مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

قال : أو لهم سماط وحدهم؟

قال : نعم.

قال : ولم ذلك؟

قال : يا أمير المؤمنين ، ليس من المروءة إطعام الحاشية من الفضلة.

ثم أفضى إلى باب مردود ، فركضه برجله ، فانفتح ، وكان حجرة للسراري ، فتهاربن منه فخرج ولم يدخلها.

قال له : يا أمير [المؤمنين] ليس منهم حرة ، وقد وهبتهن كلهن لك فادخل على جواريك ، فقد أباحهن الله لك.

فلما خرج من الحجرة قال : يا أبا جعفر قد قبلنا هبتك ، والآن قد رددناها لك بارك الله لكم فيهما وفيما حولك.

ثم انصرف متعجبا مما رأى بما يصرف في كل يوم وقال : مثل هذا تصلح له النعمة والمال.

ومما حكي عن كسرى (١) :

ما حكاه عمرو بن شيبة وأبو عثمان الجاحظ [قالا](٢) : كان كسرى لما يمد سماطه في كل يوم ينصب عليه ألف مائدة على كل مائدة فخذ من الضأن ، وفخذ حمار وحشي ، وبيضة نعامة ولحمها ومن سائر ما يوجد في البر والبحر من المأكول ، ومن سائر ألوان الطعام حتى لا يدع شيئا.

ويقول : إنما تفتخر الملوك بإحضار ما تعجز عن إحضاره العامة.

[كرم يزيد بن عمر بن هبيرة](٣) :

وقال الأصمعي : كان يزيد بن عمر بن هبيرة إذا صلى العصر في كل يوم أمر بوضع الموائد ومد الأسمطة وتفتح / فتدخل الناس أفواجا فمن شبع ذهب وأتى مكانه غيره إلى أن يؤذن للمغرب ، وكلما (٤) فرغت مواعين أتى بغيرها.

__________________

(١) في المخطوط العبارة والعنوان على النحو التالي : ومما حكاه كسرى عمرو بن شيبة فأصلحت العبارة على المراد.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٣) ما بين المعقوفين من عمل المحقق غفر الله له أمين.

(٤) في المخطوط كما وهو تحريف.

٣٢١

[ومما صنع الحجاج] :

قال الأصمعي : عمل الحجاج لعبد الملك بن مروان ضبة من ذهب عظيمة في غاية العظم لم ير أحد مثلها. وأرسلها على العجل ، فلما وصلت باب الأمير عبد الله ، فخرج فرآها فهاله أمرها ، ثم أمر بالانطاع ففرشت ، وأمر بالفؤوس فجاءت ، فقال : اضربوا فمن أخذ شيئا فهو له ، فكان كما أمر.

[عرس](١) :

وقال : مرّ عبد الله بن جعفر ومعه عدة من أصحابه على منزل رجل قد تزوج وهو يعمل عرسه وإذا (٢) المغنية تغني وتقول :

قل للكرام إذا مروا بمنزلنا

فيدخلوا سرعة من غير لا حرج

يشرفونا إذا حلوا بمنزلنا

وينشق القوم منهم طيب الأترج

فقال عبد الله بن جعفر لأصحابه : ادخلوا فقد أذن لكم ، فنزلوا عن خيولهم ودخلوا.

فلما رآه صاحب المنزل رحب به وبمن معه ورفع محلهم ، ومد لهم السماط ، فأكلوا فلما فرغوا قال عبد الله للرجل : ـ كم أنفقت على عرسك ووليمتك؟ وكم أمهرت؟

قال : الجميع نحو خمسمائة دينار.

فأمر له بها وبمائة دينار زائدا عن ما تكلف ، ثم انصرف وأصحابه.

في بخل زيد بن عمر :

ومما حدّث به أبو الفرج الأصفهاني مما رواه الزبير عن عمه قال : كان زيد بن عمر من أبخل من مشى على الأرض ، فخرج حاجا ومعه زوجته سكينة ، وكانت من أكرم النساء ، فلم تدع شيئا من الزاد والخير إلا وحملته معها. وكان الأشعب يلوذ بها فأخذته معها وأعطته مائة دينار وقالت له :

ـ لعلك تجوع في الطريق ولا أعلم خبرك ، فإني أعلم أن / زوجي أبخل قريشي مشى على الأرض.

فلما وصلنا منزلة السيالة نزلنا ، فأمر بالطعام فجاءوا به ، فلما وضعوه أقبل خيل من

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية من عمل المحقق غفر الله له.

(٢) تكرر لفظ وإذ فحذفت التكرار.

٣٢٢

الأنصار يسلمون على زيد فلما رآهم قال : ـ آه ، وأظهر وجع خاصرته ، وتألم وقال : ارفعوا عني الطعام فلا أقدر شم رائحته ، فرفعوه.

وقال : هاتوا الماء الحار والدرياق ، فجعل يتوجر به ويشربه قليلا قليلا ، فما انصرفوا حتى رحلنا ، ولم يأكل أحد معه شيئا. فلما كان من الغد ونزلنا ، دعا بالطعام فحين حضر إذا بجماعة من مشايخ قريش أتوا ليسلموا عليه ، فلما رآهم اعتل بالخاصرة ودعا بالدرياق والماء الحار ، فتوجز به ، ورفع الطعام ، فلما ذهبوا أمر بإعادته فأتي به وقد برد.

فقال : يا أشعب ، هل إلى إسخان هذا الدجاج من سبيل؟

فقال : يا مولانا نشدتك (١) بالله إلا ما أخبرتني عن دجاجك هذا ، أهم من آل فرعون حتى إنهم يعرضوا على النار بكرة وعشيا؟

فضحك ثم قال : كل ولا تتكلم فيما لا يعود عليك منه نفع.

