الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]

الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

المؤلف:

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]


المحقق: أحمد بك تيمور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

قبر الشيخ الامام العالم عبد الله بن برى النحوى ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وهو وحيد دهره كان فقيها إماما صالحا وكان له ثوب له كمان أحدهما ضيق والآخر واسع وكان يشترى حاجته ويحطها فى الكم الواسع واشترى يوما خبزا وعنبا وحطبا فجعل الجميع فى كمه فثقل الحطب على العنب فانعصر ونزل ماؤه من كمه فقال لبعض الطلبة هل أمطرت المطرة فقال يا سيدى السحابة فى كم الشيخ وقال له أهل بيته يوما انا ذاهبون الى الحمام فقال عجلوا فانى آتيكم بحوائج طعام تطبخونه فلما مضى الى السوق ومضى أهله الى الحمام اشترى بيضا وارزا ولحما وحطبا ثم أتى الى المنزل فوجده مغلقا فرمى جميع ما كان معه من الطاق ثم ذهب الى الجامع وجاء وقت المساء فقال لاهله هاتوا اغرفوا لنا من الطعام فقالوا وأى طعام انما وجدنا حطبا وقشر بيض فقال واللحم فقالت زوجته أكله القطط فقال لا اله الا الله ما ظننت أن القطط تأكل حراما وما علمت ان أحدا يأكل حراما الا اليوم وجاء اليه رجل فأعطاه صرة فيها ثلاثون دينارا فظنها فلوسا فمرّ على رجل فقير يقول من يساعدنى بدرهمين فعدّله الثلاثين فقال الفقير أنا ما أريد الا درهمين عددا فجاء الى رجل وقال له اقرضنى درهمين فاقرضه فأخذهما وأتى بهما الى السائل فدفعهما اليه فقال السائل هذا خير من الذى أعطيتنى أولا فقال للسائل قم بنا نردّها الى صاحبها فقام معه وأتيا الى صاحب الدنانير فقال له الشيخ هذه الفلوس ما يتعامل بها أحد فقال يا سيدى هذه ما هى فلوس هذا ذهب وهو من زكاة مالى فخذه فقال لا والله هذا أحق وأشار الى السائل فقال السائل وأنا لا آخذها فانى ما كنت محتاجا الا الى درهمين فقال الشيخ وأنا لا آخذها وقال صاحبها وأنا لا تعود الىّ فطرحوها ملقاة حتى مر الناس فتصدّقوا بها وكان له جارية تصنع الطعام فصنعت له يوما ارزا بعسل ثم قالت له يا سيدى حرك القدر حتى آتى فجعل يحركها فذاق منها فقال فى نفسه انها تحتاج الى ملح ثم طرح فى الارز ملحا فجاءت الجارية فوجدته قد استوى فنزلت القدر وغرفت فلم تشعر الا وأمير مصر قد جاء الى الشيخ يسلم عليه فلما دخل الدار وجلس قدم له الشيخ من الارز فلما أكل منه استملحه فقال له يا سيدى أنتم ما غسلتم الارز قبل أن تضعوه فى العسل قال نعم يا سيدى قال فيه بعض ملح فقال أنا وضعت فيه الملح وهل يطبخ طعام بغير ملح فتبسم الامير وعجب من أمره وركب يوما فى البحر مركبا فرأى البحر ساكتا فظن انه وصل الى البر فنزل من المركب ومشى على الماء فصاح صاحب السفينة يا سيدى ما وصلنا الى البر فرجع فأخذ صاحب السفينة بيده وقال له يا سيدى كيف مشيت على الماء فقال

٢٢١

انما مشيت على الارض وأنت خيل لك ذلك فلما وصل الى البرّ ونزل ومضى الى حال سبيله مضى صاحب السفينة الى بعض الامراء وأخبره بذلك فأخبر الامير السلطان بذلك فأراد النزول اليه فشاع الخبر أنه قد توفى رضى الله عنه فنزل وصلى عليه قال ولما صلى عليه سمع بعض من حضر جنازته قائلا يقول رحمك الله يا ابن برى ما شغلتك الدنيا عنا ولا غرك ما فيها وقال بعض العلماء رأيت ابن برى بعد موته فقلت له ما كان منك فقال لما جعلتمونى فى القبر وانصرفتم عنى أتانى اثنان فقال أحدهما من ربك فقلت وهل غير الله رب فقال الآخر ومن نبيك فقلت محمد رسول الله ثم قرأت لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا واليك المصير وكما سألتمانى فأنا أسألكما فقلت من ربكما فقالا نم فقد عرفت الله وقال أبو سعيد ما رأيت أنصح من ابن برى ولا أزهد ما كانت الدنيا تساوى عنده جناح بعوضة ولولا ما أعطى من العلم ما عدّه القرشى من العلماء وقال له بعضهم يا سيدى لم لا تعرف ما يعرفه الناس فقال انى لما كنت صغيرا كنت أخرج من البيت الى المكتب ومن المكتب الى البيت لا أعرف غير ذلك الى أن بلغت الحلم فلما بلغت الحلم قرأت العلم فكنت آتى من البيت لحلقة الدرس ومن حلقة الدرس الى البيت الى الآن لا أعرف غير ذلك ولم أزل منقطعا عن الناس كما ترونى لا أخالط أحدا الا فى الطاعة وكان يقول مسكين من يلقى الله بالذنوب ما أشدّ خجله ولو مع العفو وفى طبقته الفقيه الامام العالم أبو العباس أحمد بن أبى الطاهر اسماعيل ابن الشيخ على بن غنايم الانصارى الدمشقى الاصل عرف بابن النحاس المصرى المولد الحنبلى المذهب مات بالقاهرة سنة ثلاث وأربعين وستمائة وكان مولده سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة كان فقيها عالما سمع الحديث من أم عبد الكريم فاطمة ابنة سعيد الخير الانصارى وهو ابن أخى أبى سعيد كان من الفقهاء الزهاد وقال القرشى قبره على الطريق المسلوك الى جهة السنهورى تحت الدار العالية قال المؤلف والدار العالية قريب من ابن دغش الانصارى وفى طبقته الفقيه الامام العالم زين الدين النحوى كان بحاثا فى العربية اشتغل عليه جماعة وانتفعوا به ولا يعرف له الان قبر وفى طبقته الامام الفقيه العالم محب الصالحين ابراهيم بن اسحاق كان من أهل الخير والصلاح قال أبو الحجاج المدرس بمدرسة المالكية كان يطوف على زوايا المشايخ وأماكن الفقراء وحكى انه وجد فقيرا فى مسجد نائما وهو متوسد لبنة فجلس عند رجليه حتى استيقظ فقال له ادع الله لى فقال حماك الله من النار فلما كان الليل سمع قائلا يقول ان الله قد استجاب دعوة ذلك

٢٢٢

الفقير لك فكان بعد ذلك لا يجد فقيرا الا قبل يده وسأله الدعاء ذكره القرشى قلت وهو لا يعرف له قبر الآن وفى قبليه التربة المعروفة الآن بالزير والى جانبها من الحائط الغربى قبر أبى الربيع سليمان الزعفرانى وقال بعض مشايخ الزيارة والى جانبه الشيخ أبو الربيع السبتى وهما القبران اللذان على صف واحد مع الحائط وحولهم جماعة من الانصاريين أسماؤهم مكتوبة على أعمدتهم ووفاتهم ويلى التربة من الجهة الغربية قبر الشيخ أبى القاسم الحجار ومن الجهة القبلية قبر الشيخ الصالح أبى الربيع سليمان المغربل وحوله جماعة من الانصاريين ثم تمشى خطوات يسيرة مشرقا الى تربة التميميين فتجد قبل وصولك اليها عمودا مكتوبا عليه درع بن ضرار رضى الله عنه

