الإمام الكاظم وذراريه

إسماعيل الحاج عبدالرحيم الخفّاف

الإمام الكاظم وذراريه

المؤلف:

إسماعيل الحاج عبدالرحيم الخفّاف


المحقق: الدكتور حميد مجيد هدّو
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: العتبة الكاظميّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

كيف وأين الرّوضة المنوّرة

من محبس السّنديّ رأس الفجرة

ولم يزل يعالج الحبوسا

وكان كلّ يومه عبوسا

وعضّه القيد فرضّ ساقه

لهفي لمن أمضّه وثاقه

المصفّد المسموم

ولم يزل مصفّداً مكبّلاً

حتّى قضى بالسّمّ موسى الأجلا

آنس ناراً من سموم السّمّ

فزاده غمّاً عقيب غمّ

نور الهدى خبا فأظلم الفضا

يا ساعد الله إمامنا الرّضا

وا عجباً من هو أزكى ثمرة

من دوحة المجد الأثيل المثمرة

من دوحة العلياء والفتوّة

من دوحة التّنزيل والنّبوّة

كيف قضى بالرّطب المسموم

على يد ابن شاهك المشوم

النعش المحمول

أمثل موسى وارث الرّسالة

يحمل نعشه مع الحمالة

نعش تطوف حوله الأفلاك

تبرّكت بحمله الأملاك

ولم يشيّعه من النّاس أحد

فيا لها من غربة بغير حد

بل شيّعته الزّفرات المحرقة

من أنفس قلوبها محترقة

شيّعه العقول والأرواح

لهم على غربته نياح

وكيف نعش صاحب الخلافة

يرمى على الجسر من الرّصافة

تنوح في غربته عليه

خشخشة الحديد في رجليه

ناحت عليه زمر الملائك

بل ناحت الحور على الأرائك

٣٤١
 &

أم كيف يستخفّ بالنّداء

عليه وهو أعظم الأرزاء

فيا لذاك الهتك والجسارة

على سليل القدس والطّهارة

نادى عليه الرّجس بالتحقير

وإنّه ابن آية التّطهير

أيذكر الطّيّب وابن الطّيّب

بأفحش القول فيا للعجب

وهو ابن من نودي باسمه على

منابر القدس بعزّ وعلا

نودي باسمه العظيم السّامي

في الصّلوات الخمس بالإِعظام

أحجّة الحق إمام الرّافضة

بل حجّة الباطل منه داحضه

وليس في الغيب ولا الشّهادة

سواه قائد إلى السّعادة

بل رفض الباطل رفضاً رفضا

ومحّض الحقّ الصّريح محضا

فلا وربّ العرش لولا الكاظم

لم يك للدّين الحنيف ناظم

السيّد رضا الهندي (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٦٢ هـ) ١

زاول الأدب زمناً طويلاً فابدع فيه ابداعاً كان المجلّي فيه بين جمع كبير من الادباء والعباقرة في زمانه وكان رحمه الله زاهداً بالزعامة الدينية بالرغم من مؤهلاته للإمامة توفي في المشخاب وقد شيع الى مدينة النجف حيث دفن في داره الكائنة في محلة الحويش. له في تاريخ باب حرم الكاظمين عليهما‌السلام في الجهة الغربية :

ان جئت ساحل مولىً

تيّار جدواه مائج

ارخ (ببابك لذنا

وانت باب الحوائج)

____________

(١) ابو أحمد السيد رضا بن محمد بن هاشم بن مير شجاعة علي النقوي الرضوي الموسوي من الفقهاء والشعراء المبدعين الملتزمين بمنهج أهل البيت عليهم‌السلام ولد في النجف الأشرف ودفن فيه ، وهو صاحب القصيدة الكوثرية المشهورة (المراجع).

٣٤٢
 &

الشيخ حسن البهبهاني (١٣٠٩ هـ ـ ١٣٦٢ هـ)

هو الشيخ حسن بن الشيخ محمّد بن الصمد البهبهاني فاضل واديب ولد في النجف الاشرف ونشأ بها ودرس المقدمات على اساتذة فضلاء فتدرج في طلب العلم فاحاط بعلوم الادب إحاطة تامة وتطلع الى نظم الشعر ويعد من الطبقة الوسطى بين شعراء عصره. له في الامام الكاظم عليه‌السلام ١ :

