مختصر عجائب الدنيا

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه

مختصر عجائب الدنيا

المؤلف:

الشيخ إبراهيم بن وصيف شاه


المحقق: سيّد كسروي حسن
الموضوع : التاريخ والجغرافيا
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
الصفحات: ٤١٦

قال : فلما رأى ذلك منهم وكان دخل شهر رمضان طلب الضّمان (١) وكان ضمنهم لعشرة من أكابر أصفهان.

فحلف لا يفطر دون حضور المال أو يضرب أعناقهم ، ثم قدم واحدا فضرب عنقه ، وجعل الرأس في كيس وختم عليه ، ثم أمر أن يكتب عليه : فلان بن فلان وفّى ضمانه.

ثم قدم الثاني ، ففعل به كالأول. فلما رأى القوم الرؤوس توضع في الأكياس بدلا من المال ، قالوا : أيها الأمير توقف نحضر لك المال ، ففعلوا ، فلم يفطر حتى قبض المال جميعه.

فبلغ ذلك الحجاج ، فقال لمن حضره : كيف رأيتم فراستي في الأعرابي ، ولم يزل واليا عليهم إلى أن مات الحجاج.

ومثل (٢) ذلك :

قيل : أن الحجاج وقف بين يديه رجل عليه خراج ، فطالبه ، فاعتذر بشؤم / حظه في سنتة لقلة المطر وتلاف الزرع ، وبين يديه رجل آخر ، وقد أحضره من السجن ، وأمر بضرب عنقه ، فضرب ، فلما قدم لذلك والفلاح يعتذر للحجاج ، وإذا قد انفلتت من إسته ضرطة بغير قصده ، فقال : وهذه أيضا أيها الأمير من شؤم سنته. فضحك الحجاج ووهبه خراجه ، وأطلق الآخر وأعتقه.

فلما أطلق سارع إلى ذلك الفلاح وشرع يقبل إسته ويقول : ما أعظم بركة إست حطت الخراج وأحيت (٣) الموتى. فضحك الحجاج وأطلقه.

وكان في خلافة سليمان بن عبد الملك رجل يدعى خزيمة بن بشر ، وكان ذا مال عظيم وبزة ، وكان من الكرم إلى حد لا نهاية له ، فلا زال به الكرم حتى لزم بيته من شدة الفاقة.

وكان على الجزيرة واليا من قبل سليمان ، فجرى ذكر خزيمة وما صار إليه.

قال : فلما كان الليل قام والي الجزيرة ، واسمه عكرمة ، ووضع ضمن كيس أربعة آلاف دينار ، وخرج في الليل متنكرا حتى وقف على باب خزيمة ، فناوله الكيس ، وقال : اصلح بهذا حالك.

__________________

(١) في متن المخطوط : الزمان ، والتصويب من هامش المخطوط.

(٢) في المخطوط : ثم ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : أجبت ، وهو تحريف.

٢٨١

فقال : ومن أنت؟

فقال : ما جئت في هذه الساعة وأنا أريد أن تعرفني.

فقال خزيمة : ما أقبله ، أو تقول من أنت؟

فقال : أنا جبار عثرات الكرام ، ثم انصرف.

فدخل خزيمة داره ، وقال لزوجته : قد أتى الله بالفرج.

ولما عاد عكرمة قالت زوجته : إلى أين ذهبت في هذا الليل؟

فقال : ما خرجت في هذه الساعة إلا حتى لا يعلم أحد فيما كنت ، فألحت عليه.

قال : وتكتمي عني؟

قالت : نعم ، فأخبرها بحاله ، ومقاله لما أراد معرفته أنا جابر عثرات الكرام.

وأما خزيمة ، فإنه في صبح يومه أصلح حاله وتوجه طالبا الشام.

/ فلما دخل [على](١) سليمان قال : يا خزيمة ، ما أبطأك عنا؟

فقال : يا أمير المؤمنين سوء الحال.

قال : فكيف جئت؟

فحكى له ما وقع.

قال : ألم تعرفه؟

فقال : لا والله ، وإنما لمّا استسميته قال : أنا جابر عثرات الكرام.

فتلهف سليمان على معرفته ، وقال : لو عرفناه لأعناه على مروءته (٢).

ثم ولى خزيمة الجزيرة.

[و](٣) خرج عكرمة والناس لملتقاه ، فلما سلم عليه أمر بقبضه. ثم لما استقر به الجلوس واستراح طلبه وحاسبه فوجد عليه فضل مال كثير ، فأمر به للسجن وأن يكبل في الحديد ففعل به. ثم ألح عليه في الطلب ووعد الضرب.

فقال : والله لم يكن عندي غير ما دفعت لك ، فأمر أن يضيق عليه ، فأقام في الضيق مدة تزيد عن شهر ، فأضناه ذلك وأضر به. فخرجت ابنة عمه ومعها مولاة لها وامرأة أخرى ، فلما وصلن دار خزيمة الأمير ، وقفن بالباب ، وقالت لتلك المرأة : استأذني ،

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٢) في المخطوط : روته ، وهو تحريف.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

٢٨٢

فإذا (١) دخلتي عليه فاسأليه أن يخلي لك المجلس ، فإذا فعل ، فقولي له : أهذا جزاء جابر عثرات الكرام منك؟ كافأت جميله بما فعلته معه؟.

قال : فلما دخلت عليه وأعلمته ، قال : إنه لهو؟

فقالت : إي والله إنه هو.

فما (٢) كادت تخرج [حتى](٣) قام من وقته ماشيا إلى أن أتى باب السجن (٤) ودخل عليه وأكب يقبل يديه وقدميه.

فقال : ما سبب هذا؟ ويحك.

قال : كريم فعلك وقبيح فعلي.

فقال : يغفر الله لنا ولك.

ثم فكّ عنه الحديد والقيود ، وأمر بالحديد يوضع على نفسه.