ذكر تربة التميميين بها جماعة من ذرية تميم الدارى وبها عمود مكتوب عليه هذا قبر الشيخ الامام العالم شرف الدين أبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن القرشى وبها قبر الشيخ الامام العالم القاضى أبى العباس التميمى المحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معدود فى طبقة الفقهاء والمحدّثين والقضاة وبها أيضا قبر القاضى الصفى بن ابراهيم الدارى وبها أيضا قبر القاضى مهذب الدين اسماعيل التميمى وبها أيضا قبر الشيخ ابى الحسن على بن الحسن الدارى وعماد الدين يوسف بن أحمد الدارى وبها أيضا قبر القاضى محيى الدين أبى عبد الله محمد بن شرف الدين بن أبى القاسم عبد الرحمن الدارى وبها أيضا قبر الفقيه الامام العالم أبى عبد الله محمد ابن الشيخ جمال الدين البلبيسى وعند باب هذه التربة قبر مسنم مبنى بالطوب الاحمر عليه عمود مكتوب عليه هذا قبر الاخوين الشقيقين سيف الدولة وعز الملك ولدى محمود العسقلانى ويلى تربة التميميين جماعة من الارمويين منهم الشيخ جمال الدين الأرموى وذريته وبحريها تربة المجاهدين ريسة البحر المالح بها قبر الشيخ منصور المجاهد وذريته ومن وراء حائط هذه التربة مقبرة العساقلة بها قبر الشيخ أبى عبد الله محمد المعروف بالسكيسيك العسقلانى معدود فى العباد وأرباب الاسباب وحوله جماعة من العسقلانيين وفى هذا المجر قبر البنات الابكار وهو مبنى بالفص الحجر [مقبرة الفقهاء أولاد ابن رحال الشافعية] ويليهم من الجهة البحرية مقبرة الفقهاء أولاد ابن رحال الشافعية وهم علماء محدثون وأعمدتهم على قبورهم تشهد بوفاتهم ومنهم الى مقبرة المنذريين وهو حوش عليه هيبة وجلالة به قبر الشيخ الامام العالم الحافظ صاحب الكتب والمصنفات المشهورة زكى الدين عبد العظيم المنذرى ومعه فى التربة جماعة من ذريته ثم ترجع الى قبر السكيسيك وتمشى فى الطريق المسلوك قاصدا الى تربة زربهان وأول زيارة هذه الشقة من قبر مغسل الصالحين

٢٢٣

وقد ذكرناها فتجد قبل وصولك الى التربة على الباب الثانى المدور تربة لطيفة بها قبر المرأة الصالحة زينب الفارسية كانت من الصالحات العابدات مشهورة بفعل الخير مذكورة بمداومة زيارتها خلفا عن سلف ثم تدخل الى تربة الشيخ زربهان وهو الشيخ الامام العالم أبو عبد الله محمد المعروف بزربهان العجمى الفارسى ذكره الشيخ زكى الدين المنذرى فى معجمه وأثنى عليه وعدّه فى مشايخه وهو معدود فى طبقة الصوفية والعباد حكى عنه الشيخ زكى الدين رضى الله عنه انه لما دخل الى مصر وهو فى حال تجريده نام على حانوت رجل صفار يعنى نحاسا فسرق الحانوت تلك الليلة وجاء صاحب الحانوت فوجد حانوته سرق فقال لصاحب الدرك ما أعرف حانوتى الا منك فقال صاحب الدرك ما كان نائما على حانوتك الا هذا الفقير فقال الرجل ان كنت اتهمت هذا الفقير فأجرى على الله فانى توسمت فيه الخير قال فنظر الشيخ الى صاحب الدرك وقال ان من عباد الله من يقول لهذا الطبق صر ذهبا فيصير ذهبا بأذن الله تعالى قال فصار الطبق ذهبا فنظر اليه الشيخ وقال له عد كما كنت انما ضربت بك مثلا فعاد الطبق الى حالته قلت وهذه الكرامة تعدّ من انقلاب الاعيان فقال له الرجل يا سيدى ادع لى فقال أغنى الله فقرك فأغنى الله الرجل وكان يعدّ من أغنياء مصر ببركة دعوة الشيخ رضى الله عنه

وأما انقلاب الاعيان كرامة للاولياء فكثير ذكر الشيخ عبد الله اليافعى فى كتاب روض الرياحين جملة من انقلاب الاعيان وعد لهم كرامات كالمشى على الماء والطيران فى الهواء والكشف عن أحوال الموتى وسماع كلام الموتى واحياء الميت باذن الله وانزواء الارض لهم والكلام على الخاطر والكلام على المستقبل والكلام على الماضى والاخبار بالمغيبات والانفاق من الغيب وايثارهم على أنفسهم وانفلاق البحر لهم وركوب السحابة وأعظم من هذا أنهم يشفعون يوم القيامة بعد شفاعة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال العلماء رضى الله عنهم كلما كان معجزة لنبى جاز أن يكون كرامة لولى الا ما خص به النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فانه لا يكون لأحد مثله ولهذا الشيخ زربهان كرامات خارقة وعبادات ومجاهدات وحكى عنه بعض مشايخ الزيارة أنه كان عنده قط وكان الشيخ قد ألقى فيه سرا حتى انه كان اذا قدم على الشيخ أضياف يصيح بعددهم فصاح يوما أربعين مرة وجاء الضيفان فعدّهم الشيخ فوجدهم واحدا وأربعين رجلا فمعك أذن القط وقال له لم كذبت فقام القط وطاف عليهم واحدا واحدا حتى أتى الى رجل منهم فطلع على رأسه وبال عليه فنظر الشيخ الى الرجل فاذا هو نصرانى فقال له الشيخ أنت على هذه المثابة وتصحب

٢٢٤

هؤلاء الجماعة فقال يا سيدى لى مدة أصحبهم وأنا على هذه الحالة فما افتضحت الا اليوم ثم أسلم على يدى الشيخ رضى الله عنه وقد أنكر شيخنا الآدمى هذه الحكاية وهى مشهورة مستفاضة وقد روى عنه الفخر الفارسى وهو تلميذه أشياء كثيرة كان يراها منه وعلى قبره هيبة وجلالة وعند خروجك من باب التربة تجد قبرا صغيرا مع الحائط عليه عمود يذكر أنه قبر القط صاحب الحكاية وليس بصحيح والذى على العمود مكتوب قبر القطان وهو الاصح ثم تخرج من التربة وأنت قاصد الى زاوية الشيخ يوسف العجمى تجد قبل وصولك اليها قبر الشيخ أبى عبد الله الحموى المعروف بالمصغر وهو فى التربة الصغيرة المقابلة لتربة أولاد درباس وذريته وهو القاضى صدر الدين وقد ذكره القرشى وابن ميسر وبالحومة قبر الفقيه امام مسجد برجوان بحارته معدود فى طبقة الأئمة والقراء وقبره على باب الدرب الجديد وبالحومة حوش الفقهاء وهم فى المجر السالك الى الجبرتى ذكر الزاوية المعروفة بالشيخ يوسف العجمى وما حولها من الاولياء والعلماء قبلها من الجهة البحرية من داخل الدرب الجديد تربة بها قبر الشيخ الصالح الفقيه الامام العالم بهاء الدين على المعروف بابن الجميزى فريد وقته ووحيد عصره كان من العلماء الاجلاء المشهورين بالفتوى شهد له علماء الأمصار بالمعرفة والتحقيق وكان شافعى المذهب وكان يتكلم فى الاصول والفروع سمع الحديث من جماعة من الرواة قال بعض أصحابه ما رأيت أكرم منه ما رأيته سئل الا أعطى ووقع رجل فيه فأصابته الحمى شهرا ثم رأى الرجل بعد الشهر من يقول له اذهب الى ابن الجميزى وتحلل منه تذهب عنك الحمى فجاء الى الشيخ وتحلل منه فذهبت عنه الحمى ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء والمحدثين ومعه فى التربة جماعة من ذريته وقد ذكر القرشى بهذه التربة قبر عتيق بن حسن بن عتيق القسطلانى الكبير قلت وهذا غلط لان عتيق بن حسن وذريته بتربة البكريين القريبة من المجد الاخميمى وهذا هو الاصح وعند شباك تربته قبر الفقيه الامام العالم ابن طوغان الشافعى المصلى بمسجد سوق وردان كان شافعى المذهب قال أبو عبد الله محمد بن أبى الفتح الدمشقى كان ابن طوغان كثير العبادة والزهد حفظ التنبيه فى ثلاثة أشهر وأقام أربعين سنة يصوم ولا يفطر الا فى العيدين وحكى عنه أن الرجل كان اذا صعد الى المسجد ليصلى خلفه لا ينصرف من خلفه حتى يبل لحيته بالدموع ولا يعود الى معصية ذكره ابن الملقن فى تاريخه وعدّه القرشى فى طبقة الفقهاء وقال القرشى توفى فى آخر سنى الستمائة وذكر فى طبقته الشيخ أبا القاسم عبد الرحمن بن أبى عبد الله محمد بن سليمان اللخمى الحنفى

