الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

السيد جعفر مرتضى العاملي

الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله - ج ٢

المؤلف:

السيد جعفر مرتضى العاملي


الموضوع : سيرة النبي (ص) وأهل البيت (ع)
الناشر: دار الحديث للطباعة والنشر
المطبعة: دار الحديث
الطبعة: ١
ISBN: 964-493-173-4
ISBN الدورة:
964-493-171-8

الصفحات: ٣٥١

في عملية التغيير للحاضر الذي يعيشه ، والتخطيط الصحيح والسليم للمستقبل الذي يقدم عليه.

فإذا توفرت كل تلك العناصر لأية أمة ، فإنها ولا شك سوف تكون قادرة على أن تبني حضارة ، وتصنع لنفسها مستقبلا مغريا وزاهرا ومجيدا.

وقد كانت كل تلك العناصر متوفرة في منطقة اليمن ، باستثناء العنصر الأخير منها ، وكان فقدانها له بالذات هو السبب في أنها لم تستطع أن تفيد شيئا من تلك القدرات والإمكانات التي توفرت لها ، ولا يحدثنا التاريخ عن شيء ذي بال تميزت به اليمن في تاريخها القديم ، سواء على الصعيد الفكري ، أو الحضاري ، أو غير ذلك ، ولا كان فيها ما يعبر عن نظرة واعية ، أو عقلية متطورة تتلاءم مع حجم إمكاناتها تلك.

كما أن الديانة اليهودية المحرّفة ، التي سيطرت عليها حقبة من الزمن ، لم تستطع أن تقدم لها شيئا يذكر في مجال النهوض بأهلها ، والخروج بهم من ظلمات جهلهم ، والتخفيف من شقائهم وآلامهم ، تماما كما لم تستطع المسيحية المحرفة في الرومان ، والزرادشتية في الفرس ، أن تؤثرا تأثيرا يذكر في ذلك.

أما في الحجاز : فقد كانت كل تلك العناصر مفقودة ؛ ولكن عندما وجد العنصر الأخير منها ـ فقط ـ استطاعت هذه الأمة ـ وذلك هو الإعجاز حقا ـ أن تنتقل من أمة متوحشة بدائية ، تتصف بكل صفات الذل والمهانة ، إلى أمة لا تدانيها ، ولن تدانيها أية أمة أخرى على الإطلاق.

فعرب الحجاز لم يكونوا في الأكثر أهل زراعة ، لأن أرضهم لم تكن صالحة لذلك ؛ بسبب قلة المياه فيها ، حيث لم يكن فيها حتى نهر واحد

١٠١

بالمعنى الصحيح للكلمة (١) ، كما أن الأمطار تقل فيها بشكل ملحوظ ، وكل ما كان هناك هو بعض الينابيع ، التي كانت تظهر في الشتاء ، وتجف في الصيف ، فيرحلون عنها بحثا عن غيرها ، هذا عدا عن أن الأرض نفسها كان فيها القليل مما يصلح للزراعة.

إذن ، فلا شيء يشد العربي إلى هذه الأرض ، أو يربطه بها ، ويجعله يحبها ، ويتفانى في سبيلها ، بل كان مصدر حياتهم ورزقهم هو : السيف ، والماشية ، والإبل بصورة عامة.

ولهذا نرى : أن أكثر ما يعز عليهم ، ويحتل مكانة في نفوسهم هو هذه الأمور بالذات ؛ فنرى الشاعر العربي يتغنى بالجمل ، والسيف ، والفرس ، ويتغزل بالرياح الطيبة ، التي تخفف عنه بعض ما يعانيه من آلام ؛ نتيجة حر منطقته ، ثم هو يناجي القمر والنجوم كثيرا أيضا.

وإذا ما رأيناه يبكي ـ أحيانا ـ الديار والأطلال ، فليس ذلك إلا لأنها كانت في وقت ما مصدر أنس له ، أو لأنه هو نفسه كان حضريا.

ولأن العربي هذا قد اتخذ الغزو والسلب وسيلة من وسائل العيش ؛ فإننا نراه يهتم بالتغني بمواقفه هذه ، ويفتخر باستمرار بشنّه الغارات فرسانا وركبانا.

ومن الجهة الأخرى ، فإنه دائما يتوقع أن يغزى ، وأن تشن عليه الغارات ، ولا يشعر بوجود سلطة تستطيع أن تحميه ، فهو في خوف دائم ، ورعب مستمر.

__________________

(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ١ ص ١٥٧ فما بعدها.

١٠٢

وإذا كان الأمن غير متوفر له ، فكيف يمكن أن تتوفر له الفرصة للتفكير في حياته ، ومحاولة الخروج من واقعه ، وتحسين ظروف عيشه ، ثم التخطيط للمستقبل بواقعية ، وأناة ، ثم العمل بهدوء واطمئنان على تنفيذ خططه ، وتحقيق آماله؟!

