الإمام الكاظم وذراريه

إسماعيل الحاج عبدالرحيم الخفّاف

الإمام الكاظم وذراريه

المؤلف:

إسماعيل الحاج عبدالرحيم الخفّاف


المحقق: الدكتور حميد مجيد هدّو
الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: العتبة الكاظميّة المقدّسة
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٤٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

هو بيت قدسٍ لا تحسّ برحبه

إلّا لصوت المتّقين حسيسا

لو أدركته الأنبياء لمّا ارتضت

إلّا به التّمجيد والتقديسا

وَلودَّ آدم أن يكون نعيمه

عوض النّعيم فلا يرى إبليسا

مذ شيد منه رواقه أرّخته

(قسماً لهذا الطّور وادي موسى)

١٣٢٠ هـ

وتبارى علماء الكاظميّة وشعراؤها في نظم تاريخ سنة افتتاح هذه الطّارمة ، فقال الشّيخ مهدي المراياتي مؤرّخاً ١ :

هذا هو البيت الّذي ربّ الهدى

أنثى عليه في الكتاب المُنْزل

هيهات ما البيت وما مقامه

ما الحِجْر إلّا دون فضله الجلي

وهذه الشّهب على علوّها

تودّ لو تهوي إليه من عَلِ

يا طالب المعروف بُلّغْتَ أرحْ

ببابه الرّكاب وانزل واعقل

وقفْ وكبّر خاضعاً أرّخته

(وسَلِّم استلم وحيّ وادخُلِ)

١٣٣٢ هـ

الشيخ حسين الصحاف (١٣٠٣ هـ ـ ١٣٤٣ هـ)

هو الشيخ حسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد بن الشيخ حسين ابن ناصر بن موسى بن حسين بن محمد الصحاف الاحسائي الكويتي ، علّامة فقيه واديب وشاعر آباؤه جلهم من العلماء والشعراء وبيتهم بيت علم وشرف ، له تخميس في مدح الامام الكاظم عليه‌السلام والأصل لملا عابدين الكويتي ٢ :

____________

(١) تاريخ المشهد الكاظمي ص ١٤٦

(٢) اعلام الهجر ج ١ / ٣٠٢. وهجر هي الأحساء (المنطقة الشرقية) من السعودية.

