الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]

الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

المؤلف:

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]


المحقق: أحمد بك تيمور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

يكسران اللوز والفستق لعمل الحلوى للفقراء ولما جاء المعز فى المرّة الاولى خرج اليه هو وكافور فعاد المعز ولم يدخل مصر وذكر ابن النحوى فى هذا الكتاب انه كان يرسل الى كافور فى كل يوم رغيفين وجامتين من الحلوى قال بعض المصريين لكافور ان هذا ينزل من قدرك فقال له يا شريف لا ترسل الىّ شيأ بعد هذا اليوم فتركه فوجد كافور فى نفسه شيأ فقال له كافور ارسل الىّ ما كنت ترسله فقال انى ما كنت أرسل اليك ما أرسل استحقارا بك وانما لى والدة صالحة تعجن بيدها وتقرأ عليه القرآن قال صدقت فكان كافور لا يأكل بعد ذلك إلا منه قال العبيدلى النسابة فى كتابه المذكور وفى سنة نيف وأربعمائة نام رجل فرأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى النوم فقال له يا رسول الله انى مشتاق الى زيارتك وليس لى ما يوصلنى اليك فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم زر عبد الله بن أحمد بن طباطبا تكن كمن زارنى ومات عبد الله بن أحمد بمصر سنة ثمان وأربعين وثلثمائة ومعه فى القبة أبو القاسم يحيى بن على بن محمد بن جعفر بن الحسن بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وهذا النسب صحيح ذكره أبو جعفر شيخ النسابة وكان أبو القاسم يحيى هذا من كبار العلويين انتهت اليه الرئاسة فى زمنه ومعه فى القبة أيضا والده أحمد أى والد عبد الله ورأسه تحت رجليه كان عظيما جليل القدر يسأله السائل فيعطيه أثوابه قال أبو جعفر وكان أحمد بن على شاعرا فصيحا وهو قائل هذين البيتين

لقد غرّت الدنيا أناسا فأصبحوا

سكارى بلا عقل وما شربوا خمرا

لقد خدعتهم من زخارفها بما

غدوا منه فى كرب وقد كابدوا ضرا

وله شعر كثير فى التشابيه وغيرها وله دواوين مشهورة وجاءه رجل فطلب منه مالا فقال لم يكن عندى شئ ولكن خذنى فبعنى فأخذه وأتى به الوزير المادرائى ليشتريه فقال الوزير وأين أجد مالا يكون ثمنك ثم أمر للرجل بألف دينار وكان أحمد بن على يقول أشدّ الخجلة خجلة السؤال وأشدّ الندم الندم على المعاصى وبهذا المشهد عند باب القبة السيدة خديجة ابنة محمد بن اسماعيل بن القاسم الرسى بن ابراهيم طباطبا وكانت خديجة هذه زاهدة عابدة كثيرة الزهد صلى عليها عبد الله هذا وهو بعلها وكان يقول عنها كانت تسابقنى الى الصلاة بالليل وما رأيتها ضحكت قط وتوفيت سنة عشرين وثلثمائة وهى مدفونة معه فى القبة تحت رجليه هكذا قال ابن الجباس حكى عنها بعلها حكاية عجيبة مذكورة فى كتاب فضائل الاشراف قالت جئت مع بعلى عبد الله الى دار له على جانب النيل وكان

٦١

فيها أثاث وقماش فوجدت رجلا فتح الباب وضم جميع ما كان فى البيت وجعله على رأسه وكنت فى الدار فأردت أن أتكلم فأشار الىّ بالسكوت فجعل يزاحمنا فى السلالم والسيد يلقى عنه الحائط حتى لا تصيبه فلما نزل قلت له هذا متاعنا فلم ندعه يأخذه وينصرف فقال وما يدريك أن يكون ذلك سببا لتوبته فما كان الا عن قليل حتى جاءه رجل ومعه عبيد وحشم فقال له يا سيدى أريد أن أخلو بك فجاء معه فقال له هل تذكر الرجل الذى كنت تلقى عنه الحائط بيدك قال نعم قال يا سيدى أنا هو ولقد بورك لى فى متاعك حتى ان جميع ما تراه منه ومعى آلاف وقد جئت اليك بهذه الألف درهم وعبدين وجاريتين فتبسم وقال له منذ رأيتك دعوت لك بالبركة فو الله لا أقبل منك شيئا ثم جاء الىّ فأخبرنى بذلك وفى هذا المشهد عند الحائط الغربى قبر أبى الحسن على بن الحسن بن على بن محمد ابن أحمد بن على بن الحسن بن طباطبا عرف بصاحب الحورية كان فى أول عمره ينام الليل فنام ليلة فرأى الجنة وما فيها من الحور فأعجبته حوراء فقال لها أنت لمن قالت لمن يؤدى ثمنى فقال لها وما ثمنك قالت قيام الليل فقال والله لا نمت بعدها فكان يقوم الليل بعد ذلك فرآها مرة أخرى وهى تقول له اياك والنوم لئلا ينفسخ العقد فكان لا ينام فى الليل هكذا قال صاحب المصباح وحكى ابن عثمان أنه رأى فى المنام كأن جارية نزلت من السماء أضاءت الدنيا لنور وجهها فقال لها لمن أنت قالت لمن يعطى ثمنى فقال لها وما ثمنك قالت له مائة ختمة فقرأها ولما فرغ منها رآها فى المنام فقال لها قد فعلت ما أمرتنى به فقالت له يا شريف أنت ليلة غد عندنا فأصبح الشريف وجهز نفسه ودعا الناس الى جنازته وأعلمهم بموته فمات من يومه ذلك قال ابن عثمان والى جانب قبره قبر فرج غلامهم كان قد توفى قبلهم وكانوا اذا اشتدّ عليهم أمر قالوا اللهم بحرمة فرج فرّج عنا فيفرج الله عنهم ببركته رضى الله عنه وبهذا المشهد قبر أبى محمد الحسن بن على بن محمد بن أحمد بن على ابن الحسن بن طباطبا مات سنة أربع وخمسين وثلثمائة وكان من الزهاد قال رضى الله عنه رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت يا رسول الله من أقرب اليك من أهلك قال من ترك الدنيا وراء ظهره وجعل الآخرة نصب عينيه ولقينى وكتابه مطهر من الذنوب ومعه فى القبر والدته وابنه ومعهما فى التربة نفيسة ابنة على بن الحسن بن طباطبا وكلهم عليهم ألواح رخام تشهد بأنسابهم ووفاتهم وبهذا المشهد يس بن الحسن وليس بهذا المشهد من عليه عمود غيره وبهذا المشهد سليمان بن على بن عبد الله المبتلى مات سنة ست وسبعين وستمائة وهو من خدام المشهد ومن خدامه أيضا محمد بن حاتم المقيم به وكان لسانه لا يغفل

٦٢

عن تلاوة القرآن وتوفى رحمة الله عليه سنة ثمانين وستمائة ودفن بهذا المشهد ومن داخل القبة قبر الشريف طباطبا الاصغر وهو أخو عبد الله بن أحمد توفى قبله فى جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وثلثمائة وقبره معروف تحت رجلى عبد الله أخيه وبالمشهد قبر السيدة آمنة ابنة الحسن بن محمد بن أحمد بن على بن الحسن بن ابراهيم طباطبا وهى والدة على الازرق ومعهم فى التربة قبر الحسين بن محمد بن محمد بن أحمد بن على بن الحسين بن ابراهيم طباطبا وقد دفن هو ووالده فى قبر واحد وبه قبر نفيسة ابنة على الازرق وهو الازرق الاصغر وبهذا المشهد قبر أبى أحمد محمد بن عبد الله بن جعفر وبه قبور لا تعرف وقد تغيرت معالم هذا المشهد والادب زيارته بالادب وحسن النية فانه مكان مبارك وقد جمع فيه من آل النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم جمع كثير وجمع فيه أيضا جماعة من أهل العلم والصلاح فمنهم سهل بن أحمد البرمكى المتوز للدولة الطولونية وكان مشهورا بالخير كثير البر للفقراء محبا لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد أنشأ التربة المنسوبة اليه بجوار مشهد الاشراف رغبة فيهم ولما حضرته الوفاة عاهد أهل بيته أن لا يبكوا عليه وأمر أن يدفن بالتربة المذكورة وأنشد

