الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]

الكواكب السيّارة في ترتيب الزيارة

المؤلف:

شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن ناصر الأنصاري [ ابن الزيّات ]


المحقق: أحمد بك تيمور
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار ومكتبة بيبليون
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤١٠

عندهم ميت وهم يبكون فقال كيف أحكم بين هؤلاء أصحاب الجنازة ما رضوا بحكم الله وأصحاب الفرح أمنوا مكر الله فمضى وتركهم وهو أحد السبعة المختارة الذين أشار بزيارتهم القضاعى وهو خامس السبعة وسيأتى ذكرهم ان شاء الله تعالى فى آخر الكتاب فى الفصل المسمى باللمعة فى زيارة السبعة والسبب فى زيارتهم وما ورد فيهم وبالتربة جماعة يأتى ذكرهم فى غير هذا المكان ثم تخرج من التربة قاصدا للمفضل بن فضالة تجد حوشا بغير سقف به قبر الشيخ أبى الحسن على اللخمى قال صاحب المصباح كان واعظا وقال ابن أخى عطايا فى تاريخه كانت الوحوش تأتى الى قبره تتبرك بترابه وهو من أكابر الصلحاء وقيل إن فى القبر معه ولده ذكره القرشى فى تاريخه ومقابل تربته تربة المفضل بن فضالة وسيأتى الكلام عليه عند ذكر الشقة الثانية إن شاء الله تعالى ثم تمشى مستقبل القبلة خطوات يسيرة تجد تربة قديمة بها قبة كتب عليها العوام عبد الله بن تميم الدارى قلت وذلك غير صحيح وقد ذكر حذاق أهل التاريخ أن تميما لم يعقب وأن هذا العقب لابى هند يعنى أخا تميم من أبيه وكانا قدما على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال ابن عساكر فى تاريخه قدما على النبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهما على دينهما فلما أسلما قال أبو هند لتميم حين سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول زويت لى الارض مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك امتى مازوى لى منها فقال لتميم تعال نسأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى أرض الشام أن تكون لذريتنا فسألاه فأمر عليا أن يكتب لهما فكتب لهما هذا ما أنطى محمد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهى قصة طويلة ذكرها الماوردى فى الاحكام وشهد على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى كتابهم أبو بكر وعمر وهى أرض الخليل وقد قال ابن ميسر فى كتابه إن هذه التربة تعرف بتربة الداريين والالواح التى بها تخبر انهم أشراف وهو الاصح وبالقرافة جماعة من التميميين نذكرهم فى مواضعهم إن شاء الله تعالى والى جانب هذه التربة من الجهة البحرية قباب قديمة البناء قال بعض مشايخ الزيارة انهم من المعافريين قلت وذلك غير صحيح لان مقبرة بنى المعافر معروفة أولها حوش الادفوى وآخرها حوش أبى القاسم الوزير قال القرشى المعروف بابن الجباس فى تاريخه وكل من ذكرناه من المعافريين قبره بمقبرتهم والاصح انهم من الدفن القديم لا تعرف أسماؤهم وبالحومة قبر الياسمينى قريبا من أبى عمر الكندى ذكره الموفق فى تاريخه كان من كبار الصالحين وسمى بالياسمينى لانهم كانوا يجدون الياسمين على قبره فى غالب الاوقات رضى الله عنه والى جانبه من الجهة القبلية حوش به قبر رخام ولم يكن بالجبانة أحسن منه هو قبر أبى القاسم

١٢١

اسماعيل المعروف بالاهوازى أصله من الاهواز قدم على الفاطميين فظنوا أنه عين لبنى العباس فسجنوه سبع عشرة سنة ثم أخرجوه فأقام ثلاثة أيام ومات وأوصى أن يدفن مع محمد بن الحسين بن الحسن المكى فأنزلوه عليه فهما فى القبر وكان محمد بن الحسين المكى فاضلا عابدا صاحب دعوة مجابة بعث اليه كافور خلعة الامارة ومعها مائة فارس فخرج عليهم وعليه عباءة وقال اذهبوا الى شأنكم فانى اشتريت هذه من الله تعالى بأربعين ألف دينار ثم أغلق الباب ودخل الى منزله فبعث اليه من الغد مثل ذلك مرتين فخرج وأراهم الجنون وجعل يرجمهم بالحجارة فذهبوا وتركوه وتاريخ وفاته حول قبره من ظاهره وتاريخ الاهوازى فى باطن القبر ومات سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة هكذا حكى صاحب المصباح وقال الموفق انه كان ملك الاهواز وكان من القراء وقرأ عليه جماعة من مصر ويلاصق تربته من الجهة القبلية تربة بها قبر حجر كبير لم يكن بالجبانة أكبر منه مكتوب عليه هذا قبر فاطمة العابدة الموصلية أصلها من الموصل والعوام يقولون انها ابنة فتح الموصلى وذلك غير صحيح وكان فتح الموصلى قد بكى الدم أربعين سنة فرأى الرب سبحانه وتعالى فى المنام وهو يقول له الى كم تبكى قال شوقا الى لقاءك يا رب ومشاهدتك قال ان الأبصار لا ترانى فى الدنيا قال فها أنا أبكى حتى ألقاك قال يا فتح لقد صعد الىّ حافظاك أربعين سنة وما فى صحيفتك سيئة ومن الزوار من يذكر عنها انّ من أراد الحج الى بيت الله الحرام يطوف حول قبرها سبعا وينوى بذلك تسهيل الحج فانه يحج فى سنته وذلك ليس له صحة وهو فعل مكروه ثم تمشى مشرقا بخطوات يسيرة تجد قبر السيدة أم أحمد المعروفة بخادمة رباط الخواص وكان رباط الخواص بالقرافة يجتمع فيه الأولياء ذكرها الموفق فى تاريخه وقيل ان يجانبها أم عبد العزيز مقدمة رباط الخواص وقيل ان معهم فى الحومة قبر الربيع المؤذن المعروف بالمرادى ذكره الكندى وغيره وهو خادم الامام الشافعى وأقدم أصحابه صحبة وأشدّهم محبة له قال الامام الشافعى عند الموت أنت أنفعهم لى بعدى وكانت وفاة الربيع بن سليمان المرادى سنة سبعين ومائتين حكى القضاعى فى تاريخه ان قبره غربى الخندق مما يلى القضاعى بحريه فى حجرة هناك هكذا قال صاحب مزارات المصريين انه فى هذه البقعة وقال صاحب المصباح انه عند الادفوى وقال القرشى انه دفن فى مقبرة الشافعى قال المؤلف وهو الصحيح والى جانب هذه التربة تربة كبيرة مبنية بالحجر لم يبق منها غير الحائط القبلى وهى تربة السيد الشريف الزيدى وهو أبو عبد الله الحسين بن أبى القاسم ابن على نقيب النقباء بمصر من ولد الحسين بن على عليه‌السلام وهو القبر الذى أمام

