عدّة الإنابة في أماكن الإجابة

السيّد عفيف الدين أبي السيادة عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن محمّد أمين ميرغني الحسني المتّقي المكّي الطائفي الحنفي [ المحجوب ]

عدّة الإنابة في أماكن الإجابة

المؤلف:

السيّد عفيف الدين أبي السيادة عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن محمّد أمين ميرغني الحسني المتّقي المكّي الطائفي الحنفي [ المحجوب ]


المحقق: د. عبدالله نذير أحمد مزّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة المكيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٨

الله عليه وسلم قال : (من قبر بمكة جاء آمنا يوم القيامة ، ومن قبر بالمدينة كنت عليه شهيدا وله شافعا (١)).

وروي أيضا عن عبد الله بن عمر ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر ، ثم تنشق عن أبي بكر ، وعمر ، ثم تنشق عن الحرمين ، ثم أبعث بينهما هكذا ، وجعل أصابعه السبابة والوسطى (٢)).

[٢٨٠] [حال أهل المعلا] :

وروى ابن أبي السمعاني في تاريخه عن بعض الأخيار : أنه رأى في المنام كأن إنسانا مدفونا بالمعلا ، استخرج ومروا به إلى موضع آخر ، قال : فسألت عن حاله؟ فقالوا : هذه المقبرة منزهة عن أهل البدع لا تقبل أرضها مبتدعا.

وقال بعض الصالحين : كشف لي عن أهل المعلاة ، فقلت لهم : أتجدون نفعا بما يهدى إليكم من قراءة ونحوها؟ فقالوا : لسنا محتاجين إلى ذلك ، فقلت لهم : ما منكم أحد واقف الحال؟ فقالوا : [وهل](٣) يقف حال أحد في هذا المكان!

والحاصل أنه محل شريف ، وقد قال بعض العلماء : إن الدعاء يستجاب فيه في أماكن ، فمنها : عند تربة السيدة خديجة رضي‌الله‌عنها ، وليس قبرها معينا بيقين ، بل ولا يعرف قبر صحابي ولا صحابية إلا أن بعض الصالحين رأى في المنام : أن قبرها بقرب قبر الفضيل بن عياض وبنى عليه قبة هنالك

__________________

(١) الفاكهي في أخبار مكة ٣ / ٦٨.

(٢) أخرج الترمذي نحوه (٣٦٩٢) وقال : «حديث غريب وعاصم بن عمر ليس بالحافظ» ؛ وابن حبان في صحيحه ١٥ / ٣٢٤.

(٣) في الأصل (وهل) والمثبت من بهجة النفوس للمرجاني ، (حيث نقل الخبر) ٢ / ٤٢٣.

٢٤١

معروفة الآن ، ولا ينبغي تعيينه على الأمر المجهول ، ولا شك أنها ماتت بمكة.

[٢٨١] [القبر المنسوب لابن عمر رضي‌الله‌عنهما] :

والقبر المنسوب لابن عمر غير صحيح ، ولا يعرف قبره بعينه ، مع الاتفاق أنه مات بمكة ، إلا أن بعض الصالحين أشار إلى أنه بالجبل المقابل للمعلاة ، على يمين الخارج من مكة المشرفة ، والصحيح أنه ليس به.

وذكر الأزرقي : أن قبره بالمقبرة العليا بالخرمانية ـ بين المعابدة وثنية ذاخر ـ عند قبور آل عبد الله بن خالد بن أسد ؛ لأنه مات عندهم ، وكان صديقا له ، فلما حضرته الوفاة أوصى بأن لا يصلي عليه الحجّاج ، فلما قضى عليه ، صلّى عليه عبد الله بن خالد ـ ودفنه عند باب داره ليلا (١) ؛ وفيه رد على القول الثاني ، وقيل : بوادي سرف ، وقيل غير ذلك.

[٢٨٢] [قبر عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما] :

وأما قبر سيدنا عبد الله بن الزبير رضي‌الله‌عنهما ، فلا يصح كونه في موضعه المعروف عند قبور السادة الصوفية ، ولعله كان موضع صلبه ، كذا قال الملّا علي.

[٢٨٣] [قبر سفيان بن عيينة] :

ومنها : قبر سفيان بن عيينة ، قال الشيخ إدريس : ومما اتفق لي أني كنت يوما بعد العصر عند شجرة أراك قرب الحجون عند قبور بيت المرسي ،

__________________

(١) أخرجه الأزرقي ٢ / ٢١٠ ـ ٢١١.

٢٤٢

وكانوا وزراء مكة ، وأرى بعض انشراح ونور ، فسألت الحفار هل أحد مدفون في هذه التربة من الصالحين؟ قال نعم : أصل هذه التربة كانت تعرف بقبر سفيان ابن عيينة.