فأقسم عكرمة أن لا يفعل ، وخرجا جميعا إلى (٥) أن وصلا دار خزيمة ، فأكرمه وغير حاله ، وقام بحقه ، وتولى خدمته بنفسه وأخلع عليه وحمل مالا كثيرا وتحفا ، ثم بعد ذلك أمره بالمسير معه إلى أمير [المؤمنين](٦) فسارا جميعا حتى قدما على أمير [المؤمنين] / فلما دخل عليه قال : ما بالك قدمت من عملك بغير إذننا؟

فقال : جئتك يا أمير [المؤمنين] بجابر عثرات الكرام.

قال : ومن هو؟

قال : عكرمة الفياض.

فأذن له فدخل ، فأدنى مجلسه ورفع محله ، وأمر أن يكتب جميع ما يختاره ، ففعل ، فقضيت جميع حوائجه ، ووهبه ما كان عليه للديوان وأعطاه عشرة آلاف دينار وسفطين من ثيابه ، وولاه أرمينية وأذربيجان.

وجعل أمر خزيمة إليه ، فقال : إن شئت أعزله أو أبقيه (٧).

__________________

(١) في المخطوط : فلماذا ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : فكادت ، وهو تحريف.

(٣) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٤) في المخطوط : الحصن ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : إلا ، وهو تحريف.

(٦) يتطلبه السياق ، وقد بينت سبب ذلك من قبل.

(٧) في المخطوط : أبقاه ، وهو تحريف.

٢٨٣

فقال : بل هو على عمله.

فعقد له الولاية وسارا معا.

ومن النوادر :

أن الحجاج ولى بعض العرب قبض بعض الناحية.

فقيل له : إن هذا لا يحسن استيفاء ذلك.

فقال : إن لي فراسة.

فلما وصل ذلك البدوي إلى تلك الناحية ، جمع اليهود ، فلما وقفوا بين يديه سألهم عن المسيح وما فعلوا به.

فقالوا : قتلناه ، وصلبناه.

فقال : وهل أديتم ديته؟

قالوا : لا.

فقال : والله لستم بخارجين من هنا حتى تعطوني ديته أو أقتلكم جميعا ، فقد أفريتم (١) بالقتل.

فجمعوا له ألف دينار ، وجاءوا بها.

فقال : ما هذه؟

قالوا : ألف دينار ديته كما رسمت.

فقال : ويحكم ، نبي الله ورسوله وكلمته أفتكون ديته كغيره؟! والله لا أرضى بذلك.

فجمعوا ألف دينار أخرى فقبضها مع الجزية ، وأطلقهم.

ثم طلب النصارى ، فلما وقفوا بين يديه قال لكبيرهم المتكلم : ما اسمك؟

فقال : اسمي بيداد شهير هو من بيداد.

فقال : ويحك هذا اسم أربعة وأنت تعطي جزية واحدة ، والله لا آخذن منك أربعة جوالي لكل اسم جالية ، فلم يطلقه حتى قبضها (٢).

ثم تقدم القسيس فقال : يا مولانا لم يفعل هذا أحد قبلك ممن تولى / قبض الجالية.

__________________

(١) في المخطوط : أفريتوا ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : قبضم ، وهو تحريف.

٢٨٤

فقال له : فمن تكون أنت؟

فقال : أنا القسيس سمعان.

فقال : هما اسمين لهما (١) جاليتين.

فلم يطلقه حتى أخذهما. واستمر على مثل هذا. فشكوه لأمير المؤمنين ، فقال للحجاج : ما هذا الذي وليته قبض الجوالي؟

فقال : ذلك الذي قلتم لا يحسن استخراجها.

وقال مجاهد : يؤتى بمعلم (٢) الكتّاب يوم القيامة فإن عادلا بينهم وإلا أقيم مع الظلمة كونه لم يعدل بين الصبيان.

خطأ إمام وجهل مأموم (٣) :

دخل بعض الناس يصلي المغرب في المسجد فقرأ الإمام في الركعة الأولى : «فقالوا يا خالد ليقضي علينا ربك» ، وفي الركعة الثانية : «في سلسلة ذرعها تسعون ذراعا فاسلكوه» قال : فلما خرج الرجل من المسجد لقيه بعض أصحابه فقال له : ايش حال الدنيا اليوم؟

فقال : أما خبر الدنيا فما لي به علم ، وأما خبر الآخرة : قد عزل مالك خازن النار ، وتولى مكانه خالد ، والسلسلة كانت سبعون ذراعا فزيد فيها عشرون ذراعا أخرى.

فقال : ويحك ومن قال ذلك وأخبرك؟

فقال : إمام المسجد.

فقال : كذب لا جزاه الله خيرا.

ذكر شيء من خبر العنقاء

ذكر أرسطاليس في كتاب النعوت (٤) : إن العنقاء (٥) طير عظيم الخلق فيه جميع ألوان الطير ، وبطنها كبطن الطير ، وظهرها كظهر السبع ، وهو من أعظم سباع الطير. وكذلك الرخ عظيم الخلقة ، ويعيش ألفي سنة

__________________

(١) في المخطوط : لهم ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : بعلم ، وهو تحريف.

(٣) العنوان من صنع المحقق غفر الله له آمين.

(٤) في المخطوط : البعوت ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : عنقاء ، وهو تحريف.

٢٨٥

ولا يتزاوج (١) حتى يصير له (٢) من العمر خمسمائة سنة.

وسميت عنقاء لطول عنقها ، وأما وجهها فكوجه الإنسان. وإذا طارت يسمع لأجنحتها دوي كدوي الرعد القاصف ، وكذلك الرّخ. فإذا كان وقت بيضها يصير لها ألم عظيم وشدة شدية. وإيضاح (٣) وصفها يطول شرحه. وذكر أنها تصاد ويعمل من منقارها قداح عظام.

