عدّة الإنابة في أماكن الإجابة

السيّد عفيف الدين أبي السيادة عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن محمّد أمين ميرغني الحسني المتّقي المكّي الطائفي الحنفي [ المحجوب ]

عدّة الإنابة في أماكن الإجابة

المؤلف:

السيّد عفيف الدين أبي السيادة عبدالله بن إبراهيم بن حسن بن محمّد أمين ميرغني الحسني المتّقي المكّي الطائفي الحنفي [ المحجوب ]


المحقق: د. عبدالله نذير أحمد مزّي
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: المكتبة المكيّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٣١٨

إن بعضه من البيت أو كله ؛ لأن ذلك بالظن (١) ، وأما الصلاة في القدر منه من البيت ، فقال العلامة أبن ظهيرة : حكمها حكم الصلاة في الكعبة ، يجرى فيه الخلاف المذكور فيها ، والطواف به واجب (٢) ، وإتيان الحجر والصلاة فيه مستحب ، وينبغي أن يقول إذا دخله : يا رب أتيتك من مسافة بعيدة فأنلني معروفا من معروفك ، تغنيني به عن معروف من سواك ، يا معروفا بالمعروف.

__________________

(١) قد سبق في الحديث الصحيح : (... ولزوت فيه ستة أذرع من الحجر) أو (.. فأراها قريبا من سبعة أذرع) ، وذكر ابن ظهير «أما ذرعه : فمن جدر الكعبة الذي فيه الميزاب إلى جدار الحجر المقابل له خمسة عشر ذراعا» ص ١٣٢ ، ومن ثم تظهر الزيادة في الحجر عن الكعبة.

(٢) الجامع اللطيف ص ١٣٢.

١٨١

[٢١٩]

٢٠ ـ [السدرة بعرفات]

ولدى السدرة ، أي : ومما يستجاب فيه الدعاء ، عند السدرة بعرفات ، أي : تحتها وبقربها بوقت الظهر ، أو على الإطلاق ، وهي لا تعرف اليوم ولا محلّها.

عشرون غرر ، أي : عدتها عشرون محلا نيرات لما يستجاب فيه من الدعوات ، وهذا ما ذكره الحنفية في المناسك ، وليس فيه حصر ، فلا ينبغي أن [لا] يكون هناك أخر يستجاب فيها الدعاء ؛ لأن الحرم مكان شريف ، حتى قال بعضهم : إن الدعاء يستجاب في جميعه.

[٢٢٠] [مواضع أخر يستجاب فيها الدعاء] :

ونقل بعضهم عن الإمام أبي بكر بن محمد بن الحسن النقاش رحمه‌الله : أنه يستجاب الدعاء في أربعين بقعة بمكة بعضها مؤقت ، وبعضها مطلق ، فذكر منها ما تقدم نظما في متنها.

ومنها : عند الدخول من باب بني هاشم. قال الشيخ إدريس : وهو باب السلام ، والمعروف بباب بني هاشم هو باب علي.

وفي دار خديجة ليلة الجمعة.

وفي مولد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الاثنين عند الزوال.

وفي دار الخيزران بين العشاءين.

١٨٢

وفي مسجد الشجرة يوم الأربعاء.

وفي المتكأ غداة الأحد.

وفي جبل ثور عند الظهر.

وفي حراء مطلقا.

وذكر الشيخ أبو سهل النيسابورى : أن المواضع التي يستجاب فيها الدعاء بالمسجد الحرام خمسة عشر ، وعد منها : باب بني شيبة ، يسمى الآن باب السلام ، وهو معروف.

وذكر بعضهم في المناسك ما يدل على أنه العقد الذي خلف المقام.

وباب إبراهيم خياط عنده ، ونسبه إلى الخليل بعده.

وباب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو المعروف بباب الحريرين ، ويسمى باب الجنائز ، وقيل إنه هو باب السلام.

١٨٣

وباب الصفا.

ومجاور المنبر حيث يقف المحمديون والله أعلم (١).

[٢٢١] [فضل الحرم وفضائله] :

خاتمة : ختم الله لنا بالحسنى ، اعلم أن كل ما قدم يرجع إلى الحرم الشريف ، فينبغي الكلام عليه وعلى شيء من فضله وفضائله ، وخصائصه وفضل أهله.