[٢٨٤] [أسماء بعض من دفنوا بالمعلا] :

ومنها : الحوطة التي قرب السيدة خديجة ، المعروفة بحوطة : الفضيل بن عياض ، فيها قبره وقبور كثير من أكابر الأولياء ـ كالشيخ الإمام أبي القاسم القشيري صاحب الرسالة ، والشيخ اليافعي ، وولده عبد الرحمن ـ شيخ سيدي عمر العرابي ـ والشيخ تقي الدين السبكي ـ والشيخ الكبير السبكي ، ومشايخ بني الطواشي ، وغيرهم من الأكابر.

ومنها : عند قبر الشيخ المناوي قرب الحوطة المذكورة ، يقصده أهل مكة ليلة أربع في شهر ذي الحجة.

ونقل عن الشيخ المالكي : أن الدعاء يستجاب عند ثلاثة أماكن : عند قبور سماسرة الخير ، وعند قبر الولي ، وعند قبر إمام الحرمين عبد المحسن بن أبي عبد الحميد ، وقبور سماسرة الخير عند الشيخ العرابي وبين البئر التي يغسلون منها الموتى وإليها أقرب ، وكانت ثمّ قبة ولا أثر لها الآن.

وأما قبر الشولي وإمام الحرمين فمعروفان.

ومنها : بين ضريح الشيخ العرابي والشيخ الشولي وعند الشيخ الكرماني وقبور السادة بني زكريا ، ومنها عند قبر الشيخ عبد الله بن كثير أحد القراء السبعة في طريق الناس حذاء قبر الشيخ ابن حجر المكي.

ومنها : عند قرب الدلاصي بالقرب من الجبل.

٢٤٣

قال المرجاني في بهجة النفوس يقال : إن الدعاء عند قبره مستجاب ، والظاهر أن هذا الجبل قرب تربة بني الشيخ بن عراق ، وقرب السادة : أولاد السيد عمر المصري ، ومنها حوطة السادة آل علوي ، ومنها قبور الأشراف سلاطين مكة القتاديين.

ومنها : عند قبر الشيخ النسفي عن يمين ، وهو معروف مشهور في طرف المعلا ، يقال إنه : يقرأ له ما تيسر ثم يستقبل القبلة ، فيكون ابن عباس عن اليسار والنسفي عن اليمين ، ثم يدعو ، فهذا ما ذكر في المعلاة من أماكن الإجابة ، فينبغي الحرص على الدعاء فيها رجاء القبول (١).

واعلم أن أهل مكة كانوا يدفنون موتاهم في جنبتي الوادي يمنة وشامة ، ثم حول الناس جميعا قبورهم في الشعب الأيسر ، كذا قال الأزرقي ، والمراد باليمن هو شعب أبي دب المعروف بشعب العفاريت ، وفيه كان يدفن في الجاهلية وصدر الإسلام.

[٢٨٥] [قبر أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم] :

ويقال : إن قبر آمنة أم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيه ، وأنه جاء إليها وزارها ، وهو لا ينافي أنه بالحجون ؛ لأن العلماء اختلفوا فيه : فقيل : هو الجبل المحاذي لمسجد الحرس على يمينك وأنت مصعد ، وعليه الأزرقي

__________________

(١) هكذا ذكره ابن ظهيره في الجامع اللطيف ، ص ٣٠٤ ، ولم يعرف عن القرون الفاضلة شيء من هذه الأمور ، في زيارة القبور ، وإنما كانوا يلتزمون بالمأثور عن المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الدعاء للأموات ، ثم الاتعاظ والاعتبار بالسابقين ، ومواطن إجابة الدعاء حددها الشرع مكانا وزمانا وحالا كما سبق ، ولا يجوز إدخال شيء في هذه المواطن ما لم يرد عن المعصوم صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك خبر ، فينبغي التحرز والمنع سدا لذريعة الشرك في هذا الباب ، والاكتفاء بالوارد ، حفظا لجناب التوحيد.

٢٤٤

والنووي والخزاعي والفاكهي والفاسي ، وقيل : هو الجبل الذي فيه الثنية التي يدخل منها الحجاج الهابطة على المقبرة ، وعرّفها الأزرقي ثنية المدنيين ، وهو المشهور عند أهل مكة ، وفي بعض كلام المحب الطبري ما يوافقه.

وقيل : قبرها في غير هذه الشعبة من المعلاة ، ـ وقيل بالأبواء (١) وهو المشهور.

والمراد بالجانب الشامي شعب الصفيّ ـ بالتحتية المشددة ـ المسمّى قديما بصفي الشباب ، وهو عند أذاخر والخرمانية : وهي المقبرة العليا (٢) التي كان يدفن فيها في الجاهلية وصدر الإسلام ، أيضا فيها قبر عبد الله بن عمر كما تقدم (٣).

والآن كلا المقبرتين ذهبتا ، فينبغي التيقظ لزيارتهما لما فيهما من الأخيار.

[٢٨٦] [مقبرة المهاجرين] :

ومنها مقبرة المهاجرين (٤) بالحصحاص وهي كما يقتضيه كلام الأزرقي ما

__________________

(١) الأبواء : «قرية من أعمال الفرع من المدينة ، بينها وبين الجحفة مما يلي المدينة ثلاثة وعشرون ميلا ..». معجم معالم الحجاز ، ١ / ٣٧.