١٢٢

المحراب شرقى الفقاعى وكان على بابها لوح رخام مكتوب فيه اسمه وما فى التربة تربة أوسع منها ولا أحسن ولم يبق لهذا الشريف الزيدى عقب بمصر والى جانبها تربة السيد الشريف الخشاب وهو أبو عبد الله ابن الحسين بن مسلم من ولد الحسين بن على عليه‌السلام كان من أهل الصلاح والورع وقبره تحت القبة اللبن شرقى تربة الزيدى المذكور يفصل بينهما الطريق لا غير ومعه فى القبة مريم بنت حرب البراج وهو ناصر بن المحسن ابن عبد الله بن ظاهر من ولد الحسين بن على عليه‌السلام وهى ترجع الى الخشاب من قبل أمها فاطمة والتربة معروفة الآن وفى حائطها القبلى محراب عند عمود مكتوب عليه هذا قبر الشيخ عبد الجبار بن محمد المعروف بالنحاس توفى سنة أربع وخمسين وخمسمائة والى جانبه عمود مكتوب عليه هذا قبر الشيخ أبى اسحاق ابراهيم بن نصر الكاتب توفى سنة ثلاث وستمائة والى جانبه من الحائط الغربية رخامة فى بناء الحائط مكتوب فيها هذا قبر المرأة الصالحة بنت أبى الكرم وبالحومة جماعة من الصالحين وهى حومة معروفة باجابة لدعاء بها تربة الشيخ الفقيه الامام العالم أبى عبد الله محمد بن أبى القاسم بن عبد المعطى توفى سنة ثمان وخمسمائة ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء وقيل ان اسمه عبد القوى بن عبد المعطى واختلف فى اسمه والصحيح ما قاله القرشى ومعه فى التربة جماعة من ذريته منهم قبر مكتوب عليه عبد الرحمن بن عبد المعطى وشهرته تغنى عن الاطناب فى مناقبه وبحرى هذه التربة قبر الشيخ على المعروف بيقدر وحكايته مشهورة ومعه فى الحومة قبر القاضى شعيب وفى قبلى هذه التربة من وراء الحائط مقبرة أولاد ابن بنت أبى سعد الانصارى بها رخامة مكتوب فيها هذا قبر الشيخ الفقيه الامام العالم الأوحد أفقه الفقهاء وأجل العلماء شرف الدين أبى عبد الله محمد بن أبى الحسين على توفى فى شهر الله المحرم سنة خمس وتسعين وستمائة والى جانب هذه المقبرة قبر على جانب الطريق المسلوك مبنى على هيئة مصطبة عند رأسه بناء على هيئة عمود نقل عنه مشايخ الزيارة انه قبر عبد المعطى وهو معروف باجابة الدعاء

ذكر حومة الشيخ عبد المعطى وهى من عند قبره الى قبر الزعفرانى وهى حومة مباركة كثيرة الاعمدة منها عمود الى جانب الشيخ عبد المعطى مكتوب عليه الشيخ الفقيه الامام العالم عبد الله بن فارس المعروف باللخمى أخى الشيخ أبى الجود غياب بن فارس الذى قبره بشقة الجبل وهم مشايخ القراءة وهو بحرى عبد المعطى وبهذه الحومة تربة بها عمودان مكتوب على أحدهما أبو المجد عبد الله بن أبى القاسم الشهيد وعلى الآخر أبو القاسم المصدر

١٢٣

بمسجد الزبير وعلى باب التربة عمود مكتوب عليه الشيخ أبو الحسن البهاوى وبالحومة أيضا قبر أبى الحسن على الاركوانى وبالحومة أيضا عمود مكتوب عليه الفقيه أبو محمد عبد الباقى وبالحومة أيضا عمود مكتوب عليه الشيخ أبو عبد الله محمد بن عروة وهو قريب من المرأة الصالحة بنت أبى الكرم المقدم ذكرها وبالحومة أيضا عمود مكتوب عليه الشيخ أبو الحسن على بن خليفة الرزاز وبالحومة أيضا حوش بنى كهمس به قبر الشيخ الامام العالم القاضى عبد الرحمن عرف بابن كهمس وعنده جماعة من ذريته وبالتربة أيضا قبر السيدة العابدة الزاهدة فاطمة بنت الشيخ أبى العباس الطبجى ووالدها مدفون بجبانة مصر وكان مشهورا بالعلم والصلاح ذكره الشيخ صفى الدين فى رسالته ونذكر مناقبه فى كتاب غير هذا إن شاء الله تعالى وعلى باب هذا الحوش قبر الشيخ الامام العالم أبى عبد الله محمد بن الحسين المعروف بالزعفرانى صاحب الامام الشافعى رضى الله عنه ذكره القرشى فى طبقة الفقهاء بعد الربيع بن سليمان المرادى وذكره الموفق بن عثمان قيل انه وقف على قصاب يشترى لحما فاستهزأ به القصاب بعد أن ولى فانقصفت يده وما بقى يقدر يقطع بها شيئا فسعى خلف الشيخ حتى أدركه وقال له يا سيدى لا تؤاخذنى بما وقع منى وادع الله أن يعافينى فدعا له فعادت يده كما كانت والى جانبه قبر ولده والى جانبهما من الجهة البحرية قبر الشيخ الصالح المهمهم الجيزى ذكره الموفق فى تاريخه ونذكر مناقبه فى الشقة الثانية إن شاء الله تعالى وقبلى تربة الشيخ عبد المعطى قبر رجل من المعافر يعرف بالعريان وهذا انتهاء الشقة الاولى

ذكرالشقة الثانية أولها تربة المفضل بن فضالة وانتهاؤها قبر الشيخ أبى العباس الحرار فبهذه التربة قبر الشيخ الفقيه الامام العالم أحد من جمع بين العلم والحديث المفضل بن فضالة بيته يعرف بمصر ببيت العلم وهو معدود من أكابر التابعين كان الجان يأتون الى زيارته ويتبركون به وكان اذا أصاب أحدا الجنّ اقسموا عليه به فيدعهم وينصرف حدث عن أبيه فضالة وروى عن جده يحتج بحديثه وأثنى عليه أحمد بن حنبل قال البخارى يكنى أبا معاذ توفى سنة أحدى وثمانين ومائة وكان لا يفطر فى السنة الا العيدين وأيام التشريق وكان يلبس الصوف على جلده ويجعل أعلاه القطن والكتان قال الخلعى كان بالنهار يقضى بين الانس وفى الليل يقضى بين الجن وكانت الجن تكلمه فى الطريق ومر على مصروع فى الطريق فقال للجنية التى صرعته ويحك اتركيه فقالت يا سيدى كيف أتركه وهو يبغض أبا بكر وعمر والساعة ما فرغ من سبهما فقال لها زيديه عذابا أخزاه الله

١٢٤

تعالى وكان المفضل من أكثر الناس حفظا الحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأحاديثه كثيرة بمصر تعرف بأحاديث ابن فضالة حكى حرملة صاحب الشافعى أن فى هذا القبر المفضل ووالده فضالة وجده وقال الشيخ رشيد الدين بن عبد الحكم حدثنى أبى عبد الحكم قال حدثنى جدى يعنى ابن رفاعة قال زرت المفضل بن فضالة فى الليل فاذا بشخص يلوح مرة ويخفى أخرى فقلت له من أنت فقال لا تزر هذا القبر وحدك فى الليل وان زرته بالليل فاجهر بالقرآن قلت ولم ذلك فقال إن الجان تزوره فى الليل ونحن من جن نصيبين جئنا نزوره هكذا حكى القرشى وحكى صاحب المصباح انه كان بجواره رجل يهودى وكان يكثر من سب الشيخ فى الليل وهو يسمعه من كوة فى منزله فقالت له ابنته ايسبك هذا اليهودى وأنت تسمعه ولا تكلمه فقال انى سمعته من أول الليل فأردت أن أكلمه فى ذلك فنمت فرأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكأن القيامة قد قامت واذا هو قد سبقنى على باب الجنة فاذا أنا انتظر له بقريب ما رأيت قال فلم يمت اليهودى حتى أسلم وكان الناس يأتونه ويسألونه الدعاء وفى قبر المفضل والده وجده وأخوه ووالدته وابنته قال الموفق يكنى بأبى معاذ ويعرف بالقينانى ذكره الكندى والقضاعى وصاحب المزارات المصرية وصاحب تاريخ هادى الراغبين وقد سلف ذكره مع القضاة ونذكره ان شاء الله تعالى فى فضل زيارة السبعة والى جانب قبره قبر القاضى غيث بن سليمان وقد دثر هذا القبر ومعه فى التربة جماعة قد دثرت قبورهم وملاصق محرابه قبر القاضى أبى محمد الزهرى لانه أوصى أن يدفن الى جانب المفضل لتناله بركته قلت والله أعلم انه القبر الحوض الحجر الذى من وراء الحائط القبلى الملاصق للجدار والى جانبه قبر أم عبد الرحمن زوجة القاضى المفضل والآن لا يعرف لها قبر وبالتربة رخامة مكتوب عليها الفضيل وبالتربة أيضا قبر صاحب الدار واسمه محمد بن اسماعيل وهو القبر البحرى من المفضل بن فضالة وليس يعلوه سقف حكى عنه ابن عثمان أنه بنى دارا حسنة وأحسن بناءها فلما فرغ جلس على بابها فدخل عليه ذو النون المصرى فقال له أيها المغرور اللاهى عن دار البقاء والسرور لم لا تعمر دارا فى أرض الامان لا يضيق بها المكان ولا يتنازع فيها السكان ولا يزعجها حوادث الزمان ولا تحتاج الى بناء ولا طيان ويحيط بهذه الدار حدود أربعة الحد الاول ينتهى الى منازل الراجين والحد الثانى ينتهى الى منازل الخائفين والحد الثالث ينتهى الى منازل المحبين والحد الرابع ينتهى الى منازل الصابرين ويشرع الى هذه الدار شارع ينتهى الى خيام مضروبة وقباب منصوبة على شاطئ أنهار الجنة فى ميادين قد شرفت وغرف قد

