الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-173-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

١
٢

٣
٤

إيضاحات ضرورية :

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ).

والصلاة والسلام على محمد المصطفى ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، وآله الكرام البررة الطيبين الطاهرين ، واللعنة على أعدائهم أجمعين ، من الأولين والآخرين ، إلى يوم الدين.

وبعد ..

فإنني إذ أقدم إلى القراء الكرام هذا الكتاب : «الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله» أرى لزاما عليّ أن أشير ـ باختصار ـ إلى الأمور التالية :

١ ـ لقد اعتمدت ـ بالدرجة الأولى ـ فيما كتبته هنا على مؤلفات القدماء ، أما مراجعتي لمؤلفات المعاصرين ، فلا تكاد تذكر ؛ لأن ما راجعته منها رأيت أنه ـ عموما ـ يكرر ما كتبه أولئك ، إلا في كيفية التنسيق والتبويب والإخراج ، ثم التبرير والتوجيه له ، بزيادة :

أنهم يظهرون براعتهم وتفوقهم في ترصيف الكلمات البراقة ، وصياغة الجمل والعبارات الرنانة في تأييده وتأكيده ، من دون أي تحقيق له ،

٥

أو تدقيق فيه ، صحة وفسادا ؛ حتى ليخيل إليك أن تلك النصوص جزء من الوحي الإلهي ، الذي لا يتطرق إليه الشك ، ولا يرقى إليه الريب ، مهما كانت متناقضة ومتنافرة ؛ إذ لا بد من الجمع بينها ، وتمحل الوجوه لها ، ولو كانت مما يأباه كل عقل ، ولا يقره وجدان ، ولا يرضاه ضمير ، حتى إذا لم يمكن ذلك فلا بد من السكوت عنها ، والاعتراف بالعجز عن فهم حقيقة الحال فيها ، وذلك هو أضعف الإيمان.

٢ ـ لقد انصب اهتمامي في هذا الكتاب على الناحية التحقيقية حول صحة وعدم صحة الكثير مما يدعى أنه سيرة نبوية ، أو تاريخ إسلامي ، ولكن بالمقدار الذي يتناسب مع كتاب كهذا ، يريد أن يعطي صورة متقاربة الملامح قدر الامكان عن فترة زمنية ثرية بالأحداث والمواقف الحساسة ، وقد كانت ولا تزال محط النظر ـ بشكل رئيسي ـ لأهل المطامح والأهواء السياسية ، والمذهبية ، وغيرها.

بل هي أخطر وأهم مرحلة تاريخية على الإطلاق ؛ لأنها غيرت جذريا ، وليس فقط أصلحت كل الأسس والمنطلقات الخاطئة لكل قضايا وشؤون الإنسان والإنسانية جمعاء.

وقد كانت المهمة في الحقيقة شاقة وصعبة للغاية ، ولكنني رضيت بتحمل ذلك ، لأنني أدركت مدى حاجة المكتبة الإسلامية إلى جهد كهذا ، مهما كان ناقصا ومحدودا ؛ ليكون النواة والخطوة الأولى على طريق اعتماد المنهج التحقيقي العلمي في التعرف على قضايا التراث ، بصورة شمولية ، ومستوعبة.

٣ ـ وقد يلاحظ القارئ لهذا الكتاب بعض الفجوات فيه ، أو مدا وجزرا في الشمولية والاستقصاء.

٦

وله أن يرجع ذلك إلى أن هذا الكتاب قد أعد في فترات زمينة متباعدة ، فرضها واقع الظروف التي تمنع الإنسان من الاستفادة من عنصر الوقت على النحو الأفضل والأمثل.

كما أنه لا يمكن استبعاد حالات النشاط والخمود الفكري التي تعتري الإنسان تبعا لتفاوت حالات الهدوء والاستقرار ، الأمر الذي يؤثر بشكل واضح على طبيعة ما يكتب ، ويظهر فيه شيئا من التفاوت والاختلاف في مستوى التعرض لبحوثه وقضاياه.

٤ ـ حيث إن التاريخ الإسلامي ـ كما سنرى ـ قد تعرض لمحاولات جادة للتلاعب فيه من قبل أصحاب الأهواء السياسية والمذهبية وغيرها ، وتسربت إليه بعض الترهات والأباطيل من قبل أهل الكتاب وغيرهم ، ثم حاولت الأيدي الأثيمة والحاقدة أن تعبث به تحريفا ، أو تزييفا. فقد أصبح البحث ، والوصول إلى الحقائق فيه على درجة كبيرة من الصعوبة ، إن لم يصل إلى حد التعذر أحيانا ، فقد كان لا بد لنا من أخذ الأمور التالية بنظر الاعتبار :

ألف : إن الاعتماد على نوع معين من المؤلّفات والمؤلفين ربما يتسبب في حرمان القارئ من الاطلاع على نصوص تناثرت هنا وهناك ، واستطاعت أن تخترق الحجب ، وتقفز فوق الحواجز الثقيلة ، وتصل إلينا سليمة ـ إلى حد ما ـ من التحريف ، حين لم ير فيها السياسيون المحترفون خطرا ، ولا رأى فيها المتمذهبون المتعصبون ضررا ؛ فتركها هؤلاء وأولئك ، ليتلقفها عشاق الحقيقة القليلون جدا ؛ بعيدا عن غوغائية المتعصبين ، وفي مأمن ومنأى من جبروت وتعنت الأشرار المحترفين.