[٢٢٢] [حدود الحرم] :

أما الحرم : فهو ما أحاط بمكة من جوانبها إلى الحدود ، وسمي بذلك لحرمته.

وفي سبب كونه حرما أقوال :

[٢٢٣] [أنصاب الحرم] :

إما أن آدم عليه‌السلام لما أهبط إلى الأرض خاف على نفسه من سكان الأرض ، وهم يومئذ الجن والشياطين ، فبعث الله ملائكة يحرسونه ، فوقفوا

__________________

(١) بعض هذه الأماكن سبق ذكرها ، وبعضها ملحقة بأبواب المسجد الحرام ؛ حيث أثر باستجابة الدعاء عند مشاهدة البيت كما سبق ، فكان الداخل إلى المسجد من هذه الأبواب يشاهد الكعبة ؛ لذا ضمنت إلى مواضع الإجابة ـ والله أعلم.

ونوع ثالث ضمن مواضع من الحرم الشريف ، حيث تعبد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها ، ونزل الوحي في بعضها فبوركت ، مثل دار خديجة رضي‌الله‌عنها ؛ فقد ذكر (المؤلفون عن فضائل مكة) عنها : «وهو أفضل موضع بمكة بعد المسجد الحرام» كما ذكر الطبري في القرى ص ٦٦٤ ، وغيره.

١٨٤

في موضع أنصاب الحرم من كل جانب ، فصار ما بينه وبين وقوفهم حرم.

أو لأن الحجر الأسود لما وضعه الخليل عليه‌السلام في الكعبة حين بناها أضاء يمينا وشمالا ، وشرقا وغربا ، فحرم الله عزوجل من حيث انتهى النور.

أو لأنه لما أهبط الله البيت إلى آدم وهو من ياقوتة حمراء تلتهب التهابا ، وله بابان شرقي وغربي ، فأضاء نوره ما بين المشرق والمغرب ، ففزع لذلك سكان الأرض ، ورقوا في الجوّ ينظرون من أين ذلك النور ، فلما رأوه من مكة أقبلوا إليه ، فأرسل الله الملائكة فقاموا في مكان الأنصاب فمن ثم ابتدأ اسم الحرم (١).

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ١٢٨ ـ ١٢٩.

١٨٥

وقال السهيلي رحمه‌الله : روي في تفسير أن الله تعالى لما قال للسموات والأرض (ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) (١١) [فصلت] ، لم يجبه بهذه المقالة من الأرض إلا أرض الحرم ؛ فلذلك حرمها ، فصارت حرمتها كحرمة المؤمن ، إنما حرم دمه وعرضه وماله بطاعته لربه ، وأرض الحرم لما قالت أتينا طائعين ، حرم صيدها وشجرها وخلاها ، فلا حرمة إلا لذي طاعة ، جعلنا الله من أهل طاعته.

[٢٢٤] [تجديد الأنصاب] :

وأول من نصبها : الخليل عليه‌السلام بتوقيف جبريل عليهما‌السلام ، ثم جددها قصى بن كلاب بعده ، وقيل : بل جددها إسماعيل بعد أبيه عليهما‌السلام ، ثم قصي بعده ، وقيل : أول من نصبها عدنان ابن الدحيل ؛ لخوفه أن يدرس الحرم ، ثم نزعتها قريش بعد ذلك ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمكة قبل الهجرة ، فاشتد ذلك عليه ، فجاءه جبريل وأخبره أنهم سيعيدونها ، فرأى عدة من قريش في المنام كأن قائلا يقول : حرم أعزكم به ومنعكم نزعتم أنصابها ، الآن تخطفكم العرب ، فأعادوها ، فأخبر جبريل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بذلك فقال : هل أصابوا في ذلك؟ فقال : ما وضعوا نصبا إلا بيد ملك ، ثم جددت عام الفتح بأمره صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجددت أيضا في زمن عمر ، وعثمان ، ومعاوية ، وعبد الملك بن مروان ، والمهدي العباسي (١).

[٢٢٥] [خصائص الحرم] :

وأما فضله فقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ) (٦٧) [العنكبوت ٦٧] وقال : (أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (٥٧) [القصص].

__________________

(١) الأزرقي ٢ / ١٣٠.