وكيفية / صيدهما : أنهم يأخذوا ثورين عظيمين ويجعلوا بينهما عجلة مركبة على عنقيهما ويثقلوا العجلة بصخور ثقال ، ومن وراء العجلة بيتا فيه رجل عنده نار مضرمة (٤) ، فإذا رأت العنقاء الثورين أو أحدهما ، فتنشب مخالبها ، وتهم بالطيران ، فلا تستطيع من العجلة والصخور فيطلع الرجل فيضرم النار في أجنحتها ، فتمسك بعد أن يتكاثر (٥) عليها الرجال بالسلاح ، فيقتلوها.

وذكر شارح المقامات العسكري أن أهل الرّس ، كان بأرضهم جبل يقال له : المخ ، يأوي إليه من الطير ما لا يعلمه إلا الله. وكانت العنقاء تأتيه في كل سنة مرة فتأكل من طيره ما شاء الله. ثم جاءت على عادتها فرأت جارية وغلام ، فانقضت عليهما وأخذتهما.

فشكوا ذلك إلى نبيهم ، واسمه حنظلة ، وكان في الفترة بين [سيدنا] عيسى [وسيدنا] محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم. فدعا عليها فأصابتها صاعقة ، فاحترقت ولم يأت بعدها غيرها ، وأبعدها الله عن الناس فلا يروها بدعوته ، والله أعلم والحمد لله وحده.

عدة أولاد عبد الملك بن مروان

عدتهم ستة عشر ذكرا : الوليد ، وسليمان ، ومروان أكبرهم ، ويزيد ، ومعاوية ، ومروان (٦) ، وهشام ، وبكار ، والحكم ، وعبد الله ، ومسلمة ، وعنسة ، ومحمد ، وسعيد ، والحجاج ، وقبيصة.

ويقال : إن عبد الملك رأى في منامه أنه بال في المحراب أربع مرات ، فغمه فوجه إلى سعيد بن المسيب يسأل عن ذلك فقال : الملك في ولده من صلبه أربعة. فكان كذلك ، ولي الوليد ، وسليمان ، / ويزيد ، وهشام.

__________________

(١) في المخطوط : بتجاوز ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : لها ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : إيظاح ، وهو تحريف.

(٤) بعدها في المخطوط كلمة : لابتات ، ولا أدري ما معناها ولا مناسبتها فحذفتها ، وربما كانت محرفة عن كلمة : لا تبان ، أي لا تظهر للعنقاء فالله أعلم.

(٥) في المخطوط : يتكاثروا ، وهو تحريف.

(٦) تكرر كما ترى.

٢٨٦

قضاته :

أبو إدريس الخولاني ، وعبد الله بن قيس.

[ذكر أيام](١) الوليد :

تولى سنة [سبع](٢) وثمانين ، وتوفي في النصف من جمادى الأولى سنة ست وتسعين ، وعمره ثمانية وأربعون سنة. وكانت ولايته تسع سنين وثمانية أشهر ، وهو أول من اتخذ البيمارستان (٣) للضعفاء وأول من اتخذ دار الضيافة. وعمل لكل أعمى قائدا ، ورتب (٤) للأعمى وقائده ما يقوما به ، وأقام بدمشق حارة لجماعة من المتعطلين ، ورتب لهم ما يكفيهم. وفي أيامه فتح أخوه (٥) سليمان مدينة طرانه من أرض الروم ، وفتح بلاد الأندلس وطليطلة وحمل إليه منها مائدة نبي الله سليمان بن داود عليهما‌السلام ، وكانت من عجائب الدنيا. وفي أيامه كان (٦) الطاعون الجارف بالبصرة ومات فيه في ثلاثة أيام مائة ألف ، وجاءت في أيامه زلازل أقامت أربعين يوما وفيها مات الحجاج بن يوسف الثقفي بواسط ، وهو بناها ، وكانت ولايته العراق عشرين سنة ، مات في شهر رمضان سنة خمس وتسعين وقد بلغ من العمر ثلاث وخمسون سنة.

ويقال : إن عدة من قتله الحجاج صبرا غير ما قتل في الحرب ، مائة وعشرون ألفا ، ومات في حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة.

ويقال : الوليد تزوج ثلاثا وستين امرأة. وفي سنة تسع وثمانين ابتدأ بعمارة مسجد دمشق ، ومسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وكان المتولي على نفقة العمارة عمر بن عبد العزيز.

عدة أولاده :

أربعة عشر ذكرا وهم : يزيد ، وإبراهيم وليا الخلافة. ومنهم العباس وهو فارس بني مروان ، وعمر فحل بني مروان وكان يركب في ستين ولد من صلبه. وعبد العزيز وبشر وباقيهم.

ذكر أيام سليمان :

/ بويع له يوم السبت النصف من جمادى الآخرة سنة ست وتسعين. وتوفي يوم

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة توضيحية من عمل المحقق غفر الله له.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

(٣) البيمارستان : هو المصحة أو ما يسمى في عصرنا بالمستشفى.

(٤) في المخطوط : رطب ، وهو تحريف.

(٥) في المخطوط : أجو ، وقد سقط من آخره الهاء.

(٦) في المخطوط : كان بزيادة التاء في آخرها ، فحذفتها.

٢٨٧

الجمعة لعشر خلون من صفر سنة تسع وتسعين ، وله من العمر خمس وأربعون سنة. مدة خلافته سنتين وسبعة أشهر وخمسة وعشرين يوما ، وكان أبيض فصيح اللسان معجبا بنفسه كثير الأكل والنكاح.

وفتح مدينة الصقالبة في سنة ثمان وتسعين وفي هذه السنة بدأ ببناء مدينة الرملة ورد المظالم لأهلها ، وجعل ابنه (١) أيوب ولي عهده ، فمات ، فجعل ذلك إلى عمر بن عبد العزيز. فحج بالناس سنة تسع وتسعين وكان سليمان إذا حضر طعامه فتح الأبواب ورفع الستور ، فيدخل الناس ويأكلون ولا يمنع أحد ، فإذا رفع الأكل وفرغ الناس نادى مناديه : من له حاجة فليسألها.