٢٢٥

المنعوت بالوجيه كان فقيها مجيدا محدثا كثير الورع مات سنة ثلاث واربعين وستمائة صحب جماعة من الفقهاء وصحب ابن برى النحوى وابن الصابونى يذكر مع الفقهاء والمحدثين درّس وأفتى وصنف وكان أحد الفقهاء الحنفية المشهورين المعروفين بحسن الفتوى وكان يقول كنت أشتهى ان أرى الامام أبا حنيفة فرأيته فى النوم فقلت له من أنت قال أبو حنيفة فقلت ادع لى فقال بماذا قلت بالجنة قال على شرط قلت ما الشرط قال تلازم الخمس وتترك الناس الا فى طلب العلم قلت قد فعلت قال ولك ذلك فأنا أرجو أن يوفى لى بما رأيت وهو لا يعرف له قبر الآن وعند باب تربة الشيخ يوسف العجمى جماعة من مشايخ الاعجام وبالتربة المذكورة الشيخ الامام الصالح العارف القدوة مربى المريدين وقدوة العارفين الشيخ جمال الدين يوسف بن عبد الله بن عمر بن على بن خضر الكورانى كان عارفا بالله تعالى وبسلوك الطريق أدرك الشيخ يحيى الصنافيرى وكان يزوره كثيرا ويفهم ما يقوله الشيخ من الاشارات والتلاويح وله مناقب جليلة يضيق الوقت عن وصفها وله ذرية باقية الى الآن وتوفى فى جمادى الاولى سنة ثمان وستين وسبعمائة وأما الجهة القبلية من تربته فمن وراء المحراب مقبرة السادة الحنابلة وتعرف قديما بتربة بنى نجية ذكرهم القرشى فمنهم الفقيه الامام زين الدين على بن ابراهيم بن نجا الانصارى الواعظ توفى سنة تسع وتسعين وخمسمائة هكذا مكتوب على عموده والى جانبه قبر الشيخ الفقيه الامام أبى الفرج عبد الواحد الانبارى الحنبلى كان من أكابر العلماء حكى عنه العز الحنبلى قال لما غسل رأوا رجليه تورّمتا فقال بعض أهله ليس هذا من مرض وانما هو من طول قيامه فى الليل وقال بعض الحنابلة رأيته فى النوم فقلت له ما فعل الله بك قال أعطانى نعيما لا ينفد وحياة بلا موت والدعاء عند قبره مجاب واذا خرجت من الدرب قاصدا الى تربة أم الاشراف وجدت على يسارك حوش الفقهاء أولاد الشرابى به جماعة من العلماء منهم الفقيه الامام عبد الخالق بن صالح بن على بن زيدان المقسطى كان من أجلاء العلماء مات سنة أربع عشرة وستمائة والى جانبه قبر الشيخ الامام العالم أبى الجود حاتم بن ظافر بن حامد الارسوفى توفى سنة أربع وستمائة قال الفقيه عبد الوهاب رأيت رجلا جالسا عند قبره فأخبرنى انه من ذريته وحكى عنه أن أخى كذب عنده مرة فحلف أن لا يكلمه سنة وكان يقول لنا الصدق نجاة فى كل شئ وكان يقول لنا انى أرى وجوها فأتفرس فيها من كثرة العبادة وتحت رجلى المقسطى قبر المرأة الصالحة خديجة ابنة الشيخ هارون بن عبد الله بن عبد الرزاق بن هارون المغربية

٢٢٦

الدوكالية ولدت سنة أربعين وستمائة وحجت خمس عشرة حجة ثلاث عشرة منها ماشية واثنتان راكبة وقرأت القرآن بالقراآت السبع وحفظت الشاطبية وتوفيت الى رحمة الله تعالى ليلة الاثنين خامس شهر الله المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة وهى بكر هكذا مكتوب على رخامة قبرها ومعهم فى الحوش قبر الشيخ عبد البارى بن عبد الخالق الشرابى والى جانبه قبر الشيخ عبد الخالق المسكى المحدث عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبحرى هذه التربة تربة لطيفة بها قبر الشيخ نصر الدين بن عبد الوارث المسكى وبحرى هذه التربة تربة لطيفة بها قبر الشيخ أبى عبد الله محمد البلبيسى وقد ذكر القرشى فى حومتهم قبر الشيخ الامام العالم أبى حفص ويقال أبى الخطاب عمر بن أبى القاسم على بن أبى المكارم بن بشارة الانصارى الدمشقى الاصل المصرى المولد الشافعى المذهب كان خطيبا بجامع المقسم وهو من بيت علم كان أبوه من أجلاء العلماء وأخوه أبو بكر أيضا قال القرشى وقبورهم فى التربة التى غربى أم الاشراف قلت وهم فى التربة الآن مات أبو القاسم فى سنة ست وأربعين وستمائة قال القرشى ورأيت منهم على سكة الطريق السيدين الشريفين العالمين الورعين الزاهدين الفقيه اسحاق والفقيه اسماعيل المقيمين بمشهد الحسين ولا يعرف لهما الآن قبر وفى حومتهم قبر الشيخ شهاب الدين زائر الصالحين ثم ترجع الى مقبرة الطوسى بها جماعة من العلماء ويليها من الجهة القبلية مقبرة البكريين وهم جماعة من نسل أبى بكر الصديق رضى الله عنه ذكرهم القرشى [مقبرة المهلبيين] ويليها من الجهة البحرية مقبرة ابن الصابونى ويليها من الجهة الغربية مقبرة المهلبيين كان الشيخ شهاب الدين أبو الفتح محمد المعروف بالطوسى يقول لو حفظنا حرمة العلم ما رأينا أحدا من أبناء الدنيا وقال أبو حفص عمر الذهبى لما دخل الطوسى الى بغداد وبلغ الخليفة قدومه بعث اليه فلما حضر قيل له قبل الارض فلم يسمع فقيل له هذه تحية أمير المؤمنين فقال كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يأتى اليه الرجل فيسلم عليه ويجلس وهو خير الخلق فقيل له سلم على أمير المؤمنين فانه من خلف الستر فقال لا أدرى هل ذكر خلف الستر أم أنثى فرفع الخليفة الستر فسلم عليه ثم جلس فجعل يحدثه ويسأله عن مسائل فيجيب عنها وبلغ من جلالته فى العلم أنه كان اذا ركب يصيح الجاويش قدامه ويزدحم الناس على بابه وقال ابن ماهان رضى الله عنه جئت الى باب الطوسى فرأيت الناس يزدحمون فعددت ألف فتوى وكان رضى الله عنه اذا قال قال الشافعى يقول قال شمس الهدى وكان يقول نحن فى زمن ما فيه من يطلب العلم وكان يقول العلم زين والجهل شين وكان عبد الجبار

٢٢٧

يقول ما رأيت أحسن بزة منه وجاءه رجل ومعه دراهم فقال ما هذه فقال جائزة التدريس فبكى وقال والله امتهنا حرمة العلم وقال بعض العلماء كنت أجالس الطوسى فقال لى يا هذا ان كرامة الله للعبد حسن الثناء عليه وان عنوان هوانه على الله سوء الثناء عليه والناس أحاديث فان استطعت أن تكون أحسنهم حديثا فافعل وكن كما قال ابن دريد

انما المرء حديث بعده

فكن حديثا حسنا لمن وعى

مات رضى الله عنه بعد الخمسمائة وقبره معروف الآن وحوله جماعة من ذريته ويليه من الجهة القبلية مقبرة البكريين بها قبر عبد الله بن هاشم البكرى قال المؤلف ورأيت على قبر منها مكتوبا الشيخ أبو الفتوح الحسين بن الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك ابن عبد الله بن الحسن بن القاسم بن علقمة بن نصر بن معاذ بن عبد الرحمن بن القاسم ابن محمد بن أبى بكر الصديق وعلى آخر الشيخ صدر الدين أبو على الحسين بن محمد بن محمد البكرى وعلى آخر شمس الدين الحسين بن محمد بن محمد البكرى وقد دثر أكثر هذه المقبرة ويليها من الجهة الغربية مقبرة المهلبيين بها جماعة من العلماء منهم أبو بكر بن عبد الغفار المهلبى الهمدانى قال كنت أحفظ الشعر وأكثر من حفظه فرأيت فى النوم رجلا ومعه جفنة نار مملوءة وهو يأخذ منها ويلقيه فى فمى فقمت وأنا خائف مما رأيت فأتيت بعض العلماء فقصصت عليه ذلك فقال عندك مال حرام قلت لا فقال هل تحفظ الشعر قلت نعم قال هو ذلك فتركته وطلبت العلم وقال رأيت عمارة الشاعر فى النوم فقلت له يعجبنى قولك