(٢) ويعرف ب (مقبرة الخرمانية) تقع بالمعابدة أمام مدخل شعب أذاخر (ريع ذاخر) وهي مقبرة صغيرة مثلثة الشكل على يمين الصاعد إلى منى من الشارع العام ، ويرجع عهدها إلى أيام الجاهلية.

(٣) قال الفاسي : ـ تعليقا على قول الأزرقي ـ «من كون عبد الله بن عمر دفن بالمقبرة العليا ، يدفع ما يقال إنه مدفون بالجبل الذي بالمعلاة ، ولا أعلم في ذلك دليلا ، وهو بعيد من الصواب» شفاء الغرام ١ / ٤٥٧.

(٤) انظر : الأزرقي ٢ / ٨٣٣ ؛ شفاء الغرام ١ / ٤٥٧ ؛ الجامع اللطيف ص ٣٠٦ ، مقبرة المهاجرين : تقع على يمين الهابط مع ريع الكحل (الزاهر) بأصل الجبل ، وقد شق طريق من هذه المقبرة قسمها إلى قسمين.

٢٤٥

بين فخ والجبل المسمى بالمقلع وبالبكائية ، لبكائه على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين هاجر على ما قيل ، وهو مشهور بذلك إلى اليوم.

قال ابن ظهيرة : فتكون المقبرة في المحل المعروف بالمختلع ، ثم قال : وسبب تسميتها بمقبرة المهاجرين أن جندع بجيم ونون ـ ابن أبي ضمرة ـ بمعجمة ـ بن أبي العاص اشتكى وهو بمكة فخاف على نفسه ، فخرج يريد الهجرة إلى المدينة المنورة ، فأدركه الموت وهو بهذا المحل ، فدفن فيه ، فأنزل الله تعالى : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٠٠] الآية فسميت مقبرة المهاجرين ، أخرجه الأزرقي (١).

وقد وقع مثل ذلك لغير جندع أيضا ، فدفن هنالك.

ودفن بهذا الموضع أيضا جماعة من العلويين ، قتلوا فيه في حرب وقعت بينهم وبين موسى الهادي في عام تسع وتسعين ومائة ، وفيه أيضا جماعة من الأنصار ، ويسمى هذا المحل بإضاءة بني غفار ، وهي التي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (أتاني جبريل وأنا بأضاءة بني غفار ، فقال : يا محمد إن ربك يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف ، فقلت : أسأل الله المعافاة ، فقال : إنه يأمرك أن تقرأه على حرفين ، فقلت : أسأل الله المعافاة ، فقال : إنه يأمرك أن تقرأه على ثلاثة أحرف ، فقلت : أسأل الله المعافاة ، قال : فإنه يأمرك أن تقرأه على سبعة أحرف كلها شاف كاف (٢)) ، واختلف ما المراد بسبعة أحرف؟ فقيل : سبع لغات ، وقيل غير ذلك (٣).

__________________

(١) وقال محققه «إسناد صحيح». الأزرقي ٢ / ٨٣٣ ، وانظر : الجامع اللطيف ص ٣٠٦.

(٢) الأزرقي ٢ / ٢١٣ ؛ والفاكهي ٥ / ٩٨.

(٣) الجامع اللطيف ص ٣٠٦.

٢٤٦

وفي القاموس : وذو الحصحاص : جبل مشرف على طوى ، وفيه أيضا في مادة : [الفخ] أن الفخ موضع بمكة ، ودفن فيه ابن عمر رضي‌الله‌عنهما (١).

[٢٨٧] [مقبرة الشهداء] :

وقال بعض الأخيار : مما يستجاب فيه الدعاء عند قبور الشهداء أصل لسفح بطريق التنعيم. أقول : وهي مشهورة (٢) عند أهل مكة آخر الزاهر ، وليس لي علم هل هو كذلك أو هي المقبرة المذكورة؟

[٢٨٨] [مقبرة الشبيكة] :

ومنها مقبرة الشبيكة (٣) : وهي مقبرة عظيمة لما حوته من أهل الخير والغرباء ، لا سيما الطرحاء ، فإنهم كانوا يدفنون غالبا فيها ، وفيها من السادة قبور آل باعلوي ، منهم : السيد الجليل العارف بالله تعالى عبد الله بافقيه العيدروس ، وتربة بني المساوى ، وتربة الشيخ الكبير ياسين بن عبد الكبير الحضرمي الأنصاري ، وقبر الشيخ الغماري ، وهو مشهور بتيسير قضاء الدين ، فإن أهل مكة يكتبون ديونهم في شيء من الطين ويرمونه على قبره في عشر ذي الحجة ، وبعضهم في أول أربعاء من ذي القعدة (٤).

وبقرب منها قبر السيد الشريف الولي المجذوب عبد الرحمن المغربي الإدريسي المعروف بالمحبوب.

__________________

(١) القاموس المحيط (حصص ، فخّ).