اذا ما بكى الباكون حولى تحرقا

وقالوا جميعا مات سهل بن أحمد

فقلت لهم لا تندبونى لأننى

مع الفتية الاطهار آل محمد

ولما مات دفن بهذا المشهد بتربته المذكورة ودفن الى جانبه خلف الكتانى معدود من أرباب الاسباب ذكر عنه انه كان يتصامم عن سماع اللفظ القبيح قيل ان امرأة جاءت تشترى منه كتانا فخرج منها صوت ريح فاستحيت المرأة منه فلما كلمته قال لها ارفعى صوتك فان بى صمما لا أسمع شيئا وكان ذلك أدبا منه وحلما وتوفى سنة سبع وخمسين وثلثمائة ومعهم فى التربة قبر الشيخ الامام الحسن بن زولاق الليثى صاحب التاريخ ومعهم فى التربة أيضا قبر القاضى أبى الطاهر محمد بن أحمد بن نصر الذهلى قال ابن الجباس ولى أبو الطاهر القضاء يوم السبت لثلاث خلون من ربيع الأول سنة ثمان وأربعين وثلثمائة وكان اماما عالما زاهدا تحمل اليه الأموال فلا يقبلها وكان شديدا فى الله كثير السلام (١) وقيل إنه ناظر رسولا قدم الى مصر من قبل الفاطميين ولما قدم المعز الى مصر قيل للقاضى أخرج اليه قال ليس لى به حاجة وكان دخول المعز سنة اثنتين وستين وثلثمائة وكان جوهر القائد قد أقره على ما هو عليه ولما دخل المعز الى القاهرة سأل عن

__________________

(١) هكذا فى النسخ

٦٣

القاضى فجىء به اليه فلما نظر اليه رأى عليه أثوابا رثة فقال له أنت القاضى قال نعم فقال المعز يعطى ألف دينار يصلح بها شأنه فقال ليس لى بها حاجة فغضب المعز وقال يرد على فقال ليس لى بها حاجة وعندى قوت ثلاثة أيام فقال رجل من أهل الشرطة إنه يدعى الورع بين يديك فقال القاضى للمعز ما يقول هذا وكان المعز حليما فقال يشكرك أيها القاضى فقال القاضى اللهم ان كان قال ما فى فاغفر له وان كان قال غير ذلك فاسلبه عقله قال فجن من وقته قال فتعجب المعز من ذلك وكان يزوره بعد ذلك مستخفيا وقال أبو جعفر بن نصر كنت عند المعز فذكر عنده القاضى أبو الطاهر فقالوا انه لا مال له فبعث المعز الى داره فلم يجدوا فيها غير ثلاثة دراهم فقال المعز لقوم قدموا من الغرب هكذا الزهد ولما بلغ المعز موت القاضى تأسف على موته وكانت وفاته سنة تسع وستين وثلثمائة واستعفى من القضاء ثلاث سنين ودفن الى جانب سهل بن أحمد فى تربتهم وتربة سهل بن أحمد تحت العقود وتدخل اليها الآن من باب مشهد ابن طباطبا ثم تخرج من باب المشهد المذكور وتستقبل القبلة تجد على يسارك ساحة يصعد منها نور قال ابن عثمان كان فيما بين الجوسقين قبر بأربعة أعمدة وأربعة ألواح رخام على هيئة الصندوق مكتوب عليه هذا قبر يحيى ابن بكير صاحب الامام مالك بن انس قال المؤلف دثر القبر وليس له الآن أثر ولا علامة بل يزار بالنية وحسن الاعتقاد ويجاوره تحت حائط الجوسق قبر قال صاحب المصباح هو قبر محمد بن سعيد المعروف بنظر الجنان وهناك أيضا قبر قال صاحب المصباح انه قبر مكتوب عليه عبد الله بن على صاحب ذى النون المصرى ثم تأتى الى الصيرة وفى قبورها اختلاف كثير بل كان شيخنا الادمى يقف فيها على قبر ويقول هذا قبر أم كلثوم المغربية ثم يرجع الى مشهد الطباطبى المقدّم ذكره قال صاحب المصباح كان حول هذا المشهد ألواح كثيرة كلهم أشراف من نسل طباطبا وهذا انتهاء أول الشقق فانا قد اشترطنا فى صدر هذا الكتاب أن نجعل كل جهة أصلا وكل أصل يشتمل على عشرة فروع ولكل فرع حدّ محدود وهذا الفرع الاول من العشرة وأما الفرع الثانى فنبدأ به من تربة أبى الحسن الصايغ ثم الى تربة أولاد الشيخ يونس ثم الى تربة الصوفية ثم انتهاؤه الى جوسق المادراى

قال المؤلف وهذه التربة بظاهر باب القرافة وهى تربة لطيفة ظاهرها مبيض بها قبر الرجل الصالح أبى الحسن على المعروف بصاحب الخاتم وكان بعض الزوّار يقف عليه ويقول هو صايغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وليس بصحيح بل صايغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رجل بيثرب أرسل اليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فضة

٦٤

يصيغها خاتما وقال انقش عليه لا اله الا الله فنقش عليه لا اله الا الله محمد رسول الله فلما جىء به الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ما الذى صنعت قال صنعت ما أمرتنى به يا رسول الله قال ما أمرتك الا أن تنقش عليه لا اله الا الله فأوحى الله سبحانه وتعالى اليه يا محمد أنت أحببت اسمنا فكتبته ونحن أحببنا اسمك فكتبناه وبالنقعة قبر صايغ غير هذا سيأتى الكلام عليه عند بيان قبره ان شاء الله تعالى ثم تمشى مستقبل القبلة بخطوات جيدة تجد على يمين السالك تربة لطيفة بها جماعة من أولاد الشيخ يونس وهذه التربة مجاورة لتربة الصوفية من الشرق ثم تأتى الى تربة الصوفية المقابلة لتربة الامام أشهب بها جماعة من مشايخ الصوفية منهم الشيخ أبو الحسن على والشيخ شرف الدين حسين والشيخ عبد المجيد والشيخ افتخار الدين جابر العجمى والشيخ حسن التسترى والشيخ زين الدين أحمد بن الشيخ افتخار الدين والشيخ محمد القرشى والشيخ عبد الله التلمسانى وتحت جدار تربة الصوفية يحيى التلا وقد تقدّم ذكره ومن غربيها تحت جدار تربة الامام أشهب قبر الشيخ أبى الحسن على التمار المعروف بزيارة الامام الحسين حكى عنه أنه كان ملازما لزيارة مشهد الامام الحسين وكان كلما دخل الى المشهد المذكور يقول السلام عليك يا سبط رسول الله فكان كلما سلم سمع الجواب فلما كان فى بعض الايام دخل وسلم فلم يسمع جوابا على عادته فتألم لذلك وضاق صدره فلما كان الليل رأى فى منامه الامام الحسين بن على رضى الله عنهما فقال يا سيدى انى كلما دخلت عليك وسلمت عليك سمعت الجواب وقد منعت اليوم من ذلك فقال يا أبا الحسن انك لما جئتنى كنت مشغولا عنك بجدى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم تمشى مستقبل القبلة الى وسط النقعة تجد قبرا كان له سور من الكدان ولم يبق من آثاره من الجهة البحرية إلا قطعة وقد صارت الآن ممهدة لا يعرف بها قبر من قبر وهذا القبر المشار اليه هو قبر أعلاهم الشامى حكى عنه أنه صحب أربعمائة ولى فقال اللهم أرنى أعلاهم فرأى فى منامه كأن قائلا يقول له أنت أعلاهم وكان يدعى بذلك وقبره معروف باجابة الدعاء وتوفى الى رحمة الله تعالى سنة أربعين وثلثمائة وقريب منه من الجهة الشرقية قبران دائران الى جانب بعضهما القبر الأوّل هو قبر أبى الحسن على بن أبى يعقوب البويطى صاحب الامام الشافعى رضى الله عنه وهو ممن أوصاه الامام الشافعى عند موته وأخبره بامور تحدث فى المستقبل مات شهيدا ودفن ببغداد وذلك أنه لما احتضر الامام الشافعى رضى الله عنه نظر لأصحابه فقال للبويطى أنت تموت فى المحنة وقال للمزنى انك لو ناظرت الشيطان قطعته وقال للربيع بن سليمان أنت أنفعهم لى بعدى