١٢٥

زحرفت فيها سرر قد رفعت عليها فرش قد نضدت فيها أنهار وكثبان من المسك والزعفران قد عانقوا خيرات حسان وترجمة كتابها هذا ما اشترى العبد المحزون من الرب الغفور اشترى منه هذه الدار بالتنقل من ذل المعصية الى عز الطاعة فما على هذا المشترى فيها من درك سوى نقض العهود وحل العقود والغفلة عن المعبود وشهد على ذلك البيان وما نطق فى محكم القرآن قال الملك الديان (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) وتحثهم هذه الدار على الخيرات الحسان فلو نظرت وقد برزت حوراء من الحور وقد خطرت فى أرض المسك والزعفران ثم تنادى بصوت حسن من يخطبنى من الحى القيوم الذى لا ينام ثم تقول سألتك بالحى الذى جمع بينى وبينك فى غبطة وسرور هل نقصك شيأ مما ضمن لك فيقول لا فباعها واشترى هذه الدار وكتب كتابها وجعله فى كفنه على صدره فى لحده فوجد بعد ذلك مكتوبا قد وفينا ما ضمن عبدنا ذو النون والى جانبه جماعة من مشايخ القصارين وبظاهر التربة من الجهة الغربية تحت الشباك قبران داثران أحدهما يلى الآخر فالقبر الاول هو قبر الشيخ يحيى بن على بن الحسن المصرى أحد مشايخ القراآت المعروف بالخشاب كان فاضلا فى علم القراآت بمصر وسمع الكثير من الحديث وحدث عن جماعة من العلماء فهو يعد من طبقتى القراء والمحدثين قرأ على الشريف الخطيب وانتفع به وقرأ على الخطيب الشيخ أبى الجود وحكى عنه رضى الله عنه أنه كان اذا قرأ القرآن تضطرب كل شعرة فى جسده من شدة خوفه وقال بعض أصحابه دخلت عليه يوما فوجدته يبكى فقلت له ما يبكيك قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال الى كم تقرؤن القرآن ولا تخشعون فاذا قرأت القرآن فابك فانه من لم يبك عند قراءة القرآن فقلبه كالحجارة أو أشد قسوة فكان بعد ذلك اذا قرأ القرآن يسمع من حضر تساقط دموعه على الارض من كثرة بكائه وكان يقول الانس بكلام الله يذهب كل وحشة وكانت وفاته سنة أربع وخمسمائة وقيل إن زوجته معه فى قبره هكذا قال صاحب المصباح وأما الثانى الذى يليه من القبلة فهو قبر الشيخ الصالح سفيان النيدى ذكره ابن عثمان فى تاريخه وحكى عنه أنه كان يصنع النيدة وكان يصنع قدرتين فيبيع إحداهما ويقتات منها ويتصدق بالاخرى ويطرح الله له البركة حتى يقيمهما وهو من أرباب الاسباب وبالحومة رجل من بنى بكر المصرى ثم تمشى مستقبل القبلة بخطوات يسيرة الى تربة الشيخ أبى محمد عبد العزيز بن أحمد ابن جعفر الخوارزمى رضى الله عنه ذكره الحافظ عبد العظيم المنذرى وذكر أن الدعاء عنده مستجاب وكان الافضل أمير الجيوش يأتى الى زيارته ماشيا وجرب تراب قبره لرد اللوقة

١٢٦

حكى ابن عثمان قال حدثنى من أثق بقوله انه مرض مرضة أشرف منها على الموت قال فرأيت فى منامى كأن قائلا يقول لى توسل الى الله عزوجل عند قبر عبد العزيز فحملت نفسى ودعوت الله عند قبره فكشف الله عنى ما كنت أجده وكانت وفاته سنة أحدى وأربعمائة ومعه فى التربة قبر الشيخ الامام العالم حرملة صاحب التاريخ وليس هو حرملة ابن يحيى صاحب الامام الشافعى ذكره الشيخ أبو اسحاق فى الطبقات وهو من طبقة البويطى صاحب الشافعى قال المسبحى كان حرملة من حذاق الفقهاء والغالب على ظنى أنه حرملة بن يحيى بن سعيد التجيبى صاحب الامام الشافعى فانى لم أجده فى مقبرة بنى تجيب والله أعلم ثم تخرج من التربة وتمشى مستقبل القبلة تجد قبرا عليه لوح رخام قال ابن عثمان هو صاحب القنديل حكى عنه انه كان يرى على قبره قنديل فى الليالى المظلمة وكان شيخنا الادمى يقول هو أبو العباس أحمد بن العباس قال بعض الزوار هو محمد الزرعى والاصح ما قاله شيخنا الادمى ثم تمشى مستقبل القبلة تجد قبر السكرى المعروف بالزفتاوى يقال إنه من أهل الكرم وفعل الخير وقد شهر ذلك عنه وقد حكى عنه الموفق أنه طرح سكر فى زمنه على السكريين فلم يجدوا ثمنه فاخذه على ذمته وأعطى ثمنه وجعله فى المخازن فاتفق أن السكر طلب فباع ما عنده وجمع المال واحضر السكريين ثم قال لهم اعلموا أن هذا المال الذى وزنته فى ثمن السكر اقترضته لكم وها قد فتح الله بهذا المال والربح فقسمه وأخذ رأس ماله وفرق عليهم الربح وقيل انه كان يتصدق فى كل جمعة بطريحة سكر كان يعملها لنفسه وكان يعمل ستة أيام فى الجمعة ويتصدق بيوم منها فاتفق انه جاءت طريحة الصدقة كثيرة فقال الصناع هى كثيرة فقال دعوها وتصدقوا بها وكان على قبره لوح رخام مكتوب عليه ابراهيم بن محمد بن الحسين الزفتارى المعروف بسمسار الخير وهو أحد سماسرة الخير وقبره معروف فى طرف مقبرة الفقاعى

ذكر مقبرة الفقاعى وهى مقبرة قديمة ذكرها الكندى والقضاعى وابن عثمان والقرشى وهادى الراغبين والمصباح قال صاحب المصباح بهذه المقبرة قبر الشيخ الفقيه الامام العالم أبى عبد الله محمد بن جابار الصوفى كان من أكابر العلماء وأجلاء الفقهاء وكان يحضر الحلقة بالجامع ثم يأتى الى الزاوية فلا يراه الناس الى اليوم الثانى وهو شيخ الفقهاء والصوفية وشيخ المجلى فى الفقه وقال المجلى فى تاريخه قال حدثنى أبو الحسن البغدادى قال وردت الى مصر وأنا مع أبى وأنا دون البلوغ فى أيام كافور الاخشيدى وكان أبو بكر المجلى يتولى نفقة كافور ومصالحه وخواص خدمته فانتسجت بينه وبين أبى مودة وكان يأتى الى أبى