ما للحمائم ناحت فوق أغصان

لقد اهاجت بكاء الواجد الفاني

قامت على الدوح ورقاء مؤرقة

تملي فنون الهوى من فوق افنان

حسبي وحسبك ما هيّجن من شجن

فليس شجوك من شجوي بسّيان

لي مثل وجدك اضعافاً مضاعفة

وضعف جسمي اقوى كل برهان

لا انت للروح لا للشوق لا لهوى

ما دمت لا تكتمين الوجد كتماني

ان الحمائم في الاسحار هاجعة

وصاحب الشوق لم يهنأ بسلواني

أملي الغرام بانفاس مصعدة

وانت تملين لي سجعاً بألحاني

أكاد اشرق في دمعي لفرط بكىً

كأن عيني في التذراف عينان

وما لعيني لا تبكي وقد نظرت

باب الحوائج موسى فخر عدنان

لهفي عليه سجينا طول مدته

ما زال ينقل من سجن الى ثان

جروه وهو يصلي طوع بارئه

فناصبوا الله في كفر وطغيان

ساروا به في قيود كبّلوه بها

وقد جنوا ما جنوه آل سفيان

سل حبس عيسى وما لاقاه من محن

فيه وقاساه من جور وعدوان

ولا تسل عن حبس ابن الربيع فكم

أعيى به الضر من آن الى آن

____________

(١) شعراء الغري ج ٣ / ٩٣ ـ ٩٤.

٣٤٣
 &

وخلّ عما جنى السندي ناحية

فذكره فتّ في قلبي واشجاني

يلقى الامام بوجه ملؤه غضب

وكان يسمعه من لفظه الشاني

يمسي من السجن في ليل بلا شهب

ولا يرى الصبح في ضوء وتبيان

روحي فداه بعيداً عن عشيرته

لا بل بعيد اللقا من ايّ انسان

حتى اذا جرعوه السم في رطب

فحال من وقعه المردي بألوان

ناءٍ عن الأهل لم يحضره من احد

فداه أهلوه من شيب وشبان

لهفي له وهو في قعر السجون لقىً

وليس يدنوه من اهل وجيران

نعش ابن جعفر حمالون تحمله

فاين عنه سرايا آل عدنان

مثل ابن من دانت الدنيا له شرفاً

لم يحتفل فيه من قاص ولا دان

لمن على الجسر نعش لا يشيعه

من الورى غير حراس وسجان

لمن على الجسر نعش يستهان به

كميت غير ذي شأن وعنوان

لمن على الجسر نعش لا يطوف به

ذووه من رحمه الادنی اولو الشان

لمن على الجسر نعش لا يجهزه

لمن على الجسر نعش ما اعدّ له

اهل المودة من صحب واعوان

ضريح قبر ولم يدرج بأكفان

ان انسى لا أنس اذ مال الطبيب له

فجس باطن كفيه بامعان

فمرّ يعبر لا يلوي على احد

غرته دهشته واهي اللب حيران

يقول ما للفتى مصر ولا فئة

اما له ثائر في بأس غيران ؟

ان الفتى مات مسموماً فاين هم

فليثأروا فيه وليقضوا على الجاني

القيد في رجله والغلّ في يده

وللعباءة شأن اعظم الشان

القوه في الجسر مطروحاً تقلبه

ايدي الاجانب في سرّ واعلان

٣٤٤
 &

الشيخ محسن أبو الحب (١٣٠٥ هـ ـ ١٣٦٩ هـ)

هو الخطيب والشاعر الشيخ محسن بن الشيخ حسن بن الشيخ محمّد الشهير بابي الحب الحائري خطيب لبيب وشاعر اديب ولد في كربلاء ومات فيها وصدر له « ديوان ابي الحب ».

له في الامام موسى الكاظم عليه‌السلام مشطراً ابيات الشريف الرضي ١.

الا يا قاصد الزوراء عرّج

لتحظى بالأمان وبالأماني

وحث الركب ان تبغي نجاحاً

على الغربي من تلك المغاني

فطف واسع وحج بها ولب

وسلم في جنانك واللسان

ونعليك اخلعن واخضع خشوعاً

اذا لاحت لديك القبتان

فتحتهما لعمرك نار موسى

اضاءت حين نودي لن تراني

فتلك النار نور الله فيها

ونور محمّد متقاربان

وقال في ذكرى وفاة الإمام الكاظم عليه‌السلام من ديوانه ص ١٠٣ (من اختيارات المراجع)

شباب الطف قد نشرت لواها

لرزء ابي الرضا موسى بن جعفر

تجدد رزءه في كل عام

وتقصده لكي في الحشر تؤجر

وقال رائياً الإمام موسى بن جعفر عليه‌السلام ـ (اضافها المراجع من ديوان ابي الحب) ص ٦٢.