ومن الجهة الثالثة : كيف وأنى يمكن لآماله أن تنمو ، ولطموحاته أن تتجسد وهو في كل يوم يفقد أملا ، ويتحمل ألما

وخلاصة الأمر : أنه لا سلطة مركزية تستطيع أن تفرض هيبتها وهيمنتها بيسر وفعالية ، بل إن ذلك قد يتعذر بالنسبة إلى أمة تعيش حياة التنقل والغارة وتتحول باستمرار من مكان إلى مكان.

وقد كان العرب يتجنبون الالتحام بالجيوش المنظمة ـ لتفوقها عليهم ـ فإذا تعقبتهم تلك الجيوش هربوا إلى البادية ، واعتصموا بها ، وكذلك يفعلون إذا واجهوا الجيش ووجدوا فيه قوة (١).

وإذن .. فهم كانوا يفقدون كل أسباب النهضة والتقدم ، ولا يملكون منها حتى الأمل بالتغيير ، فضلا عن إرادته ، والعمل من أجله ، هذا فضلا عن أن الصفات الذميمة ، والعادات السيئة ، التي كانت تهيمن عليهم جماعات وأفرادا لم تكن تسمح لهم بأية نهضة ، أو أي تقدم نحو الأفضل ، إن لم تكن تزيد من بلائهم وشقائهم ، وتدفعهم خطوة بل خطوات إلى الوراء.

__________________

(١) راجع : المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام ج ٥ ص ٤١٣ و ٤١٤ و ٤٢٠ ، وراجع : تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الأول ، الجزء الأول ص ٧٠ وحياة محمد لهيكل ص ٣٩ ومحاضرات تاريخ الأمم الإسلامية للخضري ج ١ ص ٣٣.

١٠٣

ولكنهم مع ذلك كله ، عندما وجدوا الرسالة السماوية الحقة ، استطاعت تلك الرسالة ، وذلك الرسول ـ وفي فترة وجيزة جدا ـ أن تنقل هذه الأمة من حضيض الذل والمهانة إلى أوج العظمة ، والعزة والكرامة ، وأن تغير فيها كل عاداتها ومفاهيمها ، وتخفف ، بل وتقضي على كل أسباب شقائها ، وآلامها ، وذلك هو الإعجاز حقا.

نعم .. لقد استطاع الإسلام في فترة لا تتجاوز سنواتها عدد أصابع اليدين أن يحدث انقلابا حقيقيا وجذريا في عقلية ومواقف وسلوك تلك الأمة ، وفي مفاهيمها ، وأن ينقلها من العدم إلى الوجود ، ومن الموت إلى الحياة.

ولو أن المسيحية واليهودية وغيرهما من الأديان والمذاهب كان فيها أدنى صلاح ، ومع توفر كل الظروف الملائمة لنجاحها في تغيير الأوضاع السيئة ـ آنذاك ـ لعبرت عن نفسها ، ولأثبتت وجودها ، مع أن المسيحية قد كانت في العرب أيضا قبل الإسلام ، وكذلك اليهودية ، ولكنها لم تستطع أن تغير من عقلية العربي ، وسلوكه ، ومفاهيمه عن الحياة والمستقبل شيئا ، بل بقي يئد البنات ، ويشن الغارات ، إلى غير ذلك من أفعال وصفات.

بل إنهم ليذكرون : أن القبيلة العربية الفلانية التي كانت تدين بالمسيحية ما كانت تعرف من المسيحية غير شرب الخمر ـ كما سيأتي ـ كما أن اليهود قد عاشوا بينهم ، وكان العرب يحترمونهم جدا ، ويعتبرونهم وحدهم مصدرا للمعرفة والعلم ـ كما تقدم في الجزء السابق ـ ولكنهم لم يكن لهم في سلوكهم ، وعقليتهم ، أثر يذكر.

١٠٤

البحث الرابع

العوامل المساعدة على انتصار الإسلام وانتشاره :

وبعد ذلك الموجز الذي قدمناه لا بد أن نشير إلى بعض العوامل والظروف التي ساعدت على انتصار الإسلام وانتشاره ، في منطقة لها تلك الصفات والمميزات المشار إليها في البحث السابق.

