مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

دمياط

حلف البرد يمينا صادقا

أنه في ثغر دمياط مقيم

بجنود جنّدت ذا قوة

صرصر ثم دبور عقيم

ترعد الأبدان من سطوتهم

لو يكن ذا فروة فهو كظيم

سؤال وهو مجون

يقولون لي نلقاك ما زلت عارنا

فما العذر أبديه عسانا نساعد

فقلت قليل المال والشيب واجد

وإيري من العجز على البيض راقد

في المشيب

إذا الشيب قد كسى وجهك نورا

فذاك رسول الموت حق قدومه

وقم ودع الدنيا بطاعة ربها

واقلع عن الآنام قبل هجومه

وقال :

إذا حققت شرا جاء نحوي

بنار زارني الأحشاء وهجى

وأيدي قصرت في الدفع عني

فرجلي في الهزيمة غير عرجي

وفي المشيب [أيضا](١)

كرهت النساء لما بدا شيب رؤوسهم

كذاك النساء يكرهن من شاب عارضه

فلا هي ترضى الشيب مني ولا أنا

براضي شيب الرأس منها وباغضه

موعظة

لقد قضى الله للأرواح مذ خلقت

روح تسر وروح في يد الحزن

فثم روح مع الأحزان دائمة

وثم روح بأفراح مدى الزمن

/ فهذه قسمة الله الذي سبقت

في عالم الذر فافهم ذا وكن فطن

[قالوا](٢) :

الناس أشجار وكلامهم ثمار.

هجو

وكم شيخ له بلين صوف

ودلق فيه للتقوى إشارة

وعكاز ومسبحة ومشط

وسجاد لتكملة العبارة

__________________

(١) في المخطوط : خلف ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية.

٣٤١

ويرقص في السماع بغير وجد

ونغيض من أتون الطبخ تارة

يبعبع كالجمال ويعتريه

صراخ تارة والغشو تارة

بلا فهم ولا فضل وعلم

ولا يدري الحمار من الحماره

فهذا شيخ زوكرة تمام

بزوكرة يؤيدها فشاره

غزل

يا لائمي في حبيبي

أبديت لفظا قبيح

من ذا يلوم المتيم

إن كان يعشق مليح

مثله :

عاشق عشق وجه كالح

أصفر وشكله قبيح

لاموه فقال اعذروني

دلا وصاله مليح

تذكرة

يا من زكى أصلا وطاب ولادة

وأثمر غصنا يانعا وجنا غرسا

أذكرك الوعد الذي قد وعدته

وحاشاك يا مولاي للوعد أن تنسى

هجو

الكلب أحسن عشرة

وهي النهاية في الخساسة

من نذل قوم ارتقى

درج المعالي والرئاسة

وعد

إذا اجتمعت الآفات كان أشرها

مواعيد فضل في معارضها مطل

فلا خير في وعد له المطل لازم

ولا خير في قول إذا لم يكن فعل

وعد [أيضا](١)

تقدم للملوك وعد عذابه

وفي قلبه من أجل تأخيره كسرى

فإن خير المولى بإنجاز وعده

فلا عجب منه فعادته الجبر

وعد [كذلك](٢)

إذا قلت في الشيء نعم فأتمه

فإن نعم دينا له للحر لازم

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة للفصل بين الشعر والمقولة المشهورة أو المأثورة.

(٢) ما بين المعقوفين للتوضيح.

٣٤٢

/ وإلا قتل لا واسترح وأرح بها

ولا تكن بالوعد والمطل آثم

وعد [آخر](١)

ما بال وعدك مثل حظي نائم

يبدي سباتا كلما نبهته

وكأنه الطفل الصغير بمهده

يزداد نوما كلما حركته

عتاب بوعد

عطاؤك يرجى غير أنك تمطل

فتذهب لذات المواعيد بالمطل

فموسى كليم الله أوعد قومه

فلما طال الوعد عادوا إلى العجل

وعد

قد تقضى عمرنا في مطلكم

فظننا (٢) وعدكم كان مناما

أإذا (٣) متنا توفوا وعدكم

أو إذا صرنا ترابا وعظاما

العزلة عن الناس

يا من رآنا وقد لزمنا

بيوتنا مغلقين بابا

لا تنكر الحال إذا زمان

أسوده ترهب كلابا (٤)

إن لزوم البيوت أولى

والصمت فيه غدى صوابا

نصيحة

قصر عن الشر تسلم

فقلة الشر مغنم

فأول الشر ضر

وآخر الشر مغرم

جملة الأمر أني مقلس

وليس للمفلس إخوان

وكل من عاش بلا درهم

فعيشه هم وأحزان

نصيحة [أخرى](٥)

لا تؤثرن بما جمعت سواكا

فالموت لا تدري متى يغشاكا

__________________

(١) زيادة توضيحية.

(٢) في المخطوط : فضمنمنا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : أيدنا ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : الكلابا ، وهو تحريف.