موسى بن جعفر والجواد

الطيب الزاكي الجدود

باب الحوائج والتقى

ومن هما سرَّ الوجود

هذا ملاذ الخائفين

وبحر معروف وجود

____________

(١) ديوان الشيخ محسن (ابو الحب) ص ٢١٥ (المراجع).

٣٤٥
 &

وحمى لكل اللائذين

وذاك ماوى للوفود

ملكا الوجود فطوقا

بالجود عاطل كل جيد

لهفي على باب الحوائج

مات في سجن الرشيد

بالسم يقضي نحبه

تفديه نفس من شهيد

قد مات وهو مغلل

رهن السلاسل والقيود

لم يحضروه أهله

ما من قريباً أو بعيد

فرداً يعالج نفسه

ويئن من ألم الحديد

حتى قضى فرداً وحيدا

افتديه من وحيد

يا عين لابن المصطفى

بالدمع والزفرات جودي

أضحى وحمالون تحمل

نعشه بيد العبيد

وعليه اعلى بالنداء

بأمر جبار عنيد

هذا امام الرفض

مات بحتفه في الناس نودي

يوم به (موسى) قضى

لعداه اصبح يوم عيد

وضعوه فوق الجسر

لكن ما عليه من برود

حتى سليمان أتى

ورآه من قصر مشيد

قالوا له هذا ابن عمك

وهو ذو الحسب التليد

فدعا ألا أئتوني به

حتى يوارى في الصعيد

فهناك جهّز نعشه

وبكاه في اسف شديد

هذا سليمان أتى

للنعش يسعى في عديد

في اللحد وارى جسمه

ما بعد ذلك من مزيد

٣٤٦
 &

الشيخ مهدي اليعقوبي (١٣٠٢ هـ ـ ١٣٧٢ هـ)

هو شقيق الشاعر الكبير الشيخ محمّد علي اليعقوبي رحمه‌الله ولد في النجف وتوفي فيها بعد تنقل بين السماوة والحلة إلى أن استقر به المقام في النجف ، وله في الامام الكاظم عليه‌السلام ١ :

تنام عيون بني نثلة ٢

وهاشم فرّت على وترها

الى مَ على الضيم تغضي العيون

وقد حكم العبد في حرّها

تناست ببغداد ماذا جنت

على عزّها وذرى فخرها

فقد غادرته رهين السجون

ودست له السم من غدرها

أباب الحوائج للقاصدين

ومن كفّه الغيث في وفرها

اذلت فجيعتك المسلمين

واذكت حشا الدين في جمرها

اتقضي ببغداد رهن القيود

ونعشك يرمى على جسرها

الشيخ راضي آل ياسين (١٣١٤ هـ ـ ١٣٧٢ هـ)

هو الحجة الشيخ راضي بن الشيخ عبد الحسين بن الشيخ باقر ابن المرجع الكبير الشيخ محمّد حسن ال ياسين ، ولد في الكاظمية ونشأ في رعاية والده المتتبع فكان فقيهاً عالماً أديباً ملماً بالأدب خبيراً بالتاريخ واللغة حلو المعشر طيب المفاكهه لذيذ المنادمة حسن الاخلاق وكان احد ائمة الجماعة المرموقين في الكاظمية ، توفي في لبنان ودفن في النجف الاشرف في مقبرة آل ياسين الواقعة في محلة العمارة.

له في الامام موسى بن جعفر عليه‌السلام ٣ :

____________

(١) البابليات ج ٣ / ١٨٤ ـ ١٨٥.

(٢) نثلة بنت كليب بن خباب ام العباس ام عبد المطلب كانت أمة لفاطمة بنت عمرو المخزومية ام عبد الله والد النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله وأم ابي طالب والزبير اولاد عبد المطلب.

(٣) ماضي النجف وحاضرها ج ٣ / ٥٢٨ في هذا الجزء ترجمته.

٣٤٧
 &

بكيت لعافي مربع عزّ باكيه

ولك أبك لكن بكيت لأهليه

تعفّى وحاشى ربع أمسي بأنه

تعفى وايدي النائبات تعفّيه

وان زماناً قد يسرك يومه

ففي غده من مطلع السوء ما فيه

ولكنني في حبّ موسى بن جعفر

تخلصت من أسوائه ومساويه

وكل مهم في الحوائج ان يكن

يرد الى باب الحوائج يقضيه

وموسى كموسى في المفاخر توأم

ولكن هذا اول وهو ثانيه

لو أن اسست تيم وآل امية

أساساً بنو العباس شادوا مبانيه

أمثل الامام الطهر موسى بن جعفر

يشرّد عن أوطانه وأهاليه

يطاف به رحب البلاد مشرداً

بلا ملجأ الا المجالس تؤديه

غريب بلا فاد ولو ينفع الفدا

لراحت نفوس العالمين تفاديه

فسل محبس السندي اي حشاشة

اذيب وذاك السم ما عذر ساقيه

وسل جسر بغداد عن النعش من سعى

اليه وما نادى عليه مناديه

وسل ذلك الصك الذي بقضائه

فكم اودعوا من زورهم بحواشيه

أيحمل حمالون نعش ابن جعفر

وينعاه جهراً بالمهانة ناعيه

الشيخ قاسم الملّا (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٧٤ هـ)