٦٥

وقال لابن عبد الحكم أنت ترجع الى مذهب أبيك ثم قال للربيع ناد فى الحلقة للبويطى فلما سمع ابن عبد الحكم ذلك رجع الى مذهب أبيه وهو مذهب الامام مالك بن أنس ولما مات الامام الشافعى حمل البويطى الى بغداد فى أيام المحنة فكان لا يقول بخلق القرآن قال أبو بكر بن ثابت أرسل ابن أبى دواد الى البويطى بعض أصحابه وكان قد ضرب ضربا شديدا وأعيد الى السجن مقيدا فقال له اذا كان الغد وطلبت الى المجلس فقل بخلق القرآن ليسمع بذلك أهل مصر ولك أربعون جملا محملة تعود بها الى مصر فقال فى غد ان شاء الله أتكلم فلما كان من الغد جلس الخليفة وابن أبى دواد الى جانبه وأحضر أبو يعقوب البويطى فقال ابن أبى دواد يا أمير المؤمنين ان أبا يعقوب يقول بخلق القرآن فأمر باكرامه فقال والله كذب على القاضى فكيف تولوا قاضيا كذابا فأعيد الى السجن مقيدا فمات به رضى الله عنه ومن كلامه ليس الزاهد من لا يجد فيزهد انما الزاهد من يجد فيزهد وكان أبو يعقوب البويطى من العلماء الاجلاء معدود فى طبقات الفقهاء دفن ببغداد ودفن ولده بجبانة مصر وهو فى أحد القبرين المقدّم ذكرهما وأما القبر الثانى فقال صاحب المصباح كان عليه رخامتان مكتوب فى احداهما مؤنسة ابنة الوليد والثانية محمد بن الوليد وكانا قبرين وصارا قبرا واحدا كوما ترابا قال المؤلف عفا الله عنه وهى حومة مباركة معروفة باجابة الدعاء وقد دثر أكثر قبورها ثم تمشى مشرقا بخطوات يسيرة تجد على يسارك تربة لطيفة بها قبر على مصطبة مكتوب عليه السيد الشريف أبو على الحسن بن حيدرة الحسنى ثم تمشى مغربا تجد تربة لطيفة وقد دثرت ولم يبق منها إلا الحائط القبلى والقبر باق على حالته مبنى على هيئة مصطبة وهو قبر السيدة الشريفة فاطمة ابنة السيد الشريف على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين ابن الامام الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم أجمعين ذكرها ابن الجباس فى طبقاته وغيره من أرباب التاريخ وحكوا عنها حكاية مع بشرى بن سعيد الجوهرى وذلك أنه أصاب الناس قحط عظيم وكان زوجها قد مات وخلف مخدعا لا يعرف ما فيه فقالت يوما للخادم وقد ضاق صدرها لعدم النفقة ليت شعرى ما فى هذا المخدع ففتحته فوجدت شيئا ملقى فى داخله فأخذته فاذا هو كيس فيه عقد قد علاه الصدا فقالت للخادم امض به الى السوق لعلك أن تأتينا ولو بقوت اليوم فخرجت الخادم فطافت به فلم يأخذه أحد منها ولم يدر أحد ما هو فمرت به على باب الصاغة فوجدت رجلا قائما عليه آثار الخير فنظرت اليه فقال لها يا أمة الله ما لك فقصت عليه القصة فأخذ منها العقد وغاب قليلا

٦٦

وجاء اليها وقال لها هل تبيعيه بمائتى دينار فسكتت الجارية وظنت أنه يهزأ بها فتركها وغاب قليلا ثم أنى اليها وقال لها ما يزيد ثمنه على مائتى دينار وخمسين دينارا فقالت الجارية يا سيدى أنا جارية امرأة شريفة أتهزأ بها ولها دعوة مجابة فقال لا والله ما أنا بهازئ بها ولا أقول الا حقا فقالت الجارية اقبض المال وامض معى الى مولاتى فقبض المال وجاء معها الى الدار فدخلت الجارية وأعلمت السيدة فاطمة بذلك فخرجت ووقفت وراء الباب وقالت أحق ما تقول هذه الجارية قال نعم ثم صب المال فى طرف الجارية فقالت الشريفة اجعل هذا المال نصفين لك النصف ولنا النصف فقال والله ما ينالنى منه شئ بل ينالنى منك دعوة تكون فى عقبى الى يوم القيامة فقالت جعل الله من نسلك الصالحين فاستجاب الله دعاءها وجعل من نسله الصالحين وكان من نسله أبو عبد الله الحسين وأبو الفضل بن أبى عبد الله الحسين بن بشرى بن سعيد الجوهرى رضى الله عنهم وسيأتى الكلام عليهم فى مواضعهم وفى شرقيها قبر يحيى المنبه للصلاة وهو قبر أربع قطع حجر ومن وراء حائطها القبلى قبر الشيخ الفقيه الامام ابن شماسة المهرى معدود من التابعين والمحدثين والفقهاء مذكور فى الثلاث طبقات وفى حومته قبر ابن ماهان المعافرى قال صاحب المصباح كان معقودا بالطوب الآجر وقد دثر ثم تمشى مستقبل القبلة بخطوات يسيرة تجد قبر السيد الشريف أبى القاسم الفريد المعروف بصاحب الخيار حكى عنه أن انسانا ورث عن أبيه مالا فأذهبه ثم تداين دينا فدهب منه فلقيه صاحب الدين وكتب ورقة اعتقاله ثم وقف الناس له فأنظره الى ثلاثة أيام فلما كان اليوم الثالث قال فى نفسه من أين أعطى هذا الرجل ثم أتى الى القرافة وزار أكثر قبورها حتى انتهى الى هذا القبر وكان عليه بناء بالطوب اللبن حاجز فزار الرجل وابتهل الى الله ثم أخذ ، النوم فنام فرأى فى منامه كأن الشريف صاحب القبر ناوله خيارا وكان فى أيام عدمه فاستيقظ فوجده فى حجره فتعجب من ذلك فبينما هو متعجب واذا بالامير ابن طولون واقف على رأسه ثم قال له مررت من هنا مرارا عديدة ما رأيتك الا اليوم فنهض الرجل قائما وقص عليه قصته ثم ناوله الخيار فأخرج له الامير ابن طولون مالا وقال له اقض به دينك وكان الامير ابن طولون ملازما لزيارة الصالحين مشهورا بفعل الخير والى جانب قبر صاحب الخيار قبر السيدتين الشريفتين العراقيتين حليلة وحورا قال صاحب المصباح كان مكتوبا على رخامة أحدهما زوجة الفقيه الكتانى وذكرهما ابن الجباس فى طبقة الاشراف والى جانب قبرهما من الجهة القبلية قبر حمدونة العابدة معدودة من العابدات ذكرها ابن الجوزى فى صفوة الصفوة وحكى عنها أن رجلا

