مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

وحكي أن في هذا البحر كالحصون ترفع على وجه الماء ، ويظهر منها صور كثيرة ، ثم تذهب في الماء.

واختلف في عمق هذا البحر فمنه ما لا يدرك ، ومنه ما يكون سبعة آلاف باع ، وفوقها ودونها ، ومنه ما يكون فيه شجر كالمرجان.

ويتصل بهذا البحر المحيط بحر يقال له البحر الأسود الزفتي شديد النتن فيه قلعة الفضة ، قيل أنها مصنوعة ، وقيل أنها خلقة.

ويخرج من هذا البحر إلى بحر الصين أوله من بلاد الغرب إلى بحر فارس إلى بلد الصين ، وهو بحر ضيق فيه مغائص اللؤلؤ.

وقيل إن فيه اثنا عشر ألف جزيرة ، وثمانمائة جزيرة.

وفيه الدردور ، وهو موضع يدور فيه الماء ، فإذا دخله مركب لم يزل يدور فيه حتى يتلف.

وفيه كسير ، وعوير ، وهما جبلان عظيمان.

وفي هذا البحر عجائب كثيرة ، وصور مختلفة ، / وحيتان ملونة منها ما يكون طوله مائة باع ومائتي باع ، وأكثر وأقل ، يأكل بعضها بعضا.

وفيه جزائر معدن الذهب ، وفيها معادن الجوهر.

وفيه ثلاثمائة جزيرة كلها عامرة مسكونة فيها ملوك عدة.

ويقال : إن في هذا البحر قصر من البلور على قائمه وهو يضيء على طول الدهر بقناديل فيه لا تنطفىء.

ويعد هذا البحر بحر لا يدرك عمقه ولا يضبط عرضه تقطعه المراكب بالرياح الطيبة في شهرين ، وليس في البحار الخارجة من البحر المحيط أكبر منه ولا أشد هولا.

وفي عرضه بلاد الواق والوقواق ، ومنابت القنا والخيزران. ومن العجائب أن طول السمكة فيه أربعمائة ذراع ، وفوق ذلك ودونه ، ويسمى هذا السمك : الوال. وفيه سمك صغير بقدر الذراع ، فإذا أرادت السمكة الطويلة أن تؤذي سمك البحر أو مراكبه سلّط عليها سمكة صغيرة فتدخل في أذنها ولا تفارقها حتى تقتلها.

وفيه سمك وجهه كوجه الإنسان.

وفيه سمك يطير في الليل ويرعى الندى ويرجع إلى البحر قبل الشمس.

وفيه سمكة إذا كتبت بمرارتها قرىء في الليل.

وفيه سمكة خضراء دسمة من أكل منها اعتصم من أكل الطعام أياما كثيرة.

٢١

وفيه سمكة لها قرنان كقرن السرطان يرميان بالليل نارا.

وفيه سمكة مدورة يقال لها : المضح فوق ظهرها كالعمود محدد الرأس لا يقابلها سمك البحر لأنها تقاتلهن فتقتلهن ، وبرعا تقلب به المراكب ، وقرنها كالذهب أصفر مجنح.

وفيه سمكة يقال لها : هنس من صدرها إلى رأسها مثل الترس فيه عيون تنظر بها ، وباقيها طويل كالحية في طول عشرين ذراعا بأرجل كثيرة كالمنشار من صدرها إلى آخرها الذنب ولا يتصل بشيء إلا أتلفته ، ولا ينطوي ذنبها على أحد إلا أهلكته ، يقال إن لحمها شفاء للأوصاب ، وهو عزيز الوجود ، وفيه العنبر.

وبحر آخر يقال له الهركند :

/ كثير الجزائر فيه سمك ربما نبت على ظهره الحشيش والصدف ، وربما اعتقده المسافرون جزيرة فيفرشون عليها ، فإذا قطنوا بها رحلوا ، وهذه السمكة إذا رفعت جناحها يصير كالشراع ، وإذا رفعت رأسها من الماء كالجبل العظيم إذا بخت الماء من فيها كالمنارة العظيمة ، وعند سكون البحر يجر إليه السمك بذنبه ويفتح فيه فيلقيه فينزل في جوفه وله هدير ، ويغيض كأنه بئر واسمها : العند ، طولها ثلاثمائة ذراع يخافها البحريون ، فإذا دخل الليل ضربوا بالنواقيس خوفا منها.

وفيه حيات عظام تصعد إلى البر فتبتلع الفيلة ، ثم تلتفت (١) على صخور هناك فتتكسر في جوفها ويسمع لذلك صوت مزعج.

وفيه حية تسمى الملكة تظهر مرة واحدة في كل حين ، وربما احتالوا في مسكها فيأخذها ملوك الزنج فيطبخونها ، ويذهبون بودكها ، ويستعملون الفرش من جلدها وهي منمّرة ، ودكها يزيد في القوة والنشاط ، وجلد إذا جلس عليه صاحب السّل برىء منه فلا يعود إليه أبدا.

وريح هذا البحر من قعره اضطرابه يلقي نارا لها ضوء شديد.

وبحر آخر يقال له دابونجد :

بينه وبين بحر هركند على ما قيل ألف وتسعمائة جزيرة ويقع بين هذه الجزائر عنبر ، تكون القطعة منه كالبيت ونحوه ، ينبت في قعره ، فإذا اشتد هيجانه قذفه فيرتفع مثل الكمأة ، وله دسومة.

وقرأت في كتاب الطب الذي ألفه إبراهيم بن المهدي : أن أحمد بن حفص العطار

__________________

(١) لعلها : تلتف ، فتحرفت إلى هذا الرسم.

٢٢

قال : كنت في مجلس أبي إسحاق وهو يصفي عنبرا قد أذابه ، وأخرج منه ما فيه من الحشيش ، فسألني ، فقلت له : إن الدواب ثروته ـ يعني دواب البحر ـ فتأكل الطير منه ، فضحك أبو إسحاق وقال : هذا كلام تقوله العامة ، ما خلق الله تعالى دابة تروث العنبر إنما شيء يكون في قاع البحر.

وفي بحر سرانديب :

طرق / كثيرة بين جبال وهي مسالك لمن أراد بلاد الصين ، وفي جبال هذا البحر معادن الذهب ومغائص اللؤلؤ ، وأبقر وحشية ، ويسلك من هذا البحر إلى بلد المهراج وربما أطلت السحاب بهذا البحر شهرا لا ينقطع منه المطر ، ويخرج منه إلى بحر الصنف.

وفيه شجر العود ، وليس لهذا البحر حد يعرف ورأسه يخرج من قرب الظلمة الشمالية ويمر أيضا على بلد الواق.

وفيه ملك الجزائر ويدعى بالمهراج ، وله من الجزائر والأعمال ما لا تحصى عجائبه ، ولهذا الملك من جميع الآفاق الطيبة كالكافور ، والقرنفل ، والصندل ، والجوزة ، والبساسة ، والقاقل ، والعود ، على شيء كثير ليس لملك مثله من الطيب.

ويقال إن فيه قصرا أبيض يمشي على الماء ، ويتراءى لأصحاب المراكب فيتباشرون به ، وهو دليل السلامة والفائدة.

وفيه جزيرة فيها جبال مسكونة يسمع منها الطبول والفرقع والأصوات المنكرة لأهلها وجوه كالمجان المطرقة ، مخرمو الآذان ، يقال إن أعور الدجال فيها. وفيها يباع القرنفل ، يشتريه التجار من قوم لا يرونهم.