وبعض تلك العوامل يرجع إلى شخصية الرسول «صلى الله عليه وآله» ، وبعضها يرجع إلى الرسالة نفسها ، وبعضها يعود إلى أمور أخرى ، خارجة عن هذا وذاك ، ويمكن أن نلخص ما نريد الإشارة إليه في الأمور التالية :

١ ـ منطلق الدعوة : مكة :

أ ـ إنه يلاحظ أن الإسلام قد انطلق من أقدس بلد لدى الإنسان العربي ، بل ولدى غيره أيضا ، وهو المكان الذي تهوي إليه ثمار الأفئدة من كل مكان ، وهو ملتقى لكل العواطف ، ومحل آمال الناس ، وغاية رجائهم.

ب ـ يقول البوطي : «البقعة الجغرافية للجزيرة العربية ترشحها للقيام بعبء مثل هذه الدعوة ؛ بسبب أنها تقع ـ كما قلنا ـ في نقطة الوسط بين الأمم المختلفة التي من حولها ، وهذا مما يجعل إشعاعات الدعوة الإسلامية

١٠٥

تنتشر بين جميع الشعوب والدول المحيطة بها في سهولة ويسر» (١).

وطبيعي : أن هذا الدين لو كان ظهر في بلاد كسرى ؛ فإن أتباع قيصر لا يتبعونه ، وكذلك العكس ؛ وذلك بسبب المنافسة القائمة بين الإمبراطوريتين والحواجز النفسية الحاكمة والمهيمنة على الأمتين.

ج ـ لقد بدأ «صلى الله عليه وآله» دعوته في مكان بعيد عن نفوذ الدولتين العظيمتين : الرومان ، والفرس ، وغيرهما من الدول ذات القوة.

إذن ، فلا قوة قاهرة تستطيع أن تضرب الضربة الحاسمة ، وتقضي على دعوته في مهدها ؛ وذلك لأن المحيط الذي بدأ فيه دعوته ، والحجاز عموما ، كانت تسيطر عليه الروح القبلية ، ويطغى عليه التعصب القبلي ، والقوى فيه متكافئة تقريبا ، وكانت القبائل المتعددة كثيرة ـ فبطون قريش وحدها كانت عشرة أو تزيد ـ يرقب بعضها بعضا ، ويخشى بعضها بأس بعض.

هذا كله ، عدا عن أنها كانت تعرف : أنها إذا أرادت أن تنتهك حرمة الحرم ، ويحارب بعضها بعضا ؛ فإن مكانتها واحترامها ـ وبالتالي مصالحها الحيوية سوف تتعرض لدى سائر العرب لنكسة قاسية ، إن لم تكن قاضية.

٢ ـ خصائص شخصية الرسول صلّى الله عليه وآله :

أ ـ لقد كان صاحب هذه الدعوة : محمد «صلى الله عليه وآله» من قريش ، أعظم قبائل العرب خطرا ، وقوة ، ونفوذا ، والتي كان ينظر إليها ـ كل أحد ـ بعين الإجلال والإكبار ، وبالأخص هو من البيت الهاشمي منها ، الذي كان يمتاز بالنزاهة والطهر ، وله السيادة والزعامة ، والسؤدد في

__________________

(١) فقه السيرة ص ٣٥.

١٠٦

مكة ، وله الشرف الرفيع الذي لا يدانيه ولا ينازعه فيه أحد.

فمحمد «صلى الله عليه وآله» إذن ليس بحاجة إلى الشرف والزعامة ليجعل من ادّعاء النبوة وسيلة للوصول إليها ، والحصول عليها ، وقد كان واضحا ـ لو قيست الأمور بالمقاييس العادية ـ أن دعواه تلك لسوف تجر عليه الكثير من المتاعب والمصائب ، ويكون بذلك قد فرط بكل ما لديه من رصيد اجتماعي في هذا المجال ، فاستمراره في دعوته مع وضوح أخطارها له يعتبر أمرا غير منطقي ، لو كان ما يدعيه لا واقعية له.

كما أن كل أحد يكون على استعداد لقبول الدعوة من بني إسماعيل ، الذين هم مهبط الوحي ، ومعدن الطهر ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في مباحث عرض الرسول «صلى الله عليه وآله» دعوته على القبائل ، أنه لما عرض دعوته على بني عامر بن صعصعة ، ورفضوا إلا أن يجعل الأمر فيهم بعده ، ورفض هو ، وعادوا إلى بلادهم ، وتحدثوا بما كان لشيخ لهم ، وضع ذلك الشيخ يده على رأسه ، ثم قال :

يا بني عامر ، هل لها من تلاف؟ هل لذناباها من مطلب؟ والذي نفس فلان بيده ، ما تقوّلها إسماعيلي قط ، وإنها لحق ؛ فأين رأيكم كان عنكم؟ (١).

ب ـ تلك الخصائص والمميزات في الرسول «صلى الله عليه وآله» نفسه ، والتي أشار إليها جعفر بن أبي طالب بقوله :

«بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه ، وصدقه ، وأمانته وعفافه».

