الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-173-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

اختلف المؤرخون في اختصاصات هذه القبائل بتلك الجهات والأجزاء (١) ، ولا مجال لتأكيد أو نفي أي من الأقوال في ذلك ، ولا سيما في موارد كهذه ، يجهد فيها كل فريق أن ينيل من يميل إليهم بعض الشرف ، ومواقف الكرامة.

وأما عن تاريخ بناء البيت فقد اختلفت كلمات المؤرخين فيه ، فهذا يقول :

إن بناءه كان حين بلوغه «صلى الله عليه وآله» الحلم ، أي بعد الفيل ب ١٥ سنة (٢).

وآخر يقول : إنه بني بعد الفيل بخمس وعشرين سنة (٣).

وثالث يقول : إنه كان بعد الفيل بخمس وثلاثين سنة ، أي قبل البعثة بخمس سنين (٤).

ولعل هذا الأخير هو الأشهر.

وضع الحجر الأسود :

ولما بلغ البنيان موضع الحجر الأسود اختصموا : كل قبيلة تريد هي أن تنال شرف رفعه إلى موضعه ، وكاد أن يؤدي الأمر بهم إلى السيف ، حتى

__________________

(١) راجع : سيرة ابن هشام ج ١ ص ٢٠٧ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣٠٢ ، والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٤.

(٢) مصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ٣١٨ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣٠٠ عن الزهري.

(٣) البداية والنهاية ج ٢ ص ٣٠٠ عن موسى بن عقبة ، عن مجاهد ، وعروة ومحمد بن جبير بن مطعم ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٩ عن تاريخ يعقوب.

(٤) السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠٤ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣٠٠.

٢٦١

جاء بنو عبد الدار ، وبنو عدي بإناء فيه دم ؛ فوضعوا أيديهم فيه ، ومعهم بنو سهم ، وبنو مخزوم (١) ، وتحالفوا على الموت ـ فسموا : «لعقة الدم» (٢) ، حتى أشار أبو أمية بن المغيرة ـ والد أم سلمة ، أم المؤمنين ، وأحد أجواد قريش ، ويقول البلاذري : «أبو مهشم بن المغيرة» ـ بأن يحكموا أول داخل عليهم من باب السلام ، وهو باب بني شيبة ، أو من باب الصفا على الاختلاف.

فكان الرسول «صلى الله عليه وآله» أول داخل ، فلما رأوه قالوا : هذا الأمين ، رضينا ، هذا محمد.

ويقول البعض : إنهم كانوا يتحاكمون إلى النبي «صلى الله عليه وآله» في الجاهلية ؛ لأنه كان لا يداري ، ولا يماري (٣).

فلما أخبروه بالأمر طلب ثوبا ، أو بسط إزاره ـ على الاختلاف ـ ثم أخذ الحجر ؛ فوضعه فيه بيده ، ثم قال : لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه جميعا ، ففعلوا ، فلما حاذوا موضعه أخذه رسول الله «صلى الله عليه وآله» بيده الشريفة ، فوضعه مكانه.

ملاحظات هامة :

١ ـ إن بني عبد الدار ، ومعهم بنو سهم ، ومخزوم وعدي قد جاؤوا بالدم ، فوضعوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على الموت ، ونجد في مقابل ذلك : أن بني عبد مناف قد جاؤوا بالغالية ـ وهي نوع من الطيب ـ فوضعوا أيديهم

__________________

(١) شرح النهج للمعتزلي ج ١٤ ص ١٢٩.

(٢) السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ٢٠٩ ، والبداية والنهاية ج ٢ ص ٣٠٣.

(٣) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٥.

٢٦٢

فيها ، حينما تحالفوا زمن قصي في مقابل بني عبد الدار ؛ فسموا حلف المطيبين.

ولبني عبد مناف حلف آخر هو أكرم وأشرف حلف سمع به في العرب (١) ، وهو حلف الفضول الذي أمضاه الإسلام ، حسبما تقدم ، وكان في مقابلهم حلف الأحلاف ، من قبل بني عبد الدار ، وسهم ، وجمح ، ومخزوم ، وعدي ، ولا يقصد في حلفهم إلا الشرف الدنيوي ، ولو أريقت الدماء ، وأزهقت النفوس.

ولعل هذا يعكس بوضوح الفرق بين الاتجاهين ، ونوعية التفكير ، ومستوى الوعي ، والنظرة للحياة لدى كل من الفريقين.

ولا نبالغ إذا قلنا : إن من الممكن أن نفهم من مراجعة كتب التاريخ والأنساب : أن بني عبد مناف ، ولا سيما آل أبي طالب كانوا هم رجالات الإسلام ، والهداة إلى الحق ، والمجاهدين في سبيل الدين.

بينما نجد بني عبد الدار ، والمتحالفين معهم أقل تحمسا للدين ، وتضحية في سبيله ، بل ويكثر فيهم المناوئون له ، والحاقدون عليه.