وكان أشعب مع مجونه ونوادره ممن قرأ القرآن ، وروى الحديث عن جماعة من الصحابة.

وهو : أشعب بن جبير ، ويكنى أبو العلاء ، وزوجته بنت وردان الذي بنى قبر النبي حين بنى عمر بن عبد العزيز المسجد الشريف.

سؤال :

حدث ابن المحسن الكاتب عن ابن خلاد قال : حدث أبو محمد بن الزناد عن عمه قال : قلت يوما للأمير نصر بن بسام وأنا أرى أكله وقد أعجبني طيب طعامه : يا مولانا ، هذه (٢) الأطعمة تأمر الطباخ بطبخها أم (٣) يطبخ من تلقاء نفسه؟

[قال](٤) : إن في نفسي من لون لم يطبخه منذ ما هو / عندي وتعظم عليّ نفسي أني آمره به.

فقلت : وما هو؟

قال : زبرباجه طيبة من دجاج فائق.

__________________

(١) في المخطوط شدتك وهو تحريف.

(٢) في المخطوط هذا وهو تحريف.

(٣) في المخطوط لم ، وهو تحريف.

(٤) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

٣٢٣

قال : فلما خرجت من عنده عمدت (١) إلى دجاج فائق ، وعملت منه زبرباجة في غاية الحسن ، فلما كان من الغد وقت غدائه جئت إليه وقلت : إني صنعت زبرباجة ، فإن أذنت أحضرتها؟

فقال : نعم ، فأرسلت لمنزلي ، وأتيت بها ، فلما وضعتها بين يديه ، وأكل منها أعجبته عجبا عظيما.

ثم قال : أصنعها طباخ أم طباخة؟

فقلت : طباخة.

قال : حرة أم جارية.

فقلت : بل جارية.

فقال : ما جنسها؟

قلت : سوداء.

فأمسك يده وقال : ارفعوه عني فقد قامت نفسي منها.

ثم قال : إن السود من الخدم لا تخلوا أرحامهم وأطراف أصابعهم من التشقق ، فلا ينقوا بالغسل مع ما فيهم من الصّنة والعرق من وهج النار ، وأكثر أهل العراق لا يرضوا طعامهم.

ومما وقع لعبد الله المأمون (٢) :

أنه (٣) قال : يا أبا إسحاق ـ وهو النديم ـ إن نفسي تشتهي أن آكل اليوم من طعام العامة ، فهل يكون ذلك؟

فقال إبراهيم : يا أمير [المؤمنين] إن رجلا من العوام متكلم لك على جهات بمال ، وإني أكلت عنده يوما طعاما لم آكل قبله مثله وهو حاضر ، فإن أذن الأمير طلبنا منه إن كان عنده شيء حاضر.

فقال : نعم ، وإن لم يكن اليوم فغدا.

فخرج إبراهيم وعاد ، وقال : ذكر أن عنده ما صنعه لغدائه وقد ذهب يأتي به. فما كان إلا ساعة وقد أقبل الحاجب يستأذن لهم ، والرجل اسمه مالك بن شاهي. فدخل

__________________

(١) في المخطوط عمدنا ، وهو تحريف.

(٢) قبل العنوان جاءت عبارة : عن المأمون وهي زائدة عن السياق فحذفتها.

(٣) في المخطوط : أن ، وهو تحريف.

٣٢٤

ومعه ثمانون خادما يحمل كل خادم طبق فيه ما يحير الناظر فيه من الألوان وحسن المواعين ونظافة الخدم. فتقدم المأمون / فأكل. فأعجبه محاسن الألوان وطيب الطعام.

فقال للرجل : أمثل هذا تصنع في دارك كل يوم؟

فقال : نعم.

وفي السماط من الطير والأسماك والحلوى إلى غير ذلك مما حسن في عين المأمون وعجب من قوله أن مثل هذا يعمل في بيته كل يوم.

ولما كان بعد ذلك بمدة ، رفع صاحب الديوان حساب السنة وفيها اسم مالك ابن شاهي وعليه منكسر من عمله ثلاثة عشر ألف ألف ، وأنه مسجون عليها مع ما على غيره ممن وقف عليهم من العمال وغيرهم.

فقال المأمون : يا إبراهيم ، قد مرّ على سمعي هذا الاسم قبل اليوم.

قلت : نعم ، هو الذي أكل الأمير في أول العام طعامه.

فقال : أيجمل بنا أن نأكل طعامه ونحبسه على ما وقف لنا عليه؟

ثم رمى بالمحاسبة من يده ، وقال : أطلقوه.

ثم قال : ردوها إليّ إن الناس يتحدثون أن المأمون أكل أكلة ترك من أجلها كذا وكذا ألفا ، ثم أمر بإطلاق كل من في السجن ، وأمر للرجل بمال ، وقال : ينبغي أن يعان مروءة. فرحم الله الكرام.

قال أحمد بن داود :

قال لي أمير [المؤمنين] الواثق يوما : يا أحمد ، ما جمال الموائد؟

قلت : يا أمير [المؤمنين] كثرة الخبز عليها.

فقال لي : أصبت وأحسنت ، وإذا كثرت الألوان مع ما قلت شهد لصاحبها بالشرف.

حديث :

الحسن بن خلاد عن يعقوب بن مجاهد عن يزيد بن عبد الصمد عن سلمة الجهني عن عمه عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سيد طعام أهل الدنيا والجنة اللحم».

وفي حديث آخر : «سيد الأدام في الدنيا والآخرة اللحم ، وسيد الشراب فيهما الماء».