حتى لقد لقب ب (الصادق الأمين) فقد كان لذلك أثر كبير في ظهور

__________________

(١) سيأتي مصادره في الجزء الرابع من هذا الكتاب ، في فصل : حتى بيعة العقبة.

١٠٧

دعوته ، وانتصار وانتشار رسالته ، وقد كان تحليه «صلى الله عليه وآله» بهذه المواصفات ضروريا ، لأن فقدانها موجب لريبهم ، كما قال تعالى : (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)(١).

هذا كله ، بالإضافة إلى ما قد تمدّحه الله عليه من خلقه العظيم ، فقال : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)(٢).

ومع ذلك فإننا نود أن نخص بالذكر هنا ما يلي :

١ ـ إننا نجد البعض يسلم استنادا إلى شهادة الرسول «صلى الله عليه وآله» نفسه ، فقد ورد أن رجلا دخل على جمل ؛ فأناخه في المسجد ، وعقله ، ثم قال لهم : أيكم محمد؟ والنبي «صلى الله عليه وآله» متكئ بين ظهرانيهم.

فقلنا : هذا الرجل الأبيض المتكئ.

فقال له الرجل : ابن عبد المطلب؟

فقال له «صلى الله عليه وآله» : قد أجبتك.

فقال الرجل : إني سائلك فمشدد عليك في المسألة ؛ فلا تجد علي في نفسك.

فقال : سل عما بدا لك.

فقال : أسالك بربك ورب من قبلك ، أالله أرسلك إلى الناس كلهم؟

__________________

(١) الآية ٨٤ من سورة العنكبوت.

(٢) الآية ٤ من سورة القلم ، وثمة احتمال آخر في الآية الشريفة. راجع مقالا لنا بعنوان : فلسفة الأخلاق في الإسلام في كتابنا : دراسات وبحوث في التاريخ والإسلام.

١٠٨

فقال : اللهم نعم.

فقال : أنشدك بالله ، أالله أمرك أن تصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟.

قال : اللهم نعم.

قال : أنشدك الله ..

إلى أن قال : فقال الرجل : آمنت بما جئت به ، وأنا رسول من ورائي من قومي ، وأنا ضمام بن ثعلبة الخ .. (١).

فإن عدم قدرة ضمام على تمييزه «صلى الله عليه وآله» عن أصحابه ، لخير دليل على خلق النبي العظيم ، وعلى أن الإسلام لا يعترف بتلك الفوارق المصطنعة بين الحاكم ورعيته ، ولا يعتبر أن الحكم يعطي للحاكم امتيازا ، وإنما هو مسؤولية.

كما أن إسلام ضمام استنادا إلى شهادة النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه ليعتبر الذروة في الثقة به «صلى الله عليه وآله» ، وتأثير هذه الثقة في قبول دعوته ، وانتشار رسالته.

٢ ـ هذا مع ما كانت تعرفه قريش فيه ، من وفور العقل ، وحسن التدبير ، وأصالة الرأي ـ وقد تقدمت قضية رفع الحجر الأسود إلى موضعه عند بناء البيت ، وحلّه «صلى الله عليه وآله» المشكلة التي كانت تواجههم.

__________________

(١) البخاري هامش فتح الباري ج ١ ص ١٣٩ ـ ١٤١ ، وليراجع فتح الباري نفسه أيضا ، للاطلاع على العديد من المصادر ، والبداية والنهاية ج ٥ ص ٦٠ عن ابن إسحاق وتاريخ الأمم والملوك ، للطبري ج ٢ ص ٣٨٤.

١٠٩

ثم ما ظهر له من الآيات والبراهين ، حين ولادته ، وبعدها ، وكونه ابن الذبيحين ، الأمر الذي جعل له قدسية خاصة في نفوس الناس.

نعم ، إن كل ذلك قد وضع قريشا ، وسائر الناس أمام الأمر الواقع ، فكان كل من يحاول تكذيبه «صلى الله عليه وآله» يجد نفسه أمام صراع داخلي ، ووجداني ؛ لأن وجدانه وضميره كان يقول له :

أنت الكاذب الحقيقي ، وهو الصادق الأمين ، وهو محل الثقة المطلقة ، وأنت مظنة الخيانة ، وهو صاحب الرأي والتدبير ، والعقل الكبير ، وأنت القاصر المقصر في ذلك ، وهكذا الحال في سائر صفاته الغر ، وأخلاقه الفضلى.

٣ ـ وقد عزز ذلك وقوّاه : أن كل أحد كان يعرف أميته «صلى الله عليه وآله» (١) ، وأنه لم يتلق العلم والمعرفة من أحد ، وها هو لا يستطيع أحد على وجه الأرض أن يدعي المعرفة بجزء مما جاء به ، فضلا عن بيئته المتناهية في الجهل والضياع ، فلم يكن ثمة مجال للارتياب في صدقه ، وصحة دعوته ، إلا من مكابر ، لا يرى إلا نفسه ، ولا يفكر إلا فيها.