٢ ـ إن اشتراط قريش : أن تكون نفقة الكعبة طيبة ، لا ربا فيها ، ولا مظلمة لأحد إلخ .. إن دل على شيء فإنما يدل ولا شك على شعور حقيقي بقبح هذه الأمور ، وعدم رضا الله والوجدان بها.

وقد يفسر ذلك أيضا باقتضاء الفطرة لذلك ، وحكم العقل بقبحه.

ونحن ، وإن كنا نعترف بأن ذلك كذلك ، بل إن كل أحكام الدين

__________________

(١) البداية والنهاية ج ٢ ص ٢٩١.

٢٦٣

موافقة للفطرة ، ولأحكام العقل ، إلا أننا لا بد أن نضيف هنا :

أنه يدل أيضا على بقاء شيء من تعاليم الحنيفية فيهم ، خصوصا عند قريش ، وبني عبد مناف ، ولذلك يلاحظ كثرة الإشارات إلى دين إبراهيم ، وما يدل على إيمانهم بالله في كلمات عبد المطلب ، وأبي طالب «عليهما السلام» كثير ، وما الخطبة التي ألقاها أبو طالب حينما طلب يد خديجة للنبي «صلى الله عليه وآله» عنا ببعيدة.

٣ ـ إن ما تقدم يدل على أن أهل مكة كانوا يتعاملون بالمنطق القبلي حتى في تعاونهم على بناء البيت ، وحمل الحجارة له ، وهو أقدس مقدساتهم ، ورمز عزهم ومجدهم وكرامتهم ، بل وعليه تقوم حياتهم ، وإن تحالف لعقة الدم حين الاختصام فيمن يرفع الحجر إلى موضعه ، ليعتبر الذروة في هذا الأمر ، الذي يمجه الذوق ، وتنبو عنه الفطرة ، ويرفضه العقل السليم.

٤ ـ وبعد هذا ، فإن ما يلفت نظرنا : هو فرح قريش حينما رأوا النبي «صلى الله عليه وآله» أول داخل عليهم ، ثم وصفهم له بأنه «الأمين» ، مما يعني أنه «صلى الله عليه وآله» كان يحتل مكانة خاصة في نفوس الناس في مكة ، حيث تسكن قريش سيدة القبائل العربية كلها ، حتى إنهم كانوا يحكّمونه في كثير مما كان يشجر بينهم ، ويضعون كل ثقتهم فيه ، حتى لقبوه ب «الأمين».

بل إننا نجد : في كلمات أبي طالب المتقدمة ، خير شاهد على مكانته «صلى الله عليه وآله» ، وعلو منزلته ، وشرفه ، وسؤدده.

وفي موقف أمية بن خلف في غزوة بدر دلالة على ذلك أيضا (١) فراجع.

__________________

(١) سيأتي ذلك في أوائل غزوة بدر إن شاء الله.

٢٦٤

خرافة انحلال الإزار :

هذا ، وبعد كل ما تقدم ، فإننا نواجه هنا أكذوبة مفضوحة ، ليس الهدف منها إلا الحط من كرامة النبي «صلى الله عليه وآله» ، والإساءة لمقامه الأقدس ، من أولئك الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، ولم يسلموا وإنما استسلموا ، وأقسموا على العمل على دفن ذكر محمد ، وطمس اسمه ودينه ، ولكن الله سبحانه وتعالى يأبى إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.

وتلك الأكذوبة التي هي واحدة من مئات أمثالها ، مما تقشعر له الا بدان ، ويشتد له غضب الرحمن ، هي التالية : روى الشيخان ، وغيرهما من المؤلفين في التاريخ والحديث ، ممن تجمعهم معهما رابطة الدين ، والسياسة ، والصنعة ـ والنص للبخاري ـ : «أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» كان ينقل معهم الحجارة للكعبة ، وعليه إزاره ، فقال له العباس عمه : يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة؟ ..

قال : فحلّه ، فجعله على منكبيه ؛ فسقط مغشيا عليه ، فما رؤي بعد ذلك عريانا» (١).

وفي رواية أخرى للبخاري في كتاب الحج : «فخر إلى الأرض ، فطمحت

__________________

(١) البخاري ، باب كراهية التعري في الصلاة ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ١ ص ٥٠ وص ١٨١ وج ٢ ص ٢٠٣ ، وصحيح مسلم ط سنة ١٣٣٤ ه‍ ج ١ ص ١٨٤ ، ومسند أحمد ج ٣ ص ٢٩٥ و ٣١٠ و ٣٣٣ ، وج ٥ ص ٤٥٤ و ٤٥٥ ، والمصنف ج ٥ ص ١٠٣ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٧ عن الصحيحين وعن البيهقي. وراجع : مرآة الجنان ج ١ ص ١٩ والغدير ج ٩ ص ٢٨٥ و ٢٨٦ عن البخاري ومسلم وعن السيرة النبوية لابن هشام ج ١ ص ١٩٧.

٢٦٥

عيناه ، فقال : أرني إزاري ، فشده عليه».