يا قوم ما فى الهوى العذرى أعذار

لم يبق لى مذ أقر الدمع انكار

لى فى القدود وفى ضم النهود وفى

لثم الخدود كنايات وآثار

هذا اختيارى فوافق ان رضيت به

أو لا فدعنى وما أهوى وأختار

فقال لم ينفعنى مما قلت غير بيتين قلت وما هما فانشدنى

طمع المرء فى الحياة غرور

وطويل الآمال فيها قصير

وحياة الانسان ثوب معار

واجب أن يردّه المستعير

ثم قال تجنب الشعر وعليك بالعلم مات رضى الله عنه سنة احدى عشرة وستمائة ومعه فى التربة الموفق أبو محمد عبد اللطيف بن عبد الغفار المهلبى مات سنة ثمان وستمائة وبها أيضا قبر الشيخ أبى العز أحمد بن قاسم بن أبى النصر الشافعى عدّه القرشى فى طبقة العلماء مات سنة ست وأربعين وستمائة وبها أيضا قبر الشيخ تقى الدين محمد شيخ الصوفية

٢٢٨

وبها أيضا قبر شمس الدين محمد المهلبى الهمدانى والشيخ أبو حفص عمر المهلبى والشيخ شرف الدين التسترى وجمال الدين بن كمال الدين التسترى وبها جماعة من الصلحاء وعند بابها الشرقى تربة الشيخ أبى زكريا يحيى السبتى وهو بالقرب من قبر الشيخ أبى الطاهر المحلى شيخ المجد الاخميمى وعليه عمود رخام مكتوب عليه اسمه ووفاته كان هذا الشيخ من كبار الزهاد ذكره الشيخ صفى الدين بن أبى المنصور فى رسالته وهو معدود فى طبقة الصوفية والعباد كانت له سياحات وتجارب وحدث عنه الشيخ عماد الخياط بأشياء كان يراها منه وكان السبع يأتى الى بابه ويتوسل به وعلى قبره مهابة وجلالة ويجاور تربته من الجهة الغربية مقبرة الشيخ أبى الطاهر الانصارى شيخ المجد الاخميمى ذكره أبو عبد الله القرشى وهو معدود فى طبقة الفقهاء والخطباء والائمة وهو الشيخ أبو الطاهر محمد ابن الحسين الانصارى توفى ليلة الاحد السابع من ذى القعدة سنة ثلاث وثلاثين وستمائة صحب الشيخ ابا عبد الله القرشى ودعاله وقال القرشى له يا محمد قد استوهبتك من الله وتفرس فى الشيخ المجد وصحت فراسته فيه قال الشيخ عيسى القليوبى كان لابى الطاهر دعوة مجابة وكان يقول لا يعرف الحلم الا مع الغضب وسمع رجلا يسبه فجلس وأكل معه وبسط له الودّ حتى كان بعد ذلك أحب الناس الى الرجل وكان يقول جالس العلماء بالصدق وجالس الصالحين بالادب وحكى عنه بعض العلماء انه سار فى بعض الطرقات فخرج عليه قوم ليقطعوا عليه الطريق فجاء رجل منهم فقال له ما حرفتك قال مع صاحب الشرطة قال تاب الله عليك واعطاك خير الدنيا والاخرة فتاب الرجل وتزوّج بامرأة تغزل الصوف فحصل له من جهتها خير كثير وخطب بجامع مصر وكانت خطبته بليغة وقال بعضهم ركبت مع الشيخ أبى الطاهر فى النيل فقال سبحان الله ان هذا النيل لا يزيد قطرة ولا ينقص قطرة الا باذن الله وان من فى قلبه حلاوة الايمان يجد حلاوة ذلك ولقد يصلى عليه رجال كما يصلى أحدنا على الارض وكان بليغ الكلام ومعه فى التربة قبر الشيخ ضياء الدين عيسى القليوبى توفى فى الحادى والعشرين من جمادى الاولى سنة اثنتين وخمسين وستمائة كان مدرسا بالمدرسة المعروفة بسوق الغزل بمصر وكان زاهدا عابدا وكان الفقيه أبو الطاهر يثنى عليه ويقول هو من الصالحين واستخلفه فى الصلاة عنه مرارا وبالتربة جماعة من العلماء والاولياء ثم تمشى وأنت مستقبل القبلة قاصدا الى جامع ابن عبد الظاهر تجد بهذا الخط جماعة من الاولياء منهم قبة قديمة تعرف بقبة الصبغة بها قبر السيد الشريف أبى العباس أحمد المعروف بابن الخياط الهاشمى

٢٢٩

ومعه جماعة من الاولياء وبالخط المذكور الفقهاء أولاد البوشى خطباء الجامع المذكور وفى الخط المذكور التربة المعروفة بتربة الست حدق حولها جماعة من الاولياء منهم تربة الاخنائية وبها قاضى القضاة برهان الدين الاخنائى المالكى كان من أهل الخير والدين يحب الفقراء والصالحين متأخر الوفاة ومعه فى التربة قبر أخيه ومجاور تربة الست حدق من جهة القبلة قبر الشيخ أبى عبد الله محمد الصوفى وقريب منه قبر يعقوب المهتدى المتطبب حكى عنه انه لما أن توفى ونطق بالشهادة صاروا يديرونه الى الشرق فيدار الى القبلة فكفنوه ودفنوه فى مقابر اليهود فرآه السلطان فى النوم وهو يقول له أموت مسلما وأدفن فى مقابر اليهود فاذا أصبحت خذنى وادفنى فى مقابر المسلمين فانى ما مت الا مسلما فقال له ايش فيك من الاماير قال فى شامة فى المكان الفلانى فلما أصبح السلطان دعا بأقاربه وقص عليهم المنام وقال لهم اصدقونى الحق كيف كانت حكايته فقالوا أسلم عند موته فحفروا عليه وأخذوه وغسلوه وصلوا عليه ودفنوه فى هذا المكان واسلموا ودفنوا عنده وهما أبو المنا وأبو البركات وقريب منهم قبر الشيخ أبى السعود المعروف بابن قاضى قضاة اليمن وقريب منه قبر الشيخ أبى الحرم مكى وقريب منه قبر الشيخ شعبان الآدمى وقبليه قبر الشيخ الامام العابد الزاهد كمال الدين الخطيب بجامع الخطيرى له الكتب والمصنفات معدود فى طبقة الفقهاء والخطباء والائمة متأخر الوفاة ولا يشك فى اجابة الدعاء عند قبره وقبره فى حوش لطيف على سكة الطريق المذكور ثم تمشى وأنت مغرب قاصدا الى أنس الناسخ تجد قبل وصولك اليه تربة المجاهدين وقريب منهم قبر مبنى بالطوب الاحمر به جماعة من مشايخ الاعجام وقريب منه قبر الشيخ عيسى الكردى فى تربة لطيفة وفى الخط المذكور جماعة من الاشراف وفى الحومة جماعة من الاولياء لا تعرف قبورهم ثم تأتى الى قبر الشيخ أنس الناسخ ذكره القرشى وأثنى عليه وعدّه فى طبقة الفقهاء كان اماما عالما وهو معدود فى طبقة المتصدرين قال القرشى وقبره خلف سماسرة الخير مكتوب على عموده هذا الذى طال عمره فى طاعة الله نسخ بيده مائة ختمة وأربعين وستة وعشرين موطأ ومات يوم الخميس العاشر من جمادى الآخرة سنة خمسمائة وله من العمر مائة سنة قال القرشى والى جانبه من القبلة على المسطبة ذات المحراب قبر الشيخ خداع وليس هو صاحب التفسير وحوله جماعة من الصلحاء وقريب منه قبر ابن أبى الروس وحوله جماعة من الاشراف وقريب منه قبر القاضى ابن أبى الحوافر ثم تأتى الى التربة المعروفة بسماسرة الخير وهى تربة عليها مهابة وجلالة ذكرهم