(٥) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية.

٣٤٣

إن البنين مع البنات رأيتهم

يتطلعون ويشتهون رداكا

من كان يعلم أن مالك ما له

من بعد موتك لا يحب بقاكا

عبرة

من يملك التقدير كان عداؤه

من أهله ومن الذي لهم صحب

أهليه يبغون موته إرثا له

والصحب من حسد يودوا لو نكب

أمر وتهذيب

إذا المرء وافاك في الوعد زائر

ولو مرة فاحفظ جميل مزاره

فإن ناله وعك فكن زائرا له

ولازم له الرد دوما لداره

فهذا هو الإنصاف إن كنت منصفا

ولاطفه بالإشفاق أيضا وداره

مثله

ومن لم يزرنا إن مرضنا تعاظما

فإن صابه وعك تركناه للردى

وإن قام من وعك وعوفي فما لنا

لسان نهنيه مدى الدهر سرمدا

تهذيب

إذا ما عدت المريض فخفف

فتخفيف العيادة خير عادة

ولا تطل الجلوس ففيه ثقل

واختصر الكلام على الزيادة

تهذيب [آخر](١)

لا تضجرن مريضا جئت عائده

إن العيادة يوما بعد يومين

وسله عن حاله مع الدعاء له

واقعد يسيرا كما تلحظه (٢) بالعين

من زار غبّا فقد دامت مودته

وكان ذاك صلاحا للجليلين

مثله :

مرض شخص فعاده صاحبه فأطال الجلوس وأكثر الكلام. فقال الزائر :

ـ بالله أخبرني بأعظم ألم تجده في نفسك؟

فقال : أعظم ما أجد طول مقامك وكثرة كلامك فهلا تتبع في العيادة السنة؟

فخرج ذاهبا.

__________________

(١) زيادة تصنيفية.

(٢) في المخطوط : تلخصه ، وهو تحريف.

٣٤٤

تحذير

من يملك النقدين كان عداؤه

من أهله ومن الذين لهم صحب

أهله يبغوا موته إرثا له

والصحب من حسد يودوا لو نكب (١)

في الحسد

قلب الحسود قد التهب

حسدا لمن ملك الذهب

لم يرض منه الحاسدون لماله

إلّا يقال لهم ذهب

 / في الحسد [أيضا](٢)

أيحسدنا الأنام في التعب

والعمر في جمع الحطام لقد ذهب

هل اشترى أحد حياة بعد ما

جاء الحمام وداعي الموت اقترب

لتحسر الإنسان عند وفاته

لهب يزيد على سرور بالذهب

موعظة

للمرء عمر له تناه

مقدر طوله وعرضه

فكلما مرّ منه يوما

فإنما مرّ منه بعضه

وعد

أوعدتني يا من جعلت له الفدا

أنجز بوعدك فقد طال المدى

الوعد دين عند مثلك لازم

حاشاك في وعد تقول إلى غدا

تحذير

أعدى عدوك حقا من وثقت به

فاحذر من الناس واصحبهم على وجل

فإنما راجل الدنيا وواحدها

من لا يعول في الدنيا على رجل

نصيحة وتحذير

تصطفي في الناس خلا

تلق أكبر عداك

حافظا فعلك سرا

يوم شرّ إلّا ذاك

__________________

(١) سبق أن ذكر قبل قليل تحت عنوان عبرة قبل التهذيب المذكور. وقال بدل النقدين : التقدير وربما كان أحدهما تصحيف والنقدين الذهب والفضة ، والتقدير احترام الناس للمكانة والأبهة.

(٢) زيادة من عمل المحقق.

٣٤٥

تحذير بنصح

إن رمت تصحب أقواما فكن رجلا

وكن لسرك ذا صون وكن حذرا

لعلهم بعدو يصبحون غدا

يرموا بنار لها من شرهم شررا

في النسيان

بروحي الذي نسيانه صار عادة

ينسى مواعيدي من الصبح إن أمسى

فهل نسيت المطل يوما لموعدي

فأحسن ما في المطل قصد له ينسى

في الكرم

هباته أيا سيد أقد قاسمتنا

فنثر العطا منه ونثر السنا منا

يذكرنا أخبار معن لجوده

فنشني له لفظا وينشى لنا معنا

تهنئة بخلعة

تهن مدى الأيام بالخلعة التي

وجدنا بها الأيام أوضحت الأنسا

أضاء بها وجه الزمان وأهله

ولم لا ومن أطواقها مطلع الشمس

تهنئة بعيد النحر

تهن بعيد / النحر وابق ممتعا

بأمثاله سامي العلى نافذ الأمر

تقلدنا فيه قلائد أنعم

وأحسن ما كان القلائد في النحر

تهنئة بعيد النحر [أيضا]

تهن بعود عيد سعيد

وعش بالأمن يا كهف البرايا

نحرت به جميع عداك فانحر

قرونا آخرين من الضحايا

نصيحة

من عف خف على الصدق لقاؤه

وأخو الحوائج وجه مملول

وأخوك من وفرت ما في كيسه

فإذا ولغت به فأنت ثقيل

عتاب

أرسلت تمرا أم نوى فقبلته

بيد الوداد فما عليك عتاب

وإذا تباعدت الجسوم فودنا

باق ونحن على النوى أحباب

٣٤٦

وفي زمن المأمون :

وقف رجل بباب عبد الله المأمون ، ثم رفع صوته وقال : أيها الناس ، اعلموا أني أنا أحمد رسول الله المبعوث إلى الناس كافة إنسها وجنها وأحمرها وأسودها.