(٢) وهي مشهورة ومعروفة (بالشهداء) على يمين الذاهب إلى الحرم والشارع العام.

(٣) مقبرة الشبيكة : تقع في حي الشبيكة أسفل جبل عمر ويمر من جانبها نفق أرضي للسيارات بني حديثا ، وهي محاطة بسور.

(٤) وبفضل الله تعالى ذهبت جميع تلك البدع والعادات التي لا أصل لها من الدين.

٢٤٧

وقريب منه ضريح السيد الجليل المستتر بدنياه للإخلاص في معاملة مولاه ، صاحب الكشف الكثير على ما أخبر الجم الغفير السيد جعفر بن ميره الأزبكي.

وفي أقصى الشبيكة قبر الشيخ الولي محمود بن إبراهيم بن أدهم ، وحوله قبور بعض أخيار أغراب وأعراب.

[٢٨٩] [شعب بني عامر] :

ومن الأماكن المأثورة المشهورة : شعب بني عامر المعروف ، واشتهر بدون لفظ ابن ، يقال إن الأولياء تجتمع فيه ، ويشير إليه كلام سيدي العارف بالله تعالى السيد باعلوي الحداد رحمه‌الله تعالى في رؤيته حيث قال :

بعامرها للصادقين عمارة القلوب

بفياض من الفضل غامر

وفيه قبر سيدي الشريف الولي والد سيدي أحمد البدوي ، وبعض أولاده.

وفيه أيضا قبر سيدي الشريف صاحب الكرامات (١) حيا وميتا السيد نعمة الله عليه.

[٢٩٠] [الفلق] :

ومنها وادي شظى ويسمى بالفلق : وهو واد عظيم الفضل ، ولكثير من الأولياء به استئناس وروح كشعب عامر ، ولذا يذكرونهما في قصائدهم ، وفيه

__________________

(١) إن الكرامات ثابتة لصالحي أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم كما هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، إلا أن هذه الكرامات تثبت في حال حياتهم ، أما بعد الموت فلا يصحّ ولا يثبت شيء من ذلك لأحد من البشر.

٢٤٨

قبر الشيخ الولي المحبوب الولي لله أبي السعود ابن هبة الله ، وبأعلى جبله إلى جهة المعلا قبر الشيخ الولي البادي المعروف بالعبادي ، وفي أقصى سفله بالمكان المعروف بجبل ولي ضريح سيدي العارف بالله تعالى تاج الدين ، ويقرب منه ضريح الشيخ الولي العادلي رحم الله الجميع وأمدنا بمددهم الفائض الوسيع (١).

[٢٩١] [قبر السيدة ميمونة رضي‌الله‌عنها] :

وعن المقابر التي في الحرم (٢) : قبر السيدة أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وخالة عبد الله بن عباس رضي‌الله‌عنهم ، وهو معروف بطريق وادي مرّ ، بمحل يقال له سرف ـ بفتح سين مهملة وكسر راء ـ كذلك على سبعة أميال على الأقرب ويعرف الآن بالنوارية.

وقال الفاسي : ولا أعلم بمكة ولا فيما قرب منها قبر أحد ممن صحب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سوى هذا القبر ؛ لأن الخلف يأثره عن السلف.

ومما يقرب من هذا المحل قبر على الجبل المشرف على البرقة بوادي مر ، يزعم أهله أنه قبر مريم بنت عمران ، ويقصدونه بالزيارة والنذور ويذبحون عنده (٣) ، ولا يعلم لهم في ذلك سند ولا سلف. والله أعلم بحقيقته.

__________________

(١) المدد والعون لا يطلب إلا من الله عزوجل وحده مباشرة ، إذ لا يملك النفع والضر إلا الله سبحانه وتعالى ، قال تعالى : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) الأعراف : ١٨٨.

(٢) قبر السيدة ميمونة رضي‌الله‌عنها بخارج الحرم بعد التنعيم في طريق المدينة المنورة.

(٣) وبفضل الله عزوجل ثم بتضافر جهود العلماء مع ولاة الأمر اختفت جميع تلك المظاهر والعادات الشركية والبدعية الدخيلة على العقيدة الإسلامية ، ولا زالت موجودة في بعض

٢٤٩

[٢٩٢] [قبر ابن عباس رضي‌الله‌عنهما بالطائف] :

ومما يقرب من الحرم من المقابر الشريفة : قبر سيدنا عبد الله بن عباس وترجمان القرآن رضي‌الله‌عنهما بالطائف ، وحوله قبور مباركة ، فينبغي زيارته وما حوله.

قال صاحب القاموس : والطائف العسس ، وبلاد ثقيف في واد : أوّل قراها القيم ، وآخرها الوهط ، سميت بذلك ؛ لأنها طافت على الماء في الطوفان ؛ أو لأن جبريل طاف بها على البيت ؛ ولأنها كانت بالشام فنقلها الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم عليه‌السلام ؛ أو لأن رجلا من الصّدف أصاب دما بحضرموت ففر إلى وجّ وحالف مسعود بن معتّب ، وكان له مال عظيم ، فقال : هل لكم أن أبني طوفا عليكم يكون لكم ردءا من العرب؟ فقالوا : نعم فبناه ، وهو الحائط المطيف به (١). أه.