٣٢١
 &

راق من روضة الثنا مثواها

وزكى في النفوس نشر شذاها

وبطيت اذ شاهدت اصفاها

رنحت بالمديح ريح صباها

واستطابت قلوبنا في هواها

عفت هامت القلوب بطيب

عن هوىً للعقول خير طبيب

فترامت اقوالها بنسيب

فمن اليوم مبلغ عن خطيب

للورى فما عمادها ورجاها

سيد ساد بالامامة والجد

وله فوق هامة المجد فرقد

جوهر جنسه يجل عن الحد

ذاك موسى بن جعفر الطهر من قد

حاز أكرومة أبت ان تضاها

خصه الله بالمكارم حبا

وبراه لدارة الكون قطبا

وله في انتسابه خير قربى

هو نجل الوصي وابن المنبّى

من به الرسل اوضحت انباها

ملكاً كان في الوجود وحبرا

لا تحيط الورى بمعناه خبرا

هو رمز وفي العوالم طرّا

آية الله والمعظم قدرا

شنف عرش الجليل شمس ضحاها

رسل الله عن علاه أبانت

وبتعليمه الملائك دانت

ذاك هادمنه المناقب بانت

من دعى الخلق للرشاد وكانت

في ضلال عن الهدى فهداها

هو والمجد في الوجود قوام

ولملك الإله طرّاً نظام

٣٢٢
 &

رحمة نقمة حياة حمام

علم عليم وامام همام

كم له من مناقب لا تناهى

فله في العلى مقامٌ علي

مرتضى من إلهه مرضي

عمدٌ للورى صراط سوي

سند سيد صفي مضي

بل وزيتونة يضيىء ضباها

هو من نسل صفوة قد اصابت

كل فضل عن نيله الخلق خابت

وهو غصن به الثمار استطابت

ذو الاصول التي اشمخرت وطابت

حيث كانت من احمد منشاها

ما جد في العلى له اي منزل

وامام ثقل النبوة يحمل

مصدر الفيض ذاك ان كنت تعقل

قبلة العارفين بل سر في الـ

كون والشاهد الذي يرعاها

انجم السبع عن سناه استبانت

وذرى المجد عن معانيه زانت

ولدى ذروة الورى حيث كانت

كم له من مناقب قد ابانت

قدرة الباري الذي انشاها

أهو البدر حيث تمّ كمالاً

ام هو الشمس ضحوة تتلالا

ام هو الجوهر العديم مثالا

حار فكر الانام في من تعالى

رفعة طال حجبها وسماها

فيه قد كلم المسيح رضيعاً

قومه وارتقى مقاماً رفيعا

يا سراج الوجود امّ طلوعاً

يا من انقادت الامور جميعاً

طوع امر له اذا ما دعاها

٣٢٣
 &

لك وصف اعيى العقول وكنه

ابلغ الواصفين يقصر عنه

وسوى الله للورى لم ينبه

انت باب الإله ينزل منه

وحي آياته التي اوصاها

انت للمرتضى وطه كنفس

ولروض الوجود علّة غرس

انت نور منه بدت كل نفس

انت عند الإله لاهوت قدس

في غيوب الخفّي التي اخفاها

انت قطب دار الوجود عليه

وجميع الاشياء ترنو اليه

وعليها يفيض مما لديه

انت كنز تقسمت بيديه

ارزق للورى كذا ما سواها

للورى كنت ظلها الممدودا

ومعيناً تحيي به الموجودا

فلئن عشت او قتلت شهيدا

انت حي تحيي جميع (الوجودا)

ت باذن الحي الذي انشاها

لست اصغي لعاذلي فيك سمعا

يا عليا ذاتا واصلاً وفرعا

وجواداً افاض كونا وشرعا

اشهد الله والملائك جمعا

بك سبع الشداد شيد بناها

كنت لله في العوالم ظلا

بل بك الله للعباد تجلى

فبماذا تدنو اليك محلّا

يا ابن من في العلى دنا فتدلى

قاب قوسين كان او ادناها

كيف عن قدرك العلي تعاموا

وتمادوا به وبُعداً تراموا

٣٢٤
 &

عجزوا حيلة وعنك تناؤا

يا سليل الهداة من قد تساموا

رفعة من جلالة لا تضاها

مثل الله انتم حيث يضرب

ومقاماته العلية منصب

وحويتم سرّاً مصونا مغيّب

انتم سرّ آية النور والسب

ع المثاني وسر سورة طه

كم جبرتم للخلق في الغيب كسرا

ونصحتم لله سرّاً وجهرا

وغمرتم بالفيض براً وبحراً

انتم حجة على الخلق طرّا

من لدن بدئها الى منتهاها

بكم صنع ربنا كان محكم

ولديكم امر الإله المحتم

بعلاكم ومجدكم كيف يقسم

قسماً يا ولاة لولاكم لم

توف الخلق في الوجود الها

قد هديتم عقولها فاقرت

انكم خير نعمة قد اسرت

انتم رحمة الإله استمرت

فيكم قامت السما واستقرت

وبكم جملة المهاد دحاها

كل شيء يكسي الوجود فمنكم

صادر والامور طوع يديكم

وعلى ما اوحى الإله اليكم

نطقت ألسن عن الله منكم

وهي أقلامه التي قد براها

قبل ايجاد عالم الكون كنتم

وعلى الخلق في الوجود سبقتم

وعليكم لما اليهم نزلتم

نزل الذكر صامتاً فابنتم

سرّ اسراره لمن قد رعاها

٣٢٥
 &

فعلى علمه الإله اجتباكم

وبأسرار غيبه قد حباكم

وبنص الكتاب ابدى ثناكم

ما اتى هل اتى بمدح سواكم

وكذا النجم بل وشمس ضحاها

الشيخ عبد الحسين الحياوي ١ (١٢٩٥ هـ ـ ١٣٤٥ هـ)

هو الشيخ عبد الحسين بن قاعد الواسطي الشهير بالحياوي عالم كبير واديب فاضل وشاعر مطبوع ولد في مدينة الحي ونشأ في النجف الاشرف فانتهل من نميرها العذب واختلف على اعلامها فارتشف من ينبوعهم الزاخر كان خفيف الروح مليح النكتة يسحر جلساءه بمعلوماته وقصصه ، له في رثاء الامام الكاظم ٢ عليه‌السلام :