وفيه المدينة البراقة :

مدينة عظيمة لطيفة من حجر أبيض برّاق يسمع منها صياح ولا يرى بها ساكن ، وربما نزل البحريون وأخذوا من مائها فيوجد حلوا زلالا أبيض فيه روائح الكافور.

وفيه جزيرة بها مساكن وقباب بيض تلوح للناس فيطمعون فيها فيأخذون في التوجه إليها ، وكلما قربوا منها تباعدت عنهم فيرجعون عنها.

ويتصل بهذا البحر الواق الداخل ، وقال البحريون أنهم لا يعرفون منتهاه غير أن أقصاه جبال تتوقد نارا ليلا ونهارا ويسمع منها مثل قواصف الرعود ومن شدة وهجها يصير لها ذلك الصوت.

وهذا البحر لا يدرك عمقه ، وربما يسمع لتلك النار صوتا يدل على ملك من ملوكهم. ومن وراء هذا البحر :

٢٣

بحر الصين :

بحر خبيث بارد يخرج ريحه من قعره ، وهو مسكون له أهل في بطن الماء / إذا هاج البحر رآهم الناس في الليل كهيئة الزنج ويصعدون إلى المراكب.

وذكر البحريون أنهم لا يعرفون بعد بحر الصين بحر يسلك ، وهو بحر عجيب يغلي مثل القماقم ، وفي بحر الصين سمكة يرميها الماء بالساحل فتضطرب نصف يوم ثم تنسلخ فيخرج لها (١) جناح فتطير.

وزعموا أن عرض بحر الصين الذي تمر عليه المراكب ألف وخمسمائة فرسخ ، وفي هذا سمك يقال له : اللحم يبتلع الناس ، وإن مات أحد المسافرين وألقوه في الماء يلتقمه.

ويرى في هذا البحر وجه عظيم مستدير يشبه القمر كأنه وجه إنسان يغطي (٢) ما بين الجبلين.

أبواب الصين :

جبال في البحر بين كل جبلين فرجة.

وفي مدينة تقمولية :

القسطنطينية الأولى كنيسة في قعر البحر ينكشف عنها (٣) الماء يوما في السنة فيحج لها أهل تلك النواحي ويقربون لها ، فإذا كان وقت العصر من ذلك اليوم أخذ البحر في الزيادة ويواريها الماء.

ويقال : إن بحر الهند فيه حيوان يشبه السرطان ، فإذا خرج إلى البر يصير حجرا يعملون منه كحلا لوجع العين.

وفي بحر الأندلس :

المرجان خاصة ينبت في قعره مثل الشجر ، وقيل أن بحيرة تنين تغدوا وقت مجيء النيل يكون ستة أشهر حلوة ، ثم تملح.

وبالمغرب :

عين لا يخرج ماؤها إلا في أوقات الصلوات ثم تغيض ، وتسمى : عين الأوقات.

__________________

(١) في الأصل : له ، وهو تحريف.

(٢) في متن المخطوط : «تغطيه» والتصويب من هامشه.

(٣) في الأصل : عنه ، وهو تحريف.

٢٤

ولأهل الهند :

نهر فيه شجرة عظيمة قيل إنها من حديد ثابت في الماء ويعلو فوق الماء نحو من عشرة أذرع غلظه ذراع وكسر ، وفي رأسه ثلاث شعب غلاظ طوال مستوية محددة كالنار ، وعندها رجل جالس يقرأ كتابا ، يقول : اللهم يا عظيم البركة ، وسبيل الجنة ، أنت الذي خرجتني من عين الجنة ، ودللت الناس عليها ، فطوبى لمن صعد هذه (١) الشجرة وألقى نفسه عن العمود ، فمن سمعه بادر إلى الصعود إليها ، ويلقون أنفسهم على ذلك العمود فيتقطعون / ويغيبون في الماء ، فعند ذلك يدعون لهم أصحابهم بالطوبى والمصير إلى الجنة.

ولهم نهر فيه رجال بأيديهم سيوف ماضية ، إذا أراد العابد منهم أن يتطهر ويتقرب ، جاء في جماعة فيخلع ما عليه من اللباس كالحلي والأساور وأطواق الذهب ، وهذا لباس أبناء ملوكهم ، فإذا صار مجردا طرحوه على الألواح ، وأخذوا أطرافه وقطعوه نصفين ، ويلقون النصف في النهر ، والنصف الآخر في الكنك ، وفي زعمهم أن هذين البحرين يخرجان من الجنة ، وأن صاحبهم صار إليها.

وفي جبال سرانديب وادي الماس :

بعيد القعر فيه حيات عظام ، فإذا أرادوا إخراج الماس منه طرحوا فيه لحما فتقع عليه النسور ، فترفعه إلى حافة الوادي خوفا من الحيات فيتعلق باللحم من الماس ما يكون قدر العدسة والحمصة ، وأكبر ما يكون بقدر نصف الفولة فيجعلونه فصوصا للخواتم.

وذكر صاحب المنطق :

أن ثمّ حجارة كبار لا يوصل إليها من الحيات التي في ذلك الوادي.

وبالهند وادي القرنفل :

لم يدخل إليه أحد من التجار ولا ممن سلك البحر ولا بشجره ، وإنما يتبعه الجن على ما قيل ، وذلك أن المسافرين يرسون على جزيرتهم فيجعلون بضاعتهم على الساحل ثم يرجعون إلى مراكبهم فإذا كان الصباح جاءوا إلى الجزيرة فيجدوا إلى جانب [كل](٢) بضاعة كوما من القرنفل ، فمن رضي منهم بذلك أخذه وترك بضاعته ومن لم يرض استقلالا لها ، أخذ بضاعته وترك القرنفل ، ومن التمس لهم شيئا حبست مركبه أو يرد ما

__________________

(١) في الأصل : هذا ، وهو تحريف.

(٢) سقط من الأصل ، والسياق يقتضيه.

٢٥

أخذه ، ومن أراد زيادة على ما رآه ترك بضاعته ويأتي مرة أخرى فيجد زيادة على القرنفل فيأخذه (١).

وذكر بعض الناس أنه طلع إلى هذه الجزيرة فرأى قوما بغير لحىّ في زي النساء ، ولهم شعور ، فلما رأوه غابوا عنه ، وامتنعوا من خروج القرنفل ، وأن التجار بعد ذلك أقاموا مدة يترددون / إليهم فلم يروا شيئا ، ثم عادوا بعد مدة طويلة إلى ما كانوا عليه.

وقيل : إن القرنفل في حال رطوبته حلو من أكل منه لا يتبرص ولا يمرض ، وأن لباسهم من ورق شجر عندهم يلتحفون به لا يعرفه أحد من الناس.

ذكر البحر الأخضر وما فيه من العجائب والجزائر

ذكر بطليموس أن في البحر الأخضر سبعة وعشرون ألف مدينة وجزائر عامرة ، منها جزيرة فيها أمة من بقايا النسناس ، لهم شجر يقال له : اللوفيه يأكلون ثمره ويلتحفون بورقه ويأكلون لحوم دواب البحر.