ومعنى القول الثاني : أن جبريل عليه‌السلام اقتلعها من محلها على ما ذكره بعض المفسرين.

الثالث : أنه اقتلعها من الشام وطاف بها سبعا ، إجابة لقول دعوة إبراهيم عليه‌السلام (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ) [البقرة : ١٢٦].

وقال صاحب المطالع : الطائف هو وادي وجّ ، هو ـ بفتح الواو والجيم المشددة ـ ، سمي باسم وجّ بن عبد الحق من العمالقة.

وفي القاموس : و (وجّ) اسم واد بالطائف ، لا بلد به (٢).

__________________

دول العالم الإسلامي ، ردّ الله تعالى هؤلاء المسلمين إلى رشدهم ، ليعودوا إلى عقيدة التوحيد الصافية السليمة.

(١) القاموس المحيط (طوف).

(٢) المصدر السابق (وجّ) ، «وهو وادي الطائف ، واد فحل يأخذ من شفا هذيل ، حيث يقاسم

٢٥٠

وعن الزبير بن العوام رضي‌الله‌عنه ، أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (إن صيد وجّ وعضاهه حرام محرم لله عزوجل (١)) قال النووي : وإسناده ضعيف ، وذكر الطبري في تحريم صيده احتمالين : أن يكون على وجه الحمى ـ ، ثم قال : وعليه العمل عندنا ، أو تكون حرمته في وقت ثم نسخ (٢).

وقال النووي في الإيضاح : ويحرم صيد وجّ ، لكن لا ضمان فيه (٣).

وأما مذهبنا فلا يحرم فيه شيء ، كالمدينة المنورة بخلاف مكة (٤).

[٢٩٣] [فضل الطائف] :

ومن فضائل الطائف : ما جاء في قوله تعالى : (وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ) [الفتح : ٢] أي بفتح مكة والطائف (٥) ، وقال المفسرون : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] إنهما مكة والطائف ، وفي الرجل قولان : هو عتبة بن عبد شمس ، أو مسعود بن متعب الثقفي (٦).

__________________

نعمان وضيم الماء فيتجه شرقا فتأخذ عن يساره نخلة الشامية ، وعن يمينه ليّة فيمر من طرف مدينة الطائف من الجنوب الغربي ثم الجنوب ثم الشرق». معجم معالم الحجاز ، ٩ / ١٢١.

(١) الفاكهي ٥ / ١٠٠ ؛ والبيهقي في السنن الصغرى ٤ / ١٣٢ ؛ والتبريزي في المشكاة ٢ / ٨٣٩.

(٢) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٦٦.

(٣) الإيضاح ص ٤٩٤.

(٤) واتفق جمهور الفقهاء القائلين بالتحريم على أنه ليس في مخالفته جزاء ؛ لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام ، فلم يجب فيه جزاء ، لكن عليه التوبة والاستغفار. انظر : هداية السالك ٣ / ١٣٩٩ ؛ البحر العميق ٥ / ٢٧١٣.

(٥) انظر : زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي ص ١٣١٩ (ط ابن حزم).

(٦) انظر بالتفصيل : زاد المسير في علم التفسير ص ١٢٧٧ (ط ابن حزم).

٢٥١

[٢٩٤] [أحكام وآداب زيارة القبور] :

تتمة : يستحب زيارة المقابر مطلقا ، وقيل في كل أسبوع من غير أن يطأ القبور ، وأفضل الأيام لها : يوم الجمعة ، والسبت ، والاثنين ، والخميس.

قال محمد بن واسع : بلغني أن الموتى يعلمون بزوّارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده ، ويستحب أن يمشي حافيا ذكره المشايخ.

وقال الملا عليّ وغيره : لم يثبت فيه شيء من السنة.

أقول : بل ثبت ذلك كما في أذكار النووي ، وفي سنن أبي داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، بإسناد حسن عن بشر بن معبد ـ المعروف بالخصاصية ـ رضي‌الله‌عنهما قال : بينما أنا أماشي النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم نظر فإذا رجل يمشي بين القبور عليه نعلان ، فقال : (يا صاحب السّبتيتين الق سبتيّتيك .... (١)) ، وذكر تمام الحديث ، وكما أشار إلى ذلك القرطبي في تذكرته بقوله : ويخلع نعليه كما جاء في الحديث.

قال الشيخ حسن الشربنلالي : والسنة زيارتها قائما ، والدعاء عندها قائما كما كان يفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الخروج إلى البقيع.

[٢٩٥] [السلام على أهل القبور] :

وإذا أتى القبر فالأولى أن يأتي من قبل رجليه لا رأسه ؛ لأنه أتعب لبصره إن أمكن ، وإلا فقد قرأ صلى‌الله‌عليه‌وسلم أول سورة البقرة عند رأس الميت وآخرها عند رجليه ، كذا قال الملا علي ، وليس فيه دليل على الإتيان

__________________

(١) أخرجه أبو داود في السنن (٣٢٣٠) ؛ والنسائي ٤ / ٩٦. وأخرجه البيهقي في الكبرى ٤ / ٨٠ ؛ الأذكار للنووي ص ٢٨٨.

