الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]

الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

المؤلف:

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]


المحقق: أحمد بك تيمور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

من أهل مصر وكان كثير الزهد وروى الحديث الكثير وذكر جماعة أنه معدود فى طبقة بكير جد يحيى وفى طبقته عبد الله بن جعفر وحبيب بن أبى يزيد بن أبى حبيب وفى قبلتهم عبد الله بن سعد بن أبى سرح العامرى شهد فتح مصر واختط بها وهو مذكور مع الامراء لاهل مصر عنه حديث واحد وهو أخو عثمان من الرضاعة وقد سلف ذكره مع الصحابة وعلى باب هذه التربة قبر أبى البركات المعروف بالبزاز خرج عن ماله جميعه صدقة فى مجلس أبى الفضل ابن الجوهرى وعلى باب هذه التربة أيضا فى محراب قبر ضياء الدين ابن بنت الشاطبى وقد سلف ذكره ثم تخرج من باب هذه التربة فتمشى مستقبل القبلة قاصدا حوش أولاد ابن غلبون تجد على يسارك حوش الفقهاء أولاد ابن أبى خرنوبة وهو ما بين مصلى التراويح وحوش ابن غلبون قال المؤلف رأيت منها عمودا مكتوبا عليه هذا قبر الاخوين الشقيقين أولاد ابن أبى خرنوبة وهو الآن غربى قبر النيسابورى ثم تجد على يمينك تربة مخروقة بغير سقف قال ابن عثمان هو قبر عبد الله بن الزبير وفى نسخة أخرى له أنه محمد ابن أحمد بن أخت الزبير بن العوام وهذا خلاف الصحيح لما رواه مسلم والبخارى أن عبد الله بن الزبير قتله الحجاج وصلبه بمكة فى قصة طويلة وإن قيل إنه عروة بن الزبير فلا يصح أيضا ووفاة أولاد الزبير معروفة بغير مصر مع أنه قد صح أن الزبير بن العوام دخل الى مصر واختط بها وكان بداره السلم الذى تسلقت عليه الصحابة يوم فتح مصر قصر الشمع قال ابن زجال العدل هذا ابن بنت الزبير وفى هذا القول ضعف وقال ابن ميسر هو من ذريته وقال القرشى فى تاريخه وبالنقعة قبر مكتوب عليه عبد الله بن الزبير وليس بصحيح والصحيح أنه قتل بمكة ودفن بها وعبد الله هذا أحد العبادلة (١) التسعة ودخل الى مصر عبد الله بن الزبير فى خلافة عثمان وشهد فتح افريقية ولاهل مصر عنه حديث واحد وخرج منها ومات بمكة ودخلها الزبير بن العوام وقد سلف ذكره مع الصحابة ثم خرج من مصر وقتل فى وقعة الجمل وقال على للذى قتله سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول بشروا قاتل ابن صفية بالنار ولم يذكر لاحد منهم بمصر وفاة وبمصر مزار كتب عليه العوام أولاد طلحة والزبير وليس بصحيح والصحيح أن هذا القبر الذى بالنقعة لا يعرف له اسم وأنه يزار بحسن النية قال المؤلف ورأيت بمقبرة الصدفيين مجدول كدان مكتوبا عليه عبد الله بن الزبير وهذا المجدول باق الى الآن بحرى السيدة سكينة ولا أدرى كيف وقع للشيخ موفق الدين مثل هذا الغلط وعلى باب القبة قبر المرأة الصالحة أم محمد ابنة الحسين ابن عبد الكريم الماشطة ذكرها صاحب المصباح فى تاريخه والى جانب هذه القبة

__________________

(١) هكذا بالاصل والمشهور انهم ثلاثة

١٤١

من الجهة القبلية حوش ابن غلبون ذكره الموفق فى تاريخه وبنو غلبون قبور متلاصقة الى بعضها أحدها قبر الشيخ الفقيه الامام العالم أبى الطيب ابن غلبون كان من كبار المحدثين روى بسنده قال لما أمر الوليد ببناء مسجد دمشق وجدوا فى الحائط القبلى لوحا من حجر فيه مكتوب بالنقش كتابة بالقلم الرومى فأتى به الوليد فبعث به الى الروم وسألهم عما فيه فلم يعرفوه فدل على وهب بن منبه فبعث اليه فحضر فلما حضر أحضروا له اللوح فقرأه فاذا هو من بناء هود النبى عليه‌السلام فلما رآه وهب حرك رأسه وقرأه واذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ابن آدم لو رأيت ما بقى من أجلك لزهدت ما ترجو من طول أملك وانما يلقاك ندمك اذا زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك وانصرف عنك الحبيب ورد عليك القليب وصرت تدعى فلا تجيب فلا أنت الى أهلك عائد ولا فى عملك زائد فاعمل لنفسك قبل القيامة وقبل الحسرة والندامة وقبل أن يحضر أجلك وينزع ملك الموت منك روحك فلا ينفعك مال جمعته ولا ولد ولدته ولا أخ تركته وتصير الى منزل ضيق ولا نجد فيه أخا ولا صديقا فاغتنم الحياة قبل الموت والقوّة قبل الضعف والصحة قبل السقم قبل أن تؤخذ بالزلل ويحال بينك وبين العمل وكتب فى زمان سليمان بن داود عليه‌السلام وكان أبو الطيب يقول قال بعض الصالحين من خلا بالله أظهره لعيون الناس ومن خلا له أخفاه الله عن عيون الناس وروى عنه أنه قال بت ليلة من الليالى فى أيام أبى حريش وكان يقول بخلق القرآن وأنا مفكر فى ذلك مهموم لما قد نزل بالناس من الفتنة فبينا أنا نائم على فراشى اذا بهاتف قد جاءنى وقال لى قم فقمت فقال لى قل

لا والذى رفع السما

ء بلا دعائم للنظر

فتزينت بالساطعا

ت اللامعات وبالقمر

ما قال خلق فى القرا

ن بخلقه إلا كفر

بل هو كلام منزل

من عند خلاق البشر

قال فلما فرغت قال لى اكتب فمددت يدى الى كتاب من كتبى فكتبت فيه فلما أصبحت ذكرت الرؤيا فمددت يدى الى كتاب من كتبى كان فى طاق الى جانبى وتصفحته فاذا الأبيات كما قال الهاتف فجلست ولم أخرج الى الطريق فلما علا النهار خرجت الى حوائجى فمشيت قليلا واذا برجل قد قام وسلم علىّ وقال أخبرنى بالرؤيا التى رأيتها البارحة فقلت من أخبرك بها قال شاعت بين الناس وتحدثوا بها فأخبرته بها توفى أبو الطيب ابن غلبون سنة سبع وثمانين وثلثمائة وقيل كانوا أربعة يقرؤن كل يوم ختمة فما برحوا

١٤٢

على ذلك حتى ماتوا وبالتربة أيضا أبو الحسن بن طاهر بن غلبون صاحب التذكرة والتكملة والقراءة وانتهت اليه الرئاسة فى زمنه وحكى عنه أنه كان لا يجيز من يقرأ عليه فى أوّل عمره فجاءه رجل من الغرب يقال له جعفر بن حميد المكناسى فقرأ عليه القرآن وجمع بالسبع فسأله أن يكتب له اجازة يقدم بها الغرب فأبى فقال له انى لم أقدم من الغرب الا لأقرأ عليك فلم لا تجيزنى فقال يا بنى انى أخاف أن تقع منك غلطة فى كتاب الله أو سهوة فذهب وتركه فلما كان الليل نام الشيخ فرأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له أجزه وأجز من قرأ عليك فلما أصبح قال له بالله عليك ما الذى تعمله من العمل فقال أقرأ فى كل ليلة ختمة وأجعل ثوابها لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأجازه الشيخ قال الشاطبى لم يكن فى زمن ابن غلبون أعلم بكتاب الله منه والى جانبه قبر أخيه وقبر ابنته المعروفة بعروسة الصحراء ماتت فى الليلة التى أراد ابن عمها أن يدخل بها والقبر رخام بأربع رمامين وقد اشتهر لها كرامة فى هذا القبر وهى أنهم يضعون أيديهم على رمامينه فى الشتاء فيجدونها عرقانة والسبب فى ذلك أنها ليلة دخولها على ابن عمها حصل لها حياء عظيم لانها ما اجتمعت على رجل غير أبيها قط فلما كشف ابن عمها الغطاء عن وجهها رأت ابن عمها فاستحيت منه حياء عظيما وعمت بالعرق ثم قالت اللهم لا تهتكنى على أحد من عبادك فاستجاب الله دعاءها فماتت لساعتها بكرا وأظهر الله هذا السر على قبرها والتربة معروفة باجابة الدعاء ثم تخرج من هذه التربة وتمشى فى الطريق المسلوك مستقبل القبلة تجد على يمينك قبرا داثرا يقال له ابن أخى المقوقس الذى أسلم على يد عمرو بن العاص فى قصة طويلة ذكرها الواقدى فى فتوح مصر قال ابن ميسر فى تاريخه وهو الذى هندس معهم الجامع العتيق وأمرهم أن يتخذوا الكنيسة العظمى جامعا قال الواقدى ولما قتل ابن المقوقس أباه وأمر الساقى أن يجعل له السم فى الشراب وخرج ابن المقوقس لعمرو ابن العاص وجاء أخو المقوقس فسمع بأمرهم فكتم ذلك فلما خرج ابن المقوقس لقتال عمرو هو ومن معه قصدوا دروب مصر فغلق أخو المقوقس الدروب فى وجوههم ومنعهم من الدخول وهرب ابن المقوقس الى الاسكندرية ففتح أخو المقوقس الدروب للمسلمين قال ابن أخى عطايا فى تاريخه ويقال ان هذا قبره قلت وهو الصحيح والى جانبه تربة لطيفة بها قبر أحمد بن محمد مهندس المقياس والى جانبه قبر أبى جعفر النيسابورى والى جانبهم قبر مبشر الخير ذكره الموفق فى تاريخه رؤى فى المنام فقيل له ما فعل الله بك فقال مت مسلما ولا تبالى ومعهم فى الحومة قبر المؤذن كان موذنا بجامع عمرو بن العاص وفى شرقيهم