ونحن لا نشك أن ذلك مختلق ومفتعل ، ونكتفي بالإشارة هنا إلى ما يلي :

أولا : إن ثمة تناقضا ظاهرا بين هذه الروايات ، الأمر الذي يذكرنا بالمثل المشهور : «لا حافظة لكذوب» ، وكمثال على ذلك نذكر :

أن رواية تقول : إن تعريه «صلى الله عليه وآله» كان وهو صغير ، حينما كان يلعب مع الصغار ، وكلهم قد تعرى ، وهم أيضا ينقلون الحجارة للعب ، فلكمه لاكم لا يراه ، وقال : شد عليك إزارك (١).

وفي أخرى : أن ذلك كان حينما كان عمه أبو طالب يصلح زمزم ، فأمر بالستر ، من قبل متكلم لا يراه (٢).

وثالثة تذكر : أن ذلك كان حين بناء البيت ، وهي المتقدمة ، ومعنى ذلك أن عمره كان ٣٥ سنة.

ونوع آخر من الاختلاف ، وهو : أن النمرة (٣) قد ضاقت عليه ، فذهب يضعها على عاتقه ، فبدت عورته ، لصغر النمرة ؛ فنودي : يا محمد ، خمر (٤) عورتك ، فلم ير عريانا بعد ذلك (٥).

__________________

(١) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٢٢ وفتح الباري ج ٧ ص ١١١ عن ابن إسحاق وسيرة ابن هشام ج ١ ص ١٩٤ والبداية والنهاية ج ٢ ص ٢٨٧.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٢ و ١٢٢.

(٣) النمرة : شملة (كساء) من صوف فيها خطوط بيض وسود.

(٤) خمر : ستر.

(٥) مسند أحمد ج ٥ ص ٤٥٥ ، ومصنف عبد الرزاق ج ٥ ص ١٠٣.

٢٦٦

وأخرى تقول : إن العباس طلب منه أن يضع إزاره عن عاتقه (١).

ورواية تقول : صرع.

وأخرى : لكم.

وثالثة : أغمي عليه.

إلى آخر ما هنا لك من وجوه الاختلاف.

طريق جمع فاشل :

وقد حاول العسقلاني والحلبي الجمع بين الروايات :

فقال العسقلاني : إن النهي السابق لم يكن يفهم منه الشمول لصورة الاضطرار العادي ، وحين بناء البيت اضطر إلى ذلك ، فرأى أن لا مانع من التعري حينئذ (٢).

وهكذا يبذل هؤلاء المحاولات لإثبات هذا الأمر الشنيع على الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، لأن ذلك قد ورد في صحيح البخاري ، وهو الكتاب المقدس عندهم ، بل هو أصح شيء بعد القرآن ، بل إن القرآن فيه تحريف ونسخ للتلاوة وغيرها عندهم ، أما البخاري فيجل عن ذلك!!

مع أنه قد فات العسقلاني هنا : أنه قد جاء في رواية أبي الطفيل : «فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد» (٣).

__________________

(١) ربما يجاب عن ذلك بأن العباس حين رأى ضيق النمرة طلب منه ذلك فأجاب ، فنودي.

(٢) فتح الباري ج ١ ص ٤٠١.

(٣) فتح الباري ج ٧ ص ١١١.

٢٦٧

هذا كله عدا عن أنه هو نفسه يذكر : أنه «صلى الله عليه وآله» كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها (١)

ثم جاء الحلبي ، وقال : إن من الممكن أن تكون عورته «صلى الله عليه وآله» قد انكشفت ، لكن لم يرها أحد حتى العباس (٢).

ولكن ما يصنع الحلبي بعبارة البخاري وغيره ، والتي تنص على أنه : ما رؤي بعد ذلك عريانا.

وعبارة أبي الطفيل : ما رئيت له عورة قبل ولا بعد.

ثانيا : ومما يكذب ذلك :

ما ورد عنه «صلى الله عليه وآله» ـ وكأنه تنبأ عما سوف يقال زورا وبهتانا عنه ـ : من كرامتي على ربي : أن أحدا لم ير عورتي ، أو ما هو قريب من هذا (٣).

ثالثا : لقد قال عنه أبو طالب «عليه السلام» ، قبل بناء البيت بعشر سنوات : إنه «صلى الله عليه وآله» لا يوزن برجل إلا رجح به ، ولا يقاس به أحد إلا وعظم عنه إلخ ، فكيف إذا يقدم هذا الرجل العظيم على التعري أمام الناس حين حمله الحجارة للكعبة؟!. خصوصا في ذلك المكان المقدس

__________________

(١) فتح الباري ج ١ ص ٤٠١.

(٢) السيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٢.

(٣) السيرة الحلبية ج ١ ص ٥٣ و ٥٤ و ١٤٢. وكنز العمال ج ١٢ ص ٨٣ عن الطيالسي والخطيب وابن عساكر ، والطبراني وتهذيب تاريخ دمشق ج ١ ص ٣٥٠ والمعجم الصغير ج ٢ ص ٥٩.

٢٦٨

عند قريش والعرب.