هو الشيخ قاسم بن الشيخ محمّد الملّا ولد في الحلّة فهو خطيب واديب من أدبائها وقد منحه الله نباهة الخاطر وسعة الحافظة وقوة الذاكرة ورقة الطبع ، وله في رثاء الأئمة اجداد الإمام الكاظم عليه‌السلام ثم يخلص في مدحه للإمام باب الحوائج عليه‌السلام ١ :

____________

(١) البابليات ج ٣ / ١٨٩ ـ ١٩٠.

٣٤٨
 &

أغار الأسى بين الضلوع وأنجدا

فصوّب طرفي الدّمع حزنا وصعّدا

ولي كبد رفّت لفقد أحبّتي

غداة نأوا والعيس طاربها الحدا

وقد كنت رغد العيش في قرب دارهم

فمذ بعدوا عنّي غدا العيش أنكدا

أسرّح طرفي في ملاعب حورهم

فلم أر لا خوداً هناك وخرّدا

وما كان يعشوا الطّرف قبل فراقهم

لأنّهمُ كانوا لطرفيه أثمدا

وبالتّلعات الحمر من بطن حاجر

غرام أقام القلب منّي وأقعدا

ظلت اُنادي والرّكائب طوّحت

بصبري وماري النّدا بسوى الصّدى

أأحبابنا هل أوبة لاجتماعنا

أم الشّمل بعدَ الظّاعنين تبدّدا

ولم يشجني ربع خلا مثل ما شجى

فؤادي ربع قد خلا من بني الهدى

نوى العترة الهادين أضرم مهجتي

وبين حنايا أضلعي قد توقّدا

خلت منهمُ تلك العراص فأقفرت

وقد عصفت فيهنّ عاصفة الرّدى

وكانوا مصابيحاً لخابطة الدّجى

إذا قطعت في اللّيل فجّاً وفدفدا

تنير به أجسابهم ووجوههم

فبعدهُم يا ليت اُطبق سرمدا

ونار قراهم قد رآها كليمه

فعاد بها في أهله واجداً هدى

وسحب أياديهم يسحّ ركامها

ومنهلهم للوفد قد ساغ موردا

قضوا بين من أرداه سيف ابن ملجم

فأبكى أسىً عين البتول وأحمدا

وما بين من أحشاه بالسّمّ قطّعت

وقد نقضوا منه عهوداً وموعدا

وصدّوه عن دفنٍ بتربة جدّه

وأدنوا إليه من له كان أبعدا

وإنّ سهاماً أقصدوا نعشه بها

لحقّاً رموا فيها النّبيّ محمّدا

ولم تخبُ نيران الضّغائن منهمُ

ولا قلب رجس من لظى الغيظ أبردا

٣٤٩
 &

إلى أن تقاضوا من حسين ديونهم

فروّت دماه المشرفّي المهنّدا

أتته بجند ليس يحصى عديده

ولكنّه من يوم بدر تجنّدا

وسامره ذلّاً أن يسالم طائعاً

يزيداً وأن يعطي لبيعته يدا

فهيهات أن يستسلم اللّيث ضارعاً

ويسلس منه لابن ميسون مقودا

فجرّد بأساً من حسام كأنّما

بشفرته الموت الزّؤام تجرّدا

اذا ركع الهنديّ يوماً بكفّه

تخرّ له الهامات للأرض سجّدا

وأعظم ما أدمى مآقيه فقده

أخاه أبا الفضل الّذي عزّ مفقدا

رآه وبيض الهند وزّعن جسمه

وكفّيه ثاوٍ في الرّغام مجرّدا

فنادى كسرت الآن ظهري فلم اُطق

نهوضاً وجيش الصّبر عاد مبدّدا

وعاد إلى حرب الطّغاة مبادراً

عديم نصير فاقد الصّحب مفردا

وما زال يردي الشّوس في حملاته

إلى أن رمي بالقلب قلبي له الفدا

فمال عن الرّمضا لهيف جوانح

بعينيه يرنو النّهر يطفح مزبدا

مصاب له طاشت عقول ذوي الحجا

إذا ما تعفى كلّ رزء تجدّدا

وما بعده إلّا مصاب أبي الرضا

كسا الدّين حزنا سرمديّاً مخلّدا

أتهدأ عين الدّين بعد ابن جعفر

