الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]

الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

المؤلف:

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]


المحقق: أحمد بك تيمور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

عظيم فى الوعظ وحوله جماعة من الصلحاء ويجاوره تربة ابن عبود كان من كبار الصلحاء وكان يسعى فى قضاء حوائج الناس ويجالس الامراء والملوك ويتردّد اليهم لأجل قضاء الحوائج وحول تربته جماعة من الملوك ومن تربته الى مقبرة المجاهدين ولم تزل مشايخنا يذكرون المجاهدين بهذا المكان ويدعون الله تعالى عندهم ويتبركون بهم وهذا ابتداء زيارة الشقة الاولى من الجبل

وأما الشقة الثانية فاذا زرت قبر المظفر وتأخذ مستقبل القبلة قاصدا الى قبر القدورى زرت قبل وصولك اليه قبر الشيخ أبى الحسن على الهاشمى فى تربته الصغيرة على سكة الطريق وبالحومة قبر الشيخ أبى الحسن على الرصاصى المعروف بالجمال وفى الدرب المجاور لقبر الشيخ رسل القدورى تربة الاشراف وهى تربة قديمة معقودة الأقبية ذكرهم الشيخ أبو عبد الله القرشى فى طبقة الأشراف وحكى عنهم أن لصا جاء يسرق من المكان فلم يجد فيه شيئا فجاء يخرج فلم يجد للمكان بابا فنام فى المكان فرآهم فى المنام وهم يقولون له ما كفاك ان تؤذى أهل الدنيا حتى تؤذى أهل الآخرة واخرج من هذا المكان وعند باب الدرب قبر الشيخ أبى اسحاق ابراهيم بن ظافر القرشى وفى الحومة الشيخ أبو الحسن على المعروف بابن ظافر القرشى بجواره قبر الشيخ رسل القدورى عدّه القرشى فى طبقة الفقهاء وقال هو المعروف بصاحب الحنفاء وهو فى الحوش اللطيف وقبره رخام باق الى الآن وحكى عنه أنه كان يبيع القدور الفخار يبيع كل قدرة بدرهم فجاءه انسان بدرهم فضة فأعطاه اياه وأخذ منه قدرة وراح بها الى داره فعلقها على النار فوجدها مكسورة فأخذها وجاء بها الى الشيخ وقال له يا سيدى انها مكسورة فقال له الشيخ انظر هذا الدرهم الذى جئت به فنظر اليه فاذا هو نحاس فقال له لو أعطيتنا طيبا لاخذت طيبا فأعطاه بدل الدرهم فقال خذها ورح فانها صحيحة فأخذها وراح فوجدها صحيحة وهذه الحكاية مستفاضة بين مشايخ الزيارة والى جانبه من جهة القبلة قبر الشيخ ابراهيم فاز من اتقى حكى عنه انه لما ان مات رؤى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك قال فاز من اتقاه وأنشد يقول

يريد المرء أن يعطى مناه

ويأبى الله الا ما أرادا

يقول الشخص فائدتى ومالى

وتقوى الله أفضل ما استفادا

وعند باب تربته قبور الفقهاء أولاد الشرابى وفى سكة الطريق قبر داثر هو قبر الشيخ أبى الحسن المعروف بالصياح له حكاية طويلة مع السياح وبالقرب من أبى الحسن

٢٨١

الصياح تربة مبنية بالفص الحجر متسعة بشبابيك مطلة على الخندق بها عنبر الطواشى ومن قبره الى قبر الشيخ عبد الحافظ القليوبى والقلابية جماعة بالقرافة منهم هذا الشيخ عبد الحافظ المعروف بصاحب الخطوة قيل انه أقام أياما يصلى الصبح بجامع عمرو ابن العاص ثم تمشى فى الطريق المسلوك قاصدا الى جامع محمود وقد ذكرنا جامع محمود عند ذكر المساجد وقبر محمود مقابل للجامع فى الحوش ذكره القضاعى فى كتاب الخطط وعده القرشى فى طبقة الفقهاء والامراء قال ابن عثمان فى تاريخه هو محمود بن سالم بن مالك المعروف بالطويل ذكر أبو جعفر الطحاوى قال كان محمود هذا جنديا من جند السرى بن الحكم أمير مصر فركب السرى ذات يوم فعارضه رجل فى الطريق فوعظه بما أغاظه به فالتفت الى محمود فقال له اضرب عنق هذا فرمى محمود برأس الرجل فلما رجع محمود الى منزله خلا بنفسه وتفكر وندم وقال تكلم رجل بكلمة حق فقتلته فكيف يكون حالك اذا وقفت بين يدى الله وبكى بكاء شديدا وآلى على نفسه انه يخرج من الجندية ولا يعود اليها فلما أصبح غدا إلى السرى بن الحكم فأخبره بما كان منه فى تلك الليلة وأشهد على نفسه أن لا يخدم سلطانا أبدا وأقبل على العبادة وجدّد المسجد المعروف به وكان تبعه فيما حكاه الكندى وغيره وحكى بعضهم أن محمودا رأى فى المنام الفقير وهو يخطر فى الجنة فقال له ما فعل الله بك قال غفرلى وأدخلنى الجنة وقل لأستاذك يا ظالما سبقك غريمك للحاكم فأصبح وتاب عن الجندية ذكره ابن عبد الحكم فى تاريخه وعده القرشى فى طبقة الفقهاء وقد ذكره موفق الدين بن عثمان بالقرب من قبر أبى بكر الاصطبلى وذكره القضاعى فى هذه الخطة والاصح أنه غربى تربة الاشراف بالقرب من القدورى فيكون هذا فيما بين تربة الست وقبر القدورى وعليه الآن مجدول ذكر المشهد المعروف باليسع وروبيل قال الشيخ شرف الدين بن الجباس فى تاريخه يعرف هذا المسجد باليسع وهو صاحب البابين وقيل ان فى ذلك المشهد روبيل وذلك غير صحيح لانه أجمع العلماء من أهل التاريخ على انه لم يدفن بمصر الا يوسف عليه‌السلام ألقى فى النيل وذلك أنه دفن فى البر الغربى فاخضر ولم يورق البر الشرقى ورقة خضراء فحمل من الغربى الى الشرقى فاخضر ويبس الغربى فألقوه فى النيل فلم يزل فى النيل الى زمن موسى بن عمران عليه‌السلام فأمره الله تعالى أن يحمله معه الى بيت المقدس فحمله وكان النور يخرج منه حتى يهتدوا به الى الطريق بالنظر لأن القبلة كانت زمن يعقوب الى جهة بيت المقدس وهذه القبور الى القبلة وحكى ابن عثمان أنه مشهد رؤيا وحكى

٢٨٢

فى تاريخه أن رجلا بات فى هذا المكان قديما فقرأ سورة يوسف عليه‌السلام ونام فرأى قائلا يقول هذه والله قصتنا من أعلمك بها فقال القرآن الذى أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمن أنت قال روبيل أخو يوسف عليه‌السلام فلما أصبح أحضر الناس فبنوا هذا المشهد لما علموا من صدق هذه الرؤيا والمكان مبارك يزار بحسن النية وروى أن يهودا بن يعقوب أخو يوسف عليه‌السلام أقام فى ذروة الجبل المقطم فى هذا المكان وتعبد فيه وقد سلف ذكره فى أول الكتاب وبازاء هذا المشهد قبر عبد الله ابن الحسين بن على معدود من فقهاء مصر عدّه القرشى فى طبقة الفقهاء وذكره ابن غانم فى الواضح النفيس وكان فيه كياسة خلع عليه بعض أمراء مصر خلعة فلما رأى الخلعة أعجبته فقال له أيها الأمير انى أخاف أن أروح الى أهلى بهذه الخلعة فيفزعوا كما فزع أهل الاعرابى فقال له ومن الاعرابى فقال كسا سليمان بن أبى جعفر أعرابيا قلنسوة فلما أتى الى أهله أبصرها صبيانه على رأسه ففزعوا وقالوا لقد أصابتنا داهية فأنشأ يقول