رابعا : إن ثمة روايات تفيد : أنه «صلى الله عليه وآله» كان مصونا من رؤية عورته حتى بالنسبة لأزواجه ؛ فعن عائشة : ما رأيت عورة رسول الله «صلى الله عليه وآله» قط ، أو نحو ذلك (١).

وإن كانت قد عادت فذكرت : أن زيد بن حارثة قرع الباب ، فقام إليه رسول الله يجر ثوبه عريانا ، قالت : «والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده ، فاعتنقه ، وقبّله» (٢).

لكن نصا آخر يقول : «فما رأيت جسمه قبلها» (٣) ، وهذا هو الأقرب إلى الصواب ، بملاحظة ما قدمناه وما سيأتي.

خامسا : في حديث الغار : أن رجلا كشف عن فرجه ، وجلس يبول ، فقال أبو بكر : قد رآنا يا رسول الله ، قال : لو رآنا لم يكشف عن فرجه (٤).

وهذا يدل على أن المشركين كانوا يستقبحون أمرا كهذا ، ولا يقدمون عليه ، فكيف فعله الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله»؟!

__________________

(١) الشفاء لعياض ج ١ ص ٩٥ وشرحه للقاري عن ابن ماجة ، والترمذي في شمائله وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦١١ عن الترمذي في الشمائل ص ٢٦ ، ولسان الميزان ج ٢ ص ٩ والسيرة الحلبية ج ١ ص ١٤٢ ، وسنن ابن ماجة ج ١ ص ٦١٩ وراجع : صيد الخاطر ص ٤٨١ والمعجم الصغير ج ١ ص ٥٣.

(٢) حياة الصحابة ج ٢ ص ٥٤٤ ـ ٥٤٥ عن الترمذي ج ٢ ص ٩٧ وقال : حسن غريب.

(٣) صيد الخاطر ص ٤٨١.

(٤) فتح الباري ج ٧ ص ١٠ ، والسيرة الحلبية ج ٢ ص ٣٧ ، والبحار ج ١٩ ص ٧٨ عن المناقب لابن شهر آشوب ج ١ ص ١١١.

٢٦٩

سادسا : لقد روي أنه «صلى الله عليه وآله» كان أشد حياء من العذراء في خدرها (١) ، فهل العذراء الخجول تستسيغ لنفسها التعري أمام الناس؟

سابعا : عن ابن عباس : كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يغتسل وراء الحجرات ، وما رأى أحد عورته قط (٢).

ثامنا : وقد عد من خصائصه «صلى الله عليه وآله» : أنه لم تر عورته قط ، ولو رآها أحد لطمست عيناه (٣).

فلماذا لم تطمس عينا العباس ، الذي كان حاضرا وناظرا ، وشد عليه إزاره ، وكذا أعين سائر من رآه حين بناء البيت؟! وكذلك لماذا لم تطمس أعين رفقائه الصغار ، الذين رأوا منه ذلك وهم يلعبون؟! فإن كانوا قد رأوا ، فاللازم هو طمس أعينهم ، وإن لم يكونوا قد رأوا ، فلماذا هذا الكذب والافتراء ، وسوء الأدب ، والجرأة على مقام النبي الأقدس «صلى الله عليه وآله» ، والتفوّه بما يتنافى مع شرفه ، وعلو منزلته وكرامته ، وسؤوده ، وتسديد الله له؟ نعوذ بالله من الخذلان ، ومن وساوس الشيطان.

تاسعا : لقد روي عن أمير المؤمنين «عليه السلام» قوله : ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه ، ويجلس بين قوم (٤).

__________________

(١) راجع الغدير ج ٩ ص ٢٨١ ، وعن البخاري ومسلم.

(٢) الغدير ج ٩ ص ٢٨٨ عن شرح المواهب للزرقاني ج ٤ ص ٢٨٤ ، وعن فتح الباري ج ٦ ص ٤٥٠.

(٣) الشفاء للقاضي عياض ج ١ ص ٩٥ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢١٤.

(٤) البحار ج ٧٥ ص ٤٦٦.

٢٧٠

فكيف إذن يكشف النبي الأعظم عورته أمام الناس يا ترى؟

وأخيرا ، فإن ثمة نصوصا أكثر شناعة وقباحة من ذلك ، نجلّ مقام النبي «صلى الله عليه وآله» الأقدس عن ذكرها.

ثوبي حجر!!

وبالمناسبة ، فإن أمثال هذه الافتراءات قد تعدت نبينا الأكرم «صلى الله عليه وآله» إلى نبي الله موسى «عليه السلام» ولكن بنحو أكثر شناعة ، وأشد قباحة ، حيث نسبت ذلك إلى فعل الله سبحانه به.

فلقد روى البخاري وغيره : «أن بني إسرائيل اتهموا موسى بأنه آدر (أي مصاب بانتفاخ في خصيته بسبب الفتق) فنزع ثوبه ؛ ووضعه على حجر واغتسل ، فلما أراد أن يأخذ ثوبه عدا الحجر بثوبه ، فأخذ موسى عصاه ، وطلب الحجر ، فجعل يقول :

ثوبي حجر ، ثوبي حجر ، حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى ، فقالوا : والله ما بموسى من بأس ، وأخذ ثوبه ، فطفق بالحجر ضربا.