٣٢٥

نادرة :

مما حدث به العتبي عن أبيه قال :

ـ / خرج أبو سفيان في جماعة قريش وثقيف يريدون بلاد كسرى بتجارة لهم ، فلما قاربوا بلاده قال أبو سفيان :

ـ أنا على خطر من السلامة من أجل دخولنا بلاد كسرى بغير إذنه ، فأيكم يذهب بالتجارة ، فإن قتل فعلينا ديته. وإن سلم وعاد فله نصف الربح؟

فقال غيلان بن سلمة الثقفي : أنا أمضي على ما قلتم.

وكان رجلا أبيض طويلا جهدا حسن الوجه ذو عقل.

فلما وصل مدينة الملك كسرى لبس ثوبين أصفرين وشهر بهما نفسه وقعد بالباب حتى أذن له فدخل عليه.

وإذا الملك جالس في الإيوان وبينه وبين الناس شبكة (١) عظيمة من ذهب يرى الناس من ورائها وهم لا يرونه.

فقال له الترجمان : يقول لك الملك من أدخلك بلادي بغير إذني؟

فقال : أنا أيها الأمير لست بجاسوس ولا أنا من أهل عداوة الملك ، وأنا حملت تجارة أردت عرضها على الملك قبل عرضها على التجار ، فإن أرادها الملك فهي له.

قال : وإنه ليتكلم إذ سمع صوت الملك كسرى فخر ساجدا.

قال له الترجمان : يقول لك الملك : لماذا سجدت؟

فقال : سمعت صوتا عظيما مرتفعا في حضرة ملك لا ترفع الأصوات عنده ، فعلمت أنه صوت الملك فسجدت.

قال : قد شكر الملك أدبك ، وأمر له بوسادة ليجلس عليها.

فلما تناولها حملها فوق رأسه وقام واقفا فقال له الترجمان : يقول لك الملك إنّا أمرنا بها لك لتجلس عليها ، فلم حملتها على رأسك ولم تجلس؟

قال : لما تناولتها رأيت عليها صورة الملك مرقومة بالذهب فرفعتها على أكرم أعضائي ولا أجلس وأنا حاملها.

فأمر له ببساط منسوج بالذهب ، ثم قال له : اجلس / فما رفعنا لك الوسادة إلا لنختبر عقلك وأدبك ، فإذا أنت حسن العقل والأدب.

__________________

(١) في متن المخطوط : كبشة ، وهو تحريف والتصويب من الهامش وهو بخط الناسخ.

٣٢٦

ثم أن كسرى أخذ ما معه ، وأجزل عطاءه وفوق ما أمل ، ثم انصرف راجعا. فلما وصل إلى أبي سفيان وأخبرهم الخبر ، قال القوم : هذه ثمرة العقل ، وحسن الأدب.

نادرة لمجذوب :

ومما حكاه العتبي عن عبد الرحمن قال : كان رجل في زمان المهدي مجذوبا وكان لا يسمع منه إلا فضلا وعلما ، وكان يركب في كل جمعة قصبة في الاثنين والخميس ، فإذا ركب في هذين اليومين فليس لوالد على ولده حكم ، ولا لمعلم على صبي حكم ولا طاعة.

فخرج يوما وحوله من الرجال والنساء والصبيان ما لا حد لكثرته فصعد تلا عاليا ، ونادى بأعلى صوته : ما فعل النبيون والمرسلون أليسوا في أعلى عليين؟

فقالت الناس : بلى ، وصدقت.

فقال : أئتوني بأبي بكر ، فقدموا غلاما فأجلسه بين يديه ، ثم قال : جزاك الله خيرا يا أبا بكر عن الرعية ، فقد عدلت فيما حكمت ، وخلفت محمدا في أمته أحسن خلف ووصلت جل الدين وقاتلت المرتدين اذهبوا به إلى عليين.

ثم نادى : أين عمر بن الخطاب؟

فأجلسوا بين يديه غلام آخر.

فقال : جزاك الله خيرا يا أبا حفص خيرا عن الإسلام ، فقد فتحت البلاد ، ووسعت العطاء ، وبسطت العدل وقمعت الكفر ، وقسمت الفيء ، وسلكت مسلك الصالحين ، وآثرت الآخرة على الدنيا ، اذهبوا به لأعلى عليين لحدود صاحبه الصديق.

ثم قال : هاتوا عثمان بن عفان.

فأجلسوا له صبيا آخر بين يديه.

/ فقال له : أخلصت في ولايتك ولكن الله يقول : (وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢] للترجي مرجية ، اذهبوا به إلى صاحبيه في أعلى عليين.

ثم قال : هاتوا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام (١).

فأجلسوا غلاما بين يديه.

__________________

(١) يلاحظ أنه هنا ذكر عبارة أمير المؤمنين كاملة ، ثم أعقب ذكر علي رضي‌الله‌عنه بعبارة عليه‌السلام دون سائر الصحابة مما يؤكد شيعيته مع عدم تعصبه فيسرد الحكايات التعصب الممقوت فاللهم اغفر لنا وله آمين آمين آمين.

٣٢٧

فقال : جزاك الله خيرا عن الأمة فأنت الوصي والولي للنبي ، بسطت العدل ، وزهدت في الدنيا ، واعتزلت الفيء فلم تخمشه بناب ولا ظفر ، وأنت أبو الذرية الصالحة المباركة وزوج الزكية الطاهرة. اذهبوا به إلى أعلى عليين لأصحابه.

ثم قال : هاتوا معاوية.

فأجلسوا غلاما بين يديه.