وحتى لو كان قارئا ، فماذا عساه يجد في كتب السابقين ، وهل يمكن أن يقاس ذلك بما جاء به «صلى الله عليه وآله» من المعارف العالية ، والتشريعات المعجزة ، بلسان القرآن ، الذي يعجز الجن والإنس عن أن

__________________

(١) لنا بحث حول المراد من كونه «صلى الله عليه وآله» أميا .. وأن المراد أنه أمي بحسب معرفة الناس به ، ولكنه كان قارئا وكاتبا بالإعجاز الذي فاجأهم وبهرهم ، راجع : مختصر مفيد ج ١ ص ١٠.

١١٠

يأتوا بسورة من مثله؟!

٤ ـ ثم هو لم يسجد لصنم قط ، فلا يستطيع أحد أن يعترض عليه بأنك أنت كنت بالأمس تسجد للأصنام ، وتعبد الأوثان ؛ فلماذا تكفر بها اليوم؟!. فإن كانت عبادتها تخالف العقل والفطرة ، فأين كان عنك عقلك ، ولماذا شذت بك فطرتك؟!.

٥ ـ ثم يأتي بعد ذلك أسلوب دعوته المتطور ، على وفق الحكمة ، وعلى حسب مقتضيات الأحوال ، وفي حدود الأهداف الرسالية ، التي لا بد من التقيد بها ، وفي حدودها.

٦ ـ ثم هناك إصراره ، وصبره ، وتحمله لكل المشاق والآلام ، ورفضه لكل المساومات ، حتى إنهم لو وضعوا الشمس في يمينه ، والقمر في شماله على أن يترك هذا الأمر ، ما تركه ، بل هو لا يقبل منهم أن يسلموا شرط أن يعطيهم فرصة زمنية للتزود من عبادة أوثانهم ، مما أوضح لهم : أن المسألة تتجاوز حدود اختياره ، وأن رب السماء هو الذي يرعى هذا الأمر ، ويريده منهم.

٣ ـ الحالة الاجتماعية :

ويأتي بعد ذلك كله ، دور الحالة الاجتماعية التي كانت سائدة آنذاك ، حيث كان الناس يعيشون حياة الشقاء والبلاء ، بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، كما دلت عليه كلمات الإمام أمير المؤمنين «عليه السلام» المتقدمة في أوائل هذا الجزء عن الحالة الإجتماعية عند العرب ـ وهي لا تختلف كثيرا عما عند غيرهم ـ ونضيف إلى ذلك هنا : ما قاله جعفر «رحمه الله» لملك الحبشة ، حينما ذهب عمرو بن العاص ليخدعه عنهم :

١١١

«كنا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف» (١).

فهذه الحالة الاجتماعية القاسية التي كانت تهيمن على الأمة ، وذلك الضياع الذي يسيطر عليها قد هيأ الإنسان الجاهلي نفسيا لقبول الحق ، والتفاعل معه ، وجعله يتطلع للدعوة التي يجد فيها الحق والخير ، ويعرف أنها تستطيع أن تخفف من شقائه وآلامه ، وتنقذه من واقعه المزري والمهين ذاك.

وقد عبر جعفر بن أبي طالب «عليه السلام» عن ذلك ، لملك الحبشة ، بعد عبارته المتقدمة ، فقال :

«فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا ، نعرف نسبه وصدقه وأمانته ، وعفافه فدعانا إلى الله ؛ لنوحده ، ونعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه ، من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش ، وقول الزور ، وأكل مال اليتيم ، وقذف المحصنة الخ ..» (٢).

وقد عبر أهل المدينة على لسان أسعد بن زرارة عن أملهم في أن يحل «صلى الله عليه وآله» بدعوته تلك مشاكلهم المستعصية ، حيث يذكر المؤرخون :

__________________

(١) راجع تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٩٠ وقاموس الرجال ج ٢ ص ٣٧١ والبداية والنهاية ج ٣ ص ٧٣ و ٧٤.

(٢) تاريخ الخميس ج ١ ص ٢٩٠ وراجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ٧٣ و ٧٤.

١١٢

أن الأوس والخزرج ما كانوا يضعون السلاح في ليل ولا نهار (١) ، فمن الطبيعي إذن أن يشتاقوا إلى الخروج من وضع كهذا إذ نعمتان مجهولتان : الصحة والأمان.

وسيأتي الحديث عن ذلك حين الكلام على دخول الإسلام إلى المدينة.