فقام إليه رجل من الناس فقال : يا أمير [المؤمنين] ، إن لي في بيت المال كل سنة مائتا دينار ، وقد أملكت على ابنة عم لي ، وشرطت لهم قبض المهر ولم يكن عندي ما أعطيهم ، فإن رأى أمير [المؤمنين] أن يسلفني مالي في بيت المال ، فأدفع مهر ابنة عمي (٢).

فقال سليمان : ويحك يا ابن اللخناء ، أمثلي يسلف المحتاج؟ بل أهبك مائتي دينار ، ومائتي دينار ، وجعل يكررها حتى انقطع نفسه ، فبلغ عدد تكرارها ثلاثة آلاف دينار ، فقبضها.

فقال بعض من حضر : فأين قوله يا ابن اللخناء من هذا العطاء.

فبلغ سليمان فقال : والله وددت لو افتديت مقالي له : يا ابن اللخناء بأضعاف ما أعطيته ، وإني لنادم عليها.

[حكاية عن الوليد والحجاج وأم البنين](٣)

قيل : وفد الحجاج [على](٤) الوليد ، فأذن له فدخل في سلاحه والوليد في غلالة فأطال الجلوس عنده ، فدخلت جارية فأسرت إلى أمير [المؤمنين] كلاما ومضت / ثم عادت وأسرت إليه كلاما ومضت.

فقال للحجاج : أتدري ما قالت يا أبا محمد؟

فقال : لا والله.

__________________

(١) في المخطوط : لابنه ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : ابن عمة ، وهو تحريف.

(٣) العنوان من عمل المحقق غفر الله له آمين.

(٤) ما بين المعقوفين زيادة يتطلبها السياق.

٢٨٨

فقال : بعثت بها إلى ابنة عمي أم البنين ، وقالت : ما جلوسك مع هذا الذي يسفك الدماء ويستحل قتل المؤمنين وأنت في غلالة وهو في سلاحه؟

فأرسلت إليها : إنه الحجاج.

فراعها فقالت : ما أحب أن يخلو بك ، وهو قاتل الخلق.

فقال الحجاج : دع عنك يا أمير [المؤمنين] فاكهة النساء بزخرف الأقاويل ، فإنما المرأة ريحانة وليست بقرمانة ، فلا تطلعهن (١) على سرك ، ولا تطل الجلوس عندهن ، ولا تشاورهن فإن ذلك أوفر لعقلك.

ثم خرج الحجاج ودخل أمير [المؤمنين] على ابنة عمه ، فأعلمها بمقالة الحجاج.

فقالت : يا أمير [المؤمنين] مره (٢) غدا بالتسليم عليّ.

فقال : نعم.

فلما كان من الغد ، دخل الحجاج.

فقال له : سر يا أبا محمد ، فسلم على أم البنين.

فقال : اعفني يا أمير [المؤمنين].

فقال : لا بد من ذلك.

فمضى إليها ، فحجبته طويلا فلم (٣) تأذن له بالدخول ثم أذنت له.

فدخل فمكث واقفا طويلا ولم تأذن له بالجلوس ، ولم تخاطبه من وراء سترها ، بعد ذلك قالت : يا حجاج ، أنت الممتن على أمير [المؤمنين] بقتل ابن الزبير ، وابن الأشعث؟!

أما والله لو لا علم الله أنك أهون خلقه وأبغضهم إليه لما ابتلاك برمي الكعبة بالمنجنيق وهدمها وسفك الدماء فيها وقتل ابن الزبير ، وهو ابن ذات النطاقين ، وأول مولود ولد في الإسلام. وأما ابن الأشعث فقد توالت عليك الهزائم لو لا ما نصرك أمير [المؤمنين] بجيش الشام. فما حملك يا ابن حافر الآبار بأن تشير على أمير [المؤمنين] بترك لذاته ، والامتناع من بلوغ أوطاره من نسائه؟ أتحسبه كنفسك الكافرة؟ أو نحن كمثل أملك اللخناء الوضيعة النسب؟ فلله در الشاعر حين يقول فيك شعر :

/ أسد علينا وفي الحروب نعامة

فزعا تفزع من صفير الصافر

__________________

(١) في المخطوط : تطلقهن ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : امراة ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : ثم ، وهو تحريف.

٢٨٩

هلا برزت إلى العدا يوم الرغا

بل كان قلبك في جناح الطائر

وغد لئيم من قبيلة مثله

فظ غليظ في القضايا حائر

اذهب ورح من حيث جئت فإنني

أكره كلامك أو أراك بناظري

ثم قالت : أخرجوه عني.

فلما دخل على أمير [المؤمنين] قال : ما كنت فيه يا أبا محمد؟

فقال : والله يا أمير [المؤمنين] ما سكتت حتى كان بطن الأرض أحب إليّ من ظهرها.

فضحك أمير [المؤمنين] وقال : ألم تعلم أنها ابنة عبد العزيز ولها من الشهامة رأسا؟!.

[شفاعة أبي حنيفة رحمه‌الله في جاره](١)

وما هو منقول من تاريخ بغداد : أن أبا حنيفة كان له جارا إسكافيا (٢) ، وكان يعمل نهاره فإذا رجع إلى منزله تعشى ثم يضع الخمر بين يديه فلا يزال يشرب فإذا أدب فيه الشراب يغني بيتا ولا يزيد عليه شيئا وهو :

أضاعوني وأي فتى أضاعوا

ليوم كريهة وسداد ثغر

ولا يزال يشرب ويردد هذا البيت حتى ينام ، وأبو حنيفة يسمع جلبته كل ليلة لأنه كان يصلي الليل كله. وصلّى الصبح بوضوء العشاء منذ أربعين سنة. ففقد صوته ، فسأل عنه.

فقيل : أخذه العسس وهو مسجون منذ ليال ، فلما صلى أبو حنيفة الفجر ركب بغلته وأتى دار الأمير ، فاستأذن فأذن له وأمرهم أن لا يدعوه ينزل عن بغلته حتى يطأ البساط.