فلما فرغ من مقاله ، أعلموا به الأمير ، فطلبه. فلما دخل عليه قال له : ويلك ، ما تقول؟ تدعي أنك نبي مرسل؟

قال : معاذ الله يا [أمير المؤمنين] ، إنما قلت : أنا أحمد الرسول إلى الناس كافة ، أفلا تحمده أنت يا أمير [المؤمنين]؟!

قال : والله إني لأحمده وأنني [أصلي](١) عليه صلوات الله عليه ، ولكن ما حملك على هذا؟

فقال : الفقر والفاقة وعدم الوصول إليك. فأعجبه حيلته ، وأمر له بمال جزيل وانصرف داعيا له.

/ تعنيف :

قيل : كان رجل من كبار أهل العلم يقرأ عليه ولد في غاية الجمال ، فأحبه محبة عظيمة حتى ظهر العشق عليه ، فبلغ شخص من إخوانه من العلماء ، وكانا قليلا ما يجتمعان ، فأرسل يعنفه بما بلغه من المحبة يقول :

اقرأ كتابي ولا تلقيه في عجل

وإن تكن لمعال النصح تجثيني

/ طفل صغير سباك العشق ناظره

هذا هو النقص في فضل وفي أدبي

ولست أرضى بما صرت أسمعه

فاردد جوابي بما أرجوه من طلبي

الجواب : فلما وصلت إليه رسالة التعنيف كتب الجواب ، ثم أرسله بصحبة محبوبة. فلما رآه كاد يذهب بعقله ، وقرأ الجواب فإذا :

الجواب

ألقي كتابي الذي وافاك حامله

فهو الذي فيه للتعنيف تذهب بي

ودقق الفكر في معنى شمائله

ترى (٢) قواما ما يحاكي بأنه القصب

وانظر سيوف لحاظ منه فاتكة

فالسيف أصدق أنباء من الكتب

الجواب الثاني :

فلما قرأ الكتاب رد الجواب بالتوبة عن العذل والعتاب وقال :

__________________

(١) زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : ترمى ، وهو تحريف.

٣٤٧

وافى كتابك والمحبوب يحمله

فكاد عقلي لذاك الحسن ينسلب

حويت غصنا رشيق القد ذي هيف

مكمل الحسن في حجر الدلال تربى

صدقت في القول أجريته مثلا

السيف أصدق أنباء من الكتب

حكى الأصفهاني قال

مرت جارية بديعة الجمال فتبعها رجل قبيح الوجه ، فكلمها ، وكان معها جوار في خدمتها.

فالتفتت إليه وقالت : بالله قولوا لهذا ينظر وجهه في المرآة ، ثم يعشق.

فخجل الرجل وانصرف. وكان في مجلس الأصفهاني العباس بن الأحنف [فقلت](١) له : هل قلت في هذا المعنى شيئا؟

فأنشد :

جارية أعجبها حسنها

ومثلها في الناس لم يخلق

كلمها من هاله حسنها

وقد لقي من حبها ما لقي

فالتفت نحو جدار لها

كالرشا الوسنان في القرقطي

قالت لهم : قولوا لهذا الفتى

/ انظر لوجهك ثم اعشق

وفي معناه أيضا :

وحكي أن رجلا قبيح الوجه تبع امرأة جميلة يكلمها ومعها جوار لها. فالتفتت (٢) إليهم وقالت وهو يسمع ارتجالا (٣) :

قل لقبيح الوجه ما تستحي

وعنفوه ثم قولوا شفاه

أمثل هذا يبتغي وصلنا

أما يرى ذا وجهه في المرآة

عتاب

جفى صديق صديق له فعاتبه (٤) فقال في عتابه :

اعلم يا أخي العمر أقصر مدّة

من أن يمحق بالعتاب

وأن يكدّر ما صفى

منه بهجر واجتناب

__________________

(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٢) في المخطوط : فالتفت ، وهو تحريف.

(٣) جاء بعدها كلمة : هم ، وهي زائدة فحذفتها.

(٤) في المخطوط : فعشبه ، وهو تحريف.