وقد مات مظلوماً غريباً مشرّدا

فعن رشده تاه الرّشيد غواية

وفارق نهج الحقّ بغياً وأبعدا

سعى بابن خير الرّسل يا خاب سعيه

فغادره رهن الحبوس مصفّدا

ودسّ له سمّاً فأورى فؤاده

فكلّ فؤاد منه حزناً توقّدا

وهاك استمع ما يعقب القلب لوعة

وينضحه دمعاً على الخد خدّدا

غداة المنادي اعلن الشتم شامتاً

على النعش يا للناس ما افظع الندا

٣٥٠
 &

أيحمل موسى والحديد برجله

كما حمل السجاد عانٍ مقيدا

السيّد محمّد صالح القزوينيّ (١٣١٨ هـ ـ ١٣٧٥ هـ)

هو العلّامة الشّاعر السيّد محمّد صالح بن محمد مهدي الموسوي الحائري القزويني الخطيب الكربلائي المتوفى سنة ١٣٧٥ هـ والمدفون في العتبة العباسية المطهرة له رباعيّات في الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام نقلناها من كرّاس « ذكرى وفاة الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام ص ٤ ».

كم بتّ من فرط الشّجى في سهر

اُشاطر النّجوم حول القمر

بتّ سمير النّجم حتّى السّحر

ولي شهود في الدّجى فرقدان

* * * * *

يا حادي العيس ألا إرفق وقف

فإِنّ سمّي في هواهم دنف

وإنّ عيني دمعها لا يجف

والنّوم لا تألفه النّاظران

* * * * *

لا تشتكي حرّ الأسى والشّجون

وما جنته يد دهر خؤون

إلى الّذي مات رهين السّجون

حامي الحمى إمام إنس وجان

* * * * *

لمّا مضى الرّسول نحو الرّشيد

يخبره بموت ذاك الشّهيد

نادى ألا أربعة من عبيد

ليحملوا نعش إمام الزّمان

* * * * *

٣٥١
 &

ومذ على الجسر ثلاثاً بقى

إيّاك أن تسأل عمّا لقي

من كيد ذاك الدّعيّ الشّقي

عن وصف ما جرى بكلّ اللّسان

* * * * *

عزّ على أبناء ذاك الصّنيع

لو شاهدوا بين الأعادي صريع

موسى وقد مات بسمّ النّقيع

يا ليت هم كانوا بذاك الأوان

الشيخ قاسم محي الدين (١٣١٦ هـ ـ ١٣٧٦ هـ) ١

هو الشيخ قاسم بن الشيخ حسن بن الشيخ موسى محي الدّين ٢ ، عالم ومحدّث وشاعر ظريف ، ولد في النّجف قبل وفاة والده بسنة واحدة ، فكفله جدّه العلّامة الشيخ جواد محي الدّين ، ثمّ خاله الشيخ أمان ، درس على مشاهير الأعلام ، وهو مختصّ بتدريس علم العروض في النّجف ويعدّ حجة فيه ، توفّي يوم الأحد من سنة ١٣٧٦ هـ ، اخترنا من ديوانه (الشّعر المقبول) ، في آل الرّسول » ما يخصّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليهما‌السلام ص / ١١٠.

ظعنوا على عمد وما وقفوا

فمدا معي لفراقهم تَكِفُ

أمسيت من بعد النّوى قلقاً

يضني فؤادي الوجد والأسف

قلبي يرفّ إذا تذكرهم

كخفوق برق حيث يختطف

بانوا فكاد البين يقذفني

بمهالكٍ ما دونها زغف

وجفوا وقوس الحزن يرشقني

ولنبله منّي الحشا هدف

____________

(١) وفي معجم رجال الفكر والادب / للأميني محمد هادي ج ٣ ص ١١٧ أن سنة تولده ١٣١٤ هـ ، وكذلك في كتاب الحالي والعاطل للدكتور المرحوم عبد الرزاق محيي الدين ص ٣٥٤.

(٢) شعراء الغري (٧ : ٨٥).