جانب الكرخ شأن ارضك شيّد

قبر موسى بن جعفر بن محمد

بثرى طاول الثريا مقاماً

دون اعتابه الملائك سجّد

ضم منه الضريح لاهوت قدس

ليديه تلقى المقادير مقود

ضم منه الضريح مستودع السر

لطاها ونوره المتوقد

من عليه تاج الزعامة في الدين

امتنانا به من الله يعقد

قد تجلى للخلق في هيكل النـ

ـاس لكنه بقدس مجرد

هو معنى وراء كل المعاني

صوّب الفكر في علاه وصعد

سابع الصفوة التي اختارها

الله على الخلق اوصياء لأحمد

هو غيث ان اقلعت سحب الغيث

وغوث ان عزّ كهف ومقصد

____________

(١) في رواية ولادته ١٢٩٢ هـ (الطليعة للسماوي ج ١ ص ٤٦٩.

(٢) شعراء الغري ج ٥ / ٢٠٠ ـ ٢٠٢ اعيان الشيعة ٣٧ : ١٤٣ (الطبعة القديمة).

٣٢٦
 &

وشفيع يوم القيامة إذ لا

شافع غير جده يدرأ الحد

هو عين الإله يرعى مطبع الخلق

باللطف والمعاند بالرد

كان للمؤمنين حصناً منيعاً

وعلى الكافرين سيفاً مجرد

حبّه كالمحك يمتاز فيه

معدن الخلق من نحاس وعسجد

شرع حق صراطه مستقيم

ضل من حاد عن هداه وابعد

أخرجوه من المدينة قسراً

كاظماً مطلقاً للدموع مقيد

حسداً منهم على ما اصطفاه الاله

فيه وكان فيه مؤيد

حرّ قلبي عليه يقضي سنينا

وهو في السجن لا يزار فيقصد

حرّ قلبي عليه يقضي بسم

بيدي الأم الخلائق ملحد

كيف يقضي بالسم بين أناس

منه كانوا بمسمع وبمشهد

مثل موسى يرمى على الجسر ميتاً

لم يشيعه للقبور موحد

وينادى عليه هذا الذي في

نهجه تزعم الروافض ترشد

انت لم تجر الدموع عليه

لم تكن في دفتر الولاء مقيّد

لو درى حاملوه من حملوا في

النعش خروا من هيبة القدس سُجّد

حملوا ويل اُمهم بحر علم

لم يكن يعتريه جزرً اذا سد

حملوا فيه ثقل طه وتابوت

ابن عمران والسكينه واليد

حملوه وللحديد برجليه

دويّ له الا هاضب تنهد

نافست حامليه حاملة العرش

فودّت لذروة العرش يصعد

٣٢٧
 &

الشّيخ ناجي خميس (١٣١١ هـ ـ ١٣٤٩ هـ)

لم يكن من سلالة علميّة ، كان أبوه حمّادي بن خميس كاسباً يبيع البقول والخضّروات ، ولد في الحلّة ، وقد وافاه الأجل فيها ، ودفن في النّجف الأشرف ، له قصيدة يرثي بها الإمام الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام نقلتها من كتاب « البابليّات ج ٣ / ٩٨ » :