٣٤٨

ومثله أيضا :

ومثله ما وقع لصديقين فكتب :

ولقد علمت فلا تكن متجنيا (١)

إن الصدود هو الفراق الأول

حسب الأحبة (٢) أن يفرق بينهم

ريب الزمان فلا تكن مستعجل

تحذير (٣)

إياك والسكنى بأرض مذلة

تعد مسيئا فيه (٤) وإن كنت محسنا

فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكنا

عليك بها فاطلب لنفسك مسكنا

في الشطرنج

أرض مربعة حمر من أدم

ما بين خلين موصفين بالكرم

تذاكر الحرب فاحتالا له شبه

من غير أن يسعيا فيه لسفك دم

هذا يغير على هذا وذاك على

هذا يغير وعين الحرب لم تنم

فانظر إلى عسكر جالوا بمعرفة

بين الصفوف بلا طبل ولا علم

غزل

وجه عليه من الحياء مهابة

ومحبة تجري مع الأنفاس

وإذا أحب الله يوما عبده

ألقى عليه محبة الناس

تغزل

صل من هويت وإن أبدى معابته

فأطيب العيش وصل خلين

واقطع مودة من في الناس تبغضه

فما أرى تسع الدنيا بغيضين (٥)

 / تغزل [آخر](٦)

ألا فأذن إن ضاق المكان فإنه

رحيب بود ضمته الأضالع

يضيق الفضا عن صاحبين تباغضا

وسم خياط بالمحبين واسع

__________________

(١) في المخطوط : متجا ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الأجة ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : نحد بد ، وهو تحريف.

(٤) الواو ليست من أصل المخطوط ويقتضيها السياق.

(٥) في المخطوط : بغيضين ، وهو تحريف.

(٦) زيادة توضيحية.

٣٤٩

نهي

احذر تعاشر من في الناس تبغضه

إن البغيض لئيم النفس خوان

أما سمعت مقال الصدق من ثقة

قول وخبر له صدق وبرهان

رحب الفلاة مع الأعداء ضيقة

سم الخياط مع المحبوب ميدان

حديث :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من سأل وعنده ما يغديه أو يعشيه فإنما يستكثر من جهنم».

[قال الحسن بن علي رضي‌الله‌عنهما](١) :

وقال الحسن بن أمير المؤمنين وإمام المتقين ووصي رسول رب العالمين علي بن أبي طالب عليهما‌السلام (٢) :

حسبك من السؤال أن يضعف لسان المتكلم ، ويكسر قلب الشجاع البطل ويوقف النسب موضع العبد الذليل ، ويذهب نضارة (٣) الوجه ، ويمحو الحسب.

وقال الأصمعي : سمعت أعرابيا يقول : السؤال ذل يسلب الشريف شرفه والحسيب حسبه والعزيز عزه.

وقال بعضهم :

كان السؤال عن حاجة فصار سببا ، وكان للنفس مغرما فصار مغنما ، وكان في المروءة خسارة فصار تجارة.

حديث :

[قال](٤) رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للمجاشعي (٥) : «إذا كان لك مال كان لك حسب وإن كان لك خلق فلك مروءة ، وإن كان لك دين فلك كرم».

__________________

(١) العنوان من عمل المحقق غفر الله له.

(٢) انظر إلى هذه العبارة ترى فيها أنه شيعي محب لآل البيت غير أنه منذ أول الكتاب لم يخطىء في حق أحد من الصحابة رضي‌الله‌عنهم غير أنه لا يترضى ولا يذكر لفظ [المؤمنين] ، بعد أمير غير لعلي رضي‌الله‌عنه.

(٣) في المخطوط : نظارة ، وهو تحريف.

(٤) السياق يقتضيه.

(٥) في المخطوط : للمشاجعي ، وهو تحريف.

٣٥٠

وقال رجل لابنه :

يا بني ، اطلب المال وعليك بالاجتهاد في تحصيله ، فإنه (١) عزّ في الأهل ، ورفعة في العشيرة ، وقمع للحاسد ، وقهر للعدو ، أو تستعين به على مصالح الدنيا والدين.

وصية

احرص على مالك تحظى به

/ ولا تفرط فيه تبقى ذليلا

دعهم يقولوا باخل بالعطاء

فالبخل أرجى من سؤال البخيل

وصية (أخرى)

استغن أو مت ولا يغررك ذا حسب

كعم وابن عم وابن خال

كل من في الناس إن ناديت يخذلني

إلا ندائي (٢) إذا ناديت يا مالي

تحذير ووصية

لا تجز عن الأرض أن تفارقها

فما لك في بلاد الناس قربة

وظن القريب يساره

والفقر في أوطان قربه

وصية :

ينبغي للعاقل أن لا ينقل قدمه إلا بفائدة ، أو عائدة ، أو مائدة وإلا فلا.

مثله :

لا تنقل الأقدام إلا لموائد الكرام ، أو لبلوغ مطلوب ، أو لاجتماع محبوب ، وإلا فلا.