١٨٦

وعن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خطب يوم فتح مكة فقال : (إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرم بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة ، لا يعضد شوكه ، ولا ينفر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلى خلاه) إلى آخر الحديث ، فقال العباس رضي‌الله‌عنه :

إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم ، فقال : إلّا الإذخر) ، متفق عليه (١).

[٢٢٦] [الحرم آمن] :

ولفظ الصحيحين : ولا يعضد شجرها ، يعني : مكة والمراد : إلا الحرم ، وهذا يدل : على أن الحرم كان آمنا منذ خلق الله السموات والأرض ، وهو الصحيح.

وقال بعض العلماء : إنه كان بسؤال الخليل عليه‌السلام ، فإن قيل ثبت عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إن إبراهيم حرّم مكة ، وإني حرّمت المدينة (٢)) أجيب : إن إبراهيم عليه‌السلام إنما أظهر حكم التحريم بعد أن كان مهجورا.

وسببه : أن الطوفان لما وقع اندرس البيت الحرم الشريف ، ونسي ذلك الحكم وهجر ، والذي تجدد بسؤال إبراهيم هو أن يجعله آمنا من الجدب والقحط وأن يرزق أهله من الثمرات. كذا قاله العلامة الظهيري.

فائدة : ذكرتها للتنبيه عليها : قال الشيخ محمد بن جار الله : وفي حكم الإدخر السّنا ونحوه مما يحتاج إليه. أه.

__________________

(١) البخاري (٣٠١٧) ؛ ومسلم (١٣٥٣).

(٢) أخرجه مسلم (١٣٦٠).

١٨٧

أقول : وفيه نظر لا يخفى ، فإن الحطب والحشيش ونحوه مما يحتاج إليه أكثر من ذلك ولم يستثن العلماء إلا الإذخر (١) والكمأة اليابسة ، فقول الشيخ ذلك ، يظهر أنه خلاف المذهب. والله أعلم.

نعم إن قيل يباح ذلك مع لزوم الجزاء للضرورة فغير بعيد.

[٢٢٧] [فضل الموت في الحرم] :

ومن حديث ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ في شأن الكعبة : (أن آدم سأل ربه عزوجل فقال : يا رب أسألك من حجّ هذا البيت من ذريتي لا يشرك بك شيئا أن تلحقه بي في الجنة. فقال الله تعالى : يا آدم من مات في الحرم لا يشرك بي بعثته آمنا يوم القيامة).

وعن سليمان مرفوعا : (من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي ، وكان يوم القيامة من الآمنين (٢)).

وعنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا (٣)).

__________________

(١) (الإذخر): «بكسر الهمزة والخاء ـ نبات معروف ذكي الريح إذا جف ابيضّ»

(الكمأة) : الكمء : فطر من الفصيلة الكمئية ، وهي أرضية تنتفخ حاملات أبواغها : فتجنى وتؤكل مطبوخة ، ويختلف حجمها بحسب الأنواع. المعجم الوسيط (الكمء).

(السنا): «نبات شجيري من الفصيلة القرنية ، زهره مصفر وحبه مفلطح رقيق كلوي الشكل تقريبا ، يتداوى بورقه وثمره ..» المعجم الوسيط (السنا).

(٢) «رواه الطبراني في الكبير وفيه عبد الغفور بن سعيد وهو متروك» كما قال الهيثمي في المجمع ٢ / ٣١٩.

(٣) رواه الطبراني في الصغير والأوسط ، وفيه رجال تكلم فيهم ، وقال الهيثمي : «إسناده حسن» المجمع ٢ / ٣١٩.

١٨٨

[٢٢٨] [تعظيم الحرم] :

وعن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ قال : «كانت الأنبياء عليهم‌السلام يدخلون الحرم مشاة حفاة» (١).

وعنه قال : «حجّ الحواريون ، فلما بلغوا الحرم ، مشوا تعظيما له».

وروي (أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان بمكة إذا أراد قضاء حاجته يخرج إلى المغمّس) (٢) وهو على يمين الواقف بجبل عرفات.

وروى أبو علي بن السكن في سننه : (أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما كان بمكة إذا أراد حاجة ، خرج إلى العمرة).