قال له : أنت قاتل عمار بن ياسر ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وحجر بن عدي الذي أخلقت وجهه العبادة ، وأنت الذي جعل الخلافة ملكا ، واستأثر بالفيء وحكم بالهوى ، واستنصر بالظلم ، وغير سنّة رسول الله ونقض أحكامه وقام بالبغي. اذهبوا به فأوقفوه مع الظلمة.

ثم قال : هاتوا يزيد بليد.

فأجلسوا غلاما بين يديه.

قال : يا قراد ، أنت الذي قتل أهل الحرة وأبحت دور المدينة الشريفة ثلاثة أيام ، وهتكت حرم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأويت الملحدين ، وقتلت الحسين المعصوم (١) ، وحملت بنات رسول الله سبايا على حقائب الإبل. اذهبوا به إلى الدرك الأسفل من النار.

ولم يزل بخليفة بعد خليفة كل واحد بعمله وما كان منطويا عليه حتى أتى بعمر ابن عبد العزيز. فأتي بغلام فأجلسوه بين يديه.

وقال : جزاك الله خيرا عن الإسلام والمسلمين ، فقد أحييت العدل بعد موته ، وألنت القلوب / القاسية ، وقام بك عمود الدين على ساق بعد جور وشقاق. اذهبوا به فألحقوه بالصديقين.

ثم من كان بعده من الخلفاء حتى انتهى إلى دولة بني العباس بعد أن أجلسوا له غلاما : فقال : قد بلغ الأمر لبني هاشم ارفعوا الحساب لهؤلاء جملة واحدة واحذفوا بهم في النار جميعا. ثم قام منصرفا (٢).

في تفضيل السراري :

ومما قيل فيمن فضل السراري على الحرائر ، فقال :

__________________

(١) لفظ شيعي مشهور ومن المعلوم أنه لا عصمة لأحد بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المؤيد بوحي السماء.

(٢) أنا لا أبدي تعليقا على موضوعات الكتاب لذا على القارىء أن يميز بين الغث والسمين منه والله الموفق والهادي للصواب.

٣٢٨

ـ إن الأمة تشترى بالعين وترد بالعيب ، والحرة غل في عنق من صارت إليه ، وقد تسرى إبراهيم الخليل عليه‌السلام بهاجر فولدت له إسماعيل صلوات الله عليهما ، وتسرى نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمارية القبطية فولدت له إبراهيم.

ولما صارت إليه صفية بنت حيي كانت أزواجه عليه‌السلام يعيرونها باليهودية (١) فشكت ذلك إليه ، فقالوا لها : لو شئت لقلت وصدقت : أبي إسحاق ، وجدي إبراهيم ، وعمي إسماعيل ، وأبي يوسف الصديق ، صلوات الله عليهم أجمعين.

نادرة :

[دخل](٢) يزيد بن علي على (٣) هشام بن عبد الملك فقال له : لقد بلغني أنك تحدث نفسك الخلافة ولا تصلح لها لأنك ابن أمة ، فقال له (٤) : أما قولك أني أحدث نفسي بالخلافة فهذا غيب لا يعلمه إلا الله ، وأما قولك أني ابن أمة : فهذا إسماعيل ابن أمة وأخرج الله من ظهر محمدا سيد أهل السماوات والأرض ، وإسحاق من حرة أخرج الله من ظهره وصلبه القردة والخنازير. فلما سمع هشام جوابه لم يحر جوابا وسكت.

نادرة لكسرى :

قيل : إن كسرى ذكر في مجلسه النساء.

فقال : إني إذا كبر سني أبغضتني النساء ونفرن مني ، وإني أبغضهم قبل كبري وبغضهم لي.

/ وفي المعنى

تمنيت لو عاد الشباب لمفرقي

ومن ذا على الدهر يعطي المنايا

وكنت مكينا لدى الغانيات

ولا شيء عندي لهم ممكنا

فأما الحسان فيأبو ثنائي

وأما القباح فأأبى أنا

ومثله

النفس تطمع والأسباب عاجزة

فالنفس تهلك بين العجز والطمع

قد كان إيري شهم ذو محاربة

واليوم ذل فتحول على الجزع

__________________

(١) يجب على القارىء أن يميز ويتحرى الدقة عند الكلام عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وآل بيته الكرام فإنهم جميعا من المصطفين الأخيار وما أظن أن مثل هذا يكون قد حدث بينهن فرضي‌الله‌عنهن أجمعين.

(٢) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٣) جاء بين علي ، هشام لفظ : ابن ، وهو زائد على السياق فحذفته.

(٤) في المخطوط : أنه ، وهو تحريف.

٣٢٩

وفي معناه :

ومما حدث به زياد عن مالك بن محمد بن يحيى :

إن جدته عاتبت جده في ترك الجماع لما كبر فقال لها : أو أنت على قضاء عمر بن الخطاب؟

قالت : وما قضى به عمر بن الخطاب؟

قال : قال إن الرجل إن أتى زوجته عن كل طهر من حيض مرة فقد أدى حقها.

فقالت : أرى الناس قد تركوا قضاء عمر ، وبقيت أنا وإياك عليه ، فالحمد لله على ذلك.

تهذيب :

للجليس على من جلس إليه ثلاث خصال : يرمقه بنظره كثيرا ، ويوسع له مجلسه ، ويصغي لحديثه إذا حدّث. فإذا لم يكن فالقول بالجليس أحق وأولى.

قال بعض الفضلاء : قل للعاقل (١) أن يتخير جليسه كما يتخير مأكوله ومشروبه ففي تخير المأكول والمشروب صلاح البدن ، وفي تخير الجليس صلاح النفس.

وقل بختيشوع (٢) الحكيم للمأمون : احذر مجالسة الثقلاء فإنما نجد من الحكمة أن مجالسة الثقيل حمى الروح المزمن.