حكاية :

خرج المهدي يوما للصيد ، ومعه ابن سليمان وأبو دلامة الشاعر ، فهم في جماعة المهدي ، فرأوا غابة غزلان ، فاطلق الكلب ، وجرت الخيل ، فرمى المهدي سهما فأصاب ظبيا.

ورمى علي بن سليمان سهما فأصاب كلبا فأنشد أبو دلامة هذه الأبيات :

قد رمى المهدي ظبيا

أصاب إذا رماه جيده

ورمى معه عليّ

أصاب في الكلب وريده

__________________

(١) في المخطوط : فإن ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : لانداي ، وهو تحريف.

٣٥١

قلت لما صدتماهم

كل يأكل من صيده

من كلام الحكمة :

اعلم وفقك الله أن الولوع بالجمال سجية ركبها الله سبحانه وتعالى في من شاء من عالم وفاضل وولي وجاهل ، وعلى قدر ذكا الأرض يطيب زرعها ، وعلى قدر طيب التربة يكون منبع مائها ، فمنها العذب الأجاج ، وما بين ذلك ، والعشق إذا تزين بالعفاف كان حسن.

فالعاقل لا ينكر محبة شخص لشخص ، وحنين شكل إلى شكل مع العفاف ، فالقلوب صافية ، والعيون إليها ناقلة ، غير أن العشق لا يكون إلا مع الفراغ وعدم الاهتمام بطلب الرزق ، وصحة الجسم ، ومزيد النعمة.

[سيبويه](١) :

/ قيل أن سيبويه كان في حال صغره من أحسن أهل زمانه. وكان يقرأ على الأستاذ الخليل بن أحمد وكان يقرأ منقبا ، وكذلك إذا مشى. ومع تحفظ الخليل ، وعلمه ودينه وورعه كان إذا دخل عليه سيبويه يقول له : مرحبا بزائر لا يمل.

[أبو حاتم](٢) :

قال : وكان أبو حاتم السجستاني (٣) يختم القرآن كل أسبوع ، ويتصدق كل يوم بدينار مع ورع ودين. وكان مولع بحب أبو العباس المبرد ، وكان يقرأ عليه وهو يحبوه بالنظر مع العفاف (٤).

وفي معناه

إذا لقيت فتى كنجم طالع

ورنت له صدق الأنام

فإذا خلوت به

وعزمت فيه على الآثام

لم أعد أفعال العفاف

وذاك أوكد للغرام

فارحم بالعباس شيخك

إن فيه غرام زائد لا بالحرام

بل منك أعشق نظرة

أحيا بها ما دمت حيا والسلام

__________________

(١) العنوان من عمل المحقق غفر الله له آمين.

(٢) كسابقه.

(٣) في المخطوط : السجتاني ، وهو تحريف.

(٤) في المخطوط : العفات ، وهو تحريف.

٣٥٢

[حكاية](١) :

حكي أن إنسانا رأى مجنونا يخبط في الأرض بيديه ، وهو يقول هذه الأبيات :

ومن عجب الأيام أنك قاعد

على الأرض في الدنيا وأنت تسير

وسيرك في الدنيا كسير سفينة

بقوم قعود والقلوع تطير

كذلك أيام الحياة بأهلها

تسير وأعمال العباد كثير

تذكرة :

قال بعضهم : رب بعيد لا يفقد خيره ، وقريب لا يؤمن شره.

ورب أخ لم تلده أمك ، وعدو خرج من ظهرك أو من ظهر أبيك.

وأكرم الناس صحبة ، وأحسنهم عشرة من إذا قرب منح ، وإذا بعد مدح ، وإذا ظلم صفح (٢).

في الصداقة

إن الصديق الصدق من كان معك

ويضر نفسه لينفعك

ومن إذا ريب / زمان صدعك

شتت فيك شمله ليجمعك (٣)

في النّصح

تعمد بنصحك في انفرادي

وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع

من التقريع لا أهوى سماعه

فإن خالفتني طلبا لنقصي

فلا تغضب إذا لم أعط طاعه

حكاية

قال وهب بن منبه : رأيت أسقفا من النصارى كان رئيسا في قومه ، وهو مسلم فسألته عن سبب إسلامه ، فأخبرني : أنه ركب البحر ، فانكسر به المركب فركب لوحا فتم له شهرا ، فألقاه البحر إلى جزيرة كبيرة فيها شجرة عظيمة الورقة منها تحمل شيئا مثل النبق أحلى من التمر ، ولا عجم له وفي الجزيرة نهر عذب.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية.

(٢) تكررت العبارة الأخيرة مع تحريف فيها فحذفتها.

(٣) في المخطوط : لينفعك ، وهو تكرار وتحريف.

٣٥٣

فأكلت من الشجرة وشربت من الماء ، وجلست هناك إلى الليل ، وإذا بصوت عظيم مثل الرعد في الشدة ، وهو يقول : لا إله إلا الله الملك الجبار ، والواحد القهار ، محمد المصطفى المختار ، عليّ المرتضى قاصم الكفار ، أصحاب محمد المختار.