٣٥٢
 &

أمسيت بعدهمُ كرائدة

بعدت عليها الرّوضة الأنف

يا راكباً حرفاً عملّسة

فيها ألّظ الشّوق والكلف

مرقالة كوماء غاربها

شروى الجبال سرى بها الشّغف

أجداً بوخد السّير تحسبها

من دونها الأطواد والشّعف

إن جزت أرض الكرخ حطّ وعن

أطلاله إيّاك تنحرف

وقل السّلام على ابن جعفر ما

ضاءَ النهار وأظلم السّدف

ذاك الّذي اعتصم الوجود به

وبسرّه الغماء تنكشف

الكاظم الغيظ الّذي عزبت

عنه العقول فدونه تقف

ناهيك في علياه إنّ له

شرفاً تنازل عنده الشّرف

إن قلت خير الخلق كلّهم

ما كان إلّا فوق ما أصف

أو قلت منه جرى القضاء فلا

نكر ففيه الكون يعترف

يشتدّ ظهري في محبّته

وبرزئه قد كاد ينقصف

لم أنسه لله مبتهلاً

يدعو الإله ودمعه ذرف

أموّه غدراً حيث قد قطعوا

منه الصلاة فبئسما اقترفوا

قادوه قسراً فاغتدى هدفاً

للخطب وهو يغيظه أسف

قد جرعوه بالشجا سقماً

لهفي وهل يجدي له اللهف

يتربصون به الدوائر ما

رأفوا به يوماً وما عطفوا

للقيد في رجليه خشخشة

وبه اضر السّجن والدنف

ما زال تقذفه السجون فمن

سجن لا ضيق منه ينقذف

كالثوب تبصره متى تره

بسجوده لله ينعكف

٣٥٣
 &

لم يلف الّا ساجداً وجلاً

لله منه القلب منصرف

كالطود صبراً غيران له

جسماً نحيلاً شفه التّلف

عبأ لقد اثقلته علل

هو بالضنا منهن متصف

فلذاك منه المتن مضطهد

سقماً ومنه الظهر منقصف

حتى قضى بالسم محتدماً

حزناً بكاه المجد والشرف

حملته حمالون اربعة

إذ لا وقار به مذ انصرفوا

وضعوه فوق الجسر مطرّحاً

حتى كأن علاه ما عرفوا

وضعوه فوق الجسر لست ترى

شرواه ميتا فيه ما رأفوا

وعليه قد مرّ الورى فرقاً

والكل منهم راح يختلف

لعلاك يهدي قاسم مدحاً

واليك بالتقصير يعترف

وله قصيدة اخرى في الامام الكاظم موسى بن جعفر عليهما‌السلام :

هذا ابن اطهار الحجور

وانت منهمك الفجور

اتراه يرسف بالحديد

وانت ترفل بالحرير

قطعوا الصلاة عليه ما

خافوا من الله القدير

قادوه محترم الحشا

لم يلف فيهم من مجير

وعليه قد جاشوا بظلم

والضغائن في الصدور

يتربصون به الدوائر

في العشي وفي البكور

نقلوه من سجن الى

سجن اشد من القبور

ما كان الّا الطود صبراً

حرّ قلبي من صبور

ما زال كاظم غيظه

متحملاً نوب الدهور

٣٥٤
 &

حتى قضى بالسم

مضطهد القوى حلف الزفير

حملته حمالون اربعة

كمحمول حقير

وضعوه محتقراً

فوا لهفي على ذلك الوقور

وضعوه فوق الجسر

مطروحاً على نهج العبور

وعليه قد مرّ البرايا

من قليل او كثير

ما بين محزون عليه

وشامت بادي السرور

وله قصيدة ثالثة في الامام الكاظم عليه‌السلام :

بموسى بن جعفر نلت الشرف

وفي حبه نال قلبي الكلف

امام تحير العقول به

ويقصر عن كنهه من وصف

تصرف منه القضا فهو إن

اراد انصراف القضاء انصرف

تعاظم شأوا بمعنى علاه

لذا الفكر عن وصفه قد وقف

له جعل الله يوم المعاد

مقاماً لشيعته معتكف

فلم تر إلّا لا باب الرّجا

وباب الحوائج قاضي الكلف

لقد هام قلبي به صبوة

الى ان تغانى بفرط الشغف

وله أيضاً :