وحكي ذلك عن كثير من أكابر التابعين وغيرهم ، حتى نقل عن الشيخ أبي عمرو الزجاجي أحد السادة الصوفية المشهورين : أنه أقام بمكة أربعين سنة لم يبل ولم يتغوط في الحرم.

وعن جابر رضي‌الله‌عنه : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : (لما عقر ثمود الناقة وأخذتهم الصيحة ، لم يبق منهم إلا رجلا واحدا كان في حرم الله فمنعه الحرم ، فقالوا من هو يا رسول الله؟ فقال : أبو رغال أبو ثقيف ، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه) رواه مسلم (٣). ورغال ـ بالغين المعجمة ـ ككتاب ، ويقال إن قبره بالمغمس باق إلى الآن ، والحديث فيه ردّ

__________________

(١) أخرجه ابن ماجه (٢٩٣٩).

(٢) المغمس : ـ بضم الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الميم مع الفتح وآخره سين مهملة ـ «سهل أفيح يمتد من الشمال إلى الجنوب مبدؤه من الصفاح وأسفل حنين ، ومنتهاه عرفة وجبل سعد .. فهو شرق مكة على ٢٠ كيلا» معالم مكة ص ٢٨٠.

(٣) الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك ٢ / ٣٥١ وقال : «حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه».

١٨٩

لما نقله الزمخشري : أن النبي صالح عليه‌السلام وجهه على صدقات ثقيف فأساء السيرة فقتلوه ، وهو الذي يرجم قبره بمكة.

وكذلك ما قال في القاموس من سنن أبي داود [ودلائل النبوة] وغيرهما : عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف مررنا بقبر فقال : (هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه ، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان ، فدفن فيه) الحديث (١).

وقول الجوهري : كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة ، فمات في الطريق. غير جيد ، وكذا قول ابن سيدة : كان عبدا لشعيب وكان عشّارا جائرا. ا ه (٢).

انتهى كلامه ، وكلا الحديثين يشهدان للقول بأنه بالمغمّس.

[٢٢٩] [فضائل الحرم] :

وأما فضائله فغير محصورة :

فمنها : كون مكة المشرفة منه ، وقد اختلف فيها ، فقيل : هي القرية.

وقيل : الحرم كله ، وقيل : ذي طوى ، وقيل : ما حوالى البيت.

[٢٣٠] [سبب التسمية بمكة وبكة وبغيرهما] :

سميت بذلك ، لأنها تمك الجبابرة ؛ أي : تهلكهم وتذهب نخوتهم ، أو

__________________

(١) أخرجه أبو داود (٣٠٨٨).

(٢) القاموس المحيط للفيروزآبادي (رعل).

١٩٠

لأنها تمك الفاجر عنها ، أي : تخرجه ، [أو : لأنها تجهد] أهلها من قولهم : تمككت العظم إذا أخرجت مخه ، والتمكك الاستقصاء ؛ أو لأنها تجذب الناس إليها ، أو لقلة مائها ، أو لأنها تمك الذنوب أي تمحقها.

وتسمى بكة : لأنها تبك أعناق الجبابرة ، أو لازدحام الناس فيها ، والبك : الزحام.

وأم القرى : لأن الأرض دحيت من تحتها ، قاله ابن عباس ، أو لكونها قبلة يؤمها الناس ، أو لأنها أعظم القرى شانا ، أو لأن فيها بيت الله تعالى ، وجرت العادة بأن الملك وبيته وبلده مقدمون على غيرهم ، وأصل لهم.

والسلام كذلك ، والقرية ، والبلد ، والبلدة ، ومعاد ـ بفتح الميم ـ ، والوادي ، وهذه الثمانية في القرآن ، وأسماؤها كثيرة ، قال النووي رحمه‌الله تعالى : لا يعلم بلد أكثر أسماء من مكة والمدينة ؛ لكونهما أفضل بقاع الأرض. وقد ذكر منها ابن ظهيرة ما يقارب الخمسين ونيفا ، ونظم منها القاضي بن الضياء من الحنفية ما ينوف على ثلاثين فقال :

لمكة أسماء ثلاثون عدّت

ومن بعد ذاك اثنان منها اسم بكة

صلاح ، وكوثي ، والحرام وقادس

وحاطمة ، البلد ، العريش ، بقرية

ومعطشة ، أم القرى رحم باسّة

ونساسه رأس بفتح الهمزة

مقدسة ، والقادسية ، ناسة

ورأس رتاج أم كوثي كبرة

سبّوحة عرش أم رحمن عرشنا

كذا حرم البلد الأمين كبلدة

كذاك اسمها البلد الحرام لأمنها

وبالمسجد الأسنى الحرام تسمّت (١)

__________________

(١) البحر العميق في مناسك المعتمر والحاج إلى بيت الله العتيق.