ثم ذهب ، فلما كان نصف الليل ، عاد الكلام ، ثم أعاده في السحرّ ، فلما طلعت الشمس إذا بصوت جارية لم تر عيني قط أحسن منها وجها ولا أطول شعرا ، وهي تقول : لا إله إلا الله الملك المجيب ، محمد المصطفى الحبيب.

ثم خرجت من الماء إلى الجزيرة ، فإذا رأسها كرأس بني آدم ، ووجهها وعنقها عنق نعامة ، ويديها يدي سمكة ، وساقاها كساق ثور.

فلما رأتني أقبلت عليّ وقالت لي : ما دينك؟

فقلت : دين النصرانية.

فقالت : ثكلتك أمك ، أسلم فإنك حللت بجوار قوم صالحين.

فأسلمت ، ثم سألتها عن الثلاث أصوات التي سمعتها.

فقالت : ذلك ملك / المياه أمر أن يقول ما سمعته كل ليلة ثلاث مرات ، فقلت : والكلام الذي سمعته ما هو؟

فقالت : نحن من خلق الله أمرنا ما سمعنا.

قلت : وفي البحر خلق مثلك؟

قالت : إن في البحر ألف أمة لا يحصي عددهم إلا الله سبحانه وتعالى. فسألتها العود إلى أهلي.

فقالت : إذا مرّ مركب حبسناه حتى يحملوك فما هو إلا أن مرّ مركب ، فحبس والريح عظيمة وعجبوا ، فلما رأوني أتوا إليّ وحملوني ، فحدثتهم حديثي ، وما وقع لي ، وكان في المركب عشرة من النصارى أسلموا على يدي ، فهذا سبب إسلامي.

ومما نقل من شرح الرسالة

قال الطرطوس في شرح الرسالة : إن المصران للإنسان طوله ثمانية عشر شبرا ، فثلث للأكل ، وثلث للشرب ، وثلث (١) للنفس.

وفي الحديث :

أنه أتي للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعبد يشتريه فوضعوا له طعاما ، فأكله جميعه ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم :

__________________

(١) في المخطوط : ثلاث ، وهو تحريف.

٣٥٤

«الرغبة من الشؤم». فرده ولم يشتريه.

عبرة :

وقال لقمان لابنه : يا بني ، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة.

[وقال](١) بعض الحكماء :

من كثر أكله وشربه كثر نومه ، ومن كثر نومه كثر لحمه ، ومن كثر لحمه قسى قلبه ، ومن قسى قلبه غرق في الآثام.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل داء البردة» والبردة والبطنة لأنها تبرد المعدة عن هضم الطعام فيتولد منه أمراض كثيرة. وأما حد الجوع أن ينتهي إلى حد لو وقع ريقه على الأرض لم يقع عليه الذباب لخلوه من دسم (٢) الطعام.

ومن كلام الحكمة :

قال : بقدرة الله خلق الري من الشبع ، لا بالطعام وشرب الماء والنهل.

ومذهب أهل السنة : أن الشبع والري لا يحصل بنفس الأكل والشرب / بل الله يخلقه بقدرته عند الأكل والشرب. فلهذا ثمّ من يأكل أكلا لو وزنوه كان ثقل جثته ولا يشبع ، لأن الله لم يخلق له في حال أكله شبعا ، ويسمى منهوما.

وقال علي رضي‌الله‌عنه : من ابتدأ غداؤه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعا من البلاء. ويستحب الختم بالملح أيضا ، قاله الغزالي.

وفي قراءة سورة الخوف والإخلاص بعد الطعام أمان من ضرره. وتستحب الخلال.

وقال الجليمي في منهاجه : يكره الخلال بعود القصب لأنه يفسد لحم الأسنان.

وكتب عمر بن الخطاب إلى الآفاق ينهاهم عن الخلال بالقصب.

وقال في الإحياء : من داوم على أكل وتر من التمر كفي شر السحرة.

ومن أكل سبع تمرات في أي وقت كان قتلت كل دودة في بطنه (٣) ، ومن أكل كل يوم إحدى وعشرين زبيبة حمرا لم ير في بدنه داء أبدا.

__________________

(١) يتطلبه السياق.

(٢) في المخطوط : رسم ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : سبطه ، وهو تحريف.

٣٥٥

وقال في الإحياء عن الشافعي أنه قال : أربعة تقوي النظر : لبس نظيف الثياب ، والنظر إلى الخضرة ، والجلوس مستقبل القبلة ، والكحل عند النوم بالإثمد فإنه ينور البصر ، وينبت الشعر. والنظر إلى فروج النساء وإلى القاذورات يضعف البصر.

ومما جرب لقلع صيبان القمل الذي يعلق بالشعر والطبوع أيضا ، وعلاجه صعب ، دواءه أنه يبخره بالزنجفر يذهب ، وقد جرب مرارا فصح.