قد نابني ريب الدّهور

فقرنت في صعب الأمور

قاومت أدهى الفادحات

فعدت معدوم النّظير

إنّي وإن كبرت شجون الـ

ـدّهر ذو جاش كبير

أصبحت وقفاً للشّجا

إذ عاد قلبي كالجفير

وبقيت أدرأها بعزم

سميدع قرم صبور

٣٥٥
 &

بانّي الضّليع إذا اكفهرّ

كتهوّر الرّزء العسير

ألقي العدى في عزمة

أمضى من العضب الشّهير

وأذيل كلّ سريّة

منقادة قود الأسير

فالعزّ أبقى للفتى

الذّلّ من شيم الحقير

حسب الأبيّ إباءة

شرفاً ينزّه عن نظير

لله من دهر أطل

عليّ بالخطب الخطير

إن ضاق قلبي بالشّجون

منحته صبر الصّبور

متمسّكاً بولاءِ موسى

خير ذي شرف وخير

هو كاظم الغيظ الّذي

قد فاق بالشّأو الكبير

باب الحوائج ملجأ الـ

ـعافي ومأوى المستجير

فَمَحلُّهُ بسرادقٍ

لولاه ما ضاءت بنور

لو دام صرف قضا اللّطيف

لنال صرف قضا الخبير

موسى بن جعفر لا تحدّ

به المكارم كالبحور

ومعاجز معشارها

بالعد لم يك باليسير

جبريل ودّ التّاج نعلك

وهو ذو الشّأو الخطير

لو لم تمسّ الأرض ما

سجدوا على تلك الصّخور

هام الفؤاد به وفي

أرزائه أشجى ضميري

يا حرّ قلبي إذ أتوه

وغادروه كالأسير

قل لابن مهديّ الضّلال

مقالة الرّجل الغيور

وله أيضا :

٣٥٦
 &

ولبّى غدا مبتلىً في ولاه

ولباه قدماً وفيه اعترف

وما السّلسبيل سوى حبّه

ومن صفوه السّلسبيل اغترف

إلى مثله عاد أمر الإِله

سوى قدسه سرّه ما عرف

ولم أنسه عند قبر النبيّ

إلى الله مبتهلاً قد عكف

يصلّي لباريه محتدماً

وعن فرق دمعه قد ذرف

فلهفي له إذ تعادوا عليه

وساموه نفسي فداه التّلف

وقد أركبوه ذلول الصّغار

وفيه حدوا بهوان العنف

وغالوه قسراً حَليف السّجون

لرشق سهام الشّجون هدف

وما زال فيها أليف الضّنا

طريد الرّزايا حليف الأسف

هو الطّود صبراً ولكنّه

تداعى اندكاكاً بفرط الضّعف

ولا زال للغيظ كاظمه

وما جفّ منه العزا في الجنف

ولم نلف جرماً له بينهم

سوى حمله للعلا والشّرف

فأصبح ترتاده المرجفات

وفوراً فما طاش حلماً وخف

فقام بها حاملاً عبثها

وفي حملها عزمه ما وقف

إلى أن قضى حرّ قلبي له

بسمّ به قد عراه التّلف

قضى صابراً نازحاً عن حماه

غريباً وليس له مزدلف

قضى يا بنفسي بعيد المدى

وبدر الهدى برداه انخسف

قضى يا بنفسي وقد وضعوه

على الجسر مطّرحاً في طرف

ونودي عليه بلا حبرة

لعلياه إذ قلّ من قد عرف

تمرّ البرايا حموعاً عليه

ورأي الجميع عليه اختلف

٣٥٧
 &

قضى وبرجليه ألوى الحديد

قيوداً بها طالما قد رسف

قضى مذ قضى صابرا في الخطوب

تجرّع كأس العنا والعنف

قضى حامياً دمعه كالعتيق

فلهفي ويا ليت يجدي اللهف

أمثل ابن جعفر بين السّجون

ترخي عليه الخطوب السّجف

الشيخ علي الجشي (١٢٩٦ هـ ـ ١٣٧٦ هـ)

هو العلّامة الشيخ علي بن حسن بن محمّد علي بن يوسف بن محمّد ابن علي بن ناصر كان تقياً ورعاً درس الاوليات في الخط (القطيف).

وله ديوان شعر قال في الامام الكاظم عليه‌السلام ١ :

إذا نفحت من جانب الكرخ رياه

هدتنا إليه في الدّجى فنحوناه

فلا خير في شدّ المطيّ وقطعها

وعور الفلا والسّهل إلّا لمغناه

فإِنّ بجنب الكرخ قبراً لسيّد

ينال به المرّاجي من السّئول أقصاه

إمام هدىً فيه اهتدى كلّ مهتد

وكان به بدء الوجود وأبقاه

له المنصب العالي من الله حيث لا

سماء ولا أرض ولا شيء أنشاه

وإذ أنشأ الأشياء أوجب حقّه

على كلّ شيء من قديم وولّاه

وأعطاه سلطان النّبيّ محمّد

على الخلق في خمّ بما كان أوحاه

ولكنّهم إذ أخرجوه ضلالة

عن المرتضى كلّ هناك تمنّاه

فما زال من قوم لقوم ومن له

مقام رسول الله خانت رعاياه

فشرّد هذا كالحسين وآخر

كموسى أسيراً سار ما بين أعداه

____________

(١) شعراء القطيف ص / ٢٨٩.