٢٣٠

ابن عثمان فى تاريخه وحكى عنهم أن رجلا جاء بعد موتهم الى السوق يطلب شيئا لله تعالى وقال لرجل لعلك أن تأخذ لى شيئا من أهل الخير فقال أنا أدلك على أهل الخير فجاء به الى قبورهم وقال له هؤلاء سماسرة الخير فقال له أتيت بى الى قبور ثم جلس عندهم محزونا جائعا فنام مما لحقه من الهم فرأى فى منامه واحدا منهم فقص عليه القصة فقال له الشيخ امض الى دارى بالمكان الفلانى تجد ولدى فقل له يحفر فى مكان كذا من الدار ومهما وجده يدفع لك منه ما تنفقه قال فاستيقظ الرجل وأتى الى الدار التى وصفها له واجتمع بولده وذكر له المنام فحفر فوجد برنية فيها ثلثمائة دينار فاخذها ودفع للرجل منها ما أغناه عن السؤال فهؤلاء فاعلو الخير فى حياتهم وبعد وفاتهم رضى الله عنهم وهم ثلاثة قبور على صف واحد وهم السيد أحمد والسيد عبد الله والسيد على ويعرفون بالسكريين أيضا وعلى باب تربتهم فى جدار الحائط قبران لطيفان أحدهما الفقيه القرطبى صاحب التربة وغشم البلان ويليهم من الجهة القبلية قبر الشيخ يحيى المعروف بنار القدح وعلى جانب الطريق المسلوك ابن رفاعة السعدى ومن وراء تربتهم قبر الفقيه أبى عبد الله محمد بن الحسين الهاشمى الحنبلى ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وقال قبره وراء سماسرة الخير مكتوب على قبره هذا الذى أفنى عمره فى طاعة الله وهو لا يعرف الآن ومن وراء تربتهم قبر الشريفة بنت الشريف أبى العباس ابن الخياط الهاشمى قال المنير اسمها عائشة ومن وراء تربتهم عمود مكتوب عليه الشيخ أبو الحسن الصقلى وعند باب تربتهم قبر الشيخ ابراهيم الغيطى وعلى اليمين وأنت قاصد الى مدروز الفقراء قبر الصياد قال المنير واسمه ابراهيم عرف بصاحب السمكتين ومقابله تربة بها الفقهاء أولاد ابن صورة ومن جهة الخندق مقابل لهذه التربة قبر السيدة عرفة ابنة السيد عبد الوهاب السكندرى ثم ترجع الى التربة المعروفة بالكنز وقد ذكر القضاعى هذا المسجد فى كتاب الخطط وعده من مساجد الصحراء وقال الموفق ابن عثمان هو المسجد المعروف بالكنز تحته الكنز وكان هذا المسجد صغيرا جدا فهدمه رجل يعرف بالقرقوبى وبناه روى القضاعى أنه لما أن هدم هذا المسجد وأمر بعمارته رأى فى النوم قائلا يقول له احفر على خمسة أذرع تجد من تحت هذا المسجد كنزا قال فاستيقظ وقال هذا شيطان فرأى ذلك ثلاث مرات فلما أصبح أتى المسجد وأمر بعض الفعلاء بحفر الموضع الذى قيل له عنه فحفر فاذا قبر عليه لوح كبير وتحته ميت فى لحد كأعظم ما يكون من الناس جثة وأكفانه طرية لم يبل منها شئ الا نحو رأسه فانه رأى شعره قد خرج من الكفن فقال هذا هو الكنز بلا شك

٢٣١

وأمر باعادة اللوح فى التراب وأخرج القبر عن جدار الحائط وأبرزت التربة للناس مقابله قبر الرجل الصالح المعروف بشحاذ الفقراء كان اذا رأى فقيرا يمضى الى الاغنياء ويطلب منهم ويأتى بما يحصل للفقير وقيل انه أخذ على اسم الفقراء شيئا كثيرا وفرقه بينهم على قدر حاجتهم فبقى معه فضلة فلم يجد بمصر فقيرا يدفعها اليه وقبره معروف بجدار الحائط مقابل لتربة الكنز ويليه من الجهة القبلية مقبرة الصواغ كانوا أهل خير وصلاح حكى عنهم بعض مشايخ الزيارة انه كان بعضهم يبيع ويشترى المصاغ فجاءت امرأة يوما من الايام لتشترى منه سوارا فأجلسها على حانوته ثم طلب يدها ليقيس عليها سوارا فمدت يدها فنظر اليها فأعجبته فمسك يدها وقبلها فجذبت يدها منه وقامت ومضت فوقع فى نفسه من ذلك شئ عظيم واستغفر الله تعالى وعقد التوبة وقال لنفسه انظرى كيف فعلت هذه الفعلة الذميمة ولام نفسه لوما عنيفا ثم أغلق حانوته وأتى الى منزله فلما دخل واستقر به الجلوس قالت له زوجته أى شئ صنعت اليوم من القبائح فى الحانوت فقال لاى شئ تسألى فقالت ان السقاء جاء اليوم وسكب لنا الماء على العادة فمددت يدى لأعطيه الفلوس من وراء الباب فلما أخذ الفلوس قبل يدى وجذبنى فجذبت يدى منه فأطلقنى ومضى فقلت فى نفسى هذا ماله عادة بذلك ولولا أن زوجى فعل ما يوجب مجازاته بذلك ما فعله فقال لها الشيخ نعم جرى ما هو كيت وكيت وحكى لها الحكاية ومعهم فى الحوش قبر الفقيه الشيخ العالم أبى العباس أحمد ابن الخطية اللخمى المالكى كان من الفقهاء المالكية ذكره القرشى وعدّه فى طبقة الفقهاء كان يسكن بالشارع الاعظم وأقام به عدّة سنين يقرأ الحديث ويأكل من نسخ يده وكان له بنت يعلمها فكانت تنسخ وضربت على خطه وكان يعرض عليه المال فلا يقبل ويأتيه سلاطين مصر بالمال فلا يقبل منهم شيئا وجاءه رجل من اخوانه وقال له يا سيدى اشتريت هذا البلين على اسمك وأسألك أن تقبله منى فقال عاهدت الله أن لا أقبل من أحد شيئا فحلف الرجل بالطلاق الثلاث لا بد من قبوله فقال قد قبلته اجعله على الحبل وكان فى مسجده فجعله على الحبل فأقام ثلاثين سنة معلقا على الحبل ولم يزل مقيما بالشارع الى نوبة مصر المشهورة وحريقها فنزل فى دويرة بها وتوفى فيها وقبره مشهور بهذه الخطة معروف الى الآن وكان يقول عاهدت الله على العزلة والجوع وقال عبد الله بن سعيد غلطت فى حديث فقلت على من أصححه فنمت فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لى صحح حديثى على ابن الخطية فانى أحبه وان الله يحبه بحبى اياه وقال بعض الفقهاء المالكية قلت لابن الخطية قيل عن المزنى

٢٣٢

انه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال يا رسول الله ما فعل الله بالشافعى فقال سألت الله أن لا يحاسبه فقال ابن الخطية أتدرى بماذا قلت لا قال لانه كان يقول اللهم صل على سيدنا محمد كلما ذكره الذاكرون وصل على سيدنا محمد كلما غفل عن ذكره الغافلون وهذه صلاة ما صلاها أحد قبل الشافعى على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكان الملك يحملها الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن الشافعى فلما قدم الشافعى على الله تعالى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم رب أسألك أن لا تحاسب الشافعى فانه صلى علىّ صلاة ما صلاها أحد علىّ قبله وكان ابن الخطية ينسخ فلا يفرغ من كتابة الكتاب حتى يحفظه ويتكلم على معانيه وكان اذا تكلم فى رجال الحديث كانوا كأنهم معه فى صحيفة وله الحواشى على كتاب مسلم والى جانبه من الجهة القبلية من وراء الحائط قبر صاحب الجريدة كان من أهل الخير والصلاح وقبره مقابل لتربة ذى النون المصرى ذكر التربة المعروفة بذى النون المصرى