(١) طرحت عمامتى ولبست شاشا

على عنقى له ذنب طويل

بحيث الخوف يخفق جانبيها

اكاد اذا حلفت بها أميل

فصاح صبيتى لما رأونى

وقالوا جاء سعلاة وغول

فذاك الجعفرى رجال معه

ومثلهم وذاك له قليل

وكان رضى الله عنه زاهدا فمر يوما فى الطريق فرميت له صرة فأعرض عنها فقيل له خذ هذه الصرة فان فيها دنانير فقال انما خرجت اشترى ملحا للطعام فلو كان ملحا أخذتها توفى المذكور سنة أربعين ومائتين وشرقى قبره قبر محمد بن عبد الله السراج كان رجلا صالحا عالما فاضلا كثير الصلة للمساكين وقال الحافظ الذهبى اسمه محمد بن محمد بن يعقوب السراج وكنيته أبو بكر توفى سنة اثنتين وستين وثلثمائة ومقابل باب هذا المشهد تربة قديمة بغير سقف بها قبر الشيخ الصالح أبى اسحاق محمد بن القاسم بن شعبان المالكى القرطبى المعروف بجده وفاته سنة خمس وستين وخمسمائة ذكره القضاعى فى تاريخه ومن وراء حائطه القبلى مع الحائط قبر عليه مجدول كدان هو قبر الشيخ يحيى الشعبى الحافظ المحدث ويلى مشهد اليسع من جهة القبلة الفقهاء أولاد اسرائيل القراء وقبر الشاب التائب وبازاء المشهد جماعة من الاولياء وقد ذكر القضاعى فى هذه الخطة قبورا كثيرة قد دثرت وهذه تسمى مدافن محمود وفى مجر محمود قبر القاضى مرغب ابن قاضى دمياط

__________________

(١) هذه الابيات كذا بالاصل

٢٨٣

وقبره الآن معروف فى الخطة المعروفة بتربة الست وقريب من هذه الخطة التربة المعروفة بتربة سدرة بها دفن أشراف قديم وهو مشهد عليه جلالة ونور عليه قبة باقية الى الآن قال بعضهم هو قبر السيدة زينب ورأيت على حجر هناك قبر الشريفة خديجة بنت محمد بن الحسن بن على بن جعفر بن موسى بن اسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب رضى الله عنهم وعلى باب تربتها قبر الشيخ تقى الدين العجمى وهى تربة مباركة بها جماعة من الاولياء منهم الشيخ تقى الدين رجب العجمى شيخ الصوفية مربى المريدين وقدوة السالكين وبالتربة قبر الشيخ بهاء الدين الكازرونى والشيخ يحيى التبريزى والشيخ محمد الحريرى والشيخ أوران بن فيان والشيخ عثمان الشامى والشيخ خليل من أصحاب أبى ذر العراقى والشيخ محمود الكردى وقبر الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى وقبر الشيخ يهودا بن عمر بن محمد المقرى وقبره عند الباب الغربى من الحوش وقبر محمد بن محمود الكردى وقبر الشيخ ناصر الدين العجمى وقبر الشيخ مجد الدين والشيخ عبد الله والسيدة فاطمة وخديجة وأولاد الشيخ عبد الله وبالتربة أيضا قبر الشيخ محمد الغويلاوى والشيخ بدر الدين خادمه والشيخ علم الدين سليمان اخو الشيخ مجد الدين رجب وقبر الشيخ عبد الله والشيخ حسام الدين الازهرى والشيخ حسن بن أبى بكر الاصفهانى وقبر الشيخ على خشخش وقبر الشيخ يحيى خادم الشيخ تقى الدين والشيخ محمد الششترى وقبر الشيخ محمد الاصفهانى وقبر الشيخ محمد السمرقندى وقبر الشريف البخارى والشيخ حسان العجمى والشيخ حسن الكردى وقبر الشيخ على السراج والشيخ يوسف التوريزى والشيخ حسام الدين حادى الفقراء وقبر الشيخ يوسف الهروى وقبر الشيخ عربشاه البلخى وقبر الشيخ يعقوب التركمانى والشيخ على بن عثمان الششترى وقبر الشيخ رمضان خادم الفقراء وقبر الشيخ حسن التركى وقبر الشيخ رشيد سقا الفقراء والشيخ حسن البلخشانى والشيخ محمد الجندى والشيخ على سهل وقبر الشيخ محمود الحورانى والشيخ محمد التوريزى والشيخ بهاء الدين الاخلاطى والشيخ محمد الكاشغرى والشيخ أبى الحسن على بن أحمد بن محمود التفليسى والشيخ عبد الله بن عمر بن حسن المعروف بقطلبك وعند باب التربة الشيخ خضر وبهذا الحوش جماعة من الاولياء والدعاء بها مجاب ثم ترجع فى الطريق المسلوك الى خطة الدينورى وقد ذكرنا الشيخ عبد الحافظ القليو بى ومن قبليه تربة الشيخ أبى الحسن الزنارى المعروف بصاحب الغزالة تربته على يمين السالك قبل وصولك الى الدينورى ومن غربى التربة محمد بن على القليوبى صاحب

٢٨٤

ممشاد الدينورى ذكره النسابة ثم تسير طالبا قبر الشيخ أبى الحسن الدينورى المعروف بابن الصائغ أحد السبعة المختارة ذكره ابن الجباس فى طبقاته والاسنوى كراماته كثيرة فيما يأتى ذكره قال الاسنوى لما حملت به أمه كان أحمد الكبير ابن الرفاعى بين تلامذته واضعا رأسه بين ركبتيه فصاح صيحة حملت أم ابن الصائغ بولد نجيب يسرى ذكره فى المشرق والمغرب فلما كان ليلة وضعه كانت آخر شهر شعبان شكت الناس فى هلال رمضان فسألوا الاستاذ عن الصوم هل ذلك شك أم من رمضان فقال لهم ان أردتم صحة اليقين امضوا الى دينور واسألوا عن الصائغ فانه ولد له ولد فى هذه الليلة ان كان صائما فصوموا وان رضع هوثدى أمه فافطروا فمضوا اليه فسألوا منه فقال لا علم لى بحال النساء ثم أخذهم ومضى الى والدته وسألها فقالت انه لم يرضع من قبل الفجر وهو ممن صام فى قماطه رضى الله عنه (١) وذكر ابن الجلا فى تاريخه حكاية مشهورة وذلك ان ذميا من النصارى جرت له مسألة عجيبة كان يختفى مع الفقراء ويتز يا بزيهم ولم يعرفوا انه من النصارى وكان شيخ والده ابن الصائغ الدينورى هذا ابيه صائغا بدينور وكان كثير الزهد وكان واعظا حسن الكلام يصدع كلامه القلوب صاحب أمر فى مجلسه قالت له ابنته كلاما فقال لها انت صادقة فاذا هى ميتة فراح لشيخه وذكر له القصة فدعا عليه فقتل وحملت رأسه اليه ومن وراء حائطه قبر الشيخ أبى القاسم الهكارى

ذكر التربة المعروفة بالدينورى بها جماعة من العلماء بهذه التربة قبر الشيخ الامام العالم العلامة العابد الورع الزاهد المكاشف أبى الحسن على بن محمد بن سهل الحنفى وبها جماعة صالحون كما يزعمون منهم أبو الحسن المعروف بابن الصايغ الدينورى توفى سنة احدى وثلاثين وثلثمائة كان يتكلم على الخاطر وكان حوله جماعة قد آخى بينهم واشترط عليهم فى مؤاخاتهم أشياء وكان كثير الزهد حسن الورع يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر صحب الجنيد وكان الجنيد يسأله الدعاء ذكره القشيرى فى رسالته وأثنى عليه ويوم خرج به تكين الى بيت المقدس أغلقت البلدة وخرج معه خلق كثير وقدموا له بغلا فلما أراد أن يركبه قال بعض من حضر ادعو الله فقال يا بنى ليس هذا وقت دعاء هذا وقت رضا وتسليم وركب وبكى الناس لفراقه وودعوه ورجعوا وقيل ان البغل وقف ليبول فى الرمل فوقف أصحابه يبكون وينظرون اليه فقال لهم لا تيأسوا فان الذى نفانا على هذا البغل يموت ويعمل له صندوق ويحمل فيه الى بيت المقدس فما كان غير قليل حتى مات