في الصبر

أمري بالصبر غضا

أنني بالصبر غرا

كان ظني الصبر شهد

ذقته ألقاه مرّا

نفدت غلبة صبري

ما بقي عندي صبرا

أقض لي منك مرامي

واغتنم (١) أجرا وشكرا

في الوعد

كم مواعيد سمعنا

بوفاء فيه نكر

طالت المدة حتى

حال من ذي الطول أمر

نفد العمر بوعد

أشغل الميعاد فكري

إن يكن منح / تفضل

واغتنم أجري وشكري

أو يكن منعا تركنا

كل من ذا الصبر صبري

ومما نقل من مقالة النحاة

مرض بعض النحاة فطلب طبيبا ، فلما دخل عليه رآه أعور العين أصفر اللون.

فقال له النحوي : إني أرى وجهك أصفر ، وبعينك اعورار ، فهل حدث الاعورار قبل الاصفرار أم الاصفرار قبل الاعورار؟

فقال الطبيب : الثقيل البغيض الذي لا عافاه الله من مريض ، إن هذا أمر قدره الله عليّ من القدم ، وأما أنت لا ، فلا شفاك الله من هذا الألم ، ثم تركه وخرج.

تغزل

أصبحت أهوى الملاح طبعا

إذ وصلهم عندي الحياة

وكلما مرّ بي غزال

فلي إلى جيده التفات

__________________

(١) في متن المخطوط : أغنم ، وهو تحريف وقد صوب بهامش المخطوط وبخط الناسخ.

٣٥٦

تغزل بمجون

فيما مضى قد كان أيري قائما

يهوى النساء ويقر في الأوطان

واليوم أصبح لائطا مستوحشا

مأواه خلف مضارط الغزلان

تغزل

مررت بأمر دين فقلت زورا

محبكما فقال الأمر دان

أذو مال فقلت وذو يسار

فقال الأمر دان إن الأمر دان

أحسن ما قيل في الشطرنج

تأمل ترى الشطرنج كالدهر دوله

نهارا وليلا ثم بأسا وأنعما

محركها باق وتفنى جميعها

وبعد الفنى تحيى وتبعث أعظما

من كلام أهل الفضل

لقد قضى الله للأرواح مذ حلت

روح تسر وروح في يد الحزن

/ فتلك روح بحزن لا يفارقها

وتلك روح بأفراح مد الزمن

ما قيل في حكام زماننا

مضى زمن الحجاج نسمعه

قد كان فردا بدهر فيه تحجاج

وذا زمان لها أو قامة نكد

ظلم وجور وفيه ألف حجاج

ذكر حساب بيوت الشطرنج على ما حسبه جرير :

وذلك أن صعبة بن داهر الهندي وضعه لبلهيت ملك الهند ، فلما عرضه عليه وعرف أمره أعجبه عجبا عظيما.

فقال له : تمنى ما شئت.

قال : أطلب من الملك تضعيف عدد أبياته قمحا.

فغضب الملك منه كونه قابل بهذا القدر اليسير.

فقال : لا أطلب غيره.

فرسم له به ، فلما حسبه أرباب الديوان ، قالوا للملك : ليس في الحواصل ولا في المملكة ما يقوم بما طلب.

فأنكر ذلك ، فأوضحوه له ، فأعجب ما طلب أكثر مما صنع من الشطرنج.

٣٥٧

قال ابن خلكان في تاريخه

فأنكرت ذلك حتى اجتمعت بمن لهم معرفة تامة في الحساب فحسبوه لي فلما تضاعف العدد إلى البيت السادس عشر ، فأثبت فيه اثنان وثلاثون ألف وسبعمائة وثمانية وستين حبة ، وهي مقدار قدح ، ثم تضاعف السابع عشر في بيت العشرين فكانت ويبة ، ثم انتقل إلى الأرادب فانتهى في بيت الأربعين إلى مائة ألف أردب ، وأربعة وسبعين ألف أردب ، وسبعمائة واثنين وستين أردب ، وثلثي أردب.

ثم صارت شونة ، ثم ضاعف العدد إلى بين الخمسين.

فكانت جملة الستون ألف وأربعة وعشرين مثونة. ثم تضاعف العدد إلى آخر البيوت وهو بيت / الأربعة وستين.

فكانت الجملة ستة عشر ألف مدينة وثلاثمائة وأربعة وثمانين مدينة. فكان آخر ما اقتضاه تحرير الحساب وتضعيف رقعة الشطرنج ما جملته ثمانية عشر ألف ستة مرات وأربعمائة وستة وأربعين ألف خمس خمس مرات ، وثلاثة وسبعين ألف ثلاث مرات وتسعة آلاف ألف مرتين ، وخمسمائة وواحد وخمسين ألف وستمائة وخمسة عشر.