٦٧

خرج فارّا من عمال ابن طولون وكان قد اشتد به الامر فأتى الى قبر حمدونة وكان قد ودع أهله فزارها ونام فأيقظه حس حوافر الخيل فنهض قائما فقال له انسان على جواد ما بك أيها الرجل فقال هارب من عمال هذا الظالم فقال أى الظلمة قال ابن طولون قال وما شأنك فقص عليه القصة فقال هل لك أن أشفع لك عند العمال قال نعم فأركبه خلفه وسار فلما وصل الى رأس الميدان رأى الرجل العساكر قد ترجلت للذى هو راكب خلفه واذا هو ابن طولون فارتعب الرجل لذلك وكان قد سلمه لبعض حجابه فلما دخل ابن طولون الى قصره أحضره بين يديه فرآه قد تغير لونه فقال له لا تخف فانى ما جئت اليك الا وقد شفعت فيك المرأة التى كنت عند قبرها وذلك انى رأيتها فى المنام وقالت أغث هذا الملهوف فو الله ان يكن رضاك أن أقتل خصمك لأفعلن ذلك ثم أمر عماله أن يكتبوا له مسموحا وأعطاه خمسمائة دينار قال صاحب المصباح كان على قبرها قبة لطيفة وقد دثرت الآن وتوفيت الى رحمة الله تعالى سنة ست وثلاثين ومائتين قال الهروى حمدونة معدودة بأربعين عابدا وقبرها الآن داثر لكن معروف باجابة الدعاء ثم تمشى مشرقا بخطوات تجد قبرين الى جانب بعضهما وهما الآن كومان من تراب أحدهما بشرى بن سعيد الجوهرى المقدم ذكره فيما اتفق له مع فاطمة صاحبة العقد ثم قال القضاعى ملك بشرى بن سعيد الجوهرى مائة ألف دينار فتصدق بها وكانت الفقراء تأتيه فيقترض على ذمته ويعطيهم حتى صار عليه ألف دينار وقيل أكثر فطالبه أرباب الدين فقالت زوجته لو اختفيت من الفقراء لكان خيرا لك من القرض فقالت ابنة له صغيرة يا أبت اقترض ومالك الدنيا والآخرة يؤدى عنك فخرج يوما الى صلاة الجمعة فطرق الباب طارق فقال ابن له من بالباب فقال افتح فلما فتح الباب رمى له داخل الباب صرة وقال له قل لأبيك يقترض ولا يخف قال فلما رجع من الصلاة أخبره أهل بيته بذلك فأخذ المال وأدى دينه وتأخر معه نيف وخمسون دينارا وأما القبر الثانى فهو قبر أبى الحسن على بن كبيش المقرى معدود من القراء والى جانب قبر بشرى بن سعيد الجوهرى قبر أبيه سعيد قال ابن الجباس هو معدود من علماء مصر قال أبو عبد الله الحسين بن بشرى بن سعيد الجوهرى كان جدى فقيها محدثا مجتهدا عاش من العمر نحو من مائة وثلاثين سنة ولقد أخبرنى قال لقيت يحيى بن خالد فقلت له أنت صاحب الرشيد ووزيره قال نعم قلت حدثنى عما رأيت منه قال دخلت عليه يوما فوجدته متكئا ينظر فى ورقة فيها كتابة بالذهب ينظر فيها ويعجب فلما رآنى تبسم قلت فائدة يا أمير المؤمنين أصلحك الله قال نعم وجدت هذين البيتين فى بعض خزائن بنى أمية

٦٨

وقد افضيت اليها فقلت ما هى فانشدنى

اذا سد باب عنك من دون حاجة

فدعه لاخرى ينفتح عنك بابها

فان قراب البطن يكفيك ملؤها

ويكفيك من شر الامور اجتنابها

قال فعجبت منه فقال سعيد الجوهرى شريت مسألة بجوهرة ورأيتها رخيصة وحضر فى حلقة فذكر رجل يحيى بن أكثم فقال له سعيد انى لأعلم له حسنة يغفر الله له بها قال وما هى فقال تمادى المأمون على تحليل نكاح المتعة فبلغ ذلك يحيى بن أكثم فدخل عليه فوجده مغضبا فلم يزل به حتى سكن غضبه ثم قال له يا أمير المؤمنين من أين لك تحليل نكاح المتعة فجعل المأمون يستدل فقال له يحيى ليس كما قلت ان الله تعالى قال (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكاةِ فاعِلُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) فقال وما بعد ذلك يا أمير المؤمنين قال فأولئك هم العادون قال افترضى يا أمير المؤمنين ان تكون من العادين فبكى المأمون وأمر بالكف عن ذلك قال بشرى حدثنى أبى سعيد الجوهرى فقال يا بنى ما من أهل بيت الا ولملك الموت فيهم نظرة كل يوم وليلة فمن وجده قد انقضى أجله قبض روحه ثم ذكر الحديث الى آخره وكان عابدا زاهدا ورعا محدثا توفى سنة ثمانين ومائتين وقبره عند قبر ولده بشرى وهو الآن داثر وعند الانصراف عنه تجد قبر خيثمة أمير مصر مات فى سجن أحمد بن طولون فى قصة طويلة والآن داثر وفى قبليه قبر فى تربة صغيرة وعند رأسه رخامة مكتوب عليها على بن عمار بن طالب الصفار ذكره الموفق بن عثمان فى كتابه حكى المسكى وابن بصيلة أن رجلا جنديا جلس عنده وهو يعمل على عادته فى النحاس وكان بيده طبق فرآه الجندى لا يفتر عن ذكر الله فاستحسن ذلك منه فلما فرغ زاده على أجرته دينارا فقال والله لا آخذ الا أجرتى فأقسم عليه فقال يا أخى خذ ذهبك فان لله عبادا لو أقسم أحدهم على الله تعالى أن يجعل هذا النحاس ذهبا لجعله ذهبا فاذا هو ذهب باذن الله تعالى ثم قال عد كما كنت فانما هو مثل فلم يكن بعد ذلك الا أيام قلائل وتوفى الى رحمة الله تعالى وكانت وفاته سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وقبره مبنى بالطوب الآجر معقود خشخاشة ثم تمشى مستقبل القبلة الى تربة وردان وهى تربة مشهورة بها جماعة من التابعين والفقهاء والشهداء فأما من بها من التابعين فموسى ابن وردان كان عالما بفضل مصر روى عن عمرو بن العاص أنه قال اجتمعت أنا وكعب الاحبار عند معاوية بن أبى سفيان فقال له معاوية أسألك بالله يا كعب هل تجد لنيل مصر

٦٩

ذكرا فى التوراة فقال كعب اى والذى فلق البحر لموسى انى أجد فى كتاب الله تعالى ان الله يوحى اليه عند انتهائه ان الله تعالى يأمرك أن ترجع راشدا وبها أيضا أبو المجد عيسى بن وردان واليه ترجع الذرية وبها أيضا قبر الفقيه العالم أبى القاسم عبد الرحمن بن عيسى بن وردان كان فقيها إماما يرجع اليه فى علوم شتى ومن كلامه رضى الله عنه اذا فسد العلماء فسد الناس كلهم وقال رضى الله عنه لوصلى الرجل طول عمره ثم ترك صلاة من غير عذر سقط من عين الله والصلاتان مغفور ما بينهما وبها أيضا قبر أبى عبد الله محمد بن محمد بن أبى القاسم عبد الرحمن بن عيسى بن وردان معدود من الشهداء مات رديما وكتاب الموطأ بين يديه ينسخ منه ووقع له حكاية عجيبة فى الفتوة وذلك انه تزوج امرأة فلما دخل بها وضعت تلك الليلة فلم يتكلم وحمل لها مرضعة وجدّد لها عقدا وصار يكلف الولد ورباه بين أولاده فلما حضرته الوفاة أحضر ذلك الولد وأوصى أن يقسم له مثل أولاده فقسم له معهم وذكر صاحب المصباح ان عندهم الفقيه الامام معين الدين أبو الحسن على بن الميمون عبد الوهاب بن عتيق بن وردان كان من كبار العلماء مذكور من المحدثين الحفاظ قال صاحب كتاب صلة التكملة كان الفقيه معين الدين من أجلاء العلماء الغالب عليه السكون والرئاسة روى الحديث عن جماعة وله شهرة حسنة وذكر وفاته بعد الخمسين والستمائة قال المؤلف عفا الله عنه ولقد عرفت اجابة الدعاء بهذا المكان وعند خروجك من تربة بنى وردان الى جهة الغرب تجد قبورا فى محاريب تحت ذيل الكوم وهم جماعة أشراف لا تعرف أسماؤهم وغربى هذه التربة تحت ذيل الكوم قبر الشيخ أبى محمد اسماعيل بن عمرو الحدّاد كان رجلا حدّادا مرت به امرأة فقيرة فقالت له ان لى ابنتين سافر أبوهما ولم يترك لهما شيئا وقد ضاق بى الامر فترك الرجل حانوته ومضى الى السوق فاشترى طعاما كثيرا ومضى معها الى منزلها فخرج اليه الابنتان فقالت احداهما كفاك الله نار الدنيا ونار الآخرة فكان بعد ذلك يأخذ بيده الحديد من النار فلا يضره ولا يحرقه فقال الرجل سبحان الله استجيبت الدعوة وها بعضها قد ظهر فأرجو الله أن يتم نعمته ثم أخلى الدكان وأقام يعبد الله تعالى واجتهد فى طلب العلم فكان يعد فى زمانه من الفقهاء والمحدثين والقراء فهو معدود فى ثلاث طبقات وتوفى الى رحمة الله تعالى سنة تسع وعشرين وثلثمائة والى جانبه قبر السيدة الشريفة رقية ابنة عبد الله بن أحمد بن الحسين بن عبد الله الحسنية ذكرها ابن الجباس وعين قبرها فقال هو قبر لطيف الى جانب اسماعيل الحدّاد ثم تمشى مغربا الى وسط الجبانة تجد قبرا فى محراب معلق على مصطبة هو قبر الشيخ أبى الحسن الارتاجى المعروف