هذا ، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الاندفاع نحو الإسلام ، إنما كان ظاهرا وقويا في جملة الضعفاء والعبيد ، والفقراء ، أما أولئك المستغلون والمستكبرون وأصحاب الأموال ، والأطماع ، من أمثال :

أبي جهل ، وأبي سفيان ؛ فقد كانوا هم الذين يهتمون بالقضاء على الدعوة ، ومنعها من الانتشار ، وإن المطالع لتاريخ الإسلام في مكة ليجد الكثير الكثير من الشواهد التي تؤيد ما ذكرناه هنا ، مع تأكيدنا على أن ذلك لا يختص بما جرى بالنسبة لنبينا «صلى الله عليه وآله» بل هو ينسحب على غيره من الأنبياء السابقين ، وقد عبر القرآن عن هؤلاء المخالفين من الطبقة الأرستقراطية ب «الملأ» في أكثر من مورد ، وأكثر من مناسبة.

٤ ـ نوع معجزته صلّى الله عليه وآله :

ومما ساعد على انتشار الإسلام وانتصاره نوع المعجزة التي جاء بها «صلى الله عليه وآله» فإن هذا القرآن قد حيّر العرب ، ليس فقط بما يتضمنه من قوانين عامة وشاملة ، ومن معان وإخبارات غيبية ، ومن قصص فيها العبر والعظات ، رأى فيها غير المسلمين تصحيحا دقيقا لما جاء منها في كتبهم ، وغير ذلك من علوم ومعارف ، وإنما قهرهم وبهرهم فيما كانوا

__________________

(١) البحار ج ١٩ ص ٨ و ٩ و ١٠ وإعلام الورى ص ٥٥.

١١٣

يعتبرون أنفسهم ، ويعتبرهم العالم بأسره قمة فيه ، إكمالا للحجة ، وحتى لا يبقى مجال لأي خيار ؛ لأن خروجه «صلى الله عليه وآله» في بيئة كهذه ، بحجة كهذه ، لا بد أن يجعلهم يذعنون وينقادون للحق ، وإلا فلسوف يراهم كل أحد ، ويرون أنفسهم أيضا معاندين للحق ، ومناصرين للباطل.

نعم ، لقد بهرم هذا القرآن وحيّرهم ، ولم يترك لهم مجالا للخيار فإما الجحود على علم (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ)(١) ، وإما الإيمان والتسليم.

وإذا كنا نعلم : أن من مميزات العربي ، وبحكم حياته وطبيعته :

أنه كان يعيش حياة الحرية بكل ما لهذه الكلمة من معنى ، ولم تلوث فكره وعقله الأفكار والشبهات والآراء المصطنعة ـ كما كان الحال بالنسبة لسائر الأمم ، كالرومان والفرس وغيرهما ، الذين كانوا يحاولون فلسفة أديانهم البعيدة عن الفطرة ، والمنافرة لها ، وإظهارها بمظاهر معقولة ومقبولة ـ.

إذا كنا نعلم ونرى ذلك ، فإن هذا القرآن قد جاء منسجما مع فطرة العربي ، ومتلائما مع طبعه وسجيته ، ومع صفاء نفسه وقريحته ، تماما كما كانت الدعوة نفسها منسجمة مع فطرته وروحه ، ويستجيب لها عقله ، وضميره ووجدانه ، لأنه كان يعيش على الفطرة ، والإسلام دين الفطرة : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)(٢).

ولذلك نراه سرعان ما صار يبذل ماله ، وولده ، ودمه في سبيل هذه

__________________

(١) الآية ١٤ من سورة النمل.

(٢) الآية ٣٠ من سورة الروم.

١١٤

الدعوة ، ويقتل حتى أباه وأخاه من أجلها ، ولسوف نتحدث إن شاء الله تعالى عن سر إعجاز القرآن فيما يأتي من فصول.

٥ ـ بشائر اليهود والنصارى به صلّى الله عليه وآله :

وأيضا ، فان بشائر أهل الكتاب بقرب ظهور نبي في المنطقة العربية ، قد سهل هو الآخر قبول دعوته ، وانتشار رسالته.

فقد جاء في التوراة المتداولة : «وهذه هي البركة ، التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته ، فقال : جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من ساعير ، وتلألأ من جبل فاران» (١).

فالمجيء من سيناء كناية عن تكليم الله لموسى «عليه السلام» في سيناء ، وساعير هي جبال فلسطين ، وهو إشارة لعيسى «عليه السلام».

وفاران اسم قديم لأرض مكة (٢) ، التي لم يظهر فيها إلا نبينا الأعظم محمد «صلى الله عليه وآله» ، الذي أنزل عليه القرآن.