بها جماعة من العلماء ومشايخ الرسالة أكبرهم وأجلهم ذو النون المصرى ذكره القضاعى فى تاريخه وقال صاحب المزارات المصرية هو ذو النون بن ابراهيم الاخميمى مولى قريش يكنى بأبى الفيض وقبره معروف باجابة الدعاء وعند رأسه شاهد فيه اسمه ووفاته وكان ذو النون ذا علم وحكمة ويقال ان معه الاسم الاعظم وأخباره مشهورة يطول شرحها وبركة الدعاء عنده مستفاضة فى الناس قال صاحب المزارات وأخذ تراب قبره لقضاء الحاجة مجرب وجماعة من المصريين فعلوا ذلك فعرفوا بركته بمشيئة الله تعالى يختص برحمته من يشاء وذلك أنه اذا أراد الانسان قضاء حاجة أو شفاء مريض فليأخذ من تراب قبر هذا الرجل الصالح قدر درهم أو أكثر ويسأل الله حاجته وينذر لله تعالى أنه اذا قضيت حاجته أو شفى مريضه يعوض بدل ذلك التراب مسكا أو كافورا أو زعفرانا أو ما تيسر من أنواع الطيب ويعيد ذلك التراب الى موضعه وربما علقوه على الوجع فيشفى باذن الله تعالى قال الشيخ وأمره صحيح مجرب قال ابن عثمان بروايته الى يونس بن الحسين سمعت ذا النون المصرى يقول وقد سأله انسان عن أصل توبته فقال خرجت من مصر الى بعض القرى فنمت فى الطريق فانتبهت وفتحت عينى واذا أنا بقنبرة عمياء سقطت من شجرة على الارض فانشقت الارض وخرج منها سكرجتان واحدة من ذهب والاخرى من فضة فى احداهما سمسم وفى الاخرى ماء ورد فأكلت من هذه وشربت من هذه فتبت ولزمت الباب وعن أبى موسى قال رأيت ذا النون المصرى وقد تقاتل اثنان أحدهما من أولياء السلطان تعدى على الرجل وفك سنه

٢٣٣

وقال بينى وبينك الامير فمضيا الى أن جازا على ذى النون فقال لهما ما سبب غيظكما فقصا عليه القصة فأخذ السن وبلها بريقه وردّها الى فم الرجل وحرك شفتيه فتعلقت باذن الله وثبتت مكانها وحكى أبو جعفر قال كنت عند ذى النون المصرى فتذاكرنا كرامات الاولياء فقال ذو النون من الطاعة أن أقول لهذا السرير يدور بى فى زوايا البيت ثم يرجع الى مكانه فيفعل فدار السرير فى أربع زوايا البيت وعاد الى مكانه وكان هناك شاب فأخذ يبكى ومات لوقته وقال بكير بن عبد الرحمن كنا مع ذى النون المصرى فى البادية فنزلنا تحت شجرة أم غيلان فقلنا ما أطيب هذا الموضع لو أن فيه رطبا فتبسم الشيخ ذو النون وقال تشتهون الرطب قلنا نعم فحرك شجرة أم غيلان وقال أقسمت عليك بالذى أبداك وخلقك الا نثرت علينا رطبا فتناثر الرطب من فوقها فأكلنا ثم نمنا وانتبهنا فحركنا الشجرة فتناثر عنها شوك وقيل لذى النون المصرى عند موته ما تشتهى قال أن أعرفه ولو قبل موتى بلحظة وكان يقول من عرف الناس عرف نفسه ومن عرف نفسه عرف ربه وقال أيضا أعرف الناس بالله أشدّهم تحيرا فيه وقال أيضا الزهاد ملوك الآخرة وهم الفقراء العارفون وقال علامة العارف ثلاث لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يعتقد باطنا من العلم ينقض عليه باطنا من الحكم ولا تحمله كثرة نعم الله تعالى على هتك أستار محارم الله عزوجل وقال ايضا كنت راكبا فى سفينة فسرقت فيها درّة فاتهموا بها شابا فقلت دعونى أرفق به فجئت اليه وجلست فأخرج رأسه من تحت كسائه فتحدّثت معه فى ذلك المعنى وتلطفت به لعله يخرجها فرفع رأسه الى السماء وقال أقسمت عليك يا رب أن لا تدع أحدا من الحيتان الا ويأتينى بجوهرة قال فرأيت حيتانا كثيرة طافية على وجه الماء فى فم كل حوت جوهرة فقال خذوا ثم ألقى نفسه فى البحر ومشى على الماء حتى غاب عنا وعن أبى سعيد المالينى عن ذى النون المصرى يرفعه الى النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال سمعت جبريل عليه‌السلام يقول يا محمد من قال من أمتك فى كل يوم مائة مرة لا اله الا الله الملك الحق المبين كانت له أمانا من الفقر وأنسا من وحشة القبر واستجلب به الغنى وقرع به باب الجنة وسئل ذى النون المصرى كيف الطريق الى الله تعالى فقال ظمأ الهواجر وقيام الليل يدلانك على طريق الله تعالى وعن سعيد بن عثمان قال سمعت ذا النون يقول اللهم متع أبصارنا بالجولان فى جلالك بسهرها عما نامت عنه قلوب الغافلين واجعل قلوبنا معقودة بسلاسل النور وعلقها بأطناب الفكرة ونزه أبصارنا عن سوء مواقف المتحيرين وأعطها الانس فى خدمتك مع الجوالين وعن ابن الجلا انه قال لقيت ستمائة شيخ ما رأيت فيهم

٢٣٤

مثل أربعة شيبان وعمران وابن ابى شيبة والمزنى رضى الله تعالى عنهم أجمعين وأربعة من العباد حاتم والبصرى والعلاء الكوفى ومحمد وما رأيت مثل ذى النون المصرى وكان ذو النون المصرى يقول ذكر الله تعالى دواء وذكر الناس داء فاستكثروا من الدواء وأقلوا من الداء وعن محمد بن قطن قال رأيت مكتوبا على عصا ذى النون

كيف احتيالى ودا بى الامل

وليس لى فى صحيفتى عمل

زادى قليل ورحلتى بعدت

من عدم الزاد كيف يرتحل

وقال ذو النون انما دخل الفساد على الناس من ستة أشياء الأول من ضعف النية بعمل الآخرة الثانى صارت أبدانهم رهينة لشهواتهم الثالث غلبهم طول الامل مع قرب الاجل الرابع آثروا رضاء المخلوقين على رضاء الخالق الخامس اتبعوا أهواءهم ونبذوا سنة نبيهم وراء ظهورهم السادس جعلوا زلات السلف حجة أنفسهم ودفنوا أكثر مناقبهم ولما مات ذو النون بالجيزة حمل فى قارب مخافة أن يتقطع الجسر من كثرة الناس مع الجنازة قال المؤلف فلما أخرج من القارب وحمل على أكتاف الرجال جاءت طيور خضر فاكتنفت الجنازة ترفرف عليها حتى عطف بها نحو حمام الغار فغابت فذكرت ذلك لأبى يحيى بن هلال بعد زمان فقال لى والله رأيت مثل هذه الطيور ترفرف على جنازة المزنى وأنشد بعضهم فى ذلك

ورأيت أعجب ما رأيت ولم أكن

من قبل ذاك رأيته لمشيع

طيرا ترفرف حوله وتحفه

حتى توارى فى حجاب المضجع

ثم احتجبن عن العيون فلم أحط

علما بكنه مصيره والمرجع

وأظنها رسل الاله تنزلت

والله أعلم فوق ذاك الموضع

وكانت وفاته سنة خمس وأربعين ومائتين وكان اسمه ثوبان بن ابراهيم وورعه وزهده لا يخفى وكان قد وشى به الى المتوكل فاستحضره من مصر فلما حضر ودخل عليه وعظه فبكى وردّه الى مصر واعتذر له وقال يونس بن الحسين سمعت ذا النون المصرى يقول وقد سئل لم أحب الناس الدينار فقال لان الله تعالى جعل الدنيا خزانة أرزاقهم فمدوا أعينهم اليها وقال ابن أبى السرح قلت لذى النون كيف كان حالك مع المتوكل حين أمر بقتلك فقال لما أوصلنى الغلام الى الستر رفعه وقال لى ادخل فدخلت ونظرت فاذا المتوكل فى غلالة مكشوف الرأس وعبيد الله قائمون على رأسه وهو متكىء على السيف فعرفت فى وجوه القوم الشرّ ففتح لى بابا فقلت فى نفسى يا من ليس فى السماء نظرات