خانتك نفسك إن دعتك أمينا

لو كنت تعرف صادقاً وخؤونا

للنّفس شر في البريّة غامض

لو كنت تدرك سرّها المكنونا

ما كاتمتك لدى التّطلّع عيبها

إلّا انثنى بين الأنام مبينا

وإذا لك اتضحت معايبها غدت

سرّاً لديك عن الورى مخزونا

خذ من تعرّف داء نفسك صحّة

توليك عن سقم الشّكوك يقينا

من يجهل الدّاء استزاد بجهله

داءاً على شرب الدّواء دفينا

ما لي أرى الدّنيا تموج بأهلها

فلكاً بكلّ رذيلة مشحونا

والنّاس تعتقد الضّلال وإنّما

اعتاضوا عن الحقّ اليقين ظنونا

والجهل خطّ على صحائف أهله

دنيا تصحفها الخواطر دينا

وأبيك قد سقطت دعامة عزّه

مذ اسقطوا بنت النّبيّ جنينا

لهفي لعترة أحمد من بعده

باتت تجرّعها العداة منونا

لم يلف قطّ شريدهم مأوىً وإن

وثبوا دفاعاً لا يرون معينا

الله آل الله بين عداته

لم ترع فيهم ذمّة ويمينا

منعوهُمُ ظهر البلاد فأصبحت

يتبوّؤن من العراص بطونا

خلقت لأجلهمُ البلاد فأصبحت

لهمُ تشقّ مقابراً وسجونا

غوثاه من خطبٍ ألمّ بمهجة الـ

ـزّهرا وآلم وقعه ياسينا

٣٢٨
 &

أطلقت فيه القلب دمعاً مذ قضى

موسى بن جعفر موثقاً مسجونا

أنعاه بين عداه يقذف مهجة

ملئت أسىً من كيدهم وشجونا

قلقاً تقاذفه السّجون مروّعاً

حتّى بحبس العلج بات رهينا

أضحى بشأن ابن النبيّ محكّماً

من ليس يعرف للكرام شؤونا

باب الحوائج كيف يغلق دونه الـ

ـسّنديّ أبواب الحبوس مهينا

حتّى إذا ضاق الفضا بأبي الرّضا

رام القضا وله مضى مأذونا

فسقوه سمّاً من حرارة وقعه الـ

ـزّهراء تقذف قلبها المحزونا

بأبي الغريب لقىً تروم بنعشه

الأعداء نقصاً في علاه وهونا

وضعوه فوق الجسر توسع عزّه

بندائها بين الملا توهينا

وتشيل أربعة جنازة من له الأ

ملاك قد حشدت تصكّ جبينا

حتّى استشاط له العدوّ حمّية

وانصاع يصفق بالشّمال يمينا

أو يتسهان بمثل موسى وانثنى

يشتدّ محلول الإزار حزينا

يدعو بشيعته تعالوا شيّعوا ابـ

ـن الطيّبين الطّاهر الميمونا

فأتوا عليه بالنّحيب وشيّعوا

نعش الغريب وأرغموا هارونا

وسروا بنعشٍ يحملون به الهدى

لثرى به الإسلام بات دفينا

أبني النبيّ ولم أزل بولائكم

من هول كلّ رزيّة مأمونا

أعددت حبّكم ليوم لا أرى

مالاً ينفّس كربتي وبنينا

كتبت يميني بعض محنتكم لكي

أؤتي الكتاب لدى الحساب يمينا

٣٢٩
 &

السيد خضر القزويني (١٣٢٣ هـ ـ ١٣٥٧ هـ) ١

هو السيد خضر بن السيد علي بن السيد محمد بن السيد جواد بن السيد رضا بن مير علي ، واسرته سكنت النجف منذ زمن بعيد وتفرعت منها غصون سكنت بغداد والشام ، واسرة الشاعر ليست من السادة آل القزويني المشتهرين الذين سكنوا الحلة والنجف والهندية.

توفي وهو شاب بعد أن اصيب بمرض السل ودفن في النجف الأشرف ، شاعر واديب كامل وخطيب مفوّه ولد في النجف الاشرف ، له في الامام الكاظم ٢ عليه‌السلام :

يا راكباً خوفاً سرت في جريها ريح الصبا

عزّ بموسى جدّه ان جئت فيها يثربا

واهتف بقلب غالب صيد الورى وهاشم

وصح بهم ما انتم للمجد المكاذبا

ونعش نجل المصطفى المختار موسى الكاظم

ملقىً على الجسر في ايمانكم بيض الظبى

نهضاً بني العليا فما هذا القعود والوفا

هل فقدت ايمانكم بيض المواضي والقبا

ام لم يرَ العزّ لكم دون البرايا ديدنا

ورزء موسى طبق الشرق أسىً والمغربا

واحرّ قلباه لما قاساه من شر الورى

فرعونه حقىً غدا منه الهدى مستعربا

فليت عين المصطفى خير النبيّين ترى

والقيد في رجليه والنعش مغطىً بالعبا

امثل موسى كاظم الغيظ وينبوع الهدى

يسقى نقيع السمّ بالسجن ويقضى كمدا

ونعشه يبقى على الجسر طريحاً والقَذا

عليه مما يدع الغيور يقضي عجبا

افديه مسموماً قضت عليه احكام القضا

في حبس (نغل شاهك) شر الورى حتى قضى

وهو ابن بنت المصطفى وابن الامام المرتضى

خير البرايا كلها وابن الرسول المجتبى

____________

(١) شعراء الغري ج ٣ ص ٣٥٩.