ب : إننا رأينا ـ والحالة هذه ـ أن البحث في الأسانيد ، والاعتماد عليها

٧

كمقياس ومعيار نهائي في الرد والقبول ، إنما يعني : أن علينا أن نقتنع بنصوص قليلة جدا ، لا تكاد تفي حتى بالتصور العام ، وبالفهرسة الإجمالية للسيرة النبوية المباركة ، فضلا عن تفصيل أحداث تاريخ صدر الإسلام.

ولسوف نخسر كثيرا من النصوص الصحيحة ، التي لم توفق لسند تتوفر فيه أدنى شرائط القبول.

هذا بالإضافة إلى أن الباحث سوف يفقد حرية الحركة ، والربط والاستنتاج ، ولسوف لن يكون لفهمه العميق للأجواء والظروف وللاتجاهات السياسية والفكرية وغيرها الذي اكتسبه من الممارسة الطويلة ، أية فعالية تذكر في استخلاص الحقائق ، التي أريد لها ـ لسبب أو لآخر ـ أن تبقى طي الكتمان ، ورهن الإبهام والغموض.

هذا عدا عن المشكلات الكبيرة التي تواجه الباحث ، ولا بد له من التغلب عليها ، ليمكن للبحث السندي أن يكون مقبولا ومعقولا لدى أرباب الفكر ، وأساطين العلم والمعرفة.

وأهم هذه المشكلات هي مشكلة المعايير والمنطلقات والضوابط للبحث السندي ، وموازين القبول والرد فيه ، والتي يرتكز بعضها على أسس عقائدية أولية ، يتطلب البحث فيها وقتا طويلا ، وجهدا عظيما ، إن لم ينته إلى الطريق المسدود ، ويعود ممجوجا وعقيما في أكثر الأحيان ؛ حيث يصر البعض على اتخاذ منحى لا يتسم بالنزاهة ولا بالموضوعية ، خصوصا في النواحي العقائدية ، ولا نملك إزاء هذا النوع من الناس إلا أن نقول :

قاتل الله الأهواء ، والعصبيات ، والمصالح الشخصية والفئوية.

وعلى هذا الأساس نقول : إننا إذا كنا قد بحثنا ـ أحيانا ـ في الأسانيد ،

٨

فقد اعتمدنا في ذلك الطريقة المعقولة والمقبولة ، المبنية على قاعدة : ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم ، ثم الطرق التي يتوافق عليها إن لم يكن كل فأكثر أهل الفرق ، وتؤدي إلى نتيجة مقبولة لدى الجميع ، وإن كان منشأ هذا القبول يختلف بين هؤلاء وأولئك في أحيان كثيرة.

ج : لقد حتم علينا ذلك المنهج ، بالإضافة إلى ما تقدم : أن نتخذ من المبادئ الإسلامية ، ومن القرآن ، ومن شخصية وخصائص وأخلاق الرسول الأعظم «صلى الله عليه وآله» أساسا لتقييم كثير من النصوص المعروضة ، والحكم عليها بالرد أو القبول من خلال انسجامها مع ذلك كله ، أو عدم انسجامها معه.

وذلك ينسحب على كل شخصية استطعنا الحصول على فهم عام لسيرتها ، ولخصائصها وأخلاقها ، ومواقفها ، واتجاهاتها.

د : هذا بالإضافة إلى الكثير من أدوات البحث ، التي توفرها الممارسة الطويلة في هذا الاتجاه ، كتناقض النصوص ، والإمكانية التاريخية ، من خلال المحاسبات التاريخية الدقيقة ، وغير ذلك من وسائل استفدنا منها في بحوثنا هذه ، مما سوف يقف عليه القارئ الكريم لهذا الكتاب.

٥ ـ وبعد ، فإن الكل يعلم : أن المسلمين قد اهتموا بتدوين تاريخ الإسلام ، بشكل لا نظير له لدى أي من الأمم الأخرى ، فهو بحق وبرغم كل المحاولات أثرى تاريخ أمة وأغناه على الإطلاق.

وحيث إن البحث في جميع جوانبه أمر متعسر ، بل متعذر علينا ، فقد آثرنا الاكتفاء بالبحث في جانب يستطيع أن يهيئ لنا تصورا عاما ، وهيكلية متقاربة الملامح والسمات ، عن حياة نبينا الأكرم محمد «صلى الله عليه وآله».