والنبي محمد «صلى الله عليه وآله» هو من نسل إبراهيم «عليه السلام» ، الذي جعلها أرض غربته ، تقول التوراة : «وأعطى لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك ، كل أرض كنعان ، ملكا أبديا» (٣).

فالمقصود بأرض غربة إبراهيم خصوص مكة ، لأنها هي التي أسكن أهله فيها.

__________________

(١) سفر التثنية ، الإصحاح ٣٣ الفقرة ١.

(٢) معجم البلدان للحموي ج ٤ ص ٢٢٥.

(٣) سفر التكوين الإصحاح ١٧ الفقرة ٨.

١١٥

وأرض كنعان وإن كانت هي بلاد الشام ولكن المقصود فيها هنا عموم بلاد العرب ، بضرب من التجوز ، لأن إبراهيم لم يهاجر إلى الشام ، ولا أسكن أهله فيها (١).

وجاء في الإنجيل قوله : «وهذه شهادة يوحنا حين أرسل اليهود من أورشليم كهنة ولاويين ؛ ليسألوه : من أنت؟

فاعترف ، ولم ينكر ، وأقر : إني لست أنا المسيح.

فسألوه : إذن ماذا؟ إيليا؟

فقال : لست أنا ، النبي أنت؟

فأجاب : لا» (٢).

فالمراد بإيليا ليس إلياسا ـ كما ربما يدعى ـ وذلك لأنه قد كان قبل عيسى بقرون ، فلا بد أن يكون المقصود به رجلا يأتي بعد عيسى. وكذلك الحال بالنسبة إلى النبي الذي سألوه عنه.

ومن المعلوم أنه لم يأت بعد عيسى غير نبينا محمد «صلى الله عليه وآله» ، وأوصيائه «عليهم السلام» فلعل المقصود بالنبي هو محمد «صلى الله عليه وآله» وبإيليا وصيه علي «عليه السلام».

هذا ، وبشارات العهدين به «صلى الله عليه وآله» كثيرة جدا ، فمن

__________________

(١) كما يفهم من مراجعة تاريخ حياته في كتب التاريخ ؛ فراجع على سبيل المثال كتاب : قصص الأنبياء لطبارة.

(٢) إنجيل يوحنا الإصحاح الأول ، الفقرة ١٩ ـ ٢١.

١١٦

أرادها فليراجع الكتب المعدة لذلك (١) مع الأخذ بعين الاعتبار :

أن التوراة والإنجيل الموجودين فعلا قد نالتهما يد التحريف والتزوير ، كما يظهر لمن راجع كتاب : الهدى إلى دين المصطفى ، والرحلة المدرسية ، للمرحوم البلاغي وإظهار الحق لرحمة الله الهندي ، وغير ذلك.

ويكفي أن نذكر هنا : أن القرآن قد قرر : أن أهل الكتاب (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)(٢).

وقال تعالى : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ)(٣).

ولو أن أهل الكتاب كان يمكنهم إثبات خلاف هذا النص القرآني ، لبادروا إليه ، ولما عرّضوا أنفسهم للحروب والبلايا في سعيهم الدائب لإطفاء نور الله ، هم ومشركو مكة ، الذين كانوا يتعاونون معهم تعاونا وثيقا.

بل إن أهل الكتاب أنفسهم كانوا يتوعدون العرب ، ويقولون لهم : «ليخرجنّ نبي ، فيكسرنّ أصنامكم ، فلما خرج رسول الله كفروا به» (٤).

__________________

(١) راجع كتاب : أنيس الأعلام (فارسي) ، والرحلة المدرسية والهدى إلى دين المصطفى ، ورسول الإسلام في الكتب السماوية ، وغير ذلك.

(٢) الآية ١٤٦ من سورة البقرة.

(٣) الآية ١٥٧ من سورة الأعراف.

(٤) البحار ج ١٥ ص ٢٣١.

١١٧

ويقول مغلطاي : «إنه لما شاع قبل ولادته : أن نبيا اسمه محمد ، هذا إبان ظهوره ، سمى جماعة أبناءهم محمدا ، رجاء أن يكون هو ، منهم محمد بن سفيان بن مجاشع الخ .. ثم عد جماعة من المسمين بهذا الاسم» (١).

ولما دعا رسول الإسلام بعض المدنيين ـ قبل الهجرة ـ إلى الإسلام ، قال بعضهم لبعض :

يا قوم ، إن هذا الذي كانت اليهود يدعوننا به ، أن يخرج في آخر الزمان ، وكانت اليهود إذا كان بينهم شيء ، قالوا : «إننا ننتظر نبيا يبعث الآن يقتلكم قتل عاد وثمود ، فنتبعه ، ونظهر عليكم معه إلخ ..» (٢).