وقيل لبقراط : أي التخم (٣) أضر؟

قال : مجالسة الثقلاء.

وقال أبو هريرة : إذا استثقل رجلا قيل : اللهم اغفر له وارحمنا منه.

نادرة :

عزم بخيل على ثقيل وأضافه ، فوضع سفرة وعليها ثلاثة أرغفة ، وصحن طعام.

فأخرج الثقيل / من الطعام لحمة ووضعها على رغيف ، وسحبه إلى قدامه ، وأخر مرفقه ووضعها على رغيف وسحبها إلى قدامه.

فقال له البخيل : وهذا والله هذا وأثقل وأثقل وأثقل الطلاق يلزمه ما تأكل اليوم

__________________

(١) بعدها في المخطوط كلمة : قل ، وهي زائدة على السياق فحذفتها.

(٢) في المخطوط : بختيوش ، وهو تحريف وبختيشوع طبيب نصراني كان ملازما للخليفة المأمون ، وكان حكيما في الطب.

(٣) كذا في المخطوط وأحسبه والله أعلم : أي الحمي أضر؟ فتحرف اللفظ.

٣٣٠

عندي شيئا. ورفع الطعام لداره ، وانصرف الثقيل ، ولم يطعمه شيئا.

عن ثقالة الثقلاء :

قال بعض أهل الفضل : الثقلاء ثلاثة : ضيف يقترح ، ورديف يسلم ، ومجيب عن سؤال والمسؤول غيره.

مثله :

جماعة إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم :

الداخل إلى مجلس لم يدع إليه.

والجالس في مكان فوق قدره.

والمؤتمر على صاحب الدار.

والمحدث قوما لم يصغوا لكلامه.

والداخل بين قوم في حديث لم يدخلانه.

والمصلي بقوم وهو لا يحسن القراءة.

والآمر بمعروف وليس يفعله.

والناهي عن منكر وهو يأتيه.

والمغني وصوته قبيح.

نادرة لأشعب :

قال الأصمعي : دعا جهم بن خلف الأشعب الطماع يوما لمنزله ليضيفه.

فقال : على شرط أن لا تجالس معي ثقيلا.

فقال : نعم.

فلما وضع الغداء دق الباب.

فقال الأشعب : وقعنا فيما كنا نخشاه.

قال صاحب الدار : هذا الرجل فيه عشر خصال ، إن كرهت منهن واحدة لم أدعه يدخل إليك.

أول خصاله : أنه صائم الدهر لا يأكل نهارا.

والثاني :

فقال الأشعب : اترك ذكر ما بقي من الخصال وادعه حتى نلتمس بركة دعائه فإنه

٣٣١

ولي الله.

نادرة :

جلس جحا يوما يطبخ طعاما وعنده أصحابه ، فلما قارب اللحم الاستواء نشل واحد لحمة وأكلها ، وقال :

تحتاج إلى ملح.

ونشل آخر لحمة / وأكلها.

وقال : تحتاج أبزار.

فقال جحا : إن حاجة قدرنا اللحم أكثر من حاجته لما قلتم.

في بخل الأمير زياد الحارثي :

ذكر المدائني قال : كان الأمير زياد بن عبد الله الحارثي شديد البخل وكان يمد سماطه فيوضع قدامه دجاجة في صحن يرسمه فلا يجسر أحد أن يتناول منها شيئا.

فأتى لزياد قوم من رؤساء البلد في شهر رمضان ليفطروا عنده ومعهم الأشعب الطماع ، فلما وصلوا مد السماط ووضعت الدجاجة بين يدي زياد ، وشرع يأكل منها فمد يده الأشعب وأخذ منها قطعة وأكلها مع علمه ببخل زياد فلما رفع السماط قال زياد لوالي البلد :

ـ أهل للمحابيس من إمام يصلي بهم في السجن؟

قال : لا.

قال : امضي بالأشعب للسجن ودعه عندهم مقيم يصلي بهم إماما.

فتشفع فيه من حضر فلم يقبل. فلما دخل السجن وأقام فيه ثلاثة أيام كتب ورقة وأرسلها لزياد :

ـ إني أحلف يمينا مغلظا شرعيا إن أطلقتني لم آكل لحم دجاج ما دمت حيا. فحلفه وأطلقه.

وفي التطفل :

رأى شخصا لبنان الطفيلي وهو ذاهب (١) لوليمة متزي بزي الصوفية حتى (٢) لا يعرفه البواب فيرده.

__________________

(١) في المخطوط : ذاثم هب. وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : مع ، وهو تحريف.

٣٣٢

فظنه صالحا فباس (١) يده ، وقال : يا سيدي ادع لي ففتح يديه وقال : اللهم ارزق عبدك هذا صحة في الجسد ونهمة في الأكل مع دوام شهوة ، وارزقه نقاء المعدة وسعة المصران وأمتعه بسن قطوع ، وناب كسور وضرس (٢) طحون ، واجعله من عبادك الآكلين يا رب العالمين.

فقال الرجل : تقبل الله فهذه دعوات مغفول عنها.

[ومن بخل زياد بن عبد الله الحارثي أيضا](٣) :

حكى الزبير بن بكار [قال](٤) : كان زياد بن عبد الله الحارثي من أبخل / الناس ، وكان واليا بالكوفة. فأهدى له كاتبه طعاما قد تأنق فيه فوافاه وقد تغدى.

فغضب وقال : يبعث أحدهم طعاما في غير وقته ، ادعو الفقراء المجاورين بالجامع ليأكلوه. فدعوهم ، فلما حضروا قال الرسول :

ـ إن رأى الأمير أن يأمرنا بالكشف عن الطعام لينظره.