٩

٦ ـ لسوف يجد القارئ لهذا الكتاب أنني حاولت الاقتصار على أقل قدر ممكن من الشواهد والدلائل ومصادرها المأخوذة منها ، مع علمي بأن بالإمكان حشد أضعاف ذلك في تأييد وتأكيد الحقائق التي أوردتها بشكل عام.

٧ ـ إنني قد نسبت كل شيء استفدته أو استشهدت به إلى قائله ، أو كاتبه وناقله ، وأما الأفكار التي لا مصدر لها ، فهي جهد شخصي ، لم أعتمد فيه على أحد.

٨ ـ وأخيرا ، فقد كانت الفرصة تسنح أحيانا ، في فترات الإحساس بشيء من النشاط الفكري لتسجيل بعض الملاحظات أو الالتفاتات أو التفسيرات لبعض المواقف أو القضايا والأحداث.

وهي وإن كانت لا تصل في الأكثر إلى مستوى البحث الكامل والشامل ؛ لأنها جاءت على الأكثر بصورة عفوية ، ومرتجلة ، لم يسبقها إعداد ، ولا مراجعة ، ولا مطالعة ، إلا أنها تعتبر ـ على الأقل ـ بمثابة استراحات للقارئ الكريم ، كما كانت استراحات للكاتب نفسه من قبل.

وللقارئ الخيار بعد هذا في أن يحكم لها أو عليها ، وإذا كان حكمه لها فهو بالخيار أيضا في أن يتلمس فيها شيئا من العمق ، أو بعضا من الجمال.

وفي الختام ، فإنني أرجو من القارئ الكريم أن يتحفني بآرائه ، ومؤاخذاته ولسوف أكون له من الشاكرين.

والحمد لله ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

إيران ـ قم المشرفة ١٦ / ١٢ / ١٤٠٠ ه‍. ق.

جعفر مرتضى الحسيني العاملي

١٠

القسم الثاني

ما قبل البعثة

الباب الأول : البداية الطبيعية للسيرة

الباب الثاني : من الميلاد إلى البعثة

١١
١٢

الباب الأول

البداية الطبيعية للسيرة

الفصل الأول : ما قبل ميلاد النبي صلّى الله عليه وآله

الفصل الثاني : بحوث تسبق السيرة

١٣
١٤

الفصل الأول :

ما قبل ميلاد النبي صلّى الله عليه وآله

١٥
١٦

البداية الطبيعية :

إن من البديهي : أن البداية الطبيعية والمعقولة لتاريخ الإسلام ، وأعظم ما فيه وهو سيرة النبي الأكرم «صلى الله عليه وآله» تحتم علينا إعطاء لمحة خاطفة عن تاريخ ما قبل البعثة ، وما اتصل بها من أحداث سبقتها ، لنتعرف على الأجواء والمناخات التي انطلقت فيها دعوة الدين الحق ، وهو دين الإسلام فنقول :

الوضع الجغرافي لشبه جزيرة العرب :

هي شبه جزيرة مستطيلة يحدها شمالا : الفرات ، وآخر قطعاتها بادية الشام والسماوة ، وفلسطين ، وشرقا خليج فارس ، وجنوبا خليج عدن ، والمحيط الهندي ، وغربا : البحر الأحمر (١).

ولا يعنينا الوضع الجغرافي هنا إلا في النواحي التالية :

الأولى : إنه لم يكن في جزيرة العرب حتى نهر واحد ، بالمعنى الصحيح للكلمة (٢) ، وأكثرها جبال ، وأودية ، وسهول جرداء ، لا تصلح للزراعة

__________________

(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج ١ ص ١٤٠ فما بعدها.

(٢) المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج ١ ص ١٥٧ فما بعدها.

١٧

والعمل. ومن ثم فهي لا تساعد على الاستقرار ، وتنظيم الحياة.

ومن هنا فقد كان أكثر سكانها ، بل قيل خمسة أسداسهم من البدو الرحل ، الذين يمسون في مكان ، ويصبحون في آخر.

الثانية : إن هذا الوضع قد جعل هذه المنطقة في مأمن من فرض السيطرة عليها من قبل الدولتين العظميين آنئذ : الرومان ، والفرس ، وغيرهما ؛ فلم تتأثر المنطقة بمفاهيمهم وأديانهم كثيرا ، بل لقد هرب اليهود من حكامهم الرومان إلى جزيرة العرب ، واحتموا فيها في يثرب (المدينة) وغيرها.

وقد نشأت عن هذا الوضع للجزيرة العربية ، ظاهرة الدويلات القبلية ، فلكل قبيلة حاكم ، وكل ذي قوة له سلطان.

