصوصا بعد أن وصل الحال ببعض المنتسبين إلى أمور خطيرة ؛ فوجدنا منهم من يقول بعدم وجوب الصّلاة عليهم لأنّ النّاس تصلّي عليهم في الصلاة ، ومنهم للأسف من قبل الدنية وسعى وراء الجاه والدنيا والشهرة .. إلخ.

١٦٩

الكريم : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ، فالشريف الحق من وقف عند حدود الله ، واعتصم بطاعة الله ورسوله ، وفي الحديث يقول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل بيته : «اشتروا أنفسكم من الله ، لا أغني عنكم من الله شيئا».

والخلاصة : إنّ هذا الفضل والشرف إنّما يكون لمن يعطي النسب حقه من الطاعة والاستقامة طوق الجهد ، أمّا من يسرف على نفسه ويتابع شيطانه ، ويعصي مولاه اعتمادا على هذا النسب فلسوف لا ينفعه سبب ولا صهر ولا نسب ، فهو عار في جبين أهل البيت ، وهو من أهل حديث الصحيحين حين صعد النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (الصفا) ونادى بطون قريش بطنا بطنا فقال لهم :

«يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار ، لا أغني عنكم من الله شيئا ، يا بني مرة بن كعب .. يا ... ، يا ...» ، إلى أن قال : «يا صفية عمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انقذي نفسك من النار ، لا أغني عنك من الله شيئا ، يا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت ، أنقذي نفسك من النار لا أغني عنك من الله شيئا».

وقد أوصى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأمرهم فقال ما مجمله : «لا يأتي النّاس يوم القيامة بالأعمال وتأتون بالأقوال ، تنادون : يا محمداه .. يا محمداه .. فأشيح بوجهي هكذا وهكذا» (١).

__________________

(١) وفي الباب آثار كثيرة ، منها : «من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه» ، و «إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء .. لينتهين قوم عن فخرهم بقوم ، أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي ترفع بأنفها النتن» ، وفي الحديث عن رب

١٧٠

وهكذا ؛ فإنه لا يغني عند الله ورقة أو وثيقة ممهورة أو موقعة أو مختومة استخرجها من استخرجها من أية جهة ، بطريق صحيح أو كاذب ، على تصديق أو تلفيق ، حقيقي كان هذا أو باطل ، فإن الشرف في التقوى والتنزه عن الهوى ، فلا العمامة الخضراء ، ولا الطراز اللافت للنظر ، ولا الوظائف ولا الأموال والجاه ، بالشيء الذي يجعل الإنسان أهلا للنسبة العليا إلى (آل البيت) ، والانتفاع بشفاعة جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنما النّبيّ جد لكل تقي ، وإن كان من كان ..

فافهم وعلم النّاس ، وتذكر الحكمة العظيمة على لسان الحق عزوجل : «الجنة لمن أطاعني ولو كان عبدا حبشيا ، والنار لمن عصاني ولو كان شريفا قرشيا».

نرجو أن يكون هذا معلوما تماما ، وأن يكون معلوما أن الموفق حقّا هو من جمع بين النسب والعمل معا ؛ فيكون حقا من (أهل البيت) رضي‌الله‌عنهم أحياء وأمواتا.

__________________

العزة جل وعلا : «إنّي جعلت نسبا وجعلتم نسبا ، فقلت : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) فأبيتم إلّا أن تقولوا فلان بن فلان ، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم».

وهذا كله لا يعني عدم أفضلية أهل البيت وما لهم من حقوق على الأمة الإسلامية ، وإنما يعني أن يكون من ينتسب لأهل البيت على مستوى هذا الانتساب من : العلم والعمل والأخلاق ، والتواضع والقدوة والقيادة والسيادة ، والعمل للإسلام ، ورضي الله عن أهل البيت أجمعين.

١٧١

كلمة ختامية

١٧٢

كلمة ختامية

أولا :

كتبت هذا الموجز التاريخي تبصرة وتذكرة بذوات الأسماء المتماثلة من (أهل البيت) ، وذلك استجابة لدافع شخصي باطني حازم ، ثمّ للرغبة الموجهة إليّ ممن لا أستطيع مخالفتهم ، من أبنائي وإخواني وساداتي في الله ، وأنا على يقين مما سيقوله ويتندر به عني أولئك الذين يتمسحون ب (السلفية) ، ويسموننا (القبوريين) أو يسموننا (المخرفين) ، حين يترفقون بنا ولا يسموننا ب (المشركين) أو (الوثنيين)!!.

ولكني بحمد الله أكتب عن سلامة عقيدة ، وصدق وتوحيد وإيمان بالغيب ، وأعرف كيف أعامل الله بما هو أهله ، وكيف أكتب عن علم وبرهان أستريح إليه ، وإني وإن لم أكن مؤرخا فقد اجتهدت ما استطعت (هذا أولا).