١٤٣

قبور الشماعين حكى عنهم أنهم كانوا اذا مشوا فى الظلام يرى بين أيديهم شموع موقدة لا يعرف من أين تأتى فاذا وصلوا الى مواضعهم يذهب الشمع ولم يجدوه والى جانبهم قبور مكتوب عليها رقايون الضروس كانوا يرقون لوجع الضرس ذكرهم الموفق فى تاريخه والى جانبهم قبر ابن الامام قال بعض مشايخ الزيارة ان اسمه أبو بكر بن فورك وقال بعضهم ان اسمه أبو الحسن على ابن الامام وقال صاحب المصباح كان أبو أحمد هذا معدودا من أكابر العلماء فى عصره وكان يطحن فى الليل بيده ثم يصنع ذلك خبزا لاكله وطلب للقضاء فاختفى سنين وعدّه القرشى فى طبقة الفقهاء والى جانبه قبر أبى كهمس الجوهرى ذكره القضاعى فى كتاب الخطط قلت وهو المعروف الآن بقراءة سورة يس حكى عنه صاحب المصباح أنه كان يكثر من قراءة سورة يس فى الليل والنهار حتى كان آخر قراءته منها عند الموت ان أصحاب الجنة اليوم فى شغل فاكهون فرآه ابنه بعد موته فقال له يا بنى أكثر من قراءة سورة يس فان لها لسانا تشفع به عند الله وقيل ان وفاته كانت وهو يقرأ انى اذا لفى ضلال مبين فلما ان مات تأسف عليه ولده وقال ما أعهد من والدى الا قراءة القرآن وفعل الخير والصدقة ولا أدرى كيف وقف عند هذا الوقف وهو غير وقف فرآه تلك الليلة فى هيئة حسنة فقال له يا أبت ما فعل الله بك قال يا بنى لما أن وضعتمونى فى القبر وانصرفتم عنى جاءنى ملكان فأقعدانى وسألانى وقالا لى من ربك فما أحسست بنفسى الا وأنا اقرأ كتاب الله فقلت انى آمنت بربكم فاسمعون قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومى يعلمون بما غفر لى ربى وجعلنى من المكرمين ونذكر فضائل سورة يس عند ذكر مناقب الشيخ أبى القاسم الادفوى رضى الله عنه والى جانبه من القبلة قبر قال ابن عثمان هو صاحب البردة يعنى بردة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك غير صحيح قال المؤلف وبردة النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يبلغنا فى آثار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم التى دخلوا بها الى مصر أن فيها بردة غير البردة التى فى أيدى بنى العباس وهى موجودة عندهم الى الآن ولم يذكر علماء التاريخ انه دخل الى مصر من الصحابة ممن له بردة من اسمه صاحب البردة وآثار النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم مثبتة عند العلماء ويحتمل أن تكون هذه البردة بردة رجل من الصالحين والى جانبهم قبر القاضى أبى سعيد ولى القضا بمصر وكان حسن السيرة فى القضاء ذكره صاحب المصباح والى جانبه قبر دائر به الشيخ مقبل الحبشى كان رجلا صالحا ذكره الموفق وقال صاحب المصباح انه مات فى مجلس أبى الفضل الجوهرى وبجوارهم من الجهة القبلية قبة بها قبر عبد العزيز بن مروان أمير مصر لم يدخل الى مصر

١٤٤

من الامراء أكرم منه وعده القرشى فى طبقة التابعين وعند باب هذه القبة قبر الشيخ الصالح أبى الفضل محمد المعروف بالعصافيرى قال ابن ميسر فى تاريخه لما حمل انى النعش أتت عصافير خضر ورفرفت على نعشه الى القبر وحكى عنه انه كان يعمل بثلاثة دراهم فيتصدق بدرهمين ويشترى بدرهم عصافير فيعتقها فاتفق أنه أعتق عصفورا ثلاثين مرة وهو يجيئه فقال له بعد ثلاثين مرة ويلك تعتق وتاتى الى الصياد قال فسمع من يقول من ورائه يا أبا الفضل اذا جاء الحين فلا اذن ولا عين ولا حذر من قدر وقيل إن عصفورا من تلك العصافير نزل معه الى قبره فرؤى ميتا فى اللحد وقيل إن العصفور لما نزل معه فى القبر غاب ساعة ثم صعد من القبر واذا قائل يقول قد أعتقناه قد أعتقناه والقبر على هيئة مصطبة فى بقايا حوش والموضع معروف بمسجد العصافيرى وعند باب هذه التربة عمود مكتوب عليه أبو الحجاج يوسف الامام قيل إن الغاسل أراد أن يكفنه فى كفن فرأى من نزعه ثم جىء بكفن آخر فكفن فيه وهذا القبر الآن بين العصافيرى وبين صاحب الوديعة وأما الجهة الغربية من قبة عبد العزيز بن مروان فبها التربة المعروفة بابن حليمة السعدية قال ابن عثمان فى تاريخه إن بهذا المكان قبر ابن حليمة السعدية وهو قبر حجر عليه رخامة مكتوب عليها ابن حليمة السعدية أخو النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرضاعة قلت وذلك غير صحيح ولم يمت أخو النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرضاعة بمصر ولم يذكر أحد من علماء التاريخ انه دخل الى مصر مع الصحابة ولا أدرى كيف وقع للشيخ موفق الدين هذا الغلط كأنه والله أعلم اتكل على النسخة التى نقل منها قال صاحب المصباح والذى كتب هذه الرخامة رجل يقال له غانم الخامى كان مقيما بمسجد الانبار وبالتربة أيضا قبر كبير على هيئة مصطبة قال ابن عثمان فيه أولاد أبى بكر الصديق الا انه لم يوضح العبارة قال صاحب المصباح ويحتمل أن يكونوا بكريين ولو نظر الى ما الفه ابن الجباس لعرف من هو قال الشيخ أبو عبد الله القرشى المعروف بابن الجباس فى كتابه المهذب إن محمد بن ابى بكر الصديق خلف ولد بمصر اسمه عبد الله وقبره فى النقعة وأشار الى هذا القبر وعده فى طبقة التابعين وهذا هو الاصح ومقابل هذه التربة قبر رخام هو قبر اسامة المعروف بالملاح قال صاحب المصباح انه من أصحاب الشيخ شهاب الدين السهروردى وبالحومة قبر صاحب العشارى وبحرى هذه التربة قبور عليها مجاديل كدان فيها بنو اسامة الملاحون والملاح فى لغة العراقيين النوتى أقول والله اعلم انهم من ريسة البحر المالح ونذكرهم فى مواضعهم إن شاء الله تعالى ثم تمشى فى الطريق المسلوك مستقبل القبلة بخطوات يسيرة الى مسجد الانبارى تجد تحت