قال : فلما رآه ، رأى ما هاله من ألوان حسنة (٥) ، ودجاج ألوان ، ومأكل فاخر ، مع حلاوات مختلفة الأنواع.

فقال : ارفعوه واحترصوا على حفظه ، ثم قال للفقراء الذين جاءوا من المسجد :

ـ يا ويلكم ، إنه بلغني أنكم تفسون في المسجد وقد أنتنتموه بفسائكم ، ثم أمر الوالي أن يضرب (٦) كل واحد خمسين صوتا.

فقال الوالي : أتأذن أيها الأمير أن أضربهم بداري؟

فقال : افعل ، فخرج بهم إلى خارج الدار وأمر بإطلاقهم فذهبوا متفرقين ، ولم يعودوا لذلك المسجد.

من كلام أهل الفضل :

الفقير (٧) : قوته ما وجد ، ولباسه ما ستر ، ومنزله حيث حل.

__________________

(١) المراد : قبّل يده.

(٢) سن تكررت والمراد ضرس فهو الذي يطحن الطعام أما السن فإنه يقطع.

(٣) العنوان من عمل المحقق غفر الله له آمين.

(٤) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٥) في المخطوط : الحسنة ، وهو تحريف.

(٦) في المخطوط : يظرب ، وهو تحريف.

(٧) في المخطوط : الفقر ، وهو تحريف.

٣٣٣

حديث :

قرىء بخط المرزباني في حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من أكل فولة بقشرها أخرجت داء مثلها» (١).

موعظة :

دخل جماعة على الجنيد فقال لهم : ما تفعلوا؟

قالوا : نطلب الرزق.

قال : إن علمتم في أي موضع هو فاطلبوه.

قالوا : نسأل الله ذلك.

فقال : إن كان ينساكم فذكروه.

فقالوا : ندخل البيت نتوكل؟

فقال : التجربة شك.

قالوا : وما الحيلة؟

قال : ترك الحيلة.

مذمة في النساء

يا من يروم النساء جهلا بمكرهن

إياك تغتر وانق العرض درني

إني حلفت يمينا لست أكذبه

لا أبتغي زوجة لو صرت في الكفن

حسانهم خائنات قل خيرهم

وجيدهم نادر لم تلق مؤتمن

إن تلق واحدة حسناء خيّرة

فتلك نادرة في الناس والزمن

قباحهم لشرور الزوج يجتهدوا

جميلها زائد من حيث لم تخن

لو أن كلبا إليها جاء قاصدها

يبغي زناها لوافته بلا ثمن

فمن بشاعتها بادت بضاعتها

ما تركها للزنا إلا من المهني

أما العجائز للتعريض غالبهم

يخربوا الدور والأطلال والدمن

نصحي لعزابنا ترك الزواج فما

نصحي لهن سدا والله يعصمني

خل العزوبة فينا إن ذا زمن

ينال وصل صلاح الناس كل دني

يا معشر الناس فروا واقتفوا أثري

إن التبتل من فرض ومن سنن

__________________

(١) ليس هذا بحديث وكم من مثل هذا الكلام ينسب للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وهو منه براء.

٣٣٤

شعر

حببتك لما كنت لي وتريدني

هجرتك لما عاد لي فيك مشترك

فمثلك معشوق ومثلي عاشق

ومثلك متروك ومثلي من ترك

وفي الزية

عليك يبلغ الزية فالبسط شانه

وما زال أبسط الزية في الرأس طايع

يريك بساتين حسان ونزهة

فقد صح أن الزية للبسط جامع

ومن عجائب الحوادث :

ومما نقل من خط الشيخ علم الدين البرزالي من تاريخه :

إن في منتصف شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وسبعمائة أورد للقاهرة كتاب من حماه : إنه وقع ببارين من جبل حماه برد عظيم على صورة حيوانات مختلفة منها كالسباع والحيات والعقارب وطيور مختلفة ، وبلشونات ، ومعهن وصفة رجال في أوساطهم حوايص إلى غير ذلك. وثبت ذلك على قاض الناحية واتصل ثبوته بحماه على قضاتها ثم ذلك.

ومما نقل من كتب التاريخ :

إنه في أيام سليمان بن عبد الملك ورد كتاب / من ابن هبيرة فيه :

أن بمدينة بخارى وقت السحر سمع قعقعة عظيمة من السماء ، ودوي كالرعد القاصف أسقطت منه الحوامل فنظر الناس ، فإذا قد انفرج من السماء فرجة عظيمة ، ونزل منه أشخاص عظيمو الخلق رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الأرض.

وقائل يقول : يا أهل الأرض اعتبروا بأهل السماء ، هذا صفوائيل الملك عصى الله فعذب.

فلما طلع النهار أتى الناس إلى ذلك الموضع فوجدوا خسفا عظيما لا يدرك له قرار يصعد منه دخان أسود. وورد ذلك من بخارى مثبوتا بأربعين عدلا.

ومما نقل من التاريخ أيضا :

في سنة أربعة وأربعين وخمسمائة أمطرت باليمن دما عبيطا ، فبقي أثره بالأرض وفي ثياب الناس.

وأيضا :

وفي تلك السنة نهبت العرب الحاج بمكة ، وكان من جملة الحاج الست خاتون

٣٣٥

أخت السلطان مسعود ، أخذ منها ما تزيد قيمته عن مائة ألف دينار ومن الحاج أكثر من ذلك ، ونهبوا الجمال فمات الناس جوعا. والوقعة كانت بين مكة (١) والمدينة.