١٩١

قال العلامة الظهيري : ومن أراد الوقوف على اشتقاق كل اسم مع ذكر شواهده وفوائده ، فليراجع صحيح البخاري للقاضي مجد الدين رحمه‌الله تعالى إن وجده (١) ، مع أنه معنى كثير منها.

[٢٣١] [ما جاء في فضل مكة بالكتاب والسنة] :

وأما فضلها فقال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه‌السلام : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) [البقرة : ١٢٦] و (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) [إبراهيم : ٣٥] يعني : مكة ، وقال : (إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها) [النمل : ٩١] وقال : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) (١) [البلد](وَهذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ) (٣) [التين] والمراد في كل ذلك بمكة.

وفي الصحيح : (أنه ليس من بلد إلا سيطؤه الدّجال إلا مكة والمدينة ، ليس نقب من نقابها إلا وعليه الملائكة صافين يحرسونها (٢)) ، والنقب ـ بفتح النون وسكون القاف ـ : الباب ، وقيل : الطريق.

وروى النسائي ، وأحمد ، وابن ماجه ، وعبد الرزاق ، وابن حبان ، والضياء المقدسي ، والطبراني عن عبد الله بن عدي بن المعمر الزهري رضي‌الله‌عنه قال : رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على راحلته واقفا بالحزورة يقول : (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ، ولو لا أني أخرجت منك ما خرجت) حديث حسن ، أخرجه أصحاب السنن وصححه جماعة منهم الترمذي (٣).

__________________

(١) الجامع اللطيف ص ١٤٩.

(٢) أخرجه البخاري (١٧٨٢) ، ومسلم (٢٩٤٣).

(٣) أخرجه الترمذي (٣٩٢٥) ؛ ابن ماجه (٣١٠٨) ؛ المسند ٤ / ٣٠٥. وغيرهم.

١٩٢

وفي رواية أبي هريرة : أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقف بالحزورة وقال : (إنك لخير أرض الله ، ولو تركت فيك ما خرجت منك).

وفي أخرى : (لقد عرفت أنك أحب البلاد إلى الله ، وأكرمها على الله ، ولو لا أن قومي أخرجوني ما خرجت) الحديث.

وفي رواية أخرى عن ابن عباس ـ رضي‌الله‌عنهما ـ : (ما سكنت غيرك) ، وأيضا أن ذلك كان في عمرة القضية حين سألته قريش أن يخرج من مكة بعد الثلاثة الأيام التي وقع الشرط عليها ، لا حين خروجه إلى الهجرة ؛ لأنه خرج مستخفيا كما قاله بعض العلماء.

وذكر الأزرقي في تاريخه : أن ذلك عام الفتح.

فيحتمل أنه قاله مرتين ، ولا تنافي ، ويكون فيه من كمال تعظيم مكة ما ليس بخاف.

والحزورة (١) ـ بحاء مهملة وزاي ـ كقسورة ، والمحدثّون يشددونها كالحديبية ، والصواب : التخفيف ، كذا قال الشافعي ، والدارقطني رحمهما‌الله تعالى.

وهذا يدل على فضل مكة على سائر البقاع ، إلا ما ضم أعضاءه الشريفة ، فإنه أعظم منها بالإجماع ، بل ذلك من العرش وما حوله بلا نزاع (٢).

__________________

(١) الحزورة : ـ بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي ـ وهي الرابية الصغيرة ، كانت سوق مكة من جهة (باب أم هاني) وجهة (السوق الصغير) ثم دخلت في المسجد الحرام ، وقف عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم الفتح ، كما في الأزرقي ٢ / ٢٩٦.