١٤٥

هذا المسجد قبرا به الشيخ الصالح أبو عبد الله محمد بن ابراهيم المعروف بصاحب الوديعة ذكره الموفق فى تاريخه وحكى عنه أن رجلا أودع عنده مالا فارسل وراءه صاحب البلد وقال له إن فلانا أودع عندك مالا قال نعم فقال له فلم لا تأتينى به قال لو أراد صاحب الوديعة أن يودع عندك شيئا لفعل وما أودعه عندى قال صدقت امض الى حال سبيلك ومن بعد صاحب الوديعة والعصافيرى قبور مشايخ القصارين وقبور جماعة من ريسة البحر المالح وقبر الشيخ الصالح أبى الحسن عرف بالجلاد قيل انه اشترى لابنه سوطا فأعطاه لامه وقال لها يا أماه اذا نمت فاضر بينى فانه لو علم النائم ما يفوته فى الليل من حلاوة العتاب وطيب المناجاة لبكى الدم اذا أصبح وحكى الربيع بن سليمان عن الشافعى انه كان يعيط عيطة عظيمة وقت السحر فسألته عن ذلك فقال يا قوم لو علمتم ما اسمع لتقطعت قلوبكم على ما فاتكم وفى رواية أخرى انكم لو سمعتم هل من سائل لتقطعت قلوبكم على ما فاتكم ويلى هذا القبر من الجهة الغربية تربة الانبارى فعلى باب هذه التربة لوح مكتوب عليه فى مجدولة رخام بالقلم الكوفى أبو العباس بن معاوية القرشى قال ابن الجباس فى تاريخه هو معاوية بن صالح فقيه مصر وعالمها وأكثر أهلها ورعا وزهدا وعلما وكان يحيى الليل فاذا أصبح جلس بين أصحابه فى الحلقة ويقول قاتلوا النعاس فلقد غلبنا النعاس البارحة قال القاسم بن يحيى كان معاوية بن صالح بمصر وقال القرشى وقبره الى جانب قبر الانبارى كان إماما ورعا زاهدا وهو معدود فى طبقة عبد الرحمن بن القاسم

ذكر تربة الانبارى ومن بها من العلماء والصالحين بهذه التربة قبر الشيخ الامام العالم الزاهد أبى بكر الانبارى صاحب كتاب الوقف والابتداء فى القراءة يعد من العلماء وفى طبقة القراء وفى طبقة المحدثين قال الفقيه ابن النحوى فى كتاب الرد على أولى الرفض والمكر فيمن كنى بأبى بكر حفظ الانبارى أربعة وعشرين صندوقا من العلم وما حفظ أحد قبله كحفظه وقال له الخليفة أتحسن تعبير الرؤيا قال نعم فذهب من ليلته وحفظه يعنى كتاب القيروانى فى التعبير وما جاء الغد الا وقد أتقن علم التعبير وكانت الفتوى تحمل اليه من المغرب ومن العراق ومن غريب حكاياته انه جلس على باب مسجده فجاءه رجل خائف من أهل الشرطة فقال له يا سيدى اخبأنى فقال له ادخل المسجد فدخل فجاء القوم فقالوا أين ذهب الرجل الذى مر عليك قال دخل المسجد فلما سمع الرجل ذلك خاف على نفسه فنظر الى الحائط وقد انشق نصفين وخرج منه ودخلوا فلم يجدوا أحدا فجاءه الرجل

١٤٦

بعد مضيهم فقال له الشيخ ما كان الله ليضيع من استجار بأبى بكر الانبارى وقيل انه وجد عنده ما يزيد عن حمل براية أقلام ووجدوا عنده حمل ليف أبيض قال عبد الله بن بشير قلت للانبارى كم حفظت قال ألف سطر فى ليلة واحدة وقال أبو هانى قلت للانبارى كيف حفظت القرآن قال وأنا ابن سبع سنين وقرأت الفقه فى سنة والنحو فى شهر وعلم الفلك فى سبعة أيام وقيل له نراك كثير الحفظ فقال ما أكلت مالحا قط وقال أبو حافظ قلت للانبارى ما الذى يذهب حلاوة العلم قال أكل أموال الملوك قلت ما أشد المحبة قال أن تلقى الله وليس فى صحيفتك غيبة مسلم مدّة عمرك قلت من الناس قال الذين تورعوا عن الحلال قلت من الملوك قال الزهاد اذا قنعوا قلت من الغرقى قال الذين شغلتهم معايشهم عن الصلاة قلت من السفلة قال الذين يكتبون الحديث ليأكلوا أموال الناس به وكان يقول من دعاء النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللهم إنى أعوذ بك من الغم والهم والكسل وقال رضى الله عنه للسلطان حين قال له كيف أنت وكيف حالك قال أقول كما قال بعضهم لمعاوية كيف تسأل عمن سقطت ثمرته وذبلت بشرته وابيض شعره وانحنى ظهره وكثر منه ما كان يحب أن يقل ونقص منه ما كان يريد أن يزيد فترك المعظم وهجر النساء وكان له الشفاء فقصر خطره وذهب لهوه وكثر سهره وقرب بعضه من بعض فقال له أخبرنى عن أطول العرب عمرا فقال أبو عبد الله أنس بن مدركة الخثعمى عاش مائة سنة وأربعا وخمسين سنة وكان اذا رمى بالنشاب ورمى أبو عبيد سبقه بالرمى وهو قائل هذه الابيات

اذا ما امرؤ عاش الهنيدة سالما

وخمسين عاما بعد ذاك وأربعا

تبدل مر العيش من بعد حلوه

وأوشك أن يبلى وأن يتشعشعا

وأبو عبيد نصر الاشجعى عاش مائة وسبعين سنة واعتدل بعد ذلك وصار شابا واسودّ شعره وكان أعجوبة عظيمة فى سائر العرب وفيه يقول الشاعر

لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها

وسبعين عاما ثم قوّم ذاتا

وعاد سواد الرأس بعد بياضه

ولكنه من بعد ذلك ماتا

وكان أبو بكر الانبارى زاهدا ورعا كثير العلم وكان يسمى البحر فى العلم وذكر له ابن النحوى أشياء فى كتابه الرد على أولى الرفض والمكر فيمن كنى بأبى بكر وقبره بالنقعة معروف يزار وحول قبره الخمسة ابدال ودبير العابد ومعه فى التربة قبر المحاملى واسمه عبد الله صاحب التصانيف كان من أجل العلماء وأكابر الزهاد يقال انه من وقف بين المحاملى

١٤٧

والانبارى ودعا بما شاء استجيب له وكان المحاملى من الحفاظ وهو شافعى المذهب عدّه القرشى فى طبقة الفقهاء وحكى أنه كان قد جاور رجلا من الأغنياء بمصر وهو يومئذ من طلبة العلم وكان ذلك الرجل الغنى يراه فيقول لابنه يا بنى يعجبنى هذا الشاب وانى لا أراه الا وهو يتلو القرآن العظيم أو يقرأ العلم وكان يأمر له بدراهم فيأخذها المحاملى وينفقها ثم سأل الله أن يسهل له ما يتجر به ثم خرج يوما وأتى الى جبانة مصر ودعا عند مقابر الصالحين فلم يزل كذلك حتى أتى قبر عبد الله بن أحمد بن طباطبا فقرأ وبكى عند قبره وكان قد أجهده الفقر فأخذته سنة من النوم فرآه فى المنام وهو يقول له اذهب فقد قضيت حاجتك قال فى الدنيا قال فى الدنيا قال وفى الاخرة قال وفى الآخرة فنزل من الجبانة وأتى الى بيته وكان شعثا فدخله فاذا على الباب من يناديه فظن أنه بعض الطلبة يصيح به فقال له اذهب فليس لى بك حاجة فقال افتح فأنا حاجتك الآن قال ففتح له فاذا هو جاره الغنى فأعطاه كيسا وقال له اذهب معى الى الحمام فدخل معه الى الحمام فغسله وألبسه ثيابا نظيفة وقال له اذا دخلت البيت فاضرب علىّ الباب فاذا فتحت لك فادخل وتحدث معى ساعة ثم قل بعد ذلك قد جئتك خاطبا لا بنتك فاذا أظهرت لك الحرج قل لا نخف هذه ألف دينار مهرها ثم دخل الرجل الى منزله وجاء المحاملى بعد ساعة فطرق الباب فقال الرجل لغلمانه أنظروا من بالباب فخرجوا وعادوا وقالوا على الباب رجل ذو بزة وهيئة حسنة فقال مروه بالدخول فدخل فقام له وترحب به وأجلسه الى جانبه وتحدث معه ساعة ثم قال له إنى قد جئتك خاطبا لابنتك فأراه الغضب ثم قال له ما معك ما تمهرها قال معى ألف دينار ثم رمى الكيس بين يديه فقام لامها فقال انا لا نجد مثل هذا فقالت زوجها له الساعة فأحضر القاضى والشهود وعقد له على ابنته ودخل بها ولما دنت وفاة الرجل أوصى له بثلث ماله وكانت زوجة المحاملى من الصالحات كان اذا نام المحاملى توقظه وتقول له ما هذه عادة أبى وكان يحيى الليل رضى الله عنها وكان المحاملى من العلماء المشهورين بالعلم قال ابراهيم بن سعيد الحوفى كنت أرى أكابر العلماء يزورون قبره ويتبركون بالدعاء عنده وعنده قبر الرجل الصالح دبير العابد واسمه على بن محمد المهلبى وانما أطلق عليه هذا الاسم لحكاية جرت له مع السواح وهى أنه قال خرجت يوما فرأيت قوما عجبت من نور وجوههم فزافقتهم يومين فلم يأكل أحد منهم شيأ فجعت وعطشت فقالوا لى ما بك يا غلام فقلت جائع وعطشان فقالوا إنك لا تصلح للمرافقة ثم قالوا لرجل منهم رده مأخذ بيدى فاذا أنا قائم على باب منزلى وفاتتنى صحبتهم فلاجل ذلك سميت نفسى دبيرا