٢٥٢

من قبل الرأس ، ويقف ويستقبله ويحترمه كما يحترمه في الحياة ويقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين. وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لي ولكم العافية».

وأخرج مسلم عن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : قلت يا رسول الله كيف أقول إذا دخلت المقابر؟ قال : (قولي : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله ... الخ (١)) وقيل : يقول : السلام عليكم ، والصحيح الأول ، ثم يدعو قائما طويلا ، وإن جلس يجلس بعيدا منه ، أو قريبا بحسب مراتبه في حال حياته ، ويقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة ، وأول البقرة إلى المفلحون ، وآية الكرسي ، و (آمَنَ الرَّسُولُ) [البقرة : ٢٨٥] ، ويس ، وتبارك ، وسورة القدر ، وألهاكم ، والكافرون ، والإخلاص اثني عشر أو إحدى عشر ، أو سبعا ، أو ثلاثا ، والمعوذتين ، ثم يقول : اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان أو إليهم ، ولا يتساهل في قراءة ما تيسر وفي الدعاء ، فإن أجر ذلك عظيم (٢) ، وروى الدارقطني والسلفي عن علي بن أبي طالب رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من مرّ بالمقابر وقرأ قل هو الله أحد ، إحدى عشر مرة ، ثمّ وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات) ، وفي تذكرة القرطبي : وروى من حديث أنس ـ خادم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ

__________________

(١) مسلم (٢٤٩ ، ٩٧٤) ، وأصحاب السنن.

(٢) ولا بأس بقراءة القرآن على القبر ، كما ذكر المرغيناني في التجنيس ٢ / ٢٨٧ ؛ وانظر ابن عابدين (بالتفصيل) في الحاشية ٥ / ٣٦٩ (ط دار الثقافة).

وقال ابن قدامة : «ولا بأس بالقراءة عند القبر» ، وقد روي عن أحمد أنه قال : «إذا دخلتم المقابر ، اقرؤوا آية الكرسي وثلاث مرات (قل هو الله أحد) ثم قل : اللهم إن فضله لأهل المقابر» ، وروي عنه أنه قال : «القراءة عند القبر بدعة ...» ، المغني ٢ / ٥٦٦ ، وقد استفاض العلماء في الموضوع ، انظر بالتفصيل : الروح لابن قيم الجوزية ص ٢٩٧ وما بعدها.

٢٥٣

أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إذا قرأ المؤمن آية الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور ، أدخل الله تعالى في كل قبر من المشرق والمغرب أربعين نورا ، ووسع الله عليهم مضاجعهم ، وأعطى الله للقارئ ثواب ستين نبيا ، ورفع الله له بكل ميت عشر حسنات) وعن أنس أيضا قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم ، وكان له بعدد من فيها حسنات (١)).

وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن رضي‌الله‌عنه قال : (من دخل المقابر فقال : اللهم رب الأجسام البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحا من عندك ، وسلاما مني ، أستغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم (٢)) أخرجه ابن أبي الدنيا بلفظ : (كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى يوم القيامة الساعة حسنات).

وقال أبو هريرة رضي‌الله‌عنه : من دخل المقابر واستغفر لأهل القبور وترحم على الأموات ، فكأنما شهد جنازتهم والصلاة عليهم.

[٢٩٦] [الجلوس على القبر] :

ويكره الجلوس على القبر إلا للقراءة وهو المختار ، ويكره وطؤه.

قال الكمال : وحينئذ فما يصنعه الناس من دفن أقاربه وقد دفن حواليهم خلق ، من وطء تلك القبور إلى أن يصل إلى قبر قريبه مكروه. (٣) انتهى.

__________________

(١) أورده الملا علي القارئ في المرقاة ٤ / ١٧٤.

(٢) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف ٧ / ١٨٨.

(٣) فتح القدير ٢ / ١٠٢. ونقل ابن عابدين عن خزانة الفتاوى : «وعن أبي حنيفة : لا يوطأ القبر إلا لضرورة ، ويزار من بعيد ، ولا يقعد ، وإن فعل يكره ، وقال بعضهم : لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح أو يدعو لهم». حاشية ابن عابدين ، ٥ / ٣٧٥ (ط دار الثقافة والتراث).

٢٥٤

وقال قاضيخان : ولو وجد طريقا وهو يظن أنه طريق أحدثوه لا يمشي في ذلك ، وإن لم يقع في ضميره لا بأس بأن يمشي فيه. انتهى.

[٢٩٧] [النوم على القبر] :

ويكره النوم عليها ، وقضاء الحاجة ، وقلع الحشيش النابت فيها إذا كان رطبا ؛ لأنه يسبح الله تعالى فيؤنس الميت ، وتنزل الرحمة (١).