__________________

(١) هذه الحكاية بالاصل هكذا

٢٨٥

تكين وحمل فى صندوق على بغل فوضعوه فى الطريق ليصلحوا ما فسد من حمله على البغل فدار البغل وبال عليه ودخل الى مصر وكان له كرامات وحدث بمصر عن أهلها وعن أهل بلده وكان الشيخ من دأبه وعلو شأنه تهابه الملوك والسلاطين وكان الجنيد يعظمه ولقد كان الجنيد له حاجة الى الخليفة فقال له أصحابه هل لنا ان نأخذ أبا الحسن معنا فقال لهم ان ذلك رجل مشغول ما فيه فضلة لمثل هذا وقال أبو على ممشاد الدينورى كان أبو الحسن الدينورى وهو ابن خمس عشرة سنة يأتى الى شيخنا ابن سنان يسأله ان يسأل له والدته ان تهبه لله فسرنا معه اليها فسألها الشيخ عن ذلك فقالت كيف أهبه لله أخشى أن لا يصلح له ولا لى ولكن أذنته أن يطلع الجبل فان وجد الله فقد وهبته له وان لم يجده فانا خير له مما يشقى غدا فصعد الجبل فأقام خمسين يوما لا يستطعم فيها بزاد ثم نزل وهو كالخلال اليابس فقالت له كيف كان حالك فى غيبتك قال ما وقعت لى فاقة ولا بقى فىّ جارحة الا وهى تقتضى المزيد ثم أتى الينا وأخبرنا بذلك فسرنا معه اليها فقلنا لها كيف تجدى أبا الحسن فقالت الآن يصلح ان يهدى لله اللهم انه وديعتى عندك وقد صلح لك وقد وهبته لك فاقبله منى ثم خرج من يومه وغاب عنا سنين قال أبو بكر فرأيته بعد ذلك فذكرت له الحكاية فبكى بكاء شديدا وقال بالفارسية واخراب قلباه وقال رضى الله عنه حججت أنا ووالدى من دينور الى مكة فى ثلاثة أيام وقال الحسين بن على اجتمعت أنا وثلاثة من الصالحين بمكة فتذاكرنا أخبار الصالحين الى أن ذكرنا أبا الحسن وكان بقربنا امرأة عجوز عليها آثار العبادة تسمع كلامنا قالت يا بنى أنت رأيت ابن الصائغ قلت لها نعم فانكبت على رجلى وقبلتها وقالت يا بنى شهدت أبا الحسن وهو ابن خمس عشرة سنة وقد خرج الى الصحراء وحضر حصيرا وجلس فيها فاقبلت الامطار حول الحصير وليس فى الحصير نقطة ماء قال أبو الحسين فاجتمعت به وقلت له أتأذن لى أن أسألك عن حكاية قال نعم فحكيتها له فصرخ ساعة ثم أقبلت الدموع تريد أن تسيل من عينيه ثم قال دعنا وهات ما ننتفع به وقال أيضا لقد رأيته يوما وجاءته العبرة فغمض عينيه يمنعها أن تسيل وقال اشتد الزكام ثم غلبته وسالت وقال أيوب كان أبو الحسن يجىء الى النهر وقد جمد من الثلج والدواب تمر عليه فاذا وصل اليه يريد أن يتطهر ذات له حتى يتطهر فاذا فرغ عاد على حالته واذا وضع يده فيه ذهب البرد منه وصار يخرج منه الدخان وقال أيضا كنت معه فى سفر فلحقنا عطش شديد وآن وقت صلاة الظهر فرفع رأسه الى السماء فجاءت سحابة وأمطرت حتى ملأت بركة فقال لى اشرب يا عطشان

٢٨٦

فشربت حتى رويت وتوضأنا للصلاة وقال بعض أصحابه نزلت مع أبى الحسن الى البحر ومعى فتى من المتعبدين فجاز أبو الحسن البحر فلما رآه الفتى صعق وخرّ مغشيا عليه فملأ أبو الحسن فياشة لم يكن فيها ماء من البحر ورش على الفتى ماء ورد وطيب فقلت مالك لا ترش علىّ فقال انك لست من هناك وكان رحمه‌الله يقول من لم تظهر كرامته بعد وفاته مثل ما كانت أيام حياته فليس بصادق وكان يقول دلائل الصدق لا تخفى فى الحياة ولا فى الممات قال يحيى بن الربيع رأيت أبى فى المنام وهو يقول لى ان أردت أن تتقرب الى الله تعالى فعليك بابى الحسن وجاءه شاب وقبل رأسه فقال له امض واستوهب من والدتك الدفعة التى دفعتها فهى أولى بك من هذا وكان ذات يوم يتكلم فى مجلسه اذ دخل عليه رجل متعبد من أهل الصعيد فلما وقعت عين الشيخ عليه قال ما هذا الادب السيىء قوم يشتهون ان ينظروا الينا فاذا رأونا طلبوا على ذلك برهانا فصعق الرجل وخرّ مغشيا عليه فقيل له ما القصة فقال كنت فى الصعيد كثيرا ما أقول وددت لو رأيت أبا الحسن لما بلغنى عنه فكنت أسأل شيخنا عنه فقال لى ذات ليلة أتحب أن ترى الشيخ أبا الحسن قلت نعم قال هو ذا قد جاءنا الليلة من مصر زائرا لنا فنظرت الى الشيخ بعينه وصفته ولم أكن رأيته قط وكان وقع فى نفسى أن الشيخ بمصر وجاء الى الصعيد فى ليلة واحدة وأمسكت عن هذا وسافرت الى مصر وسألت عنه فارشدت اليه فلما وقعت عينى عليه اذا هو الذى رأيته بالصعيد قال بعض أصحابه كنت يوما جالسا عنده فى الحلقة والناس قائمون اذ التفت الىّ رجل منهم فقال اذهب ويحك واغتسل واغسل ثوبك قال فخرج الرجل من الحلقة وفتش ثوبه فاذا فيه أثر احتلام وقال رضى الله عنه انى لاعرف رجلا وقف يوما على نهر فعرض فى نفسه شئ فقال لها ان كنت صادقة فقولى لهذا النهر قف فوقف ذلك النهر وقال بعض أصحابه كنت أراه يمشى فى أيام الشتاء على رؤس الجبال وهو يرشح عرقا وقال ممشاد الدينورى كان أبو الحسن يصعد الجبل ويجلس فى مواطن السباع وتدور به وكان لا يجسر أحد أن يصعد اليه وحكى أن رجلا طحانا كان لبعض الاكراد عنده ستة دنانير ثمن قمح فزار الطحان قبر الشيخ وخرج من عنده واذا بالكردى لقيه فطالبه وأغلظ عليه المقال فاستجار الرجل بقبر الشيخ فى المهلة عليه فأبى الكردى وأخذه ومضى فلم يتقدم أكثر من عشرين خطوة حتى همزت به الدابة فانخسف به قبر فوقع واندق عنقه ومات لوقته قال أبو حفص بن غزال بن عمر الحضرمى الامام العالم العلامة من أراد الحج الى بيت الله الحرام فليغتسل فى آخر أربعاء فى الشهر