وجزيرة في وسطها كالهرم العظيم من حجر أسود براق لا يعلم أحد ما بداخله ، ويحيط به عظام كثيرة وموتى ، وقد كان بعض الملوك سار إليها فلما دخل فيها وقع عليه وعلى أصحابه النّعاس ، وخدرت أجسادهم وضعفت أنفاسهم فلم يقدر بعضهم أن يتحرك ، فمنهم من أسرع إلى الخروج منها ، ومنهم من لم يستطع فمات هناك. وقيل : إن ذا القرنين لما سار إلى الظلمات مرّ على جزيرة فيها أمّة رؤوسهم كرؤوس الكلاب ، ولهم أنياب بادية تخرج من أفواههم مثل لهب النار ، فحين رأوه خرجوا إليه ، فتخلص منهم وخرجوا خائبين ، وسار سالما ، ثم لاح له (٢) نور ساطع ، فتوجه إليه فإذا هو قد بلغ جزيرة القصر ، وهذه جزيرة فيها قصر مبني بالبلور الصافي ، عالي الطول ، يشفي حتى من يرى نوره من بعد ، فأراد النزول بها ، فمنعه بهرام فيلسوف الهند ، وعرف أن من نزل إليها وقع عليه النوم واختل عقله وهلك ، وقيل : أنه ظهر منها قوم زعر قصار ، لباسهم ورق الشجر ، فقال الإسكندر : ما شأن هؤلاء؟ قال : بها ثمر إذا أكلوا منه سلموا.

وبين شرافات القصر كالمصابيح تسرج ليلا ، وتخمد نهارا.

وفي ذلك البحر جزيرة بيضاء واسعة كثيرة الأشجار ، والأنهار ، والثمار ، أهلها شقر

__________________

(١) جاء بهامش المخطوط تعليق ، وأنا أوافق عليه تماما وأكتفي به ردا وهذا نصه : كل ما ذكر في القرنفل كذب وزور ومن الخرافات ، بل للقرنفل شجر عرفها قوم في ... والتجار هناك اشتروها وجلبوها إلى سائر الأمصار ، بل أكثر ما ذكر في عجائب البحار ليس له حجة.

قلت : موضع النقط ثلاث كلمات لم أتبين قراءتها.

(٢) في المخطوط : لهم. وهو تحريف.

٢٦

عراة / وجوههم في صدورهم ، لكل واحد منهم فرج رجل وفرج امرأة ، كلامهم يشبه لغة الطير ، وطعامهم نبت يشبه الكمأة.

وجزيرة التنين (١) :

ذات أشجار ، وأنهار ، وزروع ، وفيها جبال عوال ، وعليها حصن عال ، وهي عامرة وفيها تنين عظيم ، قد شوش عليهم وأبادهم ، فلما دخل إليهم الإسكندر شكوا إليه حالهم معه من أكله المواشي وإتلاف الزرع ، فأمرهم أن يجعلوا قريبا من وقره في كل يوم ثورين سمان ، فكان يلتقمهما حبة الطير ، ثم أمرهم بسلخ ثورين كبيرين ، وأن يجعلوا حشو جلودهما كلسا وزفتا وكبريتا وزرنيخا ، وأن يجعلوا مع تلك الأخلاط كلاليب من حديد ، ويجعلونهما الثورين ، ففعلوا ، فخرج التنين على عادته كالسحابة السوداء وعيناه كالمشعل ينفخ من فيه نارا ، فحين عاينهما التقمهما كقمحة وولّى ، فما بلغ وكره حتى اضطرب واستلقى ليقذفهما فتشبكت الكلاليب في جوفه ، ففتح فمه ليستروح فأمرهم الإسكندر أن يحملوا حديدا ويلقوه في فمه ففعلوا فمات لوقته ، فعند ذلك فرحوا فرحا شديدا ، وأتحفوا الإسكندر من ظرائف ما معهم وما عندهم ، ومن جملة التحف دويبة على قدر الأرنب شعرها أصفر له بريق ، وفي رأسها قرن أسود إذا عاينته الوحوش والطيور هربت منه.

وجزيرة :

فيها دابة عظيمة قدر الجبل لها رؤوس كثيرة ووجوه مختلفة ، وأنياب معنقفة ، ولها جناحان إذا رفعتهما صارا كالرفرف المنكس يظل من الشمس.

وجزيرة صيدون :

وكان ملكا ، وهذه الجزيرة مسيرتها شهر في مثله ، ذات عجائب وغرائب ، مخضرة الأشجار ، يانعة الثمار ، جارية الأنهار ، عيشها أطيب ، وحالها أعجب ، في وسطها مجلس من ذهب يشرف على تلك الجزيرة ، وهو على عمد من مرمر ملون مفصل بأنواع الجوهر. وكان صيدون ساحرا يطوف به الجن ويعملون له العجائب ، وكان في زمن سليمان عليه‌السلام ، ثم أن الجن أخبرته بحال صيدون ، والجزيرة وعجائبها ، فسار إليها سليمان عليه‌السلام ، فوجد أهلها يتعبدون لملكهم ، فغزاهم وسبى من بقي منهم ، فآمن به أكثرهم وكان لصيدون ابنة لم يكن على الأرض أحسن منها وكانت (٢) بجملة من

__________________

(١) في متن المخطوط : جزيرة التين ، والتصويب من الهامش.

(٢) في المخطوط : وكان ، وهو تحريف.

٢٧

سبي فتزوج بها سليمان عليه‌السلام ، وكانت شديدة الحزن على أبيها كثيرة البكاء عليه ، فقال لها : اتركي ما أنت عليه من البكاء والحزن ، وأنا خير لك من أبيك ، وملكي أجل من ملكه ، قالت : صدقت يا نبي الله ، لكن كلما ذكرت الأبوة والشفقة غيرني ذلك ، وجدد عليّ ما ترى ، فتركها على حالها ، ودخل عليها بعض الشياطين ، فصور لها صورة أبيها في مجلسها وقد كان هذا صاحبا لأبيها ، وكان سليمان عليه‌السلام قد أسكنها في مكان خصها به بعد أن غرس فيه بدائع الأشجار والأثمار والرياحين ، وأجرى فيه الأنهار (١) ، كل ذلك في قنوات من ذهب ، رأيتها ، وجعل لها حافاتها ـ يعني الأنهار ـ أشجار باسقات ، تغرد على أغصانها الأطيار ، بتغريد اللغات ، مطوقة بالجوهر ، محلاة بالحرير الأبيض والأخضر والأحمر ، على حالة أبيها ، فعمدت إلى صورة أبيها فألبستها الحرير الملون وجعلت على رأسه إكليلا من الجوهر ، وبخرت حوله بدخن العنبر ونثرت عليه من المسك الأزفر ، وفرشت حوله أصناف الطيب والزعفران والرياحين ، وكانت تدخل عليه بكرة وعشية ، ومعها خدمها ، ووصائفها فتسجد له ، فكانت على ذلك أربعين يوما ، ثم اتصل خبرها بآصف بن برخيا وكان قرابة لسليمان [عليه‌السلام](٢) وكاتبه ، ومن عنده علم الكتاب. فعند ذلك ، أمر بنصب منبر فرقاه في جمع من بني إسرائيل فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على جميع أنبياء الله تعالى ، ثم شرع في مدحهم واحدا واحدا / ولم يذكر سليمان عليه‌السلام فسئل عن ذلك ، فقال : في بيتك من يسجد لغير الله ، ولم يكن سليمان عليه‌السلام يعلم بذلك ، فلما سمع كلام آصف دخل على بنت الملك فرأى صورة أبيها فاقشعر لذلك وزجرها وعمد إلى الصنم فكسره وهرب شيطانه ، ثم أمر بحضوره ، فلما شخص إليه حبسه.