قال أبو هريرة : فو الله ، إن بالحجر لندبا : ثلاثا ، أو أربعا ، أو خمسا ، فذلك قوله تعالى : (لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً)(١)» (٢).

__________________

(١) الآية ٦٩ من سورة الأحزاب.

(٢) البخاري ط سنة ١٣٠٩ ه‍ ج ١ ص ٤٠ وج ٢ ص ١٥٨ ، ومسند أحمد ج ٢ ص ٣١٥ والدر المنثور ج ٥ ص ٢٢٣ عنه وعن عبد الرزاق ، وأحمد ، وعبد بن حميد ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه وابن الأنباري في المصاحف ،

٢٧١

ونقول : لا ندري كيف لم يلتفت موسى إلى نفسه ، حتى بلغ مجالس بني إسرائيل؟! وما هو الذي أفقده صوابه حتى خرج عن حيائه وسجيته التي ذكرتها الرواية : أنه كان حييا ستيرا لا يرى من جلده شيء استحياء منه؟!.

ولا ندري ما هي حقيقة هذا الحجر العبقري! الذي يهرب من موسى ، ويتركه يعدو خلفه؟! ولا ندري كذلك كيف التفت موسى إلى عصاه قبل أن يلحق بالحجر ، وما الذي خطر في باله آنئذ؟!.

وإذا لم يكن الحجر مأمورا ، فما الذي جعله يقوم بهذه العملية ، ويخرجه عن وضعه الطبيعي؟! وإذا كان مامورا ، فلماذا لم يدرك موسى ذلك بمجرد تحرك الحجر بثوبه الذي هو أمر خارق للعادة؟. هذا مع كونه يناديه ويخاطبه ، حتى كأنه عاقل مدرك لما يقول!!

وأخيرا ، فإنني لا أدري ما هو ذنب هذا الحجر ، حتى استحق هذا الضرب الوجيع الذي أثر فيه وجعل فيه ندبا؟! ولماذا لم يعين لنا عدد تلك الندب ، فذكرت على نحو الترديد : ثلاثا ، أو أربعا ، أو خمسا؟!.

وفي بعض الروايات : ستا ، وسبعا؟!.

وإذا كان أبو هريرة قد بلغ به النسيان هذا الحد ، فكيف استطاع أن

__________________

والبزار ، والحاكم وصححه ، وابن أبي شيبة ، عن أبي هريرة ، وأنس ، وابن عباس ، وتفسير الميزان ج ١٦ ص ٣٥٣ ، وتفسير القمي ج ٢ ص ١٩ بسند حسن ولكن نسبة التفسير إلى القمي مشكوك فيها ومشكل الآثار ج ١ ص ١١ وتفسير نور الثقلين ج ٤ ص ٣٠٩ وتفسير البرهان ج ٣ ص ٣٣٩ ، وكشف الأستار ج ٣ ص ٦٦ ومجمع الزوائد ج ٧ ص ٩٣.

٢٧٢

يحفظ تلك التفاصيل الدقيقة للقصة نفسها؟!.

ثم كيف استطاع أن يحفظ هذه الآلاف المؤلفة من الأحاديث عن رسول الله «صلى الله عليه وآله»؟!.

هذا ، وتحسن الإشارة هنا إلى أنه لا يرد كثير مما ذكرنا على رواية القمي التي لم تذكر عصاه ومناداته ، وضربه للحجر ، ولعلها أقرب إلى الاعتبار من تلك الرواية البخارية.

وقد جاء أن آية إيذاء موسى قد نزلت في طعن بني إسرائيل على موسى بسبب هارون : لأنه توجه معه إلى زيارة ، فمات هارون ؛ فدفنه موسى ؛ فاتهمه بعض بني إسرائيل بقتله ، فبرأه الله تعالى بأن أخبرهم جسد هارون بأنه مات ولم يقتل (١).

هذا .. وقد أشرنا في موضوع آخر إلى ما ورد في كتب أهل الكتاب حول تعري الأنبياء «عليهم السلام» ، وأنها هي الأصل في أمثال هذه الترهات.

حياء عثمان :

هذا ، ولا بأس بالمقارنة بين ما يذكر هنا عن نبينا الأعظم «صلى الله عليه وآله» وبين ما يذكر عن حياء عثمان ، حتى إن أبا بكر وعمر ليدخلان على النبي «صلى الله عليه وآله» ، وفخذه مكشوفة ، فلا يسترها ، حتى إذا دخل عليه عثمان جلس ، وستر فخذه ، وسوّى عليه ثيابه ؛ فتسأله عائشة ؛ فيجيبها بأنه : ألا يستحي

__________________

(١) فتح الباري ج ٦ ص ٣١٣ عن ابن مردويه والطحاوي ، وابن منيع بسند حسن ، والدر المنثور ج ٥ ص ٢٢٣ عن هؤلاء وعن ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم وصححه عن ابن عباس ، ومشكل الآثار ج ١ ص ١٢.