(٢) قال القاضي عياض : «ولا خلاف أن موضع قبره أفضل بقاع الأرض» ، الشفاء ٢ / ٦٨٢ ، تحقيق البجاوي ، طبعة الحلبي ، ونقل المحقق في الهامش : «قال السبكي : الإجماع على

١٩٣

[٢٣٢] [هل مكة أفضل من المدينة؟] :

وكون مكة أفضل ، فقول أكثر العلماء : كأبي حنيفة ، والشافعي ، وأحمد ، ووهب وابن حبيب ، ومطرف من المالكية ، وروي عن جماعة من أكابر الصحابة منهم : عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وجابر ، وعبد الله بن الزبير ، وقتادة رضي‌الله‌عنهم.

وحكى ابن عبد البر أنه روي عن مالك ما يدل على : أن مكة أفضل الأرض كلها.

وذهب مالك ، وجمهور أصحابه ، وأكثر أهل المدينة ، وإحدى الروايتين عن أحمد رحمهم‌الله تعالى : إلى تفضيل المدينة عليها ، وهو مذهب عمر بن الخطاب ، وكثير من الصحابة رضي‌الله‌عنهم (١).

واستدلوا على ذلك بأحاديث ، منها : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (وما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة (٢)) مع قوله عليه الصلاة والسلام : (موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها (٣)).

قال ابن عبد البر : هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ، ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة ، وساق حديث أبي سلمة عن ابن الحمراء وقال :

__________________

أن قبره صلى‌الله‌عليه‌وسلم أفضل البقاع وهو مستثنى من تفضيل مكة على المدينة.

ونقل البهوتي عن ابن عقيل في الروض المربع : «قال في الفنون : الكعبة أفضل من مجرّد الحجرة ، فأما والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها فلا والله ، ولا العرش ، وحملته ، ولا الجنة ، لأن بالحجرة جسدا لو وزن لرجح» ، الروض (مع حاشية ابن عثيمين) ، ص ٣٦٩.

(١) انظر : الإيضاح ص ٧٢ ؛ الدرر المختار ٢ / ٣٥٢ ؛ القوانين الفقهية ص ١٤٣ ؛ أعلام المساجد ص ١٨٥ ، انظر بالتفصيل : البحر العميق لابن الضياء المكي ، ١ / ١٢٧ وما بعدها.

(٢) أورده الدارقطني في العلل ٨ / ٢٢٠.

(٣) أخرجه الترمذي (١٦٦٤) ؛ والبيهقي في الكبرى ٩ / ٣٨.

١٩٤

هذا نص في محل الخلاف ، فلا ينبغي العدول عنه.

وأما ما روي من أنه عليه الصلاة والسلام قال : (اللهم إنك تعلم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي ، فأسكني في أحب البلاد إليك (١)) فلا يختلف أهل العلم في نكارته ووضعه ، وسئل عنه الإمام مالك رحمه‌الله؟ فقال : لا يحل لأحد أن ينسب الكذب الباطل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وعلى تقدير صحته فلا دلالة فيه ؛ إذ العادة والعرف أن الإنسان لا يسأل ما أخرج منه ، فإنه قال : أخرجني منها فأسكني ، فدل على إرادة غير المخرج منه ، فتكون مكة مسكوتا عنها [من الحديث]. كذا قال المحب الطبري رحمه‌الله تعالى (٢).

وأما حديث : (المدينة خير من مكة) فضعيف ، بل قيل بوضعه (٣).

وأما ما في الصحيحين من قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة (٤)) فهو ونحوه إنما يدل على فضيلتها لا أفضليتها كما لا يخفى. كذا قال الفخر العلامة ابن ظهيرة (٥).

وأما قوله عليه الصلاة والسلام : (اللهم حبّب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد) وفي رواية (لأشد) فذلك تسلية عنها بعد وجود المانع من سكناها. والله أعلم.

__________________

(١) أورده صاحب مرقاة المصابيح ، وقال : «فقد أجمعوا على أنه موضوع كما قاله ابن عبد البر وابن دحية ...» ٥ / ٦١٢.

(٢) القرى لقاصد أم القرى ص ٦٧ ـ ٦٨.

(٣) الحديث رواه الطبراني ، وفيه ممد بن عبد الرحمن بن دواد ، وهو مجمع على ضعفه ، كما ذكر الهيثمي في المجمع ، ٣ / ٢٩٩.