١٢٧

ويزوره وكان فى بعض الايام قد جاءه فجلس يتحدث هو وأبى ويتذاكرون أخبار كافور فقال أبو بكر لابى وأنا أسمع إن هذا الاستاذ كافور له فى كل عيد أضحى عادة وهو أنه يسلم الى بغلا محملا ذهبا وورقا وأمضى مع صاحب الشرطة ونطوف من بعد العشاء الى آخر الليل حتى أسلم ذلك لكل من أجد اسمه فى تلك الجريدة فاطرق أبوابهم وأقول لهم هذا من عند أبى المسك كافور فلما كان فى العيد خرجت على عادتى وزادنى فى الجريدة أبا عبد الله بن جابار مائة دينار فانفقت الى آخر المال على أربابه ولم يبق الا صرة فجعلتها فى كمى وسرت حتى أتينا منزلا بظاهر القرافة فقال لى النقيب هذه داره فطرقت الباب فنزل شيخ عليه آثار السهر كأنه لم ينم فسلمت عليه فرد على السلام وقال ما حاجتك فقلت الاستاذ أبو المسك كافور الاخشيدى يخص الشيخ بالسلام فقال لى والى البلد قلت نعم قال اذهب اليه وقل له حفظك الله فقلت وقد انفذ معى هذه الصرة وهو يسألك قبولها قال نحن نرغبه ونحببه فى الله كيف يغرنا بالدنيا قال فراجعته فى القول فتغير وجهه فاستحيت من الله عزوجل أن أراجعه فتركته وانصرفت فلقيت الامير قد تهيأ للركوب وهو ينتظرنى فلما فطن بى قال ما كان منك يا أبا بكر فقلت أرجو أن يستجيب الله فيك كل دعوة صالحة فقال الحمد لله الذى جعلنى واسطة فى وصول الراحة الى عباده ثم قال لى يا أبا بكر ما الذى كان من ابن جابار فقصصت عليه قصته فقال عد اليه فاذا نزل لك قل له أبو المسك يسلم عليك ثم اقرأ عليه سورة طه الى قوله له ما فى السموات وما فى الارض وما بينهما وما تحت الثرى والبلاد بلاد الله والارض أرض الله والمال مال الله فان أخذت أخذت من الله وان رددت رددت على الله قال فعدت اليه فنزل من سطح داره فقال له اقرأ كما أمرك فلما قرأت بكى وقال صدق والله قد علمنا كافور التصوّف دع الصرة وانصرف قال فعدت الى كافور وأخبرته أنه أخذها فسجد شكرا لله تعالى وكان ابن جابار جمع بين العلم والتصوّف وصحب أبا بكر الزقاق وكان يقول لا يكون الصوفى صوفيا حتى يتيقن العلم وكان يقول التصوّف والجهل لا يجتمعان وكان كل من فى حلقته يفتى ويقرأ العلم حتى الرجل الذى على باب زاويته فاذا جىء الى الشيخ بفتوى أخذها الخادم ودخل فان وجد الشيخ كتب والا كتب عليها قال المسبحى لما مات ابن جابار تبعته الصوفية والعلماء وحملوه على أعناقهم ثم صلوا عليه بمصلى خولان وكان بمصر يوما مشهودا ودفن رضى الله عنه بالنقعة وقبره بها مشهور تحت مسجد الفقاعى من قرأ عند مسجد الفقاعى قل هو الله أحد احدى عشرة مرة وسأل الله تعالى حاجة قضاها وقد جرب ذلك العلماء الاكابر

١٢٨

كانت وفاة ابن جابار سنة اثنتين وستين وثلثمائة والى جانب قبره قبر الشيخ أبى القاسم ابن الحسن الناسخ المعروف بالحنفى توفى سنة أربع عشرة وثلثمائة ذكره القرشى والى جانب قبره قبر الشيخ الفقيه الامام العالم شيخ المؤرخين أبى عمر الكندى ومقبرة بنى كندة بالنقعة ولم يخرج عن المقبرة غيره والى جانبه من الجهة الغربية عند رأس ابن جابار الشيخ أبو عبد الله محمد التكرورى المالكى صحب ابن جابار وكان يتكلم فى أصول الفقه على المذهبين مالك والشافعى وقيل هو التكرورى المشار اليه ببولاق وقيل بل هو شيخه وكان فقيها فصيحا وناظر فى علوم كثيرة وكان يقول أبداننا زرع مآلها للحصاد وكان أمير مصر يسعى اليه ويسأله الدعاء وكانت قد أصيبت عينه فسأل الله أن يردها اليه فعادت اليه كما كانت وأرسل اليه كافور مائة دينار فأظهر لرسوله الجنون فعاد الى كافور وقال له أرسلتنى الى رجل مجنون فقال كافور ليس هو مجنونا انما هو يقوم الليل ويصوم النهار ثم أخذ الرجل فى الليل وطاف به على جماعة من الصالحين ثم أتوا ابن جابار وطلبوا التكرورى فلم يجدوه فخرجنا فاذا رجل يصلى فنظر اليه فاذا هو التكرورى فتبعناه حتى أتى الى درب فوجده مغلقا فقال ما هذه عادتى منك تغلق فى وجهى فاذا الباب انفتح فخرج وخرجنا خلفه حتى أتوا الى المقبرة ثم قام يصلى ثم انصرف فاذا وحش قد جاء وتمرغ فى موضع صلاته وأما الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف التكرورى الذى ببولاق فكان إماما عالما وقد أفرد له ابن النحوى جزأ فى مناقبه حكى عنه ان امرأة خرجت بولدها الى البحر فجاءت السودان فأخذوه ولججوا فى البحر فتعلقت به المرأة وهو خارج من معبده وأخبرته ان السودان أخذوا ولدها وانهم فى تلك السفينة التى نشرت شراعها فقصد الشيخ البحر ثم قال يا ريح اسكن فسكن ثم نادى يا أصحاب السفينة ردوا الصبى لأمه فأبوا فقال يا سفينة قفى فوقفت ثم مشى على الماء الى أن وصل اليهم فلما رأوا ذلك بكوا وتابوا وناولوه الصبى فأخذه ورجع ماشيا الى البر ودفع الصبى لامه قال ابن النحوى وكان رجلا صالحا دباغا فجاء اليه عفص فبعث الخليفة وأخذه فدخل عليه خادمه وقال قد أخذوا العفص يا سيدى فهل تأذن لى أن أذهب الى القائد فآخذه فقال اجلس فانهم يردونه عليك فلما أخذوه وجدوه حجارة فعلم انها دعوة الشيخ فردوه اليه فاذا هو عفص وقيل له لم لا تسكن المدينة فقال انى أشم رائحة كريهة وسيأتى ذكره فى كتاب غير هذا. قبر الشيخ الامام العالم الزاهد المعروف بابن الفقاعى وهو أبو الحسن كان رحمه‌الله من كبار المشايخ بمصر صحب الشيخ أبا الحسن الدينورى وغيره وكان يقول والله ما أدبنى أبواى حتى احتجت الى تأديبهما وانما