٢٧٣

من رجل تستحي منه الملائكة؟ أو ما هو قريب من هذا (١).

هذا ، مع أن هذا النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه يأمر ويؤكد باستمرار بالحياء ، ويحث عليه ، فيقول : إذا لم تستح ، فاصنع ما شئت.

ويقول : الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة عنه «صلى الله عليه وآله» ولا مجال لتتبعها.

كما أن أبا سعيد الخدري قد وصف النبي «صلى الله عليه وآله» بأنه : أشد حياء من العذراء في خدرها (٢).

__________________

(١) مجمع الزوائد ج ٩ ص ٨٢ ، والبداية والنهاية ج ٧ ص ٢٠٢ عن الطبراني في الكبير ، والأوسط ، ومسند أحمد ، وأبي يعلى ، وتاريخ جرجان ص ٤١٦ ، والمصنف ج ١١ ص ٢٣٢ ـ ٢٣٣ والمحاسن والمساوئ ج ١ ص ٦١ وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦١١ و ٦١٢ عن الأولين ومشكل الآثار ج ٢ ص ٢٨٣ ـ ٢٨٤ ، ومسند أحمد ج ١ ص ٧١ وج ٦ ص ٦٢ و ١٥٥ و ١٦٧ وصحيح مسلم ج ٧ ص ١١٦ ـ ١٧٧ ، والغدير ج ٩ ص ٢٧٤ و ٢٧٥ و ٢٨٧ وص ٢٩٠ عن الأخيرين وعن : مصابيح السنة ج ٢ ص ٢٧٣ ، والرياض النضرة ج ٢ ص ٨٨.

وراجع : تأويل مختلف الحديث ص ٣٢٣ والتراتيب الإدارية ج ٢ ص ٣٨٣ و ٣٨٤ وفيه أحاديث أخرى عن حياء الملائكة من عثمان وراجع أيضا : مسند أبي يعلى ج ٧ ص ٤١٥.

(٢) البداية والنهاية ج ٦ ص ٣٦ ، ومجمع الزوائد ج ٩ ص ١٧ ، عن الطبراني بإسنادين ، رجال أحدهما رجال الصحيح ، وصحيح مسلم ج ٧ ص ٨٧ ، والغدير ج ٩ ص ٢٨١ عن البخاري باب صفة النبي «صلى الله عليه وآله» وعن مسلم ، وحياة الصحابة عن بعض من تقدم وعن الترمذي ص ٢٦.

٢٧٤

وأيضا ، فإنهم ينقلون عنه «صلى الله عليه وآله» : أنه أمر رجلا بستر فخذه ؛ فإنها من العورة (١).

وأما ما يدل على أن ما بين السرة والركبة عورة ، فكثير أيضا (٢).

وعن حياء أبي موسى وأبي بكر ، والخدري (٣) هناك نصوص لا مجال لإيرادها فعلا.

وقد قال العلامة الأميني : «هب أن النهي عن كشف الأفخاذ تنزيهي ، إلا أنه لا شك في أن سترها أدب من آداب الشريعة ، ومن لوازم الوقار ، ومقارنات الأبهة ، ورسول الله «صلى الله عليه وآله» أولى برعاية هذا الأدب

__________________

(١) مسند أحمد ج ٥ ص ٢٩٠ وج ١ ص ٢٧٥ ، وصحيح البخاري ج ١ ص ٥١ وسنن البيهقي ج ٢ ص ٢٢٨ ، والإصابة ج ٣ ص ٤٤٨ ، وفتح الباري ج ١ ص ٤٠٣ ، ونيل الأوطار ج ٢ ص ٥٠ ، ومستدرك الحاكم ج ٤ ص ١٨٠ ـ ١٨١ ، ومجمع الزوائد ج ٢ ص ٥٢ عن أحمد والطبراني في الكبير والغدير ج ٩ ص ٢٨٢ فما بعدها عن من تقدم وعن إرشاد الساري ، وابن حبان في صحيحه وليراجع : موطأ مالك ، والترمذي ، وأبو داود ، ومشكل الآثار ج ٢ ص ٢٨٤ و ٢٨٥ و ٢٨٦ وحتى ص ٢٩٣ ، والمصنف ج ١١ ص ٢٧ وتأويل مختلف الحديث ص ٣٢٣ ـ ٣٢٤.

(٢) راجع : الغدير ج ٩ ص ٢٨٥ و ٢٨٤ و ٢٨٨ ـ ٢٩٠ و ٢٩١ و ٢٩٢ ، والمعجم الصغير ج ٢ ص ٩٦ ، وحياة الصحابة ج ٢ ص ٦١٢ ـ ٦١٣ تجد كثيرا من أقوال العلماء والنصوص حول ذلك.