٣٥٨
 &

وغيّب في تلك الطّوامير شخصه

ونور هداه عمّت الكون أضواه

فلم يبلغوا ما أمّلوه فحاولوا

بإِزهاقهم نفس الهداية إطفاه

إلى أن قضى باب الحوائج نازحاً

وما حضرته ولده وأحبّاه

فراح وحمّالون تحمل نعشه

وقد أدرك الأعداء ما تتمنّاه

فلم نر نعشاً كان سجناً فقد سرى

وأقياده ما بارحتهنّ رجلاه

ألم يكفهم في السّجون أفني عمره

وإزهاق تلك النّفس ظلماً وإيذاه

فقد عاش دهراً في السّجون وبعدها

أذاقوه سمّاً فقطع أحشاه

كأنّهم آلوا ولو كان ميّتاً

من السّجن لا ينفكّ حتّى بمثواه

وسارت وراء النّعش بشراً ولم تسر

لتشييعه والكون زلزل أرجاه

فلهفي له والشّمس تصهر جسمه

على الجسر مطروحاً حفّ أعداه

بنفسي إمام الكائنات لفقده

أسىً أصبحت تلك العوالم تنعاه

الشيخ عبد الحسين الحويزي (١٢٨٩ هـ ـ ١٣٧٧ هـ)

هو الشيخ عبد الحسين بن عمران بن يوسف بن احمد بن درويش ابن نصار الحويزي النيسي ١ ويعرف بالخياط شاعر شهير واديب واسع الاطلاع وكان شيخ أدباء عصره ولد في النجف الاشرف له معلومات واسعة في الرياضيات والهندسة والجفر والكيمياء اضافة الى شعره وادبه ومواصله دروسه وكان ينظم الشعر الى جانب التجارة وعاش نصف حياته في كربلاء وتوفي بها عام ١٩٥٧ ونقل جثمانه إلى النجف الاشرف وقد حقق جزأين من دواوينه وطبعها د. حميد مجيد

____________

(١) الصواب : النيسي وليس الليثي نسبة إلى قبيلة (نيس) كما حققناه فيما بعد (المراجع) ما قيل سابقاً ونُسب إلى بني ليث فهو غلط

٣٥٩
 &

هدو.

وله في الامام الكاظم عليه‌السلام ١ :

ما للزمان قديماً طرده انعكسا

وطالع النجم فيه سعده نحسا

وبارق البشر ما افتّرت مياسمه

والعالم في كل عصر وجهه عبسا

كم فيه مارت خطوب اثرها خفقت

فقماء تحرق غصن الصبا نفسا

فالعيش فيه حطام والهنا نكد

والنور في ظلام والصّباح مسا

ما عذر من بالهوى شبت مغارسه

يمضي وتجني صروف الدهر ما غرسا

ما من كريم يد إلا وساحته

جفّت وعود الحيا عن ريّها يبسا

وبينما الدهر اذ صيرته فرساً

لمن تفرسه في نابه افترسا

اذا تيقظت الدنيا لطالبها

فطرفه بالردى من طرفها نعسا

مثل الضئيلة موّاج بريقتها

سم ويحسبه من شوقه لعسا

فالدهر حالاته في اهله اختلفت

بالفكر اشكل منه الامر فالتبسا

من راحة الدهر كل الناس في تعب

لعل يطلقهم من عفوه وعسى

وكيف تطلق من دهر حوادثه

موسى بن جعفر احقاباً بها حبسا

ما ضعضع الخطب جنبا من تصبره

وبالردّى هو كالطود العظيم رسا

باب الحوائج في الاغلال مرتهنا

يبيت والوجه منه يكشف الغلسا

ويعقد التاج هارون بمفرقه

وحوله العز مهما قام او جلسا

ويل الرشيد قفا اثر الضلال عمى

واخطأ الرشد مهما طنّ او حدسا

على ابن جعفر باتت عينه رصدا

في كل ليل وقامت حوله حرسا

فشاهدته على الحالين منتصباً

للذل صعباً ولكن للأبا سلسا

____________

(١) ديوان الحويزي / تحقيق حميد مجيد هدو / ج ٢ ص ١٣٤ ـ ١٣٦ وينظر ديوانه بجزأيه اللذين حققناهما وصدرا عامي ١٩٦٤ ـ ١٩٦٥ م وتراجع حياته فيهما.

٣٦٠