٧٠

بتعبير الرؤيا كان له فراسة فى الرؤيا وله حكايات مشهورة ذكرها صاحب كتاب ملح المعبرين وحوله جماعة من ذريته ثم تمشى مستقبل القبلة تجد قبرا فى محراب عليه أربع قطع من الحجر الكدان هو قبر الشيخ أبى البقا صالح الاسنوى امام قبة الامام الشافعى كان مشهورا بالدين والصلاح ثم تمشى مستقبل القبلة تجد قبرا مبنيا بالطوب الآجر على هيئة المصطبة مكتوب عليه الشيخ مروان ومقابله من الجهة الغربية على الطريق المسلوك قبر الشيخ يعقوب الهمدانى ثم تمشى مستقبل القبلة قاصدا ما بين الجوسقين الى مقبرة يحيى ابن بكير كما تقدّم الكلام فى انتهاء الشقة الاولى وليس يعرف الآن بها قبر من قبر لكن هى ساحة مباركة بها جماعة من العلماء يحيى بن بكير المقدّم ذكره قال القضاعى كان قبره على هيئة صندوق ووالده بكير معدود فى طبقة التابعين قال ابن الجباس يحيى بن بكير من أكابر أصحاب مالك بن أنس وأكثرهم تواضعا لله تعالى وفى أصحاب مالك يحيى بن بكير ويحيى ابن يحيى ولا أدرى هل هو يحيى بن بكير بن نصرأ وهو غيره قال ابن الجباس كان بكير ابن نصر كثير السكوت كثير التواضع قال ابن وهب وكان ابن بكير من أكابر علماء مصر وفقهائها له صحبة بالامام مالك بن أنس مات بمصر ولا يعرف له قبر وفى طبقتهم من أصحاب الامام مالك رضى الله عنه الفقيه ابن أيوب كان فقيها كثير التواضع وكان له صحبة بابن وهب فلما طلب ابن وهب للقضاء استخفى كما تقدّم الكلام فسجن أبو أيوب من أجله فكان يحدث أهل السجن ويقول لهم اصبروا فان السجن يكفر السيئات وكان قد كتب له عياد لا بأس عليك فطال به الأمر فكتب لعياد أبياتا

سهرت وطار من عينى النعاس

ونام الساهرون ولم يواسوا

امين الله أمنك خير أمن

عليك من التقى فيه لباس

تساس من السماء بكل أمر

وأنت به تسوس كما تساس

كأن الحق ركب فيك روحا

له جسد وأنت عليه راس

وفى طبقتهم من أصحاب ابن بكير يحيى بن أيوب كان فقيها عابدا ورعا وكان يقول انى اقرا السورة من أولها الى آخرها فلا أدرى هل قرأت أم لا فأظن هذه الغفلة لشؤم ظنى وحكى ابن وهب عنه أنه كان يصلى يوما فاذا حية جاءت وجلست على قدمه ولم يتحرك فى صلاته فلما سجد خرجت من تحته فاذا هى ميتة فقال هذه حالة من يريد أذى أولياء الله وفى طبقتهم حسن بن عيسى صاحب الامام مالك بن أنس رضى الله عنه كان فقيها عالما له رواية عن مالك بن أنس حكى عنه أنه قال ما رفعت لقمة قط الى فمى الا وقرات عليها

٧١

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) وكان اذا رأى غنيا يقول هذا يغسل يديه قبل الطعام وبعده فسئل عن ذلك فقال الغسل قبل الاكل ينفى الفقر وبعده ينفى الهمّ وقيل له ما تقول فى قديد الغنم قال أقول كما قال أبو الهند

أكلت الظباء فما عفتها

وانى لأهوى قديد الغنم

ونزلت تمرا على زبدة

فنعم الطعام ونعم الادم

ولحم الضباب طعام العرب

ولا تشتهيه نفوس العجم

ومن طبقتهم عبد الله بن بكير أخو يحيى بن بكير المقدّم ذكره كان عالما حافظا ويقال إن يحيى وأخاه عبد الله ووالدهم بكير فى مقبرة واحدة وذلك فيما بين الجوسقين ثم تمشى مستقبل القبلة على جانب مقطع الحجارة ثم الى رأس الصيرة تجد قبة بها قبر أبى الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون معدود من الامراء قال صاحب المصباح وليس بها الا رأسه وهو معدود من الشهداء حكى عنه أنه كان فى زمنه رجل ورث وراثة فأتلفها وأنفقها ولم يبق عنده الا جارية فدعته الضرورة الى بيعها فاشتراها وكيل أبى الجيش خمارويه وجهزها جهازا حسنا وأدخلها دارا حسنة حتى يدخل عليها سيدها أبو الجيش فلحق سيدها عليها قلق عظيم واتفق أن خمارويه ركب ذلك اليوم ومرّ على المقابر فوجد شابا يبكى عند قبر ولم يره قبل ذلك اليوم عند ذلك القبر قط لأنه كان كثير الزيارة للقبور فقال له من أنت أيها الشاب وما الذى يبكيك فلقد مررت من هنا مرارا كثيرة ما رأيتك الا اليوم فقال يا سيدى ان الذى يبكينى ما اتفق لى بعد موت والدى فقال له ومن والدك قال صاحب هذا القبر وكان قد خلف لى مالا فأتلفته وأنفقته ولم يبق لى الا جارية أحبها وقد ألجأنى الامر الى بيعها فاشتراها وكيل أبى الجيش بن احمد بن طولون وقد تألمت لفراقها وأتيت الى والدى أشكو له ما حل بى بسببها لعل الله أن يذهب عنى ما أجده ببركته فقال الامير أبو الجيش لعلها فلانة التى من شأنها كيت وكيت قال نعم قال هى لك والدار وما فيها ابتغاء وجه الله تعالى ثم استدعى وكيله وأمره بتسليم الدار والجارية للشاب وحكى عنه أيضا انه رأى شيخا على رأسه قفص قد لفه بخرق فاستدعاه فلما حضر بين يديه قال أيها الشيخ ما الذى فى هذا القفص قال سنانير قال وما تصنع بها قال أبيعها فى بلاد الشام فتعجب من ذلك وقال فى رعيتى من يحتاج الى مثل هذا ثم قال له من أى البلاد أنت قال من بلد كذا وكذا فوقع له بتلك البلدة لولد ولده ومناقبه غير محصورة وأكثرها مذكورة فى سيرهم ومعه فى التربة جماعة من خدمه كلهم شهداء والى جانب تربة خمارويه تربة

٧٢

قد دثرت بها قبر القاضى أبى جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم أحد القضاة الأربعين دخل الى مصر فى جمادى الآخرة سنة احدى وعشرين وثلثمائة فلما قدم الى مصر سبه العوام وكان بمصر قاض يقال له عبد الله بن أحمد وكان أهل مصر يحبونه فلما قدم عليهم أبو جعفر سبوه فلم يرد عليهم ثم قال لهم ما أحببتم فى قاضيكم قالوا أحببنا منه التواضع والخشوع فقال والله ما هو الاخير منى فلم يستمر حاكما غير أربعة وسبعين يوما ثم عزل نفسه وأقام عند محمد بن على المادرائى الى أن توفى ودفنه فى التربة التى بناها لنفسه وقبره معروف بقبر الضيف توفى سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة ثم تمشى الى الغرب تحت ذيل الكوم تجد قبرا هو قبر الشريف الذى لحده ذو النون المصرى بيده ثم تمشى مستقبل القبلة تحت ذيل الكوم تجد قبر أبى القاسم المكناسى المقابل لجوسق المادرائى