ومما نقل من التاريخ :

وفي سنة اثنين وخمسين وخمسمائة وقعت زلازل عظيمة بحلب والشام ، وشيراز ، وأنطاكية ، وطرابلس ، وهلك بذلك خلق عظيم لا حصر لهم حتى أن مؤدب أطفال خرج من المكتب (٢) وعاد فوجد المكتب قد وقع على الأطفال وماتوا جميعا ، ولم يأت أحد يسأل عنهم لأن آباؤهم ماتوا جميعا. وأما شيراز فهلك كل من فيها إلا امرأة وخادم واحد لا غير.

ومما وقع من الحادثات أيضا :

انشق تل بجران ظهر فيه بيوت ، وعمائر ونواويس.

وأيضا :

/ انشق في اللاذقية موضع ظهر فيه صنم قائم في الماء ، وخربت صيدا وطرابلس ، وقلاع كثيرة بريح عظيم وانفرق البحر إلى قبرص ، وتعدى الريح إلى ناحية المشرق ، ومات من ذلك خلق عظيم.

وكان مع ذلك الريح زلازل. مات في تلك السنة بسبب الزلزلة نحو من ألف ألف ومائة ألف إنسان.

وأيضا :

في تلك السنة وقع وباء عظيم بين الحجاز واليمن ، وكانت عشرين قرية فثمان عشر قرية لم يبق منها مخلوق واحد بل هي خالية من أهلها وأموالهم وأغنامهم ومواشيهم ليس لهم أحد أجمعهم ولا يجسر أحد أن يدخلها ، ومن دخل لواحدة منها مات لساعته.

وأما القريتان الباقيتان لم يمت منهما أحد بل هم على ما [هم](٣) فيه من العيش والنعمة.

ومن الحوادث :

ما وقع في سنة أربع وعشرين وخمسمائة طلعت سحابة على بلد الموصل ، أمطرت نارا أحرقت ما وقعت عليه.

__________________

(١) في المخطوط : المكة ، وهو تحريف.

(٢) جاءت العبارة على النحو التالي : مؤدب خرج أطفال من المكتب. والعبارة أصابها تقديم وتأخير ، فضبطها على المراد ، والله الموفق للصواب.

(٣) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

٣٣٦

وظهر أيضا بالعراق :

عقارب طيارة قتلت خلقا كثيرا ، والغالب أطفال.

عظة

حربت دهري وأهليه فما تركت

لي التجارب ودّ امرىء طمعا

هذا يخون وذا بالمكر ملتبس

وذاك طوق الحيا من جيده خلعا

ومن التاريخ :

في سنة ثمان وثلاثين وستمائة مما نقله الشيخ عماد الدين ابن كثير في كتابه المسمى بالبداية والنهاية : أنه ورد من ملك التتار بولي بن جنكيز خان كتاب إلى ملك الإسلام يدعوهم إلى طاعته ، ويأمرهم بتخريب أسوار بلدانهم ، وعنوان كتابه :

من نائب رب السماء ماسح الأرض

ملك المشرق والمغرب قان

وكان الكتاب صحبه وقاصده ، وكان رجلا عاقلا لطيف الأخلاق.

فأول ما ورد (١) على شهاب / الدين غازي ابن الملك العادل ، فأخبره بعجائب في أرضهم كثيرة منها :

إن بالبلاد المتاخمة للسند أناسا أعينهم في مناكبهم ، وأفواههم في صدورهم ، أكلهم السمك وإذا رأوا آدميا هربوا منه.

ومن عجائب الزرع :

بزر يزرعونه فينبت كالبطيخ تنشق الواحدة عن خروف من الغنم يعيش شهرين أو ثلاثة ، وليس لهم نسل منهم ، ولحمهم في غاية الطيب.

ومن العجائب أيضا :

بمازندران عين عظيمة يطلع منها كل ثلاثين سنة خشبة عظيمة طول المنار وتقيم طول النهار ، فإذا غربت الشمس غاصت في الأرض فلا ترى إلى مضي ثلاثين سنة. وأن بعض الملوك احتال عليها ليستلها وربطها بسلاسل كثيرة من حديد ، وأوثقها ، فغارت وقطعت تلك السلاسل. ثم كانت إذا طلعت يرى فيها تلك السلاسل. وهي إلى الآن كذلك ، ولا يعلم لها خبر غير ذلك ، والله أعلم.

تنبيه :

اعلم أنك إذا وجدت آدميا سيء الخلق لئيم الطبع قبيح اللفظ فانقصه من قدر

__________________

(١) في المخطوط : ما ود ، وهو تحريف.

٣٣٧

الآدميين وضفه إلى جنس الكلاب وعده كلبا نابحا ، وأرح نفسك من خطابه ، ولسانك من جوابه وقلبك من التفكر فيه ، واعرض عنه كما تعرض عن الكلب إذا نبح عليك.

وإن أبيت إلا خطابه وجوابه فقد ألحقت عالمك بعالمه وصيرت نفسك مثله. فقد قال بعضهم :

ـ من لم يكتسب بالعقل والأدب مالا اكتسب بهما مهابة وجمالا ، وكان له أنسا في الوحشة ، ومودة في الغربة ورفعة في المجالسة.

ومما قيل في الغضب :

اعلم أن الغضب هو غليان دم القلب ، والغضب مخلوق / من نار في طينة الآدمي فمتى حصل له ما يغضبه اشتعلت تلك النار اشتعالا يغلي به دم القلب فيسري في العروق ويرتفع دخانه إلى أعلى البدن فيحجب العقل فيقع من الآدمي ما يعقبه الندم إذا خمدت تلك النار وذهب ذلك الدخان فلا يفيده ذلك الندم.