قصة الخاتم :

ثم إن الجن أخذت خاتم سليمان فلما فقده خرج عن حالته ، وذهب عن ملكه ، وتغيرت سمته وحيلته حتى أن بني إسرائيل أنكروا معرفته ، وإذا جلس بينهم لا يعرفونه ، فعند ذلك ضاق رحبه وتحير في أمره فسلم الأمر إلى عالم سره ، فالتجأ إلى الله في زوال ما شانه ، وأن يصلح شأنه ، فكان كذلك أربعين يوما بقدر أيام سجودها لأبيها ، ثم بعد ذلك وجد خاتمه ، ورد الله عليه جماله ومملكته ، وتابت بنت الملك وكان ولده منها والقصة مذكورة.

__________________

(١) في المخطوط : والرياحين والأنهار وأجرى فيه الأنهار ، وكلمة الأنهار الأولى زائدة على السياق فحذفتها.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة تسليم يقتضيها السياق.

٢٨

وجزيرة :

لأهلها أجنحة وشعور وخراطيم ضيقة ، يمشون على رجلين وأربع ، ويطيرون ، ثم يرجعون ، قيل أنهم من قبائل الشياطين الأولى.

وجزيرة :

مرّ بها قوم وقد هاج البحر ، فنظروا إلى الجزيرة ، فرأوا شيخا كبيرا أبيض الرأس واللحية وعليه ثياب خضر ، وهو جالس على وجه الماء مستقبل القبلة وهو يقول : سبحان من دبر الأمور ، وعلم ما في الصدور ، وألجم البحر بقدرته ، ثم قال : سيروا بين المشرق والمغرب حتى تنتهوا إلى جبال بين الطرق فاسلكوا وسطها ، ففعلوا ، فأشرفوا على مدينة أهلها طوال الوجوه بأيديهم قضبان الذهب يتوكأون عليها ، ويحاربون بها ، طعامهم الموز والقطر ، قال : فأقمنا عندهم شهرا ، فلما أردنا الرحيل أخذنا شيئا من قضبان الذهب ، فلم يمنعونا ، ثم سرنا كما سمعنا ، فخلصنا. وقيل : إن الذي أرشدهم إلى الطريق هو الخضر عليه‌السلام وتلك هي وسط البحر الأعظم.

وذكر بطليموس :

أن في الشرق والصين ثلاثة / عشر ألف وسبعمائة جزيرة ذكر بعضها فمنها :

جزيرة سرانديب :

وقيل إنها ثمانون فرسخا طولا في ثمانين عرضا.

وقال علماء الهند : أن فيها الجبل الذي أهبط فيه آدم عليه‌السلام ، يراه المسافرون في البحر على أيام.

وقالت البراهمة : إن عليه قدمه مغموسة في الجبل نحو سبعين ذراعا ، ويعلو هذا الجبل ضوء البرق ليلا ونهارا فلا يستطاع النظر إليه ، وأن آدم عليه‌السلام خطا من هذا الجبل إلى البحر خطوة واحدة ، وهي على مسيرة يومين ، وحوله ألوان الياقوت وأصناف العطر والأفاويه ودواب المسك ، وأرضه سنبادج ، وفي أوديته الماس ، وفي أنهاره البلور ، وحوله في البحر مغائص اللؤلؤ ويتصل به :

جزيرة الرامي :

بهدينة الهند وبها الكركند ، وفيها البقم عروقه شفاء من سم الساعة ، وقد جربه البحريون يبرىء من سم الأفاعي والحيات.

وفيه جواميس لا أذناب لها أهلها ناس عراة في لغات لا يفهم كلامهم ويستوحشون من الناس إذا رأوهم ، طول الواحد منهم أربعة أشبار لهم شعور زغب حمر يتسلقون على

٢٩

الأشجار بأيديهم دون أرجلهم ، ومنهم قوم في سبحهم كالريح ، يبيعون العنبر بالحديد يحملونه بأفواههم.

وبقربهم ناس سود شعورهم مفلفلة يأكلون الناس أحياء ، يشرحونهم تشريحا ، ولهم جبل طينه من فضة إذا اتصل بالنار ذاب ، ويتصل به :

أرض الكافور :

فيه الشجر المعروف بشجر الكافور والشجرة منه يستظل تحتها مائة إنسان وأكثر ، إذا بقر رأسها سال منها ماء الكافور في عدة جرار ، والكافور صمغ على خشبها ، وخشبها أبيض خفيف ، دوابها وأطيارها عجيبة.

ومدينة في جزيرة :

لها ملك لباسه من حلل الذهب وكذا قلنسوته مكللة بالجوهر ، طعامهم النارجيل والموز وفيها قصب السكر ، ومن الأفاويه / الصندل والسنبل ، والقرنفل ، بجانبها جبل فيه نار تتوقد سمكه مائة ذراع. فإذا طلع النهار صارت النار دخانا.

وجزيرة الصّنف :

كثيرة الذهب حتى أن مقاود دوابهم وسلاسل كلابهم من ذهب وقمصهم منسوجة بالذهب ، ومن هذه النواحي يجيء المسك والعود ، والأنبوس ودار صيني والزنجبيل وأصناف التجارات.

جزيرة المهراج :

ملك له جزائر كثيرة في غاية الخصب والعمارة ، حكى بعض التجار : أن ديكه إذا صاحت سحرا تجاوب إلى مائة فرسخ لاتصال عمارتها وانتظام قراها لا مفاوز فيها ولا خراب يسافر المسافر فيها ، وتغرس حيث شاء وأراد.

وجزيرة عجيبة اسمها سلطا :

فيها قوم يسمع كلامهم وضجيجهم وتصرفهم في معايشهم ويخاطبون ويجاوبون ولا يراهم أحد ، وربما سألوهم عن شأنهم فقالوا : نحن من الإنس وبعث إلينا نبي ونحن على دينه ، إذا نزل بهم الغريب جعلوا عنده من الطعام والشراب ما يكفيه إياما ، فإذا أراد الخروج من عندهم سيق له مركب لأجله فلا تسير حتى ينزلها وتوصله إلى مكانه ، وقد عرف البحريون ذلك ولهؤلاء ثمار نهاية الحلاوة والنارجيل والطيب أخضر لا قشر له وأطيار مشوية على قدر اليمام لذاذة ليس لغيره من اللحوم ، واسم نبيهم الذي آمنوا به ساوند بن جزويل.

٣٠

وجزيرة الدّامات :

وهي جزيرة فيها صورة لإنسان (١) راكب على طائر بقدر النعامة ، إذا طرح البحر إليه شيئا أو رجلا أكله ، وإن أرست مركب في مكانه فلا خلاص لهم منه ، يأكلهم واحدا بعد واحد ، وإن ماتوا أكلهم فشاع أمره بين المسافرين.

ويحكى أن مركبا رماه البحر على تلك الجزيرة ، فنزل إليهم فحاربوه ، فصاح عليهم صيحة سقطوا منها على وجوههم ، فجرهم إليه ، وكان فيهم عبد صالح ، فدعى عليه فهلك من ساعته وصار ذلك / الموضع مطلبا لكثرة ما فيه من أموال المسافرين وأمتعتهم.

جزيرة القندح :

فيها صنم مصنوع من زجاج أخضر يجري من عينه مثل الدموع على ممر الأيام كأنه يبكي على قومه ، وذلك أن بعض الملوك بلغه أن قومه كانوا يتعبدون له ، فغزاهم واستباحهم وقتلهم ، وأراد أن يكسر الصنم ، فعجز عن ذلك ، وما عمل فيه الضرب بالحديد شيئا ، وربما رجع الضرب عليهم ، وكان إذا دخل الريح فيه صفّر صفيرا عجيبا.