١٢٩

أنا مؤدب من الله تعالى وقال رحمه‌الله قال لى ذات يوم الشيخ أبو الحسن الدينورى امض معى الى الحمام فقلت حتى أستأذن رالدتى فمضيت اليها استأذنها فقالت امض مع الشيخ وقم فى خدمته فدخلت معه الحمام فلم أزل قائما فقال لى اجلس فقلت ان أمى لم تأمرنى بالجلوس فما جلست حتى خرج من الحمام وقال رأيت ليلة من الليالى كان القبور مفتحة ورجل موكل بها فقلت له كيف حال هؤلاء فى قبورهم فقال نادمين أيديهم على خدودهم وجعل يده تحت خده وقال أيضا كنا بكهف السودان عشية عرفة وقد اجتمعنا للدعاء وطابت النفوس وخشعت القلوب واذا بشاب حسن الثياب والوجه على فرس حسن فجعل يلعب تحت المكان فلما رآه الجماعة شغلوا به عن الدعاء والذكر والخشوع فقلت لأصحابنا انى أخاف أن يكون هذا ابليس قد جاءكم يقطعكم عن الله تعالى فو الله ما استتممت كلامى حتى غاص فى الارض هو والدابة وروى عنه أيضا ان بعض أصحابه أصابه وجع فى ركبتيه فجاء اليه وقال يا شيخ أسألك الدعاء لى فى ذلك فقال له امض الى الجبل المقطم فانك تجد اثنى عشر رجلا من الصالحين فاسأل أحدهم الدعاء فانه يدعو لك قال فمضيت الى الجبل فرأيت رجلا قائما يصلى فجلست حتى فرغ فسلمت عليه وشكوت اليه ما أجد من الوجع وسألته الدعاء فوضع يده على ركبتى فوجدت العافية من ساعتى ثم قال من ذلك علىّ فقلت الشيخ أبو الحسن الفقاعى فقال لى اذا وصلت اليه سلم عليه وقل له أنت باق على شهوتك فجئت اليه وأخبرته بذلك فبكى بكاء شديدا وقال والله لو علمت أنه يقول لك ذلك ما دللتك عليه فقلت له يا سيدى عرفنى ما السبب فقال قم الى حالك فقلت والله ما أقوم حتى تعرفنى فقال لى هؤلاء كانوا اثنى عشر يعبدون الله فى ذلك المكان كانوا كل ليلة تنزل لكل واحد منهم مائدة عليها اثنا عشر رغيفا وحوتا من سمك فجلست معهم حتى جاءت نوبتى فقالوا لى قم فقمت ودعوت الله تعالى وقلت إلهى لا تفضحنى بين هؤلاء القوم فلم أشعر الا وقد وضع بين يدى مائدة وعليها ثلاثة عشر رغيفا وحوت سمك فقلت فى نفسى لو كان معها قليل من الملح تذهب به حلاوة السمك واذا بالملح قد وضع على المائدة فجئت بالمائدة اليهم ووضعتها بين أيديهم فنظر بعضهم الى بعض وقالوا لى من أين هذا الملح فقلت أنا سببه فقالوا هل اشتهيته أم جاء بلا شهوة فقلت لهم وأنا كالفرحان أنا اشتهيته فقالوا نحن فى هذا المكان لا نشتهى شهوة وأنت لتعرض وتشتهى فلا يصحبنا صاحب شهوة فتركتهم ومضيت وها أنا أبكى على نفسى مما وقع منى وله سياحات وعبادات هكذا عند الموفق فى تاريخه وحكى صاحب المصباح قال العبيد لى

١٣٠

صحب أبو الحسن ابن الفقاعى أبا الحسن الدينورى وبلغ مكانه بعده ولما احتضر الدينورى قال له أصحابه لمن تخلفنا قال الله خليفتى عليكم قالوا بمن نقتدى بعدك قال بأبى الحسن هذا فانه بلغ مقام الغوث فلما مات الدينورى اجتمع الناس على ابن الفقاعى هذا وظهرت له كرامات كثيرة من جملتها ان بعض المظلومين دخل عليه وهو يصلى فقال أجرنى من صاحب الشرطة فانه ورائى فسلم الشيخ والتفت من ورائه الى الباب وأشار اليه بيده فصار كله سورا واحدا وأتى صاحب الشرطة فرأى ذلك فرجع فلما ذهب أشار بيده الى الباب فعاد كما كان فخرج الرجل ومضى الى حال سبيله وقال بعض أصحابه لما لحدته رأيت قبره قد ارتفع ثم رأيته جلس فسمعته يقول الله ربى فصعدت وفرحت بذلك والى جانب قبره قبر الرجل الصالح المعروف بالرملى والى جانبه قبر كتب عليه العوام عتبة الغلام وليس بصحيح وقد ذكر الحافظ أبو نعيم وفاته ولم يذكر أنه مات بمصر وقال الموفق إنه عتبة الواعظ واسمه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن مسعود كان يتكلم على الناس وله مجلس يجلس فيه للوعظ بجامع مصر وذكر أبو عبد الله محمد بن عبد الله المالكى أنه كان يجلس بمصر قبل أن يدخل المعز الى الديار المصرية قال أبو عبد الله حدثنى من أثق به قال كنت فى مجلسه فوعظ الناس فأبكى العيون وطابت القلوب ثم قال يا أهل مصر تظهرون المناكر وتعمل نساؤكم الخبائث هذا عتبة راحل عنكم ويستعمل عليكم بعده ثلاثا جوعا وطاعونا وسوف يحل بكم سيف الروافض قال الذى حدثنى فو الله ما حضر الميعاد الثانى الا وقد مات وحل بهم من بعده ما قال وعاينت جميع ذلك ومات عتبة الزاهد رحمه‌الله تعالى فى سنة ثلاث وخمسين وثلثمائة وهو الذى غسل الفقاعى والى جانب قبره قبر الرجل الصالح المعروف بميمون الخامى كان ينسج الخام بيده فاذا انقطع خيط علم عليه نقطة حمراء فاذا ذهب به الى السوق قال للسمسار ناد عليه تحت كل نقطة عيب وهو يعد من طبقة أرباب الاسباب والى جانبه قبر دينار العابد ذكره الموفق فى كتابه وليس بدينار العابد المذكور فى الحلية والصفوة حكى عنه الموفق انه كان من كبار الزهاد له كرامات من جملتها أنه اشتهر عنه أنه كان اذا قدم اليه طعام فيه حرام يرى فيه ثعبانا يكاد ينهشه فيتركه ولم يأكل منه شيأ وهو معدود من طبقة العباد وقد ذكرنا الجهة الشرقية من هذه المقبرة وأما الجهة البحرية فبها قبر الشيخ الفقيه أبى عبد الله المعروف بالوشا كان حسن الهيئة كثير الحفظ لحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذكره القرشى فى تاريخه وقال قبره فى النقعة عند قبر دينار العابد والتربة تعرف بتربة أولاد الوشا والدعاء عندهم

١٣١
١٣٢

الى بيتى فلما كان الغد جاءتنى والدتى ومعها قميص وسراويل وقالت مضيت يا ولدى الى بعض أصحابى فقالوا ألك ولد قلت نعم قالوا فادفعى هذا له فقلت لها صدق الله ورسوله ثم قلت فى نفسى بقى لى كساء ارقد فيه قال فلما اصبحت مضيت الى قبره وزرته وحدثته حديث والدتى وقلت له يا شيخ جزاك الله عنى خيرا ولكن بقيت اشتهى كساء ارقد فيه ثم دعوت الله عنده ورجعت فبينما أنا فى الطريق اذا انسان ناولنى كساء فاخذته وحمدت الله تعالى وشكرته وما انقطعت عن زيارته وغربيه قبر رخام فى حوض صغير عليه مكتوب عاتكة بنت كهمس والى جانبها من الجهة البحرية حوش مبنى بالفص الحجر فيه قبر ابى طعمة من كبار التابعين عده القرشى فى طبقة التابعين وقال هو أول من اقرأ أهل مصر القرآن قال ابن لهيعة كانوا يجتمعون عليه لقراءة القرآن وسماع الحديث قيل له لم لا تدخل الحمام قال بلغنى عن ابى هريرة رضى الله عنه انه قال بئس البيت الحمام يكشف العورة ويذهب الحياء قال القرشى وهذا خلاف ما قال ابو الدرداء نعم البيت الحمام يذهب الدرن ويذكر النار قال القضاعى وتربة بنى طعمة بجبانة مصر مما يلى تربة الفقاعى والاصح أن هذه التربة قد دثرت ولا تعرف الآن والى جانب قبر البزاز قبر الشيخ أبى الحسن القرافى كان رضى الله عنه شيخ وقته فى التصوف وكان مذهبه الزهد فى الدنيا ادرك جماعة من العلماء والمحدثين وحدث عنهم ورأى ابا الحسن الدينورى والى جانب قبره قبر الشيخ الفقيه الامام ابى العباس احمد ابن بنت الامام الشافعى المعروف بابى الطيب رضى الله عنه ذكره صاحب الواضح النفيس وعده القرشى فى طبقة الفقهاء والمحدثين صحب أبا بكر الزقاق وغيره من مشايخ القوم سمع الحديث الكثير وروى عن المشايخ وكان يقول الصلاة تبلغك نصف الطريق والصوم يبلغك باب الملك وقيل انه سأل الله تعالى أن تصيبه الحمى لما فيها من الاجر (١) وتوفى سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وصلى عليه صاحبه ابن الحداد والى جانبه من جهة الشرق مصطبة عليها قبر الفقيه ابن مهييب كان فقيها على مذهب الشافعى ويلاصقه تربة مصلى التراويح واسمه خلف بن رستم المعروف بالضرير قال صاحب كتاب بهجة الظرفاء فى تاريخ الخلفاء لما ولى الحاكم الفاطمى أمر أن تقطع الكروم من الجيزه وأن يترك بيع الفقاع وأن يجعل الاجراس فى أعناق النصارى والقرامى فى اعناق اليهود وأن لا تتشارك اليهود والنصارى والمسلمين فى الحمام ومنع من صلاة التراويح وأن يؤذن ابحى على خير العمل ومنع من أكل الباذنجان والملوخية وكتب سب الصحابة على المساجد والجوامع قال ابن دحية فى كتاب النبراس واقام اربع سنين ليلا ونهارا فى ضوء الشمع يرصد عطارد وأربع سنين فى الظلمة