(٢) شعراء الحسين ج ١ / ٢٤٠.

٣٣٠
 &

وله ايضاً في الامام الكاظم عليه‌السلام متوسلاً ١ :

اذا شئت البكاء على قتيل

اقام عليه (جبريل) وكبر

فذاك غريب بغداد ومولى

البرية كلها موسى بن جعفر

يا سمي الكليم قد ضاق صدري

من رزايا اودت بحلمي وصبري

فبك اليوم أرتجي دفع ضري

وغداً فيك ارتجي حطّ وزري

وله مشطّراً البيتين الاتيين :

لذْ ان دهتك الرزايا

وبيضت منك ما قد تسوّد

وغادرتك حديباً

والدهر عيشك نكدّ

بكاظم الغيظ موسى

مأوى المخوف المشرّد

فكم بعلياه لذنا

وبالجواد محمد

وله أيضاً :

لا يخيب امرؤ يزور جواداً

اعجمياً كان ام عربيا

فجدير بالكاظمين اذا ما

ارجعاني الى القوي قويا

وله أيضاً :

يا من توسل فيكما

من لم يجد في الدهر حيله

اني لجأت اليكما

ولأنتما نعم الوسيلة

وله أيضاً :

انا بين الجواد والكاظم الغيظ

وبين الحسين والعباس

لا اخاف الزمان ان جار يوماً

بل ولا اخشى جميع الناس

____________

(١) المقطوعة ضعيفة جداً.

٣٣١
 &

يا ربّ بغداد اني

اختار بغداد مسكن

فاجعل بها لي حياة

ويا لغريبين مدفن

السيد صالح الحلّي (١٢٩٠ هـ ـ ١٣٥٩ هـ)

هو ابو المهدي السيد صالح بن محمد بن حسين الاعرجي الحسيني الحلّي خطيب شهير واديب جريء واستاذ متبحر ولد في الحلّة وصفه صاحب (الطليعة) فاضل مشارك في العلوم شديد العارضة وخطيب بارع في فن الخطابة يتحلى به المنبر اذا اعتلاه ويتجلى به الحفل اذا استملاه ، له في رثاء غريب بغداد ١ :

لهف نفسي على ابن جعفر موسى

عاش في دهره يقاسي الحبوسا

يا لها من مصيبة عمت الخلق

وأبكت يهودها والمجوسا

اخرجوه من المدينة قهراً

ومن السم جرعوه كؤوسا

بلغت من ابي الرضا ما ارادت

واطاعت بقتل ابليسا

يوم قد بشر الرشيد ولكن

لجميع الانام كان عبوسا

فقد الناس شخصه ولعمري

فقد الدين شخصه الناموسا

تكتسي بقعة الحبوس سعوداً

والورى تكتسي عليه النحوسا

ذو مزايا بفضله ورزايا

قد ملأن الاقلام منها الطروسا

حملوه والعلم يعدو ويدعو

ان ربع الدروس اضحى دريسا

ان نعشاً قد شيعوه لعمري

شيع العقل رزؤه والنفوسا

مذ رآه عم الرشيد سليمان

على الجسر لن يطيق الجلوسا

فسعى صارخاً اليه ينادي

يا بن عمي من ذا يرد الخميسا

____________

(١) شعراء الحسين عليه‌السلام ج ١ / ١٢٠. وشعراء الحلة / لعلي الخاقاني (٣ : ١٤٢) ط ٢ بيروت ١٣٥٩ هـ / ١٩٧٥ م.