وهى من قبة خمارويه وانتهاؤها الجوسق قال المؤلف عفا الله عنه وهم جماعة مشهورون بالعلم والصلاح والخير والبر للفقراء قال ابن النحوى فى كتاب الرد على أولى الرفض والمكر فيمن كنى بأبى بكران أبا بكر المادرائى كان ينفق فى كل حجة مائة ألف وخمسين ألف دينار وكان يخرج معه تسعين ناقة وأربعمائة عربى وكان يحمل معه أحواض البقل وأحواض الريحان ومحامل فيها كلاب الصيد ويكثر النعم على آل بيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعلى أبناء الصحابة قال ابن زولاق فى تاريخه حدثنى أبو بكر المادرائى وقد ذكرت ما أنفق قال أنفقت فى عشر حجج ألف ألف ومائة ألف دينار وكان تكين سلطان مصر يرعاه واحرقت دوره ودور المادرائيين بعد موت تكين الجبار واحرق فى داره عبده رياح وابنه عبد الله وأخوه اسماعيل ثم اعتل ومات فركب الجند لاخذ ماله وكان قد سقى سما وعلمت ابنته بذلك فجعلته فى أتون الحمام وهو ميت فأقام به أياما ثم أخرج فلم تضره النار فرؤى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك ولاى شئ لم تضر جسدك النار قال أما جسدى فحمته الصدقة وهو معدود فى ثلاث طبقات الشهداء والوزراء والقراء وكان كثير التواضع مشهورا بالخير قال المؤلف واسمه محمد وكنيته أبو بكر ووالده على بن أحمد حكى ابن عثمان عنه انه كان وزيرا للدولة الطولونية ثم وزر لابى الجيش ابن طولون وكان الناس يقصدونه فى قضاء الحوائج وكان له دور وقصور وملك النظر فى جميع الديار المصرية والشامية حتى كاد لا يخرج شئ عن أمره وحكى ابن زولاق قال خرج المادرائى يودع قوما خرجوا للغزاة فبينما هو مار فى بعض الطرقات اذ رأى شيخا قد أقبل وهو يبكى وفى عنقه خريطة وهو مقلد بسيف وفى يده عكازة فدعاه على بن أحمد وقال له الى أين يا شيخ قال

٧٣

الى بلاد الروم أتاتل أعداء الله فان لحقنى أجلى على الطريق كان أجرى على الله تعالى فقال له هل لك فى شئ تركبه ثم استدعى بغلام وقال له احضر الساعة غلاما وبغلة وعمامة وسيفا فأحضر ذلك فقال للشيخ خذ هذا ولك فى كل سنة مثله فبكى الشيخ وقال اللهم لا تحرمه الشهادة فلما كان من الغد قتل فى ذلك الموضع فمات شهيدا وكان ذلك ببركة دعاء الشيخ فانه كان أعظم ما فى قلبه الشهادة وكانت وفاته سنة ثلاث وثمانين ومائتين ودفن بالمقبرة المذكورة ودفن ولده الى جانبه وكانت وفاة ولده أبى بكر سنة خمس وأربعين وثلثمائة ومناقبه غير محصورة قال المؤلف وهم جماعة المشهور منهم أبو الحسن على بن أحمد وولداه أبو بكر محمد واسماعيل ومعهم فى المقبرة قبر أبى المجد عيسى بن رستم بن أحمد بن الحسين بن عيسى بن رستم معدود من التابعين قيل انه توزر للدولة الطولونية وليس له وفاة تعرف وفى المقبرة جماعة من ذريته وهى مقبرة مباركة

ذكر الجوسق المعروف بالمادرائى قال المؤلف عفا الله عنه بنى الجوسق المذكور على هيئة بناء الكعبة وكان له شأن عظيم وكان يجتمع حوله فى الاعياد رؤساء الناس وكذلك فى ليلة النصف من شعبان وتوقد فيه الشموع المكتبة بالعنبر ويحرق اللبان والجاوى والعود والبخورات الطيبة وتأتى اليه القراء ويجتمعون فيه ويأتى المادرائى بجوائز يفرقها عليهم فى ذلك اليوم وتلك الليلة وينفق مالا جزيلا والكلام عليه كثير ويطول وانما قصدت الاختصار وهذا انتهاء الفرع الثانى

وأما الفرع الثالث فنبدأ به من تربة الامام حسان الانصارى متوجها الى تربة أبى بكر ابن نصر الزقاق ويتضمن من بساحته وانتهاؤه الى قبة الصدفى المجاورة لقبر القاضى أبى الذكر التمار

ذكر تربة حسان الانصارى قال المؤلف وقد جعلتها أول الفرع وذلك لشهرة المكان فانها تربة مباركة وبها جماعة من الصالحين منهم الشيخ حسان الانصارى وكانت وفاته سنة احدى وثلاثين وسبعمائة وبالتربة قبر ولده بدر الدين حسن وبجانبه مجير الدين بن حسان وبها قبر الشيخ الصالح زين الدين عبد اللطيف ابن الشيخ حسان وبها جماعة من أصحابه وبها قبر الشيخ عطية وقيل عطاء المشهدى ثم تخرج من الباب الغربى طالبا للجهة القبلية تجد على يسار السالك قبرا مبيضا تحت جدار حائط هو قبر الشيخ موسى غطى يدك قال المؤلف ولقد رأيته حيا ورأيت له أمورا عجيبة وحالا غريبا وكان الغالب عليه الجذب وكان مكرما عند الناس وسبب تسميته غطى يدك أنه كان اذا رأى امرأة يضربها على يدها ويقول

٧٤

غطى يدك فسمى بذلك ثم تمشى مغربا خطوات يسيرة تجد ثلاثة محاريب وقد دثرت تربتها وهى تربة مباركة بها قبر الشيخ الفقيه الامام أبى عبد الله محمد بن اسماعيل بن الحسين الهاشمى هكذا كان مكتوبا على قبره صحب الامام عبد الوهاب البغدادى وعليه تفقه وقال بعض الزوار إن بهذه التربة قبر عتيق بن بكار وليس بصحيح وسيأتى الكلام على تعيين قبره والى جانب هذه التربة المقدم ذكرها من الجهة الغربية جماعة من الاشراف يتصل نسبهم بالامام الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنه ثم تمشى مستقبل القبلة الى تربة قد استجدت قبورها كتب عليها العوام المجاهدين وليس بصحيح قال المؤلف ورأيت فى رخامة بها مكتوبا العباس الازدى والى جانبه أبو عبد الله الازدى وبها جماعة من الصالحين لا تعرف أسماؤهم ثم تأتى الى تربة الشيخ الامام الفقيه العالم العامل الزاهد أبى محمد عبد الوهاب بن على بن نصر البغدادى المالكى صاحب التصانيف يسمى مالكا الصغير قرأ على أبى القاسم البلخى وأبى حفص بن شاهين وروى عن جماعة من الثقاة منهم أبو بكر محمد بن على بن محمد السلمى وأبو بكر بن ثابت البغدادى وأبو الحسين النيسابورى وجماعة من المحدثين فمما روى باسناده عن النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم انه قال كل معروف صدقة والمعروف بقى سبعين نوعا من البلاء وبقى صاحبه ميتة السوء والمعروف والمنكر خلقان يبصران للناس يوم القيامة فالمعروف لازم لاهله يقودهم ويسوقهم الى الجنة والمنكر لازم لاهله يقودهم ويسوقهم الى النار وقال القاضى عبد الوهاب حدثنى الشيخ عبد الواحد اخبارا عن مشايخه بالسند الصحيح عن لقمان عليه‌السلام انه قال لابنه يا بنى لا يكن الديك أكيس منك يؤذن بالاسحار وأنت نائم يا بنى اياك والكذب يا بنى اياك وبعض النظر فان بعض النظر يؤدى الى الشهوة فى القلب يا بنى لا تأكل شيئا فوق شبع فانك إن تتركه أو تلقه للكلب خير من أن تأكله يا بنى إن أردت أن تقطع أمرا فلا تقطعه حتى تشاور مرشدا يا بنى اذا أرسلت فى حاجة فأرسل حكيما والا فكن أنت رسول نفسك وكان رضى الله عنه اذا ذكر الموت بكى وينشد أبياتا وهى