٢٨٧

اى شهر كان بعد صلاة الفجر ويلبس ثوبا ويتطيب بطيب ان كان عنده ويأتى الى قبر الشيخ أبى الحسن ويصلى عنده أربع ركعات يقرأ فى الأولى بفاتحة الكتاب وآية الكرسى والثانية بفاتحة الكتاب وانا أنزلناه فى ليلة القدر وفى الثالثة بفاتحة الكتاب وألهاكم وفى الرابعة بفاتحة الكتاب وسورة الاخلاص ثم يسلم ويقول يا فرد لا يزدوج يا مالك الاشباح والمهج يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد يا مبدئ يا معيد يا فعال لما يريد أسألك بنور وجهك الذى ملأ أركان عرشك وبقدرتك التى قدرت بها على جميع خلقك وبرحمتك التى وسعت كل شئ يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى يا مغيث أغثنى ويشير باصبعه الى القبر ويكون ذلك قبل طلوع الشمس ثم يقول اللهم اجعل ثواب هذه الصلاة للشيخ أبى الحسن الدينورى صاحب هذا القبر قال الشيخ موفق الدين بن عثمان ثم تنزع ثيابك وتجعل فى وسطك سروالا وتتمرغ على القبر وتجعل رجليك خارجا عن القبر فانك تحج فى سنتك ان شاء الله واياك ان تجعله على وجه التجربة فانك لا تنتفع به وهذا أغرب ما رأيته فى تاريخ ابن عثمان والى جانبه قبر الشيخ الامام العابد الزاهد أبى بكر محمد بن داود الدينورى المعروف بالرقى ويقال الفتالى عاش مائة سنة ومات سنة خمسين وثلثمائة مولده سنة خمسين ومائتين صحب ابن الجلا والزقاق وأكابر القوم وكان يقول المعدة موضع جميع الاطعمة فاذا طرحت فيها الحلال صدرت الاعضاء بالاعمال الصالحة وان طرحت فيها الشبهة اشتبه عليك الطريق الى الله تعالى واذا طرحت فيها الحرام كان بينك وبين الله حجاب وأبو بكر هذا قيل انه استاذ أبى الحسن الدينورى قال صليت ليلة شاتية فقلت ليتنى ادرك من وافقنى فى هذه الليلة فسمعت من يقول لى وافقك غلام بدينور يقال له أبو الحسن دعاه الله اليه فاجابه قال فخرجت مساء حتى جئت لدينور فدخلت الصاغة فاذا غلام بين يدى أبيه ينفخ بالكير عليه وهو يتعلم الصنعة فاشترى أبوه لحما واعطاه اياه وقال اذهب به الى البيت قال فأخذه وانصرف فوجدت قلبى معه فرأى رجلا يورى نارا فوقف يبكى فقال ما بك يا غلام قال انى أرى هذه النار لا تضرم حتى تورى بالصغار وما أدرى ان أكون من صغار النار فقلت لله درك ما أخوفك من الله وقال صاحب المصباح خرج الطائى بدينور فمر على مسجد فسمع الاذان فدخل وأقام الصلاة واذا بولد صغير قد دخل وقال سمعنا داعى الله فاجبنا وكان معه لحم وأرز وسمن فجعل اللحم على باب المسجد ودخل وصلى قلت أما خاف هذا الولد من الكلاب فرأيت الكلاب والقطاط تحرسه وقال ابن ال؟؟؟ باس رأى كلبا قد جاء فوقف يحرسه فلما خرج وانصرف قلت

٢٨٨

له ما اسمك قال أبو الحسن فقلت مثلك من يصلح لعبادة الله تعالى وقال اذهب معى فذهبت الى أبويه فقلت لهما هباه لله تعالى قالا قد وهبناه له قال أبو الحسن لما فارقت أبوى وخرجت الى عبادة الله جئت الى دينور بعد سنين فى ليلة شاتية وكان والدى يقول لا يكون المريد مريدا حتى لا يكتب عليه صاحب الشمال عشرين سنة وقيل لابى الحسن ما علامة الصوفى قال أن يكون مشغولا بكل ما هو أولى به من غيره ويكون معصوما من المذمومات وقال أيضا علامة القرب الانقطاع من كل شئ سوى الله تعالى ومن انقطع الى الله تعالى لجأ اليه ومن انقطع الى المخلوقين لجأ اليهم وسئل رضى الله عنه عن سوء أدب الفقراء مع الله تعالى فى أحوالهم فقال انحطاط همومهم من حقيقة العلم الى ظاهره وقال كم من مسرور سروره بلاؤه وكم من مغموم غمه نجاته وقال رحمه‌الله الاخلاص أن يكون ظاهر الانسان وباطنه وسكونه وحركاته خالصا لله عزوجل وقال رحمه‌الله الفقير الذى عدم الاسباب من ظاهره وعدم طلبها من باطنه وقال رحمه‌الله خلق الله الخلق متحركين فى أسبابهم وأهل المعرفة أحياء بحياة معرفتهم ولا حياة حقيقة الا لاهل المعرفة لا غيرهم وقال رحمه‌الله كنت بالبادية فوافيت قبيلة من العرب فاضافنى رجل منهم فرأيت غلاما اسود مقيدا هناك ورأيت جمالا ميتة بفناء البيت فقال لى الغلام انت ضيف وانت كريم على مولاى فتشفع لى فانه لا يردك فلما أتانى صاحب البيت بالطعام قلت لا آكل لك طعاما حتى تحل وثاق هذا الغلام فقال انه قد أفقرنى وأتلف علىّ مالى قلت وما الذى فعل حتى أتلف عليك مالك قال ان له صوتا طيبا وكنت أعيش من ظهور هذه الجمال وكنت أرسله عليها وكان يحملها أحمالا ثقالا ويحدو عليها فأخذ مسيرة ثلاثة أيام فى يوم واحد فلما حط عنها احمالها وقعت ميتة كما ترى ولكنى قد وهبته لك وحل عنه القيد فلما أصبحت أحببت ان أسمع صوته فسألته ذلك فأمر بشد جمل بحبل ثم حدا فقطع الجمل الحبل وقام فلم اسمع قط أطيب منه فوقعت على وجهى فلم أفق حتى اشار اليه مولاه بالسكوت فسكت وانشد يقول

ان كنت تنكر أنّ للا

صوات فائدة ونفعا

فانظر الى الابل اللوا

تى هنّ أقوى منك طبعا

تصغى الى قول الحدا

ة فتقطع الفلوات قطعا

روى عنه انه قام ليلة الى الصباح يقوم ويقعد ويسقط على هذا البيت وهو هذا

يا رب فاردد فؤاد مكتئب

ليس له من حبيبه خلف

٢٨٩

والناس حوله يبكون ولم يعلموا ما به من شدة الشغف وبالتربة أيضا قبر الشيخ سيف الدين بن كهدان وأيضا قبر الشيخ سراج الدين عمر القرافى وهو صاحب القبر الخشب وبها قبر الفقيه العالم علم الدين سليمان بن عبد السميع القوصى المحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكره القرشى فى كتاب مهذب الطالبين وقال قبره فى التربة التى على باب أبى الحسن الدينورى وله ذرية صلحاء بمدينة قوص كان من الفقهاء الاجلاء الحفاظ وكان يقول كتمان المصيبة من الايمان تصديق ذلك حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من كنوز البر كتمان المصيبة وكان يتمثل بهذين البيتين

اصبر لكل مصيبة وتجلد

واعلم بأن المرء غير مخلد

أو ما ترى ان المصائب جمة

وترى المنية للعباد بمرصد

مات رحمه‌الله سنة ثمانين وثلثمائة ومعه فى القبر الشيخ أبو الحسن المعروف بصاحب الابريق كان من الصالحين وله حكاية عجيبة فى قصة الابريق والى جانبه قبر الفقيه المؤدب المعروف بالفقيه زحلق كان من أهل الخير والصلاح قال المؤلف حكى عنه الفقيه حسين المؤدب انه عمل صرافة لصغير عنده دخل عليه فيها اثنا عشر ألف درهم ومعه فى التربة قبر الفقيه الشريف جعفر وعلى باب الحوش قبر الغاسولى وقد أشار الشيخ موفق الدين ابن عثمان فى تاريخه الى ان على باب هذه التربة قبر الشيخ ابن القاسم بن خالد العتقى صاحب مالك بن أنس ومعه فى التربة قبر محمد بن اسماعيل العابد كان معه ابريق فعطش أهل القافلة وكان يعتزلهم فاتوه فجعل لا يأتيه أحد الا ويقول له اشرب من هذا الابريق فسقى منه خلقا كثيرا فلم يبق فى القافلة أحد لا كبير ولا صغير الا وشرب منه والابريق ملآن وأشار اليه القضاعى وقال هو فى مدافن محمود والاصح انه مع أشهب فى تربته ثم تخرج من هذه التربة الى بنان الحمال تجد على يمينك تربة بها قبر الحارث التجيبى ومن وراء حائط الدينورى قبران الى جانب بعضهما أحدهما للشيخ بيرم السواق والآخر يذكرون عنه انه لممشاد الدينورى وليس بصحيح لانه ليس يعرف له وفاة بمصر ثم تأتى الى تربة بنان بهذه التربة قبر الامام العابد الزاهد بنان بن محمد بن سعيد الواسطى المعروف بالحمال ذكره القضاعى فى تاريخه توفى سنة ست عشرة وثلثمائة هكذا قال صاحب المرارات المصريه وقبره مشهور الى الآن عده القضاعى من مدافن محمود وكان يدخل على الامراء يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر وله مع تكين أمير مصر مقامات قال ابن عثمان