٣٣٢
 &

فكأنّ الرشيد فرعون اضحى

وابن طه موسى بن جعفر موسى

يا بنفسي افدي اماماً بغير البـ

ـذل للنفس قد ابى ان يسوسا

كم عقود للدين ينظم حتى

حلّ منه القضاء عقداً نفيسا

قدّس الله تربة قد حوته

علّم الناس تربها التقديسا

تعست أمة تنحّي الرئيسا

وتولي على الامور الخسيسا

فعلوا في بني الميامين فعلاً

دونه الكفر شنعة لو قيسا

شردوهم قتلاً وسمّاً وصلباً

واسيراً حتى قضى محبوسا

الى أن يقول :

وعلى صنوه الحسين تداعبت

(آل حرب) يقفو الخميس الخميسا

فتراه الاعداء في كل فج

مصلتاً عضبه يقطر شوسا

ان يحل الحسام كان الانيسا

او يسر الجواد كان الانيسا

واذا قطب الكماة يريهم

نور ثغر يجلو سناه الشموسا

يتلقى يقدّه السمّر حتى

علّمَ السّمر في اللقا ان تميسا

لم يزل يحصد الرؤوس ويسقي

من دماها الثرى ويشفي النفوسا

واذا السهم قد اصاب حشاه

فهوى عن جواده منكوسا

فترى جسمه الكليم على التراب

وفي الرمح رأسه صار عيسى

يرد الماضيات فيض دماه

حين شبت الهيجا واحمى الوطيسا

لهف نفسي على النساء اللواتي

لم تجد غير خدرهن جليسا

برزت بعد خدرها بين قوم

دنستهم اصولهم تدنيسا

سلبوها حليّها وحلاها

وعلى الرغم اركبوها العيسا

٣٣٣
 &

وسرت حسّراً بها والاعادي

قرعت بالسياط منها الرؤوسا

وله قصيدة اخرى في الامام الكاظم عليه‌السلام من وزن البند ، وهو لون من الوان الشعر العربي :

فلم لا تقع الخضرا / بمن فيها على الغبرا / ، لابن الصادق المسموم وهي البطشة الكبرى / فلم لا مادت الارض انقلاباً بأهليها / وكيف الارض قد قوّت وما زالت رواسيها / إذن لا خير في الدنيا / ولا خير بمن فيها وموسى يُمسي محبوساً / وبالحبسِ قضى العمرا / وفي الحبس قضى موسى / سليل المصطفى الهادي / ومن طيبة للبصرة ينساق لبغداد / وقد سلم للسندي في غلّ واصفاد / رأى منه ولي الله ما لم تره الاسرى / اسيراً يلطم السندي خديه بلا ذنب / ولم يخش عدو الله فيه غضب الربّ / واعظم ما رأى في الحبس من هضم ومن كرب / يراه للرضا يبكي عليه أدمعا حمرا / فان أنسى رزاياه فرزء الجسر لا ينسى / وهل أنسى وأعداه عليه تظهر الأنسا / مصاب زعزع العرش وأبكى الجن والإنسا / فيا لله من رزء دما قد فجر الصخرا / أحمالون للنعش يسيرون به جهرا / فتلك النكبة الكبرى لعمري تقصم الظهرا

فكم قد قلت للنفس على البلوى إلزمي الصبرا / فقالت لا أطيق الصبر حتى أراد الحشرا ولما أبصر النعش سليمان على الجسر / أتى والجيب مشقوق له يلطم بالصدر / لنجل الصادق النعش على الجسر / ولا ادري فليت الموت وافاني / وقد كنت به أحرى.

٣٣٤
 &

وله مشطرا ـ والأصل للشيخ البهائي ـ في الإمامين الجوادين عليهما‌السلام ١

(ألا يا قاصد الزوراء عرّج)

لتحظى بالأمان بالأمانبي

وحث الركب ان تبغي نجاحا

على الغربي من تلك المغاني

(وطف واسع وحج لها ولبي)

وسلم في جَنانك واللسان

ونعليك اخلعن واخشع خضوعا

(اذا لاحت لديك القبتان)

(فتحتهما لعمرك نار موسى)

اضاءت حين نودي لن تراني

فتلك النار نور الله فيها

(ونور محمد متقابلان)

الحاج منصور الجشي (المتوفى ١٣٦٠ هـ)

هو الحاج منصور بن محمد علي بن يوسف بن محمد علي بن ناصر الجشي ، مارس تجارة اللؤلؤ كان شاعراً فاضلاً.