* * *

أمّا ثانيا :

فلا شك أنّ في بعض ما قررته وجها آخر ، فأحب أن يكون معروفا أنه لم يفتني غالبا بحمد الله هذا الوجه الآخر ، ولكنني سجلت ما ترجح عندي بدليله ، ولا أجبر أحدا ، على الإيمان بمذهبي ، فله رأيه ، والعصمة لله ، فلا ندعيها لأنفسنا ، وإنما نكتب هنا ما نحب أن نقابل الله عليه ؛ فهو عندنا يقين علمي بتوفيق الله عزوجل.

١٧٣

أمّا ثالثا :

فقد كان من بعض ما رجعت إليه في تحقيقاتي هذه : خطط القضاعي ، والمقريزي ، ومبارك ، والسخاوي ، وكتابات المؤرخ المحقق الأخ حسن قاسم رحمه‌الله ، وما جاء في مشاهد القلعاوي ، وكواكب ابن الزيات ، وجمهرة ابن حزم ، وبحر الأنساب للأزورقاني ، ولمحة البهجة للقادري ، وعمدة الطالب لابن عنبة ، والتبر المسبوك ، والنجوم الزاهرة ، ووفيات الأعيان ، والأغاني ، والخطط والآثار ، وحسن المحاضرة ، والمشارق ، والإسعاف ، والعدل الشاهد ، وقلائد الجواهر ، ومرشد الزوار ، وغيرها من كتب الرجال والطبقات ، والمزارات ، والوفيات ، بداية من ابن إسحاق إلى المناوي والشعراني .. حتّى الأصبهاني في الأغاني.

* * *

أمّا رابعا :

فإنّه ليس يلزم الزائر في الواقع ونفس الأمر اليقين أن : يكون صاحب القبر هو شخص فلان بالذات ، أو أخوه ، أو ابن عمه ، أو غيرهم ، فإن الزائر إنما يقوم بزيارة شخص مسلم ، له على المسلمين حق الزيارة ؛ فإن كان هو فكذلك ، وإن يكن غيره فالله يعامل الزائر بنيته ، وبخاصة في مكان قد جرب النّاس استجابة الدعاء فيه ، بالتواتر والتلاحق.

فالمسألة هنا أولا وأخيرا مسألة تجربة ، والتجربة الواقعة لا تكذبها الهرطقة ، ولا الفيهقة ، ولا الشقشقة الكلامية ، فإنّما العلم العملي كله

١٧٤

أساسه التجربة ، والمجرّب دائما محكوم بتجربته ، ومعذور أمامها ، وملزم بها ، وخصوصا عند ما يجد سندها قائما في دين الله.

* * *

أمّا خامسا :

فإنّه إذا كان المزور ليس هو المقصود ، أو كان يسمى في الواقع باسم آخر ، غير ما هو مشهور به عند النّاس ، فقد أصبح ما سماه به النّاس علما عليه ، قد يراد به في الأرض ، فيراد به في السماء على مقاصد النّاس ، وإنّما الأعمال بالنيات.

وعلى هذا الحكم يحمل ما يسمونه : (مشاهد الرؤيا) ، إذا صح وجودها وتسميتها ، وإن كان لنا فيها رأي عملي آخر ، فها نحن أولاء نقيم المساجد الحديثة بأسماء السلف الصالح من الرجال والنساء ، وفي أماكن لا علاقة لها بحياتهم على الإطلاق ؛ فإنّما هي (مساجد الذكرى) من جانب ، والتقدير والقدوة من جانب آخر ، ولا حرج إطلاقا علينا إذا زرنا هذه المساجد ، ودعونا الله فيها توسلا بأصحاب أسمائها ودعونا الله تعالى لهم ، ولعل في هذا شرحا لجانب من أسباب تسمية (مساجد الرؤيا) التي سميناها : (المساجد التذكارية) ، والله أعلم.

* * *

أمّا سادسا :

فلو فرضنا أنّه ليس لصاحب المشهد شفاعة ، فإنّ زيارة النّاس له وحسن الظن به ، ودعاؤهم وابتهالهم عنده ، هو نوع من شفاعتهم من

١٧٥

أجله عند الله ، ونوع من التعبد الذي تعم به البركات ، وتستنزل الرحمات ، ويطهر به المكان ويتقدس به الإنسان.

فالنفع هنا شركة بين الميت والحي ، وليس فيه محرم .. ثم إن عالم البرزخ عالم انطلاق للصالحين ، فلا يحصره حد ولا قيد ، ولا يهيمن عليه وقت ولا زمان ولا مسافة ؛ فالحدود والقيود والأبعاد والأوقات والأقيسة ، كلها أثر محدود ، لما يرتبط به الإنسان الحي المحدود من أغلال المادة الجسمية المحدودة وآثارها ، أمّا الأرواح في البرزخ ففي عالم آخر ..