فلما دخل عظمه الأمير وأجلسه وقال : ما حاجتك؟

فقال : اشفع في جار لي.

فأمر الأمير بإطلاقه وإطلاق من كان مسك تلك الليلة وإلى هذا اليوم فأطلقوهم إكراما له ففعلوا.

فركب أبو حنيفة وخرج والإسكافي خلفه.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية من عمل المحقق غفر الله له آمين.

(٢) في المخطوط : أسكافيها ، وهو تحريف.

٢٩٠

فقال له أبو حنيفة : يا فتى هل أضعناك؟

فقال : حفظت / الجوار والجار ، ثم تاب من يومه ببركة الإمام.

ومما وقع للحجاج حين عصى أهل العراق :

قال : لما تغلبت الخوارج على البصرة بعث إليهم عبد الملك جيشا فكسروه ، فبعث إليهم بالمهلب بن أبي صفرة ، فلم يطقهم. فأرسل يطلب جيشا نجدة له ، فجمع أمير [المؤمنين] جيشه ثم قال : من للعراق؟ فلم يجبه أحد ، فقام الحجاج فقال : أنا لها.

فكتب عهد وأرسله ، فلما بلغ القادسية أمر الجيش بالنزول ثم دعا بجمل عليه قتب فركب وتنكر وأخذ كتاب أمير [المؤمنين] وسار حتى دخل الكوفة وحده.

وجعل ينادي : الصلاة جامعة. ثم دخل الجامع وصعد (١) المنبر ، فهموا برجمه ، ثم أمسكوا. فلما غصّ المجلس قال : إني أرى بالكوفة أبصارا طامحة ، وأعناقا متطاولة ، ورؤوسا قد حان قطافها ، وأنا قاطفها.

وكأني أنظر إلى الدماء (٢) وهي تتقاطر على اللحى. علموا أن أمير [المؤمنين] بث كنانته ، فوجدني أمرها طعما ، وأشدها بأسا ، وأمدها سنانا ، وأحدها حساما ، وأقواها جنانا ، وأفتكها قتلا ، فإن تستقيموا تستقيم لكم الأمور ، وإن تأخذوا عرضا عن الطريق تروني لكم بكل مرصد.

والله لا قبل غيره ولا أرحم لكم عبرة ، ولا أوقر كبيركم ، ولا أرأف على صغيركم.

يا أهل العراق ، ويا أهل الشقاق والنفاق ومساوىء الأخلاق ، طال ما أوسعتم في الضلالة ، وسلكتم سبل الغواية ، أيا عبيد العصا ، وأولاد الأمة ، أنا الحجاج ابن يوسف الثقفي ، فاعرفوني إن كنتم لم تعرفوني.

أما مثلكم فقال الله سبحانه وتعالى : (قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ / وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ) [النحل : ١١٢].

فاستقيموا ، وإلا ما ثم إلا انتضاء السيف ولا أغمده إلا أن تصير الرؤوس ملقاة عن الأبدان.

واعلموا أن أمير [المؤمنين] أمركم أن تلحقوا بالمهلب (٣) بن أبي صفرة لحرب

__________________

(١) في المخطوط : وصل ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : الدنيا ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : المهب ، وهو تحريف.

٢٩١

الأعداء ، وقد أعلمتكم بذلك ، وأجلتكم ثلاثا ، وأعطيت الله عهدا وثيقا من تأخر بعدها استبحت ماله ، ودمه وعياله.

ثم قال : يا غلام ، اقرأ عليهم كتاب أمير [المؤمنين]. فقرأ : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله عبد الملك بن مروان إلى من بالعراق من المؤمنين والمسلمين ، سلام عليكم.

فقال الحجاج : أمسك يا غلام ، ثم قام مغضبا ، وقال : يا أهل العراق (١) ويا أهل الشقاق والنفاق ، يسلم عليكم أمير [المؤمنين] ولا تردوا عليه‌السلام ، والله لئن بقيت لكم لأدبتكم أدبا غير هذا ، اقرأ يا غلام.

فقرأ ، فلما بلغ السلام على الناس قال الناس جميعا : وعليه‌السلام ورحمة الله وبركاته.

ثم أكمل القراءة ، ونزل عن المنبر ، وأمر الناس بالتجهيز لحرب الأزارقة. فلما كان اليوم الثالث جلس الحجاج بنفسه للعرض ، فمر به عمرو بن ضاني التيمي وكان من أشرف أهل الكوفة فقال : أصلح الله الأمير ، ابن شيخ كبير ولي عدة أولاد فليختر الأمير أيهم شاء مكاني.

فقال الحجاج : لا بأس بشاب مكان شيخ ، فلما ولى قال له عتبة بن ربيعة : أصلح الله الأمير ، أتعرف هذا؟

قال : لا.

قال : هو عمرو التيمي الواثب على أمير [المؤمنين] عثمان بن عفان ، وهو مقتول ، فكسر ضلعا من أضلاعه.

فقال الحجاج : عليّ به.

فلما عاد قال له : أيها الشيخ ، أنت الواثب على عثمان بعد قتله؟ والكاسر ضلعه؟

فقال : إنه كان حبس والدي حتى مات / في سجنه.

فقال : يا عمرو ، أما سمعت مقالتي على المنبر؟

قال : نعم.

فقال : قبيح على مثلي أن يقول ولا يفعل ، ثم أمر بضرب عنقه ، فضربت.

فلما قتله خرجت الناس على وجوههم خوفا من سيفه وسطوته ، وازدحموا على

__________________

(١) قوله : يا أهل العراق تكرر بالمخطوط ، فحذفت التكرار.

٢٩٢

الجسر ، حتى سقط الكثير من الناس للقران متوجهين للمهلب بن أبي صفرة لحرب الأزارقة ، فانتصر المهلب والحجاج وعادوا بالغنيمة ودانت العراق لعبد الملك بن مروان.