والناس في ذلك على طبقات مختلفة ، فكل واحد على قدر نار غضبه يكون اشتعالها وخمودها بقدر قوتها وضعفها. نعوذ بالله من غضب يؤول إلى الندامة.

نصيحة :

[قال](١) بعضهم : أقوى مكائد العقلاء إظهار المودة للأعداء ما دام لدولتهم إقبالا.

عبرة :

اعلم أن لكل إنسان قوى ثلاثة : ناطقية ، وغضبية ، وشهوانية.

فالناطقية : هي التي شرفه الله بها على سائر الحيوان فشارك بها الملائكة.

والغضبية : إذا أفرطت أخرجت صاحبها عن حد الإنسانية وألحقته بعالم السباع لوجود المماثلة في الخلق ، فيغضب كالأسد ، أو يحقد كالخنزير ، أو يثب كالنمر ، أو يغير كالذئب ، أو يرتعد كالقرد.

وقس على ذلك الشهوانية إذا أفرطت أخرجت صاحبها من العالم الإنساني وألحقته بعالم مماثلة من البهائم ، فإن البهائم لا شهوة لها إلا الأكل والنكاح ولا غيرة لهم. فنعوذ بالله من ذلك (٢).

موعظة :

قال ابن دعامة الأنباري : رأيت مجنونا ببغداد ، وهو على باب دار فيها وليمة

__________________

(١) ما بين المعقوفين يتطلبه السياق.

(٢) هذه الفقرة سبق ذكرها قبل قليل تحت عنوان عبرة أيضا.

٣٣٨

والناس يدخلون ، وكنت ممن دعي إليها ، فقلت للمجنون : ألا تدخل فتأكل؟ فإن الطعام كثير.

قال : وإن كان كثير فإني ممنوع منه.

فقلت : وما يمنعك والباب مفتوح ولا مانع من الدخول؟

فقال : آكل طعاما لم أدع إليه مع أني محتاج إليه ، لكني لا أرضى لنفسي / الدناءة ، ولا التطفل على الموائد ، ثم عاد راجعا ولم يدخل.

فقلت : ادعهم يأذنوا لك؟

فقال : لا أرضى بذلك لأن فيه سؤال مقرون بذلة.

ومما وقع وحكاه السرقسطي :

قال : كان يحيى الجزار رجلا أديبا فاضلا ، وكان في ابتداء عمره يعاني بيع اللحم والقصابة ، وكان شاعرا نديما. ثم لما عاشر الرؤساء والأكابر ونادمهم ترك القصابة.

فلما تغير حال الناس وقل خيرهم رجع إلى القصابة وبيع اللحم. فبلغ ذلك لرجل من مخاديمه يدعى أبو الفضل بن عقيل وكان حاجبا جليل القدر ، فأمر شخصا من ندمائه أن يعنفه على ما فعل.

فكتب إليه يقول :

تركت الشعر من عدم الإصابة

وعدت إلى الجزارة والقصابة

تركت لصحبة الحجاب عمدا

ألا فارجع وعجل بالإنابة

فرد الجواب :

تعيب عليّ عودي للقصابة

ومن لم يدر قدر الشي عابه

فلو أحكمت منّا بعض فنّ

لما استبدلت عنها بالحجابة

وإنك لو نظرت إليّ يوما

وحولي من بني كلب عصابة

لهالك ما رأيت وقلت هذا

هزبر صير الأوضاع غابه

فتكنا في بني المعري فتكا

أقر الذعر فيهم والمهابة

ولم نقلع عن الثوري حتى

مزجنا بالدم القاني نصابه

ومن يعتزم منهم بامتناع

فإن إلى صوارمنا إيابه

فيبرز واحد منا لألف

فيغلبهم وتلك من الغرابة

وحقك ما تركت الشعر حتى

رأيت البخل قد أمضى شهابه

٣٣٩

وحتى زرت مشتاقا خليلي

فأبدى لي التعبّس والكآبة

وظن زيارتي لسؤال شيء

فنافرني وغلظ لي جوابه

/ على الأصحاب كلهم سلام

مدى الأيام ما دامت قصابه

كذاك الشعر لا أبغيه فنا

مضى في من لفن الشعر عابه

ولست أنادم الرؤوساء يوما

فأعلى الناس صار البخل دأبه

مطالب الغريم

أمر بتسليمي عليك مذكرا

وفي طيّه قصدا لما أنت تعلم

وفي علمكم ما العبد فيه بتعزكم

من الحرج والإنفاق ما ليس يبهم

فإن يك منحا كان من بعض فضلكم

وإن يك منعا أنت تبقى وتعلم

هجو في حمّام

دخلت لحمام أروم نعيمها

وأحظى (١) بماء الطهر في حوضه يجري

أجد ما به ماء ولكن نجاسة

وبرد نسيم الريح في أرضها يسري

تيممت فيها والتيمم جائز

لفقد وجود الماء حين رمت للطهر

هجو في حمام [أيضا](٢)

وحمام دخلناه لطهر

فلم نلقى بها ماء لطهر

ماء دره ينجس كل جسم

وفيه الماء شبه البول يجري

مزينة كجزار غشيم

لسلخ الرأس بالأمواس يفري

عناء في طلب

سئمنا من مواعيد تناهت

ولا وعد رامتهم صحيح

كأن وعودكم تغمات زمر

تله له المسامع وهو ريح

مثله

أرى وعد يجيىء من بعد وعد

ولا وعد أقرت منه عيني

/ فمنح عاجل أولى فمنع

فإن اليأس إحدى الراحتين

__________________

(١) في المخطوط : أحض ، وهو تحريف.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية من عمل المحقق غفر الله له.

٣٤٠