١٤٨

وقيل عنه إنه حفر قبره بيده وكان يأتيه وينزل فيه ويتمرغ ويقول يا قبر جاءك دبير ومعهم فى التربة سبعة من الابدال كان يشار اليهم فى زمنهم بالخير والصلاح وهم أحمد وابراهيم واسماعيل ومحمد وعبد الله ويحيى وموسى وبهذه التربة قبر الرجل الصالح المعروف بالسدار وقيل إن معهم فى التربة الخمسة الاشباح ذكرهم الموفق فى تاريخه وفى التربة أيضا رخامة مكتوب عليها قبر السبتى بن هارون الرشيد قلت ذلك غير صحيح وقد ذكر أبو الفرج وفاة السبتى ببغداد بعد حكاية طويلة اتفقت له مع صاحب الدار ثم تخرج من باب هذه التربة الغربى تجد قبرا مبنيا على هيئة المصطبة على باب التربة وعنده محراب قال الشيخ موفق الدين هو الفران ولم يذكر له اسما ومكتوب على قبره هلال الفران وهذا غير صحيح والصحيح أن اسمه أبو الحسن على الفران ذكره القرشى فى المزارات وابن بصيلة والمكى وحكى عنه الموفق أنه كان من أرباب الطى وكان اذا بقى للوقفة يوم يمضى ويحج ويأتى وكان الحجاج يأتون ويخبرون برؤيته معهم ومن فضائله أن أمرأة عجوزا أتته ومعها رغيفان عجينان تريد أن تخبزهما فلما خبزهما وأخرجهما من الفرن تنهدت وبكت فقال لها مم بكاؤك فقالت ان ولدى بالحجاز وذكرته باسمه ونعته وكنت أشتهى لو أكل من هذا الخبز السخن فقال لها لفيهما فى هذا المنديل واتركيهما فتركتهما ومضت وكانت تلك الليلة ليلة عرفة فلما جاء الحج جاء ولدها ومعه المنديل وأعطاه لامه فقالت لا اله الا الله متى جاءك هذا المنديل قال ليلة الوقفة وفيه رغيفان سخنان وشاع ذلك واشتهر وهذا مما لا ينكر فقد اشتهر عن أبى الخير التنياتى لما ذكر فى مجلسه أرباب الطى وغيرهم وتذاكروا مواهب الله سبحانه وتعالى لهم فتبرم الشيخ رحمه‌الله وقال أنتم تقولون فلان يمشى فى ليلة واحدة الى كذا وكذا إنى أعرف عبدا حبشيا كان جالسا فى جامع طرابلس ورأسه فى جيب مرقعته فخطر له خاطر فقال فى سره يا ليتنى كنت بالحرم ثم أخرج رأسه من مرقعته فاذا هو بالحرم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم والى جانب قبره قبر زوجته كانت من الصالحات وبحريها بخطوات يسيرة قبر سيد الاهل ابن حسن المعروف بالقماح قال ابن ميسر فى تاريخه حدثنى أبى عنه رضى الله عنه أنه كفل خمسمائة بيت فى دولة المستنصر فى زمن الغلاء وكانت له صدقات وبر ومعروف ومن غربيه تربة بنى شداد العمايم الا أنها لا تعرف الآن وقبر سيد الاهل مبنى بالطوب الآجر على هيئة المصطبة وغربيهم جماعة نذكرها عند ذكر الشقة الثالثة إن شاء الله والى جانب قبر الفران تربة تعرف بتربة الذهبى بها قبر الشيخ الامام العالم أبى حفص عمر الذهبى كان إماما بمسجد الهيثم والجامع العتيق

١٤٩

بمصر وكان فقيها محدثا عالما من أكابر الفضلاء وأجل العلماء وقبره بحومة الفتح بالتربة الشرقية قلت وهى هذه التربة كان كثير العبادة قالت ابنته ما رأيت أعبد منه لقد كان يحيى الليل كله قراءة وصلاة وعدّه القرشى فى طبقة عبد الوهاب البغدادى ومعه فى التربة قبر الفقيه حميد المالكى حكى عنه أنه ناظر بعض المالكية فى مسألة فقال له أخطأت يا فقيه فقال له كذا قال مالك فقال لم يقله مالك ولا غيره فلما كان الليل ونام الرجل رأى فى النوم مالكا وهو يقول والله قلته وقاله غيرى فلما جاء اليه ورآه قال له يا أخى صدقنا صدقونا وكان مشهورا بالخير والصلاح وفى حائط هذه التربة حوش لطيف قال بعض الزوار فيه أولاد النجيب المقرى بالجامع العتيق وليس بصحيح وهذا الحوش معروف باق الى الآن بجانب حوش النجيبيين وبالتربة رخامة مكتوب فيها أولاد النجيب نذكرهم فى الشقة الثالثة إن شاء الله تعالى وذكر القرشى بحومة الانبارى قبر الفقيه أبى بكر الحسن صحب الانبارى قيل له يوما أى الطعام تأكله طيبا قال الجوع اذا غلبنى قيل له فأى الادام تحب قال الجوع فانه نعم الادام وقبره عند قبر الانبارى قلت والله أعلم إنه القبر المشار اليه بابن فورك السالف ذكره ومن وراء حائط الانبارى قبور جماعة من الصالحين قد دثرت قبورهم وذكر القرشى بعضهم فى كتابه واذا خرجت من حوش الانبارى وأخذت مقبلا تجد على يسارك قبر الرجل الصالح المعروف بالمهمهم الجيزى ذكره الموفق فى تاريخه وأثنى عليه وهو أحد مشايخ الزيارة حكى عنه انه كان يمشى ويهمهم بشفتيه فتبعه انسان فى الليل حتى أتى الى باب الجامع فرآه مغلقا فانفتح له فدخل وصلى ثم خرج وأغلق الباب فقال له الرجل الذى كان يمشى معه بالله يا سيدى ما ذا تقول فقال له الشيخ اسكت أما يكفيك سكوت الكلاب وفتح الباب والى جانب قبره قبر القصار حكى عنه أنه كان اذا سمع المؤذن ألقى الخرقة من يده وبادر الى الصلاة وقيل انه كان يعرف وقت الصلاة بغير اذان وانه كان اذا قصر وجاء وقت الصلاة يترك الخرقة على الحجر ويصلى وذكر الموفق انه القبر البحرى من المهمهم وحوله جماعة من مشايخ القصارين وقد سلف ذكرهم وشرقيهم قبر الزعفرانى وقد سلف ذكره والى جانبه قبر ولده اسماعيل بن حسين الزعفرانى صاحب الامام الشافعى ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء ثم نرجع الى الفتح ومن دفن به من الشهداء وهو محل مبارك نذكر من فيه عند ذكر الشقة الثالثة إن شاء الله تعالى ثم تمشى فى الطريق المسلوك وأنت مستقبل القبلة الى أن تأتى الى تربة الشيخ أبى العباس أحمد الحرار فتجد قبل وصولك الى التربة قبرا داثرا وعليه عمود قديم نقلت عنه مشايخ الزيارة انه عامر المعافرى وليس بصحيح