جزيرة الطاورت :

لها ملك عظيم له أربعة آلاف امرأة ، ومن لم يكن مثلها فليس بملك ، ولا يتفاخرون إلا بكثرة الأولاد والأموال ، وعندهم أشجار إذا أكلوا من ثمرها حصل لهم في ألثهم قوة عظيمة.

جزيرة السيارة :

عامرة فيها جبال وأشجار ، وهي جزيرة عجيبة يعرفها البحريون ، لا يشكون فيها ، ويقولون : إنهم عاينوها كثيرا ، ومن عجائب هذه أن الرياح إذا هبت من الغرب سارت إلى الشرق وإذا هبت من الشرق سارت إلى المغرب ، حجارتها خفيفة ، الصخرة العظيمة التي زنتها عشرة أرطال أو دونها ، حتى أن الرجل يحمل القطعة العظيمة التي قدر الجبل العظيم ، وذكر بعض التجار : [أن](٢) البحر طرحهم في جزيرة عجيبة ، حجارتها وحصباءها وترابها وكل ما فيها ذهب ، فأقاموا بها أياما لا يجدون شيئا يأكلونه غير السمك ، وهو مع ذلك قليل ، فخافوا على أنفسهم التلف فعمدوا إلى مركب صغير معهم ، فأوثقوه منها ذهبا فوق طاقته ، فانكسر المركب ، لكن سلموا ، وجعلوا يحكون ما جرى لهم ، فتجهز الناس للمسير إليها زمانا طويلا فلم يعرفوا مكانها.

__________________

(١) في الأصل : الإنسان ، والألف في أوله زائدة فحذفتها ليستقيم السياق.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

٣١

وذكروا أن في جزائر الكافور يأكلون الناس ويحشون رؤوسهم طيبا وكافورا ويعلقونها في بيوتهم ، فإذا طرأ لهم أمر وعزموا على فعله أخذوا منها رأسا وكفروا لها سجدا ، ثم يسائلوا حاجتهم فتخبرهم / بأمرهم خيرا كان أو شرا ، وحكوا عن :

جزيرة النساء :

وهي ببحر الصين لا يسكنها غير النساء يلقحن من شجر عندهم (١) مثل عروق الخيزران ، وتربتهم ذهبا ، ووقع إليهم رجل ، فلما رأينه هممن بقتله ، فرأته امرأة منهن (٢) فرحمته ، فأخذته ، وجاءت به إلى البحر ، فوضعته على لوح ، وأرسلته على وجه الماء فحملته الأمواج حتى ألقته في بعض بلاد (٣) الصين ، فصعد إليها وطلب الدخول على ملكها ، فلما اجتمع به أخبره بأمره ، وما جرى له في سفره ، فوجه إليها مراكب فطافوا بها ثلاث سنين ، ثم رجعوا ، ولم يقفوا لها على أثر.

وفي خبر ذي القرنين :

أن مراكبه وقعت على جزيرة من جزائر البحر بيضاء صافية ذات أشجار وأنهار ، فيها قوم خلوق الناس في الانتصاب لهم رؤوس كرؤوس الكلاب والسباع ، فلما دنوا منهم غابوا عنهم ، وفي وسط هذه الجزيرة نهر شديد التيار شديد بياض الماء على شاطئه شجرة عظيمة طيبة الطعم ، عظيمة المنظر ، مشرفة بألوان (٤) ورقها كالحلل لينا وقدرا وحسنا ، وهي تسير بمسير الشمس ، من غدوة إلى الزوال ، إذا زالت الشمس تقلصت وانحطت بانحطاط الشمس ، وغابت بغيبتها ، أحلى من العسل واللبن المزيد ، وورقها أطيب ريحا من المسك ، فأحب قومه أن يحملوا معهم شيئا من ثمرها وورقها ، فلما جمعوا ذلك وأرادوا حمله وقع عليهم ضرب بالسياط ولا يرون من يضربهم ، ثم يسمعون قائلا : ردوا ما أخذتم منها ، ولا تتعرضوا لها فتهلكوا ، فردوه وساروا في عافية وسلامة.

ودخل الإسكندر جزيرة العبّاد :

فوجدها قفراء (٥) مجدبة ، ما فيها غير الحشيش ، وغدران الماء ، وقوم قد أنحلتهم العبادة ، وصاروا كالفحم في سواد الألوان ، فسلم عليهم وسألهم عن عيشهم ومعايشهم ، قالوا : عيشنا ما يسوقه الله تعالى إلينا من أسماك البحر وأصول الحشيش وشرب ماء

__________________

(١) كذا ، والصواب عندهن.

(٢) في الأصل : منهم.

(٣) في الأصل : البلاد ، والألف واللام زائدة في أول الكلمة فحذفتها.

(٤) تحتها في المخطوط كلمة : أنواع.

(٥) في المخطوط : فقراء ، وهو تحريف.

٣٢

الغدران ، [فقال](١) : فتروا أن أنقلكم / إلى مكان أخصب من هذا وأطيب عيشا منه؟

فقالوا : أما عيشنا فهو أطيب عيش ، وأما من أمر المال ، فإن جزيرتنا مملوءة ذهبا ، قال لهم : أريد أن تطلعوني على ما ذكرتم ، فذهبوا به إلى واد في ناحية الجزيرة ، وفيه من ألوان الجوهر كالدّر ، والياقوت ، شيء كثير فوق ما تتوهمه النفوس ، فتعجب الإسكندر من ذلك ، ثم أنهم عطفوا به إلى ما وراء ذلك الوادي ، فرأى أرضا واسعة كبيرة ، واسعة القضاء ، يمتد في حسنها الناظر ، وينبسط إليها الخاطر ، وفيها أصناف الفواكه والثمار والأشجار ، وما لا يوجد في غيرها من المدن العامرة ، فجعل الإسكندر يتأمل في سعتها ، ومحاسن غروسها ، وكثرة أشجارها ، وطيب رائحتها ، وأنهارها ، ومع ذلك لم يلتفتوا إليها.

ثم قالوا له : ألك قدرة على مثل هذا ، ونحن نؤثر الحشيش عليه ، إذا احتجنا أخذنا منه الكفاء وشربنا من أنهارها الرواء ، وعلى الدنيا العفاء.

ثم أنه ودعهم ، ولم يلتمس منهم شيئا من ذلك هو ولا قومه.

ووصف الإسكندر جزيرة في البحر الأخضر :

فيها قوم حكماء ، فسار إليهم ، فرأى قوما سرابيلهم ورق الأشجار ، ومساكنهم كهوف الجبال ، وعليهم السكينة والوقار ، فاجتمع بهم وسألهم عن شيء من الحكمة فأجابوا عليها ، ثم قال لهم : ألكم حاجة؟ قالوا : نريد الخلود ، قال : لست ممن يقدر على زيادة نفس لنفس.

قالوا : تعرفنا ما بقي من آجالنا؟

قال : ما أعرف هذا لنفسي ، فكيف لغيري؟

حكي أن بعض المتقدمين من حضرموت دخل على معاوية ، وكان قد بلغ من العمر ثلاثمائة سنة وسبع سنين ، فقال له معاوية : يا شيخ ما كانت صناعتك؟

قال : التجارة (٢) ، وكنت لا أخفي عيبا (٣) ولا أرد ربحا.