(٣) راجع : طبقات ابن سعد ج ٤ ص ١١٣ و ١١٤ والزهد والرقائق ص ١٠٧ وربيع الأبرار ج ١ ص ٧٦٠ وحياة الصحابة ج ٣ ص ٤٨٢ عن كنز العمال ج ٨ ص ٣٠٦ وج ٥ ص ١٢٤ وعن حلية الأولياء ج ١ ص ٣٤ ، والغدير ج ٧ ص ٢٤٨ وج ٩ ص ٢٨١.

٢٧٥

الذي صدع به هو الخ ..» (١).

أهل الكتاب ، وتعري الأنبياء عليهم السّلام :

ولا بد أن نشير أخيرا : إلى أننا نجد لهذا الأمر أصلا عند أهل الكتاب ، فلعل الخطة الأموية الملعونة قد استفادت أصل هذا الموضوع من أهل الكتاب!!.

فقد جاء في أخريات العشرين من أشعيا : أن الله أمر نبيه أشعيا : أن يمشي عريانا وحافيا بين الناس ثلاث سنين ، ليبلغ الناس ، ويقول لهم :

هكذا يسوق ملك آشور سبي مصر ، وجلاء كوش الفتيان والشيوخ عراة وحفاة ، ومكشوفي الأستاه ، خزيا لمصر.

وجاء في تاسع التكوين الفقرة (٢١) : وشرب نوح من الخمر فسكر ، وتعرى داخل جنانه.

وفي صموئيل الأولى ، الإصحاح التاسع عشر ، الفقرة ٢٣ / ٢٤ : «فكان يذهب ويتنبأ ، حتى جاء نايوت في الرامة ، فخلع هو أيضا ثيابه ، وتنبأ هو أيضا أمام صموئيل ، وانطرح عريانا ذلك النهار كله ، وكل الليل ، لذلك يقولون : أشاول أيضا بين الأنبياء».

ولادة الزهراء عليها السّلام :

يذكر البعض : أن فاطمة الزهراء «عليها السلام» ، بنت الرسول الأكرم «صلى الله عليه وآله» ، قد ولدت قبل البعثة ، ثم يختلفون ـ أولئك البعض ـ

__________________

(١) الغدير ج ٩ ص ٢٨٥.

٢٧٦

فيما بينهم في تحديد سنة ولادتها ، فبعضهم يقول : إنها ولدت سنة بناء الكعبة ، أي قبل البعثة بخمس سنين (١).

وبعضهم يقول : إنها ولدت قبل البعثة بسبع سنين (٢) ؛ وقيل (٣) : باثنتي عشرة سنة (٤).

والقائلون بأنها ولدت بعد البعثة اختلفوا أيضا ، بين قائل : إنها ولدت سنة البعثة (٥).

وقيل : في الثانية (٦).

__________________

(١) راجع : تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٧ ، وذخائر العقبى ص ٥٢ ومقاتل الطالبيين ص ٤٨ ، وسيرة مغلطاي ص ١٧ عن ابن الجوزي. والبحار ج ٤٣ ص ٩.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٨ ، وذخائر العقبى ص ٥٢.

(٣) المصدران السابقان.

(٤) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٧ ، وذخائر العقبى ص ٥٢ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٨ والاستيعاب هامش الإصابة ج ٤ ص ٣٧٤ ، واختاره الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٦١.

(٥) البحار ج ٤٣ ص ٨ عن إقبال الأعمال ، عن حدائق الرياض ، للشيخ المفيد رحمه الله وتاريخ الخلفاء ص ٧٥ ، وهو مقتضى كلام العسقلاني في تهذيب التهذيب : ج ٢ ص ٤٤١ حيث قال : إنها تزوجت في السنة الثانية من الهجرة وعمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصفا.

(٦) البحار : ج ٤٣ ص ٩ ، وفي الاستيعاب (بهامش الإصابة) : ج ٤ ص ٣٧٤ أنها ولدت سنة إحدى وأربعين من مولد النبي «صلى الله عليه وآله» ونهاية الإرب ج ١٨ ص ٢١٣.

٢٧٧

وقيل : سنة إحدى وأربعين من عمره الشريف (١).

القول الحق :

والقول الحق هو ما عليه شيعة أهل البيت تبعا لأئمتهم «عليهم السلام» ، وأهل البيت أدرى بما فيه ، وتابعهم عليه جماعة من غيرهم ، وهو أنها قد ولدت في السنة الخامسة من البعثة ، وتوفيت وعمرها ثمانية عشر عاما (٢).

ويدل على ذلك ويؤيده ، ما يلي :

١ ـ قول أمير المؤمنين «عليه السلام» ، وهو يتحدث عن بعثة النبي «صلى الله عليه وآله» : «ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء ، فأراه ولا يراه

__________________

(١) في مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٦٣ ذكر أنها ماتت وعمرها (٢١) سنة وولدت على رأس (٤١) من مولده «صلى الله عليه وآله» ، وكذا في نهاية الإرب ج ١٨ ص ٢١٣ ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج ٢ ص ٧١ والتبيين في أنساب القرشيين ص ٩١ ومختصر تاريخ دمشق ج ٢ ص ٢٦٩ والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٨ والاستيعاب بهامش الإصابة ج ٤ ص ٣٧٤ ، وسيرة مغلطاي ص ١٧ ، والبحار ج ٤٣ ص ٨ ، وملحقات إحقاق الحق للمرعشي ج ١٠ ص ١١ عن الثغور الباسمة للسيوطي وراجع : البصائر والذخائر ج ١ ص ١٩٣ وتاريخ اليعقوبي ج ٢ ص ٢٠.