__________________

(١) هكذا بالاصل

١٣٣

يرصد زحل قال صاحب تحفة الظرفاء ثم تاب عن سب الصحابة وكان حين منع من صلاة التراويح لا يستطيع أحد أن يصليها فدخل ابن رستم فصلاها فقتل فهو معدود فى طبقة الشهداء ويلاصق قبره قبر ضياء الدين ابن بنت الشاطبى كان من أكابر الفقهاء وأجل العلماء ذكره الشريف فى صلة التكملة وقبره الآن على تربة أبى الفضل ابن الجوهرى ذكر تربة الشيخ أبى الفضل الجوهرى الواعظ رضى الله عنه كان من كبار المشايخ المصريين وبيته بيت علم وعدالة وذريته مباركة كان يعظ الناس بجامع مصر وأقام على ذلك سنين وسمع الحديث الكثير وكان ينشد على كرسى الوعظ

خذ كلامى مجربا فامتحنه

وبميزان كنه عقلك زنه

طاعة الله خير مالزم العبد

فكن طائعا ولا تنأ عنه

ومن كلامه احذر ما فيه هلاك نفسك من نفسك من معاصى الله ينبغى أن تستحيى من الله أعظم مما تستحيى من الناس كن من الله على حذر إياك أن يراك على ما نهاك فتسقط من عينه وتوفى سنة ثمانين وأربعمائة وقبره بجانب قبر والده أبى عبد الله الحسين ويقال انه جاءه رجل مبتلى فقال له ادع الله لى فقال أنا أدلك على من يدعو لك تمضى الى بيت المقدس وتحتال أن تبيت فيه ولا تنام فاذا دخل عشرة يصلون فيه قف حتى اذا فرغوا من الصلاة وخرجوا امسك العاشر منهم وسله أن يدعو لك ففعل ذلك الرجل وأمسك العاشر منهم وسأله الدعاء فدعا له فبرئ من ساعته وقال له من دلك علىّ فقال أبو الفضل الجوهرى فقال والله هو الأوّل غمزة بغمزة وقيل انه قل ما بيده فجاء الى ابن قادوس يوما وطلب منه شيأ وكان كثيرا ما يأخذ منه فقال له ابن قادوس كم تطلب منى انكسرت القواديس فمضى وتركه وهو ضيق الصدر فلما أتى داره قال لغلامه قد طال شعرى وما معنا شئ ندخل به الحمام وتنفقه علينا فامض الى السوق وائتنى بمزين يأخذ شعرى فمضى الغلام وأحضر مزينا فلما وصل الى الدار قال المزين هذه دار من فقال الغلام دار أبى الفضل الجوهرى فقال والله ان هذا لعجب معى رسالة اليه من الغرب ونفقة فلما دخل عليه قال له المزين انى مرسل اليك بنفقة من الغرب فقال هاتها أنا أبو الفضل ابن الجوهرى فدفع اليه ثلثمائة دينار ثم أخذ شعره ومضى فأخذ أبو الفضل الثلثمائة دينار ومضى الى ابن قادوس وقال ما تكسرت القواديس ولا أصابها شئ رحمه‌الله تعالى وذكرت زوجته وكانت من الصالحات قالت جرى بينى وبينه كلام فغضب وغضبت وتهاجرنا فلما كان فى بعض الليالى رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يقول لى

١٣٤

لا تشغلى قلب ولى الله ورأى الشيخ تلك الرؤيا فأصبح وجاء عندى وطرق الباب فقلت والله جاءنى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قبل أن يجيئك وكان يعظ الناس فى جامع مصر وينصر مذهب أهل السنة فوشى به واش الى أمير الجيوش فأمر أن يطلع به الى القاهرة بعنف فحضروا وقالوا قد أمر السلطان بطلوعك الى القاهرة بعنف ولكن لا بأس عليك فقال لهم اطلعوا بى من القرافة لئلا تقوم العوام عليكم فطلعوا به من القرافة فزار الصالحين ومن جملتهم أبو بكر القمنى فتوسل به ودعا عنده وجاء الى قبر والده فبكى وقال يا أبت جلست فى جامع عمرو ونصرت السنة فرفعت قصتى الى أمير الجيوش فأمر بحضورى وما أدرى ما يراد بى ثم بكى ودعا وتوسل ثم سار معهم الى أن وقف على أمير الجيوش فسلم عليه فرد عليه‌السلام وأكرمه وقال يا شيخ أبا الفضل لا ترجع تعظ فى الجامع ولكن اجلس فى الزيادة فقال من كان حاضرا عند أمير الجيوش إنا رأيناك على حالة من ابن الجوهرى فلما حضر بين يديك زالت تلك الحالة بغيرها فقال انى رأيت انسانا فى الهواء يقول لى ان آذيت ولى الله قتلناك فنزل ابن الجوهرى وجلس فى الزيادة وقال حفظ الله السلطان نقلنا الى الزيادة من النقصان ووعظ وزاد أمره وصار يتكلم وينصر السنة وينكر على من خالفه فأخبر الخليفة به وبما ينكره على من خالف مذهب السنة فاستحضره الخليفة فلما حضر وجده جالسا على سرير فى القصر فلما رآه أكرمه وقربه وقال يا شيخ أبا الفضل أريد أن تعمل فىّ بيتين من الشعر فقال بديهة

ولما رأيتك فوق السرير

ولاح لى الستر والمسند

رأيت سليمان فى ملكه

يخاطبنى وأنا الهدهد

فضحك الخليفة وأمر أن لا يعترض عليه وأن يبقى على جلوسه فأكثر القول فى نصر أهل السنة وأحضره أمير الجيوش فلما دخل عليه وسط داره أنشد يقول

حب آل النبى خالط عظمى

وجرى فى مفاصلى فاعذرونى

أنا والله مغرم بهواهم

عللونى بحبهم عللونى

فأمر بانصرافه مكرما وكان رحمه‌الله مجاهدا مقيما لمذهب أهل السنة مؤيدا من الله عزوجل وقال العبيدلى حدثنى جماعة من عدول مصر انه ما تاب أحد فى مجلسه وعاد الى معصية قط وصعد يوما الى المنبر فحذر وخوف فاعطته امرأة رقعة ففتحها وبكى وقال اتدرون ما فى هذه الرقعة قالوا لا قال فيها مكتوب