١٥٠

والمعافريون فى مقبرة واحدة هكذا حكى القرشى وعامر هذا هو أول من دفن بالقرافة حكى الموفق فى تاريخه أن المقوقس سأل عمرو بن العاص أن يبيعه سفح المقطم بسبعين الف دينار فعجب عمرو من ذلك وكتب بذلك الى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه فأرسل اليه عمر يقول سله لم أعطاك ما اعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء فسأله فقال انا نجد فى كتبنا القديمة انه يدفن فيها غراس الجنة فكتب بذلك الى أمير المؤمنين عمر فأرسل اليه عمر يقول انا لا نعلم غراس الجنة الا المؤمنين فاقبر بها من مات منهم ولا تبعه شيئا فكان أول من دفن بها رجل من المعافر يقال له عامر المعافرى فقيل عمرت به الجبانة ووقفت ابنته على قبره تبكى فقيل فى ذلك

من لى من بعدك يا عامر

اذا تولى الزمن الجائر

تركتنى فى الدار ذا غربة

قد خاب من ليس له ناصر

قلت وهو الآن لا يعرف له قبر الا انه بمقبرة المعافريين وبجوار قبره مقبرة بنى كندة نذكرها قبل مقبرة الشيخ أبى العباس الحرار لانها مقبرة عظيمة بها جماعة من الصحابة والتابعين وهى مقبرة متسعة أو لما قبر الشيخ أبى العباس وآخرها قبر الزعفرانى السالف ذكره وشرقيها ابن عبد المعطى وغربيها الفتح فبهذه المقبرة قبر عدى بن عدى عده القرشى فى طبقة التابعين وفى مقبرتهم أيضا عمران بن عبد الله الكندى من قبيلة عمر بن محمد بن يوسف الكندى قال القرشى مقابل الكنديين بالنقعة وقيل ان بمقبرتهم رجلا من الانصار يقال له أبو ضمير من بنى عمران شهد فتح مصر ولاهل مصر عنه حديث واحد والكنديون جماعة بالمقبرة وقد سلف ذكر بعضهم فى ذكر الصحابة ولو استوعبنا ذكرهم لضاق الوقت علينا وفى مقبرتهم عدى الكندى دخل مصر وشهد فتحها مع عمرو بن العاص

ذكر تربة الشيخ أبى العباس الحرار التجيبى الاصل الاشبيلى المنشأ من عرب الاندلس وكان ينسج الحرير السقلاطون فسمى بالحرار وصحب بها رجلا يقال له ابن العاصى كان اماما محدثا فانتفع به وخدمه وكان كثير الاجتهاد ملازما لخدمة الفقراء الى أن سمع بسيدى أبى أحمد جعفر بن سديونه الخزاعى الاندلسى أحد أصحاب سيدى أبى مدين شعيب فهاجر اليه من اشبيلية وخرج أيضا معه جماعة من الفقراء كلهم من اشبيلية وكان كل منهم له دعوى فلما وصلوا الى بلاد سيدى أبى أحمد جعفر الاندلسى قال قوم تزورون ابن المرأة وكان ابن المرأة رجلا ادعى النبوّة فقال الحرار إنى ما هاجرت الا الى أبى أحمد جعفر فوافقه الجماعة ودخلوا الى أبى أحمد فوجدوا عنده خلقا عظيما وجمعا من الناس لا يحصون ونقباء

١٥١

كل نقيب موكل بوظيفته فأحضروهم بين يدى الشيخ وصفوهم صفا فنظر اليهم الشيخ من أولهم الى آخرهم ثم قال اذا جاء الصبى الى المعلم ولوحه ممسوح كتب له المعلم واذا جاء ولوحه مملوء فأين يكتب له المعلم فالذى جاء به يرجع به ثم نظر نظرة أخرى وقال من شرب من ماء واحد سلم مزاجه من التغيير ومن شرب من مياه مختلفة لا يخلو مزاجه من التغيير وكان فى ذلك اشارة الى الجماعة اذ أشركوا بزيارته غيره قال أبو العباس فشكرت الله تعالى اذ عافانى من ذلك ثم أشار بيده الى الخدام فأقامونا بين يديه ثم أمر أصحابى بالانصراف وأفردنى فى مكان فيه جماعة من أصحاب الشيخ باشارته فرأيت دارا فيها أربعمائة شاب كلهم من سن خمس عشرة سنة فلما أتيت اليهم قالوا يا أخانا يا أحمد من حين خرجتم من بلدكم أطلعنا الله على أحوالكم وعرفنا كل واحد منكم بأى وصف جاء فلما كان اليوم الثانى صار قوم منهم يتجمعون فى موضع ويجعلون سماعا فأخذونى صحبتهم فلما اجتمعنا فى المكان أحضروا شيأ للأكل ثم قرأ انسان شيأ من كتاب الله ثم شرعوا فى السماع واذا باثنين قد دخلا المكان فأخذا واحدا من الجماعة وخرجا به ثم عادا فأخذا آخر ثم جاءا فأخذانى وخرجا بى الى الباب فوجدت متولى المدينة قائما على الباب وكتفه فى خد الباب الواحد وحربته فى الخد الثانى وزبانيته بين يديه وكلما خرج واحد يتسلمونه ويذهبون به الى المسجد فلما خرجت بقيت واقفا قدّام الوالى لا هو ينظرنى ولا زبانيته واذا الحائط الذى خلفه انشق واذا برجل عليه ثياب خضر أخذنى وأخرجنى من الحائط وقال انج أنت فما عليك من هؤلاء فذهبت الى الجامع فاذا البلد قد أرجف بأخذ الفقراء وكان السبب فى ذلك ان الشيخ قد نهى أصحابه أن يجتمعوا على تلك الصورة وكان ذلك بسبب مخالفتهم ثم أمر الشيخ بتخليتهم وبقيت أنا مستحى منهم كيف نجوت دونهم واذا بخادم الشيخ قد جاءنى وأدخلنى على الشيخ فوجدت الجماعة الذين كنت معهم حاضرين فجلست بين يدى الشيخ فقال الشيخ للجماعة ما منكم الا من يمشى على الماء ويطير فى الهواء لم لا عملتم مثل ما عمل هذا حين دخلوا عليه قال أبو العباس فشكرت الشيخ الذى مدحنى بهذا ثم انصرفنا فلما كان اليوم الثالث جاءنى الخادم وأحضرنى بين يدى الشيخ فلما جلست نظر الىّ الشيخ وأمدنى بما أمدنى ثم قال انصرف الى بلدك فقد استغنيت وقال رضى الله عنه سافرت الى اشبيلية فمنذ خرجت من بين يدى الشيخ انكشف لى العالم العلوى كشفا لا يحتجب عنى منه شئ وكنت أمشى على الارض وهى تحتى كالرغوة على وجه الماء وكان أهلى ومعارفى يختلفون فىّ فمنهم من يقول ما هو أحمد وكنت أدخل الى المسجد فأخلع نفسى

١٥٢

مع نعلى وأشهد لمن أصلى ومع من أصلى وقال رضى الله عنه لما سافرت من الغرب الى ديار مصر عبرت على المهدية فوجدت فيها الشيخ أبا يوسف الدهمانى فبت معه تلك الليلة فى رباطه على البحر ثم سافرت فلما دخلت الى مصر وجدت فيها الشيخ أبا عبد الله القرشى وكنت أتردد الى ميعاده أياما لا أكلمه من ظاهر واذا سيدى أبو يوسف قد جاء من الغرب ونزل فى حمى القرشى وخدم به كثيرا فاتفق انى وجدت أبا يوسف وهو يحمل حاجة لنفسه فغرت عليه من ذلك وجئت الى منزله وقلت له يا سيدى أتاذن لى أن أخدمك مادمت بمصر بحكم أن تتركنى على حالتى التى أنا عليها فقال نعم فخدمته وكنت لا أتناول له شيأ وكانت حالتى التى كنت عليها اننى كنت فى مخزن فى فندق عند مسجد الهيتم فيه من قش القصب وفيه ابريق وكنت لا أهوى غير هذه الحالة وكنت أكب زنارا حريرا بدرهم وأجعله عند الزيات فآخذ منه فى عشية كل يوم رغيفا أقتات به فاذا فرغ الدرهم أكب زنارا غيره فاتفق ان أبا يوسف حضر عند القرشى فى وليمة عملها له فلما مدّ السماط والشيخ القرشى صدر البيت وكنت فيمن حضر ولم آكل شيأ فقال القرشى يا قوم من الحاضر ولا يأكل شيأ فقالوا يا سيدى الحرار فسكت فقال له أبو يوسف لم لا تأذن له فى الأكل قال يا أبا يوسف ما حكمنى فى نفسه قال يا سيدى فها أنا وجدته عندك فقال يا أبا يوسف نعم ولكن اجتمع بك قبلى ولم أكن أخبرت القرشى بذلك وكان سيدى القرشى ضريرا قال رضى الله عنه فلم أزل على حالتى أكب الحرير حتى قيل لى ان لم تتركه أعميناك ومما اتفق لى فى خدمة الشيخ أبى يوسف الدهمانى انه دفع لى الشيخ القرشى قفة فيها قمح قدر ثلاث ويبات فحملتها على رأسى فلما صرت فى وسط الطريق انحلت فوطتى من وسطى فاستندت الى مصطبة ووضعت القفة عليها وشدّدت وسطى وطلبت من يرفع القفة معى على رأسى فلم أجد فأدخلت رأسى تحتها ورفعتها فساخت رقبتى وانفرقت فرقتين وخرجت فلم أطق الكلام فتكلفت بها الى سيدى أبى يوسف ومضيت الى المكان الذى كنت أنام فيه فجلست على تلك الحالة هنيهة واذا بالسيد الخضر عليه‌السلام قد دخل علىّ وفى يده اناء فيه عسل والحرف يعنى حب الرشاد فقال اشرب يا من يخدم أولياء الله فان من يخدمهم لا يصيبه سوء فأخذت ذلك وشربته فذهب عنى ما كنت أجده فقمت وبادرت الى أبى يوسف وكان ملازما ميعاد القرشى فقال يا أحمد امض الى القرشى وسله ان كان يعمل ميعادا باليوم فذهبت وأنا مستهول القدوم على القرشى فلما وصلت الى بابه وقفت متحيرا فلم يسعنى الا امتثال أمر أبى يوسف واذا طاقة فتحت من غرفة عالية واذا الخادمة