فأعجب معاوية كلامه ، وعرف أنه حكيم ، فقال له : اسألني حاجتك!

قال : رد عليّ شبابي!

قال : ليس هذا في قدرتي.

__________________

(١) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٢) في المخطوط : تجارة ، بدون الألف واللام ، والسياق يتطلب الزيادة.

(٣) في المخطوط : عينا. بالنون وهو تحريف.

٣٣

قال : تزيد في أجلي؟

قال : ولا هذا بيدي.

قال : تدخلني الجنة؟

قال : لا أستطيع ذلك لي / فكيف لغيري. فولى عنه ، وهو يقول : لست أرى في يدك دنيا ولا آخرة.

وكان في طرف جزيرتهم شيخا خرازا مشتغل بصناعته لا يلتفت إلى شيء من ذلك ، فجاء إليه وقال : ما منعك من السلام عليّ؟ ولا فعلت مثل ما فعل غيرك من النظر مثل ما فعل غيرك (١) إلى ما أنا فيه من كثرة العسكر واتساع الملك؟

قال : ما أعجبني ملكك.

قال : ولم؟

قال : لأني عاينت ملكا أعظم من ملكك ، وكنت في جوار ذلك الملك ، وكان في جواري رجل مسكين ، فماتا في يوم واحد (٢) ، وجعلا في موضع واحد ، فكنت أتعاهدهما حتى بليت أكفانهما فرأيتهما ، فلم أميز بينهما.

فعلم أنه حكيم بين الناس ـ أي أناس ـ الحكماء ثم ودعهم وسار عنهم.

ذكر الأهرام وما فيها من العجائب

قال صاحب التاريخ : إن سورند بن سهلوق كان ملكا على مصر بعد أبيه قبل الطوفان بثلاثمائة عام ، فرأى في منامه رؤيا فزع منها قيل : أنه رأى الأرض قد انقلبت بأهلها ، وكأن الناس يهوون على رؤوسهم ، والكواكب تتساقط بعضها بعضا ، ولها أصوات مفزعة ، فاستيقظ من منامه خائفا ، ولم يذكر ذلك لأحد ، وقال : سيحدث أمر مهول.

ورأى ثانيا كأن الكواكب البايانية في صور طيور بيض وهي تخطف الناس ، وتلقيهم بين جبلين عظيمين ، وقد انطبق عليهم ، وكأن الكواكب النيرة مظلمة ، فانتبه مذعورا مرعوبا ، فدخل إلى هيكل الشمس ، فمرغ خديه وبكى ، فلما أصبح أمر برؤساء الكهنة من جميع أعمال مصر ، وكانوا مائة وثلاثون رجلا ، فخلا بهم وأخبرهم بما رأى ، فقالوا : ستحدث فتنة عظيمة ، وأمر مهول يعم العالم ، وكان رأس الكهنة كاهن اسمه : فليمون ، وكان محاضرا للملك ، فقال : إن في رؤيا الملك تعجبا ، وأمرا كبيرا ، وإن رؤيا الملك لا

__________________

(١) في المخطوط : غيرنا ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : واحدة ، وهو تحريف.

٣٤

تجري على فساده ، وأنا أخبر الملك عن رؤيا / منذ سنة لم أذكرها لأحد ، فقال : قل يا فليمون ، قال : رأيت كأني مع الملك على رأس المنار الذي في أمسوس وكأن الفلك قد انحط من موضعه حتى قارب سمت رؤوسنا ، وكأن علينا كالمكبة محيطة بنا ، وكأن كواكبه قد خالطتنا في صور مختلفة ، وكأن الناس يستغيثون بالملك وقد انخلفوا إلى قصره ، وكأن الملك رافع يديه يدفع بهما الفلك أن لا يصيب رأسه ، وكأنه يشير إليّ أن أفعل مثل فعله ، ونحن على وجل شديد ، رأينا أن الشمس قد طلعت علينا وكأنها تخبرنا أن الفلك سيعود إلى مكانه ، ثم انتبهت فزعا.

فعند ذلك أمرهم أن يأخذوا ارتفاع الكواكب وينظروا هل من حادثة تحدث ، ففعلوا ، فظهر لهم أمر الطوفان وبعده النار ، فعند ذلك أمر ببناء الأهرام والبرابي والأعلام العظام حفظا لأجسادهم وحصنا لأموالهم ، فلما فرغوا من بنائها زبروا (١) فيها وفي سقوفها وأسطواناتها (٢) علومهم الغامضة التي لا يعرفها إلا كهنة مصر بين سائر الأمم ، ثم بعد ذلك صور الكواكب بدرجها وأعمالها ودلائلها وأسرار طبائعها وعمل الصنعة ، وطريقتها وتركيبها ، والنواميس العظام ، والعقاقير ، والطلسمات ، والطب ، والهندسة وغير ذلك مما يضر وينفع مخلصا مفسرا يعرف ذلك من يعرف كتابتهم ولغتهم ورقموا (٣) أيضا الآفات النازلة من أمر الطوفان وما بعده وصورة ما كتبوه ، وأن ذلك كائن إذا نزل الأسد بأول برج في السرطان ، وتكون الكواكب عند نزولها في هذه المواضع من الفلك ، وتكون الشمس والقمر في أول دقيقة من الحمل ، وقرويس ـ وهو زحل ـ في درجة ثمانية وعشرين ثانية من الحمل ، وراوش ـ وهو المشتري ـ في الحوض في تسع وعشرين درجة وسبع وعشرين دقيقة ، والمريخ في الحوض ، في ثمان وعشرين درجة وخمس دقائق وقروذي طي ـ / وهو الزهرة ـ في الحوض في تسع وعشرين درجة وخمس دقائق ، والجوزهر في الميزان ، وأوج القمر في الأسد خمس درج ودقائق.

فلما فرغوا من ذلك كله ، قال لهم : انظر بعد هذه الآفة كون مصر ، ففعلوا ، وأخبروه بما ظهر ، وصورة ذلك : نظرنا فأصبنا الكواكب تدل في وقت نظرنا على أن الآفة نازلة من السماء إلى الأرض ، وهي ضد الأولى نار تحرق أقطار العالم عند نزول قلب الأسد آخر دقيقة من الدرجة الخامسة عشرة من الأسد آخر دقيقة ، ويكون أقليدس ـ وهو الشمس ـ معه في دقيقة متصلة بقرويس من تثليث الرامي ، فيكون راوش في الأسد مستقيم السير معه رس في دقيقة ، ويكون سلبيتي ـ وهو القمر ـ في الدلو مقارنا لإبليس

__________________

(١) أي : زينوا ، وحسنوا ، ونمقوا ، وجملوا كتابيا.

(٢) أي : أعمدتها.

(٣) أي : كتبوا.

٣٥

ومعه الذّنب في الاثني عشر جروا ، ويكون الكسوف أطباق الأعظم في هذا الوقت ، ويكون اقروذي طي في بعدها الأبعد من إبليس ، ويكون هرمس في بعده الأبعد أمامها ، أما أقروذي طى فبالاستقامة والله أعلم.

قال : فهل خبر غير هذا؟

قالوا : إن الأسد إذا قطع ثلثي أدواره لم يبق من حيوان الأرض متحرك إلا تلف ، وإذا استتم أدواره تحللت عقدة الفلك.