لا تنه عن خلق وتأتى مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

١٣٥

تصف الشفاء من السقام وأنت لا

تدرى الدواء به فأنت سقيم

فلو اتقيت نقيت من درن الشقا

لكن بجسمك يا طبيب كلوم

كم ذا التعلل بالأمانى دائما

ولديك فى هذا الحديث علوم

فنزل عن المنبر ومات بعد ليلتين ومعه فى قبره والده الشيخ أبو عبد الله الحسين ابن بشرى بن سعيد الجوهرى كان رحمه‌الله من أجلاء الفضلاء من أرباب الكشف وله كلام على الخاطر ولم يكن فى وقته مثله زهدا وعبادة وورعا وله حكايات عن نفسه عما شاهد وخوطب به قيل انه اجتمع مع الشيخ أبى القاسم ابن الانبارى قال ابن الانبارى فسمعته يقول ذات يوم وقد ذكر عنده من يطلب الكيمياء فقال العجب كل العجب أن يرمى أهل هذه الطريقة بعمل الكيمياء والله أعلم قوما تعرض عليهم مفروغة فما يأخذونها يا سبحان الله اذا وقف العبد بين يدى الله سبحانه وتعالى يتناثر عليه البر فان وقف عند شئ منه أوقف عنه ذلك وان لم يقف وكان ناظرا الى المعطى كان المزيد على قدر ذلك وذكر عنده ذات يوم رجل كان يسير فى السحاب فقال انى أعرف رجلا كان فى جامع مصر علا حتى رآه رجل وارتفع من الارض وسار الى السماء فقلت له يا سيدى ما كان عليه قال كان عليه قباء أبيض والشقائق بين رجليه تلعب بها الريح فعلمت أنه هو الذى نظره وقال ابن الانبارى أيضا بت ليلة فى القرافة وحدى فجال فى فكرى وخاطرى فقلت فلان له كذا وكذا وفلان له ألف ركعة وقلت يا نفس ما أعظم مصيبتك لم لا تكونى مثل هؤلاء فقلت والله لأصلين ما أقدر عليه ثم قمت فصليت ركعتين وتركت حصاة عن يمينى وجعلت كلما صليت ركعتين جعلت حصاة عن يمينى ثم نمت فلما صليت الصبح مضيت الى أبى عبد الله بن بشرى الجوهرى فتبسم وقال ليس العمل فى كثرة العدد انما العمل فى الاتقان قال الله تعالى (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أكثركم عملا وخرج أبو عبد الله الحسين بن بشرى رضى الله عنه ذات يوم فى جنازة فصلى عليها وجلس هو وجماعة فى قبة عند المصلى وهم ينتظرون الجنازة حتى تدفن فقعدوا زمانا ثم قال لمن معه قوموا بنا من هذا الموضع فخرجوا منه وعند خروج آخرهم وقعت القبة قال فسئل الشيخ أبو عبد الله عن ذلك فقال لما حصلت فى المصلى اضطرب سرى فقلت حادثة فلم يسكن فقلت فى الصحراء فلم يسكن فقلت فى البيت فلم يسكن فنظرت فاذا سرى لم يخرج من الموضع الذى أنا فيه فقلت حادثة فقلت قوموا بنا فكان ما عرفت قال أبو القاسم الحاكى وقال لى الفقيه أبو عبد الله ودخل عليه ذات يوم رجل ومعه جام زجاج صاف فقلت أرجو

١٣٦

أن تصفو قلوبكم ونياتكم حتى تروا الاشياء قبل ورودها وحكى عنه رضى الله عنه أنه قال كنت يوما مع والدى عند قبر والدتى رحمها الله تعالى فقال يا بنى سمعت صاحبى هذين القبرين يتحدثان ثم جرتا على قبر فقال يا بنى سمعت من قبر هاهنا وصاحبه يقول أواه أواه أواه فقلت أى قبر تشير اليه فقال يا بنى ما أريك اياه إن نقلك الله الى هذا الامر فاستره ما قدرت وحكى أيضا قال دخلت يوما الى بيتنا فرأيت فيه شيئا من الفاكهة فجعلت أنظر اليها فقالت لى أمى يا حسين بقى للعشاء قليل ما تسوى هذه الدنيا كلها هذه النظرة وقال جئت يوما من جنازة ومعى جماعة من الناس فصعدت الى والدتى وكانت فى غرفة لنا وكانت رأتنى من الطاق والناس معى فقالت لى ما هذه الشهرة تمشى والناس خلفك ثم شالت طرف الحصير وأخذت بأصابعها شيأ من التراب ثم ذرته فى وجهى وقالت من هذا خلقت فلا تكبر نفسك وجاءه ذات يوم رجل يقال له ابن خريطة فقال جئتك من عند أبى محمد الخطيب فقال اذهب فاحفر له فمضى فوجده قد مات فلما أخبر الشيخ بذلك قال إنى رأيت عند وجه الصبح كأن خادما دخل على وعزانى فى أبى محمد الخطيب فتأولته ملك الموت قيل ومات ابن أخيه بمكة وكان هو بمصر وابنته على المائدة وهى بنت ست سنين فقالت مات ابن عمى عبد الرحمن نعم نعم نعم نعم نعم فقالت أم عبد الرحمن ما الذى قلت قالت الصبية ما قلت شيأ فقال الشيخ اكتبوا هذا الوقت فكتبوه وجاء الحاج الى مصر فقالوا مات فى الوقت الفلانى الذى قالت فيه الصبية فقال له رجل بعد مجىء الحاج فأنت يا سيدى قال أنا أعرف الذى غسله وغسل فى الموضع الفلانى وغسله فلان الفلانى وروى أنه قل ما بيده يوما فخرج يتسبب فوجد ورقة من مصحف مقطعة لم يبق فيها الا ارجع الى ربك فاسأله فرجع الى بيته فجاءه شخص ومعه ثلثمائة دينار قال الشيخ أبو القاسم قال لى على الجمال وكان معه وحلف لى بطلاق زوجته التى أعرفها أنه رأى الشيخ أبا عبد الله الجوهرى فى جنازة عبد الرحمن بمكة فأسرع فى طلبه فلم يدركه وكان اذ ذاك بمصر وقال لاصحابه ذات يوم إنى لأعرف من كلمه الكرماء الكرام الكاتبون وقال بعض أصحابنا خرجت يوما الى القرافة ومعى جارية لا تعرف الطريق وكنت راكبا وهى ماشية فشغلنى انسان فى الطريق بالحديث ومشت الجارية فتاهت عن الطريق فلم أجدها فدخلت على الشيخ وعرّفته ذلك فقال ما اسمها قلت فلانة فقال ما جنسها فعرفته فقال اللهم إن كان عدا عليها عاد فحل بينها وبينه وإن كانت قد ضلت فضيق عليها الطريق حتى ترجع الى مخرجها يا قيوم ومضيت من عنده وأيست من الجارية بسبب ما كان

١٣٧

عليها وجئت الى بيتى مغموما فلما جلست اذا بالباب يطرق فخرجت فوجدت الجارية فقلت ما بالك فقالت انك غبت عنى فلم ارك فبقيت حائرة فمشيت فرأيت زقاقا من حديد فمشيت فيه الى أن وصلت الى هاهنا وذكر رحمة الله عليه انه رأى والدته فى النوم بعد موتها وعليها ثياب من حرير أبيض واصفر واخضر وهى فيها تخطر وعليها شماريخ لؤلؤ وهى على شاطئ نهر فقيل لى انظر الى وجه لم يعص الله قط ما احسنه وازهره وانضره وقال أبو الحسن الشيرازى خرجت مع ابى عبد الله الى مكة فركبنا البحر فلما وصلنا الى الحجاز لم يكن عندنا من الزيارة خبر لفساد الطريق فخطر فى سر أبى عبد الله الزيارة وكان مقدما ومؤخرا فنمت فرأيت فى المنام قائلا يقول لى إن زرت حفظت وان سرت سلمت زر تسلم أو سر تغنم لا تتعرض تندم قال فلما استيقظت فكرت فى نزولى وركوبى ومن ينزل معى وخوف الناس فى الطريق فتحولت الى جنبى الآخر واذا قائل يقول لى انما هو قذف من الحق بالحق فى قلوب اهل الحق من الحق تصديقا للحق بالحق من الحق تفضلا من الحق على الخلق قال ابو الحسن فاكريت فى تلك العشية ونزل معنا جماعة كثيرة فسرنا سالمين الى أن وصلنا المدينة فى السحر فقال لى الشيخ رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مفتوحة يداه كالمستقبل لى قال ابو الحسن فشممت فى الوقت رائحة طيبة ما شممت قط مثلها ودخلنا المدينة فجلست فى المسجد وتكلمت واجتمع الى جماعة وكان بعض الاشراف تكلم فلما كان من الغد قال لى رأيت البارحة ابراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وقد ناولنى سيفا وقال لى تكلم فى امان الرحمن واستشاره بعض اصحابه فى الخروج مع بعض الامراء الى مكة وقال ما أقول شيئا من شاء فليخرج ومن شاء فليقعد فخرج معه قوم وتخلف آخرون فلما وصلوا الى بدر مضى ذلك الامير وتركهم فخرجت عليهم العرب فاخذوهم وجميع ما كان معهم فلما بلغ الشيخ ذلك قال كذا من ركن الى المخلوقين ونسى الخالق قال المؤلف ومن كلام أبى عبد الله هذه الامة رجلان أحدهما تقىّ والآخر مذنب فالتقى فى مقعد صدق عند مليك مقتدر والمذنب شفيعه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاى الرجلين تخاصم غدا ومن مواعظه اتق الله ايها الرجل وخف من يوم لا بد من حضوره قال الله تعالى ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود أنت تريد عبدك اذا دعوته يقول لبيك واذا لم يجبك تقول عبد سوء تريده يطيعك ولا يعصيك متى اطعت الله أطعته بما تريده من عبدك ما تستحيى منه ما أسوأ رأيك ستقدم غدا وينكشف الغطاء أما سمعت قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد وقال بعض أصحابه رأيته بالخيف مرارا يختلف الى حاجة الانسان