(راجع كتاب «الروح» لابن القيم ، وما جاء عن «الأرواح» في بحوث القدامى والمحدثين وهو كثير وفير ، وبخاصة تحقيقات علمي : «الاسبرتزم» ، و «تحضير الأرواح». وراجع أيضا كتابنا «حياة الأرواح بعد الموت» وهو ملحق بهذا الكتاب). والحمد لله رب العالمين.

وصلي الله على سيدنا محمد ، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين ، وعلى

أزواجه وأصحابه والتابعين ، وسلّم تسليما كثيرا

وكتبه ابتغاء رضوان الله ونفع المسلمين ، والتحقيق التاريخي الملزم

المفتقر إليه تعالى وحده

محمد زكي الدين بن إبراهيم الخليل بن عليّ الشاذليّ

رائد العشيرة المحمدية ، وشيخ الطريقة الشاذلية المحمدية

ومؤسس مجلة المسلم

١٧٦

أحكام زيارة القبور

ملحق كتاب (مراقد أهل البيت)

١٧٧

* أحكام زيارة القبور

* الحكم الشرعى فى الزيارة

* حكم زيارة النساء للقبور

* سماع الموتى فى القبور

* الممنوع فى الزيارة

* قول السلف فى تقبيل القبور

* التبرك بقبور الصالحين

* كيفية الزيارة الشرعية

* شد الرحال لزيارة القبور

* الصلاة فى المساجد ذات الأضرحة

* أقوال العلماء فى البناء على القبر

* المساجد الثلاثة وما بها من قبور

١٧٨

الحكم الشرعي في زيارة القبور

وحكم شد الرحال

والصلاة في المساجد ذات الأضرحة

١) حكم زيارة القبور :

لم يختلف سلف ولا خلف على استحباب زيارة القبور ، لما جاء صحيحا في الحث عليها بشروطها ، وترغيب زيارتها بقول وفعل النّبيّ الحبيب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي الحديث الثابت عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، ألا فزوروها ولا تقولوا هجرا» (أي قول الجاهلية) ، والأحاديث في هذا الباب كثيرة ومشهورة ، ولا خلاف على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يزور أهل البقيع ويدعو لهم.

٢) زيارة النساء للقبور :

وقد أذن صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة ابنته أن تزور وترم قبر عمها (حمزة رضي‌الله‌عنه) بسفح جبل أحد ، وثبت أن عائشة رضي‌الله‌عنها زوج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت تزور قبر أخيها عبد الرحمن.

وقد علّم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عائشة رضي‌الله‌عنها كما جاء في الصحاح ماذا تقول عند زيارتها للقبور ، ورأى النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم امرأة تبكي عند قبر ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لها : «اتق الله واصبري» ، ولم يطردها ..

١٧٩

فمن منع من العلماء زيارة النساء للقبور فقد منعها من أجل ما يكون منهن من المخالفات والتجاوزات (التي يجب معالجتها) بالحسنى ، لاستحالة منع النساء عن الزيارة خصوصا في هذه الأيام.

أمّا منع النساء من اتباع الجنائز فمتفق عليه نهائيا ، لصحة حديثه ، ولتحقق مفاسده.

بل إنّ بعض الأئمة يرى أن زيارة النساء للقبور ألزم من زيارة الرجال لما توحيه من الصبر والذكرى والخوف والفوائد المتعددة التي تشتد إليها حاجة النساء.

٣) معلومات عن الزيارة :

والصحيح أنّ زيارة القبور جائزة في كل وقت وكل يوم ، غير أن بعض الأئمة يفضل الزيارة من عصر يوم الخميس إلى فجر يوم السبت ، لآثار وردت في ذلك ..

أمّا الزيارة في المواسم فهي عادة عند النّاس فقط وليست بسنة ، كما أنه لم يرد نهي عن الزيارة في المواسم أو الأيام المباركة أو غيرها ؛ فتكون مباحة إن شاء الله في حدودها الشرعية في كل الأيام والأوقات لفوائدها العديدة.

وقد ألف بعض السلف في نظام الزيارة كتبا مباركة بينوا فيها بدء الزيارة ومسارها ونهايتها من قبر إلى قبر ، ومن مشهد إلى مشهد ، حين لم يكن بمصر إلا القرافة الكبرى والصغرى ، غير أن الأمور قد اختلطت وتغيرت نهائيا اليوم وتعددت (القرافات) وصحارى المدافن ، وتحولت مساكن إلى قبور .. والعكس.

١٨٠