(١) من كان منكم تصيب الشمس بهجته

والنار تلفعه فى موقف لبثا

ويألف الظل كى تبقى محاسنه

فسوف يسكن بيتا راغما جدثا

فى قعر مظلمة غبراء مقفرة

حليل تحت الثرى فى رمسها لبثا

وقال القاضى عبد الوهاب علامة شقاء العالم أن يقف بباب السلطان قال القاضى

__________________

(١) هذه الابيات هكذا فى النسخ

٧٥

أبو الفضل عياض لم يكن فى المالكية أحفظ من عبد الوهاب فى زمانه له مصنفات عديدة فى مذهب أبى عبد الله مالك بن أنس منها كتاب التلقين والمعونة والنصرة قال بعض المالكية لو ظهر كتاب النصرة لعبد الوهاب البغدادى لم يحتج معه الى كتاب آخر ورؤى فى المنام فقيل ما فعل الله بك قال اثابنى بكل ما علمته وعلمته الا كتاب التلقين فانى جعلته مناظرة لشخص صنف كتابا فلم ينفعنى وأكثر ما نفعنى كتاب المعونة فى شرح الرسالة وحكى أن بعض الفاطميين جلس مع أصحابه فقال أفيكم من يعلم قول القائل لا يفتى ومالك بالمدينة فقال رجل منهم لا يوجد هذا الا عند القاضى عبد الوهاب البغدادى فقال الخليفة الفاطمى انا ان أحضرناه لنسأله ليس من المصلحة بل نسعى اليه ونسأله من غير أن يعلم من نحن فجاؤا اليه فقال له الفاطمى أيها الشيخ ما معنى قول القائل لا يفتى ومالك بالمدينة قال الشيخ معنى ذلك أن امرأة غاسلة دخلت تغسل امرأة ميتة فضربت بيدها على فرج الميتة وقالت ما كان أزناك من فرج فامسك اليد على الفرج فاخبروا بذلك علماء المدينة فمنهم من قال تقطع يد الغاسلة ومنهم من قال يقطع فرج الميتة حتى لم يبق غير مالك بن أنس فدخلوا عليه رضى الله عنه وكان شابا يقرأ على ربيعة فقصوا عليه ذلك فقال رضى الله عنه تضرب الغاسلة حد القذف فلما ان ضربت خلصت يدها فقيل عند ذلك لا يفتى ومالك بالمدينة ولما كان الشيخ عبد الوهاب ببغداد ضاق عليه رزقه فاستخار الله تعالى فى خروجه من بغداد فكتب على حائط عند خروجه منها

سلام على بغداد منى تحية

وحق لها منى الثناء المضاعف

فو الله ما فارقتها عن قلى بها

وانى بشطى جانبيها لعارف

ولكنها ضاقت على باسرها

ولم تكن الارزاق فيها تساعف

وكانت كخل كنت أهوى دنوّة

وأخلاقه من سوء حظى تخالف

وقيل كان بمصر رجل بزاز هو أخوه فلما سمع أنه قد خرج من بغداد نذر على نفسه انه من بشره بوصول أخيه الى مصر دفع له مائة دينار ثم أخرج من ماله مائة دينار وجعلها فى مكان وكان القاضى عبد الوهاب قد سمع بمقالة أخيه فلما دخل الى مصر فى سوق القرافة وجد رجلا يضفر الخوص فجلس الى جانبه يحدثه فقال بكم تعمل كل يوم قال بنصف وثمن قال ألك عائلة قال نعم قال هل أدلك على غنائك قال يا سيدى ومن لى بذلك فقال له امض الى سوق البزازين وسل عن فلان فاذا وجدته قل له ان عبد الوهاب قد نزل بالقرافة فمضى الرجل الى سوق البزازين وسأل عن الرجل فدل عليه فلما وجده سلم عليه

٧٦

وأخبره بالقاضى عبد الوهاب فسلم اليه المال فقال له يا سيدى هذه أؤديها اليه قال لا بل هذه بشارتك فأخذها واستغنى بها وجمع بينه وبين أخيه ودفنا بمكان واحد وكانت وفاة الشيخ الفقيه عبد الوهاب البغدادى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وقبره مشهور وعنده تتصافح الزوار والسبب فى ذلك انه رؤى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لى ولكل من تصافح عند قبرى وكان شيخنا الادمى قدس الله روحه كلما زاره فعل ذلك هو وأصحابه وبالقرافة قبر المصافح فى غير هذا المكان وسيأتى الكلام عليه عند قبره والى جانبه قبر الشيخ الامام الفقيه أبى القاسم عتيق بن بكار كان فقيها من أكابر العلماء وكان يقول ما أذن المؤذنون قط الا وأنا على وضوء وقيل ان عبد الوهاب كان يثنى عليه الثناء الكثير وعند القرشى هو فى مقبرة من مقابر النقعة وقال هو عند قبر الواسطى والصحيح انه الى جانب عبد الوهاب مات ليلة الاثنتين الثانى والعشرين من ربيع الآخر سنة عشرين وأربعمائة وبالمقبرة المذكورة قبور الفقهاء أصحاب الحانوت كان شيخنا الادمى رحمه‌الله يذكر انهم الى جانب عبد الوهاب البغدادى ثم تمشى مستقبل القبلة تجد مقابر بنى الاشعث قال المولف ولبنى الاشعث ثلاث مقابر بالنقعة اثنان والمقبرة الثالثة مما يلى قبة العيد غربى تربة بنى حمويه المجاورة لقبر الشيخ أحمد الادمى أحد مشايخ الزيارة وسيأتى الكلام عليها ان شاء الله تعالى فأما المقبرتان اللتان بالنقعة المقدّم ذكرهما الاولى بها جماعة منهم أبو حفص عمر بن الحسين بن على بن الاشعث بن محمد البصرى كان من الائمة المشهورين ذكره القضاعى وابن زولاق وابن الجباس حكى ابن ميسرة فى تاريخه ان الدعاء عند مقابرهم مجاب كان مكتوبا على قبره هذا قبر أبى حفص عمر بن الحسين بن على بن الاشعث بن محمد البصرى كان بالله مؤمنا ولرسوله مصدّقا مات وهو يشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبالمقبرة المذكورة قبر أخيه عبد الله بن الحسين بن على بن الاشعث بن محمد البصرى وبالمقبرة أيضا قبر ولده ابراهيم بن عبد الله المقدم ذكره وبالمقبرة قبر جدهم الحسين ذكره صاحب المفتاح وكلهم كان على قبورهم ألواح رخام كان مكتوبا فى لوح منها هذا قبر من لازم قراءة الآيات فى الاسحار وعمل عمل الابرار رغبة فيما هو اليه صائر ولم يزل يترقى ذروة الفلاح حتى حسب من العلماء الأكابر ولقى الله لقاء من اعتمد بعد التوحيد عليه وهو عبد الله بن عمر بن الحسين بن على بن الاشعث بن محمد البصرى قال بعض المشايخ كنا نزور المقابر فى يوم السبت فزرنا مقبرة بنى الاشعث يوما فرأيت بها الرخامة المذكورة فكنت أتفقدها فجئت يوما فلم أجد تلك الرخامة فأحزننى ذلك فنمت

٧٧

تلك الليلة مهموما فرأيت فى المنام شخصا وعليه أثواب حسنة فقلت له من أنت يرحمك الله فقال أنا عبد الله بن الاشعث الذى تزور قبره وقد سألت الله أن يذهب تلك الرخامة عن قبرى فاذا زرتنى فاسأل الله ما شئت عند قبرى فانى أشفع لك عند الله فيما تسأله وبالمقبرة قبر الفقيه الامام العالم العلامة أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوى المعروف بابن أخت الشيخ الامام العلامة أبى ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى مذكور فى طبقة الفقهاء ذكره الكندى وقال هو المعروف بالمجاب الدعوة فمن كلامه رضى الله عنه من طهر قلبه من الحرام فتحت لدعوته أبواب السماء وله مصنفات فى الفقه على مذهب الامام ابى حنيفة قيل انه دخل على تكين الجبار أمير مصر فلما رآه داخله الرعب فأكرم مثواه وأحسن نزله ثم قال له يا سيدى أزوجك ابنتى قال لا قال ألك حاجة بمال قال لا قال أقطعك أرضا قال لا قال فاسألنى ما شئت قال وتسمع قال نعم قال إحفظ دينك لئلا ينفلت منك كما تنفلت الابل من عقالها واعمل فى فكاك نفسك وإياك ومظالم العباد مات رضى الله عنه بمصر وقال ابن الجباس فى تاريخه وقبره بمقبرة بنى الاشعث قال وهو القبر الحوض الحجر الذى فى وسط المقبرة وقال قوم هو عند اسماعيل المزنى والأصح انه بمقبرة بنى الاشعث وهكذا قال شيخنا الشيخ شهاب الدين أحمد الأدمى وذكره القضاعى فى مجرّ محمود والاصح انه بهذه المقبرة وفى طبقته يحيى بن عثمان بن صالح من أكابر العلماء كان زاهدا ورعا عفيفا عدّه الكندى من مشاهير العلماء وكان يقول لا تأمنن مادام الشيطان حيا وجاءه رجل يوما ومعه رقعة مكتوب فيها هذه الأبيات وهو سؤال