٢٣٥

ولا فى البحر قطرات ولا فى الرياح روحات ولا فى الارض حبات ولا فى قلوب الخلائق خطرات ولا فى أعضائهم حركات ولا فى عيونهم لحظات الا وهى لك شاهدات وعليك دالات وبربوبيتك معترفات وفى قدرتك متحيرات فبالقدرة التى تحير بها من فى الارض والسموات الا صليت على محمد وعلى آل محمد وأخذت قلبه عنى قال فأخذ المتوكل يخطو حتى اعتنقنى ثم قال أتعبناك يا أبا الفيض ان تشأ تقم عندنا وان تشأ تنصرف فاخترت الانصراف وقال أيضا عبد ذليل ولسان كليل وعمل قليل وكتاب طويل ونيل جزيل فأين أذهب يا سيدى الا بالدليل قال ودخل غلام ذى النون المصرى الى بغداد فسمع قوّالا فصاح الغلام صيحة خرّ مغشيا عليه فحركوه فاذا هو ميت فأخبر بذلك ذو النون فدخل بغداد وقال علىّ بالقوّال فاسترده الابيات فصاح ذو النون صيحة فوقع القوّال ميتا فخرج ذو النون وهو يقول النفس بالنفس ومعه فى التربة أبو على الروذبارى واسمه الحسن بن همام كان من أولاد كسرى أنو شروان ذكره القشيرى فى الرسالة وكانت وفاته سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة روى عنه ابن الكاتب قال ما رأيت أحدا أجمع لعلم الشريعة وعلم الحقيقة منه سئل عن الصوفى فقال من لبس الصوف على الصفا وروى أبو منصور معمر بن أحمد بن محمد بن زياد الاصبهانى قال بلغنى عن أبى على الروذبارى انه قال أنفقت على الفقراء كذا كذا ألفا ما وضعت شيأ فى يد فقير بل كنت أضع فى يدى فيأخذ الفقير منها حتى تكون يد الفقير فوق يدى أو قال حتى تكون يدى تحت أيديهم ولا تكون فوق أيديهم وقال أبو على سمعت المحاسبى يقول من أضيق المحن معاشرة الاضداد وكان يقول اكتساب الدنيا مذلة النفس واكتساب الاخرة معزة النفوس فوا عجبا لمن يختار المذلة لما يفنى ويترك العز لما يبقى ومعهم فى التربة الصوفية والى جانب أبى على من جهة القبلة مع جدار الحائط جماعة ذكرهم ابن عثمان والى جانب ذى النون المصرى قبر السيد الشريف القابسى ومعهم الشيخ على الفانى وعند خروجك من التربة بين البابين تجد على يمينك قبر الشيخ أبى عمران موسى بن محمد الاندلسى الواعظ الضرير المعروف بصاحب القصيدة ذكره القرشى فى طبقة الشهداء وذكره الشيخ موفق الدين كان من كبار المشايخ جمع بين العلم والورع وكان له مجلس وعظ وصنف قصيدة فى فضل أم المؤمنين منها

ما شأن أم المؤمنين وشانى

هدى المحب لها وضل الشانى

انى أقول مبينا عن فضلها

ومترجما عن فعلها ببيانى

٢٣٦

يا مبغضى لا تأت قبر محمد

فالبيت بيتى والمكان مكانى

وهى قصيدة طويلة وكان ذلك فى أيام أمير الجيوش فلما أعلموه بذلك أمر بحمله من مصر مسحوبا على وجهه فقال له بعض جلسائه هذا رجل ضرير ضعيف القوى لا يستطيع النهضة مع كبر سنه فقال يحمل الى الجيزة ولا يسكن مصر فحمل اليها واتفق فى بعض أيام ان أمير الجيوش ركب الى الجيزة فدخل مسجدا فيه موسى الاندلسى فوجده جالسا فى محرابه فصلى ركعتين ثم التفت اليه وسأله عن حاله فأخبره بقصته فقال له تقرأ شيأ من القرآن قال نعم فقال اقرأ فقرأ فعجب من حسن قراءته وبكى بكاء شديدا وقال له أنشدنى القصيدة التى أخرجت من مصر لاجلها فأنشده اياها فأمره بتكرارها فأعادها فقال له يا شيخ لا تدع على السلطان فانه لم يعلم بحقيقة قصتك وأنا أحد غلمانه ولا بد من ذكرك له فطيب قلبك واشرح صدرك ولا تدع عليه ثم خرج من عنده فقالوا له أتعرف من كان عندك قال لا فأخبروه بالامير فاياك أن تكون قد تكلمت معه بشئ يؤذيك فقال لا والله وبقى متخوّفا فلما وصل أمير الجيوش الى مصر أمر واليها أن يمضى اليه ويحمله الى موضعه فردّه الى مكانه رضى الله عنه ومعه جماعة من الاولياء واذا خرجت من ذى النون المصرى قاصدا الى تربة شقران تجد قبل وصولك اليها قبور الصوفية وقبر الرجل الصالح المعروف بالبزار وقبر الرجل الصالح ذى العقلين

ذكر التربة المعروفة بشقران بها قبر الشيخ الصالح العابد الزاهد شقران بن عبد الله المغربى ذكره القضاعى فى تاريخه وصاحب المزارات المصرية وحكى عنه الموفق قال خادم شقران دعانى ليلة فقال أريد أن أغتسل فلم أجد ماء فلحظ السماء بطرفه وقال اللهم انى قد عجزت عن الماء وانقطع رجائى من غيرك فاعطف علىّ فقد قلت حيلتى فقمت وقد سمعت وقع الماء فى الاناء فمسست الماء فوجدته باردا فحرك شفتيه فسخن الماء ثم جاء الى المغتسل وكانت ليلة باردة مظلمة فقال لو كان معنا مصباح كان أمكن لنا فى الطهر فرأيت مصباحا قد أضاء له فاغتسل ولما بلغ ذا النون خبر شقران بالمغرب ارتحل اليه فلما وصل الى بلده سأل عنه فقيل له الساعة قد دخل الى خلوته ولا يخرج من بيته الا للجمعة ولا يكلم أحدا الا بعد أربعين يوما فجلس عند بابه أربعين يوما فلما خرج قال له ما الذى أقدمك بلادنا فقال طلبك فوضع فى يده رقعة قدر الدينار مكتوبا فيها يا دائم الثبات يا مخرج النبات يا سامع الاصوات يا مجيب الدعوات قال ذو النون والله لقد كانت غبطتى فى سفرى ما سألت الله تعالى بها حاجة الا قضيت حاجتى

٢٣٧

وكان من أجمل الناس نظرت اليه امرأة فافتتنت به فذكرت أمرها لعجوز فقالت أنا أجمع بينكما فمر شقران يوما على بابها فقالت له يا سيدى لى ولد غائب وقد جاء كتاب وله أخت تحب أن تسمع كتابه وما فيه فلو جئت وقرأته على الباب لشفيت الغليل فجاء الى الباب فقالت له ادخل لتسترنا عن أعين الناس قال فدخل فغلقت الباب وخرجت امرأة فالتصقت بجانبه فولى وجهه عنها فقالت كنت مشتاقة اليك فقال لها أين الماء حتى أتوضأ فأتته بالماء فقال اللهم أنت خلقتنى لما شئت وقد خشيت الفتنة وأنا أسألك أن تصرف شرها عنى وتغير خلقتى قال فتغيرت خلقته اليوسفية للحال أيوبية فلما رأته دفعته فى صدره وقالت له اخرج فخرج وهو يقول الحمد لله رب العالمين ثم عاد الى حسنه وجاءه رجل ومعه صغيرة قد لحقها الجنون فقرأ عليها شقران ثم أخذها أبوها ومضى بها الى البيت فصرعت وتكلم الجنى على رأسها وقال والله لا سكنت هذه البلدة ولا عدت اليها خوفا من شقران أن يحرقنى فان مسها أحد غيرى فلا حرج علىّ وعرفوا شقران بذلك لئلا يعود بالدعاء علىّ وقال ذو النون المصرى رضى الله عنه سمعت شقران يقول ان لله عبادا خرجوا اليه باخلاصهم وشمروا اليه بطيب نظافة أسرارهم قاموا على صفاء المعاملة فى محاريب الكد فساروا الى ميادين أنوار ملكوته وبادروا الى استماع كلامه بحضور أفهامهم فعند ذلك نظر اليهم بعين الملاحظة وشاهد منهم نهدات الاسف وفى ضمائرهم حرارات الشغف فعندها أسرجت لهم نجائب المواهب وحفت بهم العطايا والتأييد وأذاقهم كأس الوداد فطلعت فى قلوبهم كواكب مواكب القلق وجرت بهم فى بحار الاشتياق فوصلت الى روح نسيم التلاق فكيف اذا رأيت ثريا الايمان قد علقت فى قلوبهم وهلال التوحيد قد لاح بين أعينهم وبحار الوفاء قد تدفقت فى قلوبهم وأنهار ماء الحياة قد تصادمت الى جوارحهم فنسموا روائح الدنوّ من قربه وهبت لهم رياح اللقاء من تحت عرشه فوافت هواتف الملكوت بألسنة القدرة الى أسماعهم وأفهامهم وشيعها روح نسيم المصافاة الى أذهانهم وأوقدت فى أسرارهم مصابيح الأفكار فأشعلت ضمائرهم بالاذكار وزفت الى عقولهم أزواج القلق فزج بها الشوق فى مفاصلهم فتطايرت أرواحهم الى روح عظيم الذخائر ثم نادت لا براح وذلك انها لما وصلت الى الحجاب الاعظم المعظم أقسمت أن لا تبرح ولا تزول حتى تنعم فكشف لها الحجاب وناداها أنا الرب الاعظم أنا علام الغيوب أنا المطلع على الضمائر أنا مراقب الحركات أنا مراصد اللحظات أنا عالم بمجارى الفكر وما أصغت اليه الاسماع ثم قال لأرواحهم أنا طالعتك ورفعتك الى قربى