٢٩٠

هو بنان بن محمد بن أحمد بن سعيد الواسطى الاصل سكن مصر وأقام بها ومات بها وليس فى قبره اختلاف وهو من كبار المشايخ فى الرسالة صحب الجنيد وغيره وكان استاذه أبو الحسين النورى سئل عن أحوال الصوفية فقال الثقة بالمضمون والقيام بالاوامر ومراعاة السر والتخلى عن الكونين بالمسبب وقال رؤية الاسباب على الدوام قاطعة عن مشاهدة المسبب وقال رحمه‌الله ليس بمحقق فى الحب من راقب أوقاته أو محقق فى كتمان حبه حتى يتهتك فيه ويفتضح ويخلع العذار ولا يبالى بما يرد عليه من محبوبه أو بسببه ويتلذذ بالشقاء فى الحب كما يتلذذ الاغنياء بأسباب النعم وقال رضى الله عنه كنت فى طريق مكة ومعى زاد فجاءتنى امرأة فقالت لى يا بنان أنت حمال تحمل على ظهرك وتظن أنه لا يرزقك فرميت زادى وأقمت أياما بمكة لم آكل شيئا فوجدت فى الطريق خلخالا فقلت فى نفسى أحمل هذا لعل صاحبه يجيىء فيعطينى شيئا فاذا أنا بتلك المرأة وهى تقول أنت ما تحمله حتى يعطيك صاحبه شيئا ثم قالت هو متاعى ثم انها رمت لى شيئا من الدراهم وقالت انفقها فاكتفيت بها الى مصر وروى أنه ألقى بين يدى السبع فكان السبع يشمه ولا يضره وذلك انه سعى فى عزل تكين الجبار فنم عليه فأحضره وكان قد اتخذ سبعا ان غضب على أحد ألقاه بين يديه فيفترسه فلما غضب على بنان ألقاه أمام السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره شيئا وبنان يجمع ثيابه فلما انصرف من مجلسه قيل له يا بنان رأيناك تجمع أثوابك فقال ذكرت بعض اختلاف العلماء فى لعاب السبع أطاهر أم نجس فلذلك جمعت أثوابى رحمة الله عليه وصحب بكار بن قتيبة وكان بكار يحبه والى جانب قبر بنان جماعة من أصحابه وروى عن يونس بن عبد الاعلى عن مالك بن أنس قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يزداد الامر الا شدة والدنيا الا ادبارا والناس الاشحا ولا مهدى الا عيسى بن مريم ولا تقوم الساعة الا على أشر الناس وجاء رجل الى بنان وشكا اليه وجعا فى جوفه فقال قم فخذ من تراب القبلة فاستف منه قليلا تهدأ ففعل فبرئ لوقته فجاء وقت آخر فقال يا سيدى دعوت لى فهدأت وعافانى مما ابتليت فادع الله لى فقال هذا تراب القبلة وحكى عنه أن رجلا دخل الى جامع ابن طولون فى يوم جمعة وكان فيه رجل يدعى التصوف فدخل بنان وفى يده عصا يحملها ويدور فى الجامع فقال فى نفسه الدوران فى الجامع بالعصا عبادة وزهد قال الصوفى ثم جئت الى الصف فوقفت فجاء بنان الى جانبى فقرأت ختمة ثم اذن المؤذنون ورقى الامام المنبر فاخذنى النعاس فرأيت قائلا يقول مالك والاعتراض على أولياء الله تعالى ان دوران بنان فى الجامع

٢٩١

أفضل من تصوفك وتعبدك قال فاستيقظت برعب ثم نزل الامام وصلى بنا الجمعة فلما فرغت من الصلاة أقبلت على الشيخ فلما رآنى مقبلا عليه قال يا أخى اكتم ما رأيت فصاح الصوفى وخرّ مغشيا عليه وكراماته مشهورة وعند باب تربته قبر الشيخ أبى الطاهر محمد بن محمد كاتب حبس بنان انتهت اليه رئاسة مصر وكان من العلماء الاخيار وعموده فى جدار الحوش ومعه فى التربة قبر ولده وعند باب الحوش قبر الثعالبى وعلى باب حوش بنان قبر ابى بكر الاقريطشى وقيل الغناطشى وتحت رجلى بنان قبر المرأة الصالحة سعدية التى جرى لها مع بنان الحكاية المقدّم ذكرها وبالحوش جماعة من الانصار وقبر أبى الحسن القرشى المعروف بابن ترس وقبره قريب من تربة ابن الناصح وعلى قبره عمود قصير وعلى سكة الطريق قبر الشيخ الامام أبى الحسن بن سعيد المعروف بالوراق ذكره ابن عثمان فى تاريخه كان رضى الله عنه عابدا زاهدا قال رضى الله عنه من عرف نفسه عدل عنها وآفة الناس قلة معرفتهم بانفسهم وقال أبو بكر محمد بن الحسين على (١) قال صاحب المصباح وعند حائط تربة الوراق قبر عبد الله السايح قيل انه القائل هذا الشعر

أرى العشاق تهوى اللي

ل هل فيه لهم سر

اذا ما الليل قد أظلم

ولاحت أنجم زهر

خلا العاشق والمعشو

ق لا زيد ولا عمرو

ينادوه على مهل

رويدا يحصل الاجر

فلا فخر مع الدينا

أرى هذا هو الفخر

وله حكاية جرت له فى السياحة رحمة الله عليه وقال حياة القلوب فى ذكر الحى القيوم الذى لا يموت والعيش الهنى مع الله تعالى لا غير وقال الانس بالخلق وحشة والطمانينة اليهم حمق والسكون اليهم عجز والاعتماد عليهم وهن والثقة بهم ضياع واذا أراد الله بعبد خيرا جعل انسه به وبذكره وبتوكله عليه وصان سره عن النظر اليهم وظاهره عن الاعتماد عليهم وقال رحمه‌الله من غض بصره عن محرم اورثه الله حكمة من لسانه ينتهى بها ومن غض بصره عن شبهة نور الله قلبه بنور يهتدى به الى الطريق وقال رحمه‌الله من اسكن نفسه محبة أهل الدنيا فقد قادها الى أظلم الطرق أو محبة شئ من الدنيا فقد أظلم قلبه ومقابله على سكة الطريق قبر أبى على الحسين بن أحمد المعروف بالكاتب أحد مشايخ الرسالة قال ابن عثمان كان أبو على من السالكين وكان الجنيد يعظمه مات سنة نيف وأربعين وثلثمائة من كلامه رضى الله عنه يقول المعتزلة نزهوا الله من حيث العقول فعطلوا

__________________

(١) كذا بالاصل

٢٩٢

والصوفية نزهوه من حيث العلم فأصابوا وقال رضى الله عنه الرجل اذا سمع الحكمة فلم يقبلها فهو مذنب واذا سمعها ولم يعمل بها فهو منافق وقال رضى الله عنه اذا انقطع العبد الى الله تعالى بالكلية فأول ما يفيده الاستغناء به عما سواه وكان يقول من صبر علينا وصل الينا وقال اذا سكن الخوف فى القلب لم ينطق اللسان الا بما يعنيه وقال رحمه‌الله ان الله يرزق العبد حلاوة ذكره فان فرح به وشكره آنسه بقربه وان قصر فى الشكر أجرى الذكر على لسانه وسلب حلاوته وكان الوراق والكاتب فى زمن واحد وقيل عنهما حكاية مشهورة مستفاضة من مشايخ الزيارة فى فعلهم الخير لان الرجل كان يأتى اليهم يطلب ورقة يكتبها فيعطى له أبو الحسن الورقة ولا يأخذ لها ثمنا ويعطيها لابى على فيكتبها له ولا يأخذ منه شيئا فأقاما على ذلك مدة عمرهما فجاء ذات يوم الى الوراق رجل يأخذ منه على العادة ورقة فلم يجده فى حانوته فراح الى الكاتب فاعطاه ورقة وكتبها له فلما أن جاء الشيخ اغتاظ من الكاتب وقال كنت صبرت الى أن جئت فانت ما تريد الاجر الا لك وحدك فماتا متغاضبين على ذلك قال بعض العارفين رأيت الشيخ أبا الحسن الدينورى فى النوم راكبا على نجيب من نور فقلت له أين كنت يا استاذ قال كنت بين يدى الله رب العزة أصلحت ما بين الكاتب والوراق على موائد الرحمة رحمة الله عليهم أجمعين (حكاية) أم محمد القابلة وهى أم محمد ابنة الحسين بن عبد الله القابلة كانت من الزاهدات العابدات قال ابن سعد فى كتابه كان بمصر امرأة يقال لها أم محمد لا تأتى الا الى فقيرة أو مسكينة عند وضعها فبينما هى فى بعض الايام اذ جاءتها امرأة فقالت هل لك أن تأتى هذه المرأة فقامت معها فادخلتها بيتا شعثا فرأت امرأة جميلة جاءها المخاض فقالت ما هذه منك قالت ابنتى ان بعلها خرج الى الغزاة فى أول حملها فقال قوم انه قتل وقال قوم انه حى وقد صرنا الى ما ترى فنزعت ما كان عليها وجعلته على المرأة ثم توجعت فوضعت المرأة غلاما فنزعت قناعها وقطعته نصفين فلفته فى النصف وقمطته بالنصف الآخر ثم انها قامت لها بما يصلح للنساء وأقامت تأتيها شهرا فلما كان بعد الشهر جاءت اليها المرأة وقالت لها ما بك قالت قومى معى لتقر عينك فقامت معها فأتت بها المنزل فرأت به خيرا كثيرا ورجلا جالسا فقالت لها هذا بعل ابنتى قدم بهذا المال الكثير قال فلما ابصرها قام اليها وقبل يدها ورأسها واعطاها صرة فيها مائة دينار فجعلت ترتعد وألقتها من يدها وقالت والله لا آخذها ولا أبيع أجرى بها ثم رمتها اليهما وخرجت ومعها فى القبر والدتها رزدانة قابلة الشيخ أبى الحسن الدينورى لما نزل سبح الله تعالى على يديها فظنت انه نبى فقالت لامه رزقت نبيا