(٤) أخرجه البخاري (١٨٨٥) ، مسلم (١٣٦٩).

(٥) الجامع اللطيف ص ١٤٠ ـ ١٤٣.

١٩٥

[٢٣٣] [في فضل سكني مكة والموت فيها] :

وفي المدارك عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من صبر على حرّ مكة ساعة من نهار تباعدت عنه جهنم مسيرة مائتي عام (١)).

وأخرج الجندي عنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من مات بمكة بعثه الله من الآمنين يوم القيامة (٢)).

وعن جابر رضي‌الله‌عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (من مات بمكة أو بطريق مكة بعث من الآمنين (٣)) ذكره ابن جماعة في منسكه.

وعن عائشة رضي‌الله‌عنها قالت : لو لا الهجرة لسكنت مكة ، إني لم أر السماء بمكان أقرب منها ، ولم يطمئن قلبي ببلد ما اطمأن بمكة (٤).

ويروى أن قريشا وجدوا بالركن كتابا بالسريانية فلم يدروا ما فيه ، حتى قرأه رجل من اليهود فإذا فيه : «أنا الله ذو بكة ، خلقتها يوم خلقت السموات والأرض ، وصورت الشمس والقمر ، وحفظتها بسبعة أملاك حتفا لا تزول حتى يزول أخشابها ، مبارك لأهلها في الماء واللبن» (٥) ، وفي رواية : في الماء واللحم.

__________________

(١) أخرجه البخاري (٥٣٣٠) ، مسلم (١٣٧٦).

(٢) أخرجه الفاكهي ١ / ٣٨٧ ، وابن الجوزي في الموضوعات وقال : «هذا حديث لا يصح والمتهم به إسحاق بن ظهير» ٢ / ٢١٧ ، انظر بالتفصيل ما ورد في هذا الباب : البحر العميق ١ / ٩٨.

(٣) المصدر السابق نفسه.

(٤) الأزرقي ٢ / ١٥٣.

(٥) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه ٥ / ١٤٩ ؛ وابن أبي شيبة في مصنفه ٣ / ٢٦٩.

١٩٦

والأخشبان : أبو قبيس ، والجبل المقابل له.

والحاصل : أن فضل مكة عظيم ، وقد أطال الحسن البصري رحمه‌الله تعالى من فضائلها في رسالته.

وقد يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عند ما خلق ، قال الحافظ ابن حجر : وعلى هذا فقد روى الزبير بن بكّار : (أن جبريل عليه‌السلام أخذ التراب الذي خلق منه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من تراب الكعبة فرجع الفضل المذكور إلى مكة (١)). والله تعالى أعلم.

تنبيه لطيف : قال بعض العلماء : يؤخذ من (قولهم المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه) أفضلية سيدنا أبي بكر وعمر رضي‌الله‌عنهما ؛ لاقتضائه أنهما خلقا من البقعة التي خلق منها النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فائدة : قال ابن حزم : التفضيل المذكور لمكة ثابت لعرفة أيضا ، وإذا كانت من الحل (٢).

[٢٣٤] [إطلاق المسجد الحرام] :

وأنها المسجد الحرام وهو يطلق على أربعة معان عند العلماء :

الأول : الكعبة ومنها قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤].

الثاني : الكعبة وما حولها من المسجد ، قال النووي : وهو الغالب ، ومنه (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [الإسراء : ١] الآية ، وهو قول

__________________

(١) أورده ابن حجر في الفتح ٣ / ٦٨.

(٢) الجامع اللطيف ص ١٤٣ ـ ١٤٤.

١٩٧

أنس ، ورجّحه الطبري (١).

الثالثة : جميع مكة ومنه (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [الفتح : ٢٧].

الرابع : جميع الحرم منه ، ومنه قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [التوبة : ٧] وكان العهد بالحديبية : وهي الحرم. وكذلك (ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٩٦] و (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ) [التوبة : ٢٨] قاله ابن عباس.

قال الماوردي : حيث ذكر الله المسجد الحرام في كتابه العزيز فالمراد : الحرم ، إلا قوله تعالى : (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ١٤٤] ، فإن المراد به : الكعبة شرفها الله تعالى (٢).