[٢٩٨] [الاتعاظ والتذكر ، لزائر القبور] :

وينبغي لمن زار مقابر مكة : أن ينوي زيارة من دفن فيها من الصحابة والتابعين وأفاضل التابعين الأولياء والسلف الصالح ، فيزورهم ويتبرك بهم (٢).

وينبغي التردد إلى المقابر ؛ لأن فيه نفعا عظيما ، وخيرا جسيما ، أخرج ابن ماجه عن ابن مسعود رضي‌الله‌عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة (٣)).

__________________

(١) انظر حاشية ابن عابدين ٥ / ٣٧٧.

(٢) شرعت زيارة القبور للاتعاظ والاعتبار والتذكر بالآخرة كما ورد في الحديث الآتي ثم الدعاء لأهل القبور لرفع درجاتهم والتخفيف عنهم ، ومن ثمّ ينبغي التقيد بالمأثور عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ، والخير كل الخير في اتباع السلف ، وأما ما يفعله بعض العوام عند القبور من البدع فليس له أصل من الدين ، هداهم الله تعالى إلى الصراط المستقيم.

(٣) أخرجه ابن حبان في صحيحه ٣ / ٢٦١ ؛ والترمذي (١٠٥٤) ، وقال : «حديث حسن صحيح» ؛ ابن ماجه (١٥٧١).

٢٥٥

[٢٩٩] [رقة القلوب في زيارة القبور] :

وفي رواية الحاكم عن أنس : (فإنها ترق القلب وتدمع العين وتذكر الآخرة ، لا تقولوا هجرا (١)) يعني سوءا ، قال القرطبي : قال العلماء رحمهم‌الله تعالى : ليس للقلوب أنفع من زيارة القبور ، وخاصة إن كانت قاسية. انتهى.

فينبغي لمن عزم على الزيارة : أن يتأدب بآدابها ، ويحضر قلبه في إتيانها ، ولا يكون حظه منها التطواف على الأجداث فقط ، فإن هذه حالة تشاركه فيها بهيمة ، ونعوذ بالله من ذلك ، بل يقصد بزيارته وجه الله تعالى ، وإصلاح فساد قلبه ، أو نفع الميت بما يتلو عنده من القرآن.

[٣٠٠] [النية في الزيارة] :

ويزور كما تقدم ، ثم يعتبر بمن صار تحت التراب ، وانقطع عن الأهل والأحباب ، بعد أن قاد الجيوش والعساكر ونافس الأصحاب والعشائر ، وجمع الأموال والذخائر ، فجاءه الموت في وقت لم يحتسبه ، وهول لم يرتقبه ، فليتأمل الزائر حال من مضى من إخوانه ، ودرج من أقرانه الذين بلغوا الآمال ، وجمعوا الأموال ، كيف انقطعت آمالهم ، ولم تغن عنهم أموالهم ، ومحا التراب محاسن وجوههم ، وافترقت في القبور أجزاؤهم ، وترمّل بعدهم نساؤهم ، وشمل الذل أولادهم ، واقتسم غيرهم طريقهم وقلادهم ، وليتذكر ترددهم في المآرب ، وحرصهم على نيل المطالب واتجارهم لمواتات الأسباب ، وركونهم إلى الصحة والشباب.

__________________

(١) المستدرك ، ٤ / ٣٣٠.

٢٥٦

وليعلم ميله إلى اللهو واللعب ، وغفلته عما بين يديه من الموت الفظيع ، والهلاك السريع كغفلتهم ، وأنه لا بد صائر إلى مصائرهم ، وليحضر بقلبه ذكر من كان مترددا في اعراضه ، وقد سالت عيناه ، وتصول ببلاغة نطقه ، وقد أكل الدود لسانه ، وتضحك المواتات دهره ، وقد أبلى التراب أسنانه ، وليتحقق أن حاله كحاله ، ومآله كمآله.

[٣٠١] [خصائص الحرم] :

وأما خصائصه فكثيرة : منها : أنه لا يدخله أحد إلا بإحرام ، وذلك واجب عندنا.

ومنها : تحريم صيده على سائر الناس ، حتى يجب إرساله ولو أدخل من الحل ، ويضمن بإتلافه ، ولا يحل أكله.

ومنها : تحريم قطع شجره وحشيشه عندنا.

ومنها : أن المشرك لا يدخله ولو مارا عند الشافعي وجمهور الفقهاء ما عدا أبا حنيفة ، فإنه يجوز (١).

[٣٠٢] [ما يحرم فعله في الحرم] :

ومنها : تحريم دفن المشرك ، ولو دفن ينبش. كذا قال ابن ظهيرة (٢).

ومنها : تحريم إخراج أحجاره وترابه إلى الحلّ سواء كثر أو قلّ عند الشافعي رحمه‌الله ، وعندنا إنما يحرم إخراج الكثير المؤدي إلى التخريب ،

__________________

(١) انظر الحكم بالتفصيل في تفسير (آية ٢٨ من التوبة) : تفسير ابن عطية ، ص ٨٣٥ (ط ابن حزم).