(٢) ذخائر العقبى ص ٥٢ وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٨ نقلا عن الإمام أبي بكر أحمد بن نصر بن عبد الله الدراع في كتاب تاريخ مواليد أهل البيت ومروج الذهب : ج ٢ ص ٢٨٩ ، والبحار ج ٤٣ ص ١ ـ ١٠ عن الكافي بسند صحيح ، والمصباح الكبير ، ودلائل الإمامة ، ومصباح الكفعمي ، والروضة ، ومناقب ابن شهر آشوب ، وفي الأخيرين : أنها ولدت بعد البعثة بخمس سنين ، وبعد الإسراء بثلاث سنين ، وكذا في كشف الغمة ج ٢ ص ٧٥ ، وإثبات الوصية للمسعودي ، وغيره.

٢٧٨

غيري. ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وخديجة ، وأنا ثالثهما.

أرى نور الوحي والرسالة ، وأشم ريح النبوة ، ولقد سمعت رنة الشيطان حين نزل الوحي عليه «صلى الله عليه وآله» ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذه الرنة؟

فقال : هذا الشيطان أيس من عبادته. إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي. ولكنك وزير ، وإنك لعلى خير» (١).

فقد دلت هذه الفقرة على :

أولا : أن الوحي قد نزل على النبي ، وأصبح «صلى الله عليه وآله» رسولا ، وبزغ فجر الإسلام في حضور علي «عليه السلام» ، وكان أول بيت تكوّن في الإسلام يضم رسول الله «صلى الله عليه وآله» وخديجة ، وعليا «عليه السلام» فقط ، فلو كانت فاطمة «عليها السلام» قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات ، وكذلك لو كان أحد من أولاد النبي «صلى الله عليه وآله» غيرها قد ولد آنئذ ، لم يصح حصره «عليه السلام» أهل ذلك البيت بالنبي «صلى الله عليه وآله» ، وبخديجة ، بالإضافة إليه «عليه السلام».

ثانيا : إن هذا النص يدل على عدم صحة ما يدّعونه : من أنه «صلى الله عليه وآله» كان وحده في غار حراء ، وأنه قد خاف ، وعاد إلى خديجة يرجف فؤاده ، وأنها عرضت أمره على ورقة بن نوفل ، فأخبرها أن الذي يأتيه هو

__________________

(١) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج ٢ ص ١٥٧ الخطبة رقم (١٩١) ، وهي المساماة ب «القاصعة».

٢٧٩

الناموس الأكبر ..

فإن عليا «عليه السلام» كان حاضرا ، وقد سمع رنة الشيطان ، وسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنها ، فأجابه بما تقدم.

هذا .. وتقدم حين الحديث عن ولادة فاطمة «عليها السلام» : أن عليا «عليه السلام» كان حاضرا حين نزول الوحي ، وأنه سمع رنة الشيطان ، فسأل النبي «صلى الله عليه وآله» عنها ، فأخبره بأنه يئس من أن يعبد ، فراجع.

٢ ـ ما تقدم في البحث عن أولاد خديجة ، من أن البعض قد ذكر أنهم كلهم قد ولدوا بعد الإسلام باستثناء عبد مناف (١) ، مع العلم بأن فاطمة «عليها السلام» كانت أصغر أولاده «صلى الله عليه وآله».

ويدل على ذلك : أنه قد ذكر في الإستيعاب في ترجمة خديجة : أن الطيّب قد ولد بعد النبوة ، وولدت بعده أم كلثوم ، ثم فاطمة «عليها السلام».

٣ ـ ويدل على أنها قد ولدت بعد البعثة روايات كثيرة ، أوردها جماعة من العلماء ، على اختلاف نحلهم ومشاربهم ، تدل على أن نطفتها قد انعقدت من ثمر جاء به جبرئيل «عليه السلام» إلى النبي «صلى الله عليه وآله» من الجنة ، حين الإسراء والمعراج ، وذلك مروي عن عدد من الصحابة ، منهم : عائشة ، وعمر بن الخطاب ، وسعد بن مالك ، وابن عباس ، وغيرهم (٢).

__________________

(١) راجع : البدء والتاريخ ج ٥ ص ١٦ ، والمواهب اللدنية ج ١ ص ١٩٦ ، وتاريخ الخميس ج ١ ص ٢٧٢.

(٢) تجد بعض هذه الروايات في كتب الشيعة ، مثل : البحار ج ٤٣ ص ٤ و ٥ و ٦ عن أمالي الصدوق ، وعيون أخبار الرضا ، ومعاني الأخبار ، وعلل الشرائع ، وتفسير القمي ،

٢٨٠