له في الامام الكاظم عليه‌السلام ٢ :

مصاب أطلّ على الكائنات

فأوحش بالشكل أزمانها

وأفجعنا وجمع الورى

وأوقد في القلب نيرانها

فللّه سهم رمى المكرمات

فهدّ علاها وبنيانها

ألم تدر يا دهر من ذا رميت

أصبت بسهمك فرقانها

فهلّا ترى جرم ما قد جنيت

وقد طبّق الخطب إمكانها

أصبت بسهمك قلب الوجود

وهدّمت والله أركانها

غداة ابن جعفر موسى قضى

مذاب الحشاشة حرّانها

____________

(١) شعراء الحلة / للخاقاني ج ٣ ص ١٥١.

(٢) شعراء القطيف ص / ٢٢٩.

٣٣٥
 &

قضى مستضاماً بضيق السّجون

يكابد بالهمّ أشجانها

فتلك الإمامة تبكي على

فقيد تضمّن برهانها

عزاها مدى الدّهر لا ينقضي

تسحّ وتندب إنسانها

فكيف السّبيل لنيل الحياة

عقيب الإمام الّذي زانها

أليس هو الكلمات الّتي

بها ميّز الله أديانها

أيهنى لعينيّ طيب الكرى

وهل تألف النّفس سلوانها

وباب الحوائج في مهلك

عليه الفضا ضاق حيرانها

أتاح له السّمّ أشقى الورى

فالهب أحشاه نيرانها

وآلمه بثقل القيود

ولم يرع في الحق ديّانها

على الجسر ملقىً برمضائها

به أشفت القوم أضغانها

محمّد حسين الإصفهانيّ النجفي (١٢٩٦ هـ ـ ١٣٦١ هـ)

هو نابغة الدّهر وفيلسوف العصر وفقيه الزّمن آية الله الشيخ محمّد حسين بن محمد حسن بن علي اكبر الإِصفهانيّ النجفي ، المولود في الكاظمية سنة ١٢٩٦ هـ ، والمتوفّى في النجف الاشرف سنة ١٣٦١ هـ ، له في الإِمام الكاظم موسى بن جعفر عليه‌السلام نقلناه من ارجوزته « الأنوار القدسيّة ص ٦٠ » ١ وهي من الاراجيز التي اشتهر بها الشاعر رحمه‌الله.

أشرق نور العلم والعبادة

في ملكوت الغيب والشّهادة

وقد تجلّى نيّر اللّاهوت

فأشرقت مشارق النّاسوت

____________

(١) طبقات الفقهاء ج ١٤ / القسم الثاني ص ٦٩٢ / تأليف لجنة علمية قم المقدسة / مؤسسة الإمام الصادق عليه‌السلام ١٤٢٤ هـ وترجمته ايضاً في شعراء الغري (٨ : ١٨٣) (المراجع).