(٢) الجامع اللطيف ، ص ١٥٦ ، ١٥٧.

٢٥٧

وأما القليل فلا بأس به ، ولا يدخل من تراب الحل وأحجاره شيء في الحرم ، قال الملا علي : كذا أطلقه في الكبير ، ولعله مذهب الشافعي اشتبه عليه ، وإلا فإذا جاز الإخراج مع احتمال وقوع شيء من الضرر ، فالأولى جواز إدخال شيء فيه مما ينتفع به.

ومنه : إدخال الأسطوانات في المسجد الشريف من نحو الاسكندرية وغير ذلك.

ومنها : لا يجوز ذبح شيء من الهدايا إلا فيه جبرا كان أو شكرا ، وأما إخراج اللحم منه والتصدق به على غير فقير به ، فجائز.

[٣٠٣] [لقطة الحرم] :

ومنها : أن لقطته لا تملك عند الشافعي ، وعندنا هي كغيرها لا تحل لآخذها إلا بعد سنة.

ومنها : تغليظ الدية بالقتل عنده أيضا.

ومنها : النافلة التي لا سبب لها لا تكره في أوقات الكراهة عند الشافعي ، ومذهبنا والمالكية : تكره فيه كغيره.

ومنها : أنه إذا نذر قصده لزمه الذهاب إليه بحج أو عمرة (١).

[٣٠٤] [مضاعفة الأجر والسيئة في الحرم] :

ومنها : تضعيف الأجر بالصلاة فيه ، كما رجحه جماعة من أهل العلم ،

__________________

(١) انظر هذه المسائل بالتفصيل في كتب المناسك ، (باب الجنايات) : المسالك في المناسك ، ٢ / ٦٨٩ وما بعدها.

٢٥٨

وكذا غيرها من الطاعات ، وكذا السيئات على قول بعض ، كما تقدم (١).

[٣٠٥] [من همّ بسيئة في الحرم] :

ومنها : أن الإنسان إذا همّ بسيئة فيه يؤاخذ بها ، وإن كان بعيدا كما يروى من حديث ابن مسعود رضي‌الله‌عنه : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) الآية [الحج : ٢٥] أنه قال : «لو أن رجلا همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين ، أذاقه الله عذابا أليما» (٢) وبه خصّ حديث الصحيحين : (وإن همّ بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة ، وإن همّ بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة (٣)) ، فيكون هذا في غير الحرم.

ومنها : وجوب قصده على طائفة من الناس في كل سنة لإقامة فريضة.

[٣٠٦] [أمن الحيوانات بالحرم] :

ومنها ائتلاف الظباء والسباع فيها ، ذكره المحب الطبري ، بل قيل : إن الخارج يتبع الصيد فإذا دخل الحرم تركه ، كذا نقله ابن الحاج عن بعض المفسرين.

أقول وقد روي عن أبي سفيان بن حرب ، وصفوان بن أمية ، أنهما رأيا ذئبا يطلب ظبيا ، فدخل الظبي الحرم فانصرف الذئب فعجبا لذلك! فقال الذئب : أعجب من ذلك : محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار.

__________________

(١) وقد سبق تفصيل ذلك ، فراجعه.

(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك : «صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه» ٢ / ٤٢٠.

(٣) جزء من حديث مسلم (١٣٠ ، ١٣١).

٢٥٩

ومنها : أنه جرى مثل ذلك لأبي جهل وأصحابه.

[٣٠٧] [حصول الأمن في الحرم] :

ومنها : حصول الأمن لمن التجأ إليه عندنا ، وتقدم معناه في الكلام على الكعبة.

ومنها : لا يحل حمل السلاح فيه لغير ضرورة عند مالك والشافعي رحمهما‌الله تعالى.

ومنها : سيل الحل لا يدخله ، وإن انتهى إليه وقف. قاله في الجامع اللطيف (١).

[٣٠٨] [فضل أهل مكة] :

وأما فضل أهله فعظيم.

عن عبد الله بن عمر بن العاص ـ رضي‌الله‌عنهما ـ أنه قال : لما بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عتاب بن أسيد على أهل مكة ، قال : (أتدري إلى من أبعثك؟ إلى أهل الله تعالى (٢)) ، زاد الأزرقي : (فاستوص بهم خيرا) يقولها ثلاثا.

[٣٠٩] [تكرم أهل مكة] :

وعن وهب بن منبه يروي : أن الله تعالى يقول (من أمّن أهل الحرم استوجب بذلك أماني ، ومن أخافهم فقد أخفرني في ذمتي ، ولكل ملك حيازة مما حواليه ، وبطن مكة حوزتي ، [التي اخترت لنفسي دون خلقي أنا

__________________

(١) الجامع اللطيف ، ص ١٥٩ ، ١٦٠.

(٢) الفاكهي. وقال محققه (إسناده مرسل) ٢ / ٧٢٦ (ط تحقيق د / عبد الملك بن دهيش).

٢٦٠