قالت : أرادب الديوان إذا اجتمع هذا العدد كوّن هرما واحدا مكعبا كان ستين ميلا وعرضه كذلك ، وارتفاعه كذلك والميل أربعة آلاف ذراع بالعمل ، وقدر الذراع ثلاثة أشبار معتدلة ، والأردب المصري ذراع مكعب بالمساحة وزنته مائتان وأربعون رطلا ، والرطل مائة وأربعون درهما.

عتاب وطلب

أيجمل أن يخيب لديك سعيي

وأرجع منك صفر الراحتين

أرح قلبي بمنح أو بمنع

فإن اليأس إحدى الراحتين

في محاسن العزلة عن الناس

من كان في الناس يهو البسط بألف

سموه مسخرة والعقل مخبول

أو كان في نطقه صمت به أدب

قالوا رقيع بماء المقت مجبول

فما خلاص الفتى من ذا الزمان سوى

لزوم بيت وباب البيت مقفول

في الصبر

يقولون إن الصبر راحة

وما ضمنوا تبليغ عاقبة الصبر

والصبر ربح (١) أو طريق مبلغ

إلى الربح لكن الخسارة في العمر

__________________

(١) في المخطوط : ريح ، وهو تحريف.

٣٥٨

في أبناء مصر ولطفهم وأبناء الشام ومحاسنهم

/ ملاح بلاد الشام في الحسن قد حووا

جمالا بديعا بالبياض وحمرتي

وأبناء مصر قد حووا الظرف كله

ولطف معان لا يضاها بحضرتي

فكلّ من النوعين في العين صالح

كذا البلدين الآن في الأرض جنتي

فمن جاء يعيب الشام أو عاب أهلها

وعاب لمصر مع بينها تجمعني

فقد أمّ نحو البحر عمدا ومثله

بساحله في العلو ألفين شلتي

وقال بعضهم :

الصدور خزائن الفرح والسرور ، وحواصل الحقد والشرور ، فما (١) احتيج إليه خرج من خزانة الصدر في وقته ومحركه النفوس.

فيمن نال من عدوه مراده

هجم السرور عليّ حتى أنه

أنساني ما لاقيت من أحزاني

وأن في أعداء ما قد سرني

لما رأيت مصابهم أشفاني

مثله

قهرت عدوي إن بغى متعديا

وشماتتي فيه وإدراك المنى

إن صابه ضيم ألمّ بنفسه

أو ماله أنشدته فيه معلنا

هجم السرور عليّ حتى أنني

ناديت يا قلبي تهنّ لك الهنا

وقال بعضهم :

لا شيء أروح للنفس من الرضا بالقضاء ، والقنع بالمقسوم ، فمن رضي بذلك فقد أراح نفسه من التعب وروحه من الوصب. ومن اتكل على ما اختاره الله له لم يتمن غير الحالة التي هو فيها.

في أمر الفقر والغنى

ليس فقر ولا حسب

غير مال ومكتسب

لو ملك كلب فضة

أو نصابا من الذهب

كان كلبا معظما

وارتقى أرفع الرتب

__________________

(١) في المخطوط : فمنها ، وهو تحريف.

٣٥٩

مثله

من كان ذا حسب في الناس معتبرا

ولم يكن بين خلق الله ذا مالا

لكان محتقرا في الناس ممتهنا

يرونه بعيون الناس إقلالا

والكلب إن نال مالا نال مرتبة

/ وخاطبوه بكلب الدين إجلالا

أرى الفقير حقيرا في مواطنه

وإن يكن من خيار الناس أجناسا (١)

والكلب إن نال مالا صار يخدمه

جميع الأنام ويمشي رافع الذنبا (٢)

مثله

من يقل علمي وفضلي

وهو في الناس فقير

كان ملقى فوق كوم (٣)

وهو على الكوم حقير

وفي الفقر والغنى أيضا

من عانق الفقر في الدنيا وكان له

أبا حسيبا له في الفضل تقديما

لكان في أعين الرائين محتقرا

يبخلن عنه بترحيب وتسليما

والكلب إن نال مالا نال مرتبة

وصار يدعى بكلب الدين تعظيما

ومثله أيضا

الفقر شين في الأنام وذلة

والعز في الدنيا لمن ملك الذهب

لو أن كلبا كان صاحب ثروة

والجلد مزقه من الضر الجرب

رفعوه فوق الرؤوس تعظيما له

ويهز حين يمشي من التيه الذنب

في ذم أكل الجبن

ومن يك عند الجوع للجبن آكلا

تناوله الأمعاء إلّا جدد الأكلا

فما الأكل إلا اللحم إن كنت آكلا

وما كان غير اللحم ليس له فضلا

في الصديق الرديء

كم من صديق كنت أحسبه

شهدا حتى ذقت المر من أخلاقه

كالملح يشبه سكرا في لونه

ومجسه ويحول عند مذاقه

__________________

(١) في المخطوط : دجساس ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الدنيا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط في الموضعين : كرم ، وهو تحريف.

٣٦٠