١٥٣

أخرجت رأسها وقالت يا أحمد قل لابى يوسف ما يعمل اليوم ميعادا وقال رضى الله عنه لما سافر أبو يوسف خرجت معه الى البحر لاودعه فنظر الىّ وقال يا أحمد وهبتك نصف عملى وقال رضى الله عنه دخل علىّ الخضر فى المكان الذى كنت فيه آوى فسلم علىّ وسلمت عليه فقال لى يا أحمد كن منى ودّانيا قلت فمن فى الوجود ودّانيا فقال اثنان واحد بوادى ابراهيم بالحجاز والآخر بالجزائر فكان الشيخ ثالثهم وقال أيضا دخل الخضر علىّ مرة وكان وقت السحر فسلم علىّ وقال قد طلعت الشمس فقلت يا سيدى أى شمس قال شمس الحقيقة فلما أراد الانصراف قلت له أوصنى فشمر عن رجليه ونظر اليهما يعنى اخدم وتواضع وكانت صفته الى أن مات وقال رضى الله عنه دخلت على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم فوجدته يكتب مناشير الأولياء وقد كتب لأخى محمد منشورا فقلت يا سيدى يا رسول الله لم لا كتبت لى وقد كتبت لاخى فقال يا أحمد أتريد أن تكون ٢ قمهارا فأطرقت وقال رضى الله عنه خرجنا من اشبيلية جماعة نريد السياحة وكان من جملتنا محيى الدين ابن عربى وحاكمنا أمير يقال له عمار فبينما نحن نمشى فى برية اذا بالخضر قد أقبل وذيله على الأطراف ولواحظه عارقة فلما رأيناه عرفناه فكسا جماعة منا هيبة يعجز عنها غيره وشغلهم وهو سائر يحادثهم ثم سلم ولم يستطع أحد يرد عليه‌السلام منهم وكل ذلك لأثر دعاوى كانت عندهم وكنا مرة جالسين فى مكان وقد دخل علينا رجل لا نعرفه فكسانا منه هيبة فسلم وركع والتفت الى الجماعة وقال سؤال الوجود ملان أو فارغ فلم يجبه أحد فقال آدم لما أكل من الشجرة أكان محمد حاضرا أم غائبا فلم يجبه أحد فقال لما أخرجت حواء من ضلع آدم ما سدّ المكان الذى كانت فيه وتكونت عنه فلم يجبه أحد فسلم ومضى وكان الذى سألهم الخضر عليه‌السلام وقال رضى الله عنه خرجت مرة من اشبيلية وحدى أسافر الليل فعند ما خرجت من البلد واذا بشخص يشبه أهل اليمن فسلم علىّ وصار يحادثنى ان مشيت مشى وان قعدت قعد يقرأ سورة (إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) فبقى معى أياما فقلت له ما تكون يرحمك الله فقال أنا مؤمن من مؤمنى الجن أرسلت اليك أؤانسك فلما وصلت الى البلد الذى أريد راح عنى وقال رضى الله عنه كنت حالة تجريدى بمصر أتردد الى مسجد كان قبالة مصنع الحفارين بطريق القرافة أبيت فيه وكنت أخرج فى الليل وأمشى فى الجبانة فيكشف الله لى أحوال أهل القبور والمنعمين وغيرهم من المعذبين لاختلاف أحوالهم فما رأيت أحسن من الجهة القبلية من الفتح قال الاستاذ صفى الدين فلما أدركته الوفاة أشار الىّ بأن أحفر له قبرا فاخترت له مكانا قبلى الفتح فدفنته به وأخبرته

١٥٤

به قبل موته فقال أحسنت بارك الله فيك وبالتربة جماعة من ذرية الشيخ أكبرهم الشيخ أبو العباس أحمد المعروف بابن النقيب وله حكايات نذكرها فى غير هذا الموضع والى جانب قبر الحرار قبر الفقيه الامام محمد الانبارى عدّه ابن الجباس فى طبقة الفقهاء وبالتربة أيضا الفقهاء أولاد ابن عبد الحكم القرشيون رضى الله عنهم أجمعين

ذكر الشقة الثالثة من النقعة وهى من جوسق المادرانيين الى الفتح وقد سلف ذكر المادرانيين وقد ذكرها القضاعى فى الخطط قال صاحب المصباح بنى على هيئة الكعبة وكان أهل الرياسات يجتمعون عنده فى الأعياد ويوقدون فيه الشموع الكثيرة ويجتمع حوله القراء ويتلون فيه القرآن وتأتى المادرانيون ويفرقون الجوائز فى ذلك اليوم رغبة لما فى ذلك المكان من الخير والبركة وقال الكعبى ما رأيت من بكا حوله الفقراء والأرامل والايتام كالمادرائى لما مات وجرى بعد موته أشياء وسيرته معروفة مذكورة تعرف بسيرة المادرائى وهذا الجوسق مسجد فوق مسجد والدعاء فيه مجاب (١) (مبرك الناقة تحديده من شاطئ النيل الى محل الشهداء تبركت به القبط قديما ولما فتح عمرو بن العاص مصر أخذه قهرا ودفن به الصلحاء من هذه الأمّة ورأوا به الضياء فى ليلة سبت النور كما يرون ببركة الدم وشاهدوا ذلك النور يسير من الجيزة الى برؤيته لذلك النور بذلك؟؟؟؟

؟؟؟؟) ثم تمشى مغربا الى المصلاة الجديدة المعروفة بمصلى خولان فتجد عند بابها الشرقى فى آخر الحائط قبرا داثرا عليه بقايا طوب هو قبر السيدة زكيه ابنة الخير ابن نعيم ومعها فى الحومة قبر السيدة قطر الندى وخبرها معروف ثم تدخل الى المصلى من الباب البحرى قال ابراهيم الحافظ والدعاء تحت قبتهما مجاب الا أنها قد تغيرت معالمها ومعالم القبة وقد جدّدها الصاحب المرحوم ابن زنبور وقد ذكرها الكندى والقضاعى فى كتاب الخطط وهى خطة قديمة صحابية وهى مدافن الخولانيين أوّلها المصلى وآخرها مسجد زهرون ودورهم ومساجدهم بمصر ذكرها القضاعى فى الخطط وقال صاحب المصباح واذا خرجت من بابها القبلى ومشيت خطوات يسيرة تجد أمامك قبرا رخاما مكتوبا عليه الحسن بن يحيى الشبيه ابن القاسم الطيب وهذا القبر موجود الى الآن والى جانبه قبر الشيخ الامام العالم ابن أبى وداعة صاحب سعيد بن المسيب حكى عنه ابن عبد البر انه مات بمصر ودخل اليها وسار الى الغرب ثم عاد اليها يريد الحجاز واجتمعت عليه جماعة من المغرب قال رضى الله عنه كنت أجالس سعيد بن المسيب وأحادثه فماتت زوجتى فأخبرته فى اليوم الذى ماتت فيه فشهدها وعاد وعدت فقال هل لا تتزوج فقلت كيف أتزوج ولا أملك سوى درهمين فقال