يا أيها العالم ماذا ترى

فى رجل مات من الوجد

من حب حب أهيف أغيد

رحب المحيا حسن القد

فهل ترى تقبيله جائزا

فى الفم والعينين والخدّ

من غير ما فجر ولا ريبة

بل من عفاف منه كى يجد

ان أنت لم تعف فانى اذا

أصيح من وجدى يا سعد

فكتب له جوابا يقول

يا أيها السائل انى أرى

تقبيلك العين مع الخد

يفضى الى ما بعده فاجتنب

تقبيله بالجهد والجد

فان من يرتع فى روضة

لا بد أن يجنى من الورد

فاستشعر العفة واعص الهوى

ولا تكن فى الشر مستعد

٧٨

وفى طبقته الفقيه أبو عبد الله اسماعيل أحد العلماء الثقات مات فى سنة أربع وثمانين وثلثمائة ذكره ابن بابشاذ فى تعليقاته والمقبرة الثانية من الاشاعثة هى مقبرة فاطمة بنت الاشعث وقد بنى عليها تربة لطيفة وهى فاطمة بنت الحسين بن على بن الاشعث بن محمد البصرى قال العبيد لى وهم بيت بالبصرة يعرفون ببنى الاشعث وهذه طائفة منهم وكانت السيدة فاطمة من عابدات مصر وقد جرب قبرها باجابة الدعاء وعرفت بوفاء الدين وليس بالتربة غيرها وغربى تربتها تربة بها الشيخ عبد الله السائح ثم تأتى الى تربة الزقاق وقبل الوصول اليها قبران داثران فى الطريق المسلوك أحدهما أبو الحسن على المعروف بطب الوحش قيل انه كانت الوحوش اذا أصابها وجع أو ألم تأتى الى قبره لتمعك به فتبرأ باذن الله تعالى وآثار قبره ظاهرة من الحجر الكدان وأما الثانى فهو قبر السيدة عائشة المعروفة ببرء الطير قيل انه كانت الطيور تأنى الى قبرها وهى متألمة فتبرأ باذن الله تعالى قال المؤلف عفا الله عنه ولقد رأيت رخامة مكتوب فيها بالقلم الكوفى هذا قبر عائشة ابنة هشام بن محمد بن أبى بكر البكرى ولا أدرى هل هو تاريخ قبرها أم لا فانى رأيتها بغير هذا المكان ثم تدخل الى تربة الزقاق تجد بها قبر الشيخ الفقيه الصوفى المحقق أبى بكر أحمد بن نصر الزقاق أحد مشايخ الرسالة من أقران الجنيد ذكره الامام الحافظ أبو نعيم فى الحلية وأبو الفرج فى الصفوة وذكره الفشيرى فى رسالته وكان رضى الله عنه من أكابر الصوفية مصرى الاصل من أكابر أهلها له كلام بديع فى التصوف فمن قوله رضى الله عنه لا يصلح الفقر الا لاقوام كنسوا بانفسهم المزابل وقال رضى الله عنه من لم يصحبه التقى فى فقره أكل الحرام المحض قال الزقاق كنت فى كل جمعة أبكر الى الجامع فاجلس عند الجنيد فبينما أنا أمشى يوما الى المسجد اذ رأيت اثنين يقولان اذهب بنا الى الجنيد نسأله قال الزقاق فتبعتهما حتى دخلا سقاية يتطهران فرأيت معهما شيئا فكرهته فقلت انا لله وانا اليه راجعون ثم أتيا الى الجنيد وأنا أنظر اليهما فوقفا عليه فقال أحدهما ماذا يرد من خاض بالانزعاج وقال الآخر كل باد يعود الى باديته فقلت فى نفسى ما يفعل هؤلاء فقال الجنيد أين المستغيب فقلت فى نفسى علم بى وتكلم على خاطرى ثم قال الثانية أين المستغيب اسألنا نجعلك فى حل فقلت يا سيدى قد حصل لى غيرة فقال يا أبا بكر لاتتهم أقواما انتخبهم الحق فى سابق علمه بكرامة وجدانية حتى اذا استخرجهم من الذر عجن أرواحهم بنور قدسه وأقامهم بين يديه بلطفه ونظر اليهم بعين رحمته وألبسهم تيجان ولايته فان دعوه أجابهم وان امتحنهم أعطاهم فلا تدركهم أجفان الالحاظ ولا يغيرهم ترجمان الاسرار فهم

٧٩

ينظرون به اليه فى جميع الاشياء مستغنون به عن جميع الاشياء قال الزقاق فنظرت فلم أجدهم وحكى عنه أبو على قال دخلت يوما على أبى بكر الزقاق فرأيته بحالة عجيبة فسكت عنه حتى رجع فلما أفاق قلت يا سيدى ما الامر قال مررت بخربة فسمعت صوتا ينشد يقول

أبت غلبات الشوق الا تقربا

اليك ويأبى العدل الا تجنبا

وما كان صدى عنك صد ملامة

وما كان ذاك البعد الا تقربا

وما كان ذاك العذر الا نصيحة

وما كان ذا الاغضاء الا تغيبا

على رقيب منك حل بمهجتى

اذا رمت تسهيلا عليك تصعبا

قال أبو على فلما أنشدنى الشيخ صرت لا أملك بعضى بعضا مما لحقنى ثم قال هكذا من تحقق ما يأتيه من بليته لم يخل محب من البلاء وقال الزقاق تهت فى تيه بنى اسرائيل خمسة عشر يوما فلما وقعت على الطريق رأيت انسانا جنديا فاستسقيته فسقانى شربة من الماء فأقامت قسوتها فى قلبى ثلاثين سنة وقال الزقاق رضى الله عنه كنت بمكة فاشتهيت شربة من اللبن فخرجت الى ظاهر مكة الى أرض عسفان فرأيت امرأة فافتتنت بها فقلت يا هذه قد اشتغل قلبى بك فقالت يا أبا بكر لو اشتغلت بربك لانساك شهوة اللبن فقلت انما نظرتك بعينى هذه فقلعت عينى بأصبعى ورجعت الى مكة باكيا حزينا نادما فنمت فرأيت نبى الله يوسف عليه‌السلام فقلت السلام عليك يا نبى الله يا يوسف فقال وعليك السلام يا أبا بكر فقلت أقر الله عينك بسلامتك من زليخا فقال أقر الله عينك بسلامتك من العسفانية ثم مسح بيده على عينى فعادت كما كانت وسمى الزقاق لانه جلس بوما على باب مسجده واذا بانسان أتى اليه هاربا ومعه زق قيل إنه كان مملوأ خمرا فقال استجرت بك يا سيدى قال ادخل الى المسجد فلما دخل الى المسجد جاءت الشرطة فى طلبه فسألوا عنه من سيدى أبى بكر فقال لهم دخل الى المسجد فلما سمع الشاب ذلك خاف على نفسه واشتد خوفه واذا بالحائط انفتح فخرج منها فدخل أصحاب الشرطة المسجد فلم يجدوه فخرجوا الى أبى بكر الزقاق وقالوا ما وجدنا أحدا ثم ذهبوا فجاء الشاب الى سيدى أبى بكر وقال له يا سيدى استجرت بك فتدلهم على فقال له يا بنى لولا الصدق ما نجوت ومناقبه يضيق الوقت عن حصرها وتوفى بعد الثلثمائة قال المؤلف وفى التربة المذكورة رخامة مكتوب فيها عبد الرحمن بن المغيرة وكان شيخنا الادمى رحمه‌الله يذكره عند الزقاق ولا يعرف له قبر وتحت جدار حائط الزقاق من الجهة الشرقية قبر الشيخ غازى المجاهد وعند

٨٠