قال : في أي يوم؟

قالوا : في اليوم الثاني من بدء حركة الفلك. فوقف الملك وجعل يتفكر في هذا الأمر العظيم ، وفي عمل الحيلة المنجية له ولقومه من الطوفان والنار ، ففكر في بناء الأهرام وجمع أتابكة ملكه ، ووجوه مملكته ورؤساء الكهنة وعرض عليهم ذلك فاستحسنوه ، فأمر بجمع الصنّاع والفعلة ، والمهندسين وسائر أرباب العمارات فقطعوا الصخور والأحجار والأساطيم العظام ونشروا البلاط المصفح الكبار وأجدروا الصخور الكبار السود من ناحية أسوان لأجل الأساسات وكان لهم فراقل منقوسة ـ يعني منقوش عليها / بالحكمة والكهانة بواسطة الرصد إذا ضربوا بها الصخرة العظيمة غدت وحدها رمية سهم.

ثم أمرهم باستخراج الرصاص من أرض الغرب ، وأمرهم أن يزبروا (١) على البلاط المنشور ما لهم من العلوم.

فوضعوا أسسها ، وأقاموا جدرانها ، وأقاموا عمارتها وكانوا يجعلون في وسط البلاطة قلب حديد قائم ويركبوا عليه بلاطة أخرى مثقوبة الوسط فيدخل ذلك القلب فيه ويطبقا ، ويذاب الرصاص ويصب حول البلاطة بعد انطباقهما وإيلاف الكتابة عليهما.

أبواب الهرم وإحكامها :

جعلوا أبوابها من تحت الأرض بأربعين ذراعا في أزاج مبنية بالحجارة في الأرض طول كل أزج منها مائة وخمسون ذراعا.

أما باب الهرم الشرقي : فإنه من الناحية الجنوبية على مائة ذراع من وسط حائط الهرم إلى الناحية الشمالية يحفرونه حتى ينزلوا إلى باب الأزج فيدخل منه إليه.

أما باب الهرم الغربي : فمن الناحية الغربية يقاس من وسط الحائط الغربي إلى ناحية الغرب مائة ذراع ، ويحفر حتى ينزل إلى الأزج المبني فيدخل منه إليه.

__________________

(١) أي : يكتبوا بخط جميل.

٣٦

وأما باب الهرم الملون : فمن الناحية البحرية يقاس مائة ذراع من وسط الحائط البحري ويحفر حتى ينزل إلى باب الأزج فيدخل منه إليه.

الارتفاع والتربيع والإحكام على الاستواء :

جعلوا طول كل هرم منها أربعمائة ذراع بالمكي وهي بذراعنا هذا خمسمائة ذراع ، وجعل كل واحد منهما أربعمائة ذراع وأحكموا بناءها إلى أربعين ذراعا في الاستواء ، ثم هرّمها. وكان بناؤهم لها في أوقات السعادة ، فلما فرغوا من بنائها ، أمر الملك بأن تكسى ديباجا ملونا من أعلاها إلى أسفلها ، وجعل لها عيدا جامعا لم يتأخر أحد عن حضوره ، ثم أمر بأن يعمل داخلها ثلاثون جرنا من حجر الصوان الملون.

الدخائل النفيسة / المودعة في الهرم الغربي :

أودع فيه (١) هذه الأجران ونقل إليه من الكنوز ، والأموال ، والجواهر المسبوكة الملونة ، والآلات الزبرجد ، والتماثيل المعمولة ، والطلسمات ، والحديد الفاخر ، والسلاح الذي لا يصدأ ، والزجاج الذي يطوى ، والنواميس ، والمولدات ، والدخن ، وأصناف العقاقير المفردات ، والمسمومات ومما شاكل ذلك شيئا كثيرا لا يوصف.

الصنايع المودعة في الهرم الشرقي :

أودع فيه أصناف الكواكب والقباب الفلكية وما صنع ـ يعني وما صنعه الملوك السالفة من أجداده ـ فيه من التماثيل والدخن الذي يقرب به إليها ، ومصاحفهم وما عمل فيها من التواريخ والحوادث الماضية والحادثة ، وذكروا أوقاتها التي تحدث فيها ، والعلة الكوكبية التي حدثت من أجلها ، وذكر من يلي مصر من الملوك إلى آخر الزمان ، وكون الكواكب الثابتة ، وما يحدث بكونها وقتا وقتا ، وأودع فيها أيضا المظاهر التي فيها المياه الدّبرات ، والبررقات الذهبية ، والعجائب الرصدية ، وما يشابه ذلك شيء كثير.

وجعل في الهرم الملون أجساد الكهنة من جرونات الصوّان الأسود ، وأودع كل جرن منها ما أودعه ذلك الكاهن من عجيب صناعته ومصاحف حكمته ، وكانوا سبع مراتب ، وجعل لكل هرم منهم خازنا ، فخازن الهرم الشرقي صنم من جذع أسود وأبيض له عينان مفتوحتان جالس على كرسي وبيده حربة إذا نظر إليه أحد يسمع له صوتا يكاد يزهق نفسه ، فينام على وجهه ويختلس عقله فلا يكاد يفارق الهرم حتى يموت فيه.

وخازن الهرم من صوان مجزع بيده حربة ، وعلى رأسه حيّة مطوقة على عنقه من قرب منه وثبت عليه وتطوقت في عنقه فقتلته.

__________________

(١) في المخطوط : في ، وهو تحريف.

٣٧

وخازن الهرم الملون صنما / صغيرا صنعوه من حجر البهتة على قاعدة منه من نظر إليه اجتره إليه حتى يلتصق به فلا يفارقه حتى يموت.

فلما فرغ من ذلك حمدها بروحانيتها.

وذكر القبط أن عليها مكتوبا اسم الملك والوقت الذي بناها فيه وقالوا : إنها في ستة أقفل فمن يأتي بعدنا فيهدمها في ستمائة سنة ، وكسوناها الديباج المرقوم ، فاكسوها أنتم القش المنسوج وهذا شيء لا يقدر عليه أبدا.

ومن غرائب وعجائب الأهرام :

أن المأمون لما دخل مصر أراد أن يهدمها ليعلم ما فيها من الكنوز والأموال وبدائع الأعمال ، فقيل له : إنك لا تستطيع ، فقال : لا بد من فتح شيء منها ، وكان في أحدها ثلمة مفتوحة فاستهون فتحها فعالجوا رفعها فلم يقدروا فأنفق عليها مالا كثيرا مع نار توقد عليها ، وخلّ يرش ، ومنجنيقات تزمى حتى فتحت فدخلوا إليه فوجدوا عرض جداره عشرون ذراعا ، ووجدوا خلف الحائط عند النقب مطهرة خضراء فيها ذهب مضروب دنانير زنة كل دينار أوقية من أواقنا ، وكان عددها ألف مثقال فتعجب المأمون من حسن الذهب وقوة بهجته ، ثم أنه أمر في معنى العد ، والحد فيه فأحضر العمال والدواوين الذين ضبطوا ما صرف على فتح الهرم ، فوجدوا ما أنفقوا قدر الذي وجدوا لا يزيد ولا ينقص ، ووجدوا إلى جانب المطهرة أو على فوهتها كتابة مرقومة فإذا فيها : سيفتح هذا الهرم على يد خليفة من خلفاء مصر ، ويكون سبب فتحها كذا ، ويصرف عليها من المال كذا ، فإذا دخلتم تجدون مقدار ما صرفتم فخذوه وارجعوا أو تهلكوا ، فرجعوا من ثمّ.

ثم قال المأمون : لقد أعطي هؤلاء من العلوم والحكم ما لا يدركه غيرهم من الأمم.