١٣٨

فقلت يا سيدى أراك مختلفا فقال لى يا أبا جعفر من أجل سر طرأ الى من القلزم الى هاهنا وسمعته يقول لو يجوع الكافر خرج من خاطره أنواع الحكمة توفى أبو عبد الله الحسين بايلة عند منصرفه من الحج فى شهر صفر سنة ثمانين وثلثمائة وحمل الى مصر ودفن مع والده فى القبر ومعهما فى القبر أيضا ولده أبو البركات ابن أبى الفضل الجوهرى مات سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة عاش بعد أبيه إحدى وخمسين سنة وبلغ فى الزهد الى درجة أبيه ومعهما فى القبر أيضا أم أبى البركات زوجة الشيخ أبى الفضل وقف أمير مصر على بابها حتى حميت عليه الشمس لتكلمه فلم تكلمه فلما انصرف قالت الحمد لله الذى لم نروجه ظالم وبهذه التربة قبر الشيخ الصالح أبى العباس أحمد المعروف بالمناجى حكى عنه الموفق فى تاريخه انه كان يحتطب فى كل يوم حزمة حطب وينفق ثمنها على الفقراء وكان له حال عظيم قال بعضهم ان انسانا مشى بين يديه ورمى صرة فيها نفقة وقال له يا سيدى خذ هذه الصرة من تحت رجليك فقال والله يا ولدى اننى مستغن عنها ولا أمسكها بيدى ألله تعالى قد حمى عباده من الدنيا وقد أغنانى بهذه الحزمة الحطب التى على رأسى وإن من عباد الله من يقول لهذه الحزمة الحطب التى على رأسى صيرى ذهبا تصير ذهبا فصارت الحزمة ذهبا فقال الشيخ ارجعى كما كنت انما ضربت بك مثلا فعادت كما كانت والتربة معروفة بتربة المناجى وبالتربة أيضا قبر الشيخ أبى العباس أحمد المعروف بالخياط ويعرف أيضا بالمدلى وقبره تحت رجلى أبى الفضل الجوهرى كان مقيما بجامع مصر وأقام معتكفا فى المسجد ثلاثين سنة وكان قوته وكسوته من خياطته وكان يخيط قميصا فى كل جمعة بدرهم ودانقين طعامه وشرابه وكسوته منها فى غلاء السعر ورخصه وما طلب من أحد شربة ماء قط وكان زاهدا ويلبس الخشن من الثياب وكان حافظا للسانه ولم ينقل عنه انه اغتاب أحدا قط وكان سليم القلب كثير الاجتهاد فى طاعة الله مع ملازمة الصوم وكان لا يفتر لسانه عن تلاوة القرآن وكان فقيها جيدا على مذهب الامام الشافعى وكان مكاشفا وربما أخبر بأشياء تحدث فى المستقبل وكان صادقا مقبولا عند الناس يستسقى به الغيث ويتبرك بدعائه حكى خادمه قال توليت خدمة الشيخ فى مرضه فقال لى حضرت الملائكة عندى وقالوا لى تمت ليلة الاحد فكان كما قالوا فلما كان ليلة الاحد قعدت عنده وما كان يصلى الاجماعة فصليت بهم المغرب فقال لى تنح فاننى أريد أن أجمع بين صلاتين فانى لا أدرى ما يكون منى ثم جمع بين صلاتين وشفع وأوتر ثم أخذ فى السياق وهو حاضر معنا الى نصف الليل فقمت فأرحت نفسى ساعة ثم جئت فقال أى وقت هو قلت

١٣٩

قريب الصبح فقال حولنى الى القبلة فحولناه الى القبلة فجعل يقرأ مقدار خمسين آية فخرجت روحه ونحن ننظر اليه رحمة الله عليه وذلك سنة ثلاث وسبعين وثلثمائة وبالتربة أيضا قبر الشيخ أبى الفضل السايح وهو على يسار الخارج من قبر المناجى قيل إنه لقى رجلا قاطع طريق على فرس فقال له اقلع القماش فقلع ثيابه وبقيت السراويل فقال له السراويل قال فخلعه ورمى به اليه وقال خذه وامض فى اليم فأخذه وساق الفرس فخرجت كالريح وقويت عليه وسارت فى مشوارها الى أن دخلت اليم ووصلت به الى محل الغرق فخاف على نفسه وقال انما لقيت هذا من جهة الذى أخذت قماشه وسراويله فعقد مع الله التوبة الخالصة وسأل عن الشيخ فأرشد اليه فجاءه فلما رآه الشيخ أبو الفضل قال له اترك القماش وامض الى حال سبيلك فقد دعونا لك بالتوبة وبالتربة أيضا قبر الفقيه الامام العالم فخر الدين على بن القفصى المدرس كان من العلماء الفضلاء ولما دنت وفاته أوصى أن يدفن بهذه التربة لتناله بركة الشيخ أبى الفضل ابن الجوهرى رضى الله عنه ذكره الشيخ مجد الدين ابن الناسخ فى تاريخه وبالتربة أيضا حوش العامريين وهو الحوش الغربى من قبر أبى الفضل الجوهرى وقبورهم باقية الى الآن فى محاريب تلاصق محاريب أبى الفضل فأكبرهم وأجلهم بشير بن ارطاة العامرى شهد فتح مصر واختط بها وخطته بها معروفة قال القضاعى والى بابه كان يهرع المساكين بمصر وكان كثير الصدقة وخطته مما يلى خطة أصحاب الراية وقد سلف ذكره مع الصحابة وقبره فى الحوش وبه أيضا قبر رجل من التابعين اسمه عبد الرحمن العامرى مولى نافع بن عمر القرشى العامرى عده ابن الجباس فيمن سكن مصر وذكره القرشى فى طبقة التابعين قال القرشى وبالجبانة تربة بازاء تربة أبى الفضل الجوهرى بها لوح مكتوب فيه قبر عبد الله بن عبد الرحمن بن جبير العامرى القرشى والواح كثيرة الا أنها قد فقدت وروى عنه جماعة من الثقاة ذكره الامام الحافظ ابن عبد البر قال ابن رشيد وكان يخضب لحيته بالحناء وكان كثير التعبد زائد الخشوع وكان اذا خضب تمثل بشعر عقبة ابن عامر الجهنى حين خضب بالسواد قال المؤلف وشعر عقبة مفرد

أيسود اعلاه وتأبى أصوله

ولا خير فى الاعلى اذا فسد الاصل

وكان يقول

بياض الشيب طوقنى بطوق

يلوح علىّ من تحت السواد

ويمنحنى بألسنة حداد

كاطراف الأسنة فى فؤادى

وبالمقبرة أيضا قبر أبى عبد الرحمن العامرى كان من أكابر العلماء معدودا فى التابعين

١٤٠