٢٩٣

قالت انما هو ولى سبح على يديك الله فعجبت من ذلك ورزدانة هذه من دينور أيضا لأن مولد الشيخ بدينور باجماع علماء التاريخ ومجاور قبرهما قبر خادمهما يحيى بن الموله وقبره داثر ومجاوره قبر الحلاوى والغفارى حكى صاحب المصباح فى تاريخه انه رأى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم عند قبريهما يزورهما ورأى هذه الرؤيا شمس الدين المقرى المتقن المحتسب المعروف بابن أبى رقيبة وكانت هذه الرؤيا فى شهر رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ومقابله على سكة الطريق قبر أم أحمد القابلة كانت من فاعلات الخير قيل انها كانت تقبل لله ولا تأخذ على ذلك أجرة وقيل انها كانت تتكفل بجميع ما تحتاجه النفساء الى مدة انقضاء النفاس لله تعالى وكانت اقامتها بالجبل المقطم حكى عنها ولدها قال دعتنى ذات ليلة والدتى وكانت تلك الليلة شانية باردة ماطرة مظلمة فقالت لى اضئ المصباح فقلت لها ما عندنا زيت فقالت اسكب الماء فيه وسم واضئ الفتيلة قال ففعلت ذلك فاضاء المصباح فقلت لها يا أماه الماء يقد قالت لا ولكن من أطاع الله اطاعه كل شئ وبالحومة قبر الشيخ ابراهيم العسقلانى والى جانبه قبر عبد الواحد الحلاوى وهما بالقرب من أبى على الكاتب ثم تمشى فى الطريق المسلوك وانت مستقبل القبلة الى أن تأتى الى تربة عبد الصمد البغدادى بها جماعة من العلماء بهذه التربة قبر الفقيه الامام العالم الزاهد أبى بكر محمد المعروف بابن العربى السبتى المالكى قيل انه من السبعة الابدال وهو شيخ الشيخ عبد الصمد البغدادى حكى عنه القرشى فى تاريخه انه مرّ على امرأة مقعدة فقالت له عسى شئ لله فقال لها ما معى شئ من الدنيا ولكن هاتى يدك فناولته يدها فقال قومى باذن الله فقامت معه ومشت باذن الله تعالى قال ابن الجباس من أعجب ما رأيته فى تاريخ ابن عثمان يذكر عن صاحب هذا القبر أنه من جعله خلف ظهره وسلم على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم رد عليه‌السلام (وقوله جعله خلف ظهره) هذا شرط فى زيارة هذا القبر أى يستقبل الجبل ويسلم ونحن نزوره الآن على هذا الشرط وكان هذا الامام أبو بكر فقيها عالما ورعا كثير التواضع والحياء قيل انه كان اذا دخل الحمام غمض عينيه فلا يفتحهما حتى يخرج منه وكان يقول المؤمن لا تمسه النار واذا مسته لم تحرقه ولو لم أخش الشهرة أدخلت يدى فى النار وأخرجتها مائة مرّة فلا تحترق وقبره الى جانب عبد الصمد من جهة القبلة يفرق بينهما الحائط القبلى وبالتربة قبر الفقيه الامام العالم الناسك الورع الزاهد أبى يحيى عبد الرحمن محمد بن أحمد بن اسحاق بن ابراهيم البغدادى المعروف بصاحب الحنفا ذكره القضاعى فى تاريخه قال ابن عثمان توفى سنة خمس

٢٩٤

وثلاثين وثلثمائة قال صاحب المصباح وقبل الدخول الى صاحب الحنفا تجد قبر أبى نصر البغدادى الخطيب والى جانبه قبر محمد بن الحسين البغدادى وصاحب الحنفا هذا دخل الى مصر بسبعين ألف دينار فتصدّق بها كلها لله وقال القرشى هو محمد بن أحمد بن الحسين بن ابراهيم البغدادى ووافق عليه ابن عثمان وهو الاصح وهو المشهور بصاحب الحنفا وكانت الحنفا امرأة صالحة مجابة الدعوة وقيل انها صاحبة الحكاية المقدّم ذكرها مع أبى بكر بن محمد المالكى وكان أبو يحيى هذا قد حج فعطش الناس ولم يجدوا ماء فى الطريق فأجمعوا رأيهم على رجل فى الركب معهم يستسقى لهم فأتوه وقالوا أنت أكثر منا علما وعملا وورعا فاستسق لنا فخزن وقال فى نفسه ما أنا بهذه المكانة واذا بامرأة تقول له استسق لهم وعلىّ الضمان بأن يسقوا فبسط يده ودعا فجاءت السماء بالمطر فكانت تصيب الآنية ولا تصيب الرجال فملؤا أسقيتهم قال ابن عطايا قبح الله من نسب محمد بن أحمد الى صحبة امرأة وهو جليل فى العلماء وفى هذه التربة والده الامام احمد أبو الحسن البغدادى كان من أكابر العلماء والصلحاء من الورعين الزهاد رحمة الله عليه وبالتربة قبر عبد الله المعروف بالكومى وقبره على يسارك وأنت داخل من الباب البحرى وعلى اليمين قبر المرأة الصالحة المعروفة بالحنفا صاحبة الحكايتين المتقدم ذكرهما واسمها أم الحسن وقيل أم الخير حكى عنها صاحب المصباح انها كانت من العابدات وكانت تتعبد بالجبل المقطم وتصلى بالليل والحرس حولها وبالتربة قبر فاطمة خادمة ممشاد الدينورى وبالتربة جماعة من العراقيين حكى ابن الجباس فى تاريخه انه قال أخبرنى جماعة عن والدى الشيخ على انه كان يأتى الى هذه التربة فيدخل فيزور صاحب الحنفا فرآهم فى المنام فقالوا له يا شيخ على تدخل تزور صاحب الحنفا ولا تزورنا سوف تعلم غدا يوم القيامة من المقدّم فينا فقال لهم من أنتم قالوا نحن العراقيون وقبورهم عند الباب الغربى الى جانب القبلة ويجاورهم تربة الشيخ صبيح

ذكر الحوش المعروف بالشيخ صبيح به جماعة من العلماء منهم الشيخ العالم مسعود النوبى شيخ الشيخ صبيح كان من كبار الصلحاء وله كرامات مشهورة وأخبار مأثورة ومعه فى التربة الشيخ أبو بكر ابن الشيخ صبيح وجماعة من ذريته والى جانبهم حوش الشيخ عبد الجبار هو الفقيه الجليل القدر العابد الزاهد عبد الجبار المعروف بابن الفراش من أكابر القوم كان ابن طغج يأتى الى زيارته ماشيا وجوسقه قريب من قبره وكان صائم الدهر ويشم عند قبره رائحة طيبة حكى عنه انه بعث يشفع فى رجل