مناطق سكنى أهل الكتاب :

وبعد ، فإن النصارى لم يتوغلوا في قلب الجزيرة العربية ، بل كانوا يسكنون على أطرافها : الحيرة ، وبلاد الشام ، وكانت بعض القبائل العربية تدين بالنصرانية ، دون أن يلتزموا بطقوسها الدينية إلا بصورة ضعيفة كما سنرى.

أما اليهود ، فقد كانوا أولا هم حكام يثرب ، بعد أن قدموها من بلاد فلسطين ، فرارا من الاضطهاد الذي حاق بهم ، ثم قدمها الأوس والخزرج القحطانيون من اليمن ، وتغلبوا عليها ، وحصروا اليهود ـ وهم ثلاث قبائل : بنو النضير ، وقينقاع ، وقريظة ـ في مناطق معينة في المدينة وأطرافها ، وكانوا يسكنون فدكا وتيماء أيضا.

__________________

(١) راجع : سيرة مغلطاي ص ٧.

(٢) الثقات ، لابن حبان ج ١ ص ٩٠.

١١٨

ويذكر هيكل : أنه كان يحظر على اليهود والنصارى سكنى مكة ، إلا أن يكون أجيرا ، لا يتحدث بشيء من أمر دينه ومن أمر كتابه ، ثم يستثني في موضع آخر : العبيد منهم (١).

ولكننا نجد : أنه كان يسكنها المتنصرة من العرب كورقة بن نوفل وأضرابه ، وعلى كل حال ، فإن هذا الأمر لا يهمنا تحقيقه كثيرا.

أهل الكتاب وهيمنتهم العلمية على العرب :

وما يهمنا هنا : هو الإشارة إلى أن العرب كانوا ينظرون إلى أهل الكتاب نظر التلميذ إلى معلمه ، ويعتبرونهم مصدر الثقافة والمعرفة لهم ، حتى إننا لنجد في التاريخ :

أن العربي كان إذا أراد الإسلام يستشير حبرا ، أو راهبا في ذلك ، بل نجد قبيلة بكاملها تذهب إلى يهود فدك وتسألهم عن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، بعد أن عرض دعوته عليهم (٢).

كما ويعرض الإسلام على كندة ؛ فيأبونه ؛ فيستدل بعضهم على صدق هذا النبي بأن اليهود قد قالوا :

إنه سوف يظهر نبي من الحرم قد أظل زمانه (٣).

وإسلام أهل المدينة كان في مبدئه مستندا إلى نظير هذه الحجة ، كما

__________________

(١) راجع : حياة محمد ، لمحمد حسنين هيكل ص ٦٥ و ٦٦.

(٢) راجع : البداية والنهاية ج ٣ ص ١٤٥ ، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٠٢.

(٣) دلائل النبوة لأبي نعيم ص ١٠٣.

١١٩

أشرنا ، وسنشير إليه ، إن شاء الله تعالى (١).

وعن ابن عباس ، قال : «كان هذا الحي من الأنصار ـ وهم أهل وثن ـ مع هذا الحي من اليهود ، وهم أهل كتاب ، فكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم ، وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم» (٢).

وقد أسلم وفد أهل الحيرة ، وكعب بن عدي ، فلما توفي «صلى الله عليه وآله» ارتابوا ؛ فثبت كعب على الإسلام ، قال : ثم خرجت أريد المدينة ، فمررت براهب كنا لا نقطع أمرا دونه (٣) ، إلى آخر كلامه ، الذي ذكر فيه حصول اليقين له ، بسبب كلام الراهب.

وليلاحظ بدقة قوله : «كنا لا نقطع أمرا دونه»!

وأيضا ، فقد تقدم في الفصل الأول من هذا الجزء وسيأتي (٤) :

أن أبا سفيان قد سأل كعب بن الأشرف عن : أن أي الدينين أرضى لله تعالى ، دينه أم دين محمد؟!

وقالت قريش لبعض يهود بني النضير ، وهم : سلام بن أبي الحقيق

__________________

(١) سيأتي ذلك في الجزء الرابع في فصل : حتى بيعة العقبة حين الكلام حول دخول الإسلام إلى المدينة.

(٢) الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير ص ١٠٩ عن أبي داود وقال : وانظر تفسير ابن كثير ج ١ ص ٢٦١.

(٣) الإصابة ج ٣ ص ٢٩٨ عن البغوي ، وابن شاهين ، وابن السكن ، وابن يونس في تاريخ مصر ، وأبي نعيم.

(٤) سيأتي ذلك في فصل : غدر اليهود ، والاغتيالات عن البداية والنهاية ج ٤ ص ٦ والسيرة النبوية لابن كثير ج ٣ ص ١١.

١٢٠