ومما أورده القزويني في عجائب المخلوقات :

قال الشافعي : رأيت في اليمن إنسانا من وسطه إلى أسفله بدن امرأة ، ومن وسطه إلى فوق بدنان متفرقان بأربع أيدي ورأسين ، ووجهين ، وهما يأكلان ويشربان ، ويتخاصمان ويصطلحان ، ثم غبت عنها سنين ، ورجعت ، وسألت عنهما ، فقيل : مات أحدهما وربط من أسفله بحبل وشق وترك حتى ذبل ، فرأيت الجسد الآخر في السوق يمشي حيث أراد.

ومن العجائب ما ذكره الخوارزمي :

إن والي سجستان أهدى لمنوح بن منصور الساماني فرسا له قرنان ظاهران وثعلبا له جناحان من ريش إذا قرب منه إنسان نشرهما ، وإذا بعد لصقهما ، ودجاجة برأسين ، ودجاجة بأربع أرجل.

من خواص بيض النمل :

ما ذكره في عجائب المخلوقات : من سقي منه وزن درهم لا يملك نفسه من الإسهال والضراط. وإذا طلي البدن بمسحوقه فلا ينبت فيه شعر ، ويكون مخلوطا بالماء.

ومن خواص القمل :

إذا أردت أن تعلم ما في بطن الحامل ذكرا أم أنثى تأخذ شيئا من لبنها وتلقي فيه قملة ، فإن خرجت منه فأنثى ، وإن لم تخرج فغلام لأن لبن الذكر أغلظ من لبن الأنثى ، والله أعلم.

/ وذكر القزويني أن من العجائب حية تسمى الملكة :

طولها شبر ، على رأسها خطوط بيض كمثل القزعة لا تظهر إلا قليلا. إذا مشت على الأرض فكل ما مشت عليه احترق لساعته. وإذا طار فوقها طائر سقط عليها ومات.

ومن العجائب بئر دوامند (١) :

بئر عميق بجبل دوامند في النهار يصعد منها دخان وفي الليل نار. ومهما ألقيت فيها يمكث ساعة ثم يخرج منها ويلقى خارج البئر ، ولو كان حجرا عظيما.

__________________

(١) في متن المخطوط : بئر دوامن ، وفوقها «مند» ، وبالهامش تعليق بغير خط الناسخ نصه : اسم مكان بأرض العجم. ثم تصويب الاسم من سياق الخبر.

٢٩٣

بئر بنصورة :

في جزائر الهند بئر بداخله سمك إذا خرج منها يصير حجرا صلدا.

بئر عين ناطول :

في ناطول غار وفيه عين ينبع منه الماء يتقاطر على الطين فيصير ذلك الطين فأرا.

حكى من رآه قال : رأيت فيه قطعة طين نصفها قد صار فأرا ، والنصف الآخر طين يكمل خلقها.

عين نهاوند :

بقرب نهاوند عين من احتاج إلى الماء ليسقي أرضه يمشي إليها ويقول بصوت رفيع : إني محتاج إلى الماء ثم يمشي نحو أرضه فيتبعه الماء حيث شاء ، فإذا اكتفى يرجع للعين ويقول : اكتفيت ، ويضرب برجله الأرض فينقطع الماء.

جبل بأرض سمرقند :

فيه غار يتقاطر الماء منه في الصيف ينعقد جامدا وفي الشتاء يكون حارا ، من غمس يده فيه احترقت.

جبل الشبّ :

بأرض اليمن ، على قمة الجبل ماء يجري من كل جانب ، وينعقد حجرا قبل أن يصل إلى الأرض. والشب الأبيض اليماني منه.

جزيرة حانه :

بها أناس على خلق الآدميين ، وجوههم في صدورهم.

جزيرة أطوران :

بها قوم على خلق الإنسان رؤوسهم كرؤوس السباع.

جزيرة الرامج :

/ قال ابن الفقيه : بها أناس كالآدميين لهم كلام لا يفهم يطفرون من شجرة إلى شجرة مثل الطيور ، وبها نوع من السنانير. لهم أجنحة من آذانهم إلى أذنابهم ، وبها قرود مثل بيض الجواميس.

وقال بعضهم : نعوذ بالله من ثلاث : من صاحب السوء إن أحسنت لم يشكر ، وإن زللت لم يستر ، وإن أسأت لم يغفر.

٢٩٤

ومن الجار السوء : إن رأى (١) حسنة سترها ، وإن رأى (٢) سيئة نشرها وذكرها.

ومن المرأة السوء : إن غاب زوجها خانت وإن حضر أساءت عشرته وأهانته.

ومما وقع للمتوكل مع جاريته محبوبة :

كانت من أحس أهل زمانها وجها وأجودهم غناءا وشعرا. فكان يوما جالسا في مقام أنسه ، وإذا بعلي بن الجهم قد دخل عليه ، فقال له أمير [المؤمنين] : دخلت اليوم على محبوبة فرأيتها قد كتبت اسمي بالمسك على صدرها ، فما رأيت أحسن من ذلك السواد على ذلك البياض ، فقل في ذلك شعرا.

قال : فذهبت لأقول ، فارتج عليّ وسمعت محبوبة المقال من وراء الستار فطلبت الدواة وكتبت لساعتها تقول :

وكاتبة في الصدر بالمسك جعفرا

بروحي فديت المسك من حيث أثرا

لأن كتبت في الصدر سطرا بكفها

لقد أودعت قلبي من الحب أسطرا

فيا من لمملوك بملك يمينه

مطيعا له فيما أسر وأجهرا

يا من منامها في سريرة جعفر

رعا الله قلبا ساكنا فيه جعفرا

قال علي بن الجهم : لما وقعت عليّ هذه الأبيات فنعوت على نفسي جودة قريحتها.

فأمر أمير [المؤمنين] جعفر المتوكل بإنفاذ الشعر لغريب لتصوغ له لحنا ، وأمر أن لا يغنى ذلك اليوم إلّا به ، وأنعم عليها وأجزل عطايا ندماءه ذلك اليوم فوق عادتهم.