ومن عجائب الغرائب

أن جماعة من الأحداث أجمعوا رأيهم أن يدخلوه / فلا يبرحوا حتى ينتهوا إلى منتهى أمره فأخذوا معهم من الطعام والشراب ما يكفيهم شهرين وأكثر ، وأخذوا من السكك والحبال (١) والشمع ، والفؤوس ، والقفاف ، الشيء الكثير ، والزناد ودخلوا ، فلما انتهوا إلى أرضه أتاهم لطش في وجوههم وأقفيتهم من خشاسيف (٢) كالعقبان فانتقلوا من ذلك المكان إلى مكان آخر فانتهوا إلى الصب في حائط يخرج منه ريح بارد متصل فأرادوا أن يدخلوا منه ، فانطفت شموعهم ، فجعلوها (٣) في زجاج وهموا بالدخول ، فكاد

__________________

(١) في المخطوط : الجبال ، وهو تصحيف.

(٢) أحسب أن أصل هذه الكلمة : خفافيش ، وتحرفت إلى هذا الرسم ، فالله أعلم.

(٣) في المخطوط : فجعلهم ، وهو تحريف.

٣٨

أن ينطبق عليهم ، فقال واحد منهم : اجعلوا في وسطي حبلا واقبضوا على طرفه الآخر ، وأنا أتقحمه ، فإن خفتم عليّ فجروني إليكم ، ففعلوا ، فانطبق عليه وسمعوا عظامه تتكسر ، وجاءتهم صيحة شديدة ، فسقطوا جميعا ، ثم فاقوا ، وقد ضاق بهم الأمر ، فجهدوا في الخروج منه ، فلما صعدوا من الزلاقة ، فمنهم من نجا ومنهم من تردى ، فقعد الباقون في سفحة الهرم حزنا على أصحابهم متعجبين من أمرهم ، نادمين على فعلهم فبينما هم كذلك ، وإذا بصاحبهم قد أخرجته الأرض لهم ، فقام وحدثهم بكلام كاهن لم يفهموه (١) ، فوقف عليه رجل من بلاد الصعيد كان معهم ، قال : يقول : هذا جزاء من طمع فيما ليس له ، ثم خرّ ميتا ، فدفنوه.

ودخل جماعة إليه : وطافوا به فلما انتهوا إلى أسفله رأوا أرضا فساروا فيها فرأوا عجائبا كثيرة فمن ذلك : قبة تحتها كالمطهرة يقطر فيها الماء ثم يغيض.

ووجدوا مجلسا مربعا حيطانه وحجارته ملونة عجيبة ، فعمد أحدهم إلى حجر فحمله في كمه ، فخرج من موضع ذلك الحجر ريحا شديدا شد أذنيه فجاهد نفسه وتصبر ولم يفلته ، ثم مشوا قليلا فرأوا مكانا فيه ذهب مضروب [دنانير](٢) زنة كل دينار مائة مثقال ، فأخذوا منه وأرادوا المشي ، فلم يستطيعوا أن يتحركوا ، فردوه مكانه ، وتخلصوا ، ومشوا قليلا ، فرأوا صفّة عليها صورة شيخ مصنوع / من حنتم أخضر كأنه مشتمل بشملة ، وبين يديه تماثيل صغار في زي الصبيان ، وكأنه يعلمهم ، فأخذوا شيئا فرسخوا مكانهم ، فوضعوه ، ومشوا قليلا فرأوا بيتا مسدودا وداخله دوّي عظيم وحسّ وزمزمة ، فلم يقفوا عنده ، فرأوا مجلسا مربعا عليه صورة ديك معمول من جوهر أحمر قائم على أسطوانة خضراء ، وله عينان مفتوحتان يضيء منها ذلك المكان ، فدنوا منه فصاح صياحا مزعجا وصفق بجناحيه ، فوجدوا لذلك هيبة عظيمة ، فذهبوا عنه سائرين في أرض الهرم متفرجين في عجائبه ، حتى انتهوا إلى مكان فيه صنم من حجر أبيض في صورة امرأة منكسة على رأسها ، وعلى جانبها أسدان من حجارة ، يريدان أن ينهشانها. ثم ساروا قليلا فلاح لهم نور فاتبعوه فوجدوه فوهة عليها تمثالان من حجر أسود معهما كالمزراقين وبجانب الفوهة نقرة زي (٣) الوعاء ، وفيها خصبا فأخذوا منه ، وخرجوا من تلك الفوهة إلى الصحراء (٤) ، فساروا نحو الشرق يوما حتى وصلوا إلى الهرم ، وكان ذلك في زمن عبد الله والي مصر ، فاجتمعوا به ، وقصوا عليه ما جرى لهم ، فأرسل معهم جماعة

__________________

(١) في المخطوط : لم يفهموا.

(٢) ما بين المعقوفين يقتضيه السياق.

(٣) أي : مثل.

(٤) في المخطوط : الصحرة ، كذا رسمت وهو تحريف.

٣٩

ليدخلوا من تلك الفوهة ، وأشكل عليهم أمرها ، ولم يعرفوا مكانها ، فرجعوا.

وأما الذي حمل (١) معه الحجارة منها فوجدها جوهرا نفيسا فباعها بمال جزيل.

ومن غرائب العجائب :

أن قوما دخلوا إليه في زمن أحمد بن طولان (٢) فرأوا داخله أشنانة ثخينة من زجاج فأخذوها وخرجوا ، ففقدوا (٣) رجلا منهم فدخلوا في طلبه فخرج إليهم عريانا يضحك ، وهو يقول : لا تطمعوا (٤) فيّ ورجع هاربا منهم ، وشاع بين الناس أمرهم فمنعوا الناس من الدخول إلى الهرم ، وبلغهم أمر الأشنانة ، فأخذت منهم فوزنوها أربعة أرطال زجاج أبيض صافي ، فرآها رجل عارف فقال : املؤوها ماء ، ففعلوا / فقال : زنوها ، ففعلوا ، فلم تزد شيئا.

ودخل إليه جماعة وصحبهم شاب يريدون أن يعبثوا به فخرج غلام أسود وبيده عصا فجعل يضربهم ، فخرجوا هاربين ، وتركوا طعامهم وثيابهم (...) (٥) ودخل زانيا بزانية فلما همّ بالفجور بها صرعا معا وصارا مجنونين مشهورين حتى ماتا.

ذكر الروحانيين (...) (٦)

حكى بعض القبط أن سورند الملك لما رأى ما رأى من الرؤيا المتقدمة ، ورؤيا فليمون الكاهن قال لهم لما أخبروه بآفة الطوفان ، والنار : هل بعد هذا من حادثة؟

فقالوا : يعقبها خراب يقيم فيه عدة سنين.

قال : فكيف يكون خرابها؟

قالوا : يقصدها ملك فيقتل أهلها ، ويغنم مالها.

قال : ثم ماذا؟

قالوا : ثم تكون عمارتها على يديه.

قال : ثم ماذا؟

__________________

(١) في المخطوط : حملوا ، وهو تحريف.

(٢) كذا في المخطوط. والمعروف : أحمد بن طولون.

(٣) في المخطوط : فقدوا ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : لا تطعموا ، وهو تحريف.

(٥) موضع النقط : ثلاث كلمات تقريبا لم أتبين قراءتها.

(٦) موضع النقط قرابة سطر كتب بالمداد الأحمر فلم أتبين قراءته في صورة المخطوط ولا في الميكروفيلم.

٤٠