٢٩٥

عند صاحب الشرطة فأبى أن يقبل شفاعته فبعث يقول له أنت تقتل الليلة نصف الليل فلما بلغ ذلك صاحب الشرطة قال والله لئن لم يتم ذلك لاهدمن عليه منزله هذا فلما كان نصف الليلة حضر من بغداد جماعة أمروا بقتله وكانوا قد وصلوا فى تلك الساعة فقتلوه كما أشار الشيخ نصف الليل فتبين للناس مقام الشيخ وصاروا لا يخالفونه فيما يأمرهم به ومن ظاهر تربته قبر الشيخ الامام أبى بكر الاصطبلى من أكابر الصالحين كانت له دعوة مجابة ويرى على قبره نور كثير ووطئت على تربته امرأة حائض فسمعت من يقول لها من خلف القبر كيف تطئن قبر رجل صالح مادنس بمعصية فسكتت ثم تابت ولم تزل تعبد الله حتى ماتت وقبره القبر الكبير المسطوح فيما بين ابن الفارض وعبد الجبار وفى طبقته عبد الله المفتى الشافعى لا يعرف له قبر ومعهم فى الحومة قبر الفقيه أبى بكر محمد جد مسلم القارئ الذى بنى العارض المعروف بجبل القائم وكان قد رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هناك ويقال انها مغارة ابن الفارض قيل ان عمرو بن العاص كان يجلس هناك فاتخذ أبو بكر هذا المكان مسجدا وأنفق عليه مالا حتى قيل انه وجد فيه كنزا فلما مات لم يجدوا عنده غير ختمة وكان من العلماء والفقهاء المتزهدين قيل انه لم بين غير هذا المسجد فقيل هذه طريقة الرجال يرى فى موضعين فى موضع العارض وموضع اللؤلؤة ومعهم فى الحومة الفقيه يحيى بن عثمان يروى عن أحمد بن عبد الكريم ذكره الكندى فى فضائل مصر وهو القبر الذى بسفح الجبل المقطم قال المؤلف ويحيى ابن عثمان هذا هو أحد مشايخ الكندى وقبره معروف الى وقتنا هذا غربى ابن الفارض الذى يفرق بينهما الحائط وهو قبر حوض حجر داثر وعنده حوش قصير فيه مجدول كدان فى أصل البناء مكتوب فيه اسمه وقد كشط هذا الاسم وخلف هذا الحوش حوش آخر للصالحين وهذا الحوش يلاصق قبر أبى بكر جدّ مسلم القارئ ويحيى بن عثمان هذا ذكره الهروى فى كتاب المزارات وهو معدود من التابعين وهذا مما نتعاهده الى سنة اثنتى عشرة وسبعمائة والى جانبه دفن ابن الفارض وهو علم على معرفة قبره قال ابن الكندى حدّثنى يحيى بن عثمان عن أحمد بن عبد الكريم قال طفنا الدنيا ورأينا قبور كبار الانبياء والملوك والحكماء ورأيت بناء كسرى ورأيت آثار سليمان بن داود وما بنت له الجان فلم أر مثل أهل مصر ولا الابنية التى لملوكها ومكانتها وعدها ثمانين كوة الا واحدة فيها طرائف وعجائب وقال رأيت مكتوبا على قبر

اعمل لنفسك قبل الموت وارض بما

يأتيك وانظر الى قبرى لتعرفنى

٢٩٦

لقد ملكت من الاموال أهبة ما

يزيد فوق ألوف فهى ذى فتنى

ثم ذكر الشعر بطوله وبحومة ابن الفارض جماعة من الاولياء وقد ذكرنا الجهة القبلية من قبره

المقبرة المعروفة بمشايخ الحنفية وأما الجهة البحرية منه الملاصقة للجبل فهى المقبرة المعروفة بمشايخ الحنفية بها جماعة من العلماء منها قبر مكتوب عليه الفقيه الامام العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد الحنفى أحد أئمة الحنفية وقبره ملاصق لسفح المقطم وبهذه المقبرة قبر مكتوب عليه

اذا فات ما كنت أملته

جزعت وماذا يفيد الجزع

ففوضت لله كل الامور

فليس يكون سوى ما يقع

ولا يخدعنك صرف الزمان

فان الزمان كثير الخدع

وعنده جماعة من ذريته منهم الفقيه الامام العالم محمد بن عبد الرحمن الحنفى ومعه فى التربة الوزير أبو القاسم الحنفى وسعد بن أوطان الحنفى وأبو القاسم بن أوطان الحنفى وعند باب المقبرة عمود مكتوب عليه سعد بن معاذ الاوسى ومن بحرى هذه المقبرة قبور الفقهاء أولاد ابن الرفعة ومن بحريهم وأنت قاصد الى اليسع قبر الشيخ صبيح الازهرى وبمقبرة الحنفية قبر أولاد داود الطائى ويقول بعض مشايخ الزيارة ان بالمقبرة داود الطائى وليس بصحيح وعلى يسارك وأنت قاصد الى ابن الفارض قبر صاحب الشمعة كانوا يرون على قبره فى الليالى المظلمة شمعة تضيء فسمى بصاحب الشمعة ومقابله على سكة الطريق قبر الشيخ الامام العالم مجد الدين أبى بكر الزنكلونى له الكتب والمصنفات كشرح التنبيه وغيره والى جانبه قبر ولده محب الدين ويلاصق تربة الحنفية تربة صاحب الرواق المعروف بالقاهرة بخط الباطلية الذى تقيم به الفقراء الى وقتنا هذا ثم تأتى الى قبر الشيخ شرف الدين بن الفارض والبقعة مباركة بها جماعة من العلماء والاولياء فمنهم الشيخ الامام قدوة العارفين وسلطان المحبين الشيخ شرف الدين عمر بن الفارض تلميذ الشيخ أبى الحسن على البقال صاحب الفتح الالهى والعلم الوهبى نشأ فى العبادة من حال صغره كان مهيبا قال الشيخ نور الدين ابن الشيخ كمال الدين سبط الشيخ شرف الدين كان سخيا معتدل القامة له وجه جميل حسن مشرب بحمرة ظاهرة واذا استمع وتواجد وغلب عليه الحال يزداد وجهه جمالا ونورا ويتحدر العرق من سائر وجهه حتى يسيل من تحت قدميه على الارض ولم أر مثل حسن شكله وأنا أشبه الناس به فى الصورة وكان عليه نور وخفر وكان اذا حضر فى مجلس يظهر على ذلك المجلس سكون وسكينة ورأيت جماعة من المشايخ والفقراء وأكابر الدولة وسائر الناس يحضرون مجلسه

٢٩٧

وهم فى غاية ما يكون من الادب معه والاتضاع له واذا مشى فى المدينة يزدحم الناس عليه ويلتمسون منه البركة والدعاء ويقصدون تقبيل يده فلا يمكن أحدا من ذلك بل يصافحهم وكانت ثيابه حسنة ورائحته طيبة وكان ينفق على من يرد عليه نفقة متسعة ويعطى من يده عطاء جزيلا ولم يكن يتسبب فى تحصيل شئ من الدنيا ولا يقبل من أحد شيئا وبعث إليه السلطان الملك الكامل ألف دينار فردها اليه وسأله أن يجهز له ضريحا عند قبر أمه فى قبة الامام الشافعى فلم يأذن له بذلك ثم استأذنه أن يجهز له مكانا يكون مزارا يعرف به فلم يمكن له فى ذلك قال رضى الله عنه سمعت الشيخ يقول كنت فى أول تجريدى استأذن والدى واطلع الى وادى المستضعفين بالجبل الثانى وآوى فيه وأقيم فى هذه السياحة مدة ليال والها ثم أعود الى والدى لاجل بركته ومراعاة قلبه وكان والدى يومئذ خليفة الحكم العزيز بالقاهرة ومصر وكان من أكابر أهل العلم والعمل فيجد سرورا برجوعى اليه ويلزمنى بالجلوس فى مجالس الحكم ثم اشتاق الى التجريد فاستأذنه وأعود الى السياحة وما برحت أفعل ذلك مدّة الى أن سئل والدى ان يكون قاضى القضاة فامتنع ونزل عن الحكم واعتزل الناس وانقطع الى الله تعالى فى الجامع الازهر الى أن توفى فعدت الى التجريد والسياحة وسلوك طريقة الحقيقة فلم يفتح علىّ بشئ فحضرت من السياحة يوما الى المدرسة السيوفية فوجدت شيخا بقالا على باب المدرسة يتوضأ وضوأ غير مرتب يغسل يديه ثم يغسل رجليه ثم يمسح برأسه ثم يغسل وجهه فقلت له يا شيخ أنت فى هذا السن فى دار الاسلام على باب المدرسة بين الفقهاء وأنت تتوضأ وضوأ خارجا عن ترتيب الشرع فنظر الىّ وقال يا عمر أنت ما يفتح عليك بمصر وانما يفتح عليك بمكة شرفها الله تعالى فاقصدها فقد آن لك وقت الفتح فعلمت أن الرجل من أولياء الله تعالى وانه تستر بالمعيشة واظهار الجهل فجلست بين يديه وقلت يا سيدى وأين أنا وأين مكة ولا أجد ركبا ولا رفيقا فى غير أشهر الحج فنظر الىّ وأشار بيده وقال هذه مكة أمامك فنظرت مكة شرفها الله تعالى فتركته وطلبتها فلم تبرح أمامى حتى دخلتها فى ذلك الوقت وجاءنى الفتح حين دخلتها قلت ولهذا الفتح أشار رضى الله عنه فى قصيدته الدالية بقوله