١٥٥

أنا أزوجك فأخذهما رحمه‌الله تعالى وزوجنى ابنته فقمت الى منزلى وصليت العشاء ثم قدّمت العشاء وكان خبزا وزيتا فاذا بالباب يطرق فخرجت فاذا هو سعيد بن المسيب فقال لى انك كنت رجلا عزبا فكرهت أن أتركك وحدك وهذه زوجتك قال ثم أدخلها وذهب فأعلمت الجيران وقلت ان سعيد بن المسيب قد زوجنى ابنته وجاءت أمى فقالت وجهى من وجهك حرام حتى أصلحها الى ثلاثة أيام قال فلما كان بعد ثلاثة أيام دخلت عليها فاذا هى من أحسن الناس قارئة محدثة تقوم فتصلى فى الليل وتعرف حق الزوج فأتيته فقال لى كيف ذلك الانسان فقلت على ما يحب الصديق ويكره العدوّ فقال ان رابك منه شئ فالعصا ثم بعث الىّ بمائة دينار وعدّه القرشى فى طبقة الفقهاء وقال قبره قبلى المصلى الا أنه لا يعرف الآن ثم تمشى مشرقا خطوات يسيرة تجد قبة قد سقط بعضها تحتها السيدتان الشريفتان فاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى أما فاطمة الكبرى فهى ابنة عيسى الامام ابن محمد بن اسماعيل بن القاسم الرسى ماتت بعد الستين والاربعمائة وتاريخ وفاتها عند رأسها فى أصل القبة والدعاء تحتها مجاب وقال القرشى من جعل هذه القبة وراءه والادفوى أمامه ووقف وبسط يديه ودعا استجيب له وهذه القبة هى رأس مقبرة الجارودى وقد ذكر القرشى فى كتابه خلاف ما ذكر الموفق فى تاريخه قبورا كثيرة وتربا بين الجوسق وهذه القبة قد دثرت وصارت جبانة واحدة وهى تعرف الآن بمقبرة الجارودى أوّلها مقابر المادرائيين وآخرها القبة المذكورة فأجل من بها السيد الشريف أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن اسماعيل المعروف بالجارودى عده القرشى فى طبقة الاشراف وهو من طبقة الميمون بن حمزة ويسمونه صاحب الناقوس وصاحب الناقوس رجل غيره وكان الشريف الجارودى ذا علم ودين وأمانة حكى أبو محمد المالكى أن الاربعة الذين يجاورونه كلهم أشراف من أولاد الحسين والى جانبه من الجهة البحرية قبر البكرى أبى عبد الله محمد الواعظ كان يسكن بالخشابين بمصر وكان الناس يأتون اليه ويجلسون تحت منزله فيعظهم من طاقته قال ابراهيم البكاء وعظهم ليلة فاهتز منزله خمس مرات كالمستمع اذا هزه السماع وكان يقول يستحب للعاصى حضور مجالس الذكر لعله أن يجد بعد قساوة قلبه لينا وكان يقول اذا أردت أن تعصى الله فانظر مكانا لا يراك فيه فان علمت أنك لا يسترك عنه شئ فاستحى أن تعصيه هكذا حكى عنه صاحب المصباح والى جانب قبره قبر صغير حكى ابن عثمان عنه كانت رجله طالعة من قبره على وجه الارض يقال إنه رفس والدته فدعت عليه قال الموفق إنه رأى الرجل وهى طالعة على وجه الارض فجاء قوم من الزوار فوجدوها على وجه الارض

١٥٦

فجعلوا ترابا كثيرا عليها ودفنوها فلما جاء يوم الزيارة وجدوها قد طلعت على الترب فقالو يا قوم ما فينا عاصى غير هذا تعالو ندعوا الله باخلاص لعله يستره ثم إنهم دعوا الله وتصرعوا وبكوا فاستجاب الله دعاءهم وسترها فلم يرجع أحد يراها بعد ذلك اليوم قال الموفق وقباله تربة كبيرة بها امرأة شريفة لم يبق من التربة الا أثر القبة وبالمكان أربعون شريفا ونساء الشريف طباطبا وبالحومة أشراف كثيرة لا يعرف منها قبر من قبر ومعهم فى الحومة قبر هبة العتال ذكره الموفق فى تاريخه قيل إنه كان مع قوم من الزوار من مصر مع الشيخ أبى رحمة فمروا بهذه البقعة ووقف الشيخ أبو رحمة يتكلم ثم التفت الى الشيخ هبة وكان شيخا كبيرا وقال له يا شيخ ما بقى الا القليل فقال الشيخ هبة ايش قلت يا سيدى فقال قلت ما بقى الا القليل فقال والله صدقت ما بقى الا القليل وجلس وجعل رأسه بين ركبتيه فلما فرغ الشيخ من التكلم قالوا له قم وحركوه فاذا هو ميت رحمة الله عليه فغسلوه ودفنوه فى البقعة التى مات فيها وحكى عنه صاحب المصباح أنه خرج يوما مع أصحابه فمر بهذا المكان الذى هو مدفون به فقال هاهنا أدفن اليوم ثم وصل معهم الى قبر الشيخ أبى الحسن المقرى فمات هناك وهو يزور الصالحين ثم حمل الى هذا المكان ودفن فيه والمقبرة معروفة باجابة الدعاء قال صاحب المصباح والى جانب المقبرة مقبرة الغرباء وقد دثرت فلا تعرف الآن وهذا آخر مقبرة الجارودى ثم تمشى من القبة وأنت مستقبل القبلة قاصدا تربة الادفوى تجد قبل الدخول عند الباب الغربى ملاصقا للسقاية قبر الشيخ الصالح عبد الحسيب بن سليمان المعروف بصاحب الجلبة حكى عنه أنه أوقف جلبة لله لتعدية من يحج وجعل فيها من الزاد والماء فأقامت ما يزيد على ستين لم تغب فى سفرة قط وقال بعض مشايخ الزيارة إن الى جانبه قبر السيد الشريف أبى الدلالات قلت ولا أعلم صحة هذا القول لانه لم يذكر أحد من أرباب التاريخ وعلماء النسب من اسمه أبو الدلالات غير اثنين الواحد بشقة الجبل والآخر بالقرافة الكبرى ويحتمل أن يكون شريفا لا يعرف له اسم ثم تدخل الى تربة الادفوى قال العبيدلى فى كتابه الرد كان الادفوى من العلماء المحدثين وذكره القرشى فى تاريخه وأثنى عليه وكان من السبعة الابدال ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وقال إن اسمه محمد الادفوى وكان مشهورا بالعلم مات سنة خمسين ومائتين وهو معدود فى طبقة سليمان ابن زياد أدرك جماعة من القراء وقرأ عليهم وله كتاب الاستغناء فى تفسير القرآن كتبه لامير مصر فكتب الى جانبه يمكن الاستغناء عنه ورده عليه فدعا عليه فلم يقم غير ثلاثة أيام وكفى فخرا أنه شيخ جماعة من المحدثين الاكابر منهم أحمد بن عبد الجبار