٣٣٦
 &

أو نور طور الجبروت سطعا

فاندكّ فيه الطّور والنّور معا

والطّور فانٍ في فناء بابه

والنّور كلّ النّور من قبابه

فإِنّه مبدأ كلّ نور

بل هو منتهاه في الظّهور

نور تعالى شأنه عن حدّ

وعزّ في نعوته عن عدّ

ذلك نور منية الكليم

رؤيته من زمن قديم

ذلك نور كعبة الأعاظم

وقبلة الحاجات موسى الكاظم

أبو العقول والنّفوس النيّرة

اُمّ الكتاب وابن خير الخيرة

بل هو نور كعبة التّوحيد

وقبلة الشّاهد في الشّهود

نور سماء الذّات والصّفات

به حياة عالم الحياة

فالق صبح الأزل المنير

به استنار كلّ مستنير

أضاءت السّبع العلى بنوره

كأنّها تدور حول طوره

فهل ترى بغيره يضاهى

مهجة ياسين وقلب طاها

الى علاه منتهى مكارمه

ذا فاتح الخير وهذا خاتمه

له الخلافة المحمديّة

في كل مكرماته العليّة

يعرب حقاً في تجلياته

عن ذاته العليا وعن صفاته

باب الرحمة

تودّ وهي ركّع ببابه

وبابه كعبة كل سالك

وبابه ملتزم الارواح

باب المقام قبلة الضرّاح

وهو مطاف كعبة الاسلام

ومشعر المشاعر العظام

وبابه باب القضاء الجاري

كيف وهذا الباب باب الباري

٣٣٧
 &

باب بدا لله فيه ما بدا

باب اليه مرجع الامر غدا

اكرم به فانّه باب الهدى

انعم به فانه باب الندى

بل هو باب الكشف والشهود

والسيّر في عوالم الوجود

وباب أرباب التجليات

في الذات والافعال والصفات

وباب ايوان المعالي والهمم

باب مدينة العلوم والحِكَم

وكيف لا وانه ابن يجدته

سرّ علي في علو رتبته

وسرّ خير الخلق في سريرته

في علمه وحلمه وسيرته

والجوهر الفرد من الكنز الخفي

وحاز فيما جاز كل الشرف

كرسي علمه العظيم أرفع

من السماوات العلى واوسع

فانه في علمه الاشراقي

كمليك عرشه بالاستحقاق

وكيف وهو اعظم المرائي

لغيب ذات بارئ الاشياء

فانه كالشمس والضياء

من المحمديّه البيضاء

السّجن والسّرّ

يفصح صدقاً وهو في السّجون

عن مستسرّ غيبه المكنون

هو اسمه الأعظم وهو مختفي

والمظهر الأتمّ للكنز الخفي

أو في حجاب القدس ناموس الأزل

فلا يزال باطناً ولم يزل

أو في محيط الكبرياء والشّرف

كالدّرّة البيضاء وهي في الصّدف

وأشرقت من خلق القيود

نقطة قطب حلقة الوجود

ومذ على الجسر غدا مصفّدا

وكان عرشه على الماء بدا

صلاته الوسطى

٣٣٨
 &

يمثّل المبدئ في ثنائه

في جبروته وكبريائه

تكبيره من أفصح البيان

عن الكبير المتعالي الشّان

يمثّل المنزل في آياته

إذا تلا الآيات في صلاته

يمثّل العظيم في ركوعه

وهو على ما هو من خضوعه

كما يمثّل العليّ الأعلى

عند سجوده إذا تدلى

يمثّل المشهود في تشهّده

مذ بلغ الغايات في تجرّده

يمثّل النّبيّ في سلامه

والمسك كلّ المسك في ختامِه

وهو حليف السّجدة الطّويلة

وصاحب الضّراعة الجميلة

وأزدهرت عوالم الوجود

بنوره الزّاهر في السّجود

كأنّ من دموعه الغزيره

سحائب الرّحمة مستثيره

يعرب في القيام والقعود

عن قوسي النّزول والصّعود

وفي قعوده عن انقياده

لله والغناء في مراده

المعاجز والمآثر

آيات معجزاته مرتسمة

في صفحات الصحف المكرمة

له من المآثر الجليلة

ما ليس يحصي أحد تفصيله

له يد المعروف والايادي

على الورى من حاضر وباد

بل كل ما في عالم الإيجاد

من ذلك المعروف والايادي

اذ يده الباسطة القويّة

حقاً يد الباسط بالعطيّة

ومن أياديه على العباد

معرفة المبدئ والمعاد

ونعمة العلم أتم نعمة

وليّها وليّ أمر الأمة

٣٣٩
 &

معروفة المعارف المأثورة

فهي على ذمته مقصورة

فانه قطب محيط المعرفة

بل هو سرّ كل اسم وصفه

باب الحوائج

وبابه باب شفاء المرضى

وكل حاجة لديه تقضى

وبابه باب حوائج الورى

لأجله به غدا مشتهرا

وكعبة الرجا لكل راج

ومستجار الملتجى المحتاج

وكيف والباب بباب الرحمة

وفي فِنائه نجاة الأمة

له من الخوارق الجسيمة

ما جبهة الدهر به وسيمة

يغنيك عن بيانها عيانها

وانما شهودها برهانها

وكظمه للغيظ من صفاته

شيوعه يغنيك عن اثباته

الموارث والمحن

قضى حياته مدى الزمان

وهي حياة عالم الامكان

في السجن والحديد والعذاب

يا لعظيم الرزء والمصاب

ونوره في ظلمة المطموره

أنار وجه قطري المعموره

بل الجهات السّتّ والسّبع العلى

والملأ الأعلى استنارت كمّلا

ويل لهارون الخنا أخنى على

موسى ربيب المجد بل ربّ العلا

من بعد أن قضى على صلاته

يقطعها لا بل على حياته

سيّره من طيبة الغرّاء

ظلماً إلى البصرة والزّوراء

ولا تخل أخرجه عن وطنه

لا بل أزال روحه عن بدنه

٣٤٠