٢٣٨

وقرنت ذكرى مع ذكرك ايلافا وعرفتك نفسى وصافيتك اعطافا وجللتك سترى الحافا فاشكرينى أزدك أضعافا ثم قال يا قلوب صفوتى التئمى ويا أهل محبتى حافظى على لزوم مودتى أنا الرب فلما وعت القلوب كلام المحبوب وردت على بحر الفهم فاغترفت منه روى الشراب فهل عليها عارض صدر اليها من محبوبها فسجدت له تعظيما وأذن لها فكلمته تكليما فأفرغ عليها من نوره فزادها تهييما فرجعت الى الابدان بطرائف الفوائد فظمئت وعطشت فهل تدرى ما أعطشها وكشف لها عن غيوبها فطاشت وشاهدت قربه فعاشت فى كل يوم تطالع علما جديدا فهو لها يزيد وكيف لا يكون هذا العبد كذلك وأنوار الصدق عليه متراكمة ومراتب الحقائق فيه متصبب وروحه قد سارت فى مراتب التوفيق باقلاع الانابة الى محبوبها تسير فلو شاهدت سرائرهم وقد وصلت اليه فروّاها من نسيم قربه وزوّدها من طرائف علمه المكنون ففى ذلك فليتنافس المتنافسون ثم بكى طويلا وقال يا ذا النون ألا لهج خدوم ألا بطل يدوم ألا حليف وداد ألا صحيح اعتقاد ألا حبيب لبيب ألا مطرود كئيب ألا شيخ مشتاق ألا راغب فى الجزيل ألا عارف بالجليل أين من أسرجت بواطنه بحب الله أين من ظهر على جوارحه نور خدمة الله فشهد شواهد الهيبة عطاياه بحمد الله أين من شهد القرب فلم يتحرك أين من راقب الرب فى سرائره أين من دامت معاملته أين من نطق بعلم القرب أين من شرب بكأس الحب أين من عرف الطريق أين من نطق بالتحقيق أين من أدنى فلم يبرح أين من شوق فلم يفرح أين من سقى فباح أين من بكى فناح أين من ألف فشغل أين من وصل فغنم أين من لزم فأخبر أين من صلح فأحضر أين من رضى فقنع أين من صبر فاشبع أين من بكى بعويل أين من صرخ بعليل أين من رضى فطاب أين من شوق فذاب أين من شفه الوداد أين من جد باجتهاد أين من همه الحبيب أين من دهره غريب أين من طالع المكشوف أين من أمر بالمعروف أين من تألف الهموم أين من خدمته الصيام أين من عمله القيام أين من ذاق ما أصف أين من جد ملتهف أين من كان ذكره غذاه أين من قلبه مرآه أين من بان واستبان يا ذا النون لو رأيتهم وقد استخرجهم بعد ما أحسن تقويمهم وأجلسهم على كراسى الاطباء وأهل المعرفة وجعل تلامذتهم أهل الورع والتقوى وضمن لهم الاجابة عند النداء ثم قال لهم يا أوليائى ويا أهل صفوتى ان أتاكم عليل فداووه أو فارّ منى فردّوه أو آيس من فضلى فعدوه أو مبارز لى بالمعاصى فنادوه أو مستوصف نحوى فدلوه أو خائف منى فأمنوه

٢٣٩

أو مسىء بعد احسان فرغبوه أو من جنى جناية وحزن فسرّوه وان وهبت لكم هبة فشاطروه ويا أهل صفوتى من خلقى لا يفزعنكم صوت جبار دونى ولا مخلوق سواى انه من أرادكم بمكروه قصمته ومن أذلكم أهلكته ومن عاداكم عاديته ومن أحبكم أحببته فلما نظر القوم الى حسن لطفه بهم اجتهدوا غاية الاجتهاد فى خدمته وألفت الجوارح منهم المسارعة الى مرضاته والمبادرة الى طاعته فاسقطت الراحات وأزالت الآفات فورّثهم اخلاصهم الزفرات ثم تضاعفت لهم التحف فاذا جاء النهار بكى عليهم الدجى ويستبشر بهم الفجر وتودعهم الكواكب ويصافحهم النهار وتساعدهم الافلاك ثم يتصل فكرهم الى العرش ثم تصل أنفاسهم الى الكرسى فعند ذلك يا أخى تترحب بهم السموات وتسلم عليهم الجبال وتأنس بهم الوحوش وتفرح بهم المواطن وتخضع لهم الملوك وتلوذ بهم المواشى وتتبرك بهم الاشجار وتحنّ اليهم البهائم ويأتى من أجلهم القطر ويتضاعف ببركتهم النبات وتهابهم الفجار وترهبهم الشياطين وتحفهم الملائكة فى الليل والنهار وتسلم عليهم الحيتان فى البحار واذا نظروا الى الارض تقلبت عن أنواع الزهر اذا مدّ أحدهم يده الى العليل أبراه أو وعظ سقيم قلب شفاه واذا نظرت اليه شهد له قلبك بالصدق أنسوا بالوحدة بعد الاجتماع وخالطهم الجوع بعد الطعام وسارعوا الى الظمأ بعد الشراب ولبسوا الخروق بعد الحرير وركنوا الى الخراب بعد القصور انتهى والى جانبه معه فى التربة قبر الشيخ أبى الربيع سليمان الزبدى ذكره القضاعى فى تاريخه وله حكايات مشهورة مع الوزير أبى بكر المادرائى حكى عنه ابن عثمان انه كان اذا مرّ على أناس يشمون منه رائحة الزبدة فقالوا له انا نشم عليك رائحة الزبدة فقال أنى أحبها فأظهرها الله علىّ قال ابن عثمان والحومة حومة مباركة ينبغى لمن يقف فى ذلك المكان أن يبتهل الى الله تعالى ويدعو فانه يستجاب له قال المؤلف ومعنى قوله يدعو ويبتهل أن يقف ما بين شقران وذى العقلين فانى رأيت المشايخ يقفون فى هذا المكان ويستقبلون القبلة ويبتهلون الى الله تعالى بالدعاء ويخبرون بفضل هذا المكان والى القرب من تربة شقران تربة قديمة بها قبر الشيخ أبى الشعرا ويقال له صاحب الدار ذكره ابن عثمان وقال انه كان له دار يسكنها لله عزوجل ويجعل لمن يسكنها ما يأكل وما يشرب والكسوة له ولعائلته فى كل سنة ومعه فى التربة قبر الشيخ أبى الحسن على بن الحسين بن عمر المعروف بالفراء أحد مشايخ المحدثين حدّث عن أبى زكريا عبد الرحمن بن أحمد النحوى وغيره من المشايخ ولم ينشر الحديث بالديار المصرية أحد أكثر منه ومعه جماعة من الاولياء وقبلى شقران قبر داثر

٢٤٠