ومما وقع / لعيسى مع بنت أبي العائشي المعتصم أخت جعفر المتوكل :

قال : كان عيسى يهوى جارية من جواري الست عائشة أخت جعفر المتوكل ، وكانت بارعة الجمال ، كريمة في النوال ، لها الشعر الرقيق التي فاقت به على شعراء أهل زمانها. فلما بلغها ذلك قالت : والله لو استوهبها مني لوهبته إياها.

فبلغ ذلك عيسى فكتب يقول :

يا بنت عم الهاشمي المرسل

أخت الخليفة جعفر المتوكل

بالله إلّا جدت لي بحبيبتي

في سرعة قبل الصباح المقبل

ومري رفيقتها تغمض عينها

عني وعنها ساعة وتفضلي

__________________

(١) في المخطوط : وا ، وهو تحريف.

(٢) في المخطوط : وا ، وهو تحريف.

٢٩٥

فلذلك أجر لو علمت ثوابه

لحللت دكتها وقلت لها افعلي

قال : فوهبته الجارية وكتبت معها تقول :

يا ظالما في القول لم يتجمل

ما خاف في شكواه لوم العذل

لا تبدي ما تهوى وكن متجلدا

إن المحب إذا هوى لم يعجل

ضم القوام إذا ظفرت (١) بخلوة

منها وإن غفل الرقيب فقبّل

ها قد وهبتكها ، فدم في نعمة

فلرب يوما بالسعادة مقبل

ومما وقع لأمير المؤمنين الأمين مع عمه إبراهيم :

رأى جارية تضرب بالعود في غاية الحسن فأعجبته ومال بخاطره إليها وظهر ذلك عليه. فلما عرف عمه ذلك ، بعث بها إليه مع هدية عظيمة القدر ، فلما وصلت إليه ظن أن عمه يطأها فكره ذلك ، وقبل الهدية ، فعلم إبراهيم السبب من بعض الخدم.

فأخذ قميصا من الحرير المرقوم بجامات الذهب وكتب على ذيله بالذهب يقول :

لا والذي تسجد الجباه له

ما لي بما تحت ذيلها خبر

ولا بفيها ولا هممت بها

ما كان إلا الحديث والنظر

ثم ألبسها القميص ، وأعطاها عودا وبعث بها / للأمير ثانيا. فلما دخلت أصلحت عودها وغنت هذه الأبيات مما علمها إبراهيم بن المهدي :

هتكت الضمير بردي وقد

كشفت الضمير لنا فانكشف

فإن كنت تكره ما قد ضمنت

فإني عذراء بكسر النطف

قال : فنظر الأمير إليها ورأى ما على ذيل القميص من الكتابة ، فلم يملك نفسه إلا أن أدناها إليه وقبلها ، وأفرد لها أحسن مقاصيره ، وحظيت عنده وشكر عمه وولاه الري وجعل خراجها له.

ومما وقع للمتوكل على الله :

قال : شرب الأمير دواء ، فأهدت له أرباب مملكته هدايا عظيمة.

وأهدى له الفتح بن خاقان جارية بكر عذراء لم تر العين أحسن منها وبصحبتها دنّ من بلور فيها شراب أحمر ، وجام من ذهب مكتوب عليه بالأزورد هذه الأبيات وهي :

إذا خرج الإمام من الدواء

وأعقب بالسلامة والشفاء

__________________

(١) في المخطوط : ضفرت ، وهو تحريف.

٢٩٦

فليس له دواء غير شرب

بهذا الجام (١) من هذا الطلاء

وفض الخاتم المهدي إليه

فهذا صالح بعد الدواء

قال : فدخلت الجارية عليه بما معها وعنده يوحنا الطبيب ، فقال : يا أمير [المؤمنين] إن الفتح أعرف مني بصناعة الطب فلا تخالفه فيما أمر.

ومن النوادر ما وقع لأمير المؤمنين عبد الله المأمون :

قال : كان في أيامه رجل حائك ينسج القماش ، لا يبطل من عمله في جمعة ولا عيد ، حتى إذا ظهر الورد طوى شقته وبطل عمله ، وغرد بصوت عال وينشد :

طاب الزمان وجاء الورد فاصطحبوا

ما دام للورد أنهار ونوّار

ما العمر غير زمان الورد إن تره

فاقصر به من لذيذ العيش أوطار

ثم يجتمع بأصحابه على الراح ، ويواصل الاعتناق / بالأصباح وينشد هذين البيتين :

اشرب على الورد من حمراء صافية

شهرا وعشرا وعشرا بعدهم عدد

خمسين يوما تراه عنك مرتحلا

فتلك مدته من أقصر المدد

قال : ولا يزال منهمك في الراح مساء صباح حتى ما تبقى وردة واحدة ولا مما جمعه في عامه درهم واحد ، فيهتم للعود لشغله والمبادرة إلى عمله ، ثم ينشد عند انصرافه لعمله :

فإن يبقني ربي إلى الورد اصطبح

وإن مت يا لهفي على الورد والخمر

سألت إله العرش جل جلاله

يواصل قلبي بالمدام إلى الحشر

قال : فبلغ خبره لعبد الله المأمون ، فقال : والله ، لقد نظر هذا الرجل إلى الورد بعين جليلة فينبغي معونته عليه ومساعدته.

فطلبه ، ورتب له في كل عام ثلاثين ألف درهم ، وقال له : استعن بها على ملاقاة الورد.

ومما وقع لأمير زوج ابن حاتم بالغرب وهو من الفاطميين وكان بأفريقية :

جلس يوما في منظرة له وعنده حظية له لم تر العين أحسن منها ، فدخل عليه أحد خدامه ، ومعه قادوس مملوء ورد أحمر ، وأبيض في غير أوانه فأعجبه وأمر بأن يملأ قادوسه دراهم.

فقالت الحظية : ما أنصفه أمير [المؤمنين].

__________________

(١) في المخطوط : الشام ، وهو تحريف.