١٥٧

وأبو الحسن الحوفى وأحمد الكتانى وكان يجتمع اليه الفقهاء والقراء والصوفية وكان يحج مع كل طائفة سنة فحكى عنه أنه حج سنة ومعه جماعة من الصوفية والقراء فنزلوا منزلة ولم يكن معهم زاد فقال للقافلة من معه شئ يرجو ثوابه فليرم فى هذه القصعة فصار كل أحد يرمى فيها ما تيسر له فبينما هم كذلك واذا بثعبان كبير قد جاء وفى فمه دينار فرمى به فى القصعة ثم قال بلسان فصيح نحن من جن نصيبين أتينا نحج معك فى هذا العام الى بيت الله الحرام وكان الادفوى كثير الاطراق الى الارض ومعه فى القبر ولده أبو القاسم عبد الرحمن ذكره القضاعى وأثنى عليه وله من الاخوة محمد بن محمد بن هارون الاسوانى وهو أخوه لامه وقبره قبلى عبد الحسيب صاحب الجلبة وعلى يسرة الداخل من الباب الغربى عمود مكتوب عليه أبو الحجاج يوسف بن عبد الله المصرى امام مسجد حمام الفار وبالتربة أيضا قبر الرجل الصالح أبى القاسم الجلاجلى صاحب المجدول الرخام الطويل وبالتربة أيضا قبر مكتوب عليه ابن عبد البر غير صاحب الاستيعاب ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وبالتربة أيضا قبر الشيخ الصالح الورع الزاهد مظفر أبى عمر يوسف بن عبد الله بن محمد عبد البر المالكى متأخر الوفاة كان مقيما بدير الطين وكان كثير التلاوة للقرآن انتفع به جماعة وكان لا يتناول شيأ من أبناء الدنيا لانه كان الغالب عليه الزهد وبالتربة أيضا قبر الشيخ أبى اسحاق ابراهيم كانت وفاته بعد سنى الخمسمائة وكان رجلا صوفيا وكان يجلس ليلة الجمعة فى جوسق الادفوى ومعه جماعة من أصحابه فتكلم ليلة من الليالى على الحور العين وناموا تلك الليلة فرأى كل واحد منهم حوراء تقول له أنا صاحبتك فى الجنة كذا حكاه صاحب المصباح وبها أيضا قبر الشيخ محمد بن يونس خادم الادفوى فى حياته وبها أيضا قبر أم أبى الربيع الزبدى ذكرها ابن بللوه ولا أدرى أشريفة هى أم لا حكى عنها صاحب المصباح أنها كانت تصحب الركب فاذا عطشوا أتوها فتقول الماء أمامكم فيجدون الماء أمامهم وقال أيضا إن بهذه التربة قبر الرجل الصالح المعروف بالنحاس جد بنى النحاس وقيل انه النحاس صاحب الكتاب ولا أدرى هل هو أشار لابن النحاس أو لغيره وبنو النحاس بشقة الجبل فى حوش الكيزانى ولم يكن بالقرافة من اسمه النحاس وله كتاب فى الزيارة والله أعلم وبها أيضا قبر الفقيه الحسن بن سفيان ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وأن الناس كانوا يأتون اليه ويسألونه فى العلم ويأتونه بالمال فيقول تصدقوا به قبل أن تدخلوا على فى المكان وحكى عنه أن أحمد ابن طولون بعث اليه بأربعة آلاف دينار فأراد أن يردها فقال له بعض أصحابه إنه شديد الغضب وربما شفعت عنده فى مسكين فلا يقبل قال فأخذها ثم قال لبعض أصحابه

١٥٨

إذهب بها الى السوق فأشتر بها عبيدا فذهب واشترى بها عبيدا وعاد اليه فقال لا تدخلوا علىّ بهم الا وفى يد كل واحد منهم عتاقته فما دخلوا بهم عليه الا وهم على تلك الحالة قال القرشى وقبره عند قبر الادفوى عليه لوح رخام أقول والله أعلم إنه أشار الى قبر الجلاجلى وبها أيضا قبر فيه أولاد الشيخ يعقوب الدقاق وقيل إن بالتربة جماعة من المعافريين والتربة الآن معروفة بالخولانيين ونختم التربة بمناقب الشيخ أبى القاسم عبد الرحمن ابن الادفوى رحمه‌الله وهو معه فى القبر كما تقدم الكلام كان من أجلاء العلماء ومن طلبته محمد بن القضاعى وأبو الحسن الخلعى يروى عنه القضاعى حديثا يرغب فى قراة سورة يس وهو أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال إن لكل شئ قلبا وقلب القرآن يس من قرأ سورة يس يريد بها وجه الله غفر له وأعطى من الاجر مثل من قرأ القرآن اثنتى عشرة مرة وأيما مسلم قرئت عنده اذا نزل به الموت نزل عليه بكل حرف عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا ويصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويشهدون دفنه وأيما مسلم قرأ سورة يس وهو فى سكرات الموت أقام ملك الموت حتى يجيئه خازن الجنان بشراب من شراب الجنة يشربه على فراشه ويتقدم ملك الموت فيقبض روحه وهو ريان ويبعث يوم القيامة وهو ريان ويدخل الجنة وهو ريان وهذا الحديث ذكره وهو واهى الاسناد وكان أبو القاسم كثير العلم له حلقة بجامع مصر يحضرها سادات العلماء وكان أكثر لباسه الصوف فدخل بعض علماء العراق الى مصر فرأى حلق العلماء بالجامع حتى وقف على حلقة أبى القاسم الادفوى فسمعه يتكلم فى علوم كثيرة فعاب عليه لباسه وأنكر ذلك بقلبه فقال أبو القاسم أفيكم من يحفظ أبيات الشافعى فقالوا لا فانشد يقول

علىّ ثياب لو تباع جميعها

بفلس لكان الفلس منهنّ أكثرا

وفيهنّ نفس لو يعادل جودها

نفوس الورى كانت أجل وأوفرا

قال فتقدّم العراقى وقال يا سيدى أريد أن أكون أخاك فى الله فأنشد يقول

ولم أر كالدنيا وكشفى لأهلها

فما انكشفوا لى عن صفاء ولا صدق

طلبت أخا فى الله غربا ومشرقا

فأعوزنى هذا على كثرة الخلق

فقال له الرجل قد جئت من العراق بأحمال هى لك فقال لو قبلت من غيرك قبلت منك ولكننى أخاف أن أقبل منك فيطمع فينا الملوك فتصدّق بمالك على من شئت واقنع منى بثلاث فقال وما هى فقال اكرم نفسك بالطاعة وارفع يدك عن الدنيا واجعل افتقارك الى الله عزوجل وقد نصحتك والسلام قال فخرج العراقى وهو يبكى وبعث اليه

١٥٩

ملك مصر جائزة فردّها فقال له القاصد ان أصحابك قبلوا الجائزة فاقبلها فردّها وكتب الى الملك يقول

أرى رجالا بأدنى الدين قد قنعوا

ولا أراهم رضوا فى العيش بالدون

فاستغن بالله عن دنيا الملوك كما اس

تغنى الملوك بدنياهم عن الدين

فلما وقف الملك على ذلك غضب فقال له وزيره ان خزائنك أيها الملك وأموالك وعساكرك لا تقيك من دعائه وكان أبو القاسم دواما يتمثل بهذا البيت

استغن عن كل ذى قربى وذى رحم

ان الغنىّ من استغنى عن الناس

أدرك جماعة من العلماء وروى عنهم ودفن مع أبيه فى قبره مات يوم الجمعة سلخ ذى القعدة سنة سبع وعشرين وثلثمائة ثم تخرج من التربة من الباب الشرقى تجد عند باب التربة قبورا داثرة فيها قبر النجار المقدسى المعروف بالاصم حكى عنه أنه كان يعمل فى الخشب فاذا جاء وقت الصلاة أمسك القدوم فى الخشب فيعرف أن الوقت استحق فما فاتته صلاة فى وقتها ثم تمشى الى المسجد المعروف بمسجد زهرون وقيل هارون والأصح زهرون وهو قديم البناء ذكره علماء التاريخ قال الموفق ان به صحابيا وشهيدا ولم يذكر هذا غيره من علماء التاريخ وفى هذا القول ضعف لانه لم يذكر فى طبقة الصحابة ان بهذا المكان صحابيا وقيل انه أوّل مسجد أسس بالقرافة والموضع يعرف بخطة بنى خولان وهى قبيلة منهم صحابة وتابعيون منهم جماعة عرفت أسماؤهم قال ابن الجباس ورأيت مكتوبا على قبر منها أبو الحسن بن عمر بن عثمان بن عمر بن زكريا الخولانى أشهد انى عبد الله مقر بوحدانيته وانى أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وان الله تعالى خلق السموات والارض وخلقنى ويحيينى ويميتنى ويحاسبنى اللهم فاغفرلى ذنوبى وتجاوز عن سيئاتى وارحم ضعفى واعف عنى وقنى عذاب النار اللهم انى متوكل على فضلك واحسانك يا مالك الدنيا والآخرة مات صاحب هذا القبر فى سنة تسع وخمسين وثلثمائة وبالتربة أيضا أبو حمزة الخولانى وأبو زيد الخولانى معدودان فى التابعين ومن التابعين الامام العالم عبد الله بن جحيرة الخولانى الاكبر والى جانبه قبر أخيه عبد الله الأصغر وقد سلف ذكرهم مع القضاة وهم بازاء مسجد زهرون من الجهة القبلية ورأيت على قبر منها مكتوبا زهرة الخولانية وفى طبقتهم محمود بن كعب من كبار التابعين وبالمقبرة أيضا أبو مرة مولى قيس ابن عبيد الانصارى معدود من التابعين قال القرشى وقبره مع الخولانيين وفى طبقتهم المقداد ابن سلامة وهذه المقبرة تشتمل على مقابر عديدة منها مقبرة الغافقيين وأول هذه المقبرة

١٦٠