الثالثة : إن هذه الحياة الصعبة ، وهذا الحكم القبلي ، وعدم وجود روادع دينية ، أو وجدانية قوية ، قد دفع بهذه القبائل إلى ممارسة الإغارة والسلب ضد بعضها البعض ، كوسيلة من وسائل العيش أحيانا ، وأحيانا لفرض السيطرة والسلطان ، وأحيانا أخرى للثأر وإدراك الأوتار ، إلى آخر ما هنالك ، فتغير هذه القبيلة على تلك ؛ فتستولي على أموالها ، وتسبي نساءها وأطفالها ، وتقتل أو تأسر من تقدر عليه من رجالها ، ثم تعود القبيلة المنكوبة لتتربص بهذه الغالبة الفرصة لمثل ذلك ، وهكذا.

ومن هنا ، فإن من الطبيعي أن يكون شعور أفراد كل قبيلة بالنسبة لأبناء قبيلتهم قويا جدا ، بدافع من شعورهم بالحاجة إلى بعضهم البعض للدفاع عن الحياة ، والكفاح من أجلها ، مما كان سببا قويا لزيادة حدة التعصب القبلي ، الذي لا يرثي ، ولا يرحم ، ولا يلين ، حيث لا بد من الوقوف إلى جانب ابن القبيلة ، سواء أكان الحق له ، أو عليه ، حتى لقد قال

١٨

شاعرهم يتمدحهم بذلك :

لا يسألون أخاهم حين يندبهم

في النائبات على ما قال برهانا (١)

ومن الجهة الأخرى ، فإن القبيلة تتحمل كل جناية أو جريمة يرتكبها أحد أبنائها ، وتحميه من كل من أراده بسوء ، بل يكون أخذ الثأر من غير الجاني إذا كان من قبيلته كافيا وشافيا للموتورين ، الذين يريدون شفاء ما في نفوسهم ، وإدراك أوتارهم.

الحضر في شبه جزيرة العرب :

أما الحضر في جزيرة العرب ، وهم الذين يسكنون المدن ، ويستقرون فيها ، فإنهم وإن كانوا في حياتهم أرقى من العرب الرحل ، إلا أن رقيهم هذا لم يكن بحيث يجعل الفارق بينهما كبيرا.

ومن هنا ، فإننا نلاحظ تشابها كبيرا فيما بينهما في العقلية ، وفي المفاهيم ، وفي العادات والتقاليد ، وأساليب الحياة ، وبدائيتها ، هذا إن لم نقل :

إن العرب الرحل كانوا أصح أبدانا ، وأفصح لسانا ، وأقوى جنانا ، وأصفى نفسا ، وفكرا وقريحة.

ولكن امتياز هؤلاء وأولئك في بعض الأمور لم يكن إلى الحد الذي يحتم على الباحث فصل الحديث عنهما ، ولا سيما بالنسبة إلى أولئك الحضريين الذي يسكنون الحجاز.

__________________

(١) البيت منسوب لقريط بن أنيف العنبري راجع تفسير جامع الجوامع ج ٢ ص ٦٨٢ عن خزانة الأدب ج ٧ ص ٤٤١.

١٩

والخلاصة : إننا إذا كنا لم نجد في تاريخ ما قبل الإسلام ما يبرر نسبة التفوق إلى أحد الطرفين على الآخر ، كما يتضح من كلمات أمير المؤمنين الآتية وغيرها ، فليس في فصل الحديث عنهما كبير فائدة ، ولا جليل أثر.

الحالة الاجتماعية عند العرب :

وإن من يطالع كتب التاريخ سيرى بوضوح إلى أي حد كانت الحالة الاجتماعية متردية في العصر الجاهلي.

وقد قدمنا : أن السلب والنهب والإغارة ، والتعصب القبلي ، وغير ذلك قد كان من مميزات الإنسان العربي ، حتى إنه إذا لم تجد القبيلة من تغير عليه من أعدائها أغارت على أصدقائها ، وحتى على أبناء عمها ، يقول القطامي :

وكن إذا أغرن على قبيل

وأعوزهن نهب حيث كانا

أغرن من الضباب على حلال (١)

وضبة إنه من حان حانا

وأحيانا على بكر أخينا

إذا ما لم نجد إلا أخانا

ولقد رأينا : أن تلك الظروف الصعبة ، والفقر والجوع ، والخلافات التي كانوا يعانون منها ، والمفاهيم الخاطئة التي كانت تعيش في أذهانهم ـ وخصوصا عن المرأة ـ ..

وكذلك ظروف الغزو والإغارة ، التي تعني سبي النساء والأطفال ، قد دفعتهم إلى قتل أو وأد أولادهم ، ولا سيما البنات ، وكان ذلك في قبائل تميم ،

__________________

(١) الضباب إسم قبيلة. والحلال : المجاور.

٢٠