٢٩٧

فقال : ولم ذلك؟

قالت : إن ورده أحمر وأبيض فاملأ قادوسه ذهب وفضة ، ثم أنشدت تقول :

أهداك ورد أحمر مع أبيض

يزهوا بحسن في عيون الناظرين

لوّن عطاءك أحمر مع أبيض

ورقا وعينا يا أمير المؤمنين

هذا هو الإنصاف إن أنصفته

والفضل للبادي حقيقا ويقين

قال : فأمر أن يخلط الذهب والفضة ويملأ قادوسه.

فأخذه الخادم وخرج به للرجل الذي أهداه فجاء فقيرا ، وعاد غنيا.

ونظير / ذلك ما وقع للرشيد :

قال أبو إسحاق النديم : دخلت يوما على الأمير هارون الرشيد ، وبين يديه ور أحمر وأبيض ، وعنده جارية من حظاياه لم تقع العين على حسن مثلها.

فقال الرشيد : قل يا أبا إسحاق في هذا الورد شيئا يليق بما نحن فيه ، فقال فيه :

انظر الورد في نوعيه عجب

والكل من فوقه قد زاده بللا

كأنه خد محبوب يقبله

فم الحبيب وقد أبدى به خجلا

فقالت الجارية : أخطأت في البيت الثاني خطأ ظاهرا.

فقلت : ولم ذلك؟

قالت : كان يقال فيه :

كأنه لون خدّي حين تدفعني

يد الرشيد إلى ما يوجب الغسلا

فقال الرشيد : صدقت ، هكذا كان يقال ، فقد أحسنت وأصبت ، وقد شوقني مقالها للخلوة ، وأمرني بالانصراف.

وفي معنى ذلك :

يباع ورد كبدر تمّ

وسألن الصدغ منه جعدي

يقول عندي ورد رياضي

وورد جنات روضي خدي

من رام شمّا أو رام لثما

كلاهما من يروم عندي

والجمع ما بينهم جميل

مع رشف ريقي وضم قدي

في بائع ورد أيضا :

سألت بدرا يبيع وردا

في وقت لا ثمّ ورد يقصد

٢٩٨

من أين ياذا جنيت هذا

فقال من خدي المورد

ونظيره :

رأيت غضّا يبيع وردا

يفتن بالحسن من رآه

فقلت للحاضرين : هذا

لا شك من خده جناه

ونظيره :

غزال له من روض خديه جنة

بها الورد جاني من أني نحوه جاني

فقلت له : حبي أفي الروض مثله

فقال : نعم ، ولكن ذا قاني

ونظيره :

رام طبي الترك وردا

قلت : أقصر خاب ضدك

عندك الورد المربى

/ قال : قاني ، قلت : خدك

بدا نجد الحبيب ورد

فمال قلبي إلى الحبيب

وقلت شوقا لما بدالي :

يا ليته كان من نصيبي

ونظيره :

لما رماني من أحب بورده

فأحيا قتيلا (١) بالصبابة عاني

ووالله ما كذبت ظني بأنه

تناولها من خده ورماني

[قصد المأمون](٢)

اقتصد المأمون يوما ، فطلب ماء يشربه ، فأرسلت له بعض حظاياه باطية من خالص البلور مملوءة ماء ممزوج بماء خلاف ، وجام من البلور يشرب به وكتبت على الباطية هذه الأبيات :

أقصدت عرقا تبتغي صحة

أعقبك الله بذا العافية

فاشرب بهذا الجام يا سيدي

مستمتعا من هذه الباطية

واجعل لمن أهداكها زورة

تحظى بها في الليلة الآتية

فلما قرأ الأبيات قال : بل الليلة أحسن. ثم قام من وقته ، ودخل إليها ، وأقام عندها نهاره.

__________________

(١) في متن المخطوط : قليلا ، والتصويب من هامش المخطوط ، وبخط الناسخ.

(٢) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية من عمل المحقق غفر الله له آمين.

٢٩٩

[مفاخرة بين بكر وثيب](١)

عرض على هارون الرشيد جاريتان إحداهما بكر والأخرى ثيب ، فأخذ البكر وأعرض عن الثيب ، فقالت الثيب : لم أعرض عني الأمير؟

فقال بديها :

قالوا تحب مطية فأجبتهم

أشهى المطى إليّ ما لم يركب

كم بين حبة لؤلؤ مثقوبة

تزهو وأخرى دونها لم تثقب

قالت : أو يأذن لي الأمير في الجواب؟

قال : أذنت.

فقالت :

إن المطية لا يلذ ركوبها

حتى تذلل بالخطام وتركب

والدر ليس بنافع في نفسه

حتى ينفذ بالنظام (٢) ويثقب

قال : فأعجبه ذكاؤها وحسن استحضارها للجواب بالشعر بديهة. فاشتراها ، وحظيت (٣) عنده.

ونظير ذلك :

قال : عرضت عليه أيضا جاريتان فأخذ إحداهما وأعرض عن الأخرى.

فقالت له : لم أعرض عني الأمير؟

فقال : الكبر في أقدامك.

فقالت : إن أذن أمير [المؤمنين] في الجواب / عن ذلك أجبت.

فقال : أذنت لك فيه.

فقالت :

يقولون فيها فرد عيب

وأنه بأقدامها كبر يزيد عن الحد

فقلت لهم : ذا الهم يترك عاجلا

وراء الظهر حين تعلو بعزم على النهد

ثم قالت : يا أمير [المؤمنين] ، هم تتركه وراء ظهرك لا تخشاه.

قال : فأعجبه ذكاؤها ، وحسن اعتذارها فاشتراها وأكرم مثواها ، وحظيت عنده بعد ذلك.

__________________

(١) ما بين المعقوفين زيادة تصنيفية من عمل المحقق غفر الله له آمين.

(٢) في المخطوط : بالنضام ، وهو تحريف.

(٣) في المخطوط : وحضيت ، وهو تحريف.

٣٠٠