يا سميرى روح بمكة روحى

شاديا ان رغبت فى اسعادى

كان فيها أنسى ومعراج قدسى

ومقام المقام والفتح بادى

قال رضى الله عنه أقمت بواد كان بينه وبين مكة عشرة أيام للراكب المجد وكنت آتى منه كل يوم وليلة أصلى فى الحرم الشريف الصلوات الخمس ومعى سبع عظيم الخلقة

٢٩٨

يصحبنى ويقول لى يا سيدى اركب فما ركبته قط وتحدث بعض مشايخ المجاورين بالحرم الشريف فى تجهيز مركوب يكون عندى فى البرية فظهر لهم السبع عند باب الحرم فرأوه وسمعوه يقول يا سيدى اركب فاستغفروا الله وكشفوا رؤسهم ثم بعد خمس عشرة سنة سمعت الشيخ البقال ينادى يا عمر تعال الى القاهرة احضر وفاتى فأتيته مسرعا فوجدته قد احتضر فسلمت عليه فناولنى دنانير ذهب وقال جهزنى بهذه وافعل كذا وكذا واعط حملة نعشى الى القرافة كل واحد دينارا واتركنى على الارض فى هذه البقعة وأشار بيده اليها وهى بالقرافة تحت المسجد المعروف بالعارض بالقرب من مراكع موسى وقال انظر قدوم رجل يهبط اليك من الجبل فصل أنت واياه علىّ وانتظر ما يفعل الله فى أمرى قال فتوفى الى رحمة الله تعالى فجهزته كما أشار وطرحته فى البقعة المباركة كما أمرنى فهبط الىّ رجل من الجبل كما يهبط الريح المسرع فلما رأيته يمشى على الارض عرفته بشخصه وكنت أراه يصفع قفاه فى الاسواق فقال يا عمر تقدّم فصل بنا على الشيخ فصليت اماما ورأيت طيورا بيضا وخضرا بين السماء والارض يصلون معنا ورأيت منها طائرا أخضر عظيم الخلقة قد هبط عند رجليه وابتلعه وارتفع اليهم وطاروا جميعا ولهم ضجيج بالتسبيح الى أن غابوا عنا فقال يا عمر أما سمعت ان أرواح الشهداء فى جوف طيور خضر تسرح فى الجنة حيث شاءت هم شهداء السيوف وأما شهداء المحبة فكل أجسادهم وأرواحهم فى جوف طيور خضر وهذا الرجل منهم يا عمر وأنا كنت منهم وانما وقعت منى هفوة فطردت عنهم وأنا أصفع قفاى فى الاسواق ندما وتأديبا على تلك الهفوة قال ثم ارتفع الرجل الى الجبل الى أن غاب عن عينى قال لى والدى انما حكيت لك هذه الحكاية لارغبك فى سلوك القوم فلا تذكرها لاحد فى حياتى قلت وفى هذه البقعة المباركة دفن الشيخ حسب الوصية وقال بعض الفضلاء

لم يبق صيب مزنة الا وقد

وجبت عليه زيارة ابن الفارض

لا غرو ان يسقى ثراه وقبره

باق ليوم العرض تحت العارض

وقال رأيت الشيخ نائما مستلقيا على ظهره وهو يقول صدقت يا رسول الله صدقت يا رسول الله رافعا صوته مشيرا باصبعه اليمين واليسار واستيقظ من نومه وهو يقول ذلك ويشير باصبعه كما كان يفعل فأخبرته بما رأيت وسمعته منه وسألته عن سبب ذلك فقال يا ولدى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى المنام وهو يقول لى يا عمر لمن تنسب فقلت يا رسول الله الى بنى سعد قبيلة حليمة فقال بل أنت نسبك متصل بى فقلت يا رسول الله

٢٩٩

انى أحفظ نسبى عن أبى وجدّى الى بنى سعد فقال لا مادّا بها صوته بل أنت منى ونسبك متصل بى فقلت صدقت يا رسول الله مكررا ذلك مشيرا باصبعى كما رأيت قلت وهذه النسبة الشريفة اما أن تكون نسبة الاهلية أو نسبة المحبة والتبعية التى هى عند أهل المحبة أشرف من نسبة الابوة وهى النسبة التى جعلت بلالا الحبشى وسلمان الفارسى وصهيبا الرومى من أهل البيت ثم حج بعد ذلك وامتدح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بقصيدة وأنشدها عند الروضة الشريفة مكشوف الرأس وبكى بكاء عظيما والناس يبكون معه وحكى رضى الله عنه قال كان الشيخ ماشيا بالقاهرة فمرّ على جماعة من الحرسية يضربون بالناقوس ويغنون بهذين البيتين دو بيت

مولاى سهرنا نبتغى منك وصال

مولاى فلم تسمح فبتنا بخيال

مولاى فلم يطرق فلا شك بأن

ما نحن اذا عندك مولاى ببال

فلما سمع الشيخ صرخ صرخة عظيمة ورقص فى وسط السوق ورقص معه اناس كثير وتواجد الناس الى أن سقط أكثرهم على الارض وخلع الشيخ كل ما كان عليه ورمى به اليهم وخلع الناس ثيابهم وحمل الى الجامع الازهر وهو عريان مكشوف الرأس وأقام فى هذه السكرة أياما فجاء الحراس ومعهم الثياب يقدّمونها بين يديه فلم يأخذها وبذل لهم الناس مالا كثيرا فمنهم من باع ومنهم من امتنع وتوفى الشيخ شرف الدين بن الفارض رضى الله عنه بالقاهرة المحروسة بالجامع الازهر بقاعة الخطابة وذلك فى جمادى الاولى سنة اثنتين وثلاثين وستمائة ودفن بالقرافة بسفح المقطم عند مجرى السيل تحت المسجد المبارك المعروف بالعارض قال رضى الله عنه سمعت الشيخ زكىّ الدين عبد العظيم المنذرى وقد سئل عن تاريخ مولد الشيخ فقال بالقاهرة المحروسة فى الرابع من ذى القعدة سنة سبع وسبعين وخمسمائة وكذلك سمعت عن القاضى شمس الدين بن خلكان لما سئل عن مولده رضى الله عنه وهذا طرف من بعض مناقبه رضى الله عنه وبالمعبد المبارك المعروف بمراكع موسى قبر الطواشى صندل خادم الحجرة النبوية وبالحومة التربة المعروفة ببنى الحباب بها القاضى فخر الدين وذريته وهى ذات البابين المقابلة لابن لهيعة وقد سلف ذكرهم ومقابلها على جانب الطريق المسلوك حوش صغير به قبر الشيخ عبد الله السائح والى جانبه من القبلة قبر القاضى عبد الله بن لهيعة وقد سلف ذكره مع القضاة ومن أعجب ما رأيته فى تاريخ القضاعى انه يشير الى هذا القبر بأنه قبر عبد الله بن وهب ولم يذكر هذا غيره وابن وهب بالنقعة على الاصح وأما ابن لهيعة فهو بهذا المكان على الاصح بنقلنا

٣٠٠