[٢٣٥] [فضل المسجد الحرام] :

وفضل المسجد الحرام كثير ، وقد ذكره الله تعالى في كتابه العزيز في نحو خمسة عشر موضعا ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى (٣)).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إن أول مسجد وضع في الأرض المسجد الحرام ، ثم المسجد الأقصى ، وما بينهما أربعون سنة (٤)).

__________________

(١) انظر : القرى لقاصد أم القرى ص ٦٥٧ ؛ انظر بالتفصيل : تفسير ابن عطية ص ١١٢٦ ، (ابن حزم).

(٢) الجامع اللطيف ص ١٦١ ـ ١٦٢.

(٣) سبق تخريجه.

(٤) الحديث أخرجه الشيخان وأصحاب السنن (عن طريق سؤال أبي ذر رضي‌الله‌عنه) البخاري

١٩٨

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه (١)). رواه أحمد ، وابن ماجه.

وروي (بألف ألف صلاة) ، وفي رواية : (بمائة ألف ألف) ، وفي أخرى : (بمائة ألف ألف) بتكرير الألف مرتين وثلاثا (٢).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام ، أفضل من مائة صلاة في مسجدي (٣)). رواه الإمام أحمد بإسناد على رسم الصحيح ، ورواه ابن حبان في صحيحه ، وصححه ابن عبد البر ، وقال : إن مضاعفة الصلاة بالمسجد الحرام على مسجد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمائة صلاة ، وقال : إنه مذهب أهل الأثر.

وفي الصحيحين : (صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه في المساجد إلا المسجد الحرام (٤)).

وروى البيهقي : (صلاة في المسجد الحرام مائة ألف صلاة ، وصلاة في

__________________

الأنبياء (٣٣٦٦) ، مسلم المساجد ومواضع الصلاة (١ / ٣٧٠).

(١) أخرجه الإمام أحمد في المسند ٢ / ٢٧٨ ، وأورده الهيثمي في المجمع وروي بروايات مختلفة (بزيادة أو نقصان) في بعضها ، ٤ / ٥ ؛ ابن ماجه (١٤٠٤).

(٢) انظر الروايات في الفاكهي ٢ / ٩١ وما بعدها.

(٣) مسند الإمام أحمد (١٦١٦٢) ، وقال النووي في شرح مسلم : «حديث حسن رواه أحمد بن حنبل في مسنده ؛ والبيهقي وغيرهما بإسناد حسن» ٩ / ١٦٤ ؛ صحيح ابن حبان في الصلاة (١٦٢٠).

(٤) سبق تخريجه.

١٩٩

مسجدي ألف صلاة ، وفي بيت المقدس خمسمائة صلاة (١)).

وروي : (صلاة في المسجد الأقصى بخمسين ألف صلاة ، وصلاة المسجد الحرام بمائة ألف صلاة (٢)).

ثم قيل على حديث الصحيحين : إن الصلاة بالمسجد لمسجد المدينة ، ورجحه بعضهم ، وقيل : بل أنقص ، وعليه مالك ، وقيل : بل أفضل بمائة ، وقيل بمائة ألف.

[٢٣٦] [المسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة] :

واختلفوا في معنى المسجد الحرام الذي تضاعف فيه الصلاة على أربعة أقوال :

الأول : أنه الحرم.

الثاني : أنه مسجد الجماعة ، وهو يؤخذ من كلام الحنفية ، فإنهم قالوا : التفضيل مختص بالفرائض ، وأما النوافل فالبيت أفضل ، فجعلوا حكم البيت غير حكم المسجد ، واختاره بعض الشافعية.

الثالث : أنه مكة ، واختاره بعضهم ، وقال : التضعيف ثبت لكل بقاع مكة فضلا عما زيد في مسجدها.

الرابع : أنه الكعبة ، وهو أبعدها (٣).

فإن قيل : قد ورد عن ابن عباس رضي‌الله‌عنهما : (أن حسنات الحرم

__________________

(١) البيهقي في شعب الإيمان ٣ / ٤٨٦.

(٢) ابن ماجه (١٤١٣) وغيره.

(٣) انظر : هداية السالك ، ١ / ١٧٤ ؛ البحر العميق ، ١ / ١٤٨ وما بعدها.

٢٠٠